سيطرة “طالبان” على أفغانستان .. الأسباب والتحديات المستقبلية

 

 

وسط قلق عالمي، واتهامات متبادلة بين الإدارة الأمريكية وحكومة أشرف غني الأفغانية والجيش الأفغاني بالانهيار المتسارع  أمام ضربات حركات طالبان، التي بدأت مسلسل السيطرة على المدن والمقاطعات الأفغانية، منذ مايو الماضي، عقب رفض رئيس البلاد أشرف غني، الوفاء بتعهدات اتفاق الدوحة للسلام ومخرجات الحوار الأفغاني الأفغاني، بالمصالحة مع حركة طالبان واطلاق سراح معتقليها البالغ عددهم 5 آلاف معتقل في السجون الأفغانية، والبدء في إجراءات تشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها الحركة، حيث تذرع غني بأنه لا حاجة في الوقت الحالي، لتشكيل حكومة انتقالية وأن وجود مؤسسة الرئاسة كاف لإدارة شئون البلاد، وهو ما عدته طالبان وقتها تلاعبا من قبل غني.

ومع تسارع خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، وفق جدول زمني حددته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للخروج النهائي من أفغانستان في 11 سبتمبر المقبل، ودون تمكين كامل لحكومة متفق عليها تدير المرحلة الانتقالية، وجدت طالبان الطريق مفتوحا أمامها لمزيد من التمدد في المدن والولايات الأفغانية بالشمال والجنوب، حتى وصلت مساء الأحد 15 أغسطس الجاري إلى العاصمة كابول ودخول القصر الرئاسي، دون قتال.

حيث شارك قيادات عشائرية وعدد من السياسين السابقين  كالرئيس السابق حامد كارزاي ورئيس الحزب الاسلامي قلب الدين حكمتيار، ورئيس لجنة المصالحة الأفغانية عبد الله عبد الله، في ترتيب الانتقال السلمي للسلطة، عبر مساعد الرئيس أشرف غني، بعد تقديم تعهدات من الجميع لمساعد غني بسلامته وعائلته لتسليم ملفات القصر الجمهوري بطريقة سلمية.

وأمام مشهد انهيار الجيش الأفغاني الذي انسحب من المواجهة وسلم أسلحته وهرب الكثير من الطيارين من القواعد الحربية مخافة انتقام طالبان، ثارت الكثير من الانتقادات في الغرب وواشنطن، حول الفشل الأمريكي في إدارة ملف أفغانستان بعد الانسحاب، بعد 20 عاما من الاختلال منذ العام.

أولا: تطورات الأحداث

سيطرة "طالبان" على أفغانستان .. الأسباب والتحديات المستقبليةفي مايو الماضي، بدأت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) سحب 9500 جندي بينهم 2500 جندي أمريكي كانوا متمركزين في أفغانستان، واندلعت معارك عنيفة بين طالبان والقوات الحكومية في منطقة هلمند جنوب البلاد، وفي الشمال، سيطرت طالبان على مقاطعة بوركا في ولاية بغلان.

وفي 15 مايو انسحب الأمريكيون من قاعدة قندهار الجوية إحدى أهم القواعد في أفغانستان، وسيطرت طالبان على مقاطعتين في ولاية وردك قرب كابل قبل بسط سيطرتها على مقاطعتين في ولاية غزنة.

وفي 19 يونيو، وفي مواجهة التقدّم السريع لطالبان عيّن الرئيس الأفغاني أشرف غني وزيرين جديدين للداخلية والدفاع، وفي  22 يونيو، سيطرت طالبان على معبر شير خان بندر الحدودي الرئيسي مع طاجيكستان وفر مئات من الجنود الأفغان إلى الأراضي الطاجيكية، وسيطر مسلحو الحركة على الممرات الأخرى المؤدية إلى طاجيكستان وكذلك على المناطق المؤدية إلى قندوز عاصمة الولاية التي تحمل الاسم نفسه.

وفي 2 يوليو، أعادت القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي للجيش الأفغاني قاعدة باغرام الجوية المركز الاستراتيجي لعمليات التحالف والواقع على مسافة 50 كيلومترًا شمال كابل، وفي 4 يوليو، سيطرت طالبان على إقليم بانجوي على مسافة حوالي 15 كيلومترا من قندهار (جنوب)، وتسارعت وتيرة السيطرة لطالبان، إلى أن سيطرت الحركة على كابل العاصمة.

وباتت أفغانستان الإثنين في قبضة حركة “طالبان” مع انهيار القوات الحكومية وفرار الرئيس أشرف غني من البلاد، فيما احتشد آلاف الأشخاص يائسين في مطار كابول لمحاولة الهروب وسط حالة من الفوضى العارمة، أدت لمقتل 10 في اطلاق نار من القوات الأمريكية.

وأثارت سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية، الأحد، حالة من الذعر في مطار العاصمة، وتهافتت حشود إلى المطار، نقطة الخروج الوحيدة من البلاد، محاولين الفرار من النظام الجديد.

فيما نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول في “طالبان” تأكيده أن أكثر من 90 بالمائة من المباني الحكومية تحت سيطرة الحركة، مشيراً إلى أوامر للمقاتلين بعدم التسبب في أي ضرر. وتابع: “جميع نقاط التفتيش الرئيسية تقريباً في كابول تحت سيطرة الحركة”.، فيما تقوم قوات طالبان بتعقب المجرمين وومثيري الفوضى وعصابات السرقة والاستيلاء على أموال المواطنين.

وطلبت لجنة التعليم في حركة “طالبان” من جميع المؤسسات التعليمية مواصلة عملية التعليم في قسم الرجال والنساء من دون توقف، مؤكدة أن التأخر في هذا المجال قد يستدعي المحاسبة.

سياسياً، تستمر الجهود بواسطة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي ورئيس المجلس الأعلى الوطني عبد الله عبد الله وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، من أجل انتقال السلطة، ويدير رئيس اللجنة العسكرية في “طالبان” الملا عبد القيوم ذاكر، حتى الساعة، شؤون كابول من القصر الرئاسي الأفغاني.

ومع  تداعيات المخاوف التي يثيرها الغرب والعديد من كبريات وسائل الاعلام العالمية حول انتقام طالبان، أصدرت الحركة صباح الثلاثاء 17 أغسطس، عفوا عاما عن جميع موظفي الدولة والجيش الأفغاني، لتهدئة الأوضاع، مع التعهد بمراعاة حقوق الانسان والنساء وجميع الفئات بالمجتمع الأفغاني.

فيتو مسبق على طالبان

مع تقدم طالبان على أرض الميدان في أفغانستان، أثارت أمريكا والأطراف الأوروبية العديد من المخاوف والاتهامات للحركة، بأنها ستؤوي الارهاب العالمي، وأن أفغانستان ستمثل منطلقا للهجمات الإرهابية ضد أمريكا والغرب.

قالت الخارجية الأمريكية، أن واشنطن لن تعترف بأي حكومة تقودها حركة طالبان في أفغانستان إلا إذا احترمت حقوق النساء ونبذت الإرهاب. وأضاف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، أن الوضع سيبقى معقدا في أفغانستان خلال الأيام القليلة المقبلة، وأن الموقف تجاه أي حكومة مستقبلية في أفغانستان “رهن بسلوك هذه الحكومة، وبسلوك طالبان”.

وقال مسؤول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل -في تغريدة على تويتر- إن وزراء خارجية الاتحاد سيعقدون اجتماعا طارئا عبر الفيديو لإجراء تقييم أولي للموقف في أفغانستان، ورأى بوريل أن أفغانستان تقف عند مفترق طرق، وأن أمن مواطنيها والأمن الدولي على المحك في الوقت الراهن، حسب وصفه.

بدوره، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -في خطاب للأمة- إن أفغانستان يجب ألا تصبح معقلا لما وصفه بالإرهاب كما كانت من قبل، مضيفا -في كلمة له بشأن أفغانستان- أن على مجلس الأمن أن يقدم جوابا مسؤولا وموحدا للتعامل مع الوضع الجديد هناك وحماية الاستقرار الدولي، وأشار ماكرون إلى اعتزام باريس القيام بعدة مبادرات بالتنسيق مع بقية الدول الأوروبية وحلفائها بهدف مواصلة محاربة الإرهاب بكل أشكاله.

أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فوصفت استعادة حركة طالبان السيطرة على كل أفغانستان بأنه أمر مذهل وتطور مرير للغاية ومأساوي ومخيف بالنسبة للأفغان، حسب وصفها، وقالت ميركل إنه بعيدا عن مكافحة الإرهاب، فإن كل شيء لم ينجح ولم يتم إنجازه على النحو المطلوب رغم 20 عاما من القتال هناك تحت قيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

وعلى صعيد رد الفعل الأممي، دعا مجلس الأمن إلى وقف فوري للعنف في أفغانستان واستعادة الأمن والنظام المدني والدستوري، وإجراء محادثات عاجلة لحل أزمة السلطة في البلاد، وحث مجلس الأمن -في بيان- على إنشاء حكومة جديدة من خلال مفاوضات شاملة وموحدة، وضمان المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة.

وقابلت الحركة كل المطالبات الدولية والتكهنات المتشائمة، بتطمينات واسعة للداخل والخارج، معلنة أن هدفها الأساس هو استقرار البلاد وتحقيق مطالبهم المعيشية واحترام حقوق الجميع، مشيرين إلى أن “طالبان 2021 غير طالبان 2001”.

ثانيا: أسباب انهيار الحكومة والجيش الأفغاني

-سياسات الاحتلال الأمريكي التخريبية:

وبحسب خبراء، فان التعاطي الأمريكي مع القضية الأفغانية كان خاطئا بالاساس، حيث تعاملت مع المجتمع الافغاني بشكل معاكس لطبيعته القبلية والعشائرية، لابد من مراعاة عاداته وتقاليده.

وقال بايدن في خطاب متلفز مساء الاثنين، إن “الوضع في أفغانستان انهار بأسرع مما كنا نتوقعه، لكننا لا يمكن أن نقاتل في حرب مع قوات أفغانية ليست مستعدة للمشاركة فيها”، وأضاف “ما نراه الآن يثبت أن ما من قوة عسكرية يمكنها تغيير مجرى الأحداث في أفغانستان المعروفة بأنها مقبرة الغزاة، لكن الصين وروسيا تريدان من الولايات المتحدة أن تستمر في إنفاق مواردها في قتال لا يتوقف”.

وأكد الرئيس الأميركي أن بلاده أنفقت أكثر من تريليون دولار في أفغانستان، وجهزت الجيش الأفغاني، ووفرت له كل ما يحتاجه، لكن جنوده هربوا أمام مقاتلي طالبان، ووفقا لبايدن، فإن مهمة أميركا في أفغانستان لم تكن بناء دولة ديمقراطية موحدة، وإنما منع الاعتداءات على الأراضي الأميركية ومحاربة من قاموا بهجمات 11 سبتمبر 2001.

-سياسات الرئيس أشرف غني:

سيطرة "طالبان" على أفغانستان .. الأسباب والتحديات المستقبلية

وعلى الرغم من ثبوت تزوير انتخابات الرئاسة الأفغانية لصالح أشرف غني، ضد عبد الله عبد الله، وتماشي الأمريكان “دعاة الديمقراطية” مع التزوير، اعتمد غني سياسات الاقصاء والانحيازات ضد كل القوى السياسية في افغانستان.

وبدا أشرف غني مستفردا بالسلطة، على عكس اتفاق السلام الموقع في الدوحة، وهو ما اعترف به الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب الهزيمة، الذي ألقاه مساء الاثنين 16 أغسطس، حيث شدد الرئيس الأميركي على أن الحكومة الأفغانية رفضت نصيحته بضرورة المصالحة مع طالبان، وأن الرئيس الأفغاني أشرف غني أصر على أن القوات الأفغانية ستحارب، ومن الواضح أنه كان مخطئا.

-خلل استراتيجي أمريكي في صياغة الحرب منذ البداية:

وكشفت وثائق حكومية أميركية كان قد حصل عليها الصحفي الاستقصائي بواشنطن بوست، كريغ ويتلوك، وهي وثائق تناولت الإخفاقات التي صاحبت الجهود الأميركية لصناعة الحرب وبناء الدولة في أفغانستان، وأدركت الإدارات الأميركية المتعاقبة أنه لن يكون من السهل القضاء على طالبان، وأن الدولة الأفغانية “ضعيفة وينخر فيها الفساد”، وبدت الإدارات الأمريكية  تدبّر الأمور من دون إستراتيجية متماسكة.

الوثائق أظهرت كيف أن إدارات الرؤساء الأميركيين السابقين جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب أخفت الحقيقة طوال عقدين من الزمن، وقال ويتلوك إن الرؤساء الثلاثة “كانوا رويدا رويدا يخسرون حربا حظيت ذات مرة بدعم كبير من قبل الأميركيين، بل إن القادة السياسيين والعسكريين آثروا إخفاء أخطائهم وترك الحرب تحيد عن المسار”.

وبعد أقل من 5 سنوات عقب الغزو، كان مسؤولون في إدارة بوش يعقدون مقارنات بين حربي أفغانستان وفيتنام، إذ بدا حينذاك أن طالبان ما زالت تشكل تهديدا، وجاءت نقطة التحول في نهاية عام 2005، عندما استيقظ الناس في مطلع 2006 على حقيقة أن ثمة تمردا اندلع قد يجعل الولايات المتحدة تخفق في مسعاها، وفقا لمسؤول سابق في الإدارة الأميركية قال إن “كل شيء كان يسير في الاتجاه الخاطئ بنهاية 2005”.

ثالثا: عقبات الواقع المتدهور

وعلى الرغم من الانتصار الذي حققته طالبان على أرض الميدان في أفغانستان، إلا أن الكثير من العقبات ما زالت تهدد وضعها، وذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن ضمن تلك العقبات:

تشكيل نظام حكم جديد

قال قائد في حركة “طالبان”، الاثنين 16 أغسطس، إنه من السابق لأوانه التحدث عن كيفية تولّي الحركة الحكم، مشيراً إلى أن “طالبان” لن تشكل هيكلاً جديداً للحكم إلا بعد رحيل القوات الأجنبية، مؤكداً أن المسلحين يعيدون تنظيم صفوفهم من مختلف الأقاليم، وأبلغ القائد الذي طلب عدم نشر اسمه، “رويترز” عبر الهاتف، “نريد مغادرة كل القوات الأجنبية قبل أن نشرع في إعادة هيكلة نظام الحكم”.

فيما تطالب دوائر أمريكية باستمرار الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان أو توجيه ضربات عسكرية قاصمة لطالبان، لاثناءها عن استثمار انتصارها العسكري سياسيا، وفي تقديرات أمريكية، يمكن أن يجري الاتفاق في الأيام المقبلة على شخصية أفغانية قريبة من واشنطن، لقيادة الحكومة الانتقالية، حيث ذكرت وكالة رويترز للأنباء نقلا عن مصادر دبلوماسية أن علي أحمد جلالي، الأكاديمي ووزير الداخلية الأفغاني السابق المقيم حاليا في الولايات المتحدة، من المرجح أن يتولى رئاسة الحكومة الأفغانية المؤقتة، ويبقى الأمر معلقا بقدرة طالبان على تشكيل حكومة متجانسة متناغمة تقود البلاد في المرحلة المقبلة، وخدود دورها ومهامها العاجلة والآجلة.

-الاعتراف الدولي

وتتواجه طالبان بمعضلة الاعتراف الدولي، إذ أن واشنطن هددت مرات عدة بأنها لن تعترف بها، ولن يستطع أحد الاعتراف بدولتها وحكمها لافغانستان، وهو الأمر الذي كرره باكستان الجار الأقرب لأفغانستان، معلنة أن اعترافها بحكم طالبان مشروطا باعتراف المجتمع الدولي.

فيما تسعى دول الجوار لخلق فرص لها أكبر في أفغانستان، فروسيا أبقت سفارتها مفتوحة في أفغانستان وتسعى لتأمين الحدود مع أفغانستان وخلق فرص للتعاون، فيما تراهن الصين على بناء علاقت اقتصادية وتجارية مع أفغانستان وكذا الهند وايران.

وتسعى بكين منذ فترة لأن تخلق من أفغانستان ممرا آمنا لمشاريعها الاستراتيجية “طريق الحرير”، إذ تشكل أفغانستان ممرا إجباريا للصين نحو الدول الإسلامية في غرب آسيا، هذا لو رغبت في تجاوز الهند، منافستها الإقليمية.

ولا يبدو أن حركة طالبان ستكون قادرة على إقناع الصين بحيادها تجاه المسائل التي تقلقها في العمق الآسيوي، لذلك فإن سيطر تها على “ممر واخان” ربما تدفع بالصين إلى تمتين تعاونها مع روسيا للسيطرة الأمنية، على شمال أفغانستان.

-التحديات الاقتصادية

تعتمد أفغانستان على المساعدات الخارجية، ورغم امتلاكها احتياطيات معدنية كبيرة، يرغب جيرانها مثل الصين أو الهند في الاستفادة منها، إلا أن الوضع الأمني لم يتح تطوير نشاط التعدين بشكل كافٍ، ويأتي قسم كبير من الثروة الوطنية من تهريب المخدرات، وخاصة الهيرويين الذي تُعدّ أفغانستان إلى حدّ بعيد أكبر منتج له في العالم.

ويواجه ملايين الأفغان الصعاب للحصول على قوت يومهم، فيما يعرقل الجفاف المستمر منذ وقت طويل الإمدادات في بلد يعاني من تصاعد العنف بالتزامن مع استكمال انسحاب القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة.

وتدعو منظمات الإغاثة المانحين إلى تقديم أموال ومساعدات إنسانية طارئة، في ظلّ توقعات بانخفاض محصول القمح السنوي قرابة النصف، والمخاوف من نفوق ملايين رؤوس الماشية بسبب نفاد إمدادات المياه.

وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني قد قال، في يونيو الماضي، إنّ البلاد بأكملها تعاني من جفاف متوسط إلى شديد، وأقرّ بأنّ ميزانية إدارة الكوارث الوطنية ليست كافية لتغطية ما يصفه خبراء بأنه إحدى أسوأ موجات الجفاف منذ عقود من حيث النطاق الجغرافي.

-النظرة الغربية لمستقبل افغانستان في ظل سيطرة طالبان:

حيث تركز معظم تقييمات الأوضاع الحالية في أفغانستان على نتيجتين رئيسيتين هما تحديات حقوق الإنسان وخاصة بالنسبة للنساء، أما الأمر الآخر فهو انتقال أفغانستان إلى قاعدة للضربات الإرهابية ضد القوى الأجنبية.

وعلى الرغم من تأكيدات قيادات طالبان بأن الحركة تغيرت تماما عن الماضي، إلا أن هذه ليست بالضرورة تصورات خاطئة بالكامل، بالنظر إلى تاريخ سيطرة طالبان على أفغانستان، فقد تقوم طالبان مرة أخرى بتجنيد أو إيواء مقاتلين أجانب، خاصة بعض الجماعات الطاجيكية المسلحة على طول الحدود مع طاجيكستان.

ويمكن أن تؤدي الاضطرابات إلى خلق مساحة يمكن للمقاتلين الأجانب أن يستخدموها في التدريب والتخطيط لهجمات على البلدان المجاورة أو على الصعيد الدولي.

وتنطلق تلك الرؤية من إن حماية طالبان لـ”أسامة بن لادن” و”القاعدة” قبل 20 عامًا تشير إلى أن هذا النمط قد يتكرر لتصبح أفغانستان مرة أخرى مصدرا لهجوم 11 سبتمبر القادم.

ولكن ربما كانت التقييمات المستندة إلى تجارب طالبان في أواخر التسعينات ثم عمليات مكافحة التمرد في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، دقيقة تمامًا في يوم من الأيام. لكن الزمن تغير، كما تغيرت الظروف وتوازنات القوى الإقليمية. وبالنظر إلى هذا السياق المتغير والدروس التي تعلمتها طالبان نفسها على مر السنين، فأن هناك حاجة لمراجعة تلك التقييمات والافتراضات الغربية.

-معضلة التنافس الإقليمي والدولي من خلالا:

حيث يمكن أن تصبح أفغانستان ساحة للتنافس السعودي الإيراني في المستقبل القريب، في ظل تاريخ من العلاقات المضطربة بين الإيرانيين والمقاتلين السنة، بما في ذلك حركة “طالبان”.

ولو كانت الولايات المتحدة انسحبت من أفغانستان قبل عدة أعوام، لكانت هناك احتمالات أقل لسعي السعودية إلى استغلال التقدم العسكري لـ”طالبان”، مما قد تفعله الآن. واصلت السعودية دعم المسلحين المناهضين لإيران والشيعة في المثلث الحدودي الإيراني الأفغاني الباكستاني وإلى الجنوب على الجانب الباكستاني من الحدود بالرغم من جهود ولي العهد “محمد بن سلمان” لإبعاد المملكة عن الهوية المتشددة التي شكلت تاريخ البلاد وجعلتها شريكا لـ”طالبان”.

ومن المحتمل أيضا دخول أطراف مثل تركيا وقطر على ساحة الصراع في أفغانستان. ومن المحتمل أن تكون معارك الوكلاء أقل بينما يتم التركيز على المعارك الاقتصادية والثقافية والتي تبدو فيها التحالفات مختلفة بشكل كبير عما كانت عليه في الماضي، وسيكون أحد العوامل الحاسمة في اندلاع الخصومات هو موقف “طالبان” تجاه الجماعات العرقية والدينية غير البشتونية.

رابعا: المستقبل القريب

وأمام الواقع المرير على المستوى الاقتصادي والانساني في أفغانستان، ورغم التقدم العسكري لطالبان على الأرض وفتحها مجالات واسعة من الحوارات الدولية المترافقة مع تطمينات بالداخل والخارج، فإن المستقبل القريب في البلاد يبدو مأزوما، بفعل الرؤى الدولية للحركة المسلحة ورفض المؤسسات الدولية الوصول للحكم بالقوة.

كما تبقى التأثيرات الإقليمية هي الأكثر في المشهد المضطرب، فمن المنتظر وقوع  تداعيات خطرة على الاستقرار في آسيا ، فيما يتعلق بنظرة حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا إلى مصداقية واشنطن في حمايتهم ضد بكين، وبالتالي ربما يؤثر تقدم طالبان في المستقبل على استراتيجية “تحالف الديمقراطيات الرأسمالية” الرامي لمحاصرة الصين.

وبالنسبة لباكستان سيعني صعود طالبان دعم التيار المتشدد في البلاد، وبالتالي زيادة عدم الاستقرار السياسي الذي سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد الباكستاني المتهالك والمعتمد على الدعم الخارجي.

ويلاحظ في هذا الشأن، أنه منذ نهاية العمليات العسكرية الباكستانية المشتركة مع أميركا ضد “طالبان” في عام 2015، اتجهت باكستان إلى الصين في الحصول على الدعم المالي لاقتصادها المتدهور. إذ استثمرت الصين عشرات المليارات من الدولارات في مبادرة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يشمل مجموعة من مشاريع البنية التحتية من بينها مشاريع قيمتها 47 مليار دولار قيد الإنشاء في جميع أنحاء باكستان منذ عام 2013، من إجمالي مشاريع الممر الباكستاني الصيني البالغة 70 مليار دولار.

أيضا، مشاريع الحزام والطريق استفادت من الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، إذ وفر لها الاستقرار السياسي للعبور إلى العديد من الدول الأعضاء في مبادرة “الحزام والطريق، إلا أن عدم الاستقرار في أفغانستان وتمدده عبر الحدود يهدد استثمارات باكستان.

وعلى الصعيد الروسي، ربما تكون موسكو سعيدة بهزيمة الولايات المتحدة وانهيار نظام الحكم في كابول، وبالتالي خروج القوات الأميركية من أفغانستان دون حصاد يذكر غير الخسائر، ولكن لايبدو أن موسكو  ستكون رابحة من الهزيمة الأميركية، إذ لدى روسيا مصالح ضخمة من العلاقات التجارية والنفطية في آسيا الوسطى وتتخوف عليها من حركة طالبان التي تكنّ لها عداء تاريخياً منذ الغزو السوفييتي في القرن الماضي.

ولدى الشركات الروسية استثمارات تقدر بنحو 20 مليار دولار في دول جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت تابعة للإمبراطورية السوفييتية، كما أن هنالك نحو 7500 شركة تعمل في هذه الدول، وتأمل روسيا في استغلال أسواق آسيا الوسطى لتوسيع حجم تجارتها وسط ضغوط الحظر الأميركي المتواصل عليها.

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022