«مدينة الأمل».. بين مآرب السيسي ومآلات سياساته المتوحشة

 

 

في صباح الثلاثاء 31 أغسطس 2021م، أبرزت الصحف الرسمية الحكومية توجيهات الجنرال عبدالفتاح السيسي بشأن إقامة مجمع حديث متكامل للورش الحرفية في «مدينة الأمل الجديدة» (عزبة الهجانة سابقا) بحيث يضم وحدات حرفية متخصصة للسكان، مزودة بجميع الخدمات اللازمة كتطوير شامل للمنطقة، في إطار استعراض سير العمل بمجموعة شبكة الطرق والمحاور في شرق القاهرة، فضلا عن جهود استغلال الأراضي على جانبي محور “شينزو آبي”.[[1]]

وتناولت الصحف الحكومية الثلاث (الأهرام ـ الأخبار ـ الجمهورية) بخلاف الصحف الخاصة التي كانت مملوكة لبعض رجال الأعمال وتمكن جهاز المخابرات من الهيمنة على معظم أسهمها تصريحات السيسي خلال اجتماعه يوم الإثنين 30 أغسطس مع اللواء أمير سيد أحمد، مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، واللواء مجدي أنور، رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق، واللواء أ.ح إيهاب الفار، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واللواء أ.ح أحمد إسماعيل، مساعد رئيس الهيئة الهندسية لمشروعات شرق القناة، واللواء أحمد فودة، مساعد رئيس أركان حرب القوات المسلحة لمشروعات الهيئة الهندسية، واللواء أشرف العربي، رئيس المكتب الاستشاري الهندسي بالهيئة الهندسية، والعميد عبد العزيز الفقي، مساعد رئيس الهيئة الهندسية لتصميمات الطرق.

«مدينة الأمل».. بين مآرب السيسي ومآلات سياساته المتوحشة

اجتماع السيسي مع هذه النخبة العسكرية تناول ثلاثة ملفات:

  • الأول، هو إقامة مجمع حديث متكامل للورش الحرفية في «مدينة الأمل الجديدة» وهي التي كانت تسمى بعزبة الهجانة سابقا وجرى تغيير الاسم  بدعوى التطوير ولأهداف دعائية بحتة يسعى النظام إلى الترويج لها.
  • الثاني، متابعة الموقف التنفيذي لشبكة المحاور والطرق الجديدة.
  • الثالث، مشروع استصلاح الأراضي في شمال سيناء ووسطها.

مضامين الدعاية الحكومية

ويعطي حسن عمار، نائب البرلمان وعضو لجنة الشئون الاقتصادية بالمجلس، لتوجيهات السيسي بعد آخر، مدعيا أن التوجيه بإقامة مجمع متكامل للورش الحرفية في مدينة الأمل “عزبة الهجانة” سابقا، يأتي في إطار منظومة بناء الإنسان المصري، ويعكس ايضًا حرص الدولة على تحسين معيشة المواطنين بشكل عام ومحدودي الدخل والبسطاء بشكل خاص وذلك لإيمانه بأن المواطن المصري يستحق العيش بحياة كريمة.

من جهة ثانية فإن عهد السيسي ــ بحسب النائب ــ يشهد طفرة غير مسبوقة في القضاء على العشوائيات والنهوض بالحياة والمجتمع، والدليل على ذلك هو القضاء على المناطق الخطرة وغير الآمنة كتل العقارب، وعزبة الهجانة وغيط العنب، وبطن البقرة، وعدد من المناطق التي كانت تمثل بؤرا خطرة وغير آمنة.

من جهة ثالثة،  فإن إقامة مجمع الورش الحرفية دليل على جهود الدولة المصرية التي لم تقتصر على بناء المدن السكنية وشبكة الطرق والكباري المحيطة فحسب، بل امتدت لتشمل إقامة المجمعات الصناعية التي توفر فرص عمل، فضلا عن تطبيق منظومة التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الذي ساهم في تقليل الخطأ البشري والقضاء على الصعوبات وتحسين الأداء داخل الهيئات الحكومية، وهو ما ينعكس على المزيد من التنمية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

ومن جهة رابعة، فإن القيادة السياسية  ــ بحسب نائب البرلمان ـ وضعت استراتجية خلال 10 سنوات للانتهاء من كافة المناطق غير المخططة وبحلول عام 2030 لن يكون هناك مناطق غير مخططة أو أسواق عشوائية في مصر، مؤكدًا أن الدولة المصرية شهدت خلال السنوات الماضية ثورة في مجال البناء والتعمير غير مسبوقة، ويرجع ذلك إلى توجيهات القيادة السياسية في بناء المدن الحديثة وتنفيذ مشروعات وطرق وكباري تربط كافة المحاور والمدن الرئيسية ببعضها، هو الأمر الذي أعادت الكادحين إلى الحياة ويحقق العدالة الاجتماعية التي وردت في كافة الدساتير والمواثيق الدولية.[[2]]

قراءة مغايرة

«مدينة الأمل».. بين مآرب السيسي ومآلات سياساته المتوحشة

في المقابل فإن هناك قراءة مغايرة تتلخص في التأكيد على أن مشروع تطوير عزبة الهجانة “مدينة الأمل الجديدة” هي برهان جديد على مدى عسكرة مصر من الألف إلى الياء، فقد كان من اللافت في اجتماع السيسي بشأن مدينة الأمل الجديدة أن كل الحاضرين لهم خلفية عسكرية (السيسي + 6 لوءات + عميد)، الأمر الذي يعكس حجم العسكرة التي جرت لمصر خلال سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، فلم يعد للمدنيين وجود حتى لو كان شكليا كما كان الوضع في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، إلا في أضيق الحدود، حيث يحتفظ النظام بعدد من المناصب القليلة للمدنيين بشرط ألا تكون مؤثرة في صناعة القرار الذي يهيمن عليه فعليا ما تسمى بالأجهزة السيادية (الجيش ــ المخابرت العامة والحربية ــ الأمن الوطني).

الأمر الآخر، أن كل هذه المشروعات باتت تسند إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بعيدا عن قانون المناقصات والمزايدات الذي جرى تعديله لتسهيل سيطرة الجيش على مفاصل الاقتصاد المصري كله. وبحسب الباحث والمحلل السياسي ماجد مندور في تحليل له بموقع “صدى” التابع لمعهد كارنيجي لدراسات السلام فإن السيسي يعطي الأولوية لمشاريع البنى التحتية الواسعة النظام بهدف حشد الدعم؛ غير أن هذه المشاريع تعزز قبضة القوات المسلحة على الاقتصاد ولا تقدم أي منافع اقتصادية واسعة وملموسة، رغم الديون المستفحلة.[[3]] فالسيسي لا يبالي بأن هذه المشروعات العملاقة بلا جدوى ولا تزيد الدخل القومي لأنه مهووس بالمدن الجديدة، فهذا جسر روض الفرج الذي جرى افتتاحه في 15 مايو 2018م، وتولّت تشييده الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. وجرى تضخيمه دعائيا باعتباره الجسر المعلّق الأكبر في العالم، وصوّرته آلة السيسي الإعلامية بالإنجاز الذي تحوّل إلى “حديث العالم بأسره”.وهذا مسجد الفتاح العليم أكبر مسجد في مصر والمنطقة وهذه أكبر كاتدرائية في البلاد. وهذا مبنى التكتاجون (مقر وزارة الدفاع المصرية) وهو أكبر من مبنى البنتاجون الأميركي، وقصر الرئاسة في العاصمة الإدارية أضعاف البيت الأبيض الأميركي.  وتشمل هذه المشاريع أيضاً بناء البرج الأطول في أفريقيا والمتحف الأكبر في العالم  (المتحف المصري الكبير)المخصّص لحضارة واحدة والذي تكلف نحو مليار دولار، رغم عدم الحاجة إليه حاليا في ظل جمود حركة السياحة بسبب تداعيات انتشار جائحة كورونا.

من جانب ثالث، فإن الأمر لم يتجاوز حدود التوجيهات ورغم ذلك راحت الآلة الإعلامية للنظام تتحدث عن جدوى المشروع وتوفير فرص العمل لعدة مئات من أهالي المنطقة. رغم أن تجارب النظام مع مثل هذه النوعية من المجمعات الصناعية بالغة الفشل؛ ولعل أبرز نموذج على ذلك هو «مدينة دمياط للأثاث»، والتي وضع إبراهيم محلب، رئيس الحكومة السابق” حجر الأساس لها في مايو 2015 برفقة وزير التنمية المحلية وقتها عادل لبيب، لكن الجنرال تغاضى عن ذلك وقام بوضع حجر الأساس مرة أخرى في مايو 2017. ورغم تشغيل المدينة فإنها لم تساهم في حل مشكلة الكساد بسوق الأثاث أو خدمة صغار الصناع، والذي نجم عنه احتلال محافظة دمياط المركز الأول في نسبة البطالة بين محافظات مصر عام 2020 حسب جهاز الإحصاء الرسمي.[[4]]

من جانب رابع،  فإن الهدف من مشروع تطوير «عزبة الهجانة» تحت مسمى «مدينة الأمل الجديدة» هو دعاية مضادة من جانب النظام ومحاولة للتغطية على عمليات التهجير القسري التي تتم بحق أهالي نزلة السمان بالهرم حاليا،[[5]] والتهجير القسري الذي جرى بحق أهالي مدينة رفح بشمال سيناء والتي جرى مسحها تماما من الخريطة، بهدف تجريف الحدود الفاصلة مع قطاع غزة لتشديد الحصار على القطاع لتركيع المقاومة أمام الاحتلال الصهيوني. كما تم أيضا تهجير أهالي ماسبيرو وجزيرة الوراق.

من جهة خامسة، فإن مشروع مدينة الأمل هو مجرد نموذج يراد تسويقه والدعاية له كجزء من الدعاية السياسية للنظام، لخلق نموذج نجاح وسط أكوام من النماذج الفاشلة في كافة قطاعات الدولة. ولشرح ذلك فإن يتعين التنويه إلى أن «مدينة الأمل» هو الاسم الجديد لعزبة الهجانة سابقا، حيث طلب السيسي من محافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال، تغيير الاسم في فبراير 2021م في أعقاب زيارته للمنطقة برفقة مصطفى مدبولي رئيس الحكومة واختيارها لتكون نموذجا للتطوير[[6]] ثم خلق حالة بروباجندا إعلامية حولها حتى تكون نموذج نجاح يمكن توظيفه للدعاية سياسيا للنظام.

مآرب النظام

«مدينة الأمل».. بين مآرب السيسي ومآلات سياساته المتوحشة

الهدف من وراء ذلك هو الرد على الانتقادات التي تبثها وسائل الإعلام المعارضة للنظام والتي تثير كثيرا من الشبهات والشكوك القوية حول ما تسمى بمشروعات السيسي التي يصفها إعلامه بالمشروعات القومية العملاقة، والتي تتركز في بناء نحو 14 مدينة جديدة على رأسها العاصمة الإدارية الجديدة التي يصل حجم الإنفاق عليها نحو 48 مليار دولار في ظل أزمة اقتصادية طاحنة وتوسع في الاستدانة وفرض الضرائب الباهظة على المواطنين. وهناك أيضا مدينة العلمين الجديدة والتي يتم بناء قصر رئاسي بها يفوق البيت الأبيض الأميركي والتي تعتبر مصيف الحكومة لقربها من السحل الشمالي حيث يفضل رموز النظام قضاء الصيف فيه؛ لامتلاكهم فيللا وقصورا فخمة وشاليهات كبيرة هناك؛ وبالتالي فإن العلمين الجديدة هي مقر الحكومة الصيفي بينما ” العاصمة الإدارية” هي مقر الحكومة الشتوي والدائم. وهذه المشروعات الضخمة لم يستفد منها الشعب شيئا، بل هي لخدمة طبقة الحكم وأثرياء البلد، لدرجة أن السيسي قد تعاقد على مشروع القطار الكهربي الذي يبدأ من العين السخنة بالقرب من مدينة السويس لينتهي في مدينة مرسى مطروح غرب البلاد والذي يتكلف نحو 30 مليار دولار للربط بين العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة مرورا بالقاهرة والجيزة والإسكندرية وصولا إلى مرسى مطروح. أمام هذه الانتقادات اختار النظام عدة مناطق عشوائية لتطويرها من أجل توظيفها دعائيا بأن النظام يهتم بالفقراء والمهمشين وينفق على تطوير مناطقهم كما ينفق على بناء مدن رجال الحكم الجديدة. فجرى اختيار مناطق عزبة الهجانة “الأمل الجديدة” وتل العقارب وغيط العنب بالإسكندرية وبطن البقرة.

ويبرهن على أن النظام يصنع نماذج صغيرة من النجاح للتغطية على فشله عدة شواهد:

  • أولا، في ذات اليوم الذي امتلأت فيه صحف الحكومة بالدعاية لمجمع الورش الحرفية بمدينة الأمل الجديدة (الثلاثاء 31 أغسطس 2021م)، كانت الآلة الإعلامية للنظام تسوق لنموذج نجاح أمني رغم الفشل المتواصل في هذا الملف. حيث نظمت الآلة الإعلامية للنظام حملة دعاية ضخمة صاحبت إعلان وزارة الداخلية عن تحرير الطفل زياد أحمد البحيري من يد خاطفيه (عصابة مسلحة من ثلاثة أفراد) على تخوم مدينة المحلة؛ هذه البروباجندا الإعلامية الضخمة التي صاحبت عملية تحرير الطفل من خاطفيه رغم أن عشرات الأطفال يخطفون كل يوم ويتم الإبلاغ عنهم دون أي تحرك جاد من أجهزة نظام الانقلاب الأمنية تثير كثيرا من الشكوك والتساؤلات. فلماذا هذه الحادثة بالذات جرى التعامل معها على هذا النحو المغاير؟! الأمر الآخر أن عملية الخطف نفسها عليها علامات استفهام؛ لأن الوزارة يبدو أنها كانت تعلم بخطوات الخاطفين من الألف إلى الياء وكأنه مشهد تمثيلي وليس عملية اختطاف حقيقية؛ والبرهان على ذلك أن العملية جرى تصويرها بالكاميرات وبثت الداخلية مقاطع من فيلم دعائي لعملية تحرير الطفل وسط زفة إعلامية كبرى تستهدف بكل تأكيد التغطية على فشل الوزارة في تحقيق الأمن للوطن والمواطنين، لأن عشرات الأطفال وحتى البالغين المخطفوين كل يوم يتم تجاهلهم ولا تتحرك الداخلية إلا بعد فترة يكون الخاطفون قد تمكنوا بالفعل من الاختباء والتخفي؛ فلماذا جرى التحرك على هذا النحو مع هذه الحالة بالذات؟!
  • ثانيا، الدعاية لمشروع “مبادرة حياة كريمة” في 30 يونيو 2021م، ثم احتفالية ضخمة في استاد القاهرة في 15 يوليو؛ والزعم بأنها تتضمن تحديث جميع جوانب الحياة لعدد 4584 قرية فى جميع المحافظات، تضم 58٪ من إجمالى سكان مصر، وبتكلفة تقديرية نحو 700 مليار جنيه. وهي المبادرة التي استهدف النظام بها ترميم شعبية الجنرال المتآكلة. والمبالغة في الدعاية للمبادرة قد يكون بهدف التكفير عن خطيئة هدم بيوت المصريين ومساجدهم في القرى والأرياف خلال سنة 2020م بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون؛ الأمر الذي زاد من منسوب الغضب الشعبي إلى مستويات خطيرة تجلت في انتفاضة الريف في سبتمبر 2020م. وبالتالي فإن الهدف من هذه الحملة هو ترميم شعبية الجنرال والزعم بأنه باني “الجمهورية الجديدة”.
  • ثالثا، أطلق السيسي يوم السبت 24 يوليو 2021م توجيهاته بترميم المقامات والأضرحة، وأمر بمتابعة «جهود ترميم وتجديد مقامات وأضرحة آل البيت، خاصةً أضرحة السيدة نفيسة والسيدة زينب وسيدنا الحسين” والتوجيه كذلك بتطوير كافة الطرق والميادين والمرافق المحيطة والمؤدية إلى تلك المواقع» باهتمام إعلامي كبير يومها.[[7]] وهو التوجيه الذي جرى توظيفه إعلاميا من أجل محاولة ترميم شعبية السيسي المتآكلة في أعقاب حربه على المساجد وهدم العشرات منها في حملات همجية منتصف 2020م بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون في الوقت الذي كان قد توصل قبل سنوات إلى تسوية مع قيادات الكنائس في مصر(جرى سن قانون رقم 80 لسنة 2016) لتقنين أوضاع آلاف الكنائس  المخالفة؛ فلماذا يقنن الكنائس المخالفة ويهدم المساجد؟!

معنى ذلك أن النظام يطلق مبادرة بناءة حتى لو توقفت عند مستوى الدعاية والمبالغة في تسويقها بهدف مواجهة الانتقادات الحادة التي يتعرض لها، فالمبالغة في الدعاية لتحرير طفل المحلة للتغطية على الفشل الأمني الذي يركز فقط على حماية النظام وليس المجتمع. ومبادرة “حياة كريمة” في مقابل هدم مئات من بيوت المواطنين بدعوى أنها مخالفة. ومبادرة “ترميم المقامات والأضرحة،  في مقابل هدم عشرات المساجد. ومبادرة تطوير العشوائيات في مقابل الانتقادات التي توجه للمدن الجديدة باعتبارها تلتهم أموال البلد من جهة ولا تخدم سوى الأثرياء من جهة ثانية، وليس لها أي جدوى اقتصادية من جهة ثالثة، وكان الأولى أن توجه هذه الأموال التي ينفقها السيسي على مشروعاته الضخمة العملاقة على مشروعات إنتاجية تزيد الإنتاج والدخل القومي وتوفر الملايين من فرص العمل.

وحتى ندرك حجم الجريمة التي يرتكبها السيسي ونظامه فإن السيسي يتباهى بأنه نفذ مشروعات وحقق إنجازات لم تحدث في 60 سنة لكنه يتجاهل أنها مشروعات بلا جدوى اقتصادية ولم تفض إلى زيادة الدخل القومي أوقدرات مصر الإنتاجية ولم تنعكس إيجابا على مستويات معيشة  المصريين التي تدهورت بفعل السياسيات الاقتصادية النيوليبرالية المتوحشة والتي تمثل ترجمة حرفية لإملاءات صندوق النقد الدولي. كما يتجاهل أن كل المشروعات التي ينفذها السيسي تمت بالقروض الضخمة التي تقيد  مصر وتكبلها لعقود قادمة ويكفي أن ديون مصر الخارجية ارتفعت من 43 مليار دولار في 30 يونيو 2013م إلى 134 مليار دولار في مارس 2021م بحسب بيانات البنك المركزي المصري. وقد اعترف السيسي أنه أنفق 6 تريليونات جنيه على هذه المشروعات[[8]]، ورغم ذلك زادت مستويات الفقر وتراجعت قيمة العملة المحلية وتشهد البلاد منذ نوفمبر 2016م موجات متتابعة من الغلاء  الفاحش طالت جميع السلع الأساسية والخدمات الضرورية مثل الغذاء والوقود والمياه والكهرباء ورسوم استخراج الوثائق الحكومية والتي ارتفعت بنسب جنونية تصل إلى (500%). ورغم ذلك، يبالغ السيسي وآلته الإعلامية في الدعاية لمشروعاته  حتى لو كانت معدومة أو ضعيفة العائد.

وحول انعكاسات تبني نظام السيسي العسكري لهذه السياسات المالية والاقتصادية على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، يتوقع “خبراء” أن تفضي هذه المقاربة إلى آثار خطيرة في المدى الطويل تذهب أبعد من الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن العادي، إذ إنه من المحتّم أن يصبح هذا النظام أكثر قمعاً وسلطوية فيما يستمر في فرض سياساته القاسية. وهذا بدوره سيغذّي صعود المقاومة العنيفة للدولة. وينتهي إلى أن هذه المقاومة حتى وإن لم تتبلور إلى إطار حركة سياسية متماسكة، فلا بد من أن يتفاقم مستوى العنف الاجتماعي، ما يفضي إلى تداعيات مزعزعة للاستقرار في المدى الطويل. فضلاً عن ذلك، يؤدّي توسّع الأعمال والشركات المملوكة من الجيش إلى زيادة الضغوط على القطاع الخاص الاقتصادي فيما يسعى جاهداً للتنافس مع العملاق العسكري. وسوف تكون لهذا الأمر تأثيرات بنيوية طويلة الأمد على الاقتصاد والمنظومة السياسية، وهي تأثيرات يصعب العودة عن مفاعيلها وسوف تستمر على الأرجح إلى ما بعد السيسي ونظامه.[[9]]

 

 

[1] شادى عبدالله زلطة/ مجمع متكامل للورش الحرفية فى مدينة الأمل.. السيسى: التنسيق بين أجهزة الدولة فى مشروع استصلاح ٢٧٠ ألف فدان بسيناء/ مانشيت الأهرام اليومي ــ الثلاثاء 31 أغسطس 2021م//توجيه الرئيس بإقامة مجمع متكامل للورش الحرفية بـ “مدينة الأمل” يتصدر عناوين الصحف/ مصراوي ــ الثلاثاء 31 أغسطس 2021// وائل فايز/ خطة تطوير غير مسبوقة تشهدها مدينة الأمل «عزبة الهجانة سابقا»/ الوطن ــ الإثنين 08 مارس 2021

[2] نائب: مجمع الورش الحرفية بمدينة الأمل يعكس جهود الدولة لتوفير حياة كريمة لقاطنيها/ المصري اليوم ــ الخميس 2 سبتمبر 2021م

[3] ماجد مندور/ مشاريع السيسي الكبرى العقيمة/ صدى التابع لمعهد كارنيجي لدراسات السلام ــ 06 أغسطس 2019م

[4] ممدوح الولي/المواطن المصري يدفع تكلفة عشوائية القرارات الاقتصادية/ عربي بوست ــ 16 يوليو 2021م

[5] مصريون ينتقدون تهجير أهالي نزلة السمان: “رفح وماسبيرو والوراق”/ العربي الجديد ــ 01 سبتمبر 2021

[6] محمد أبو عمرة/ السيسي يطلق اسم «مدينة الأمل» على عزبة الهجانة.. ويتابع إنشاء الحي الدبلوماسي/ الوطن ــ الإثنين 15 فبراير 2021// محافظة القاهرة توافق على تغيير اسم عزبة الهجانة لمدينة الأمل/ مصراوي ــ الثلاثاء 16 فبراير 2021

[7] محسن سميكة/تجديد وترميم أضرحة ومقامات «آل البيت»/ المصري اليوم ــ الأحد 25 يوليو 2021م

[8] مشروعات بـ6 تريليونات جنيه في عهد السيسي تؤهل مصر للجمهورية الجديدة/ الوطن ــ الجمعة 16 يوليو 2021م

[9] ماجد مندور/ مصر.. حرب السيسي على الفقراء/ مركز كارنيجي ونشر بموقع «open democracy» ترجمة موقع الخليج الجديد الجمعة 2 أكتوبر 2020

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022