بعدما حذر الكاتب الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، في 2 مايو الجاري، من أن الوضع في القدس المحتلة قد أصبح على شفا الانفجار، بسبب ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي القمعية في المدينة المقدسة وباقي الأراضي المحتلة عام 1948، وأن الفلسطينيين الذين تخلى عنهم المجتمع الدولي، وأهمل الإعلام قضيتهم وتعرضوا للخيانة من قبل العديد من الدول العربية، ويعيشون في ظل قيادة تتجاهل قضاياهم ولا تلبي احتياجاتهم، قد أصبح مصيرهم الآن في أيديهم، وفي الشوارع التي خرجوا إليها كما هو دأبهم دائما.
ها هي الانتفاضة تنتشر في جميع الأراضي الفلسطينية، لأول مرة في تاريخ فلسطين تتفجر انتفاضة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ومدن فلسطين المحتلة عام 1948، بالتزامن مع انتفاضة مماثلة على حدود فلسطين مع كل من الأردن ولبنان.
ومع وصل الانتفاضة إلى شدتها وارتفاع عدد الشهداء والمصابين، وتوسيع نقاط الاشتباك مع الاحتلال، وتوسيع التصعيد في قطاع غزة، بدءت الدول حول العالم بالتحرك، من أجل أيجاد حلول لوقف تلك الانتفاضة، وإخماد الأحداث.
ومن بين تلك التحركات جاءت التحركات المصرية المتأخرة، فعلى الرغم من أن الأحداث بدءت تأخذ الزخم مع دخول شهر رمضان، إلا أن السلطة المصرية لم تتحرك إلى في الأسبوع الأخير من الأحداث، فما هي تلك التحركات المصرية، وما هي دوافعها ؟؟؟؟!!! هو ما سنحاول الإجابة عليه في السطور القادمة
في تصريحاته أكد القيادي بحركة حماس ” خالد مشعل إلى” أن عددا من الدول بادرت بالتحرك لوقف إطلاق النار، ومنها مصر وقطر وتركيا، فضلا عن الإدارة الأمريكية، مشيرا إلى أن الحركة ردت بالتشديد على أن “الذي بدأ بالعدوان عليه أن ينهيه“. كما نقلت “رويترز” عن مصدر فلسطيني: أن وسطاء من قطر ومصر والأمم المتحدة يكثفون اتصالاتهم في محاولة للتوصل إلى تهدئة، وهو ما أكدته أيضا “سي إن إن” عن مسؤولين أميركيين: أن البيت الأبيض يراقب عن كثب مفاوضات وليدة تقودها مصر لوقف إطلاق النار.
شكل التحرك المصرية:
أولا: التحركات الخارجية:
أصدرت صفحتي ( رئاسة مجلس الوزراء المصري – ووزارة الخارجية المصرية) الرسميتي عبر الفيس بوك، عددت تحركات قامت بها الجهات الخارجية المصرية، حيث:
أعربت وزارة الخارجية، الجمعة ٧ مايو ٢٠٢١، عن بالغ إدانتها واستنكارها لقيام السلطات الاسرائيلية باقتحام المسجد الأقصى المبارك والاعتداء على المقدسيين والمُصلين الفلسطينيين، وهو ما أكدته مره أخرى الاثنين ١٠ مايو ٢٠٢١، في بيان عن إدانتها بأشد العبارات اقتحام القوات الإسرائيلية مُجددًا حرم المسجد الأقصى المبارك، والتعرُض للمُصليين الفلسطينيين وإخراجهم من داخل باحات المسجد الأقصى، مؤكدةً على ضرورة تحمُل إسرائيل لمسئوليتها إزاء هذه التطورات المتسارعة والخطيرة، والتي تُنبئ بمزيد من الاحتقان والتصعيد الذي لا يُحمد عُقباه.
والأحد ٩ مايو، عقد السفير نزيه النجاري، مساعد وزير الخارجية، اجتماعًا مع سفيرة إسرائيل أميرة أورون، شارك فيه السفير حسام علي مدير إدارة إسرائيل، حيث تم التأكيد خلال اللقاء على موقف مصر الرافض والمستنكر لاقتحام السلطات الإسرائيلية للمسجد الأقصى المبارك، كما تم التشديد على ضرورة احترام المقدسات الإسلامية، وتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين وصيانة حقوقهم في ممارسة الشعائر الدينية.
والثلاثاء ١١ مايو ألقى وزير الخارجية سامح شكري، كلمة في الاجتماع الوزاري الطارئ لجامعة الدول العربية لبحث التحرك لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية في مدينة القدس، حيث ذكرى في كلمته أن مصر تعلن رفضها التام واستنكارها لتلك الممارسات الإسرائيلية الغاشمة، وتعتبرها انتهاكاً للقانون الدولي، وتقويضاً لفرص التوصل إلى حل الدولتين، وتهديداً جسيماً لركائز الأمن والاستقرار في المنطقة.
ومساء يوم الاربعاء، أجرى وزير الخارجية سامح شكري اتصالاً بنظيره الإسرائيلي جابي اشكنازي، أكد خلاله على ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وأهمية العمل على تجنيب شعوب المنطقة المزيد من التصعيد واللجوء إلى الوسائل العسكرية، مؤكداً حرص مصر على استقرار المنطقة على أساس تسوية القضايا بالوسائل الدبلوماسية وعبر المفاوضات، وأن التطورات الأخيرة إنما تؤكد على ضرورة أن تستأنف جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية بأسرع ما يمكن ودون انتظار. كما تلقىَ شكري اتصاليّن من وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس والممثل الاعلى للشؤون الخارجية للاتحاد الاوروبي جوزيف بوريل، تناول خلالهما الوزير شكري تدهور الأوضاع.
وفي صباح يوم الخميس ١٣ مايو، أجرى وزير الخارجية سامح شكري اتصالاً، ، بسيرجي لافروف وزير خارجية روسيا، اذ إتفق الوزيران على ضرورة أن تتوقف إسرائيل عن مهاجمة قطاع غزة، لكي يتوقف نزيف الدم الذي بدأ خلال الأيام والساعات الماضية في أعقاب تطورات الوضع في القدس والمسجد الأقصى الشريف، كذلك أجرى وزير الخارجية سامح شكري، اتصالاً بوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، ووزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني.
وتباحَث وزير الخارجية سامح شكري يوم الجمعة ١٤ مايو، خلال اتصالات هاتفية مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حول، ووزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، بحث خلال الاتصالت جهود إنهاء الهجوم الإسرائيلي والمواجهة في الأراضي الفلسطينية.
ثانيا: المؤسسة الدينية:
تناول خطبة الجمعة 14 مايو في الأزهر القضية الفلسطينة والدعوة لمقبلة القوة بالقوة حيث قال خطيب الجامع الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم يطالب الحكام العرب بتوحيد الصفوف واستخلاص القدس الشريف من الاحتلال الذي وصفه بـ”شذاذ الأرض” وأنه “لا بد من قوة ردع إسلامية”.
وعبر حسابه الشخصي على تويتر، صرح “شيخ الأزهر” داعما “أدعو شعوب العالم وقادته لمساندة الشعب الفلسطيني المسالم والمظلوم في قضيته المشروعة والعادلة من أجل استرداد حقه وأرضه ومقدساته أوقفوا القتل وادعموا صاحب الحق، وكفى الصمت والكيل بمكيالين إذا كنا نعمل حقًّا من أجل السلام أدعو الله أن يرحم شهداء فلسطين وأن يتغمدهم بواسع رحمته ومغفرته”.
كما صرح مفتي الديار المصرية السابق “علي جمعة” “يدعو إلى تحرير القدس الشريف من الاحتلال”.
رابعا: المؤسسات الصحية:
انتشرت الأخبار بخروج تعليمات من القيادة السياسية بنقل المصابين وعلاجهم في القاهرة، حيث:
صرحت “جمعية الهلال الأحمر المصري” عبر صفحتها على الفيس بوك، بإرسال أول دفعة من المواد الإغاثية والطبية لفرع الجمعية بشمال سيناء لمساندة مصابي الأحداث الجارية بفلسطين وتم رفع حالة الاستعداد لخدمات الطوارئ وتقديم المساعدات الطبية والنفسية والإغاثية لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق.
كما عبرت “نقابة الأطباء” عبر صفحتها على الفيس بوك، بفتح معبر رفح وتعلن عن كامل دعمها للشعب الفلسطينى الشقيق بالتنسيق مع الحكومة ووزارة الصحة وكافة المسئولين لدعم الجرحى الفلسطينين وتقديم كافة المساعدات المادية والطبية وفتح باب التطوع للأطباء لعلاج المصابين الفلسطينين وعمل قوافل دعم بالمستلزمات والأدوية من خلال لجنة مصر العطاء بالنقابة.
وأعلنت “الهيئة العامة للرعاية الصحية” برئاسة الدكتور “أحمد السبكى” رئيس مجلس الإدارة فى بيان عبر الصفحة الرسمية على الفيس بوك، أنه تم رفع درجة الاستعداد بـ 3 منشآت صحية تابعين للهيئة، وذلك حال الاحتياج لمستشفيات إخلاء للجرحى و المصابين من غزة، وشملت هذه المنشآت “المجمع الطبي بالإسماعيلية، مستشفى أبو خليفة، مستشفى ٣٠ يونيو”، فيما تم تعليق إجازات عيد الفطر المبارك لبعض الأطباء والأطقم الطبية والتمريض بهذه المنشآت الطبية استعدادا لاستقبال القادمين من قطاع غزة للعلاج.
رابعا: على المستوى الإعلامي:
صرح الإعلامي والبرلماني المحسوب على النظام المصري “مصطفى بكري” عبر حسابة على تويتر بـ:
قالها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وصدق : إن ماأخذ بالقوه لايسترد بغير القوه، سبحان الله تآمروا علينا من خلف ستار في سد النهضه ، وأرادوا العبث في مياه نهر النيل مع أثيوبيا ، فإذا بالأرض تزلزل من تحت أقدامهم في فلسطين بفعل عدوانهم وتآمرهم علي القدس والأقصى، كما نقل “بكري” عبر حسابة الشخصي مجموعة من التويتات، للتنديد بإسرائيل ونقل التحركات المصرية، أهمها تحركات لوفد مصري –حسب تصريحاته- مدعيا أن الوفد ذهب لإسرائيل من أجل عرض هدنه بواسطة مصرية ولكنها قوبلت بالرفض.
فيما نشر الإعلامي المقرب من الأجهزة الامنية “احمد موسى” على صفحته على فيس بوك “ستبقى القدس عاصمة دولة فلسطين رغم أنف الاحتلال الإسرائيلي”، كما تقوم صفحته بنقل مباشر للأحداث في غزة.
الدوافع
قبل الحديث عن الدوافع، نشير إلى أن التحركات المصرية خاصة على المستوى الإعلامي، تأتي محكومة ضمن السياسة المصرية القمعية، حيث حملت التوجهات ومضامين التصريحات للإعلاميين ورجال المؤسسة الدينية نفس الرسالة، كما أن أي تحرك يخرج عن تلك السياسة والتوجهات المرسومة يقابل بعنف من قبل السلطة، وهذا ما حدث مع الصحفية “نور الهدى زكي” والتي رفعت علم فلسطين في ميدان التحرير الجمعة، ما أدى إلى اعتقالها من قبل قوات الأمن المصرية، وهو الخبر الذي ذكرته شبكة “رصد” عبر صفحتها على الفيس بوك.
أما الدوافع من وراء التحركات المصرية، فهي بلا شك تتمثل في محاولة السيسي لأخذ مكاسب بالضغط على الجانب الإسرائيلي، من أجل :
- رغبة السيسي في إرجاع المكانة المهزوزة في المنطقة بعد موجة التطبيع التي قادتها الإمارات لصالح إسرائيل، ما تسبب في تقليل الدور المصري بالنسبة للقضية الفلسطينية، وبتالي تمثل تلك الانتفاضة نقطة تحول بالنسبة لمصرللضغط على إسرائيل، من أجل الرجوع للدور المفقود.
- رغبة السيسي في تقليل المخاطر الناتجة عن التطبيع وعلى رئاسها، المشاريع الإماراتية الإسرائيلية، والتي تمثل خطرعلى الدولة المصرية وقناة السويس، وهو ما سلط عليه تقرير الشارع السياسي الضوء بعنوان “تراجع الدور المصري إقليميا.. الملف الفلسطيني نموذجا” وتقرير أخر بعنوان “التطبيع الإماراتي .. مصر تقف على أعتاب تهديدات مصيرية” والذي ركز فيه على المشاريع المتفق عليها بين الإمارات وإسرائيل وعلى رأسها الخط النقل النفطي (إيلات ــ عسقلان)، وهو الخط الذي استهدفته المقاومة في غزة في الأحداث الجارية ما جعل استهدافه مكسب كبير للسيسي ونظامه، بعدما تم الترويج له إسرائيلياً، وبتجاهل رسمي إماراتي، استفز دوائر الحكم في القاهر، من أنه قد يكون بديلاً محتملاً يؤثر بالسلب على أهمية قناة السويس، فمن شأن ما حدث فعلياً، تعطيل عمل المنشاة والمشروع بأكمله، في حين أن مصر لا تستطيع استهدافه أو التعقيب عليه.
- الضغط على إسرائيل والإدارة الأمريكية الجديدة من أجل تحقيق مكاسب في قضية سد النهضة، وإجبارهما من أجل الضغط على إثيوبيا بعد فشل جميع المفاوضات السابقة، ودخول السد مرحلة الخطرة، وهي مرحلة الملئ الثاني، وهو غالبا ما أتى ثماره مبكره، حيث صدر بيان من الخارجية الأمريكية الجمعة 14 مايو تطالب فيه بالعودة إلى مفاوضات سد النهضة وتحذر من حساسية القرارات في الفترة المقبلة.