انتخابات المغرب وأزمة العدالة والتنمية

 

أُجريت الانتخابات التشريعية المغربية يوم الأربعاء 8 سبتمبر، وهي الانتخابات الثالثة من نوعها منذ صدور الدستور المغربي الجديد، وذلك بعد انتخابات عامي 2012 و2016. كما أنها الانتخابات الخامسة في عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس. ووفقًا للنظام الانتخابي في المغرب، لا يمكن لحزب واحد الفوز بأغلبية مطلقة، الأمر الذي يجبر الفائزين على الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومات ائتلافية ما يحد من النفوذ السياسي للأحزاب. وكانت كل السلطات التنفيذية في يد الملك حتى عام 2011، عندما وافق الملك محمد السادس على تحويل الحكم في البلاد إلى ملكي دستوري في خضم انطلاق المظاهرات والاحتجاجات في المنطقة فيما عُرف بالربيع العربي.

وعلى الرغم من تخلي الملك عن بعض سلطاته كجزء من الإصلاحات الدستورية، إلا انه مازال أقوى شخصية في البلاد وهو الذي يختار رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات، والذي سيشكل بعد ذلك الحكومة ويقدمها للملك للموافقة عليها. وللقصر الكلمة الأخيرة في التعيينات المتعلقة بالإدارات الرئيسية بما في ذلك الداخلية والشؤون الخارجية والدفاع. كما أن القصر يحدد أيضًا الأجندة الاقتصادية في ذلك البلد. ويرأس الملك المجلس القضائي والجهاز الأمني، كما أن بعض المناصب الرئيسية مثل وزير الداخلية يشغلها تكنوقراط يعينهم الملك. فماذا كانت نتائج الانتخابات؟ وما هو موقف الأحزاب منها؟ ومن هم الفائزون؟ وكيف تشكَّلت أزمة حزب العدالة والتنمية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها..

نتائج الانتخابات وموقف الأحزاب منها:

قالت وزارة الداخلية في بيان لها أن حزب التجمع الوطني للأحرار تصدر الانتخابات البرلمانية بحصوله على 97 مقعد، بعد فرز 96% من الأصوات، يليه حزب الأصالة والمعاصرة برصيد 82 مقعد، وجاء في المركز الثالث حزب الاستقلال بحصوله على 78 مقعد بينما حصل حزب الاتحاد الاشتراكي على 35 مقعد. وحل في المرتبة الخامسة حزب الحركة الشعبية بـ 26 مقعد، ثم التقدم والاشتراكية بـ 20 مقعد، وفي المركز السابع جاء الاتحاد الدستوري بـ 18 مقعد، بينما حل حزب العدالة والتنمية في المركز الثامن بـ 12 مقعد. وأضاف بيان وزارة الداخلية المغربية أن نسبة التصويت بلغت 50.35%، وهي نسبة تفوق نظيرتها في انتخابات 2016. وتظهر نتائج هذه الانتخابات تحولًا هائلًا في الحظوظ بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية حيث حصل الأول على 37 مقعد فقط في انتخابات عام 2016، بينما حصل الثاني حينئذ على 125 مقعد.

وكان حزب العدالة والتنمية قد شكا في وقتٍ سابق من “مخالفات خطيرة” أثناء التصويت، حيث اتهم منافسيه بشراء الأصوات. وقال الحزب: “نحن قلقون للغاية ونحن نراقب تقدم الانتخابات الوطنية، لقد شهدنا العديد من المخالفات”. ومن جانبه، وصف عزيز أخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار اتهامات حزب العدالة والتنمية بأنها “اعتراف بالفشل”. كما قال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت إن التصويت جرى “في ظروف طبيعية” باستثناء بعض الحوادث المنفردة. وقد قدَّم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين عثماني استقالته من زعامة الحزب، بعدما فشل رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، في الاحتفاظ بمقعده البرلماني عن دائرة “الرباط المحيط” بالعاصمة.

وجاءت الاستقالة بعد أن دعا لها عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب إثر “هزيمة مؤلمة” للحزب في الانتخابات البرلمانية. وكان بنكيران قد هاجم أخنوش، في مقطع فيديو ناري على فيسبوك عشية الانتخابات. وقال بنكيران: “رئيس الحكومة يجب أن يكون شخصية سياسية نزيهة وفوق الشبهات”. ورد أخنوش، الذي يُقال أنه مُقرَّب من القصر الملكي، بأن الهجمات كانت “اعترافًا بالفشل” من قِبل خصومه، وتعهد بعدم الرد.[1]

من هم الفائزون؟

انتخابات المغرب وأزمة العدالة والتنمية

تحوَّل حزب التجمع الوطني للأحرار من كونه عضوًا صغيرًا في الائتلاف الحاكم السابق إلى الحزب الرائد في الائتلاف الجديد. ويُعد هذا الحزب الذي يتزعمه رجل الأعمال الملياردير عزيز أخنوش أقل محافظة من العدالة والتنمية، وبالتالي فهو أقرب إلى الملك محمد السادس. وتأسس هذا الحزب في عام 1978، ويتألف من رجال الأعمال والتكنوقراط وموظفي الخدمة المدنية رفيعي المستوى. ونجحت حملة الحزب في استمالة الناخبين تحت شعار “أنت تستحق الأفضل”، مكتوبًا باللهجة المغربية بدلًا من العربية التقليدية.

وكان أخنوش وزيرًا للزراعة والثروة السمكية خلال فترة عضويته في الائتلاف الحكومي. ووفقًا لمجلة فوربس، تبلغ ثروة أخنوش ملياري دولار وقد جمعها من العمل في مجالات الطاقة والبنوك والعقارات والسياحة. كما أن زوجته، إدريسي أخنوش، سيدة أعمال قوية حيث أسست وأدارت مجموعة أكسال التي تسيطر على 50% من موروكو مول، أحد أكبر سلاسل مراكز التسوق في إفريقيا. وكتب إسامبارد ويلكنسون تقريرًا في صحيفة التايمز البريطانية قُبيل الانتخابات المغربية، بعنوان “عزيز أخنوش: رجل الملك الذي يهدف إلى الإطاحة بالإسلاميين في المغرب”.

ووصف الكاتب عزيز أخنوش بأنه صديق الملك المغربي محمد السادس، وقال إن “لحظة توليه رئاسة الوزراء قد حانت، وحزبه سيفوز في الانتخابات العامة. وبعد ذلك، يأمل الناس، أن ينثر سخاء على معقله السياسي (الساحل الجنوبي للمغرب)، ويمنح أهلها المدارس والمستشفيات والوظائف، وفي بعض الحالات المال لشراء الأحذية الجديدة التي هم في أمس الحاجة إليها”. ويشير الكاتب إلى أن “أداء المغرب كان جيدًا نسبيًا من الناحية الاقتصادية، لكن النمو بحاجة إلى أن يمتد إلى ما وراء المدن الكبيرة”. ويوضح الكاتب أن النقاد “يرون أن تغيير الحزب الحاكم لن يكون تغييرًا على الإطلاق.

ويشيرون إلى حقيقة أنه مهما كانت النتيجة، فإن الملك سيظل أعلى سلطة في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والدينية”. ويضيف الكاتب “يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليشير إلى أن هزيمة حزب العدالة والتنمية ستكون إلى حدٍّ ما أحد أعراض تراجع الإصلاحات التي أجراها الملك بعد الربيع العربي، والتي أعطت مزيدًا من الصلاحيات للبرلمان المنتخب والحكومة”. “وزاد نجاح أخنوش من التوترات الأسبوع الماضي، فيما اتهمه الإسلاميون وأحزاب أخرى بالإنفاق غير القانوني على حملته الانتخابية، ويتهم آخرون حزبه بأنه جزء من القوى التي روضت حزب العدالة والتنمية نيابةً عن الملك، ونجحت في المناورة للإطاحة بعبد الإله بنكيران، وهو شعبوي يتمتع بشخصية كاريزمية كان رئيسًا للوزراء قد شكَّل تهديدًا محتملًا للنظام الملكي وسلطته”، وفقًا للكاتب.[2]

أزمة حزب العدالة والتنمية:

انتخابات المغرب وأزمة العدالة والتنمية

بينما تتجه القراءات والتحليلات لنتائج الانتخابات المغربية إلى تفسير السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية بعدم الرضا الشعبي عن منجزات الحزب وأدائه ضمن الائتلاف الحكومي وعدم وفائه بتعهداته بتحسين الظروف المعيشية ومحاربة الفساد وغيرها من أمهات القضايا العالقة، فهناك قضايا أخرى تسببت في الأزمة الحالية التي يمر بها الحزب، وهي:

– إشكالية ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني:

والذي ساهم بشكلٍ كبير في زعزعة وحدة الحزب وتآكل قاعدته الشعبية. فعلى الرغم من أن توقيع المملكة المغربية اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني في 22 ديسمبر 2020 كان حدثًا صادمًا للرأي العام المغربي والعربي حينها؛ فإن تماهي حزب العدالة والتنمية المغربي ذي المرجعية الإسلامية مع هذا القرار ومشاركته فيه كان المفاجأة الكبرى والضربة الموجعة للأنصار والمؤيدين. فالحزب لطالما رفع الشعارات المناهضة للتطبيع منذ تأسيسه عام 1967، وشدد دائمًا على عدالة القضية الفلسطينية. وواجه العدالة والتنمية منذ ذلك الحين انتقادات حادة لتناقضه مع أدبياته ومبادئه التي قام عليها، حتى بدأ يتآكل رصيده المبدئي.

فيما عزا خبراء ومحللون ذلك إلى مجموعة الإكراهات والإملاءات التي فرضتها السياسة والبراغماتية على الحزب، حتى بات طرفًا مشاركًا في قرار التطبيع بعد أن كان قد أدان في أغسطس 2020 تطبيع دولة الإمارات العلاقات مع الكيان. ولكنه أقرن المصلحة الوطنية المُتمثلة في تعزيز مسار إنهاء النزاع المُفتعل حول الصحراء المغربية بإعادة فتح العلاقات مع الكيان الصهيوني، وعقب مراسم توقيع سعد الدين العثماني الاتفاقية صرح في لقاء تلفزي بأن الموقف لم يكن سهلًا عليه، وبدا كأنه يتحدث حينها بلغة اعتذارية، موضحًا موقفه وموقف المؤسسة الملكية ومركزًا على منجز الصحراء المغربية. ثم تلا ذلك بيان رسمي صادر عن حزب العدالة والتنمية في يناير الماضي يحذر فيه من مخاطر التطبيع على النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد، مؤكدًا مواقفه المبدئية الثابتة والراسخة ودعمه اللامشروط ومساندته القوية لكفاح الشعب الفلسطيني ونضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي.[3]

– أزمة داخلية قديمة:

لم يكن موضوع التطبيع وحده وراء تصدع البيت الداخلي للعدالة والتنمية، فالحزب عاش أزمة داخلية منذ إعفاء أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران. ففي مارس 2017، عين العاهل المغربي محمد السادس، العثماني (61 عام) رئيسًا للحكومة، خلفا لبنكيران (63 عام)، وضمت الحكومة أحزابًا كان الأخير يرفض مشاركتها ويعتبرها سبب إفشال تشكيل الحكومة بقيادته. ومنذ تشكيل الحكومة يعاني الحزب من خلافات حادة بين قيادته، لاسيما مع رفض برلمان الحزب في 26 نوفمبر 2017 مقترحًا لتعديل نظامه الداخلي، بما يسمح بترشح بنكيران لولاية ثالثة على رأس الحزب. ولم ينجح الحوار الداخلي الذي انطلق في 30 يونيو 2018، وحاول مقاربة الوضع العام في المغرب وقراءة المسار الذي سارت فيه المملكة منذ 2012 (تشكيل أول حكومة للحزب) وأداء الحزب السياسي بذلك المسار، في تجاوز الخلاف. وغاب بنكيران عن قائمة المشاركين في ذلك الحوار الداخلي الذي تميز بعقد أربع ندوات وطنية فضلًا عن 16 ندوة جهوية و57 ندوة إقليمية.[4]

ماذا بعد؟

من المُتوقع أن تُصعِّب قواعد التصويت الجديدة على الأحزاب الأكبر الفوز بأكبر عدد من المقاعد كما كان الحال سابقًا وبعد التغييرات في نظام التصويت هذا العام، وتعني أنه سيتم احتساب حصص الأحزاب من المقاعد على أساس الناخبين المسجلين، بدلًا من أولئك الذين أدلوا بأصواتهم بالفعل، في تعديل يُنظر إليه على أنه لصالح الأحزاب الأصغر. يعني ذلك أنه سيتعين على حزب التجمع الوطني للأحرار الدخول في محادثات ائتلافية لتشكيل حكومة. وغياب التحالفات قبل الإعلان عن النتائج يدل على غياب برامج قوية للأحزاب المشاركة. وبموجب الفصل 47 من الدستور سيتم تحديد رئيس الحكومة المغربية المقبلة من قِبل الملك من الحزب السياسي الذي تصدَّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، فيما يُعيَّن أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.

الخُلاصة؛

تمر المغرب اليوم بمُنعطف مفصلي؛ من شأنه أن يودي بكافة الإصلاحات السياسية التي شهدها المغرب بعد موجة الربيع العربي بالمنطقة خشية انتقال العدوى إليه. الأمر الذي يضع حزب العدالة والتنمية المغربي أمام ضرورة بلورة أطروحة جديدة للحفاظ على وحدته، والوصول إلى جواب واضح عن دوره في الحياة السياسية المغربية وعوائق المشاركة والإشكاليات التي يطرحها الوضع الحالي على مختلف الأصعدة وعلاقته بباقي الفاعلين. كما يحتاج الحزب إلى تقييم لمدى مساهمته في تكريس الانتقال الديمقراطي والدفاع عن الحقوق والحريات بالبلاد، وكيفية المساهمة الإيجابية في الحياة السياسية، رغم إكراهات الواقع ومحدودية أدوار الأحزاب السياسية في النسق السياسي المغربي.

 

[1]  “الانتخابات المغربية 2021: هزيمة كبيرة للإسلاميين، فماذا حدث؟”، عربي BBC News، 9/9/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/AUVD7

[2]  “الانتخابات المغربية 2021: هزيمة كبيرة للإسلاميين، فماذا حدث؟”، مرجع سبق ذكره.

[3]  “بعد أن فقد “رأس ماله”.. هل دفع العدالة والتنمية ثمن التطبيع مع إسرائيل؟”، عربي TRT، 9/9/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/IS23C

[4]  محمد بندريس، “المغرب.. إشكالية التطبيع تلقي بظلالها على “العدالة والتنمية” (تقرير)”، الأناضول، 25/1/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/BLDIU

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022