أحكام النقض في “اقتحام الحدود الشرقية” .. الأبعاد السياسية تعصف بالقضاء

 

المحطة الأولى في قضية “اقتحام الحدود الشرقية” بدأت في يناير 2014م، في أعقاب انقلاب 03 يوليو بنحو 6 شهور. وهي القضية التي حملت رقم  56460 /2013 جنايات أول مدينة نصر، والمقيدة برقم 2926 لسنة 2013 كلى شرق القاهرة والمعروفة إعلاميا بـ”اقتحام الحدود الشرقية”، والتي أطلق عليها إعلام النظام العسكري في بدايتها قضية “اقتحام السجون” إبان ثورة 25 يناير 2011م.

ولم تبن هذه القضية على أدلة بالمعنى المعروف قانونيا وقضائيا، لكنها من الألف إلى الياء قامت على التحريات الأمنية الخيالية التي تناقض الحقيقية في كل تفصيل وجزئية من جزئياتها. فهي بالأساس قضية سياسية تستهدف الترويج لسردية النظام العسكري ومؤسسات الدولة العميقة التي دبرت انقلاب 3 يوليو 2013م، وتمثل امتدادا طبيعيا لنظام حسني مبارك، بوصف ثورة 25 يناير 2011م والتي أطاحت بحكم مبارك بأنها “مؤامرة” شاركت فيها مخابرات أجنبية بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين لزعزعة أمن واستقرار البلاد، وتأسيس إمارة إسلامية.

وتشيع أن المئات من المسلحين غزوا مصر واقتحموا حدودها الشرقية من جهة فلسطين وضربوا كل الكمائن وأقسام الشرطة في طرقهم حتى القاهرة ثم اقتحموا السجون وأخرجوا قيادات الإخوان ونحو 20 ألف سجين آخرين، ثم اندسوا في ميدان التحرير وأثاروا الفوضى الأمنية ضد النظام.

أحكام النقض في "اقتحام الحدود الشرقية" .. الأبعاد السياسية تعصف بالقضاء

المحطة الثانية في 16 يونيو 2015م؛ حيث قضت إحدى دوائر الإرهاب بجنايات القاهرة بإجماع آراء القضاة وبعد موافقة مفتي الديار المصرية، بإعدام 9 على رأسهم رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسي  ود.محمد سعد الكتاتني – رئيس مجلس الشعب المنتخب- ود. عصام العريان ود. محمد البلتاجي –أعضاء مجلس الشعب المنتخبين، ود.محمد بديع، وم. خيرت الشاطر ود. رشاد بيومي ود. محيي حامد –أعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين- ود. أحمد عبد العاطي –مدير مكتب الرئيس- وغيابيا بإعدام 87 آخرين على رأسهم العلامة الدكتوريوسف القرضاوي، بتهمة مساعدة القوات الأجنبية المسلحة التي دخلت إلى البلاد في 28 يناير 2011م.

وجاء في نص مسودة الحكم ما يلي “إن المتهمين وآخرين يزيد عددهم عن 800 شخص، ينتمون لحركة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، في أواخر يناير 2011 وأوائل فبراير وفي محافظات شمال سيناء والقاهرة والقليوبية والبحيرة ارتكبوا أفعالا تمس استقلال الدولة وسلامة أراضيها، إذ دخلوا إلى البلاد من حدودها الشرقية، مستقلين عربات دفع رباعي مدججة بالأسلحة الثقيلة (أر بي جي وجرنوف)، وتمكنوا من السيطرة على الشريط الحدودي ودمروا المنشآت الحكومية والأمنية في رفح والعريش، ثم واصلوا زحفهم إلى القاهرة والقليوبية والبحيرة، فاقتحموا 160 قسم شرطة، كما اقتحموا سجون أبو زعبل والمرج ووادي النطرون فحطموا أسوارها وخربوا مبانيها ونهبوا ما فيها من مخازن وأسلحة وأثاث وسيارات ومعدات. ومكنوا أكثر من 20.000 سجين من الهرب، ونشروا الفوضى في البلاد.

وعمدوا لضرب وشل جهاز الشرطة المصرية لإسقاط الدولة ومؤسساتها، إذ قام قسم من المتهمين بالدخول على مواقع التواصل الاجتماعي وتحريض الجماهير على اقتحام أقسام الشرطة وحرقها وخلق حالة من الفوضى سمحت للعناصر المسلحة بدخول البلاد، وإتمام حلقات المشروع الإجرامي بنجاح، وقام قسم آخر بتوفير احتياجات العناصر المسلحة الأجنبية من سيارات وأسلحة وذخيرة وتدبير وسائل الإعاشة لهم، والدخول والخروج من البلاد بعد قيامهم بالدور المطلوب. وأن هذا تم بناء على اتفاق جرى سراً بسورية في نوفمبر 2010 بين ممثلين لحركة حماس والحرس الثوري الإيراني وقيادات الإخوان المسلمين”.

يقول الدكتور محمد البلتاجي في مقاله الذى جرى تسريبه ونشرت وسائل إعلام: «حين بدأت هذه المحاكمات في يناير 2014، بعد عدة أشهر من الانقلاب، تعاملنا مع هذه الرواية الهابطة باعتبارها مسرحية هزلية، تهدف إلى استمرار حبسنا أطول وقتٍ، يمكن ثم تنتهي إلى لا شيء، ولكننا في نهاية المطاف وجدنا أن المحكمة تعلن في نص حكمها “أن المحكمة تطمئن تمام الاطمئنان إلى تحريات الأمن الوطني والمخابرات العامة التي أكدت صحة هذه الوقائع”.[[1]]

المحطة الثالثة للقضية، حين عرضت هذه الأحكام على محكمة النقض، قرّرت في 15 نوفمبر 2015م، نقض الحكم الذي وصفته بالمعيب، لما شابه من قصور في التثبت وفساد في الاستدلال. وأكدت محكمة النقض أن تحريات الأمن الوطني والمخابرات العامة لا تصلح أن تكون دليلا كافيا بذاته، ولا تعتبر قرينةً مستقلة على ثبوت الاتهامات، ومن ثم قضت المحكمة بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.

المحطة الرابعة في القضية، بدأت مع إعادة المحاكمة أمام دائرة إرهاب جديدة، انتهت إلى تخفيف الحكم من الإعدام إلى المؤبد، حيث أصدر المستشار محمد شيرين فهمي،  رئيس الدائرة 11 إرهاب بجنايات القاهرة والمعروف بالقاضي القاتل، حكما جائرا في يوم السبت 7 سبتمبر 2019م، على قيادات ورموز ثورة يناير وجماعة الإخوان وقضى بالمؤبد على فضيلة  المرشد العام و10 آخرين من قيادت ورموز الثورة والجماعة. ومعاقبة كل من أحمد أبو مشهور، والسيد حسن، وصبحي صالح، وحمدي حسن، وأحمد دياب، وأحمد العجيزي، وعماد شمس الدين، وعلى عزالدين بالسجن المشدد 15 عاما، وبراءة 9 آخرين، وشمل قرار براءة كلا من صفوت حمودة حجازي، أحمد عبدالوهاب على، ومحسن يوسف، وأيمن محمد حجازي، وعبد المنعم أمين طغيان، ومحمد أحمد محمد إبراهيم، ورجب عبدالرخيم المتولي، وأحمد ابراهيم بيومي، ويسري عبدالمنعم على نوفل، وانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للرئيس محمد مرسي لوفاته في 17 يونيو 2019م.[[2]]

أحكام النقض في "اقتحام الحدود الشرقية" .. الأبعاد السياسية تعصف بالقضاء

المحطة الخامسة، هي الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة النقض يوم 11 يوليو 2021م، حيث أيدت حكم المؤبد على فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع و10 آخرين من رموز الثورة والجماعة وهم: الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس برلمان الثورة والأكاديمي البارز. والدكتور رشاد البيومي، والدكتور محيي حامد، والدكتور مصطفى طاهر الغنمي والدكتور محمد البلتاجي، والمهندس سعد الحسيني، عضو برلمان الثورة ومحافظ كفر الشيخ الأسبق، ومحمد زناتي وحازم عبدالخالق منصور وإبراهيم يوسف، إلى جانب الشهيد الدكتور عصام العريان الذي انقضت الدعوى بوفاته. وقضت أيضا ببراءة 8 آخرين وإلغاء حكم المشدد 15 سنة بحقهم وهم صبحي صالح المحامي وعضو برلمان الثورة، والدكتور حمدي حسن، عضو برلمان الثورة، والدكتور أحمد دياب، عضو برلمان الثورة، وأحمد أبو مشهور وأحمد العجيزي والسيد حسن وعماد شمس الدين وعلي عز الدين. كما قضت بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للدكتور عصام الدين العريان لوفاته والذي استشهد في سجون النظام بالإهمال الطبي. [[3]]

أزمة التحريات الأمنية

الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة النقض يمثل قمة المسخرة القضائية في مصر، ويمكن أن يضرب به المثل في التاريخ القضائي المصري وحتى على  المستوى العالمي كنموذج صارخ يكشف كيف يمكن أن يتحول القضاء إلى أداة توظفها السلطة المستبدة بشكل بالغ الظلم للانتقام من معارضيها السياسيين دون أي تهمة من الأساس.

واللافت في محطات هذه القضية أن محكمة النقض التي رفضت في نوفمبر 2015م حكم دائرة الإرهاب بجنايات القاهرة  في يونيو 2015م وأكدت في حيثيات رفضها أن الحكم معيب لما شابه من قصور في التثبت وفساد في الاستدلال. وشددت على أن تحريات الأمن الوطني والمخابرات العامة لا تصلح وحدها أن تكون دليلا كافيا بذاته، ولا تعتبر قرينةً مستقلة على ثبوت الاتهامات، وأعادت القضية للمحاكمة أمام دائرة أخرى، عادت هذه المحكمة (النقض)  في حكمها الأخير “يوليو 2021م”، وأيدت حكم دائرة الإرهاب التي يرأسها محمد شيرين فهمي  في سبتمبر 2019م، رعم أن الحكم يستند وفقط إلى التحريات الأمنية، ولم يثبت أن دليلا جديدا ظهر على مسرح المحاكمة يمكن اعتباره دليلا ماديا كافيا لإدانة هؤلاء الرموز الإسلامية والثورية. بل على العكس كل الأدلة تعصف برواية العسكر الركيكة وتبرهن على أن القضية من الألف إلى الياء هي مسرحية هزلية من أجل تحقيق ثلاثة أهداف:

الأول، هو الانتقام السياسي من جماعة الإخوان المسلمين لدورها الكبير في ثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم مبارك، والقضاء على الجماعة باعتبارها القوة الشعبية الكبرى التي تضغط من أجل إقامة نظام حكم رشيد يقوم على الحرية والعدل والمساواة أمام القانون، كما أن القضاء على الجماعة يمثل اتفاقا إقليميا ترعاه الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وممالك الخليج الثرية التي ترى في الجماعة مشروعا نحو الديمقراطية التي تهدد عروشهم وتراه واشنطن وتل أبيب مشروعا للمقاومة يهدد “إسرائيل” ويزعزع وجودها.

الثاني، هو تكريس السردية الأمنية حول ثورة يناير وانقلاب 3 يوليو، وتوظيف كل مؤسسات الدولة بما فيها القضاء من أجل تكريس هذه السردية المفبركة التي تفيض في كل حزئياتها وتفاصيلها بالأكاذيب والافتراءات التي تدحضها الحقائق والأدلة والبراهين. معنى ذلك أن الحكم  هو انحياز صارخ لتوجهات النظام وإذعان من القضاء للسلطة التنفيذية يحمل كل معاني الإذلال والتبعية المطلقة. ويعصف بأي معنى حول مفهوم القضاء والتقاضي، لأن القضاء في هذه الحالة تحول إلى سيف بيد السلطة تقطع به الرقاب الشريفة وتصادر حرية رموز المجتمع القادرين على النهوض بها من كبوتها التي طالت.

أحكام النقض في "اقتحام الحدود الشرقية" .. الأبعاد السياسية تعصف بالقضاء

الثالث، هو إشاعة الخوف والإرهاب في المجتمع المصري وقتل موطن المناعة المجتمعية، وخلال هذين الشهرين فقط صدر حكم بات في 14 يونيو 2021م بإعدام 12 من رموز وقيادات الثورة والإخوان، ثم حكم تأييد المؤبد على 11 من رموز الثورة والجماعة في 11 يوليو 2021م، ثم حكم بإعدام 6 من مواطني قرية دلجا بالمنيا في 13 يوليو 2021م. وكل هذا الإجرام والقمع والأحكام الجائرة حتى يتمكن النظام من إخضاع الشعب لتصوراته حتى لو كانت بالغة الشذوذ والإضرار بالأمن القومي للبلاد، وعلى رأسها التبعية المطلقة لأجندة الولايات المتحدة الأميركية وحماية مصالحها ومصالح الغرب عموما، والالتزام الأعمى باتفاقية “كامب ديفيد” والتي تجعل من مصر وجيشها مجرد حارس لأمن “إسرائيل” وضمان استمرارها وتفوقها. وذلك لن يتحقق إلا بأمرين: الأول هو الحيلولة دون إقامة نظام ديمقراطي حقيقي في مصر يعيد السيادة للشعب على أنقاض النظام العسكري الدكتاتور القائم حاليا. وإبعاد مصر عن صحيح الإسلام بما يفرضه من قيم أصيلة قادرة على إخراج مصر من كبوتها كالعدالة و والانضباط والإتقان والكرامة  الإنسانية.

حقائق تعصف بسردية النظام

من الحقائق التي تعصف بكل تفاصيل السردية الأمنية الأسئلة التي طرحها المعتقلون وهيئة الدفاع على المحكمة وشهودها وهم نحو 44 كلهم قيادت أمنية وضباط بالأمن الوطني أو الجيش أو المخابرات ومنها:[[4]]

  • كيف دخل هذا العدد الكبير من المسلحين الأجانب أكثر من 800 بعرباتهم وأسلحتهم الثقيلة إلى عمق أكثر من 300 كم من الحدود الشرقية ثم عادوا مرة ثانية بعد ارتكابهم كل هذه الجرائم المسلحة وخرجوا دون أن يراهم أحد أو دون أن تصورهم قنوات الإعلام ودون أن يتعرض واحد منهم للقتل أو الإصابة أو القبض عليه أو إحراز مخلفات سلاح أو سيارة أو غيرها من آثارهم؟! هل القوات المسلحة وقيادتها لم تكن على علم بدخول هذه القوات الأجنبية حتى خروجها أم أنها علمت وعجزت عن مواجهتها وصدها؟ أم أنها تواطأت مع المسلحين الأجانب ضد سلامة أراضي ومنشآت الدولة؟!
  • كيف مرت 200 سيارة عليها أكثر من 800 أجنبي مسلح مدججين بالأسلحة فوق كبري السلام وقناة السويس دون أن يتعرض لهم الطيران المصري بالقصف أو قوات الجيش الثاني الميداني بالاشتباك المتبادل؟!
  • كيف لم يتم توثيق فضائي أو عسكري أو سياسي أو حتى تحقيق صحفي في هذه الوقائع الخطيرة منذ 28 يناير 2011 حتى 3/1/2013، ثم ظهرت هذه الاتهامات فجأة بعد الانقلاب”الانقلاب العسكري”؟ّ!
  • هل قامت الخارجية المصرية بإبلاغ المؤسسات الدولية بوقوع هذا العدوان – من منظمات رسمية تنتمي لدول شقيقة قريبة (وتشارك في السلطة فيها – حزب الله، الحرس الثوري، حماس)؟ وهل طالبت الخارجية المصرية بتسليم متهمين في تلك الأحداث؟!
  • هل اعتبرت القيادة السياسية والعسكرية هذا الذي جرى في البلاد على يد تلك القوات الأجنبية المسلحة (من تدمير وحرق وإتلاف وتخريب وقتل وسيطرة) احتلالاً أجنبياً وعدواناً يحتم الرد عليه أم اعتبرته مجرد رحلة سياحية في أراضي الدولة على السلطات المصرية حمايتها وتأمينها وتيسير مهمتها؟!
  • لماذا إذًا اعتبرت القيادة السياسية في مرحلة الانقلاب ما جرى في البلاد في 25 يناير ثورة تحتفل بها رسمياً وينص دستور”2014″ على ذلك بينما تلك الأحداث (المزعومة) تقطع بنكبة تستوجب تنكيس الأعلام بمناسبتها.
  • جميع الشهود الزور بلا استثناء هم قيادات وضباط بالداخلية وبعضهم بالجيش، ودائما ما كانوا يتهربون من الإجابة على هذه الأسئلة ، وهيئة المحكمة دائما ما أعطتهم الحق في رفض الإجابات متى شاءوا، بل كثيراً ما كانت هيئة المحكمة تبادر هي برفض توجيه السؤال لأسباب تراها!
  • في شهادة قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد فريد حجازي، والذي وجَّه إليه المتهمون سؤالاً محدداً (هل نما إلى علمك بأي طريق دخول قوات أجنبية مسلحة البلاد في 28/1/2011 وارتكابها داخل البلد وفي أعماق أرضها ما من شأنه المساس بسيادة الدولة وسلامة أراضيها؟!) فأجاب باقتضاب وصرامة: لم أعلم ولم أبلَّغ بذلك، لكن المحكمة لم تلتفت لشهادة المسؤول الميداني العسكري الأول في ميدان الأحداث المزعومة، وأكدت اطمئنانها التام للتحريات المكتبية للأمن الوطني والمخابرات العامة!.
  • من الادلة الدامغة على تورط الداخلية في فتح السجون لإثارة الفوضى مقاطع فيديو توثق الأحداث جمعتها صحيفة “العربي الجديد” في تقرير لها بعنوان: «من أمر بفتح السجون؟»[5]، ومنها أولا مقطع فيديو للإعلامي حافظ الميرازي على قناة “دريم2” الفضائية، إذ تلقّى الميرازي اتصالاً هاتفياً من مفتش مباحث المنيا أثناء الثورة، قص عليه حقيقة من اقتحم السجون، من خلال قصِّه لما رآه بأم عينيه.  حيث أكد المقدم عمرو الدردير أن اللواء محسن مراد المسؤول عن السجن وقتها  ــ وتم تعيينه محافظاً للقاهرة بعدها ــ رفض استدعاء الأمن المركزي ليمنع السجناء من الهرب، وتواطأ للسماح للسجناء بالهرب، وقد شاركه لواءات كبار في هذا التواطؤ، حسب رواية مقدم الداخلية؟ وأكد هذا الأخير أنه عوقب بالإيقاف عن العمل لعدم سماحه للسجناء بالهرب.
  • فيديو آخر لأحد أركان مبارك، وهو السياسي مصطفى الفقي، في لقاء سابق مع عمرو أديب، أكد فيه أن سيناريو فتح السجون والفوضى التي حدثت مع ثورة يناير، كان معداً مسبقاً لتنفيذه من قبل جمال مبارك في حالة الوفاة المفاجئة لوالده. ولكن تم تنفيذه مع ثورة يناير بالخطأ، حيث يبرز جمال كالمنقذ الذي يدرك الناس من خطر الإخوان والفوضى التي تحدث، ما يدفع الناس لمناداة المنقذ جمال مبارك لإنقاذ البلاد من الفوضى التي تحدق بها، وهو ما يؤكد وقوف النظام خلف سيناريو فتح السجون حسب رواية أحد المقربين منه.
  • ومن أخطر الفيديوهات التي تعصف بسردية نظام السيسي، مداخلة على قناة “أون تي في” مع منال البطران شقيقة اللواء محمد البطران، مساعد وزير الداخلية الراحل ورئيس مباحث السجون، مع الإعلامي يسري فودة، أكدت فيه أن الداخلية هي من قتلت أخاها الذي كان المسؤول الأول عن السجون في مصر، حين أصر على رفض السيناريو الذي حاولت القيادات الكبرى تمريره من فتح السجون. وحين تصدى البطران بنفسه لهذا المخطط في سجن القطا بالفيوم، وذكرت بالاسم من أطلق النار عليه من الداخلية وهو الرائد جهاد حلاوة بأمر من العقيد عصام البصراطي مأمور سجن الفيوم. وأكدت شقيقة البطران أن النيابة لم تهتم وتجاهلت التحقيق في مقتل شقيقها، وتواطأت لطمس حقيقة مقتل اللواء الذي يعتبر مقتله الصندوق الأسود لكشف أحداث ثورة يناير. وكشفت النقاب عن المتورط الحقيقي في مقتله وهي الداخلية حسب روايتها، وهو ما يكشف صراحة من يقف حقيقة وراء مخطط فتح السجون. أما أكذوبة اقتحام الحدود في سردية تقوم على الخيال غير المبدع لنظام لا يجيد سوى القمع والإرهاب.

لماذا خضعت محكمة النقض؟

 

أحكام النقض في "اقتحام الحدود الشرقية" .. الأبعاد السياسية تعصف بالقضاءالسر وراء رفض محكمة النقض في 2015 الاعتماد على التحريات الأمنية وحدها كدليل إدانة على المتهمين في القضايا ثم القبول بها في 2021م إنما يعود إلى عمليات التدجين والترويض والإخضاع التي مارسها النظام العسكري ضد السلطة القضائية حتى تذعن وترضى بأن تكون سيف السلطة الباطش عبر الأحكام الجائرة. وقد مر ذلك على مراحل:

المرحلة الأولى، بإقرار تعديلات قانون السلطة القضائية رقم 13 لسنة 2017م والذي صدق عليها السيسي في 27 أبريل 2017م والتي تمنح السيسي صلاحية تعيين رؤساء الهيئات القضائية لأول مرة في تاريخ مصر الحديث، وبما يخالف المادة 83 من نصوص الدستور. وهي التعديلات التي اعتبرت مسمارا قاتلا في نعش استقلال القضاء.

 

المرحلة الثانية، هي تمرير تعديلات قانون الإجراءات الجنائية والطعن بالنقض بشأن تقييد سماع الشهود أمام محكمة بسلطة تقديرية للمحكمة وإلزام محكمة النقض بالتصدى لموضوع الطعن من المرة الأولى دون إعادة والاعتداد بحضور وكيل عن المتهم أو المدان الغائب أو الهارب ليصبح الحكم الصادر ضده حضوريا وواجب النفاذ، وهى التعديلات التى صدرت بالقانون 11 لسنة 2017م.  معنى ذلك أن محكمة النقض أضحت جهة فصل فى الموضوع وليست لنظر قانونية الحكم فقط، وبالتالى يتعين عليها الفصل في القضايا وعدم إعادتها للاستئناف مرة أخرى، وبالتالي وجدت المحكمة نفسها في ورطة كبيرة؛ إما أن تلتزم بصحيح القانون وعدم الاعتداد بالتحريات الأمنية فقط كدليل إدانة وهو ما استقرت عليها أحكامها، أو تتخلى عن هذه المبادئ القضائية المستقرة لأن الالتزام بصحيح القانون سوف يدفع بها إلى صدام غير مأمون العواقب مع النظام، فاختارت المحكمة الإذعان والخضوع للسلطة ولم تتمسك بمبادئ العدالة والنزاهة والإنصاف فسقطت وسقط معها أي معنى للدولة والقضاء والعدالة  التي جرى نحرها على منصات القضاء المسيسي على النحو الذي نراه.

المرحلة الثالثة، هي التعديلات الدستورية في أبريل 2019م، والتي منحت السيسي صلاحيات مطلقة في الشأن القضائي وعصفت بأي معنى عن استقلاله وبات يخضع بشكل كلي للسلطة التنفيذية.  حيث تم استحداث ستة أحكام جديدة تخص السلطة القضائية في هذه التعديلات، تمثلت في إلغاء الموازنات المستقلة للجهات والهيئات القضائية، ومنح رئيس الجمهورية سلطة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية بما فيها المحكمة الدستورية العليا-من بين خمسة ترشحهم مجالسها العليا، إلى جانب اختيار النائب العام من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، فضلًا عن إنشاء مجلس أعلى للجهات والهيئات برئاسة رئيس الجمهورية، للنظر في شروط تعيينات وترقيات وندب القضاة. وأخيرًا، إلغاء سلطة مجلس الدولة في مراجعة مشاريع العقود التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها طرفًا فيها، وقصر سلطته في مراجعة وصياغة مشاريع القوانين التي تحال إليه فقط. وبالتالي بحسب هذه التعديلات ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين رؤساء الهيئات القضائية إلى جانب ترؤسه مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية، وهو المجلس الذي يختص بالنظر في شروط تعيين أعضاء الجهات والهيئات القضائية وترقيتهم وندبهم ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين المنظمة لشؤون هذه الجهات والهيئات. ومن ثم أصبح رئيس السلطة التنفيذية بطريقة غير مباشرة هو رئيس السلطة القضائية. ويمتلك بالتالي إمكانية توجيه القضاء والهيمنة عليه بشكل مطلق.

المرحلة الرابعة، لمزيد من الهيمنة والإخضاع لمحكمة النقض، في  29 يونيو 2017م، اختار السيسي مجدي أبو العلا لرئاسة محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، مستبعدًا القاضي أنس عمارة المحسوب على تيّار استقلال القضاء – أقدم القضاة – الذي رشحه مجلس القضاء الأعلى على رأس قائمة من 3 مرشحين. وخلفه المستشار عبدالله الأعصر رئيسا للمحكمة في 2019 رغم أنه كان السادس في الأقدمية وجرى اختياره لصداقته بشقيق السيسي المستشار أحمد السيسي الذي يحظى بنفوذ واسع داخل القضاء. وأصدر السيسي القرار رقم 91 لسنة 2021م في شهر مارس 2021م بتعيين 58 قاضيا نائبا لرئيس محكمة النقض.[[6]] وكلهم جرى اختيارهم عبر الأجهزة الأمنية من ذات نوعية قضاة دوائر الإرهاب “قضاة مخصصون لمتهمين مخصوصين”!

الخلاصة، لم تعد بمصر عدالة ولم يعد بها قضاء كما هو متعارف عليه في جميع بلاد العالم الحر، وما يحدث في عهد السيسي هو مذبحة بمعنى الكلمة، ليس للسلطة القضائية فقط بل مذبحة للحريات وللكرامة الإنسانية وللقيم الإنسانية النبيلة والسامية، فقد تم دسترة وقوننة الدكتاتورية على النحو الذي نعاينه اليوم حتى باتت محصنة بترسانة من نصوص دستورية وقانونية بالغة الشذوذ والغرابة. ترتب على ذلك أن مصر احتلت المركز 110 بين 113 دولة في مؤشر نزاهة القضاء الذي أصدره مشروع العدالة العالمية (WJP) في واشنطن عام 2018، والذي اعتمد حينها على 44 معياراً، منها السيطرة الحكومية وغياب الفساد والحقوق الأساسية والنظام والأمن والعدالة المدنية، والعدالة الجنائية. وفي مؤشر الفساد العالمي، احتلت مصر المركز 117 بين 180 دولة عام 2020، بعدما كانت في المركز 106 عام 2019م.[[7]] هذه الأوضاع تفرض على كل حر وشريف في هذا البلد أن يتصدى لهذا المشروع الدكتاتوري الذي يقوده جنرال طاغية لا يجيد سوى البطش والطغيان.  فتحرير مصر قد يؤدي إلى تحرير الوطن العربي كله من هذه المرحلة الظلامية التي اتسمت بأعلى صور الظلم والطغيان والجهل والتخلف.

 

 

[1] د.محمد البلتاجي/ إعدام الرئيس/ العربي الجديد ــ 16 يناير 2018

[2] بتصرف.. أحمد مهدي/حكمت المحكمة.. التفاصيل الكاملة في قضية اقتحام الحدود الشرقية/ صدى البلد ــ  السبت 07سبتمبر2019

[3] يسري البدري ــ محمد القماش/النقض تؤيد المؤبد لـ«بديع والبلتاجي والكتاتني» وآخرين في اقتحام الحدود الشرقيةالمصري اليوم ــ الأحد 11 يوليو 2021م// مصر.. حكم نهائي بالسجن المؤبد على بديع و9 من قيادات الإخوان/ وكالة الأناضول ــ 11 يوليو 2021م// مؤبد جديد لبديع والبلتاجي والكتاتني وبراءة 8 في قضية اقتحام الحدود/ العربي الجديد ــ 11 يوليو 2021م

[4] د. محمد البلتاجى/”البلتاجى” يكتب للمرة الأولى من داخل محبسه بالعقرب: قبل أن ينفذوا فينا أحكام الإعدام النهائية!/ إسلاميون 18 يناير 2018.. كما نشر المقال موقع “هافنغتون بوست عربي” قبل إغلاقه.

[5] أحمد عزب/من أمر بفتح السجون؟ ناشطون يوثقون الحقيقة/ العربي الجديد 2 ديسمبر 2014

[6] السيسي يصدر قرارًا بتعيين 58 نائبًا لرئيس محكمة النقض.. و231 رئيسًا للاستئناف/ مصراوي ــ الأحد 14 مارس 2021

[7] مصر في قاع مؤشرات العدالة الدولية… اعترافات تحت التعذيب أفضت إلى الإعدام / العربي الجديد ــ 14 يونيو 2021

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022