تأجيل الانتخابات الفلسطينية: الدوافع والتداعيات

 

 

أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فى 29 إبريل 2021، قراراً بتأجيل الانتخابات التشريعية، التي كان مقرراً أن تجري في مايو الحالي، متذرعاً بعدم قبول الحكومة الإسرائيلية إجراء الاستحقاق في القدس وضواحيها، بحجة أنه لا توجد حكومة إسرائيلية مسؤولة عن اتخاذ القرار، وأن الحكومة الراهنة حكومة تسيير أعمال. وبرر عباس خطوته بأن القدس جزء رئيس من الأراضي الفلسطينية، وأن السلطة جاهزة في كل الأحوال لإجراء الانتخابات حال السماح بذلك، وأن الأطراف الدولية الأميركية والأوروبية والعربية فشلت في إقناع الحكومة الإسرائيلية بقبول إجراء الانتخابات[1].

وكان قرار تأجيل الانتخابات متوقعًا، فقد سبق وأقر أمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح” جبريل الرجوب، بوجود ضغوط إسرائيلية وحتى إقليمية وعربية، لإلغاء الانتخابات، وقال إن الرئيس محمود عباس رفضها. ولم يكشف الرجوب أسباب الضغوط لتأجيل أو إلغاء الانتخابات، لكنّ صحفا إسرائيلية ذكرت أن تل أبيب وبعض العواصم الإقليمية، تخشى من فوز حركة “حماس” في الانتخابات، بسبب الانقسامات في حركة “فتح”[2].

وفى ذات السياق، فقد أشار يوني بن مناحيم المحلل الإسرائيلي إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أوفد اثنين من كبار مستشاريه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لبحث تأجيل الانتخابات الفلسطينية بسبب تخوفات من خسارة فتح للانتخابات نتيجة الانقسامات، وبانتظار اطلاع الولايات المتحدة على التطورات، حيث تدعم إسرائيل ومصر والأردن تأجيل الانتخابات الفلسطينية[3].

 

أولًا: أسباب تأجيل الانتخابات:

يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأسباب التى تقف خلف قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتأجيل الانتخابات، يمكن توضيحها كما يلى:

1- رفض الاحتلال إجراء الانتخابات فى القدس، ففى إعلانه عن تأجيل الانتخابات، أكد عباس على أن الانتخابات التشريعية المقررة الشهر المقبل (مايو) لن تجري في الضفة الغربية وقطاع غزة إلا إذا سمحت إسرائيل بتنظيمها في القدس الشرقية أيضاً. مشيرًا إلى أن سلطات الاحتلال قد أبلغته” بعدم السماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، وتلا نص رسالة إسرائيلية تقول “نأسف يا جيراننا الأعزّاء أنّنا لا نستطيع أن نعطيكم جواباً بشأن القدس، السبب ليس لدينا حكومة لتقرر”[4].

ويرجع رفض إسرائيل لإجراء الانتخابات فى القدس إلى إدراكها أن السماح للمقدسيين بالمشاركة في الانتخابات الفلسطينية يعني الاعتراف بأن القدس لم تعد عاصمة موحدة لإسرائيل، كما قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وبالتزامن تدرك القيادة الفلسطينية أن مشاركة المقدسيين في أي انتخابات فلسطينية يعني تثبيت وإنهاء الاعتراف بقرار ترامب. ويرى البعض بأن قرار عباس بتأجيل الانتخابات قد نجح بإعادة طرح القدس بوصفها قضية أمام المجتمع الدولي[5].

وفى المقابل، يرى العديد من المراقبين أن ادعاء السلطة الفلسطينية تأجيل الانتخابات بذريعة عدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بإجرائها في القدس، يعد حجة واهية؛ لأن الأصل أن تجرى الانتخابات دون الطلب من أحد السماح بإجرائها، لأنها شأن فلسطيني، واستحقاق سياسي وفق اتفاقية أوسلو.

كما أن هناك خيارات كثيرة وممكنة لإجراء الانتخابات بالقدس حتى لو رفض الاحتلال، منها؛ وضع صناديق الاقتراع في المساجد والكنائس، لا سيما المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، أو المؤسسات الأوروبية والدولية مثل مقرات الأمم المتحدة، أو التوافق  على برنامج  نضالي يرفع تكلفة الاحتلال للوصول للانتخابات بأقل الخسائر، وذلك من خلال دعوة المقدسيين للاحتجاج السلمي، والعصيان المدني، والجلوس في الطرقات لفرض الانتخابات في القدس، أو إعلان السلطة عن وقف الالتزامات والاتفاقيات مع إسرائيل، لأن الأخيرة غير ملتزمة بها.

وهى خيارات كانت ستكون أفضل من قرار تأجيل الانتخابات خاصة أن المقدسيون لديهم عزيمة قوية، وبإمكانهم فعل أي شيء لتحقيق مطالبهم، كما فعلوا قبل عدة أيام فى انتفاضة باب العمود عندما انتفضوا لإزالة الحواجز وانتصروا، وهذا يدل على أنهم قادرون على إرغام الاحتلال الإسرائيلي على إجراء الانتخابات داخل المدينة المقدسة، لكن قيادة السلطة الفلسطينية لم تطرح أية خيارات لفرض الانتخابات، وهذا ما يثبت عدم رغبتها في إجرائها[6].

2- فشل الصفقة الثنائية بخوض الانتخابات بقائمة وطنية واحدة بين حركة فتح وحماس، تجعل النتائج مضمونة، وما تضمنته من التوافق على الرئيس محمود عباس كمرشح توافقي واحد في الانتخابات الرئاسية[7].

وزاد الطين بلة التفكك الحاصل في حركة فتح، والذي قد يؤدي إلى خسارتها الانتخابات التشريعية بصورة مدوية، حيث تشارك حركة فتح في الانتخابات بثلاث قوائم متنافسة على الأقل، هي قائمة حركة فتح الرسمية التي تمثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس واللجنة المركزية، وقائمة المستقبل التي تمثل التيار الإصلاحي (تيار محمد دحلان)، والقائمة الثالثة برئاسة المفصول من حركة فتح ناصر القدوة والمدعوم من قبل الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي(قائمة الحرية)[8]، فضلًا عن التزام “الحرية” بدعم ترشح البرغوثي للرئاسة، في ظل أن كل الاستطلاعات الجادة تشير إلى أنه يملك فرصة كبيرة للفوز، ما سيحدث تغييرًا أشبه بالزلزال في الخارطة الفلسطينية[9].

3- الخوف من فوز حماس، فقد أشارت صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية إلى أن السبب الحقيقي لإعلان عباس تأجيل الانتخابات الفلسطينية لموعد غير محدود؛ يأتى بسبب أن كل التوقعات تشير إلى فوز حركة “حماس”، كما حدث بالانتخابات السابقة بالعام 2006، وسوف يؤدي ذلك إلى فقدان حركة “فتح” الحكم بالسلطة الفلسطينية.

وأشارت الصحيفة إلى أن التخوفات من فوز حركة “حماس”، لم تكن فقط لدى حركة فتح وقيادة السلطة، بل لدى كل من مصر ودولة الاحتلال والأردن، الذين أرسلوا وفودا أمنية الى المقاطعة مؤخرا، لتشجيع أبو مازن للتراجع عن إجراء الانتخابات. وأوضحت الصحيفة العبرية، أن الدول العربية والسلطة، لم ترغب في منح “حماس” الشرعية أمام العالم، من خلال السماح لها بالمشاركة والفوز بالانتخابات، خصوصا بعد 15 سنة من القمع في الضفة الغربية[10].

4- الموقف الإسرائيلي، يبدو أن إسرائيل لن تسمح بإجراء انتخابات فلسطينية ديمقراطية لعدة أسباب، أهمها:

أولًا؛ التوجس من إمكانية فوز حركة حماس في الانتخابات، كما حدث في انتخابات 2006، والتي جرى إسرائيليًا تلخيص السماح بها كخطأ كبير. وتخشى من أن يكون لحماس وأذرعها العسكرية موطئ قدم في الضفة الغربية، بكل ما يحمله ذلك من تحديات أمنية غير مسبوقة.

ثانيًا؛ رعاية الانقسام الفلسطيني هي من أهم مقومات السياسة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة. ويعتبره نتنياهو حجر الزاوية في تعامله مع القضية الفلسطينية، ويسعى بطرق مختلفة لإبقائه وتعميقه. هناك خشية من أن تكون الانتخابات مدخلا لمسار إنهاء الانقسام وتشكيل قيادة موحدة تسعى إلى تغيير الوضع القائم، وتضع تحديات جديدة أمام دولة الاحتلال.

ثالثًا؛ تريد إسرائيل قيادة فلسطينية ضعيفة أمامها وأمام العالم وقوية على شعبها، وعندها قدرة على ضبط الشارع الفلسطيني، وتوفير الهدوء الأمني. هناك سطوة وشرعيّة ومصداقية وقبول، وبالتالي قوة أكبر أمام العالم للأجسام المنتخبة ديمقراطيا. وبعد أن دأبت إسرائيل على مدى سنوات طويلة على إضعاف القيادة الفلسطينية، فإن الانتخابات قد تفسد عليها ما كسبته من هذا الإضعاف.

رابعًا؛ ترى إسرائيل أن أي مسار ديمقراطي عربي حقيقي ليس في صالحها، لأن الشعوب أشدُّ رفضا لها من القيادات. وهي تعلم جيّدا أن الشعب الفلسطيني يحمل موقفا أشدُّ عداء لها من قياداته الرسمية، وتخشى أن تفضي انتخابات ديمقراطية إلى اتباع سياسة مواجهة الاحتلال وإلى إنهاء حقبة التنسيق الأمني.

خامسًا؛ تخشى إسرائيل من أن يؤدّي المسار الانتخابي إلى ترشيح مروان البرغوثي للرئاسة، خاصة أن تقديراتها هي انه سيفوز إذا ترشّح. في هذه الحالة ستسعى إسرائيل الى تعطيل الانتخابات الرئاسية، لأن رئيس فلسطيني منتخب في السجن هو «وجع راس» كبير ستسعى إسرائيل إلى الوقاية منه. وربما تسعى إسرائيل لتعطيل الانتخابات التشريعية لقطع الطريق من أوّله.

سادسًا؛ تتبجح القيادات السياسية الإسرائيلية بأنّ إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وبأنها الوحيدة في محيط متلاطم من الديكتاتوريات العربية. وتسوق نفسها في العالم على هذا الأساس، وتحظى هذه الصورة المزيّفة بقبول واسع في العالم، وتمنح إسرائيل الشرعية والدعم والحماية من الضغوط والعقوبات. انتخابات فلسطينية ديمقراطية معترف بها دوليا ستضعف هذا الادعاء الإسرائيلي، وربّما تضع صورتها هذه على قدم المساواة مع المشهد الفلسطيني، ما قد يؤثّر في موازين القوى السياسية في ساحات المجتمع المدني والمحافل الدولية[11].

5- الرفض الأمريكى، فقد كان أحد المحركات التي حركت قطار الانتخابات نجاح جو بايدن، الذي أعاد الأمل المفقود بإحياء المسيرة السياسية التي تحتاج حتى تنطلق إلى سلطة فلسطينية شرعية متجددة وأكثر “مرونة”.

ولكن سرعان ما رفضت أمريكا إجراء الانتخابات خشية من قيام مجلس تشريعي تعددي ورئيس فلسطيني جديد وهو في الأسر (مروان البرغوثى)، وهذا يقوي العامل الفلسطيني ويجعله عصيًا على الرضوخ للإملاءات والشروط الأميركية والإسرائيلية، وفي هذا السياق نفهم استخدام فزاعة فوز “حماس”، وهذا كله يقلل من احتمالات استئناف المفاوضات، خصوصًا مع اتضاح انشغال الإدارة الأميركية بملفات أخرى، واستمرار أزمة الحكم بإسرائيل، من خلال خوض انتخابات رابعة لم تحسم أمر تشكيل الحكومة، وسط تزايد ثقل اليمين واليمين المتطرف في الكنيست، ما يقلل من قدرة الحكومة الإسرائيلية الانتقالية على إبداء أي مرونة، خصوصًا فيما يتعلق بإجراء الانتخابات في القدس[12].

 

ثانيًا: تداعيات تأجيل الانتخابات:

وفيما يتعلق بالتداعيات الناتجة عن تأجيل الانتخابات الفلسطينية، يمكن توضيحها كما يلى:

1- أن تأجيل الانتخابات سوف يحدث ضرراً كبيراً على الساحة الفلسطينية، وبدل من أن يشتبك الفلسطينيون مع الاحتلال سوف يشتبكون مع أنفسهم، مما يؤدي إلى تعزيز الانقسام القائم منذ صيف عام 2007. فالموافقة على إجراء الانتخابات تمت بالموافقة بين حركتَي فتح وحماس والفصائل الأخرى، لكن التأجيل تم بقرار منفرد من حركة فتح والرئيس عباس[13].

2- الاتجاه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث تعد حكومة الوحدة الوطنية الخطوة التالية لعملية الاقتراع، بحسب اتفاق الفصائل الفلسطينية في حواراتها المبرمة بالقاهرة مطلع العام الحالي.

وقبل الإعلان رسمياً عن تأجيل الانتخابات، بدأت الاتصالات بين حركتي “فتح” و”حماس” حول الخيارات البديلة، التي ناقشت خطوة الذهاب إلى خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية. فقد أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني، أن الاتصالات الأخيرة التي جرت بين “فتح” و”حماس” بحثت قضية تشكل الحكومة الجديدة من دون انتخابات، لكن هذه الخطوة لا تزال في بدايتها ويجري التحضير لها مع بقية الفصائل المعتمدة.

وبعد قرار التأجيل، فقد بدأت حركة فتح فى إجراء اتصالات لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها “حماس” إلى جانب أغلب القوائم الانتخابية المتنافسة على عضوية المجلس التشريعي، بناءً على قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في التحرك صوب تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة[14].

ولكن يبدو أن هذه الخطوة تواجه مجموعة من الإشكاليات منها

أولًا: أن فكرة حكومة وحدة جاءت بعد إلغاء الانتخابات وعدم توفر الثقة بين فتح وحماس. ثانيًا: إقرار عباس بأن تلك الحكومة تقبل بقرارات الشرعية الدولية وشروط الرباعية؛ أى الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف، مما يجعل من الصعب أن تقبل حماس بها.

ثالثًا: أنه مطلوب من تلك الحكومة الاتفاق حول مجموعة من القضايا الخلافية والتي تم تأجيلها لما بعد الانتخابات مثل دمج الموظفين، والسيطرة الأمنية على غزة[15].

رابعًا: رفض حماس لفكرة الذهاب لحكومة كحل بديل عن الانتخابات، ورفضها أيضًا بأن يتم اتخاذ تلك القرارات المصيرية بشكل منفرد من قبل السلطة، ولذلك تشدد الحركة على ضرورة عقد لقاء وطني جامع تشارك فيه القوائم والفصائل لبحث الخطوة التالية لقرار التأجيل.

خامسًا: رفض التيار الإصلاحي الذى يقوده محمد دحلان فكرة تأجيل الانتخابات، وجميع الحلول البديلة عنها، ويعتقدون أنها إلغاء للانتخابات وليس إرجاءً لها، بجانب تخوف دحلان من استبعاد تياره من تشكيل الحكومة المرتقب خاصة بعد تأكيد الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، أن الطريق بات في تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويجري الحوار مع الفصائل والقوائم التي لها وزن سياسي، دون أن يشمل “القوائم الشكلية، التي ليس لها تأثير في الساحة السياسية” وهو ما فسره العديد من المراقبين بأنه يشير إلى تيار دحلان[16].

3- يبدو أن حماس استفادت من قرار تأجيل الانتخابات

فأولًا: ظهرت الحركة بأنها تؤيد إجراء الانتخابات ولا تُعطل مسار المصالحة على عكس حركة فتح.

ثانيًا: كان من المحتمل أن تخسر حماس الكثير من مقاعدها في المجلس التشريعي لصالح القيادي المفصول من حركة فتح والمنشق محمد دحلان الذي يتمتع بدعم وتمويل إماراتي كبير، وربما كان ينجح دحلان فى الوصول إلى رئاسة السلطة عبر بوابة قطاع غزة، وذلك بعد أن تدفق عناصر ورموز التيار إلى القطاع خلال الأسابيع القليلة التي تلت الدعوة لإجراء الانتخابات[17].

4- أن قرار التأجيل كان متوقعًا ما جعل الرد على التأجيل محدودا وباهتا واقتصر على بيانات التنديد لا أكثر. ولم يحمل الرد على تأجيل الانتخابات طاقات كافية للانطلاق والخوض في معمعان الفعل السياسي المطلوب لرد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني ومقاومة الاحتلال وإعادة صياغة «النظام السياسي الفلسطيني»[18].

 

ختامًا؛ يكشف قرار الرئيس محمود عباس بتأجيل الانتخابات التشريعية إلى أجل غير محدد عن مجموعة من الحقائق تتمثل فى:

أولى هذه الحقائق هي أن الانتخابات لن تكون سببا في وحدة الفلسطينيين وإنهاء الانقسام كما روج داعموها، بل على العكس تماما، فقد كانت سببا في الانقسامات عند إعلان إجرائها وكذلك عند تأجيلها!. فمع إعلان النية لإجراء الانتخابات وبدء التحضير لها، شهدت الساحة الفلسطينية جدلا كبيرا حولها، وظهرت الخلافات داخل مؤيدي الفصيل الواحد، وانقسمت حركة فتح إلى ثلاث قوائم، وهكذا أصبحت الانتخابات عاملا للانقسام بدلا من أن تكون عاملا للوحدة.

أما عند الإعلان عن تأجيل الانتخابات، فقد تسبب هذا الإعلان في عودة التراشق الإعلامي وخصوصا بين حركتي حماس وفتح، ولكنها شملت الفاعلين السياسيين عموما في الساحة الفلسطينية. اتهمت حماس وفصائل وقوائم أخرى محمود عباس بإلغاء الانتخابات لأنه أدرك أن حركته لن تحصل على الأغلبية، في ظل تشكيل قائمتين فتحاويتين إحداهما لمحمد دحلان والأخرى لناصر القدوة ومروان البرغوثي. بالمقابل اتهمت حركة فتح القوائم التي انتقدت التأجيل وعلى رأسها حماس بأنها غير معنية بقضية القدس، وبهذا تحول موضوع الانتخابات لفصل جديد من التراشق والتصدعات في الساحة السياسية الفلسطينية.

ثاني الحقائق التي يكشفها ويؤكدها قرار عباس هي أن الانتخابات تحت الاحتلال لا يمكن أن تكون حلا لأي أزمة، ولا يمكن أن تكون نزيهة بالكامل، فالاحتلال قد لا يتدخل بتزوير مباشر ولكنه يستطيع أن يؤثر في المعادلة من خلال سيطرته على الأمن، فيعتقل من يريد ويبقي من يريد، وقد يمنع مؤتمرات انتخابية للفصيل الذي لا يفضله ويتيح نشاطات الأطراف التي يفضلها، وقد يمنع الانتخابات في المنطقة التي يريد -كما حصل في القدس-، وقد يقدم “هدايا” سياسية للطرف الذي يريد خدمته جماهيريا لزيادة حظوظه في الانتخابات. إن منع الانتخابات في القدس ما هو إلا مجرد تأكيد لحقيقة معلومة وهي استحالة أن تكون الانتخابات حرة بشكل كامل تحت الاحتلال، إلا إذا كانت في خدمة مصالحه.

ثالث الحقائق التي يكشفها القرار هي عبثية مسار المصالحة بين حركتي حماس وفتح بمقاربته التي سارت عليها الحركتان منذ عام 2007، والذي ركز على الانتخابات وغيرها من الترتيبات الإجرائية لتسيير عمل السلطة الفلسطينية، بدلا من التركيز على المحورين الأهم والأكثر استراتيجية وهما: البرنامج السياسي للمشروع الوطني الفلسطيني، وآلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية لهذا المشروع.

يظهر قرار عباس هذا الخلل الجوهري في مسار المصالحة بشكل عملي، فمن جهة هو اتخذ القرار منفردا بدون مشاركة الفصائل الفلسطينية ولمصلحة فتحاوية كما هو واضح، ومن جهة أخرى فقد أعلن في إطار قرار التأجيل عن تشكيل حكومة وحدة وطنية “تلتزم بالاتفاقيات الدولية”، وهو تعبير “مشفّر” عن “شروط الرباعية الدولية” التي كانت شرطا لرفع العقوبات عن الحكومة التي تمخضت عنها انتخابات 2006، وهذا يعني أن الانتخابات الجديدة إذا عقدت فإنها ستحمل نفس سيناريو الانقسام والحصار الذي تبع الانتخابات الماضية[19].

 

 

[1]                      “ماذا بعد تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية؟”، إندبندنت عربية، 3/5/2021، الرابط:

[2]                      “رغم ضغوط التأجيل.. هل تجري الانتخابات الفلسطينية بموعدها؟ (تحليل)”، الأناضول، 30/3/2021، الرابط:

[3]                      “هل ترجح السلطة سيناريو تأجيل الانتخابات؟”، الرسالة نت، 31/3/2021، الرابط:

[4]                      “محمود عباس يعلن رسميا تأجيل الانتخابات الفلسطينية”، سكاى نيوز، 30/4/2021، الرابط:

[5]                      “كيف نقرأ قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية؟”، حفريات، 2/5/2021، الرابط:

[6]                      “محلّلون لـ “حفريات”: لهذه الأسباب قام عباس بتأجيل الانتخابات الفلسطينية”، حفريات، 3/5/2021، الرابط:

[7]                      “ماذا وراء “تأجيل” الانتخابات، وما تداعياته؟‎”، مسارات، 27/4/2021، الرابط:

[8]                      ” الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقبلة: القوائم المتنافسة والسيناريوهات”، مركز الإمارات للدراسات، 19/4/2021، الرابط:

[9]                      “ماذا وراء “تأجيل” الانتخابات، وما تداعياته؟‎”، مرجع سابق.

[10]                   “صحيفة عبرية: عباس خائف من فقدان “حكم فتح””، الرسالة نت، 30/4/2021، الرابط: https://bit.ly/3b0oLaS

[11]                   ” ما الذي تخشاه إسرائيل من الانتخابات الفلسطينية؟”، القدس العربى، 31/3/2021، الرابط: https://bit.ly/2PRF6Xi

[12]                   “ماذا وراء “تأجيل” الانتخابات، وما تداعياته؟‎”، مرجع سابق.

[13]                   “محلّلون لـ “حفريات”: لهذه الأسباب قام عباس بتأجيل الانتخابات الفلسطينية”، مرجع سابق.

[14]                   ” فلسطين تلجأ لتشكيل حكومة وطنية بعد تأجيل الانتخابات”، إندبندنت عربية، 3/5/2021، الرابط: https://bit.ly/3tix7ki

[15]                   “محللون يعلقون لـ”عربي21” على توجّه عباس لتشكيل حكومة وحدة”، عربى21، 30/4/2021، الرابط: https://bit.ly/3gXhfkJ

[16]                   ” فلسطين تلجأ لتشكيل حكومة وطنية بعد تأجيل الانتخابات”، إندبندنت عربية، 3/5/2021، الرابط: https://bit.ly/3tix7ki

[17]                   ” كيف استفادت حماس من تأجيل الانتخابات الفلسطينية؟”، عربى21، 5/5/2021، الرابط: https://bit.ly/3b4vT5X

[18]                   ” ثماني ملاحظات حول تأجيل الانتخابات الفلسطينية”، القدس العربى، 5/5/2021، الرابط: https://bit.ly/3nT8Wrn

[19]                   “الحقائق التي يكشفها قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية”، عربى21، 3/5/2021، الرابط: https://bit.ly/3ulkJ4h

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022