حقوق الإنسان في مصر.. عن كلمة السيسي والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.. قراءة في المضامين وردود الأفعال

 

 

ألقى عبدالفتاح السيسي كلمة[1]، في مؤتمر حافل شهد حضور عدد من الوزراء والنواب والسفراء الأجانب والإعلاميين وممثلي منظمات المجتمع المدني، بمناسبة إطلاق “الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان في مصر”. وهي الاستراتيجية التي شارك في إعدادها “اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان[2]” و”المجلس القومي لحقوق الإنسان” ومن أسماهم “ممثلي المجتمع المدني من مختلف المحافظات، وأعضاء الهيئة الاستشارية”، والذين استمرت جهودهم في إعداد هذه الاستراتيجية على مدار أكثر من عام.

ويمكن تقسيم كلمة السيسي التي جاءت بهذه المناسبة على محاور ثلاثة؛ المحور الأول: يؤكد فيه أن جهود الدولة المصرية في مجال حقوق الإنسان هي جهود قديمة وممتدة في التاريخ وليست إهتمام جديد على الدولة في مصر، فالدولة في مصر منذ قديم وهي مهتمة بهذا المجال ولا تزال تواصل اهتمامها وجهودها فيه. المحور الثاني: يستعرض فيه المبادئ الحاكمة لرؤية الدولة وسياساتها فس مجال حقوق الإنسان. المحور الثالث: يستعرض فيه جهود الدولة المصرية وإنجازاته في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات السبع الأخيرة منذ وصوله للحكم.

سنحاول في هذه المقالة بعد رصد ما ورد في الكلمة بخصوص هذه المناسبة، كتابة تقييم نقدي لما ورد فيها، ثم رصد ردود الأفعال على كلمة السيسي وعلى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلن عنها النظام، وأخيراً محاولة استشراف مستقبل العلاقة بين الدولة والمجتمع في مصر في ضوء هذه التطورات الأخيرة.

إنجازات الدولة في مجال حقوق الإنسان والتي لا يراها سوى السيسي:

  • المحور الأول في كلمة السيسي: (مقولة تأسيسية) في بداية حديثه اعتبر أن الاستراتيجية “خطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان في مصر، أخذًا في الاعتبار ما يحظى به هذا المجال الحيوي من أهمية في تقييم رقي المجتمعات وتقدمها”، وأن مصر كانت من أولى الدول التي ساهمت في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. وأن جهود مصر في هذا المجال لم تتوقف عند هذا التاريخ، بل استمرت، وإلى الآن، باقتناع وطني ذاتي بأهمية اعتماد مقاربة شاملة وجدية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية[3].

ذلك إدعاء غريب في الحقيقة وليس له ما يؤيده من معلومات، كأنه يقول أن الدولة المصرية منذ 1948 وهي حريصة على المشاركة في الارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان، يشترك في ذلك عبدالناصر مع السادات مع مبارك مع السيسي محمد مرسي مع السيسي، دون فروق أو حتى دون انتكاسات في المسيرة كأن الدولة في مصر عريقة في الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويبدو أن أحد التصورات السيسيية التي تحمل السيسي على إطلاق هذا التصريح هو رؤيته أن ما يحدث فيما يتعلق بحقوق الإنسان في مصر هو دور الدولة وسياساتها وليس موقف القائمين على الحكم؛ فالدولة هي التي تحدد الطريقة التي يتم التعامل وفقها مع ملف حقوق الانسان، وهي مقدمة تقود لنتيجة أخرى هو توحد القائمين على الحكم مع الدولة فهم الدولة والدولة هم، وذلك في الحقيقة كأنه تبرءة نظرية لهم من أية اتهامات، وفي نفس الوقت يمنحهم صلاحية لا محدودة باعتبارهم هم الدولة وليس مجرد قائمين عليها لتأدية وظائفها تجاه المجتمع والمحددة في الدستور.

  • المحور الثاني.. المبادئ الحاكمة لمنظومة حقوق الانسان في مصر: وأكد في كلمته أن الرؤية المصرية لحقوق الانسان تستند على عدد من المبادئ الأساسية؛ أبرزها: (1) أن كافة الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع، وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات. (2) أن الالتزام بصون الحقوق والحريات، وتعزيز احترامها، يتحقق خلال السياسات والتشريعات العامة من جانب، وخلال ما تقوم به مختلف المؤسسات والآليات الوطنية من إنفاذ تلك التشريعات والسياسات من جانب آخر. وهي المبادئ التي حرصت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمراعاتها جميعًا[4].

يتأسس على المقولة التي ذكرها السيسي في بداية حديثه، من أن الدولة في مصر حريصة على رعاية حقوق الانسان وتوطينها في البلاد، مقولة أخرى تتعلق بالمبادئ الحاكمة للرؤية المصرية لحقوق الانسان، وقد ذكر السيسي مبدأين؛ الأول: أن حقوق الإنسان لا تتجزء فهي كيان واحد، وهناك إرتباط وثيق بين حقوق الإنسان والديمقراطية. المبدأ الثاني: أن الدولة في مصر حريصة على أن لا يتوقف اهتمامها بحقوق الإنسان عند حدود الشعارات والمبادئ، إنما تسعى لتحقيقها واقعياً من خلال السياسات والتشريعات من جانب ومن خلال ما تقوم به مختلف المؤسسات والآليات من جانب آخر.

تلك المبادئ أيضاً التي يتحدث عنها السيسي باعتبارها حاكمة لتعاطي الدولة المصرية مع الملف الحقوقي بعيدة كل البعد عن الواقع وليس هناك أية شواهد تؤكدها في الحقيقة، ويبدو أنه لا أحد يصدق ذلك حتى السيسي نفسه إن كان لديه أية قدرة على التذكر. وذلك يدفعنا للتساؤل ما سبب إطلاق السيسي لهذه الادعاءات التي تبدو شديدة البعد عن الواقع. في هذا السياق يرى كثير من المراقبين أن هذا الخطاب و”الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان في مصر”، موجهان للخارج وليس للداخل المصري، وأن السيسي بهذه الممارسات يغازل الغرب بعد التحركات الأميركية والأوروبية في ملف حقوق الإنسان بمصر؛ ففي أكتوبر الماضي طالب 56 عضوا بالكونغرس الأميركي -ينتمون للحزب الديمقراطي- بإطلاق سراح حقوقيين وناشطين سياسيين يقبعون في السجون المصرية، كذلك يبدو أن الرئيس الأمريكي الحالي أكثر اهتماماً بملف حقوق الإنسان كجزء من سياسات واشنطن الخارجية أكثر من سابقه دونالد ترامب الذي كان يسمي السيسي بـ “ديكتاتوري المفضل”، وهناك من ربط بين الاستراتيجية التي أعلن عنها السيسي وبين المعونة الأمريكية[5]، ويبدو أن هذا الربط بين الاستراتيجية وبين المعونة قريبة للواقع إلى حد بعيد، خاصة إذا علمنا أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قررت حجب 170 مليون دولار من المعونة السنوية التي تقدمها لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار، منها 300 مليون مشروطة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر[6].

بالطبع قد يشكك كثيرون في قدرة مبلغ الـ 170 مليون دولار على التأثير على موقف النظام في مصر من ملف حقوق الإنسان؛ وذلك باعتباره مبلغ صغير للغاية تستطيع القاهرة أن تعوضه من مصادر دعم أخرى ومنها حلفاء النظام في الخليج، لكن أهمية هذا القرار الأمريكي ليس في حجم المبلغ الذي تم حجبه وإنما في كونه مؤشر على رفض واشنطن لسياسات القاهرة في التعامل مع ملف حقوق الإنسان، ومن غير المشكوك فيه أن القاهرة تعول بشدة على الدعم الأمريكي للنظام في مواجهة التحديات التي تحيق به داخلياً؛ فالنظام يرى -محقاً- أن رضا واشنطن هو مصدر شرعيته الأساسي.

  • المحور الثالث.. عن جهود الدولة في ترسيخ حقوق الانسان في مصر: وأختتم السيسي بالحديث بشكل تفصيلي عن أن الدولة في مصر عملت بجدية على تحقيق هذه المبادئ عبر الدستور والقوانين وعبر سياسات الحكومة وممارساتها، وقد استعرض السيسي هذه الجهود[7].

هذا الجزء الأخير من حديث السيسي، والذي تناول فيه إنجازات الدولة في مجال حقوق الإنسان على مستوى الدستور والقانون وعلى مستوى المؤسسات والسياسات وعلى صعيد العلاقة مع المجتمع المدني وعلى الصعيد الميداني وأوضاع حقوق الإنسان على الأرض، يحتوي أيضاً على إدعاءات كثيرة بخصوص أداء النظام فيما يتعلق بحقوق الإنسان، إدعاءات لا يوجد ما يؤيدها؛ خاصة أنه منذ سبع سنوات هي مدة حكم السيسي والبيانات الحقوقية الناقدة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر لا تتوقف، راصدة ما يتعرض له المعارضون السياسيون بداية من منع التظاهر والتضييق الإعلامي، إلى التعذيب والإهمال طبي داخل أماكن الاحتجاز والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون، وصولا إلى أحكام الإعدام الجماعية الناتجة عن محاكمات غير عادلة.

ومنذ عام 2014، وتتحدث تقارير حقوقية عن وجود ما يقارب 60 ألف معتقل داخل السجون المصرية لأسباب سياسية، وتقدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أعداد السجناء والمحتجزين بنحو 120 ألف سجين ومحبوس احتياطي ومحتجز، وفي مارس الماضي، أعربت أكثر من 30 دولة من البلدان الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بينها الولايات المتحدة، في بيان مشترك، عن قلقها العميق إزاء مسار حقوق الإنسان في مصر، وفي ديسمبر الماضي صوَت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار ينتقد أوضاع حقوق الإنسان “المتردية” بمصر[8]. فهل كل هؤلاء عاجزون عن رؤية انجازات الدولة المصرية في مجال حقوق الإنسان التي لا يراها سوى السيسي والمقربين منه؟!

ولم تتوقف تجاوزات النظام المصري عند حدود المجال السياسي وفي تعاملهم مع ناشطيه فقط، إنما أمتدت هذه التجاوزات لتهدر حقوق الإنسان على صعيد المجتمع ككل؛ فالتردي الظاهر في مستوى الخدمات التعليمية والصحية، والارتفاعات المجنونة في أسعار السلع والخدمات جراء رفع الدعم والزيادات المستمرة في قيمة الضريبة المضافة، والانتهاكات الأمنية المستمرة، والقوانين المجحفة الخاصة بمخالفات البناء وتسجيل العقارات في الشهر العقاري، وغيرها من تشريعات وسياسات رفعت منسوب السخط في الشارع إلى مستويات غير مسبوقة، كلها شواهد على الأوضاع غير المسبوقة التي انحطت إليها حقوق الإنسان في مصر، وغيرها كثير من تجاوزات.

الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان: المضامين وردود الأفعال

أما عن مضامين الاستراتيجية نفسها التي جاء المؤتمر للإعلان عنها، فبحسب وثيقة الاستراتيجية[9] المكونة من 78 صفحة، فإنها تستهدف: “النهوض بكافة حقوق الإنسان في مصر. من خلال تعزيز احترام وحماية كافة الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر. تحقيقًا للمساواة، وتكافؤ الفرص دون أي تمييز”، أما المدى الزمني المحدد لتنفيذ الاستراتيجية فهي 5 سنوات حيث تمتد حتى سبتمبر 2026. ومن الناحية القانونية والتشريعية تستند الاستراتيجية على مواد دستور 2014 فيما يتعلق بحقوق الانسان والاتفاقات الاقليمية والدولية المتعلقة بحقوق الانسان والتي دخلت مصر طرفاً فيها. أما التحديات التي تحاول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان معالجتها، فهي “الحاجة إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان. تعزيز المشاركة في الشأن العام. الصعوبات التي تواجه التنمية الاقتصادية. الإرهاب والاضطراب الإقليمي[10]“. أما مسارات تنفيذ الاستراتيجية فهي ثلاث مسارات: الأول متعلق بالتطوير التشريعي، ثم التطوير المؤسسي. فمسار التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان. وأخيراً تقوم الاستراتيجية على 4 محاور رئيسية، هي: الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات في حقوق الإنسان[11].

وقد أعتبر عدد من الحقوقيون والسياسيون أن الاستراتيجية الوطنية التي أطلقها السيسي هي إعلان نوايا يجب أن ينتهي بالتطبيق. من ناحية أخرى أصدرت 6 منظمات حقوقية بيانا أكدت فيه أن الأزمة ليست في الاستراتيجية ولكن في الإرادة السياسية لاحترام حقوق الإنسان[12].

وقال الحزب المصرى الديمقراطي الاجتماعي، في بيان له تعليقاً على صدور الاستراتيجية ومضامينها، أن الخطوة الأولى التي يطالب بالبدء بها والبناء عليها، يجب أن تشمل، الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطياً أو المحكوم عليهم بسبب نشاطهم السياسي السلمي، وإنهاء الحبس الاحتياطى المطول ومفتوح المدة ووقف “تدوير” السجناء السياسيين كمتهمين فى عدة قضايا لإبقائهم فى السجون، رفع حالة الطوارىء المفروضة منذ 2017 بالمخالفة للدستور وبالذات بعد تراجع خطر الاٍرهاب على نحو ملحوظ، وإنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني، رفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية المحجوبة بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي[13]. أما حزب التحالف الشعبي الاشتراكي فقد علق قائلاً، أن مثل هذا التوجه من الدولة يستدعي خطوات عاجلة فى مقدمتها، ما يلي: ١- مراجعة التشريعات الخاصة بالحبس الاحتياطي وتحديد سقفه بـ٦ أشهر على الأكثر، مراجعة الأوضاع الخاصة بالتدابير الاحترازية ووضع المعارضين السلميين على قوائم الإرهاب، إخلاء سبيل المتهمين على ذمة هذه القضايا وإسقاط تهم مشاركة جماعة إرهابية أهدافها وحفظ هذه القضايا. إتاحة حق التعبير للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني فى أجهزة الاعلام المملوكة للدولة ورفع الحظر عن المواقع المحجوبة وتأكيد دور أجهزة الاعلام في حرية تداول الاراء والمعلومات بحيادية ومهنية ونزاهة. العمل المستمر على تحقيق استقلال القضاء. تعزيز فرص التنافسية فى النظام السياسى بالتخلى عن نظام القوائم المطلقة وتوفير المناخ المناسب لتمثيل القوى المجتمعية المختلفة فى كل أشكال التمثيل النيابى والنقابى وعدم تدخل الدولة لصالح أى طرف. تحقيق تكامل الحقوق وترابط الحقوق والواجبات بالانحياز لمبدأ الإتاحة فى الخدمات وحقوق المشاركة وترابط قضايا العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية فى حزمة توجهات استراتيجية تجسد المطالب التى عبر عنها الشعب فى ثورة يناير ٢٠١١ وانتصرت لها ديباجة الدستور[14].

وبصفة عامة يمكن القول أن التيار المدني رحب بالمبادرة ولكن بحذر؛ فقد اعتبرها إعلان نوايا وأن نجاحها الحقيقي مرهون بصدق النظام في حلحلة الأوضاع المتردية لحقوق الانسان في مصر، لكنه في الوقت ذاته بدا متشككاً في صدق توجهات النظام نحو تحقيق تحسين حقيقي في أوضاع حقوق الإنسان في مصر، كأنه يحاول تشجيع النظام على السير في هذا المسار وفي الوقت ذاته لا ينتظر حدوث الكثير ويحاول في الوقت ذاته الخروج بأي مكسب في المجال الحقوقي ولو كان محدوداً.

أما المكون الإسلامي، فقد بدا كثيرين من ممثليه وناشطيه متشككين في نوايا النظام من إعلانه عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان؛ مشيرين إلى أن إعلان الاستراتيجية محاولة من النظام تحسين صورته في الخارج، أو محاولة لشغل الرأي العام، أو محاولة جديدة للتلاعب بالقوى السياسية عبر إيهامهم بإمكانية حدوث إصلاح في ظل النظام القائم، لكن بصفة عامة كان هناك حالة بين نشطاء هذا المكون من عدم التصديق ومن التشكيك في الدوافع الحقيقية للنظام، مشيرين في هذا السياق إلى الوضع المتردي على الأرض والذي يكذب أية خطابات أو بروباجندا هدفها فقط تحسين صورة النظام.

الخاتمة:

في مؤتمر حافل شهد حضور عدد من الوزراء والنواب والسفراء الأجانب والإعلاميين وممثلي منظمات المجتمع المدني، أعلن السيسي عن تدشين الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان. وهو سلوك معتاد من النظام وهو اللجوء للصخب والبروباجندا في تدشين مشروعات يظهر بمرور الوقت أن كثير منها مجرد حبر على ورق أو أن المستفيدين منه شرائح محدودة جدا.

جاءت كلمة السيسي عن أوضاع حقوق الانسان في مصر مناقضة لواقع حقوق الإنسان في البلاد بصورة صارخة، وتكذبها كل المؤشرات والشواهد على حال الفرد والمجتمع المصري. في المؤتمر أعلن عن صدور الاستراتيجية الوطنية التي تستهدف تحسين أوضاع حقوق الإنسان بالاعتماد على الدستور وعلى التشريعات الدولية والإقليمية في هذا المضمار. رحب التيار المدني بالاستراتيجية وإن كان بشكل حذر مع تشكك كثير في صدق توجهات النظام، أما نشطاء التيار الإسلامي فبدوا أكثر تشكيكاً في صدق توجهات النظام. وبصفة عامة كان هناك حالة من عدم التصديق وإشارة إلى كون هذه الخطوة جاءت استجابة لضغوط خارجية أكثر من كونها تعبيراً عن رغبة حقيقية لدى القائمين على السلطة.

ماذا عن المستقبل؟ من الصعب التصديق أن النظام يسعى لتفعيل المبادرة بصورة حقيقية، ومن المفهوم للغاية القول أن الاستراتيجية جاءت استجابة لضغوط خارجية، لكن يبقى من المحتمل القول أن الاستراتيجية قد تسفر عن حلحلة ولو محدودة في الوضع السياسي في مصر، وهناك مؤشرين على ذلك؛ الأول: فيما يتعلق بالمكون المدني يبدو أن النظام يتجه نحو تفكيك القضية رقم 173 المعروفة إعلاميا بـ”قضية التمويل الأجنبي”[15]، وإلى إطلاق سراح عدد من سجناء الرأي المحسوبين على التيار المدني، ويبدو أن تدشين لجنة الحوار الدولي -مبادرة مستقلة- برئاسة محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية[16]، جاءت بضوء أخضر من النظام لتلعب هذه اللجنة دوراً في إطلاق سراح بعض السجناء مقابل ذلك أن تضطلع هذه اللجنة بدور في تحسين صورة النظام في الخارج استناداً على هذه الافراجات.

المؤشر الثاني: فيما يتعلق بالمكون الاسلامي: فإن حديث السيسي عن “عنصر بقاله 90 سنة في مصر”، وأنه -أي السيسي- ” مش مختلف مع دول، لكن بشرط.. إنه يحترم مساري، ولا يتقاطع معايا، ولا يستهدفني. يعني هو فكره كدة، أنا مش هاقولك بحترمه، لا أنا هاقبل فكره ده، لكن مايفرضوش عليا، مايضغطش عليا بيه، مايحولش مسار فكره عليا، عليا مش عليا أنا، على مصر، على المجتمع”، رأى كثيرون أن هذا الكلام موجه للإخوان المسلمين الجماعة التي مر على تأسيسها 90 عام، وأن هذا الكلام يعني أن النظام يقبل بوقف استهدافه لجماعة بشرط أن تقبل هي بالنظام القائم وتتوقف عن معارضته والتشهير به. وهو ما يعني أن هذه الاستراتيجية قد تكون بالفعل دليل على سعي النظام لتهدئة حدة التوتر بينه وبين القوى السياسية ونشطاء المجتمع المدني.

ويبقى المستقبل القريب هو القادر على كشف مدى صدق توجهات النظام في قضية التهدئة مع قوى المعارضة وفي تحسين أوضاع حقوق الإنسان وإن كان بشكل محدود.

يمكن القول في النهاية أن الاستراتيجية المصرية لحقوق الانسان يمكن توظيفها من قبل قوى المعارضة كأنها ترمومتر يقاس عليها الأداء الفعل للنظام، فيتم مساءلة أداء النظام الفعلي بالاستناد إلى ما أعلنه بنفسه كخطة مستقبلية لتحسين أوضاع الفرد والمجتمع في مصر.

 

 

[1] المنصة، نص كلمة السيسي بإطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 11/9/2021، شوهد في: 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/3kiSeBD

[2] هي لجنة تأسست في نوفمبر 2018. تتبع رئاسة الوزراء. تضطلع بإدارة ملف حقوق الإنسان بدلاً من اللجنة الرئيسية لحقوق الإنسان التابعة لوزارة العدل. وقد كان على رأس اختصاصات اللجنة وضع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان وخطط تنفيذها. واللجنة العليا ستعمل بالتسيق مع المجلس القمي لحقوق الانسان ومع الإدارة العامة لحقوق الإنسان التي أنشأتها النيابة العامة عام 2017.

[3] المرجع السابق.

[4] المرجع السابق.

[5] دعاء عبداللطيف، إستراتيجية حقوق الإنسان في مصر.. خطوة تاريخية أم تكتيكية؟، الجزيرة نت، شوهد في 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/3EuBzDt

[6] عربي 21، إدارة بايدن تحجب جزءا من مساعدات مصر بسبب مخاوف حقوقية، شوهد في 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/3lswT8k

[7] المنصة، نص كلمة السيسي بإطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 11/9/2021، مرجع سابق.

[8] دعاء عبداللطيف، إستراتيجية حقوق الإنسان في مصر.. خطوة تاريخية أم تكتيكية؟، الجزيرة نت، مرجع سابق.

[9] نص الاستراتيجية: https://bit.ly/3nJzm14

[10] في تجاهل تام للدور الذي يلعبه النظام في انتهاك حقوق الانسان وفي إقصاء الناس من المجال العام وتأميمه بشكل تام، وفي عرقلة التنمية الاقتصادية الحقيقية عبر الاهتمام بمشروعات ون عائد تنموي حقيقي.

[11] مصر 360، قراءة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، شوهد في 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/3AlqIsW

[12] درب، حقوقيون وسياسيون: استراتيجية حقوق الإنسان إعلان نوايا.. والتطبيق يبدأ من الإفراج عن المحبوسين وإطلاق الحريات، شوهد في 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/2XAklUu

[13] درب، بينها الإفراج عن سجناء الرأي ووقف التدوير.. 5 مطالب للمصري الديمقراطي: حتى لا تظل استراتيجية حقوق الإنسان حبرًا على ورق، شوهد في: 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/3EqUGOH

[14] درب، الزاهد تعليقا على إطلاق استراتيجة حقوق الإنسان: 7 خطوات عاجلة لتحقيق هذا التوجه في مقدمتها مراجعة تشريعات الحبس الاحتياطي، شوهد في: 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/3zmSNyJ

[15] سوزان عبدالغني، مؤشرات على تفكيك القضية 173، مصر 360، شوهد في: 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/3AnLyrz

[16] سوزان عبدالغني، مقابلة| محمد أنور السادات: أوجدنا قناة اتصال مع أجهزة الدولة في ملف سجناء الرأي، مصر 360، شوهد في: 15 سبتمبر 2021، الرابط: https://bit.ly/3lyz5ey

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022