في المقال السابق عن “أزمة الغاز في مصر” استنتجنا أن الأزمة نتجت عن سياسات فاشلة وإدارة متهورة لموارد البلاد. بدلاً من توجيه الاستثمارات نحو تطوير البنية التحتية وزيادة الإنتاج الداخلي، فضّل النظام الحالي التعاقدات الخارجية والتصرفات القصيرة الأجل، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
نستمر الآن في بحثنا لتحديد أسباب وتداعيات أزمة الكهرباء في مصر، والعلاقة بينها وبين أزمة الغاز، بهدف تقديم الحقائق للجمهور الكريم.
أولاً: الإحصائيات
وفقًا لبيانات شركة Ember لأبحاث المناخ والطاقة لعام 2023، توزيع إنتاج الكهرباء في مصر كالتالي:
الغاز: 168.40 تيراوات ساعة (83.80%)
أنواع الوقود الحفري الأخرى: 8.63 تيراوات ساعة (4.29%)
طاقة مائية: 14.03 تيراوات ساعة (6.98%)
طاقة شمسية: 4.75 تيراوات ساعة (2.36%)
طاقة الرياح: 5.14 تيراوات ساعة (2.56%)


https://ember-climate.org/countries-and-regions/countries/egypt
يعتمد إنتاج الكهرباء في مصر بشكل أساسي على الغاز، مما يجعل أي خلل في قطاع الغاز يؤدي إلى نقص في الكهرباء. كما أوضحنا في تقرير سابق، فإن سوء التخطيط والإدارة في قطاع الغاز أدى إلى تحول مصر من حالة اكتفاء إلى حالة عجز.
كذب الحكومة واخفائها لحقيقة الأزمة
أشارت وزارة الكهرباء المصرية على أنه بالطبع يوجد الكثير من الأسباب التي قد أدت إلى زيادة عدد ساعات تخفيف الأحمال خاصة خلال الأسبوع الحالي والتي تتمثل فيما يلي:
- زيادة الاستهلاك اليومي من المواطنين نتيجة تشغيل المكيفات نظرا لموجة الحر الشديدة التي تتعرض لها البلاد.
- المعاناة من النقص في الوقود الذي يتم توريده إلى محطات توليد الكهرباء.
- قيام البعض بسرقة التيار الكهرباء مما يؤدي إلى زيادة الأحمال بدون مقابل.
- كما أكدت الحكومة أن ثبات سعر الكهرباء يعتبر من بين أسباب إنقطاع الكهرباء في مصر الأساسية الذي يؤدي إلى انقطاعها.
ولم تذكر الحكومة ابداً أن أزمة الكهرباء سببها أزمة أخرى في قطاع إنتاج الغاز
دور الغاز الاسرائيلي في تخفيف أزمة الكهرباء
تجنب ذكر اسم إسرائيل أثار تساؤلات حول الشفافية والإستراتيجية المصرية بشأن مدى اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي، الذي قدره بعض المتخصصين بنحو 18%، وكجزء من استراتيجية الحكومة بعدم إثارة الرأي العام الذي يشعر بغضب شديد تجاه أزمة انقطاع الكهرباء من جهة، وتجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من جهة أخرى.
وفي مقابلة لموقع الجزيرة نت مع الباحث المتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية خالد فؤاد، فقد قال إن “هناك تغيرا كبيرا في وضع الطاقة بمصر، يتمثل في توجيه وارداتها من الغاز الإسرائيلي إلى السوق المحلي بالكامل، بدلا من إعادة تصديرها مرة أخرى، بسبب انخفاض إنتاج حقل ظهر الذي يؤمن 40% من إنتاج مصر”.
هذا التحول أثار، حسب تصريحات فؤاد للجزيرة نت، تساؤلات بشأن مدى اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي في الوقت الراهن، وكم يمثل من الاستهلاك المحلي، وبالعودة إلى حجم واردات مصر من الغاز الإسرائيلي البالغ 1.1 مليار قدم مكعب يوميا، وحجم الاستهلاك المحلي البالغ حوالي 6.1 مليار قدم مكعب، فإنه يشكل حوالي 18% من الاستهلاك الإجمالي.
وتوقع أن ترتفع تلك النسبة بناء على آخر اتفاقية لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلية لمصر إلى 1.5 مليار قدم مكعب يوميا، أي ما يمثل تقريبا من 20% إلى 25% من احتياجات البلاد من الغاز، مشيرا إلى أن هذا الوضع يمثل خطرا على أمن الطاقة المصري بسبب أبعاده الجيوسياسية، واستخدام الغاز كأداة سياسية للضغط على مصر.
محاولات الحكومة لحل أزمة الغاز بأي ثمن
- أرست مصر عطاء لشراء 17 شحنة من الغاز الطبيعي المسال للتسليم خلال الصيف، وذلك بعلاوة 1.6-1.9 دولار عن السعر القياسي لمنصة تجارة الغاز الهولندية. كما استأجرت سفينة التغويز النرويجية لتحويل الغاز المسال المستورد إلى غاز طبيعي وضخه في نظام الغاز المحلي.
ختاما، هذا الوضع يشكل خطراً على أمن الطاقة المصري بسبب أبعاده الجيوسياسية، واستخدام الغاز كأداة سياسية للضغط على مصر.