المشهد السياسي عن الفترة من 10 وحتى 16 أبريل 2021

 

المشهد المصري:

  • داعش ينتقل بعملياته من شمال سيناء لوسطها وتحالف بين الجيش وقبائل لملاحقته.

شهدت الأسابيع الماضية، نشاط ملحوظ لتنظيم ولاية سيناء، الموالي لتنظيم داعش، في مناطق بوسط سيناء، على حساب التراجع في مناطق شمال سيناء، وقد نجم عن هذا التحول مخاوف لدى مسئولين عسكريين، من إقتراب عناصر “داعش سيناء” من مرافق استراتيجية وحيوية تابعة للقوات المسلحة المصرية، ولعل أهم تلك المرافق مطار “الميلز” العسكري الواقع في منطقة الجفجافة جنوب مدينة بئر العبد بمسافة 60 كيلومتراً.

المناطق الجديدة التي بدأ التنظيم ينقل نشاطه إليها، في بئر العبد وجنوبها باتجاه جبل المغارة ومحيطه، هي مناطق وعرة جغرافياً يصعب التحرك فيها، وهي بالتالي تختلف عن المناطق التي كان ينشط فيها سابقاً،  في قرى قاطية، واقطية، والجناين، والمريح، وقصرويت، وتفاحة، وغيرها من قرى بئر العبد، والتي بدأ التنظيم يختفي منها بعد أن أحكم الجيش سيطرته عليها.

بالتالي انتقل التنظيم من مناطق حضرية يسهل التحرك فيها، إلى مناطق وعرة يصعب التحرك فيها، وتم هذا الانتقال بعد أن تمكن الجيش من استعادة السيطرة على قرى بئر العبد التي كان ينشط بها التنظيم. من ثم فإن هذا الانتقال يضمن للتنظيم تفوق نسبي، خاصة أن المناطق التي إلتجأ إليها جبلية، يتخفى عناصر التنظيم في كهوف ومغارات ومخابئ « لا يمكن الوصول إليها بسهولة، وكذلك لا يصلح معها القصف الجوي، نظراً إلى الطبيعة الصخرية المحيطة بها، بالإضافة إلى انعدام المعلومات عن الإرهابيين، لعدم وجود سكان محليين، أو نقاط عسكرية كثيفة في تلك المناطق، وسهولة التمويه عن أعين طيران الاستطلاع المصري خلال تحليقه فوق تلك المناطق».

الأصعب في الأمر، أن يستخدم التنظيم معاقله الجديدة التي يصعب الوصول إليها قاعدة انطلاق لهجماته ضد السكان المدنيين في سيناء وضد المرافق والنقاط التابعة للجيش وللشرطة.

في السياق ذاته، فإن تنظيم سيناء هاجم منذ أيام، قرية المنجم قرب جبل المغارة وسط سيناء، بهدف إعادة طريق الإمدادات للتنظيم من منطقة المشبه، ثم جبل المحاش، ثم الاتجاه غرباً باتجاه جبل الحمه، حيث تتمركز مجموعات التنظيم بشكل كبير في تلك المنطقة. جبل الحمه هذا لا يبعد سوى 25 كيلومتراً فقط عن مطار “الميلز” العسكري، ويكشف حركة الطيران داخله، وبالتالي فإن كل تحركات الطيران في اتجاه قصف مجموعات التنظيم في كافة مناطق سيناء باتت مكشوفة لمجموعات المراقبة التابعة له.

أما عن تفسير ما حدث وخطورته: فإن وسط سيناء تكتسب أهميتها من كونها؛

(1) أن الوسط مرتبط بالحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة لمسافات طويلة.

(2) أن مناطق الوسط تغص بالمصانع الكبرى للآسمنت وغيره من مواد البناء، بالإضافة إلى محاجر ذات قيمة اقتصادية عالية، تُستخرج منها أصناف متعددة من الرخام والحجر.

(3) توجد في تلك المناطق مواقع ومعسكرات تابعة للجيش المصري لتخصصات استراتيجية مختلفة، وضمن أهم المواقع مطار “الميلز” العسكري، الذي توجد فيه طائرات بأنواع مختلفة، مروحية وحربية. وتكمن الخطورة في أن وسط سيناء يتسم بوجود الجبال ووديان ذات طرق وعرة، وهو ما يجعل من الصعوبة أن تطارد قوات الشرطة والجيش عناصر التنظيم في هذه البيئة الوعرة التي يصعب تحرك الآليات العسكرية فيها، كذلك يصبح استهداف الطيران لهذه المناطق قليل الجدوى، لذلك يلجأ الجيش لأهالي سيناء لملاحقة عناصر التنظيم في هذه المناطق، خاصة أنهم أكثر معرفة بدروب الصحراء. لكل هذه الأسباب فقد جعل التنظيم هذه المناطق بمثابة حديقة خلفية لمجموعاته المنتشرة في شمال سيناء، إذ جرت العادة أن تنتقل خلايا التنظيم من الشمال إلى الوسط في الأوقات التي يضغط فيها الجيش المصري على التنظيم، وهذا ما حصل فعلياً بعد سيطرة الجيش على قرى بئر العبد، وطرد “ولاية سيناء” منها، نهاية العام الماضي.

جراء ذلك فإن المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في وسط سيناء، وصلتها تعزيزات من «اتحاد قبائل سيناء» الذي يديره رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، المقرب من رجل الاستخبارات محمود عبدالفتاح السيسي، وذلك بالتنسيق مع قوات الجيش، وتحسباً لأي اعتداءات قد يقدم عليها تنظيم “ولاية سيناء” في قابل الأيام، فيما سيجري رفع مستوى الحراسة على المرافق الحيوية في مناطق الوسط، وزيادة نقاط انتشار الجيش والمجموعات القبلية[1].

في النهاية تثير هذه التطورات أسئلة أخرى؛ عن المصدر الذي تحصل من خلاله هذه المجموعات على الدعم والتسليح اللازمين للاستمرار في صراعهم مع الجيش والشرطة في سيناء، كما تثير تساؤل آخر حول مستقبل التنظيمات العنيفة في سيناء في ظل قدرتها على البقاء رغم مرور هذه السنوات، وعلى الرغم من جهود الجيش والشرطة طوال كل هذا الوقت للقضاء عليها.

 

  • هل تشهد الأيام القادمة إنفراجة في ملف المعتقلين:

شخصيات سياسية ونقابية ذات صلة بقيادات مختلفة في النظام المصري، «خصوصاً من مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، تحاول إقناع السيسي والأجهزة صاحبة الكلمة العليا في إدارة المشهد السياسي، باتخاذ خطوات جدية لإحداث انفراجة في ملف المعتقلين والمحبوسين احتياطياً، وإعادة تفعيل اللجنة التي كانت قد شكلت قبل أربع سنوات، لبحث حالات المحكوم عليهم واستصدار قرارات جمهورية بالعفو عنهم»؛ وذلك بهدف «توحيد الشارع خلف القيادة السياسية، ليكون مستعداً في أي وقت، لأي قرارات مصيرية قد تتخذ في قضية سد النهضة، بما في ذلك خيار الحلّ العسكري ضد إثيوبيا».

في هذا السياق فقد اقترحت بعض قيادات الأمن الوطني إصدار قرار عفو عن بعض المحكومين الذين قضوا نصف المدة في قضايا التظاهر والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، بدون المدانين بارتكاب جرائم عنف، وإصدار القرار بمناسبة ذكرى تحرير سيناء التي تحين بعد أسبوعين. لكن تعطل المقترح مع إثارة قيادات أخرى من أن مثل هذا القرار قد يفهم داخلياً بصورة خاطئة؛ في ظلّ الاتصالات الدبلوماسية والأمنية الجارية حالياً مع تركيا لتحسين العلاقات الثنائية، فقد يُفهم باعتبارها رسالة إيجابية لجماعة “الإخوان” في الداخل تحت ضغوط أو مناشدات تركية. كذلك اقترح المؤتمر الذي عقده المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، التابع للاستخبارات العامة، عدة توصيات في نفس هذا السياق، منها، مدّ جسور التفاهم مع المجتمع المدني الداخلي والخارجي وإعادة العمل بقرارات العفو الرئاسي عن المحكومين وغيرها من الأمور الإيجابية.

ويبدو أن ثمة مؤشرات تؤكد وجود هذه المساعي، منها؛ انطلاق عدد من المبادرات الحقوقية والأهلية التي انطلقت خلال الأيام الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للإفراج عن معتقلين ومحكومين بعينهم. يأتي على رأسهم الصحفيين المعتقلين، والطلاب والشباب الذين حُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة على خلفية أحداث عامي 2013 و2014، وقضوا نصف مدد العقوبة أو أكثر[2]. ويبدو أيضاً أن هناك استجابة -وإن بقيت محدودة- لهذه المقترحات، حيث تم الإفراج عن الصحفيين الثلاثة خالد داود وسولافة مجدي وحسام الصياد خلال اليومين الأولين من شهر رمضان[3].

وبحسب مراقبين فإن هناك بالفعل إستجابة للمقترح الذي تقدم به مقربين للنظام بضرورة الإفراج عن عدد من المعتقلين بهدف «توحيد الشارع خلف القيادة السياسية، ومن ثم فستشهد الفترة القادمة الإفراج عن عدد محدود من المعتقلين، الصحافيين والنشطاء اليساريين والناصريين، وستشمل القائمة المحددة شخصيات تم طرحها من قبل بعد تظاهرات 20 سبتمبر الماضي، ولكن تم تأجيل الإفراج عنها لأسباب مختلفة، تتعلق بالرفض الأمني، وبسلوك بعض الشخصيات المحسوبين على نفس تياراتهم السياسية خارج السجون أو خارج البلاد.

لكن الإفراج عن هؤلاء سيكون مشروطاً؛ فالمعتقلين المرشحين للخروج قريباً مطالبين بضرورة الالتزام ببعض الشروط لضمان سلامتهم واستمرار حمايتهم من إعادة اعتقالهم، ومنها عدم الحديث في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وعدم تسريب معلومات عن ظروف السجن، وعدم التعاون مع منظمات حقوقية في إعداد تقارير عن السجون أو أي قضايا ذات بُعد سياسي، والتركيز على أعمالهم الخاصة فقط.

كما أن قوائم العفو لن تشمل «الطائفة الأكبر من المعتقلين وهم السجناء المحكومون في قضايا ذات طابع سياسي، وخصوصاً قضايا التظاهر والعنف المتهمين فيها بالانضمام لجماعة “الإخوان المسلمين” وجماعات إسلامية أخرى ويعود معظمها إلى عامي 2013 و2014، كما لن تشمل المعتقلين المحسوبين على منظمات حقوقية لها علاقات قوية بالخارج، ولن تشمل معتقلين إسلاميين أو أشخاصاً متحفظ على أموالهم بتهمة تمويل “الإخوان»[4].

 

  • لقاء تركى مصرى فى مطلع مايو المقبل…هل ينهى الخلاف بين البلدين؟:

تحقق الاتصالات التركية المصرية الهادفة إلى إعادة بناء العلاقات بين البلدين تقدماً ملموساً ظهر على شكل الاتصال الأخير بين وزيري خارجية البلدين للتهنئة بقدوم شهر رمضان الكريم، فضلًا عن تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، فى 14 إبريل الجارى، قرب عقد لقاء على مستوى مساعدي وزيري خارجية البلدين[5]. وقد حدد أوغلو، هذا الموعد في مطلع مايو المقبل[6].

وتتمثل أهمية المصالحة مع مصر بالنسبة لتركيا في الآتي:

– منْح السلطات التركية الفرصة لترويج تصالحها مع مصر باعتباره مقدمة لنهج تصالحي أعمّ في المتوسط أو تهدئة، على أقل تقدير، بحيث تُخفف الحكومات الغربية من ضغوطها على شركات النفط العالمية في اتجاه تجميد أي تعاون مع تركيا في حقول غاز البحر الأسود.

– تمهيد الطريق للسلطات التركية للتوصل إلى أول اتفاقية شرعية لترسيم حدودها البحرية مع مصر، بما يتيح لتركيا استكشاف الغاز بشكل شرعي للمرة الأولى في المتوسط (حيث أن هناك تشكيك فى شرعية اتفاقيتها البحرية مع ليبيا).

ورغم أن فتور القاهرة تجاه المساعي التركية، لا يزال قائماً، ويشترط إظهار تركيا بوادر عملية أكبر على جدية توجهها نحو المصالحة مع الدولة المصرية، إلا أن هناك حسابات لدى الجانب المصري قد تجعله أكثر انفتاحاً مع مرور الوقت أمام المساعي التركية، ونيل عدد من المكتسبات التي قد تنتج عن هذا التوجه، ومن أبرزها:

– إمكانية خلق مناخ أكثر جذباً لاستثمارات شركات النفط العالمية في البحر المتوسط، بوصفها شركاء للشركات المصرية في استكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي. ويأتي هذا نتيجة طبيعية لخفض التوتر بين مصر وتركيا، خاصة إذا اتسعت حالة التهدئة لتشمل تركيا واليونان وقبرص أيضاً. وتطور كهذا قد يدفع إلى تعجيل إنتاج مصر للغاز الطبيعي من بعض مكامن الهيدروكربون القبرصية في المتوسط، بموجب اتفاقية تقاسم مكامن الهيدروكربون المبرمة بين السلطات المصرية والسلطات القبرصية في ديسمبر 2013. وكذلك إنجاز خط أنابيب الغاز الذي يربط الحقول القبرصية بمحطات إسالة الغاز الطبيعي المصرية دون عراقيل، على أن تتولى مصر لاحقاً تصدير ذلك الغاز إلى أوروبا مُسالاً، كجزء من مشروعها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

– تعزيز فُرص انحياز تركيا للمصالح المصرية في تصدير الغاز وتجاوز رفضها للمشروعات الموازية لمشروع تحول مصر لمركز إقليمي يصدر الغاز المسال لأوروبا، ومن أبرز تلك المشروعات خط غاز “إيست ميد”. ففي يناير 2020، وقعت إسرائيل وقبرص واليونان على مذكرة تفاهم على تأسيس ذلك الخط لربط حقول الغاز الإسرائيلية والقبرصية باليونان، التي ستتولى نقله إلى الأسواق الأوروبية عبر خطي غاز “أي جي بي”، ويربط اليونان ببلغاريا، و”بوسيدون”، ويربط اليونان بإيطاليا. ويواجه هذا المشروع عدداً من العوائق، من بينها رفض تركيا له، إذ من المفترض أن يمر “إيست ميد” عبر مساحات متنازع عليها بين تركيا وقبرص في المتوسط.

– حماية الأمن القومي المصري من عواقب تصاعد الأزمات الإقليمية التي تهدد بفتح جبهات إضافية ضده، بخلاف أزمته الممتدة حول مياه النيل على الجبهة الإثيوبية. فإذا أفرزت المصالحة المحتملة بين مصر وتركيا حلولاً تفضي إلى انسحاب القوات التركية من ليبيا ولو بشكل تدريجي، فإن مصر ستتجنب الوقوع في فخ سيناريو خوض الصراع على جبهات متعددة كما حدث في يونيو 2020، عندما تزامن إعلان إثيوبيا عن نيتها ملء خزان سد النهضة، دون التوصل إلى اتفاق بشأنه مع مصر والسودان، مع تلويح مصر بتنفيذ عمليات عسكرية في ليبيا في حال تمدد نشاط الميليشيات المدعومة من تركيا، إلى مدينتي سرت والجفرة[7].

ولكن لا تزال هناك معوقات أمام حدوث تقدم حقيقي فى العلاقات بين البلدين تتمثل أهمها فى اختلاف الأولويات بين الجانبين، ففى حين تركز أنقرة في هذه المرحلة على تعزيز الاتصالات السياسية حول الملف الليبي بما يضمن الأخذ بعين الاعتبار كافة التخوفات المصرية من التطورات العسكرية والسياسية في ليبيا، إلى جانب العمل بسرعة أكبر على توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين في البحر المتوسط، حيث يمثل ذلك أولوية كبيرة لتركيا. ففى المقابل، يرغب الجانب المصري في تناول كافة الملفات، ويصر في هذه المرحلة على تقديم مطالب تتعلق بتنظيم الإخوان المسلمين ووجود عناصر له في تركيا، كما يظهر أولوية كبيرة في الضغط على وسائل الإعلام المعارضة التي تبث من إسطنبول في محاولة لوقفها بشكل نهائي[8].

 

  • لماذا زار الرئيس التونسى مصر فى هذا التوقيت؟:

بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد، فى 9 إبريل الجارى، زيارة رسمية إلى مصر استمرت 3 أيام، هي الأولى له منذ توليه منصبه في أكتوبر 2019. وتأتي الزيارة ضمن مساعي سعيد، منذ وصوله الرئاسة، إلى بناء توازن في علاقات بلاده بين المحاور بالمنطقة. ظهر ذلك أثناء زيارة الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) إلى تونس أواخر 2019، وزيارة سعيد إلى الدوحة في نوفمبر 2020، وأخيرًا زيارته إلى مصر فى إبريل 2021. وهى الزيارات التى يسعى سعيد من خلالها لإثبات أنه ليس خاضعا لمحور سياسي بعينه[9].

ويبدو أن تلك الزيارة ستعمق من حجم الفجوة بين الرئيس قيس سعيد وخصومه في حركة النهضة، حيث تعتبر النهضة النظام السياسي في مصر أحد خصومها بسبب صراعه مع جماعة الإخوان التى تنتمى لها الحركة. خاصة أن الزيارة تأتى فى ظل تصاعُد الصراع بين قيس سعيّد وحركة النهضة ورئيس الحكومة هشام المشيشي، بعد رفض سعيّد التوقيع على قانون المحكمة الدستورية، وقبلها رفض سعيّد قبول أداء اليمين الدستورية لعدد من وزراء الحكومة. وقد وصل الخلاف ذروته قبل يومٍ واحدٍ من بدء زيارة سعيّد إلى مصر، أي في 9 أبريل، خلال الاحتفال بعيد الشهداء، إذ قام الرئيس التونسى بتقديم رسم كاريكاتوري من بداية القرن العشرين يُظهِر تونس طريحة الفراش وطبيب يصف لها العلاج بالقول “تحتاج برلماناً محترماً وحكومة مسؤولة” في نقدٍ ضمني لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي[10].

وتعتبر الزيارة مهمة أيضًا لمصر التي تتطلع لدعم تونس، الدولة العربية الوحيدة ذات العضوية غير الدائمة في الدورة الحالية لمجلس الأمن، في موقفها من أزمة “سد النهضة”. فهناك سعي مصري لإعادة تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن من أجل إلزام إثيوبيا بوقف أعمال قد تضر بالمصالح السودانية والمصرية، ومن هنا تأتي أهمية تونس لمصر؛ كون الأولى دولة عضوًا بالمجلس، وتمثل المجموعة العربية داخله[11]. ويبدو أن مصر قد نجحت بالفعل في كسْب الصوت التونسي فى قضية سد النهضة إلى جانبها، فقد صرح الرئيس التونسي بموقف قوي إزاء هذه القضية، مؤكداً أن بلاده لن تقبل أن يُمسّ الأمن المائي لمصر[12].

كما يسعى الطرفان من خلال هذه الزيارة إلى تنسيق الجهود لتسوية الأزمة الليبية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس قيس سعيد زار ليبيا في منتصف مارس الماضي، فضلاً عن الزيارات المختلفة التي قام بها رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي للقاهرة. ولعل ذلك يعكس تأييد البلدين للحكومة الجديدة ودعم إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في نهاية العام الجاري[13].

 

  • ما وراء زيارة وزير الخارجية الروسى إلى مصر؟:

قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فى 12 إبريل الجارى، بمشاركة وفد حكومى كبير بزيارة إلى القاهرة، وقد تضمنت الزيارة اتفاقاً بين الجانبين المصري والروسي على المضي قدماً في العديد من المشروعات الاقتصادية الثنائية وفي مقدمتها المنطقة الاقتصادية الروسية بقناة السويس والمحطة النووية التي تبنيها روسيا بمنطقة الضبعة شمال غربي البلاد، لكن على الرغم من إجراء لافروف مباحثات موسعة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره المصري سامح شكري، لم يتطرق الجانب الروسي إلى قرار طال انتظاره بشأن عودة السياحة إلى سابق عهدها بين الجانبين، منذ قرار موسكو إيقاف رحلات الطيران المباشر إلى المقاصد السياحية المصرية بالبحر الأحمر مثل الغردقة وشرم الشيخ، على إثر حادثة تحطم طائرة رحلة متروجت 9268 في نهاية أكتوبر 2015، في حين اكتفى الوزير الروسي خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره المصري بالحديث عن زخم ينتظر العلاقات الثقافية والشعبية في ضوء إعلان العام الحالي 2021 عاماً للتواصل الإنساني بين الشعبين المصري والروسي[14].

وفيما يتعلق بأزمة سد النهضة، فمن ناحية، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري على أن روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي وذات الإمكانات الدبلوماسية الكبيرة، تتفهم موقف مصر فيما يخص أزمة سد النهضة، مشيراً إلى أن موسكو أظهرت استعداداً لاستمرار التنسيق مع القاهرة من أجل التوصل لاتفاق بشأن السد يحقق مصالح مصر والسودان وإثيوبيا. وأشار شكري أيضاً إلى أن مصر “تُعوِّل على علاقات روسيا بإثيوبيا، للمساعدة على التوصل لاتفاق ملزم بشأن سد النهضة، خاصة وأن المسار الإفريقي للتفاوض متعثر”. ومن جهته، أكد وزير الخارجية الروسي موقف بلاده الثابت برفض المساس بالحقوق المائية التاريخية لمصر في مياه النيل ورفض الإجراءات الأحادية في هذا الصدد، معربًا عن التقدير للجهود الحثيثة والمخلصة التي تبذلها مصر في هذا الإطار، وتطلع بلاده إلى التوصل إلى حل يحقق مصالح كافة الأطراف من خلال المفاوضات في أقرب وقت ممكن[15].

كما ناقشا الطرفان التطورات الاقليمية فى سوريا وليبيا وفلسطين، حيث يتبنى الطرفان رؤية مشتركة حول تلك الملفات. ففى الملف السورى تدعو الدولتين إلى ضرورة عودة سوريا مرة أخرى إلى الجامعة العربية، والتأكيد على ضرورة خروج الدول المتواجدة على أراضيها بطريقة غير شرعية (إيران وتركيا).

وفى الملف الليبى، فإن الدولتين أعلنا دعمهما لحكومة الدبيبة، مع تمسكهما بضرورة إجراء الانتخابات فى موعدها بنهاية العام الجارى، ومن المتوقع أن يكون ملف مرتزقة فاغنر الروسية فى ليبيا كان على رأس المباحثات خلال الزيارة خاصة بعد تركيز المسار السياسى الحالى على ضرورة خروج المرتزقة الأجانب وإنهاء وجود المليشيات.

وفى الملف الفلسطينى، فإن الدولتين يدعمان عودة الوساطة الرباعية الدولية التي تضم الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين[16]. وقد سبق وأن طرحت موسكو، على لسان وزير الخارجية لافروف في نهاية شهر مارس الماضي، مبادرة جديدة بشأن استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل. وتقوم هذه المبادرة على توسيع إطار صيغة الوسطاء الدوليين، لتشمل إلى جانب أعضاء الرباعية الدولية، أربع دول عربية لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهى (مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين)، وطرفى النزاع (إسرائيل وفلسطين) والمملكة العربية السعودية بصفتها صاحبة مبادرة السلام العربية، التي أقرها مجلس الأمن.

ولكن يبدو أن أهم العقبات التى ستواجه العلاقات المصرية – الروسية فى المدى المنظور هو توتر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. فقد جاءت الزيارة في وقت بلغ فيه التوتر والجمود في العلاقات الروسية- الأمريكية مستوى غير مسبوق. إذ يبدي الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي (2021)، موقفاً أكثر تشدداً تجاه نظيره الروسي فيلاديمير بوتين مقارنة بسلفه دونالد ترامب، وهو الأمر الذي برز بوضوح في وصف الأول للثاني بأنه “قاتل”، وتهديدات واشنطن المتكررة لموسكو بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية الصارمة عليها، بالتعاون مع حلفاءها الأوروبيين، بسبب تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، والأزمة الأوكرانية، وسجن السلطات الروسية للمعارض البارز أليكسي نافالني الذي تطالب الدول الغربية بإطلاق سراحه، الأمر الذي ترفضه روسيا بشدة باعتباره “تدخلاً غير مقبول في شئونها الداخلية”.

وربما يكون هذا التوتر هو أحد الأسباب الرئيسية وراء تصاعد الاهتمام الروسي مؤخراً بمنطقة الشرق الأوسط (وعلى رأسها مصر)، إذ يبدو أن موسكو، منذ فترة، تسعى بشكل حثيث لحشد الحلفاء والأصدقاء في منطقة الشرق الأوسط، استعداداً لحرب باردة جديدة في الأفق مع إدارة بايدن[17]. وبالتالى، فإن تصاعد العلاقات المصرية مع روسيا قد تؤثر بالسلب على علاقاتها مع أمريكا.

 

المشهد الإقليمي والدولي

المشهد الليبي:

– ما هى دلالات زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية إلى تركيا؟:

قام رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة، فى 12 إبريل الجارى، بزيارة إلى تركيا برفقة وفد كبير ضم 14 وزيراً؛ في مقدمتهم وزراء الداخلية والخارجية (والتعاون الدولي) والصحة والنفط والغاز والاقتصاد والتجارة والمالية، إضافة لرئيس الأركان وآخرين.

ويمكن الإشارة إلى مجموعة من الدلالات التى تقف خلف هذه الزيارة تتمثل فى:

1- رغبة الحكومة الليبية في استثمار لحظة الاستقرار السياسي النسبي لصالح إعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد، ورغبة تركيا في تطوير دورها في ليبيا ولا سيما ما يتعلق بالمشاريع التي توقفت منذ الثورة الليبية في 2011، حيث كانت الشركات التركية تنشط بشكل ملحوظ وبأعداد كبيرة ورأس مال ضخم على الأراضي الليبية.

2- توقيت الزيارة، فقد جاءت الزيارة بقيادة دبيبة بعد أقل من شهر من زيارة رئيس المجلس الرئاسى محمد المنفى. كما أن زيارة المنفى نفسها جاءت بعد عشرة أيام فقط من توليه المسؤولية. كما يضاف لذلك العدد الكبير جداً (البعض رآه مبالغاً به) للوزراء وأعضاء الوفد المشاركين في الزيارة، إضافة للتنوع الكبير في المجالات والقطاعات التي يمثلونها بين السياسة والاقتصاد والطاقة والمؤسسة العسكرية والتعليم والصحة والخدمات عموماً.

ما يشير إلى ترحيب الحكومة الحالية بالدور التركي في ليبيا. خاصة بعدما أثير خلال الشهور الماضية من أسئلة وعلامات استفهام حول مصير الوجود التركي في ليبيا ومستقبل دوره بعد انتخابات المجلس الرئاسي. ولتأتى هذه الزيارة والعدد الكبير من الوزراء والمسؤولين الذين ضمهم الوفد كدليل على أنه لن يطرأ أى تغير جوهري على الاتفاقين اللذَين أبرمتهما أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية نهاية 2019؛ بخصوص ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري[18].

3- أن تلك الزيارة تأتى فى ظل التحركات من قبل حكومة الدبيبة للتوافق بين كافة الأطراف المتصارعة في ليبيا، ولذلك كانت أول زيارة رسمية له إلى مصر، وأتبعها بزيارة خليجية افتتحها بدولة الكويت المُحايدة حتى في الصراع الخليجي الأخير، وأتبعها بزيارات للإمارات والسعودية وقطر.

وعلى صعيد العلاقات مع أوروبا، التقى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، بالدبيبة يوم الأربعاء الماضي 7 أبريل 2021، في العاصمة الليبية طرابلس، في زيارة تباحثا فيها العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين ولا سيما فتح السفارة اليونانية، وإعادة العلاقات الليبية اليونانية إلى سابق عهدها بعد أن تدهورت مع حكومة الوفاق سابقًا بسبب الدعم اليوناني للجنرال حفتر، في هجومه على طرابلس، وبسبب توقيع ليبيا للاتفاقية البحرية مع تركيا في محاولة لعزل اليونان في شرق المتوسط[19]. كما قام وزراء خارجية كل من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا بزيارة إلى ليبيا فى 25 مارس الماضى. وبالتالى فإن زيارة الدبيبة للعاصمة التركية أنقرة تأتى فى ذات السياق.

 

 

 

——————————————

[1] العربي الجديد، “داعش” ينشط وسط سيناء… ويقترب من مرافق استراتيجية، تاريخ النشر: 10 أبريل 2021، شوهد في: 14 أبريل 2021، الرابط:

[2] العربي الجديد، محاولات لإقناع دائرة السيسي بتحريك قضية المعتقلين السياسيين “لتوحيد الشارع”، تاريخ النشر: 13 أبريل 2021، شوهد في: 15 أبريل 2021، الرابط:

[3] العربي الجديد، المعتقلون في مصر: انفراجة محدودة ومرحلة أولى مشروطة، تاريخ النشر: 15 أبريل 2021، شوهد في: 15 أبريل 2021، الرابط:

[4] المرجع السابق.

[5] “تركيا تعلن عن بدء مرحلة جديدة في العلاقات مع مصر”، القدس العربى، 15/4/2021، الرابط:

[6] ” وفد رسميّ تركيّ في مصر مطلع أيار”، الأخبار، 15/4/2021، الرابط:

[7] “المساعي التركية للمصالحة مع مصر: الدوافع والمعوقات والسيناريوهات”، مركز الإمارات للسياسات، 14/4/2021، الرابط:

[8] “تركيا تعلن عن بدء مرحلة جديدة في العلاقات مع مصر”، مرجع سابق.

[9] “سعيد يبدأ زيارته الأولى لمصر.. هل يسعى إلى موازنة المحاور؟ (تحليل إخباري)”، الأناضول، 9/4/2021، الرابط:

[10] “زيارة الرئيس التونسي إلى مصر: الأهداف والنتائج”، مركز الإمارات للسياسات، 12/4/2021، الرابط:

[11] “سعيد يبدأ زيارته الأولى لمصر.. هل يسعى إلى موازنة المحاور؟ (تحليل إخباري)”، مرجع سابق.

[12] “زيارة الرئيس التونسي إلى مصر: الأهداف والنتائج”، مرجع سابق.

[13] “كيف عكست القمة المصرية – التونسية التوافقات المشتركة في الإقليم؟”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11/4/2021، الرابط: https://bit.ly/32eIfnh

[14] “ما دلالات زيارة لافروف إلى مصر؟”، إندبندنت عربية، 14/4/2021، الرابط: https://bit.ly/32jUNJU

[15] “الشراكة المصرية – الروسية .. كيف تساهم في تحقيق الأمن والتنمية في الشرق الأوسط؟”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 12/4/2021، الرابط: https://bit.ly/3slgi7Q

[16] “ما دلالات زيارة لافروف إلى مصر؟”، مرجع سابق.

[17] “الشراكة المصرية – الروسية .. كيف تساهم في تحقيق الأمن والتنمية في الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[18] ” رسائل زيارة دبيبة لتركيا”، عربى21، 13/4/2021، الرابط: https://bit.ly/3mMqftS

[19] ” بين تركيا ومصر.. أين تقف حكومة الدبيبة الآن؟”، ساسة بوست، 14/4/2021، الرابط: https://bit.ly/3uXgyvB

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022