لماذا يزور رئيس الحكومة الليبية المغرب فى هذا التوقيت؟

 

وصل رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، فى 27 يونيو 2021، إلى العاصمة المغربية الرباط، في أول زيارة يقوم بها منذ توليه رئاسة الحكومة الانتقالية في فبراير الماضي، والتقي الدبيبة برئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، ومسؤولين آخرين في مقدمتهم وزير الخارجية، ناصر بوريطة.

وتأتي الزيارة في سياق حراك ليبي بالرباط كان لافتاً خلال شهر يونيو الجاري، إذ أجرى كل من رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، مباحثات، بشكل منفصل، مع كل من رئيس مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان) الحبيب المالكي، ورئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) عبد الحكيم بنشماس، ووزير الخارجية، ناصر بوريطة. كما أنها جاءت بعد أيام قليلة لا تتعدى الأسبوع من زيارة الفريق الركن محمد الحداد، رئيس أركان الجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية إلى الرباط[1].

لماذا يزور رئيس الحكومة الليبية المغرب فى هذا التوقيت؟

وشملت مباحثات رئيس الحكومة الليبية فى المغرب عدة ملفات تتمثل أبرزها فى:

– إعادة افتتاح السفارة المغربية في طرابلس، المغلقة منذ أكثر من ست سنوات بعد حادث تفجير إرهابي، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وذلك بعد أسبوع من اتفاق الرباط وطرابلس خلال الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، على انعقاد اللجنة المشتركة للشؤون القنصلية بأسرع وقت ممكن لمعالجة الكثير من الملفات العالقة بين البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بالتأشيرات وتسهيلات العمل والدراسة والإقامة في البلدين.

– التعرف على مدى نجاح الجهود المغربية فى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، ومواكبة تفعيل مخرجات الحوار السياسي الذي شهدته مدينتا بوزنيقة وطنجة خلال الأشهر الماضية، وكذا الحسم في تقاسم المناصب السيادية المنصوص عليها في المادة 15 من الاتفاق السياسي الموقع عليه في الصخيرات المغربية في 2015[2].

حيث يرفض مجلس النواب الإفراج عن ميزانية الدولة التي من خلالها يمكن للحكومة تخصيص ميزانيةٍ لمفوضية الانتخابات، للشروع في التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، ويشترط عقيلة صالح، مُضي مجلس الدولة برئاسة خالد المشري، قدما في اتفاق توزيع المناصب السيادية، وعلى رأسها منصب محافظ البنك المركزي، الذي يفترض أن يؤول إلى الشرق. بينما يشترط مجلس الدولة (نيابي استشاري) استكمال توحيد المؤسسة العسكرية قبل الوصول إلى المرحلة النهائية من توزيع المناصب السيادية. فالمجلس الأعلى للدولة، لا يريد أن يظهر كالساذج، الذي يمنح منصب حساس مثل محافظ البنك المركزي، لأحد الموالين لحفتر، في الوقت الذي يرفض الأخير توحيد المؤسسة العسكرية وإخضاع مليشياته لقيادة المجلس الرئاسي، بل تشي تحركاته العسكرية بنوايا غير مطمئنة بشأن أمن واستقرار البلاد[3].

لماذا يزور رئيس الحكومة الليبية المغرب فى هذا التوقيت؟

– تأتى الزيارة رئيس الحكومة الليبية أيضًا، بالتزامن مع انطلاق أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي، فى 28 يونيو الجارى، بمدينة جنيف السويسرية لبحث مسائل عالقة، بشأن القاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات المقررة فى 24 ديسمبر المقبل. وتعمل المغرب على تقريب وجهات النظر لاعتماد القاعدة الدستورية، إذ أن برلمان طبرق وقائد الانقلاب خليفة حفتر، يضغطون من أجل تأجيل الاستفتاء على الدستور، والعمل على تنفيذ الاتفاق السياسي. فى حين أن فريق مجلس الرئاسة، بقيادة خالد المشري، يشدد على ضرورة التصويت على الدستور قبل الانتقال إلى الانتخابات، وهيكلة مؤسسات الحكم في ليبيا[4].

بجانب، انقسام الطرفين حول عدة قضايا جوهرية، في مقدمتها صلاحيات الرئيس وآلية انتخابه المحصورة، في الوقت الحالي، بين الانتخاب المباشر من الشعب، أو الانتخاب من قِبَل مجلس النواب، بالإضافة إلى الصلاحيات التي سيتمتع بها، وما إذ كان شكل النظام المقبل رئاسياً أو برلمانياً أو مختلطاً. وفي ما اعتبره البعض محاولات للإقصاء، جرى نقاش موسَّع حول مدى أحقية مزدوجي الجنسية الترشُّح للانتخابات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المتزوجين من أجنبيات/ أجانب[5].

وفى هذا الإطار، فقد كشفت مصادر لـ “موقع العربى الجديد” أن الخلافات فى ملتقى الحوار السياسى الحالى بجنيف تنحصر في مسألة انتخابات الرئيس بالاقتراع السري من قبل الشعب أو من خلال الهيئة التشريعية الجديدة، كذلك فإن الأخيرة أيضاً محل خلاف في أن تكون من غرفة واحدة أو من غرفتين مكونتين من مجلس للنواب ومجلس للشيوخ، على أن تكون مدينة بنغازي مقراً للأول، فيما يطالب بعض الأعضاء بأن تكون مدينة سبها مقراً للثاني، على اعتبار أن الحكومة سيكون مقرها الرئيسي في العاصمة طرابلس. وتتضمن النقاط الخلافية أيضاً قضية انتخابات الرئيس من خلال آلية القوائم (رئيس ونائبه ورئيس للحكومة موزعين على أقاليم ليبيا الثلاثة) أو من خلال الترشح الفردي.

لكن المصادر أشارت إلى توافق قريب داخل الملتقى حول السماح لمزدوجي الجنسية والعسكريين بالترشح للانتخابات الرئاسية، شرط ألا يكون المترشح مُداناً بحكم قضائي نهائي، إذ يُعَدّ حال فوزه مستقيلاً من منصبه العسكري ومتنازلاً عن جنسيته الأجنبية. وتحدثت المصادر أيضاً عن عزم البعثة الأممية على اقتراح تشكيل لجنة من أعضاء الملتقى للتواصل مع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بشأن إقرار القاعدة الدستورية وتضمينها في الإعلان الدستوري و”إمهالهما أسبوعين كفرصة أخيرة، وإلا فسترجع الصلاحية للملتقى لإقرارها ونقلها إلى حيّز النفاذ”[6].

– إشراك المغرب فى جهود توحيد الجيش الليبي، فحتى الآن لم يسمى رئيس الحكومة الليبية الدبيبة وزيراً لحقيبة الدفاع – التى احتفظ بها لنفسه – ضمن التشكيلة التي قدمها إلى مجلس النواب، وصادق عليها في 10 مارس الماضي. وهناك أحاديث عن توجه الدبيبة للدفع بشخصية عسكرية من الجنوب الليبي كوزير للدفاع رفقة نائبين يمثلان المجاميع المسلحة في غرب وشرق البلاد، إلا أنّ طيفاً نيابياً في مجلس النواب يترأسه عقيلة صالح يستعد للضغوط على الدبيبة لفرض اللواء أحمد عون، أحد الضباط البارزين في النظام السابق، وزيراً للدفاع.

لماذا يزور رئيس الحكومة الليبية المغرب فى هذا التوقيت؟

كما يرتبط بتحديد من يتولى وزارة الدفاع إشكالية أخرى تتمثل فى أن من مهام وزارة الدفاع المتفق عليها تعيين رئيس للأركان العامة، وهي مسألة ذات حساسية بالغة في ظل تمسّك الدبيبة باللواء محمد الحداد رئيساً للأركان العامة، وتمسّك حفتر بالفريق عبد الرزاق الناظوري رئيساً للأركان من جانبه[7].

ولا يتوقف الخلاف على تسمية وزير الدفاع بين قوات الشرق (حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح) وقوات الغرب ( الدبيبة وخالد المشرى رئيس المجلس الأعلى للدولة)، ولكن يمتد هذا الخلاف إلى داخل حكومة الوحدة الوطنية نفسها بين رئيس الحكومة والمجلس الرئاسى. وهو ما ظهرت مؤشراته مع مطالبة المجلس الرئاسي، في خطاب فى 28 يونيو الحالى، الدبيبة بحضور اجتماع للمجلس، فى 4 يوليو القادم، لمناقشة تسمية وزير الدفاع، الذي يتولاه حاليا رئيس الحكومة لحين تسمية وزير. وتضمن خطاب المجلس فقرة تقول إنه في حالة عدم حضور الدبيبة “سيتخذ (المجلس) قرارا بتسمية وزير الدفاع، ويحيله إلى مجلس النواب للتصويت عليه”. ما يعنى أن المجلس قد يقوم بتسمية وزير الدفاع منفردًا فى حالة عدم حضور الدبيبة. وربما يعكس هذا التهديد رفض المجلس الرئاسى للشخصية التى سيقوم الدبيبة باختيارها، ويعكس أيضًا تخوف من قبل المجلس باستمرار احتفاظ الدبيبة بحقيبة الدفاع لنفسه بحجة عدم وجود شخصية توافقية لهذا المنصب.

وليقوم رئيس الجكومة الليبية الدبيبة بالرد على المجلس الرئاسى، في خطاب فى 29 يونيو، جاء فيه أنه “بالعودة إلى نتائج ومخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي بخصوص تسمية الوزراء والجهة الموكلة بذلك، فإن رئيس الحكومة هو من يسمي وزيري الدفاع والخارجية مع وجوب التشاور مع المجلس الرئاسي مجتمعًا”[8].

"مؤتمر برلين 2" حول ليبيا .. النجاحات والتحديات

– أخيرًا، فإن زيارة رئيس الحكومة الليبية الدبيبة تأتى بعد أربعة أيام من اختتام النسخة الثانية من مؤتمر برلين 2، الذى تغيبت عنه المغرب، على خلفية خلافاتها الدبلوماسية مع ألمانيا. ففي مطلع مارس الماضى، أعلن المغرب قطع علاقاته مع السفارة الألمانية في الرباط؛ من جراء ما قال إنها “خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية”. ولم يعلن أي من الطرفين عودة العلاقات حتى اليوم.

كذلك، فقد استدعت الرباط سفيرتها في برلين، زهور العلوي، في 6 مايو الماضى، على خلفية موقف ألمانيا “السلبي” من قضية إقليم الصحراء (المتنازع عليه بين الرباط وجبهة البوليساريو)، ومحاولتها استبعاد المغرب من الاجتماعات المتعلقة بالملف الليبي. آنذاك، قالت الخارجية المغربية، في بيان، إن “ألمانيا راكمت المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة”[9].

وبالتالى يسعى رئيس الحكومة الليبية الدبيبة إلى تحييد الخلافات الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا وعدم تأثيرها على التوافقات الدولية التى تم التوصل إليها خلال المؤتمر، وإطلاع الرباط بما تم التوصل إليه فى المؤتمر في إطار مساعي حكومة الوحدة الوطنية إلى الوصول إلى توافقات كبرى في الأيام القليلة المقبلة، خاصة بعد أن كشف المؤتمرعن وجود إجماع على إخراج المرتزقة وتشديد على إجراء الانتخابات في موعدها وسعي لتوحيد المؤسسة العسكرية [10].

 

[1] “في أول زيارة للرباط… الدبيبة يبحث عن دعم سياسي وتعاون أمني وعسكري”، العربى الجديد، 27/6/2021، الرابط:

[2] المرجع السابق.

[3] “مؤتمر برلين2 وتجاهل دعوة الحكومة الليبية لردع المعرقلين (تحليل)”، الأناضول، 24/6/2021، الرابط:

[4] ” توحيد الجيش الليبي وتسريع الاستفتاء على الدستور.. ماذا دار في لقاء الدبيبة وبوريطة بالمغرب؟”، عربى بوست، 29/6/2021، الرابط:

[5] “ليبيا | لا توافق على أسس الانتخابات: ترحيل الخلاف إلى “برلين 2″”، الأخبار، 29/5/2021، الرابط:

[6] ” وسط خلافات “الحوار السياسي”.. استعداد أممي لاقتراح آلية التصويت لحسم الخلاف في القاعدة الدستورية الليبية”، العربى الجديد، 30/6/2021، الرابط:

[7] “ليبيا: ضغوط على الدبيبة من أجل التخلي عن حقيبة الدفاع”، العربى الجديد، 29/6/2021، الرابط:

[8] ” “رئاسي ليبيا” يلوح بتسمية وزير الدفاع منفردا.. والدبيبة يعلق”، عربى21، 29/6/2021، الرابط:

[9] ” ألمانيا تدعو المغرب لحضور مؤتمر حول ليبيا.. تجاهلت الرباط في القمة السابقة والأخيرة لم ترد بعد!”، عربى بوست، 2/6/2021، الرابط:

[10] ” توحيد الجيش الليبي وتسريع الاستفتاء على الدستور.. ماذا دار في لقاء الدبيبة وبوريطة بالمغرب؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022