المشهد المصري:
- حادث جنوح « إيفر جيفن» في قناة السويس ودلالاته.
أعلنت مصر، الخميس 25 مارس 2021، تعليق الملاحة مؤقتاً في قناة السويس؛ جراء جنوح سفينة الحاويات البنمية العملاقة «EVER GIVEN»، عند الكيلومتر 151 ترقيم قناة. وقد صرح رئيس هيئة القناة، أسامة ربيع أن تعليق الملاحة مستمر حتى الانتهاء من أعمال تعويم السفيبنة الجانحة.
والسفينة الجانحة “إيفر جيفن” هي حاملة حاويات عملاقة طولها 400 متر وعرضها 59 متراً وحمولتها 224 ألف طن، ومدارة بواسطة شركة الشحن التايوانية “إيڤر غرين”، وقد أدى جنوحها صباح الثلاثاء 23 مارس 2021، نتيجة «انعدام الرؤية الناجمة عن سوء الأحوال الجوية نظرا لمرور البلاد بعاصفة ترابية، حيث بلغت سرعة الرياح 40 عقدة (نحو 75 كيلومتراً في الساعة)، مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها» بحسب بيان هيئة قناة السويس، إلى توقف حركة مرور السفن في كلا الاتجاهين بقناة السويس؛ ما تسبب في أكبر ازدحام في حركة الشحن البحري في العالم؛ حيث تجمعت عند طرفي القناة عشرات السفن، ومنها حاويات كبيرة أخرى وناقلات نفط وغاز وسفن نقل حبوب.
جدير بالذكر أن قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومترا، يمر منها يومياً نحو 30% من حاويات الشحن في العالم، ونحو 12% من إجمالي التجارة العالمية لجميع السلع. وهي تعتبر مصدر دخل حيوي لمصر وبلغت إيراداتها 5,61 مليار دولار العام الماضي. وقد أعلن السيسي في 2015 مشروعا لتطوير القناة يهدف إلى تقليل فترات الانتظار ومضاعفة عدد السفن التي تستخدمها بحلول عام 2023. ولهذه الغاية، تم حفر مجرى جديدا في 2014[1].
وقد أثارت حادثة تعطل الملاحة في قناة السويس ثلاث قضايا رئيسية[2]؛ الأولى: فشل النظام في التعامل الإعلامي مع مثل هذه الأزمات الكبرى، حيث إلتزم رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، القائد السابق للقوات البحرية المصرية، الصمت المطبق حيال الحادثة لأكثر من أربع وعشرين ساعة؛ فبينما وقعت حادثة جنوح الحاوية صباح الثلاثاء بحسب بيان الهيئة، فإن بيان الهيئة نفسه بشأن الحادثة لم يصدر سوى يوم الأربعاء، أي بعد وقوع الحادث بـ 24 ساعة؛ تاركين المجال خلال هذه الساعات لمتابعي شؤون النقل البحري والبحارة والعاملين بشركات النقل والسفن، ليكونوا هم مصدر الصور والمعلومات عن الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما امتنع مسؤولو الهيئة خلال هذه الفترة عن الرد على جميع اتصالات وسائل الإعلام ومراسلي الوكالات العالمية في مصر، حتى فجر الأربعاء، عندما قال أحد المسؤولين بمقر الهيئة الرئيسي في محافظة الإسماعيلية، للصحافيين المصريين إنّ “النشر غير مسموح حتى الآن، وسنصدر بياناً في وقت لاحق”؛ وهو ما قاد إلى التأخر اللافت لوسائل الإعلام العالمية والعربية في التعاطي مع الحدث.
القضية الثانية: قدرة هيئة القناة على إدارة قناة السويس ومدى قدرتها على مواجهة مثل هذه الأزمات، خاصة مع وجود ملاحظات بشأن تعاطي هيئة القناة مع مسألتين مهمتين؛ الأولى، هي أنه قبل ساعات من دخول السفينة الآتية من الصين للقناة، كانت هيئة الأرصاد المصرية قد حذرت من سوء الأحوال الجوية وانعدام الرؤية نظراً للعاصفة الترابية التي تضرب مصر منذ مساء الإثنين 22 مارس، إلا أنّ هيئة القناة لم تتخذ أي قرار بهذا الشأن، مما تسبب، وفقاً للبيان الصادر عن القناة، في تعطل الكهرباء وجنوح السفينة. المسألة الثانية: أن هناك معلومات تشير إلى أن السفينة الجانحة كانت تنقل حمولة تبلغ أكثر من 224 طناً، أي بزيادة 4 أطنان تقريباً عن أقصى استيعاب مسجل لها، وأن الهيئة لم تتخذ أي احتياطات خاصة لعبور السفينة العملاقة، التي تعتبر من أكبر عشر حاملات حاويات في العالم من حيث الحجم بطول 400 متر وعرض 60 متراً، ومن حيث الحمولة بقدرتها على استيعاب 220 طناً، علماً بسابقة تسببها في أزمة مشابهة في ميناء هامبورغ شمال ألمانيا عام 2019.
القضية الثالثة: تتعلق بمدى كفاءة رئيس هيئة القناة أسامة ربيع (65 عاماً)، والذي عينه السيسي رئيساً لهيئة القناة في أغسطس 2019، خلفاً للفريق مهاب مميش، بعد ثلاث سنوات قضاها “ربيع” في منصب نائب رئيس هيئة القناة. حيث يرى مراقبون أن أختيار “ربيع” لهذا المنصب فقط لتكريس مبدأ انتماء رئيس الهيئة للقوات البحرية والخلفية العسكرية، على الرغم من مطالبات شرائح واسعة من العاملين بالهيئة بتغيير هذا التوجه، والعودة للاعتماد على أشخاص لديهم خبرة أكبر في التعامل مع النقل البحري المدني ومشاكله، كما كان الوضع حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي.
- تقارب القاهرة وأنقرة وأثره على المعارضة المصرية في تركيا.
منذ وقت طويل تحدث مراقبون عن إتصالات بين القاهرة وأنقرة لتقريب وجهات النظر ولتجاوز خلافات الجانبين بما يحقق مصالحهما؛ خاصة أن القطيعة بين البلدين أضرت كثيراً بمصالحهم خلال السنوات الماضية منذ يوليو 2013، سواء فيما يتعلق بالأزمة الليبية، وملف غاز شرق المتوسط، وغيرها من القضايا المشتركة، وقد كان ثمة مؤشرات عدة على هذه الإتصالات. منذ أيام طالبت السلطات التركية مسئولي قنوات «الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي في سبيل المساهمة في تحسين العلاقات التركية المصرية»[3]، ومع الطلب نشطت سوق التحليلات والتكنهات بشأن مستقبل المعارضة المصرية بتركيا وقنوات المعارضة التي تبث من هناك، وقد أظهر مؤيدي النظام المصري فرح شديد وشماتة واضحة بهذا التطور معتبرينه بداية النهاية للمعارضة المصرية في تركيا وقنواتها الإعلامية، كما أظهر إعلاميون مصريون معارضون بتركيا وجل شديد مما حدث ومن تطوراته المستقبلية المتوقعة وساهموا بدورهم في نشر مشاعر الترقب بين المعارضين والإعلاميين المصريين المقيمين في تركيا[4]، وذلك رغم نفى ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وجود قرار تركي رسمي بإغلاق قنوات المعارضة التلفزيونية، قائلاً “بعدما تلقينا طلبا مصريا حول محتوى تلك القنوات، طلبنا منها تجنب التحريض على النظام المصري”، وهو ما أكده مصدر آخر في الحكومة التركية[5].
في هذا السياق، صرح إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان، بأنه “إذا عُرض على المعارضة المصرية -ونحن جزء منها- حوار مع النظام بما ييسر أوضاع المعتقلين ويحسن أحوال الشعب، فلن نرفض”، وأنه يثق في تركيا ويقبل وساطتها لحلحلة الأزمة المصرية المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي. وهو التصريح الذي قوبل بترحيب واسع من جانب مختلف أطياف المعارضة السياسية في المنفى؛ مرحبين بأية وساطة تركية تحاول تقريب وجهات النظر بين الحكومة المصرية والمعارضة في المنفى، وفي نفس الوقت مثمنين لموقف جماعة الإخوان المسلمين من الحوار مع النظام المصري.
يمكن القول هنا أن لدينا 4 قضايا مختلفة، قد تؤثر كل قضية منها على الأخرى، لكن تبقى كل منها مستقلة عن الأخرى في النهاية؛ القضية الأولى: التقارب المصري التركي، والذي رأى كثير من المراقبين أنه كان متوقعاً منذ فترة طويلة، وأنه كان ثمة مؤشرات عدة على وجود تواصل غير رسمي بين الدولتين منذ فترة. القضية الثانية: مستقبل المعارضة المصرية في تركيا، وهل تقود الاتصالات الجارية بين القاهرة وأنقرة إلى تسليم المعارضين لمصر. القضية الثالثة: مستقبل القنوات التلفزيونية الثلاث «الشرق، مكملين، وطن»، التي تبث من تركيا، بعد طلب السلطات التركية من مسئولي هذه القنوات بأن تلتزم بميثاق الشرف الإعلامي فيما تبث من مواد، وهل من الممكن أن يقود هذا لوقف بثها نهائياً. القضية الأخيرة: مسألة المصالحة بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين، في سياق التطورات الراهنة على الصعيد الدولي مع وصول بايدن لسدة الحكم في واشنطن، وعلى الصعيد الإقليمي مع التقارب المصري التركي الجاري، وقبله مع المصالحة الخليجية، وما يبدو من تراجع للتحالف الذي كان يضم “مصر والإمارات والسعودية ومعهم البحرين”. والافتراض الذي نطرحه أن كل قضية من هذه القضايا الأربعة مستقلة وتحكمها شروط خاصة، حتى وإن بدت متأثرة بباقي القضايا.
وفق هذه المعطيات المذكورة يمكن التأكيد على عدد من النقاط؛ وهي: (1) أن هناك قضايا ثلاث لا يجب الخلط بينها، وهي المصالحة المصرية التركية، والثاني مستقبل المعارضة المصرية في تركيا، والثالث هي مستقبل قنوات المعارضة الثلاث «وطن، مكملين، الشرق»، والرابع مستقبل المصالحة بين النظام والمعارضة وجماعة الإخوان المسلمين، وأن مهما كان التأثير المتبادل بين القضايا الأربعة إلا أنها تبقى مستقلة عن بعضها، وكل واحدة منها على حدة تحكمها متغيرات وعوامل خاصة بها. (2) أن المعارضة المصرية في المنفى قد بدت خلال السنوات الماضية أنها غير فاعلة وفقدت الكثير من كل أوراق القوة التي تمتلكها، ولم تعد تملك من أوراق ضغط سوى القنوات الثلاث التي تبث من تركيا، أما المعارضة نفسها فلم تعد قادرة على تحريك الشارع المصري، وبصيغة أقل حدة لم تعد راغبة في قيادة أي تحرك حقيقي لتغيير الأوضاع في مصر. وبالتالي النظام المصري غير مهموم باستلام معارضيه في تركيا؛ خاصة مع التركيز الدولي مع ملف حقوق الإنسان في مصر، وباعتبار أنها معارضة غير فاعلة في الحقيقة أو مزعجة. (3) أن القنوات الثلاث «الشرق، مكملين، وطن» هي الأكثر من تأثرت سلباً بالتقارب المصري التركي، وإن كانت المطالب التركية لهذه القنوات توقفت عند مطالبتها بالمهنية فيما تبث، كما أن هذه القنوات لا زالت تبث حتى اللحظة ولم يتغير خطها التحريري سوى بشكل طفيف. (4) أن التقارب المصري التركي في بداياته، مما لا يسمح لتركيا بلعب دور الوساطة بين النظام المصري والمعارضة في المنفى، حتى وإن حرصت القيادة السياسية التركية على لعب هذا الدور، لكن سيظل ذلك مؤجلاً حتى بناء جسور الثقة بين الجانبين. (5) يبقى خيار المصالحة بين النظام والمعارضة وجماعة الإخوان المسلمين مستبعداً على الأقل في المدى المنظور؛ خاصة أن المعارضة والإخوان لا يملكون أوراق ضغط تدفع النظام للقبول بالتفاوض معهم، كذلك فإن النظام أسس شرعيته على العداء للإسلاميين ولم يحدث ما يدفعه لتغيير هذا التوجه، وأخيراً: يبدو أن تصريحات “إبراهيم منير” ومن بعده المعارضة بخصوص قبوله الحوار مع النظام بوساطة تركية، موجهة لتركيا وللخارج ككل أكثر من كونها موجهة للنظام وللداخل المصري.
المشهد الإقليمي والدولي
– السياسة الخارجية المصرية:
أولًا: الدائرة الإقليمية:
العلاقة مع إسرائيل: بالرغم من وجود التجارة بين مصر وإسرائيل إلى جانب المشاريع المشتركة مثل المناطق الصناعية المؤهلة “اتفاقية الكويز”، التي تسمح بتصنيع المنتجات وتصديرها إلى الولايات المتحدة بدون تعريفات جمركية، منذ فترة طويلة، فإن الجديد هو العمل على مستويات ذات إمكانات كبيرة، مثل مشاريع الغاز المشتركة والسياحة.
ففى فبراير الماضى، سافر وزير الطاقة المصري “طارق الملا” إلى إسرائيل للقاء نظيره الإسرائيلي “يوفال شتاينتس”، وكذلك رئيس الوزراء “نتنياهو”، لمناقشة مشروع تعاوني كبير. وسوف يتم نقل الغاز من حقل “ليفياثان” البحري الإسرائيلي في شرق البحر المتوسط عبر خط أنابيب جديد في قاع البحر للوصول إلى منشآت التسييل في مصر.
ويتم حاليًا إرسال الغاز من حقل “ليفياثان” إلى مصر عبر خط أنابيب يمتد إلى شبه جزيرة سيناء. والهدف من هذا المشروع الجديد، وفقا لمسؤول إسرائيلي، هو استخدام هذه المنشآت لتصدير الغاز إلى أوروبا، حيث يتزايد الطلب. ومما لا شك فيه أن إسرائيل ترى في هذا التعاون وسيلة لربط الاقتصاد المصري بإسرائيل حتى يفكر أي زعيم مصري مستقبلي مرتين قبل تقويض العلاقات الثنائية.
وبعيدا عن التعاون في مجال الغاز، يأمل المسؤولون المصريون في جذب السياح الإسرائيليين للعودة إلى مصر، لا سيما إلى مدن المنتجعات في سيناء مثل شرم الشيخ. وفي أوائل شهر مارس من هذا العام، التقى وزير المخابرات الإسرائيلي “إيلي كوهين” مع نائب رئيس المخابرات المصري “ناصر فهمي” في شرم الشيخ وقال إن مصر تبذل “كل ما في وسعها” لجعل سيناء آمنة للسياح الإسرائيليين. ومن المثير للاهتمام، أن “كوهين” كان برفقة 60 من المسؤولين ورجال الأعمال الإسرائيليين، ما يشير إلى أن كلا البلدين يأملان في تعزيز السياحة في الأعوام المقبلة[6]. وفى هذا السياق، فقد قال رشدي زكريا، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران، فى 22 مارس الحالى، خلال قمة العرب للطيران، في نسختها الثامنة بإمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية، أنه يدرس بدء تسيير رحلات جوية إلى تل أبيب في إسرائيل[7].
ثانيًا: الدائرة العربية:
العلاقة مع ليبيا: وصل رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، فى 25 مارس الجارى، إلى العاصمة المصرية القاهرة، والتقى عبد الفتاح السيسي. ونشر المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، عبر صفحته على “فيسبوك”، إلى أن المنفي ونائبه عبد الله اللافي ووفدا مرافقا لهما وصلوا إلى القاهرة، في زيارة عمل[8]. ويأتى ذلك بالتزامن مع قيام وفداً أمنياً من اللجنة المعنية بالملف الليبي، التابعة لجهاز الاستخبارات العامة، بزيارة إلى العاصمة الليبية طرابلس، لبحث عدد من الملفات المشتركة، المتعلقة باتفاقات جرت في القاهرة بين الدبيبة والسيسي، خلال زيارة الأول للعاصمة المصرية في شهر فبراير الماضي. وتتمثل الملفات التى سيتم تباحثتها خلال هذه الزيارات فى، الإجراءات المتعلقة بإعادة فتح السفارة المصرية في طرابلس والقنصلية في مدينة بنغازي.
وترتيبات عودة العمالة المصرية بشكل رسمي إلى ليبيا، والامتيازات الممنوحة لهم، حيث من المقرر أن تبدأ ليبيا وفقاً لاتفاق مبرم مع المسؤولين في مصر، باستقبال نصف مليون عامل مصري في قطاعات البناء والتشييد، وعدد من القطاعات الأخرى. وإجراء مشاورات بشأن التوافق على المحاور الأساسية لمشروع مد خط للسكة الحديد بين مصر وليبيا انطلاقاً من خط القطار السريع في محافظة مرسى مطروح، ثم إلى ميناء جرجوب، ومنه إلى داخل الأراضي الليبية.
كما ستتناول المناقشات التحركات التي تقودها القاهرة في الوقت الراهن لدعم حكومة الدبيبة. حيث تسعى القاهرة إلى ترتيب لقاء بين الدبيبة وقائد مليشيات شرق ليبيا، خليفة حفتر، لإنهاء حالة الجمود والتوتر بينهما. حيث تسعى القاهرة إلى تغيير موقف حفتر الرافض لاستقبال الدبيبة في قاعدة الرجمة. كما تتضمن الزيارة مشاورات بشأن مستقبل حقيبة الدفاع في حكومة الدبيبة، والتي لم يكلف بعد أي اسم بتسلمها، وسط خيارات عدة، يأتي من بينها احتفاظ الدبيبة نفسه بالحقيبة إلى جانب رئاسة الحكومة، وذلك تجنباً لإثارة أزمة في وجه حكومته، في ظلّ تمسك حفتر بموقفه الرافض تسليم الولاية بقواته إلى الحكومة الليبية الموحدة[9].
ثالثاً: أزمة سد النهضة:
- سد النهضة والوساطة الإقليمية والدولية:
مع اقتراب ميعاد الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، الذي تتمسك به إثيوبيا، في موسم الأمطار، في يونيو المقبل، وترفضه مصر والسودان، قبل التوصل إلى اتفاقية ملزمة لإدارة وتشغيل السد، تتسارع احتمالات الصدام بين الدول الثلاث؛ فلا يبدو أن إثيوبيا ستتراجع عن مخططها، الذي تؤكد عليه، ليلًا ونهارًا، على لسان كبار مسؤوليها، وكذلك مصر والسودان، اللتان وحدتا رؤيتهما منذ إقدام إثيوبيا على الملء الأول بشكل منفرد. وانتهجت مصر في الفترة الأخيرة تحركات دعائية؛ حيث صدرت تعليمات في 17 مارس الحالي من الاستخبارات العامة المصرية إلى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، بتصعيد الحديث عن ضرورة الحسم بالقوة، والإشارة الصريحة إلى مطالبات استخدام القوة العسكرية طالما استمرت أديس أبابا على موقفها المتشبث باستمرار العمل للملء الثاني المنفرد للسد، بدون اشتراط التوصُّل إلى اتفاق نهائي على قواعد الملء والتشغيل. أما السودان؛ فكانت تحركاتها إجرائية بالدرجة الأولى؛ حيث أعلن وكيل وزارة الري السودانية ضو البيت عبد الرحمن، أن مهندسي الوزارة في إدارتي الخزانات ومياه النيل، يعملون للتحسب لكل السيناريوهات المحتملة جراء الملء الأحادي لسد النهضة، وذلك للحد من الآثار السلبية المتوقعة.[10]
وأعلنت مصادر دبلوماسية مصرية إن الاتصالات التي جرت خلال الأيام الأخيرة بالأطراف الأربعة، التي تمثل آلية الرباعية الدولية المقترحة لتولي جهود الوساطة في قضية سد النهضة، عكست ترددًا وقلقًا من كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بشأن انتهاء عمل الآلية من دون تحقيق تقدم، بسبب التعنُّت الإثيوبي من جانب، واتساع الخلاف الفني والقانوني بين كلٍّ من مصر والسودان وإثيوبيا من جانب آخر. وأن تلك الاتصالات أجرتها الخارجية المصرية والسودانية بصيغة مشتركة أحيانًا، وكل على حدة في أحيان أخرى. وعلى الرغم من أن بعض الأطراف، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لديهما رؤى فنية يمكن البناء عليها على خلفية مشاركتهما السابقة كمراقبين، إلا أنهما متخوفان من أن يفضي كل هذا العمل إلى لا شيء، وهو ما يدفعهما للتردد، انتظارًا لنداء جماعي بالمشاركة، أو اتفاق برعاية الاتحاد الإفريقي على استدعاء الأطراف الدولية للمشاركة في هذه الآلية الوسيطة. وحول موقف الاتحاد الإفريقي فإن بعض مسؤولي مفوضية الاتحاد يعارضون المقترح بشدة، ويعتبرونه تدويلًا للقضية، من دون سلك القنوات الطبيعية لذلك، لكن في الوقت نفسه هناك تعاطف من رئاسة الاتحاد الحالية (دولة الكونغو الديمقراطية) مع المقترح لأسباب عدة، منها أن الآلية ستقلل من المسؤولية المفترضة عليها، وستجعلها تتلافى حرج المواجهة مع مصر وإثيوبيا بشكل خاص، أخذًا في الاعتبار الحساسيات القائمة بين كينشاسا وأديس أبابا حاليًا بسبب ما تصفه الأخيرة بميلها للقاهرة.[11]
وفي خطوة لمحاولة حلحلة الأزمة؛ بادرت كلٌّ من الإمارات والسعودية عن استعدادهما للتوسط بين أطراف الأزمة. فأعلنت الحكومة السودانية موافقتها على مبادرة من الإمارات العربية المتحدة للتوسط بينها وبين إثيوبيا لحل خلافاتهما الحدودية ومشكلة سد النهضة المثير للجدل. حيث أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الثقافة والإعلام حمزة بلول؛ مناقشة مجلس الوزراء الانتقالي للمبادرة الهادفة إلى التوسط بين السودان وإثيوبيا حول الحدود، وأكد بلول أن الإمارات عرضت كذلك الوساطة لحل خلافات السودان وإثيوبيا ومصر حول سد النهضة الإثيوبي.[12] كما أكَّدت مصادر دبلوماسية مصرية إجراء السعودية اتصالات غير معلنة مع القاهرة والخرطوم خلال الأيام الماضية، في إطار مساعيها لتحريك مبادرة فردية منها بشأن قضية سد النهضة. ويأتي ذلك بعد اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين والسفير السعودي في أديس أبابا، سامي جميل عبد الله، الأسبوع الماضي، والذي لم تعلن الرياض أي تفاصيل عنه. والسعودية تتحفظ على الطريقة التي تتعاطى بها إثيوبيا مع الملف، لكن الرياض ركَّزت أيضًا في اتصالاتها على ضرورة عدم تطوير الأزمة إلى استخدام حلول غير دبلوماسية بالقوة.[13]
وهكذا يبدو أن ميل الأطراف الثلاثة للتصعيد ينبع من مؤثرات داخلية؛ فمن ناحية يبدو أن الجيش السوداني يرى في وقوع حرب أو أزمة مع إثيوبيا فرصة لتعزيز سيطرته، حيث لا يمكن استبعاد رغبة الجناح العسكري من السلطة السودانية في الاستفادة من الأزمة، سواء بالبقاء في السلطة، أو نيل مجد يتيح له الترشح لأي انتخابات رئاسية قادمة، خاصةً أنه بقي نحو 3 أشهر أو أقل على موعد تسليمه رئاسة المجلس للمدنيين. ومن شأن إشعال التصعيد السوداني مع إثيوبيا أو حرب محدودة أن يفتح الباب لتأجيل تسليم السلطة، فعادة تلتف الشعوب حول قادتها في الأزمات، وخاصة إذا كانوا من العسكريين مثل البرهان. ومن ناحية أخرى يمر الداخل المصري بالعديد من الأزمات الاقتصادية الخانقة، والتي من شأن التصعيد في قضية سد النهضة التشويش عليها؛ لاسيما بعد الحملة الدعائية التي بدأت مصر في شنِّها لتوجيه نظر الرأي العام بعيدًا عن القضايا الداخلية. والأمر نفسه في إثيوبيا التي تمر بانقسامات داخلية حادة؛ تساهم قضية سد النهضة في القفز عليها حاليًا، لتوحيد الجهود تجاه القضية التنموية الأكبر في الداخل الإثيوبي كما سوَّق لها النظام على مدار سنوات، وهي قضية سد النهضة.
المشهد الليبي:
– تصاعد الدعم الاقليمى والدولى لحكومة الوحدة الوطنية فى ليبيا:
تواصلت المواقف الإقليمية والدولية الداعمة لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، والتى تمثلت أبرزها فى:
1- قيام المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثتها للدعم في ليبيا، يان كوبيش، فى 22 مارس الحالى، بزيارة إلى طرابلس. التقى خلالها كوبيش كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائباه موسى الكوني وعبدالله اللافي، ناقش خلالها سبل الإسراع في تنفيذ خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي، بما في ذلك حشد الدعم والموارد المطلوبة لإجراء الانتخابات الوطنية.
كما التقى كوبيتش رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، وطمأنه بإجماع المجتمع الدولي على دعم حكومته لمواجهة التحديات الاقتصادية والإنسانية والأمنية وحقوق الإنسان والتنمية في البلاد. كما ناقشا عدد من القضايا، بما في ذلك دعم الأمم المتحدة المطلوب للإسراع في التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وتوحيد مؤسسات الدولة[14].
2- عبرت الإدارة الأميركية عن دعمها الكامل لرئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، خلال مكالمة هاتفية لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن. وفي تغريدة له على موقع “تويتر”، قال بلينكن إنه “تحدث مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة حول الخطوات التالية للحكومة”، وأضاف، “هذه الخطوات التالية الواجبة على حكومة الدببية الجديدة والمؤقتة، هي إجراء الانتخابات في ديسمبر والتنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار”، مشدداً في الوقت ذاته على “ضرورة مغادرة كل القوات الأجنبية الأراضي الليبية من دون أي تأخير”.
ويكشف هذا الاتصال عن أن الملف الليبي سيكون على قائمة اهتمامات الإدارة الأمريكية، وأن خريطة الطريق التي تقود إلى الانتخابات الليبية بكل تفاصيلها باتت تحت أنظار الإدارة الأميركية الجديدة وتنال رضاها، وهذا سيدفع الكثيرين من اللاعبين الرئيسين في الملف الليبي في الداخل والخارج إلى التزام تنفيذها[15].
ومن اللافت للانتباه أن واشنطن بدأت برفع مستوى تعاملها في الملف الليبي، فبعد أن كانت السفارة الأميركية هي من يتحدث في الشأن الليبي، أصبح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يجري اتصالات بالدبيبة، ما يعني ارتفاع مستوى التعامل الأميركي مع الملف الليبي، كما أن الحديث المتزايد عن إمكانية رجوع المبعوثة الأممية السابقة بالإنابة، ستيفاني وليامز، للملف الليبي كمبعوثة أميركية خاصة يؤشر على تحول أميركي كبير في اتجاه اهتمام أكبر بالملف الليبي[16].
3- قيام وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو مع نظيريه الألماني هايكو ماس والفرنسي جان إيف لودريان، فى 25 مارس الحالى، بزيارة إلى طرابلس في إطار مهمة أوروبية دعماً لحكومة الوحدة الجديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، في تغريدة على “تويتر”، إن “مجيئه إلى طرابلس مع نظيريه الإيطالي والفرنسي، لإظهار الدعم لحكومة الوحدة الوطنية”، واصفاً التطور في ليبيا بـ”اللامع في السياسة الخارجية”. ومن المقرر أن يبحث الوزراء الأوروبيون مع الدبيبة قضايا مشتركة، في مقدمتها الهجرة غير القانونية والتعاون الاقتصادي[17].
ومن اللافت للنظر أن قدوم وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا معًا إلى ليبيا يعكس نوع من التوافق بين الدول الثلاثة حول الملف الليبى، ونجاح ألمانيا فى حل الخلافات بين فرنسا وإيطاليا فى هذا الملف، والتى كانت سببًا رئيسيًا فى إطالة أمد الأزمة الليبية.
4- زيارة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي رفقة نائبه موسى الكوني، فى 23 مارس الجارى، إلى باريس. وهو ما يمثل انفتاحًا فرنسيًا قويًا على حكومة المنفى بعدما كانت باريس تدعم منافسي المنفي، عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وفتحي باشاغا وزير الداخلية الأسبق. وحتى الآن، كانت العلاقات مع حكومة الوفاق السابقة «فاترة» بسبب الدعم الفرنسي غير الرسمي للسلطات في شرق ليبيا[18].
5- إعلان رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، عزمه على زيارة ليبيا، في مطلع إبريل المقبل، فيما ستكون أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه في شهر فبراير الماضى. وصرح دراغي بذلك، فى 24 مارس الحالى، في أثناء إلقاء كلمة أمام البرلمان الإيطالي بشأن السياسة الخارجية لبلاده والتزاماته الأوروبية، وفق ما أوردته “رويترز”[19].
وقد قام وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، فى 21 مارس الجارى، بزيارة إلى طرابلس هي الأولى لمسؤول أوروبي رفيع منذ تشكيل حكومة الوحدة الليبية. وخلال زيارته التي لم يعلن عنها مسبقاً، أجرى دي مايو محادثات مع دبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إضافة إلى نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة. وأكد لويجي دعم بلاده لليبيا في كافة المجالات والمساهمة في توحيد مؤسسات الدولة السيادية. ونقل المنفي في بيان لمكتبه الإعلامي عن دي مايو أن إيطاليا بدأت في زيادة تمثيلها الدبلوماسي في ليبيا، مشيرا إلى أنهما بحثا العلاقات الثنائية بين البلدين، وإعادة تفعيل اتفاقية الصداقة الليبية الإيطالية، ومدى إمكانية البدء في الطريق الساحلي رأس أجدير إمساعد[20].
6- هناك زيارات مرتقبة سيقوم بها المنفي لأنقرة برفقة رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، وزيارة لموسكو ضمن الجهود الليبية للتوصل إلى تفاهمات بخصوص ملفات عالقة، وعلى رأسها ملف المقاتلين الأجانب والمرتزقة.
وتهدف الزيارة إلى أنقرة للترتيب النهائي للاتفاق الأمني بين تركيا وليبيا وحصره في عمليات التدريب وتقديم الخبرة في المجال الأمني والعسكري أسوة بباقي الاتفاقات الأمنية الموقعة بين ليبيا ودول أخرى. وستناقش الزيارة بدء سحب المقاتلين السوريين من معسكرات القوات الموالية لحكومة الوفاق السابقة جواً عبر تركيا، فى ظل الحديث عن أن المنفي مهد بباريس لإنجاح الزيارة لأنقرة بشرح أهمية الاتفاق البحري الموقع مع تركيا بالنسبة إلى ليبيا، خصوصاً أن فرنسا أهم خصوم أنقرة الأوروبيين في شأن الاتفاق البحري[21].
وفى هذا السياق، فقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصادر فى مطار معيتيقة الدولى، مغادرة دفعة تضم 120 من «المرتزقة» القادمين من سوريا والموالين لتركيا، العاصمة الليبية طرابلس، فى 21 مارس الجارى. وأكدت الصحيفة على إن نقل هذه المجموعة «يأتي في إطار تفاهم إقليمي على البدء في إنهاء وجود المرتزقة داخل الأراضي الليبية»، مشيرة إلى أن «جانباً من هذا التفاهم تم إبرامه بمفاوضات رباعية، شاركت فيها مصر وتركيا، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا»[22].
وبخصوص موسكو، فمن المتوقع أن تركز الزيارة على بحث رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين الجانبين من جهة، ومن جهة أخرى ستبحث مسألة مرتزقة شركة “فاغنر” للخدمات الأمنية الموجودة في عدة مواقع في ليبيا لقطع الطريق أمام مساعٍ روسية من خلال “فاغنر” لبناء تحالفات جديدة بعد انهيار معسكر اللواء المتقاعد، خليفة حفتر[23].
المشهد الجزائري:
- الجزائر؛ الانقسامات مستمرة بين الشارع والسلطة والقوى الوطنية:
لم تكد تبدأ الحملات للانتخابات النيابية المُقرر تنظيمها في 12 يونيو المُقبل، حتى تفجرت حرب طاحنة بين الإسلاميين والعلمانيين في الجزائر، ومن بين الأوراق التي وُظفت في الصراع العمالة للخارج، وقضايا أخرى لها علاقة بالدين والمرأة كقانون الأسرة الجزائري. وكل هذا في ظل ما تشهده الجزائر خلال الآونة الأخيرة حالة من التخبط السياسي الناجمة بصورة رئيسية عن الترتيبات التي تسير بها الدولة تحت مظلة خارطة الطريق، غير أن هناك مساعي متعددة من جانب قوى الحراك الشعبي في العودة إلى الشارع السياسي للضغط على السلطة الحاكمة لإعادة تنظيم المرحلة الانتقالية.
واتضح الانقسام بين العلمانيين والإسلاميين مؤخرُا في الهجوم الحاد الذي شنَّه رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية الإسلامية عبد الرزاق مقري، على التيار العلماني واتهه بقيادة مؤامرة تستهدف الوصول إلى مرحلة انتقالية ثم انتخابات رئاسية. ومن المسائل الأخرى التي وُظفت في هذا الصراع، قانون الأسرة الجزائري الذي صنع الحدث مع بداية التسعينيات إبان سيطرة الإسلاميين على المشهد في الجزائر، إذ طالبت زعيمة حزب العمال اليساري بإلغاء هذا القانون ووصفته بالظالم لأنه في نظرها يمثِّل أكبر عنف مسلط على المرأة الجزائرية. الأمر الذي اعتبره بعض الإسلاميين محاربة للشريعة ومعاداة لمن يدعو إليها، وذلك في إشارة واضحة إلى مطلب إلغاء قانون الأسرة المستمد من الشريعة.[24] ويرمي التياران بالصراع السياسي وحتى الإيديولوجي في الساحة إلى أعلى سقف، ويتبادلان الاتهامات بمحاولات الهيمنة على الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ 22 فبراير، لمحاولة الحصول على مكاسب لاحقة.[25]
ورغم الخطوات الإجرائية التي اتخذتها الجزائر مؤخرًا في ضوء المشهد الانتخابي النيابي، والتوجه للانفتاح بصورة كبيرة حيال مطالب الحراك والتي تجسدت في الإفراج عن بعض المسجونين، وإعادة خلق حالة من التوازن بين السلطة والأحزاب المختلفة؛ إلا أنه لا يزال هناك مشهد جزائري مرتبك من شأنه تعطيل مسار التحول الديمقراطي. وتدعو متطلبات المشهد الجزائري في ظل اقتراب الانتخابات التشريعية، إلى حتمية التنسيق بين الرئيس تبون وبين الأحزاب السياسية ذات التأثير الواسع في الداخل الجزائري. الأمر الذي دفع تبون لعقد لقاءات مع بعض الأحزاب السياسية المعارضة، تجلى أبرزها في المشاورات التي جمعت بين الرئيس وكل من أحزاب (حركة مجتمع السلم – جبهة القوى الاشتراكية – حركة الإصلاح الوطني – حركة البناء الوطني – جبهة المستقبل – حزب جيل جديد – جبهة الجزائر الجديدة – التجمع الوطني الديمقراطي – طلائع الحريات – حزب التجديد الجزائري- حزب الفجر الجديد – حزب صوت الشعب) خلال شهر فبراير ومطلع مارس الجاري، والتي تستهدف بصورة كبيرة خلق مكون حزبي داعم لسياسات الرئيس. وبالنظر إلى توقيت الحوار السياسي مع التكتلات الحزبية المختلفة، نجد أنه يتزامن مع مساعي الرئيس تبون لاستكمال مسار خارطة الطريق التي بدأها بالتعديلات الدستورية في نوفمبر 2020، فمن المنتظر إجراء استحقاق دستوري مماثل يتبلور في الانتخابات التشريعية والمحلية المختلفة، خاصة بعد الانتهاء من مسودة قانون الانتخابات وطرحها للنقاش المجتمعي.[26]
وباعتماد التقسيم السياسي الشائع في الجزائر، يلاحظ أن قرار المشاركة يشمل التيارين الإسلامي والوطني، بينما ستنحصر المقاطعة لدى التيار الديمقراطي الذي يضم في عمومه أحزابًا يسارية بحساسيات مختلفة. وفي الواقع، كانت قرارات أغلب الأحزاب في التيارين الإسلامي والوطني محسومة بالمشاركة حتى قبل حل البرلمان وإعلان تنظيم الانتخابات، بالنظر إلى انخراطها الكامل في المسار الانتخابي منذ الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019. أما عن المقاطعين؛ فيأتي في صدارة من أعلنوا المقاطعة، حزب العمال ذو التوجه اليساري الذي دأب على المشاركة المنتظمة منذ الانتخابات البرلمانية لسنة 1997. وكذلك حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي أوضح في خطابه الأخير أن السلطة القائمة تدفع لمهزلة انتخابية جديدة بعد أن تلقت بحسبه، صفعتين بسبب المقاطعة الواسعة في الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور. وحذت مختلف الأحزاب المشكلة لتكتل البديل الديمقراطي الداعي لإطلاق مسار تأسيسي، حذو المقاطعة مثل الحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب العمال الاشتراكي والاتحاد من أجل الرقي والتغيير.[27]
ومع كل هذا الانقسام بين السلطة والقوى الوطنية، فقد وضع الحراك الشعبي الذي عاد إلى الشارع قبل شهر تحديدًا، نفسه خارج معادلة الانتخابات تمامًا، في استمرار لموقفه الرافض للحلول التي تقترحها السلطة منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ويرفع المتظاهرون كل جمعة، شعارات واضحة تعلن مقاطعة الانتخابات، ويصرون بالمقابل على مطلب التغيير الجذري للنظام السياسي. وهكذا؛ لا تزال الجزائر تعاني من حالة عدم الثقة بين الحراك والسلطة الحاكمة، وهو الأمر الذي يُمثل تحديًا حقيقيًا لإدارة الرئيس تبون خلال الفترة القادمة. ولعل الجزائر الآن بحاجة إلى خطوات استباقية نحو احتواء الرأي العام والحراك بالحوار الوطني الشامل حول مسار بناء جزائر ما بعد بوتفليقة.
المشهد السوري:
- اشتعال الاوضاع في سوريا بعد مقترح روسي جديد:
الحدث: تداولت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية أنباء عن مقترح روسي لافتتاح المعابر بين مناطق سيطرة النظام ومناطق المعارضة. موجة الغضب، تزامنت مع إعلان وزارة الدفاع الروسية عن توصلها إلى اتفاق مع الجانب التركي لإعادة فتح 3 معابر في منطقتي إدلب وحلب شمال سوريا لتخفيف صعوبة الأوضاع الإنسانية في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا.[28]
ردود الفعل: حدثت حالة من الجدل والرفض الشعبي والعسكري للمقترح الروسي، وقرر السوريون المعارضون للنظام التظاهر في ادلب وحلب رفضًا للمقترح الروسي.
وفي محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، أعلن رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى نفيه ما تناقلته وسائل إعلام محلية ومواقع التواصل الاجتماعي الأنباء المتداولة حول افتتاح معابر شمال غربي سوريا. وقال رئيس الحكومة السورية المؤقتة: تناقلت بعض المواقع الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي أخباراً غير دقيقة عن افتتاح معابر بين المناطق المحررة والمناطق المحتلة. وأوضح: نؤكد عدم صحة هذه الأخبار جملة وتفصيلاً وأن الحكومة السورية المؤقتة لن تتنازل أبداً عن ثوابت ثورتنا المباركة ولن تحيد إطلاقاً عن مطالب شعبنا الأبي.
وفي المقابل، قال المرصد السوري لحقوق الانسان، إن رفضًا كبيرًا يسود الأوساط العسكرية المقاتلة في المنطقة الممتدة من جبال اللاذقية الشمالية الشرقية، وصولاً إلى الضواحي الشمالية الغربية لمدينة حلب مروراً بريفي حماة وإدلب، رفضاً للاتفاق الروسي – التركي حول فتح معابر في إدلب وحلب بين مناطق المعارضة من طرف، ومناطق النظام من طرف آخر. وأطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الأربعاء، وسم “لا للمعابر مع الطواغيت” و”شريان الحياة للنظام هو فتح المعابر” كما خرجت مظاهرات في كل من عفرين وإعزاز في ريف حلب، ومدينة إدلب، معتبرين أن المقترح الروسي سيكون له أثر سلبي على المناطق الخاضعة لنفوذ المعارضة، وسيرفع العزلة عن النظام الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، بفعل العقوبات الدولية، التي دمرت العملة السورية. وقال جميل الصالح، قائد فصيل جيش العزة في تغريدة له على موقع تويتر من يستطيع أن ينسى أهل حمص عندما تناولوا لحم القطط وأطفال داريا الذين فارقوا الحياة لنقص الحليب، وأهالي الغوطة عندما أكلوا حشائش، وأهالي عين الفيجة الذين حلموا بالدواء، وموت المعتقلين تحت التعذيب جوعاً، وأضاف حتى النقاش بفتح المعابر خيانة للدين والدماء والأعراض.
كما قال الناطق العسكري باسم الجيش الوطني السوري الرائد يوسف حمود: بالنسبة لي، لأن تفشل كل الحلول الدولية ولأن تقسم سوريا مليون قطعة، أسهل من أن يفتح معبر تجاري واحد مع عصابة النظام وقاتلنا بوتين حيث ما زال البهرزي جاثماً على صدر البلد.
ورغم النفي السابق، إلا أن وسائل إعلام النظام الرسمية أكدت أن محافظة إدلب افتتحت بالتنسيق مع وحدات الجيش السوري والهلال الأحمر السوري ممر ترنبة سراقب في منطقة سراقب في ريف إدلب الشرقي بهدف استقبال الأهالي الراغبين في الخروج إلى بلداتهم وقراهم. كما صرح محافظ إدلب محمد نتوف التابع للنظام أن المحافظة قامت بتجهيز طاقم طبي كامل مع عيادة متنقلة وسيارة إسعاف عند الممر لاستقبال الأهالي الراغبين بالخروج وتقديم الخدمات الطبية اللازمة فيما جهز الهلال الأحمر العربي السوري فرقاً إضافية ستكون مهمتها تقديم المساعدة. وأشار نتوف إلى وجود تنسيق مع الجانب الروسي وتقديم كامل التسهيلات لضمان نقلهم إلى حماة ومن ثم عودتهم إلى قراهم التي أعادها النظام لحظيرته.
وقام النظام بعمليات عسكرية في الفترة الأخيرة لابتزاز الشمال السوري، واجبارهم على القبول بأمر فتح المعابر، وعدم التظاهر ضدها، لأنها المتنفس الأهم له في الوقت الحالي، وهو ما ادى بالفعل لاستفزاز السوريين في المناطق المحررة وقرروا تنظيم تظاهرة مليونية للرد على تلك الدعوات والاستفزازات العسكرية التي يتعرضوا لها، وبالفعل ظهرت استجابة تركية سريعة على هذا الأمر، حيث أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن روسيا ستتخذ إجراءات لوقف انتهاكات النظام في شمال سوريا. جاء ذلك في اتصال هاتفي بين أكار، ونظيره الروسي سيرغي شويغو، بحثا فيه خروقات قوات النظام السوري في منطقة خفض التصعيد بمحافظة إدلب، قال أكار إن مباحثاته مع شويغو كانت بناءة.
وأكد أن الهدف هو ضمان ديمومة وقف إطلاق النار في المنطقة، وإحلال السلام في أقرب وقت ممكن[29].
دلالة الأحداث وانعكاساته على سؤال الانتخابات: لم يعلن النظام السوري عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، حتى الآن، ولا حتى عن أسماء المرشحين، وذلك رغم اقتراب موعد إجراء الانتخابات المقررة في مايو المقبل. من جهته، أكد سفير النظام السوري في روسيا، رياض حداد، إن الانتخابات ستجرى في موعدها، والوضع الوبائي المرتبط بانتشار فيروس كورونا هو العامل الرئيسي المحدد في العملية الانتخابية المقبلة. وأضاف ما زالت الاستعدادات جارية لهذه الانتخابات ستجرى مع مراعاة الوضع الوبائي. وتحمل تلك التصريحات على الاعتقاد بأن النظام لم يحسم مسألة تأجيل الانتخابات الرئاسية، ويقرأ فيها تلميحات إلى أن التأجيل أمر وارد، بضغط روسي.
وسبق أن أعلن وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، في بيان مشترك، عن رفضهم إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا، وقالوا إنها لن تكون حرة ونزيهة، ولن تلبي تطلعات المجتمع الدولي[30]. لكن المطلوب عقدها تحت إشراف الأمم المتحدة الكامل وفقا للقرار الأممي ٢٢٥٤، الذي ينص على انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف أممي. ويبدو أن الأقرب هو تأجيل الانتخابات، لمحاولة تهدئة الغرب وعدم استفزازهم أكثر من اللازم ومحاولة فتح قنوات مع إدارة بايدن، لاسيما أن النظام غير قادر على أي محاولة للمناورة بعد تطبيق قانون قيصر الذي شل الاقتصاد السوري بالكامل.
لذلك سيحاول النظام أن يركز على القضايا التي يمكن أن تحقق له بعض المكاسب الجزئية التي يحتاج إليها لانعاش وجوده وهي ما يمكن تحققها من خلال فتح المعابر مع المناطق المحررة، وإلا من الممكن أن ينهار النظام من داخله، بفعل تزايد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سوءًا، في حين يركز النظام على الانتخابات لتجديد شرعيته، لذلك قد يقوم بالتأجيل في مقابل بعض التسهيلات البسيطة المؤقتة، وهو السيناريو المرجح للحدوث.
المشهد العراقي:
- اشتعال الخلاف بين الفصائل العراقية وحكومة الكاظمي:
الحدث: نظمت ميليشيا مسلحة تطلق على نفسها اسم ربع الله، التي تعد أحد كيانات كتائب حزب الله العراقية التابعة للجمهورية الإيرانية، استعراضاً عسكرياً في مناطق متعددة وسط العاصمة العراقية بغداد، مستخدمة أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، للمطالبة بإعادة سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي إلى وضعه السابق، وإقرار موازنة 2021، ملوحة بـقطع أذن الحكومة وتعليقها على أبواب المنطقة الخضراء.
السياق وردود الفعل: عملت حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منذ تسلمها مهامها، على وضع إجراءات عملية لإصلاح قطاع الأمن في العراق، وهو ما جعلها في مواجهة مستمرة مع الفصائل المرتبطة بإيران، والرافضة لأي عملية إصلاح للأجهزة الأمنية العراقية، خصوصاً عندما تستهدف هذه الإصلاحات وجودها وعناصرها، وهو ما أشارت إليه التدابير الأخيرة التي اتخذها جهاز المخابرات الوطني العراقي، عبر نقل عدد من عناصره للعمل في المنافذ الحدودية العراقية. ورغم تأكيد الجهاز على الطبيعة الفنية والإدارية لهذا الإجراء، إلا إن الفصائل أصرت على إعطائه بعداً سياسياً، وجعلته مدخلاً لتصعيد التوتر القائم مع حكومة الكاظمي.
وردًا على ذلك، نشرت ربع الله التابعة لكتائب حزب الله العراقية بيانا: “في هذا الوقت الحرج على أبناء شعبنا الأبي الصابر المجاهد والذي يعيش به بين ظلمات الاحتلال الأمريكي الغاشم وحكومة متواطئة عميلة له، يقف أبناء ربع الله لتبيان ما يلي: نحيي سواعد المجاهدين وبنادقهم التي جالت أرض العاصمة بغداد هذا اليوم في رسالة تهديد للأمريكي وعملائه واطمئنان وقوة للمضحين والمجاهدين من أبناء هذا البلد العزيز. وتشد الحركة على أيدي الشرفاء من أعضاء مجلس النواب العراقي المطالبين بخفض سعر الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، ونضع صوتنا إلى جانب صوتهم نصرة للفقراء والمحرومين وهم الأغلبية من أبناء شعبنا، محذرة في الوقت عينه من بعض الجهات والأطراف السياسية التي تتعمد تأخير وتعطيل إقرار الموازنة من أجل الحصول على مكتسباتهم الخاصة، ونخص بالذكر منهم مسعود بارزاني وزبانيته. وطالبت جميع الأطراف السياسية داخل الحكومة بأن تعي أننا لن نسكت طويلا فيما إذا لم تتحقق مطالب الشعب، وبالخصوص أبناء المحافظات الجنوبية في فقرات هذه الموازنة (وقد أعذر من أنذر). وأكدت: أن على كاظمي العمالة والخنوع أن يعلم أننا في حركة ربع الله لن نقف موقف المتفرجين حول حكومته الفاسدة وعليه، وإن لم نر أي استجابة أو أذن صاغية، لذلك سنقطعها ونضعها على أبواب الخضراء عبرة لكل من تسول نفسه للتآمر ضد شعبنا الحبيب، حسب تعبير البيان.
من جهتها، ردت واشنطن على الاستفزاز الذي قامت به المليشيا، بأن أعلنت وزارة العدل الأميركية عن مصادرة موقعين الكترونيين تابعين لقناة “الاتجاه” الممولة من كتائب حزب الله، موضحة أن الموقعين يعملان كأذرع إعلامية للمليشيات من خلال نشر مقاطع الفيديو والمقالات والصور المصممة لتعزيز أجندتها، بهدف زعزعة استقرار العراق وتجنيد الآخرين للانضمام إليها. وذلك بعدما وضعتها على قوائم الإرهاب الدولي منذ فترة، حيث تسعى واشنطن للضغط بقوة على كافة مليشيات طهران في بغداد[31].
أصدرت هيئة الحشد الشعبي نفياً رسمياً بشأن الحديث عن علاقتها بالاستعراض المسلح، فيما انتقد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ما حدث، مشيراً إلى أن اللجوء إلى السلاح لتحقيق المطالب أمر مرفوض يجب على الحكومة الحيلولة لعدم وقوعه مرة أخرى.
أما رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، فاعتبر الاستعراض محاولة لإرباك الوضع الأمني،
وإرباك العراقيين، وإبعاد العراق عن دوره الحقيقي. هناك من يحاول ابتزاز الدولة بطريقة أو بأخرى، لكن الحكومة لهم بالمرصاد. وتابع: هناك من يعتقد أنه بالسلاح يهدد الدولة. كفى حروبا وسلاحا[32].
أسباب تحرك مليشيات طهران ضد الكاظمي: اعتمدت حكومة الكاظمي مقاربة أمنية تجمع بين البعدين الخشن والناعم، في التعامل مع الفصائل الولائية ووجودها داخل الأجهزة الأمنية العراقية، تمثلت أطرها العامة في الآتي:
- تمكين الدولة العراقية من خلال الحد من قوة هذه الفصائل، وعلى نحو يجعل من خيار مواجهتها واحتوائها أكثر سهولة في مراحل لاحقة، ووضعها في موقف ضعف، وضمن هذه السياسة اندرجت إجراءات استهداف المناصب الحكومية التي استحوذت عليها الفصائل بطريقة مخالفة للقانون، واحتواء مكاتبها الاقتصادية التي تتحكم بالثروات والمال العام وتقليص وجود العناصر التابعة لها داخل الأجهزة الأمنية، عبر عمليات الاستبدال والنقل والإقالة، بصورة قانونية ودستورية، مع الحرص على عدم إعطاء تلك الأمور أي أبعاد سياسية، والتأكيد على أن تلك الإجراءات تأتي وفقًا لابعاد شخصية خاصة بأداء تلك الشخصيات أو اتهامها بالفساد والتربح غير المشروع، وليس لأي بعد طائفي أو سياسي[33].
- حصر الدعم الدولي بالقوات الأمنية الرسمية العراقية، وحرمان الفصائل منها، من أجل تمكين القوات العراقية، وزيادة الفارق بينها وبين الفصائل، مع فتح الباب أمام انضمام عناصر المليشيات داخل بنية الدولة العراقية والتخلي عن العمل المليشياوي الخارج عن القانون. كما أجرت حكومة الكاظمي منذ 14 سبتمبر 2020 العديد من التغييرات في المؤسسات الاقتصادية والمنافذ الحدودية والموانئ، إلى جانب هيئتي النزاهة والأوراق المالية، من أجل تعزيز سيطرة الحكومة على مصادر الدخل الوطني، وتأمين الأموال للحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه حرمان الفصائل من مصادر مالية مهمة غير مشروعة.
ورغم نجاح هذه المقاربة في التضييق على عمل الفصائل، إلا أنها واجهت تحدّيات مهمة، تتمثل في استمرار امتلاك هذه الفصائل القدرة على الاستفزاز الأمني وتهديد الاستقرار السياسي، ما دفع حكومة الكاظمي إلى القبول بتوازنات مرحلية، حتى تستعيد الدولة قوتها الكاملة، فضلاً عن إصرار الكتل السياسية الشيعية على الاستحواذ على المناصب القيادية في الأجهزة الأمنية الحساسة، بما فيها جهازي المخابرات الوطني والأمن الوطني، اللذان يداران بالوكالة، في مقابل سعي حكومة الكاظمي إلى إبعاد هذه المناصب عن الاستحقاقات السياسية، وتحديداً تلك المتعلقة بالقوى السياسية التي لديها علاقات متوترة مع الولايات المتحدة، حيث أجرت الحكومة منذ 7 يوليو 2020 العديد من التغييرات التي طالت الأجهزة الاستخبارية، وذلك عبر إقالة رئيس مديرية الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع العراقية، وإقالة وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات، وإقالة مدير عام استخبارات ومكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية، وإقالة مدير قسم الاستخبارات وأمن عمليات بغداد، في إطار مساعي أوسع لتقليص دور الفصائل داخل هذه الأجهزة الحساسة، بعد أن كانت قد تغلغلت كثيراً داخلها خلال فترة حكومة عادل عبد المهدي.[34]
وختامًا، يبدو أن الأحداث ستقترب من الاشتعال في العراق وأن الصدام بين الكاظمي والمليشيات قادم لا محالة، وهنا ستتوقف درجة حدته على رغبة طهران في التصعيد من عدمه، وكيف ستستغل الورقة العراقية في موقفها من الاتفاق النووي مع واشنطن.
—————————————-
[1] الخليج، مصر تعلق الملاحة مجدداً في قناة السويس، تاريخ النشر: 25 مارس 2021، شوهد في 29 مارس 2021، الرابط:
[2] العربي الجديد، حادثة قناة السويس تحيي 3 إشكاليات، تاريخ النشر: 25 مارس 2021، شوهد في 28 مارس 2021، الرابط:
[3] الجزيرة نت، قنوات المعارضة المصرية بتركيا تعلن وقف عرض حلقات برامج سياسية.. ما الذي حدث بالضبط؟، تاريخ النشر: 19 مارس 2021، شوهد في: 28 مارس 2021، الرابط:
[4] رصيف 22، “تكميم أفواه” الإخوان في تركيا… هل تخلّى أردوغان عن الجماعة؟، تاريخ النشر: 19 مارس 2021، شوهد في: 28 مارس 2021، الرابط:
[5] الجزيرة نت، قنوات المعارضة المصرية بتركيا تعلن وقف عرض حلقات برامج سياسية، مرجع سابق.
[6] ” تعميق العلاقات المصرية الإسرائيلية رغم الهواجس العامة”، الخليج الجديد، 22/3/2021، الرابط:
[7] ” مصر للطيران تدرس بدء تسيير رحلات إلى تل أبيب”، رأى اليوم، 22/3/2021، الرابط:
[8] ” رئيس المجلس الرئاسي الليبي يزور مصر.. والجمعة إلى تركيا”، عربى21، 25/3/2021، الرابط:
[9] ” مصر تستعجل اتفاقاتها مع الحكومة الليبية”، العربى الجديد، 25/3/2021، الرابط:
[10] “سد النهضة: تعليمات مصرية بتصعيد خطاب “ضرورة الحسم بالقوة””، العربي الجديد، 19/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/wBs5b
[11] “سد النهضة: تردد أوروبي أميركي في قبول الوساطة”، العربي الجديد، 20/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/lFmRn
[12] “السودان يوافق على وساطة إماراتية لحل الخلاف مع إثيوبيا”، العربية، 23/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/399vi
[13] “سدّ النهضة: اتصالات سعودية تتلمّس سبل الوساطة والحلول السلمية”، العربي الجديد، 24/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/6hKzi
[14] “كوبيش يطمئن الدبيبة «بإجماع» المجتمع الدولي على دعم حكومته”، بوابة الوسط، 23/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3vTM4f3
[15] “”ناتو” يرفض التدخل في ليبيا وواشنطن تدعم الدبيبة بشروط”، إندبندنت عربية، 23/3/2021، الرابط: https://bit.ly/2NN56CC
[16] “زيارات ليبية مرتقبة لأنقرة وموسكو بحثاً عن حلول للملفات العالقة وسط انخراط أميركي”، العربى الجديد، 24/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3vUOiuP
[17] ” وزراء خارجية إيطاليا وألمانيا وفرنسا يزورون ليبيا دعماً للسلطة الجديدة”، العربى الجديد، 25/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3lQlPS5
[18] “«جون أفريك»: ماكرون يستقبل المنفي بـ«الإليزيه» وهذه أبرز ملفات النقاش”، بوابة الوسط، 23/3/2021، الرابط: https://bit.ly/31flwH7
[19] “زيارات ليبية مرتقبة لأنقرة وموسكو بحثاً عن حلول للملفات العالقة وسط انخراط أميركي”، مرجع سابق.
[20] “المنفي ودبيبة إلى تركيا لحسم ملف «المرتزقة»”، الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، 22/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3tSdsZ7
[21] “زيارات ليبية مرتقبة لأنقرة وموسكو بحثاً عن حلول للملفات العالقة وسط انخراط أميركي”، مرجع سابق.
[22] “تركيا تسحب دفعة من مرتزقتها من ليبيا”، الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، 23/3/2021، الرابط: https://bit.ly/39e1Yap
[23] “زيارات ليبية مرتقبة لأنقرة وموسكو بحثاً عن حلول للملفات العالقة وسط انخراط أميركي”، مرجع سابق.
[24] ربيع خريس، “صراع حامي الوطيس بين الإسلاميين والعلمانيين الجزائريين”، نون بوست، 22/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/V2nKL
[25] نهال دويب، “الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين في الجزائر إلى أعلى سقف”، النهار العربي، 24/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/IVYDE
[26] عبد المنعم علي، “استباق الحراك: تعقيدات المشهد السياسي في الجزائر”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 17/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/9F20o
[27] محمد سالم، “من هم المشاركون والمقاطعون بانتخابات برلمان الجزائر؟”، عربي 21، 22/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/cpVSY
[28] نفي تركي لاتفاق مع روسيا لإعادة فتح 3 معابر شمال سوريا، عربي 21، 25/3/2021، الرابط: https://arabi21.com/story/1347079
[29] أكار: روسيا ستتخذ إجراءات لوقف خروقات النظام لاتفاق إدلب، عربي 21، 24/3/2021، الرابط: https://bit.ly/39msy15
[30] يمان نعمة، هل يؤجل نظام الأسد إجراء الانتخابات الرئاسية بحجة كورونا؟، عربي 21، 25/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3daCkol
[31] براء الشمري، واشنطن تصادر موقعين تابعين لمليشيات “كتائب حزب الله” العراقية، العربي الجديد، 25/3/2021، الرابط: https://bit.ly/31sXGI5
[32] «ربع الله» تستعرض عسكرياً وتهدد الكاظمي… وتواصل استهداف أرتال التحالف، القدس العربي، 25/3/2021، الرابط: https://bit.ly/31sCyBA
[33] فارس الخطاب، العراق والمسار المقبل الصعب، العربي الجديد، 25/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3csYlzt
[34] فراس الياس، حكومة الكاظمي وإصلاح قطاع الأمن في العراق: التدابير والتحديات، مركز الاماراات للسياسات، 22/3/2021، الرابط: https://bit.ly/2QO64jj