زيادة أسعار رغيف الخبز في مصر.. الأبعاد والآثار المتوقعة والبدائل
ضمن سلسلة من سياسات التوحش الرأسمالي، وسياسات القهر الاجتماعي، وفي قرار غير مستبعد، مهد له عبد الفتاح السيسي ونظامه، عبر سلسلة متتالية من القرارات الموجعة لميزانية الأسر الفقيرة، أعلن السيسي تغيير منظومة رغيف الخبز في مصر، رافضا استمرار بيعه بـ “5 قروش: ناكثا بوعود سبق وأن قطعها على نفسه بعدم المس به.
وفي الثالث من أغسطس الماضي، قال السيسي إنه “حان الوقت لزيادة سعر رغيف الخبز المدعوم، وإعادة تسعيره مرة أخرى”. وأضاف، خلال افتتاح المدينة الصناعية الغذائية “سايلو فودز”، في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، أنّ “رغيف الخبز يباع بـ 5 قروش، ومن غير المعقول أن يكون 20 رغيف خبز بثمن سيجارة واحدة”، موضحاً أن “رغيف الخبز يكلف الدولة 65 قرشاً، وهذا الأمر لا بدّ له أن يتوقّف”.
وفي 14 أغسطس، أعلن السيسي، تكليف وزير التموين دراسة منظومة رغيف الخبز الجديدة. قائلا، خلال افتتاح أحد المشروعات السكنية، أن منظومة رغيف الخبز لا بد من تعديلها، مشيراً إلى أنّ “الرغيف عندما كان يباع بقرشين كانت تكلفته 18 قرشاً (الجنيه = 100 قرش)، وهو الآن يباع بخمسة قروش، بينما تكلفته 65 قرشاً، ما يؤكد أن تكلفة صناعته ارتفعت، وعدد المستفيدين منه ازداد، بينما ظل السعر ثابتاً”.
وتعمل وزارة التموين حالياً على دراسة لتحديد زيادة سعر رغيف الخبز، لترفع نتائجها إلى مجلس الوزراء لمناقشتها، ووفقاً لبيانات الموازنة العامة للدولة، كانت قيمة الدعم لرغيف الخبز في العام المالي 2018-2019 نحو 42.3 مليار جنيه، وبلغ عدد المستفيدين 74 مليون فرد. وتطورت قيمة الدعم المخصص لرغيف الخبز خلال السنوات المالية التالية، حتى وصلت في العام المالي الحالي إلى 44.9 مليار جنيه، فيما بلغ عدد المستفيدين 66.7 مليون فرد.
أولا: دوافع السيسي
وينبع قرار زيادة سعر رغيف الخبز من دوافع عدة، لدى السيسي ونظامه، يمكن اجمالها في التالي:
-سياسات السيسي لخفض الانفاق العام للدولة
يأتي قرار السيسي وسياساته التقشفية لخفض الانفاق العام للدولة، بالمخالفة للقاعدة السياسية المشهورة “المستبدون لا ينبغي لهم أن يتخلوا عن الدعم أو يقلصوه بل عليهم أن يزيدوا مقداره، طمعًا في صمت الشعب عن انتهاكاتهم وفسادهم”..
تَضِلُّ السلطةُ حين تتصور أنها تُحَسِّنُ ميزانيتها حين تستجيب لأوامر الأوصياء الأجانب بتقليص الدعم المقدَّم للمواطنين، ذلك أن هذا الدعم هو دعم للسلطة ذاتها قبل أن يكون تخفيفًا عن مواطنيها، لا سيما الفقراء منهم، ليس على المستوى السياسي فحسب من جانب تحقيق الشعبية اللازمة لاستمرارا السلطة وبسط نفوذها، بل وأيضًا على المستوى الاقتصادي، بالنظر الضيق لمفهوم “المصلحة الاقتصادية” للسلطة، غير أن غرور القوة يُغرِي السلطة باختيار الحل الذي تراه أيسر في التطبيق، حيث تفرض سطوتها، وهي صاحبة القوة والسلاح، على المواطن الأعزل الفقير.
ويغيب عن السلطة المستبدة أن «الدعم» الذي تقدمه للمواطنين ليس مِنَّةً منها على الشعب، بل وسيلة لعدم تفاقم مسؤوليتها عن حل أزمات تترتب على تقليص الدعم، فتقديم الدعم مثلا للمجال الصحي يستهدف عدم انتشار الأمراض والأوبئة بسبب عجز المرضى عن علاج أمراضهم ومداواة جراحهم، وحينها سيلزم السلطة أن تتدخَّل من أجل إنقاذ المجتمع من هذه الأوبئة التي لن تُفرِّق بين من في السلطة ومن تحكمهم، وتوفير الدعم في المجال التعليم يستهدف تنشئة أجيال قادرة على القراءة والكتابة والتعامل مع الأدوات الحديثة في مختلف مجالات العمل، وأحيانًا لإحكام سيطرة السلطة على العقول، وبدون هذا الدعم ستواجه السلطة بأجيال لا تقدر هي على التعامل معهم بسبب ما لديهم من جهل وانعدام وعي وإدراك بما يُحيط بهم.
-التساهل في تقدير ردود الفعل الشعبية- مذابح رابعة والنهضة مثالا:
وفق خبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، تحدث لـ”عربي 21″، فإن الاستخدام المفرط للسلاح وإباحة وتقنين العنف تجاه المعارضين من جانب أجهزة الدولة، سواء الأمني منها أو الهيئات المدنية خلال الفترة التي أعقبت الثلاثين من يونيو 2013، خلقت حالة من الرعب لدى المواطنين من إبداء أي رفض أو معارضة للقرارات الحكومية، وبالأخص تلك التي يقدم عليها رئيس الدولة، خشية تعرضهم لأي أذى بعدما أيقن المواطنون أن القتل سيكون الجزاء الذي سيوقع عليهم، مع تبرير عملية القتل تلك بكون أي معارض لقرار حكومي هو إرهابي وفقاً للروايات الرسمية، مما سيلحق به أيضا وصماً مجتمعياً سلبياً لأسرة أي محتج حتى لو لم يكن ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني.
-السياسة وليس الاقتصاد:
وتعد الزيادة المتوقعة، الزيادة الثالثة في أسعار الخبز التي يفرضها السيسي، إذ جاءت الأولى في العام 2014، حينما خفض السيسي وزن رغيف الخبز من 130 جراما “كما كانت في عهد الرئيس محمد مرسي” إلى 110 حراما، والثانية كانت في أغسطس 2020، وكانت على هيئة تناقص حجم الرغيف للمرة الثانية بنحو 20 جرامًا، والثالثة التي يدرسها مجلس الوزراء حاليا لفرضها على المواطنين.
وتكاد تجمع الدراسات الاقتصادية على أن هذه الزيادة غير المحددة، لن تمثل فائدة مالية كبيرة للحكومة، فالإنفاق من ميزانية الدولة على الخبز المدعم في 2021/2022 يصل إلى 44 مليار جنيه، أي 2.4% من إجمالي الإنفاق الحكومي، و9.4% من العجز المتوقع. ويمثل الخبز المدعم أيضًا 4.4% فقط من إجمالي عائدات الضرائب التي تجمعها الدولة، لكي نضع هذا الرقم في سياق، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة فائدة سداد القروض 579 مليار جنيه، أي أكثر 13 مرة من قيمة الخبز المدعم. لكن ارتفاع السعر تحركه السياسات وطبيعة الاقتصاد السياسي الذي يهمين عليه الجيش في مصر، الذي يعتمد على الديون بدلًا من استثمار العمالة كمحرك للنمو الاقتصادي.
-مزيد من المصالح المالية للعسكر
ووفق مصادر حكومية نقلت عنها “العربي الجديد” فإن قرار السيسي إلغاء الدعم تدريجياً عن رغيف الخبز يستهدف تدبير 7.7 مليارات جنيه، بصورة مبدئية، لتوفير وجبات غذائية للطلاب في المدارس الرسمية، مع انطلاق العام الدراسي في 9 أكتوبر المقبل وكان السيسي حدد سعر الوجبة بسبعة جنيهات عن الطفل الواحد، مع العلم أن تكلفة الوجبة المصنعة من الجيش تقل كثيراً عن هذا المبلغ. وفي 19 اغسطس الجاري تم اتمام عملية الاسناد للقوات المسلحة، حيث تفقدت وزيرة الصحة، هالة زايد، ورئيس مجلس إدارة شركة “سايلو فودز” للصناعات الغذائية، اللواء أركان حرب تيمور موسى، منظومة تصنيع الوجبات المدرسية بمقر الشركة في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، والمقرر توفيرها للطلاب مع بدء العام الدراسي الجديد.
يشار إلى أن البنك الدولي وعدد من المؤسسات المانحة لمصر قد قدمت بالفعل لمصر منحة بمقدار 567 مليون دولار لتوفير الوجبات المدرسية، وهو ما يوازي المبلغ المطلوب لتوفير الوجبة والذي تحدث عنه السيسي وقدره بـ 7,7 مليار جنيه. يذكر أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع للجيش، قد تورط في واقعة تسمم نحو 2243 تلميذاً في محافظة سوهاج بصعيد مصر، إثر تناولهم وجبات مدرسية منتهية الصلاحية وردها الجهاز في عام 2017، ما أثار تساؤلات مشروعة عن تغول الجيش في قطاعات عديدة، واختيار شركة النصر للخدمات (كوين سرفيس) التابعة للجهاز، لتولي توريد التغذية للطلاب في المدارس والمعاهد الأزهرية بـ “الأمر المباشر”.
وتتبع شركة “سايلو فودز” للصناعات الغذائية جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهي مدينة صناعية متكاملة لا تحتاج لأي عنصر خارجي، سوى القمح اللازم لإنتاج الدقيق، الذي يدخل كمادة خام أساسية في مختلف المنتجات التي تعمل عليها مصانع الشركة.
ثانيا: أبعاد قرار رفع أسعار الخبز
-التلاعب بأرقام الدعم:
وتكشف المعلومات بوضوح مواصلة السيسي نشر الأرقام المتضاربة حول مخصصات الدعم، لا سيما ما يتعلق برغيف الخبز المدعوم على بطاقات التموين يكلف خزانة الدولة 65 قرشاً، مقابل بيعه بـ 5 قروش فقط، علماً أنّه يقلّ بطبيعة الحال عن الوزن الرسمي المحدد بـ 90 جراماً، في حين يبلغ سعر الرغيف الأكثر وزناً في المخابز غير الحكومية الهادفة للربح 50 قرشاً على أقصى تقدير، وفق”عبد التواب بركات، مغالطات المتربصين برغيف الغلابة في مصر، العربي الجديد”.
كما أن إعلان السيسي زيادة مرتقبة في ثمن رغيف الخبز، السلعة الأهم للملايين من المصريين البسطاء، جاء بعد أشهر قليلة من قرار وزارة التموين تخفيض وزن الرغيف المدعّم للمرة الثانية من 110 جرامات إلى 90، بعدما كان 130 جراماً، ما يعني ارتفاع سعره أكثر من 30%، في عملية سرقة موصوفة لدعم الخبز؛ بدعوى أنّ وزن الرغيف لم يكن يتعدى 91 غراماً في كثير من المحافظات، استناداً إلى محاضر مثبتة لدى الوزارة. وفي 18 يناير الماضي، أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية، على المصيلحي، أمام مجلس النواب، أنّ عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز انخفض من 81 مليون مواطن إلى 71 مليوناً، بذريعة استبعاد الأسماء المُكررة وغير المستحقة للدعم، وكذلك الحال مع المستفيدين من دعم السلع التموينية (انخفض العدد من 68 مليوناً إلى 64)، إثر تنقية بطاقات التموين من غير المستحقين للدعم، وفقاً للمعايير التي أقرتها الوزارة.
ويبلغ دعم الخبز والسلع التموينية في موازنة الدولة للعام المالي 2021-2022 نحو 87.2 مليار جنيه، وهو البند الأخير في منظومة الدعم الحكومية للمواطنين، عقب تحرير أسعار بيع المنتجات البترولية والكهرباء والغاز الطبيعي ومياه الشرب؛ استجابة من الحكومة لاشتراطات صندوق النقد الدولي، للحصول على قروض من الصندوق بلغ إجماليها 20 مليار دولار تقريباً خلال السنوات الخمس الأخيرة.
-سياسات اقتصادية مؤلمة
مع قفز السيسي إلى الحكم في عام 2014، طبقت الحكومة سياسات مؤلمة للفقراء ومحدودي الدخل، خصوصاً عقب الاتفاق مع صندوق النقد في نوفمبر 2016، على تطبيق برنامج اقتصادي تضمن تحرير سعر صرف الجنيه، ما أفقد العملة المصرية نحو 70% من قيمتها أمام الدولار، فضلاً عن زيادة ضريبة القيمة المضافة، وغيرها من الإجراءات التي فاقمت الغلاء.
وفي نهاية العام الماضي، قال رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، إن معدل الفقر في بلاده تراجع إلى 29.7% في العام المالي الماضي 2019-2020، مقارنة بـ 32.5% في العام المالي 2017-2018، لكنّ خبراء اقتصاد يؤكدون أنّ النسبة الحقيقية للفقر في مصر تتجاوز 55% من السكان في ظلّ تصاعد الغلاء، والزيادات المتواصلة على أسعار السلع والخدمات والضرائب.
-فقدان المواطن دعم أو دفاع أية جهة رسمية أو نقابية أو شعبية
وعلى الرغم من الغضب والرفض الشعبي، تأذي لا تخطئه العين، وأنه لولا القبضة الأمنية وسياسة مواجهة التظاهرات بالرصاص الحي لاندلعت الاحتجاجات في الشوارع والميادين. إلا أن الغريب أن هيئات واتحادات مهنية وشخصيات عامة ودينية انبرت لدعم وتمرير القرار وكأنه انتصار واعادة اعتبار لرغيف الخبز. وفي المقابل لم تدافع عن حق المواطن جهة رسمية أو حزبية أو نقابية وتركه الجميع عريانا في الطريق العام. حتى البرلمان الذي يعبر عن المواطن المسكين ومحاميه أمام السلطة التنفيذية فقد أيد القرار ومجده.
ولم يجد المواطن سوى اعلام المعارضة الذي يبث من الخارج هو من يدافع عن حقوق المواطن وشباب السوشيال ميديا.. وهو ما يكشف أبعاد مخططات السيسي لوأد أي حرية اعلامية والاستحواذ العسكري على وسائل الاعلام..
ثالثا: التأثيرات الاجتماعية لزيادة أسعار الخبز
من المتوقع أن تسبب تلك الزيادة ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 4 إلى 5%، وفقًا لتوقعات هبة الليثي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتصل معدلات الفقر الرسمية في مصر إلى 29.7%، وستؤدي زيادة سعر الخبز المدعم إلى ارتفاع معدلات الفقر بمستويات غير مسبوقة، وستؤثر كذلك على 63 مليون مصري يحصلون على المواد الغذائية المدعمة “التموين”، التي تتضمن 5 أرغفة خبز مدعم يوميًا لكل فرد.
ووفق تقديرات اقتصادية، تكسر الزيادة في أسعار الخبز المدعم أمرًا محظورًا في السياسات المصرية، الذي أصبح كذلك منذ انتفاصه الخبز في 1977، والتي انطلقت بعد أن رفع الرئيس الراحل أنور السادات سعر “التموين” بما في ذلك الخبز المدعم، أجبرت التظاهرات السادات على التراجع عن قراره خلال أيام قليلة. هذه القضية حساسة سياسيًا بشكل كبير، فالأسر المصرية تنفق في المتوسط نحو 37.1% من دخلها على الطعام، بينما ينفق الأكثر فقرًا -بنسبة 10% من السكان- نحو 49.7% من دخلهم، لذا أي زيادة طفيفة في السعر سيكون لها تأثير بارز على مستوى المعيشة. ويعد الخبز المدعم أيضًا أحد الآثار الباقية للعقد الاجتماعي بين الدولة الاستبدادية التي أسسها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وعامة الشعب، فكان متوقعًا من الدولة أن توفر الخدمات الأساسية والأمن الاقتصادي مقابل الخضوع السياسي.
في هذا السياق، أعلن السيسي نيته للتخلص من أي بقايا لهذا العقد الاجتماعي والاستغناء عن التعاون المتبادل، وبدلًا من ذلك خطط لاستخدام أدوات نظامه القسرية والقمعية لإنفاذ الخضوع السياسي، وذلك رغم الغضب الشعبي الذي قد يولده ذلك، فهو بالتأكيد يشعر بالثقة والتحصين الكافي لبدء هذا الهجوم على بقايا الرفاهية العامة والدعم، وهو هجوم أشد ضراوة من الجولة السابقة لرفع الدعم.
تصميم النظام على خفض الإنفاق العام والحد من عجز الميزانية يدفعه الاقتصاد المصري الذي يهيمن عليه الجيش، حيث بات يسيطر على أكثر من 60% من اقتصاد مصر، وباتت تسند إليه المشاريع بالأمر المباشر، بصورة يومية، كتوريد التغذية المدرسية، واستصلاح الأراضي الصحراوية، والاشراف على الطرق والمشروعات الانشائية والتوسع في الاستزراع السمكي …وغيرها من المجالات التي كان ينشط بها القطاع الخاص والمدنيون. وذلك تحت شعار المساعدة على النمو الاقتصادي من خلال استثمارات ضخمة في العقارات والبنية التحتية والنقل، يتضمن ذلك العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة التي تبلغ تكلفتها 58 مليار دولار، وخط السكة الحديد الجديد بتكلفة 23 مليار دولار، وقناة السويس الجديدة بتكلفة 8 مليارات دولار.
وفقًا لما قاله السيسي في نوفمبر 2019، فإن هذا الاستثمار تجاوز 200 مليار دولار، هذا الإنفاق الحكومي تموله مستويات عالية من الديون خاصة الدين الأجنبي الذي وصل إلى 36% من الناتج الإجمالي المحلي للسنة المالية 2021/2022، الذي يبلغ نحو 134.8 مليار دولار بزيادة ضخمة عن 14.4% من الناتج الإجمالي المحلي لعام 2015، كمثال.
رابعا: بدائل عن زيادة سعر الخبز
ومع التأكيد على أن الدعم ليس منة وصدقة من أحد، بل هو حق أصيل للمواطن كالتعليم والصحة، وأموال الدعم تمول كاملة من دافعي الضرائب، أي من أموال الشعب وجيب المواطن، وليس من جيب الحكومة وصدقاتها، وفق الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام. حيث تبلغ قيمة الضرائب هذا العام نحو تريليون جنيه، وتحديدا 983 مليار جنيه، وقيمة دعم رغيف الخبز تقل عن 45 مليار جنيه، ودعم السلع التموينية بالكامل من سكر وأرز وشاي وزيوت وغيرها يقل عن 88 مليار جنيه، وبالتالي فإن 10% من إيرادات الضرائب وربما أقل يمكن أن تغطي قيمة الدعم التمويني كاملة، ولذا فإن الدولة ليست مضطرة لزيادة رغيف الخبز، طعام 71% من المصريين.
ووفق تقديرات اقتصادية، يمكن تغطية قيمة الدعم المقدر لرغيف الخبز، من خلال العديد من الوسائل، لتغطية حاجة الحكومة إلى مبلغ 7 مليار جنيه قيمة الأموال التي تستهدف تحصيلها عبر قرار زيادة سعر رغيف الخبز، ومنها:
1-زيادة الضرائب على المعسل والتبغ والسجائر بكل أنواعها سواء الفارهة أو الشعبية، علما بأن قيمة الضرائب على السجائر والدخان خلال العام المالي الماضي 2020-2021 تقدر بنحو 75 مليار جنيه بارتفاع 10 مليارات جنيه عن تقديرات العام المالي 2019 – 2020.
2- فرض ضرائب على أرباح عمالقة شركات التكنولوجيا والتقنية العالمية التي تعمل في مصر وتقدم خدماتها في السوق المحلي مثل فيس بوك وتويتر وأمازون ومايكروسوفت وآبل وغيرها، علما بأن هذا اتجاه عالمي، وهو ما يتوقع معه ع\م اعتراض أي شركة على هذه الضرائب.
3-زيادة الضرائب والرسوم على السيارات الفارهة التي تزيد قيمتها عن المليون جنيه، علما بأن الحكومة تستهدف زيادة حصيلة الضرائب والرسوم على السيارات بشكل عام بنسبة 43.8%، خلال العام المالي الحالي 2021/2022 لتصل إلى 11.545 مليار جنيه، مقابل 8.025 مليار متوقعة خلال العام المالي الماضي 2020-2021.
4- فرض ضرائب على أموال المستثمرين الأجانب الساخنة التي تدخل مصر وتخرج منها بسرعة حاملة معها الأرباح الوفيرة، علما بأن هذه الأموال تزيد عن 20 مليار دولار في بعض الأوقات، ودول كثير سبقنا في هذا المجال، يعني لا نخترع بدعة.
5-الحد من الفساد المتعلق بصفقات استيراد القمح، علما بأن مصر تعد أكبر مستورد للقمح في العالم وتخصص نحو 3 مليار دولار لتمويل استيراد القمح
6- الحد من الفساد داخل منظومة توزيع الخبز والدقيق المدعم
7- الحد من التهرب الضريبي، علما بأن حصيلة التهرب الضريبي والأموال العامة خلال شهر واحد هو فبراير 2020 بلغ 10.5 مليار جنيه، فما بالنا بعام كامل
8- الحد من فاتورة الفساد بشكل عام: فتخفيض فاتورة دعم الخبز لا يكون بزيادة سعره، ولا تقليل عدد المستفيدين في ظل تزايد أعداد العاطلين والفقراء، ولكن بتقليل الفساد الحكومي المحيط بمنظومة الدعم. فرغم تخفيض عدد المستفيدين من دعم الخبز من 81 مليونا إلى 71 مليونا، بنسبة 12.3%، انخفضت قيمة دعم الخبز من 53.1 مليار جنيه إلى 50.6 مليارا فقط، بنسبة 4.7%، وفق بيانات الموازنة العامة للدولة. أي أن فاتورة دعم خبز الغلابة ضئيلة بجانب فاتورة الفساد الحكومي في بعض الوزارات الخدمية التي كشفها الجهاز المركزي للمحاسبات في سنة 2015 فقط، والتي بلغت 600 مليار جنيه..
وتعد تلك البدائل مخارج آمنة، يدلا من زيادة سعر الخبز، السلعة الأهم عند عموم المصريين، وهو القرار الذي سيتضرر منه 71 مليون مواطن. إلا أن النظام على ما يبدو يستهدف الكثير من الأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى. ولعل بعض التقديرات التي تقف ورائها المؤسسة العسكرية، التي تتخوف من ردة الفعل الشعبية تدعو الى أنه قبل ما يتم رفع سعر رغيف الخبز، يجب أولا تحسين أوضاع الناس المعيشية حتى يتحملوا أي قرار خاص بزيادة الأسعار.
خامسا: سيناريوهات الزيادة
– 20 قرشا للرغيف:
وفي سياق السجال الدائر، اقترح رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، إبراهيم محمود العربي، تسعير رغيف الخبز المدعم بـ 20 قرشا بدلا من 5 قروش بنسبة ارتفاع 300%. الاقتراح يعني تخفيض دعم عيش الغلابة بمعدل 19 مليار جنيه، وليس 8 مليارات كما طلب السيسي! وقد يستهدف الاقتراح رفع السقف والمبالغة في السعر لتهيئة الجمهور لتقبل الزيادة في السعر التي سيفرضها النظام.
– زيادة سعر الرغيف إلى 10 قروش بدلا من 5 قروش أو حذف رغيف من حصة المواطن:
والاقتراحان يعنيا تخفيض دعم الخبز بواقع 36%، وهي نفس النسبة تقريبا التي سيخسرها أصحاب المخابز ومستوردي القمح وشركات النقل.
– تحفظات الجيش
وتبقى السيناريوهات مفتوحة وقابلة للتنفيذ، إلا أنه قد يعطلها مستجد وحيد، وهو تحفظات الجيش، إلا أن تلك التحفظات في مجملها لن تلغي القرار، إنما تؤجله فقط. ولعل الخطوة المقبلة، تتوقف إلى حد كبير، على حجم وقوة التحفظات التي تبديها المؤسسة العسكرية، إزاء زيادة أسعار الخبز.. وكانت مصادر مصرية، كشفت عن تباين وخلافات داخل دوائر صناعة القرار المحيطة بالسيسي، بسبب زيادة سعر الخبز المدعوم. هذا التباين، الذي كانت المؤسسة العسكرية في مستوياتها العليا أحد أطرافه، مثل أحد الأسباب الرئيسية في إرجاء تنفيذ قرار السيسي، على الرغم من أن القرار لم يلغ بعد بصورة نهائية وحاسمة، وأنه قد ينفّذ بطريقة أو بأخرى.
وإنه على الرغم من تقديم اثنين من أجهزة المعلومات السيادية في البلاد تقارير حذرت فيها من المساس برغيف الخبز، على الأقل خلال الفترة الراهنة، إلا أنّ دائرة واحدة من الدوائر المحيطة بالسيسي، هي التي شجعته على اتخاذ ذلك القرار..
كما أنّ هناك حالة من عدم الرضا داخل المؤسسة العسكرية بسبب اتخاذ القرار، إذ أن القوات المسلحة ستكون المتضرر الأكبر على المستوى الشعبي إذا جرى تنفيذه. وأوضحت المصادر أنّ هناك حالة من التململ وعدم الرضا تتنامى في الشارع تجاه أفراد القوات المسلحة، بسبب ما يتردد من حماية الجيش للسيسي ودعمه في القرارات التي أغضبت الطبقات الفقيرة من المصريين، ولا سيما تلك المتعلقة بزيادة الأسعار، وإزالة المباني المخالفة، وتلويح السيسي في أكثر من مناسبة بدعم الجيش لكافة قراراته.
كذلك فحالة عدم الرضا، التي ترتفع للغضب أحياناً، لدى المؤسسة العسكرية، تكمن في كون إعلان السيسي عن خطوة زيارة سعر الخبز المدعوم، في 3 أغسطس، جاء خلال مناسبة متعلقة بالقوات المسلحة، وهي افتتاح المدينة الغذائية المملوكة للجيش، والخاصة بإنتاج سلع غذائية موجهة للسوق المصري.
وبحسب خبراء، فحالة الربط بين التلويح بالعصا الغليظة للقوات المسلحة، والقرارات المثيرة للغضب الشعبي، تضع المؤسسة العسكرية في وضع حرج. ولعل تلك الوضعية من الغضب بالقوات المسلحة، هي ما وقفت وراء مسارعة السيسي للاجتماع بقيادات عسكرية وإطلاق مشروع اسناد التغذية المدرسية لجهاز الخدمة الوطنية بتكلفة مقدارها 7,7 مليار جنية سنويا، شراء لصمت المؤسسة العسكرية لتمرير قرار زيادة الخبز.
خاتمة
قد لا يمر وقت طويل حتى تكشف الأحداث المتسارعة في بر مصر المضطرب منذ اندلاع ثورة يناير عن أن التكلفة الاجتماعية والسياسية لقرار الجنرال عبد الفتاح السيسي بزيادة سعر رغيف الخبز المدعم، إذا طبقه، كانت فأرفة ومؤثرة في الأحداث اللاحقة. ليس لأهمية الخبز المدعم أو العيش عند غالبية المصريين فحسب، ولكن لتوقيت اتخاذ القرار الذي يتزامن مع تردي الحالة الاقتصادية التي يعيشها عموم المصريين بفعل الأداء الاقتصادي المتردي وتداعيات أزمة كورونا.
قد يقوم النظام بتخفيض دعم رغيف الخبز بزيادة السعر إلى عشرة قروش أو بتخفيض عدد الأرغفة المخصصة للفرد إلى 4 بدلا من خمسة، أو بحذف مزيد من مستحقي دعم الخبز، أو بهم جميعا، لتوفير مبلغ 8 مليارات جنيه خصما من موازنة دعم الخبز البالغة 50 مليار جنيه لاستخدامها في تغذية أطفال المدارس، لكن رد الفعل الشعبي قد يفوق التوقعات.
فهذه المرة لن يكون توقيت زيادة سعر رغيف الغلابة مناسبا أبداً. فمعاناة المصريين من الفقر زادت بسبب فشل الأداء الاقتصادي، أو ما يطلق عليه “الإصلاح الاقتصادي” من باب الخداع كما يطلق على تخفيض الدعم ترشيدا وإعادة هيكلة. وبسبب تداعيات جائحة كورونا المستجد الذي يفتك بالحياة منذ مطلع العام الماضي.
كما وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 7.4% من إجمالي قوة العمل في الربع الأول من هذا العام نتيجة الموجة الثانية للجائحة التي بدأت في شهر يناير الماضي، وفق بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إضافة إلى فقدان 2 مليون عامل يعيلون 10 ملايين مواطن، وظائفهم.
منافسة محتملة بين جمال والسيسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة 2024
في اطار الأوضاع المأزومة بمصر، على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، جاء التسريب المقتضب …