تقارير متضاربة وتصريحات متناقضة تتوالى الصدور عن الجانب الإيراني حول ما نشر في الإعلام الغربي، عن حوارات سعودية إيرانية، جرت مؤخرا ببغداد، لحلحلة العلاقات المقطوعة منذ أعوام عدة، ووفق الدوائر الغربية ، فإن الجولة الأولى من المحادثات السعودية الإيرانية أجريت بالعاصمة العراقية بغداد في 9 أبريل الجاري، وتناولت هجمات الحوثيين على المملكة، ووصفت طهران ما ورد في صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية، حول محادثات إيرانية-سعودية جرت في بغداد، بأنها “تقارير إعلامية متناقضة”.
وجاء ذلك على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي، يوم الاثنين 19 ابريل الجاري، عبر الفيديو كونفرانس، بحسب ما ذكره موقع “قناة العالم” الايرانية. وقال خطيب زادة رداً على سؤال حول ما ورد من أنباء بحصول محادثات إيرانية-سعودية في بغداد: “لقد اطلعنا نحن أيضاً على التقارير الإعلامية والصحفية المنشورة. تم نشر أقوال متناقضة”، متابعا “إيران رحبت دوماً بالحوار مع المملكة العربية السعودية، وترى أن ذلك يصب في مصلحة شعبَي البلدين والسلام والاستقرار الإقليمي، وسيستمر هذا الأمر”.
والأحد 18 ابريل، كشفت صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية عن عقد مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى محادثات مباشرة، جرت خلال الشهر الجاري، في العاصمة العراقية بغداد؛ في محاولة لإصلاح العلاقات بين البلدين والمقطوعة منذ عام 2016. ونقلت الصحيفة البريطانية، عن 3 مسؤولين قالت إنهم “على اطلاع على المحادثات”، أن هذه المفاوضات جرت في بغداد، بعد 5 سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. وقالت نقلاً عن مصادر لم تسمها، إن الوفد السعودي ترأسه خالد بن علي الحميدان، رئيس جهاز المخابرات، مشيرة إلى أن هناك جولة أخرى من المحادثات، من المقرر أن تُعقد في الأسبوع المقبل.
ورغم نفي مصدر سعودي رفيع المستوى للجريدة إجراء المحادثات بين البلدين، ورفض الحكومتين العراقية والإيرانية التعليق، إلا أن أحد المصادر الثلاثة قال لـ «فاينانشال تايمز» إن المفاوضات تجري بسبب إحياء جو بايدن للاتفاق النووي الأمريكي الإيراني، الذي انسحب منه سابقه دونالد ترامب، من ناحية، إلى جانب رغبة السعودية في إنهاء الحرب في اليمن، مع ارتفاع الهجمات الحوثية على خطوط بترول ومدن سعودية. وأضاف مصدر آخر أن هناك قنوات اتصال بين مصر وإيران من ناحية، والأردن وإيران من ناحية أخرى، برعاية عراقية.
وتتسم العلاقة بين البلدين بالعداء شبه المستمر ولا يتوقف البلدان عن تبادل الاتهامات بزعزعة أمن واستقرار المنطقة. ورفضت السعودية في السابق دعوات إيرانية للحوار، كما لم تستجب لعرض كويتي وآخر قطري لتقريب وجهات النظر، ووصف وزير خارجيتها فيصل بن فرحان دعوات نظيره الإيراني محمد جواد ظريف للحوار بأنها دعوات غير مجدية. وتغيرت اللهجة السعودية تجاه إيران خلال الأسابيع الأخيرة، وقد عبَّر وزير خارجيتها عن استعداد بلاده لخلق شراكة وليس مصالحة مع إيران، في حال توقفت الأخيرة عن سلوكها المزعزع لأمن المنطقة.
دوافع المحادثات السرية
ووفق تقديرات استخبارية، فإن هناك حاجة ماسة لتفكيك بعض الاشتباكات السياسية بالمنطقة بالنظر إلى الضغوط التي يتعرض لها الطرفان؛ فإيران تحاول كسر عزلتها، والسعودية تحاول إنهاء حرب اليمن، وذلك وفق تقديرات نشرها موقع ” أخبار الخليج” مؤخرا. ويأتي ذلك أيضا، في الوقت الذي تحرص فيه السعودية على إنهاء الحرب في اليمن ضد مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً، والتي صعّدت هجماتها على المدن السعودية والبنية التحتية للمنشآت النفطية في المملكة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
كما يأتي في وقت تحاول فيه واشنطن وطهران إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي عارضته الرياض، وفي الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة من أجل إنهاء الحرب في اليمن، التي يُنظر إليها في المنطقة على أنها حرب بالوكالة بين السعودية وإيران. وكانت الرياض قد دعت إلى إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران بمعايير أقوى، وقالت إنه لا بد من انضمام دول الخليج العربية إلى أي مفاوضات بشأن الاتفاق؛ لضمان تناوله هذه المرة برنامج الصواريخ الإيراني ودعم طهران لوكلائها الإقليميين.
وتعاني المملكة حالياً الهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون الموالون لإيران من اليمن أو تلك التي تشنها مليشيات شيعية مماثلة من العراق. ومنذ وصول جو بايدن إلى الحكم في الولايات المتحدة كثَّف الحوثيون هجماتهم الصاروخية وبالطائرات المسيَّرة على مواقع عسكرية وأخرى نفطية سعودية مهمة، في المقابل، تغير طائرات التحالف الذي تقوده الرياض على العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ 2014.
دلالات اقليمية ودولية
توسيع دور العراق الاقليمي
وشهدت الفترة الأخيرة محاولات عمانية حثيثة لتقريب وجهات النظر، ولو من دون صخب، خاصة أن مسقط باتت عاصمة المفاوضات اليمنية، غير أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يبدو راغباً ليس فقط في النأي بنفسه عن الصراعات الإقليمية وإنما أيضاً النأي ببلاده عن حروب الوكالة. وزار الكاظمي الرياض هذا الشهر تلبية لدعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وقوبل بحفاوة بالغة حيث رافقته المقاتلات الحربية بمجرد دخوله سماء المملكة.
وعقد رئيس الوزراء العراقي مباحثات موسعة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأكد الطرفان أنهما سيعززان التعاون المشترك في مختلف المجالات ولا سيما فيما يتعلق بأمن المنطقة واستقرارها. وتسعى بغداد، إلى أن تكون أكثر من مجرد حامل رسائل، وتعمل على سد الهوة بين الطرفين وإيجاد مساحة يمكن للطرفين الوقوف عليها؛ لأنها تدرك جيداً أن أمنها مرتبط بالأمن الاقليمي، كما أن العراق من خلال استضافة هذه الاجتماعات أو التمهيد لها إنما يحاول إظهار حالة من توازن العلاقات بينه وبين الطرفين.
استثمار التوجهات الامريكية الجديدة لادارة بايدن
كما يبدو أن وصول إدارة جديدة للحكم في البيت الأبيض يدفع دول المنطقة إلى التعامل مع الأزمات وفق توجه هذه الإدارة، وهو ما دفع السعودية تحديداً لتفكيك أزمات سياسية بالمنطقة كلما وصل الديمقراطيون إلى الحكم. كما أن حالة السيولة السياسية وعدم اليقين تدفع الأطراف لمحاولة تفكيك الأزمات وإيجاد حلول محلية لأمور بعينها استباقاً لحلول قد تفرض من الخارج. حيث لمست السعودية عزم واشنطن على إنهاء حرب اليمن، ومن ثم فهي تسعى لإنهاء هذه الحرب بأي طريقة، كما أنها تعاني هجمات الحوثيين الموجعة التي تعرف أن مصدرها الرئيس هو إيران، ومن ثم فهي تسعى لتخفيف هذه الهجمات بأي طريقة وعبر أي وسيط..
الضغوط الاقليمية والاسرائيلية على الطرفين
وبعيداً عن السجالات والحروب الإعلامية، فإن الطرفين على ما يبدو باتا في وضع يدفعهما دفعاً لتصحيح العلاقات أو لتخفيف حدة الصراع على الأقل. فمن جهة تتعرض إيران لضغوط غربية وهجمات إسرائيلية متواصلة وعزلة إقليمية متزايدة، ومن جهة أخرى تعاني السعودية من الهجمات المستمرة التي تشنها أذرع إيران العسكرية بالمنطقة، فضلاً عن رغبتها الجادة في إنهاء حرب اليمن. كما أن اتفاقات التطبيع التي بدأت أواخر عهد دونالد ترامب، والتي باركها بايدن وتعهد بمواصلة البناء عليها، دفعت طهران على ما يبدو لمحاولة تقليل مخاوف الدول المجاورة التي تدفعها نحو التقارب مع دولة الاحتلال. ومع تراجع العداء الأمريكي لإيران وإصرار بايدن على التوصل إلى اتفاق جديد بشأن ملفها النووي، وتعهد الإدارة الأمريكية الجديدة بإنهاء حرب اليمن، فإن الحوار مع إيران، سيكون أمراً لا مفر منه، لكونها متحكمة في القرار الحوثي.
الأزمة الاقتصادية الايرانية
وحول اسباب التحول الايراني، تحديدا، نحو التحاور مع السعودية، ووفق الكاتب والمحلل السعودي منيف عماش الحربي، في مداخلة مع قناة “الجزيرة”، إن إيران باتت تدرك تماماً أنه لا مجال لتجاوز الرياض، وأن مشروعها للسيطرة على أربع عواصم عربية قد فشل، مشيراً إلى أنها تعاني أزمة مالية خانقة بسبب العقوبات. يشار إلى أن السعودية سبق أن منحت إيران دوراً إقليمياً في عهد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وأيضاً في عهد أحمدي نجاد، وهو ما قد يكون حفز ايران حاليا، لاستعادة هذا الدور حالياً عن طريق الحوار مع الرياض، بعدما استشعرت رفضاً شعبياً لها في أكثر من بلد.
ظروف غير مواتية
من جانب اخر، وبالتزامن مع تلك الأنباء الايجابية، قد تحول بعض التطورات دون الوصول الى نتائج فاعلة، اذ انه في اطار الرد الايراني على الهجووم التخريبي الذي ضرب منشأة نطنز النووية، أعلنت وكالة الطاقة الذرية الدولية أن إيران بدأت في تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء انشطاري 60%، في منشأة نطنز النووية
كما أن تاريخ الخلافات بين البلدين قد لا يوحي باحراز نتائج قريبة، ومن تلك الوقائع التاريخية ما أقدمت عليه السلطات السعودية، في يناير 2016، حيث أعدمت الشيخ الشيعي نمر النمر، على خلفية اتهامه بـ «عصيان الحاكم وحمل السلاح». وقبض على النمر في 2012، وهو من المنطقة الشرقية بالسعودية، التي يسكنها أغلبية شيعية في الدولة ذات الأغلبية السنية، وكانت مدن تلك المنطقة الشرقية قد شهدت احتجاجات بين عامي 2011 و2012 تزامنًا مع الثورات العربية، إلا أنها أجهضت بعنف من السلطات السعودية. وردًا على مقتل الشيخ النمر، هاجم متظاهرون إيرانيون السفارة السعودية في طهران وأشعلوا النيران فيها، فقطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران، لكن لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تقطع فيها العلاقات بين البلدين، فهناك عداء تاريخي طويل، يعود إلى 1979، منذ تحول إيران إلى الحكم الإسلامي، وتتجاوز أسبابه الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة، وتمتد لمصالح سياسية واقتصادية إقليميًا.
ففي 1944 قطعت العلاقات لمدة عامين بين البلدين إثر إعدام السعودية لأحد الحجاج الإيرانيين، وفي عام 1987، في أثناء حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، حدثت مواجهات عنيفة بين الشرطة السعودية وحجاج إيرانيين في مكة، انتهت بمقتل أكثر من 400 شخص، بينهم 275 إيرانيًا، تبعها اشعال محتجين إيرانيين النيران في السفارتين السعودية والكويتية في طهران، وقطع العلاقات في 1988، والتي أعيدت بالكامل بإعادة فتح السفارات في 1992.
وفي عام 2001 وقع البلدان اتفاقًا أمنيًا تاريخيًا، بعد زيارة تاريخية للرئيس الإيراني محمد خاتمي للسعودية في 1999، ولكن التوتر عاد بين البلدين مع ظهور مخاوف من البرنامج النووي الإيراني في 2003 ثم توقيع الإتفاق النووي الإيراني في 2015، الذي يهدف إلى تخفيف العقوبات الدولية على إيران مقابل تخفيضها نسب تخصيب اليورانيوم، فيما دخل البلدين في حروب ومعارك إقليمية بالوكالة، أبرزها في سوريا واليمن.
عراقيل فنية أمام التقارب
الا ان الحوار والتصالح بين البلدين الابرز في المنطقة تتواجه ببعض العراقيل الفنية. فالملف اليمني سيكون عصب أي لقاء بين الجانبين؛ وسيجري تفاهمات عدة حوله، بعد خيبة الأمل التي منيت بها السعودية من حليفهتها الامارات، التي تعمل منفردة وفق اجندتا باليمن. وايضا بالنظر إلى ما تعانيه السعودية في هذه الحرب التي لن تنتهي ما دامت إيران تدعم الحوثيين، فسيكون الملف ابرز الملفات التي سيتحقق بها انجازات. أما فيما يتعلق بالملفين النووي والصاروخي، فالأمر يبدو صعبا، إذ أن إيران رفضت مراراً حضور أي طرف إقليمي للمفاوضات النووية؛ لكونها مفاوضات تخص أطراف الاتفاق الموقع عام 2015 بينها وبين الدول الغربية.
أما البرنامج الصاروخي، فإيران غير مستعدة لمناقشته بشكل منفرد؛ لكونه يمثل أمراً سيادياً بالنسبة لها. إلا أن هذا البرنامج يمكن لإيران مناقشته مع أي دولة في إطار الأمن الإقليمي الكامل، بمعنى أن تتم أيضاً مناقشة عمليات التسلح الواسعة التي تقوم بها السعودية وخطرها على أمن المنطقة..وهو ما يمثل صعوبة تمتيمية قد تضعها ايران في عجلة التفاهم مع السعودية. وهو ما يدفع نحو عملية مراجعة وتقييم من قبل كل طرف لمواقفه من بعض القضايا، لفض الكثير من الاشتباكات السياسية في المنطقة. حيث ترى كل من إيران والسعودية أن الآخر حريص على فرض هيمنته على المنطقة، إذ تنظر الرياض إلى طهران على أنها عازمة على تطويق المملكة من خلال عدة تحالفات مع دول وقوى وانظمة وتيارات؛ فيما ترى طهران أن الرياض هي الوسيط الرئيسي لجهود الولايات المتحدة لاحتواء وتقويض الجمهورية الإسلامية.
كما أن كل دولة تعتقد أن الأخرى مصممة على نشر مذهبها الفقهي على حساب الأخرى، كما تعتبر الرياض ترسانة طهران من الصواريخ الباليستية تهديدًا لأمنها القومي، فيما تعتبر طهران شراء المملكة لكميات كبيرة من الأسلحة الغربية المتطورة يؤدي إلى خلل في موازين القوى المسلحة في المنطقة. أيضاً تتهم السعودية إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة مثل اليمن وسوريا ولبنان والبحرين والعراق، فيما ترى طهران أن المملكة العربية السعودية تفعل الشيء نفسه في هذه البلدان بالذات. ولعل القيادة السياسية في كل من طهران والرياض تحتاجان إلى الانخراط في مناقشات مباشرة مسترشدة بالأساسيات التالية، التي نقلتها “دويتش فيله” عن خبراء دوليين في التفتوض، وهي:
ـ إدارة العلاقات على أساس الاحترام المتبادل، وفقًا للمصالح المشتركة وعلى قدم المساواة.
ـ الحفاظ على السيادة وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي وحرمة الحدود الدولية لجميع دول المنطقة واحترامها، والتشديد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ـ رفض التهديد باستخدام القوة والالتزام بالتسوية السلمية لجميع الخلافات، وكذلك رفض سياسة دعم الانقسام الطائفي وتوظيف الطائفية لأهداف سياسية ودعم وتسليح المليشيات في دول المنطقة.
ـ احترام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ولا سيما حرمة المرافق الدبلوماسية.
ـ تعزيز التضامن الإسلامي وتجنب الصراع والعنف والتطرف والتوتر الطائفي، والتعاون الكامل في مكافحة الإرهاب.
ـ معاملة الأقلية الدينية في بلد الطرف الآخر كمواطنين لهم كل الحقوق، وليس في المقام الأول كرعايا من أتباع مذهب آخر مع ولاءات عبر وطنية.
ـ رفض سعي أي دولة في المنطقة للهيمنة وضمان حرية الملاحة والتدفق الحر للنفط والموارد الأخرى إلى المنطقة ومنها، وحماية البنية التحتية الحيوية.
ـ حظر تطوير أو شراء جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل.
وإذا ما تم الاتفاق على المبادئ التوجيهية السابقة من كلا الطرفين، فإن ذلك يعد نقطة انطلاق مهمة، لكن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات لبناء الثقة بعد عقود من العداء وانعدام الثقة..
مستقبل المنطقة
وامام المشهد السياسي بالشرق الاوسط، والذي يجري تفكيك ازماته بهدوء، سواء على الصعيد اٌيراني الأمريكي من ناحية، أو الايراني السعودي من جهة أخرى..يبدو أن رياححا جديدة تهب على المنطقة العربية والشرق الاوسط. فتغير العلاقات الذي طرأ مؤخراً بين تركيا ومصر، رغم ما كان بين البلدين من توتر؛ وعليه لا يستبعد حصول تغييرات في سياسات دول المنطقة، وأن يكون هناك تقارب بين دول شهدت خلافات بين حكوماتها. وأنه عند التقاء الأطراف الثلاثة؛ مصر وتركيا والسعودية؛ ستسهل مهمة أمريكا في احتضان تركيا مرة أخرى إلى المعسكر الغربي..وبهذا تكون أمريكا قد حققت شرخاً بالتحالف الروسي الإيراني، ووجهت ضربة للتمدد الصيني بالمنطقة ايضا، خاصة بعدما وقعت إيران والصين معاهدة تعاون اقتصادي واستراتيجي مدتها 25 عاماً في 27 مارس 2021..
كما ان العراق سيصبح رابطاً قوياً ومحورياً بين السعودية وإيران، خاصة وأن الشعب العراقي لم يعد يطيق هيمنة إيران على القرار السياسي العراقي ولم يعد يتقبل سلوك أذرعها داخل إلعراق. وبحسب المحلل السياسي الأردني، عريب الرنتاوي بمقاله “ريحٌ جديدة تهب على الإقليم” بصحيفة الدستور الأردنية، فإن “واشنطن عائدة للاتفاق النووي، وأن حقبة ترامب و”أقصى الضغوط” و” العسكري على الطاولة” قد انتهت، لسنوات أربع قادمة على الأقل، إن لم نقل مرة واحدة وإلى الأبد”.
ومن ثم فلا بديل عن الحوار والمفاوضات بين دوله وحكوماته، لحل مشكلات الإقليم العالقة، ولا بد من تفكيرٍ جاد ومسؤول ومتبادل، يُعلي «التعاون» على «الخصومة» و»التنافس» على «الصراع»، وينطلق من مصالح الشعوب بدل حسابات فئات وشرائح ضيقة حاكمة، وذلك كخطوة اولى على طريق بناء «منظومة إقليمية للأمن والتعاون». بل كان يمكن للجانب العربي، أن يحصد ثماراً أفضل من انفتاحه على إيران، لو أنه فعل ذلك قبل بضعة سنوات، وإبان عهد ترامب، لكان وفّر على نفسه مبالغ طائلة، اضطر لإنفاقها على شراء الأسلحة وتكديسها، إرضاءً لجشع ترامب وفريقه الرئاسي…كانت إيران في موقع المحاصر والمستهدف، وكان أكثر استعداداً لتقديم أثمان أعلى للتقارب مع دول الجوار.
إيران اليوم، بعد اتفاقها الاستراتيجي مع الصين، وبالأخص بعد الانفراج في مفاوضات فيينا النووية، فإن شهيتها لتقديم التنازلات للجيران على الضفة الأخرى من الخليج ستكون أقل من ذي قبل. إلا أنه أياً يكن، فأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، وتفعل خيراً بعض دولنا، إذ تسقط رهاناتها على «البديل الإسرائيلي» لملء الفراغ الأمريكي، إسرائيل لا تقوى على فعل ذلك، وليست لها المقدرات لفعله حتى وإن أرادت وزعمت.
خاتمة
وايا كان مسار المفاوضات او الحوارات او التقارب بين ايران والسعودية، فإن الأمر يمثل تطورا مهما في ضوء ما تشهده عواصم المنطقة، من انفتاح تركياً – مصرياً، وقطرياً – مصرياً، وسعودياً – تركيا، بعد قمة العلا في المملكة السعودية، وإغلاق ملف الحصار المضروب على قطر…كما أن هناك حراكاً نشطاً من أجل إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، يبدو أنه مختلف عمّا سبقه من محاولات.
وهو ما يؤكد أن دول المنطقة تعلمت الدرس جيداً، إذ أصابها الإنهاك والأعياء بعد سنوات عجاف من «حروب الإخوة الأعداء»!!
ةهة ما سيتبلور خلال الفترة المقبلة وما يحمله من محفزات وفرص مواتية للشعوب والدول ، وما يكتنفه من نقائص قد تقلص الانفراجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى أحل آت ، بلا شك، الا ان الامر قد يحمل بعض القنابل الموقوتة التي قد تزيد فرص الشقاق مستقبلا، في ضوء اجندات غربية وصهيونية قد لا تيرضيها التقارب بين دول المنطقة، وهو ما سيكون اختبار مهما للحكومات والانظمة…