رفع التحفظ على أموال مبارك وأسرته.. أبعاد القرار ورسائله ودلالاته

 

قرار جهات التحقيق الصادر يوم الثلاثاء 28 سبتمبر 2021م برفع التحفظ على أموال مبارك وأسرته والتي ضمت علاء وجمال وأسرتيهما بعد قرار هيئة الفحص والتحقيق بإنهاء أثر أمر المنع من التصرف رقم 3 لسنة 2011، يمثل برهانا ساطعا على فشل نظام 3 يوليو في استرداد أموال مصر المنهوبة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. وذكر قرار رفع التحفظ على أموال علاء وجمال مبارك أن جهاز الكسب غير المشروع، “أصدر قرارًا بإنهاء أمر المنع من التصرف رقم 3 لسنة 2011، ومنع التصرف قبل كل من محمد حسني السيد مبارك، وزوجته سوزان صالح مصطفى ثابت”. وشمل قرار رفع التحفظ، كلاً من علاء محمد حسني السيد مبارك، وشهرته علاء مبارك، وزوجته هايدي محمد مجدي راسخ، وجمال محمد حسني السيد مبارك، وشهرته جمال مبارك، وزوجته خديجة محمود الجمال، وأحفاد الرئيس الراحل، عمر علاء، وفريدة جمال. وكان رئيس محكمة الاستئناف ورئيس إدارة الأموال المتحفظ عليها، أبلغ الجهات المختصة “بإنهاء التحفظ على أموال الرئيس الراحل مبارك ونجليه جمال وعلاء وباقي أفراد الأسرة، حيث وافق النائب العام على إنهاء أثر المنع من التصرف رقم 98 لسنة 2020.[[1]]

اللافت في قرارات رفع التحفظ عن أموال مبارك وعائلته، وإنهاء المنع من التصرف سواء القرار الأخير أو الصادر في نوفمبر 2020م، ثم إبلاغ البنك المركزي باتخاذ اللازم من الناحية المصرفية والقانونية في هذا الشأن أنه لم يكن مستغربا بعد تبرئة مبارك من كل التهم التي وجهت له باستثناء قضية القصور الرئاسية. سواء تلك التي تتعلق بقتل المتظاهرين أو بالفساد المالي واستغلال النفوذ. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قضت محكمة جنايات القاهرة، بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية المقامة ضد مبارك في قضية قتل المتظاهرين. كما برأت المحكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من مساعديه من تهمة الاشتراك في جرائم القتل العمد. كما حكمت المحكمة أيضا ببراءة مبارك في قضية التربح من تصدير الغاز إلى إسرائيل. وحكمت بانقضاء الدعوى الجنائية على رجل الأعمال حسين سالم ومبارك ونجليه علاء وجمال، في تهمة تلقي رشى من حسين سالم.

كم تبلغ ثروة آل مبارك؟

لكن اللافت أن القرار لم يوضح حجم وقيمة أموال مبارك،  لكن بعض التقارير التي صدرت في فبراير/شباط 2011، بعد أيام من تنحي مبارك عن السلطة التي قضى فيها 30 عاما، دارت حول الرقم 14 مليار دولار، بينما وصلت تقارير أخرى بالرقم إلى 40 مليار دولار، وفق ما نقله موقع دويتشه فيله الألماني، نقلا عن دانييل تيليسكلاف مدير معهد بازل السويسري للحوكمة، وعضو مجلس إدارة منظمة الشفافية الدولية.

وذهبت صحيفة الجارديان البريطانية، إلى أبعد من ذلك وقالت في تقرير نشرته في 4 فبراير/شباط 2011، بالقول إن ثروة عائلة مبارك يمكن أن تصل إلى ما نحو 70 مليار دولار.[[2]]  وفي 20 يونيو 2013 أوضح محمود الحفناوي ـ -المحامي بمكتب النائب العام- أن التحقيقات أظهرت أن “الأموال السائلة الخاصة بحسني مبارك وزوجته ونجليه وزوجتيهما داخل مصر بخلاف الأموال المهربة،  تبلغ 3 مليارات جنيه نقدا، كما تبلغ قيمة ممتلكاتهم من الأسهم في العديد من الشركات نحو 5 مليارات جنيه، بينما تقدر ثرواتهم العقارية بنحو مليار جنيه”، معنى ذلك أن ثروة آل مبارك داخل مصر فقط كانت تبلغ نحو 9 مليارات جنيه بخلاف الأموال المهربة التي لا يعلم أحد على وجه اليقين كم حجمها.[[3]]

وجمّدت سويسرا أموالا وأصولا مملوكة لأسرة مبارك وبعض المقربين قيمتها 570 مليون فرنك سويسري (529 مليون يورو) منذ عام 2011، لكن في عام 2017 قالت وزارة الخارجية السويسرية إنها ألغت تجميد تلك الأموال، مستدركة أن القرار لا يعني الإفراج عن هذه الأموال، حيث لا تزال محتجزة في إطار إجراءات جنائية سويسرية يجريها النائب العام السويسري لتحديد ما إذا كانت تلك الأموال ذات أصل مشروع أم لا، حتى جرى الإفراج عنها مؤخرا من جانب الاتحاد الأوروبي بسبب فشل نظام السيسي في تقديم الأدلة التي تدين مبارك وعصابته وتؤكد أن هذه الأموال من مصادر غير مشروعة.

وبلغت فاتورة فساد مبارك وحاشيته من أبناء ووزراء ورجال أعمال نحو 50 مليار جنيه (9 مليارات دولار بسعر صرف 2021) وذلك من خلال القضايا التي أقيمت ضدهم وأحيلوا بمقتضاها للمحاكمة الجنائية، وطلبات التصالح مع الدولة التي تقدموا بها. مقابل غلق ملفات الفساد، التي نجحت ثورة ينايرفي كشفها وإظهارها للرأي العام. مبارك تصالح في قضية القصور الرئاسية مقابل 145 مليون جنيه. وأحمد عز دفع 13 مليار  جنيه مقابل التصالح في قضيتين منفصلتين، الأولى هي الاستيلاء على المال العام، والإضرار العمدي بأموال شركة “حديد الدخيلة”، التي تم التصالح فيها بسداد نحو 6 مليارات جنيه. أما القضية الثانية فتتعلق بغسل الأموال، حين اتهمت النيابة العامة أحمد عز بغسل نحو 6.5 مليارات جنيه عن طريق استغلال النفوذ والتربح والاستيلاء على المال العام. وسدد حسين سالم 5.8 مليارات جنيه فقط. وشقيق سوزان مبارك رجل الأعمال منير صالح مصطفى ثابت، وشهرته “منير ثابت”، متهم  في 5 مليارات في القضية المتهم فيها بالفساد المالي وتحقيق كسب غير مشروع،  مستغلاً نفوذه وعلاقته. واستولى حبيب العادلي على 3 مليارات جنيه من أموال وزارة الداخلية. ورصد قضاة التحقيق في القضية المعروفة إعلامياً باسم “فساد وزارة الزراعة”، نحو 10 مليارات جنيه أموالاً مستولىً عليها في صورة أراض حصل عليها رجال الأعمال، في عهد مبارك.[[4]]

تسريبات «أوراق بنما»

بالطبع المبلغ ضئيل للغاية مقارنة بالتقديرات التي تتحدث عن عشرات المليارات من الدولارات، لكن تسريبات «أوراق بنما» الجديدة التي تفجرت في أبريل 2016م، كشفت بصورة دقيقة أين وكيف تدار ثروات الشعوب المقهورة في العالم وخصوصا في المنطقة العربية. وهي التسريبات التي تبين بأدلة قاطعة هويات أصحاب الثروات ومن يديرها لهم وتحت أي مسمى يديرونها. وكشفت تفاصيل عن مكتب “موساك فونسيكا”، وهو مكتب محاماة مسجل في بنما وله فروع في 42 بلدا، يقدم خدمة إدارة الثروات ويساعد على تأسيس شركات “الأوفشور” في الملاذات الضريبية الآمنة مثل جزر فيرجن البريطانية، وتابعيات التاج البريطاني غيرنسي، جيرسي، وجزيرة آيل أوف مان، فضلا عن سويسرا وقبرص. وقد ورد اسم الرئيس الأسبق حسني مبارك في وثائق بنما ليكس من خلال ابنه البكر علاء مبارك، الذي اتضح أنه يمتلك شركة استثمارات عالمية عملاقة مسجلة في فيرجين آيلاندز البريطانية، ويديرها بنك “كريديت سويس”. وتأكيدا لذلك، تضمنت الوثائق صورة ضوئية مصدّقة لجواز سفر علاء مبارك تبيّن أنه من مواليد عام 1960، ويعمل بوظيفة “أعمال حرة”، وعنوان إقامته هو 9 شارع السعادة – عمارات عثمان، روكسي – مصر الجديدة ـ القاهرة.

كما تتضمن الوثائق بعض المراسلات المتعلقة بالشركة التي يمتلكها علاء مبارك لكنها لا تحدد على وجه الدقة حجم أصولها.[[5]] وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية حجم الأموال المهربة سنة 2012م في ملاذات ضريبية آمنة بحوالي 10 تريليونات دولار. وبحسب الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق، فإن أكبر دليل على فساد مبارك إجراؤه 46 مكالمة هاتفية منذ بداية فبراير، وهو الشهر الذي تمت الإطاحة به من منصبه 2011 وحتى 23 من الشهر نفسه، بدول لها علاقة بتهريب الأموال، ولم يجرِ تحقيق في هذه الواقعة حتى الآن.[[6]] ورغم تقديم دعاوى للنائب العام بالتحقيق في هذه الاتهامات وكذلك مطالبة نواب بالبرلمان بضرورة مثل هذا التحقيق إلا أن نظام السيسي تعامى عن كل ذلك ولم يفتح قط أي تحقيق في هذه التسريبات.[[7]]

السيسي يحمي عصابة مبارك

برصد الإجراءات التي قام بها المجلس العسكري ثم عبدالفتاح السيسي في أعقاب انقلابه في يوليو 2013م تبرهن على أن المؤسسة العسكرية كانت حريصة كل الحرص على حماية مبارك وأركان شلته، وذلك التزاما بالاتفاق الذي جرى في فبراير 2011م، بين مبارك والمجلس العسكري، ويقضي بتنحي مبارك عن السلطة لتهدئة الرأي العام والشعب الثائر مقابل حمايته وأسرته من المساءلة وعدم المساس بأمواله وثرواته. وظل مبارك في مقر الرئاسة بشرم الشيخ من 11 فبراير حتى أبريل 2011م حيث تم القبض عليه ومحاكمته إثر ضغوط شعبية هائلة أجبرت المجلس العسكري على هذه الخطوة التي اتضح أنها كانت شكلية؛ فقد وضع مبارك في مستشفى المعادي العسكري تحت رعاية طبية شاملة، وكان له حرية الحركة والتواصل مع أسرته ومعارفه كل يوم. حتى تمت تبرئته من كل القضايا التي اتهم فيها باستثناء قضية القصور الرئاسية.

معنى ذلك أن المجلس العسكري ومن بعده نظام 3 يوليو لم يفشلا في استراداد أموال مصر المنهوبة، بل تم التواطؤ مع مبارك وعصابته مع سبق الإصرار والترصد لاعتبارات تتعلق بحماية الجيش لكبار جنرالاته حتى لو كانوا عتاة في الفساد والإجرام وكذلك مد مظلة الحماية لخدام النظام العسكري من وزراء ومحافظين ورجال الأعمال وإعلاميين.

ويمكن التدليل على ذلك بالأسباب والملاحظات الآتية:

أولا، قضية الكسب غير المشروع التي اتهم فيها مبارك ونجلاه تم فتحها في عهد المجلس العسكري، وتولى التحقيق فيها النائب العام الذي عينه مبارك نفسه “عبدالمجيد محمود” ورغم أن القضية واكبتها تحركات واسعة على محاور دبلوماسية لاستعادة أموال مبارك وأسرته من الخارج، لكن كل تلك الجهود باءت بالفشل؛  لأن جهات التحقيق تعمدت طمس الأدلة وإخفاء الحقائق وفق مخططات البراءة للجميع التي بدأت بمجرد الشروع في المحاكمات الشكلية لمبارك وأركان نظامه. وعندما وصل الرئيس الراحل مرسي إلى الحكم تم تكوين لجنة لهذا الغرض. لكن بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، ثم انتهاء عهد المطالبة بمطالب وأهداف الثورة باغتصاب السيسي للسلطة، وجرى تجميد هذه الجهود، واكتفي نظام السيسي باستخدامها للضغط على علاء وجمال مبارك ومنعهما من العمل السياسي والظهور الإعلامي، كأداة تخويف ومنع من إعادة إنتاج نظام مبارك بشخوصه القديمة.

ثانيا، أبدى نظام السيسي استخفافا بالقضية وتهوينا من شأنها؛ حيث أصدر في أغسطس 2015 قانوناً يمكِّن رموز نظام مبارك من التصالح المالي في جرائم الكسب غير المشروع، لكن مبارك لم يستفد من ذلك، نظراً لعدم تقديم تقارير الخبراء بشأن ثروته هو ونجليه حتى اليوم؛ ما يؤكد غياب الإرادة السياسية سواء للتصالح معهم أو حتى معاقبتهم، لينتج هذا الوضع الممسوخ، الذي كانت قضية “التلاعب بالبورصة” دليلاً حياً عليه، بإبقاء أسرة مبارك تحت الحصار دونما عقاب أو تمكين بالعودة لآجال طويلة. ولم يُعرف عن نظام السيسي الهمة والنشاط في استرداد أموال مصر التي نهبها مبارك وحاشيته كما يفعل في السطو  على أموال الشرفاء والمخلصين من رجال الأعمال والمعارضين؛ وهو ما أدى إلى قرار محكمة العدل الأوروبية  (ديسمبر 2020) بإلغاء العقوبات المفروضة على الرئيس الأسبق حسني مبارك وأفراد أسرته بشأن تجميد أموالهم، وهو ما يفتح الباب أمام آل مبارك لاسترداد 300 مليون دولار من البنوك السويسرية والتي تم تجميدها عقب ثورة 25 يناير 2011.

ولا يعرف أحد حتى الآن مصدر هذه الثروة الضخمة، خاصة أن راتب مبارك الرسمي من منصبه كان ضعيفاً، وكان نجله الأصغر جمال يعمل في العمل العام، أما ابنه الأكبر علاء فلم يكن أحد يعرف بالضبط ما هي وظيفته، هل هو رجل أعمال، أم مدير صفقات، أم ماذا؟ وفي تفسير ذلك قالت محكمة العدل الأوروبية إن السبب وراء إلغاء العقوبات التي فرضها مجلس الاتحاد الأوروبي على أصول مبارك وعائلته، كان خطأ في الإجراءات.  معنى ذلك أن سلطات 3 يوليو لم تكلف نفسها تقديم ما يثبت إدانة مبارك في قضايا فساد مالي للمحكمة الأوروبية، منها حكم بات ونهائي من محكمة النقض، أعلى محكمة في مصر، يدينه في قضية القصور الرئاسية الشهيرة، وبالتالي ضيعت على البلاد استرداد 300 مليون دولار للخزانة العامة للدولة التي تعاني من عجز ضخم. ولم تبذل اللجنة المكلفة باسترداد أموال مصر المنهوبة في الخارج جهداً لإثبات أن الأموال المودعة في البنوك السويسرية والبريطانية وغيرها من البنوك الأوروبية هي نتاج أعمال غير مشروعة. في المقابل لم تقدم أجهزة السيسي دليلا واحدا بشأن الاتهامات بالإرهاب التي طالت ثابت ونجله والسويركي[[8]]ومن قبلهم خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهم، فاغتصبت هذه الثروات وسطت على تلك الشركات دون وجه حق.

ثالثا، في المقابل أصر السيسي على سرقة أموال قيادات بالإخوان المسلمين ضاربا عرض الحائط بالضمانات الدستورية والقانونية التي تمنع مصادرة أموال المواطنين إلا بناء على أحكام   قضائية نهائية وباتة. وكانت البداية بقرار ماتسمى بمحكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 23 سبتمبر 2013 بحظر جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها؛ وهو القرار  الذي وصف بغير القانوني لأنه صدر من جهة  غير مختصة؛  فمسألة حظر الجماعة ومصادرة أموالها، أو حل حزب الحرية والعدالة من صلاحيات القضاء الإداري ولجنة شئون الأحزاب وليس من صلاحيات محكمة الأمور المستعجلة.[[9]] ومع أحكام البطلان التي طالت قرارات اللجنة من القضاء الإداري؛ حاول النظام تجاوز هذه الأحكام بإعادة إجرات التحفظ مرة أخرى طبقا ﻷحكام قانون «الكيانات اﻹرهابية».[[10]] رقم 8 لسنة 2015، الذي أصدره الجنرال عبدالفتاح السيسي في 24 فبراير 2015.

وعندما عادت اللجنة للعمل مرة أخرى، اصطدمت قراراتها  بأحكام البطلان من محكمة النقض، وفي محاولة من النظام لتلافي البطلان والإصرار على نهب أموال الإخوان والمعارضين؛ صدَّق الجنرال عبد الفتاح السيسي على قانون «تنظيم إجراءات التحفظ والحصر واﻹدارة والتصرف في أموال الجماعات اﻹرهابية واﻹرهابيين»، برقم 22 لسنة 2018.الذي نشرته الجريدة الرسمية في عددها الصادر السبت  21 أبريل2018. والذي تم تفصيله خصيصا لتقنين إجراءات اغتصاب أموال الإخوان. وهو القانون الذي تشوبه عدم الدستورية لأنه يتضمن إنشاء لجنة وصفها بذات طبيعة قضائية في محاولة لتلافي أسباب البطلان السابقة باعتبار اللجنة إدارية لا قضائية، لكن القانون فعليا وإن نص على وصف هذه اللجنة بالقضائية إلا أنها تتشكل من 7 من أعضاء قضاة الاستئناف يصدر بندبهم قرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء، ما يعني أنها فعليا إدارية لا قضائية لأنها تتشكل بقرار من رئاسة الجمهورية. إضافة إلى استبدل القانون الجديد جهة التظلم ضد القرارات لتصبح أمام محكمة اﻷمور المستعجلة بديلًا عن «القضاء اﻹداري»، وفي حال رفض محكمة اﻷمور المستعجلة الطعن على قرار التحفظ، يُصبح «حكم» التحفظ «نهائيًا».

وهو ما يعد “مخالفة دستورية”. وثالثا يمنع هذا القانون المتضررين من الطعن على قرار ضم الأموال بأي صورة، حتى أمام محكمة النقض، ما يعبر عن بلوغ التنكيل بجماعة الإخوان ومؤيديها ذروته. ومن جهة رابعة فإن القانون يفتح الباب لأول مرة لمصادرة هذه الأموال ونقلها إلى الخزينة العامة للدولة، وليس التحفظ عليها وإدارتها فقط، ودون انتظار ﻷحكام نهائية تدين هؤلاء اﻷشخاص في أي تهم تتعلق باﻹرهاب. وهو دليل على عدم دستورية القانون، لأنه يخالف المادة 40 من الدستور [[11]] التي تنص على أن “المصادرة العامة للأموال محظورة. ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي”.

رابعا، الدرس الأهم أنه في الوقت الذي يرفع فيه الحظر عن التصرف في أموال مبارك ونجليه علاء وجمال وزوجاتهم وأبنائهم ، وهي أموال مشتبه في مصادرها عبر استخدام نفوذ الوالد لمدة ثلاثين سنة، فإن نظام السيسي يصر على نهب أموال رجال أعمال شرفاء والسطو على شركاتهم العملاقة التي بنوها من كدهم وعرقهم ولم يعرف عنهم أي تهرب ضريبي أو تكوين ثرواتهم عبر أنشطة مشبوهة و غير مشروعة أو سوء استخدام السلطة. وقد دانت منظمة العفو الدولة احتجاز صفوان ثابت ونجله في ظروف ترقى إلى التعذيب والضغط عليهما من أجل التنازل عن شركة جهينة كبرى شركات الألبان في مصر والعالم العربي. وقالت المنظمة ـ في بيان لها الإثنين 27 سبتمبر 2021 ــ  استنادا إلى مصادر مطلعة على الشركة ووضع أسرة ثابت إن مسؤولين أمنيين مصريين طلبوا من صفوان قبل القبض عليه وعلى ابنه تسليم جزء من شركة جهينة لكيان مملوك للحكومة وتخلي سيف الدين عن حق الأسرة في أسهمها.[[12]] كما استولى نظام السيسي على جميع فروع شركة “التوحيد والنور” المملوكة لرجل الأعمال سيد السويركي المعتقل أيضا منذ ديسمبر 2020م. وتم تحويل اسمها إلى «مول القاهرة» وهي أضخم شركات صناعة وبيع الملابس بالجملة والقطاعي على مستوى مصر، والتي بناها السويركي بكده وعرقه على مدار عشرات السنين؛ ضاربا نموذجا من أبرز نماذج النجاح.[[13]]

خامسا، تعتبر قضية «القصور الرئاسية» هي البرهان الساطع على حماية المجلس العسكري ومن بعده السيسي لمبارك وعصابته؛ فهي القضية الوحيدة التي حكم فيها على الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك؛ وكانت محكمة النقض قضت في (يناير 2016) بتأييد حكم الجنايات الصادر(في مايو 2015) بالسجن المشدد 3 سنوات لمبارك ونجليه وتغريمهم متضامنين مبلغ 125 مليون و779 ألف جنيه، وإلزامهم متضامنين برد 21 مليون و197 ألف، وذلك إثر إدانتهم بالاستيلاء على 125 مليون جنيه من ميزانية مؤسسة رئاسة الجمهورية والتزوير في محررات رسمية. فلماذا  أدين مبارك في هذه القضية دون غيرها  من القضايا الأخرى التي كان متهما فيها؟  لذلك قصة عجيبة تحمل الكثير من الدلالات والمعاني.

وفي 13 يونيو 2011، أصدرت اللجنة  القضائية التي تشكلت  بالقرار رقم 5841 لسنة 2011 من المستشار محمد عبدالعزيز الجندي، وزير العدل الأسبق، والتي كلفها بحصر كافة أموال ومحتويات ومقتنيات القصور الرئاسية، وقد انتهى تقرير اللجنة إلى عدم  وجود عجز سواء في الأموال أو المقتنيات أو العهدة الخاصة بالقصور الرئاسية. لكن النائب العام طلعت عبد الله الذي تم تعيينه بقرار من الرئيس محمد مرسي، لم يطمئن إلى عمل هذه اللجنة، وكلف فريقاً من أعضاء النيابة للتحقيق في المخالفات المالية التي تمت في أموال القصور الرئاسية خلال فترة حكم مبارك، وانتهت التحقيقات إلى أنه يوجد عجز في أموال القصور الرئاسية بلغ 126 مليون جنيه استولى عليها مبارك ونجلاه؛ حيث جاء الحكم في القضية موافقاً ومؤيداً لما انتهى إليه النائب العام المستشار طلعت عبد الله ورفاقه”.

معنى ذلك أن اللجنة القضائية الأولى التي رأسها المستشار أحمد إدريس وضمت في عضويتها المستشار خالد المحجوب صاحب قرار إحالة القضية المعروفة إعلامياً باسم “الهروب من وسجن وادي النطرون” التي اتهم فيها الرئيس الشهيد محمد مرسي وبعض قيادات الإخوان الذين كانوا مخطوفين وقتها دون وجود أي أوراق ثبوتية بشأن اعتقالهم واحتجازهم. هذه اللجنة أصدرت تقريرها بالمخالفة للحقيقة؛ فإنْ كان ما جرى هو من باب القصور وعدم الخبرة فلا يستحقون المناصب القضائية التي تبؤوها، وإنْ كان ما جرى إخفاء للحقيقة لمساعدة مجرم من الإفلات من العدالة، وإهدارا لمال الشعب؛ فإن تلك جريمة تستوجب المحاكمة والعقاب. لكن الذي جرى عكس ذلك تماما؛ فقد جرى التنكيل بالنائب العام المستشار طلعت عبدالله وإحالته للصلاحية من جانب سلطات الانقلاب، فيما كوفئ المحجوب بتعيينه في المكتب الفني لـ “نائب عام الانقلاب هشام بركات””، وحتى الضابط عصام فتحي الذي كان يعمل في هيئة الرقابة  الإدارية وفجَّر القضية بعد لقائه بالرئيس مرسي وتقديم أدلة إدانة مبارك ونجليه، تمت إحالته للتقاعد، بينما رئيس الرقابة الإدارية وقتها الجنرال محد تهامي، والذي حاول منع نشر تقرير إدانة مبارك ونجليه فقد كوفي بعد الانقلاب بتعيينه رئيسا لجهاز المخابرات العامة!.[[14]]

خلاصة الأمر أن التحقيقات التي كانت تجريها النيابة العامة في عهد المجلس العسكري عندما كان المستشار عبدالمجيد محمود نائبا عاما، ثم  في عهد ما بعد انقلاب 3 يوليو،  كانت ولا تزال مجرد تحقيقات شكلية الهدف منها تهدئة الرأي العام دون كشف الحقائق وتقديم الأدلة التي تدين مبارك وقيادات نظامه، والقضية الوحيدة التي جرى التحقيق فيها بنزاهة وشفافية وشارك فيها بعض المخلصين من أبناء مصر في أحد الأجهزة الرقابية تمت إدانة مبارك ونجليه فيها. وبالتالي فإن مسلسل البراءة لمبارك وجميع رجال عهده إنما كانت خطة ممنهجة أشرفت عليها المؤسسة العسكرية ونفذتها الدولة العميقة في الجهاز القضائي وباقي أجهزة الدولية الرقابية والأمنية. والتي فضلت طمس الأدلة وإخفاء الحقائق لحماية رجال عهد مبارك باعتبارهم أعضاء بارزين في كيان الدولة العميقة التي كانت ـ ولا تزال ـ تحكم مصر فعليا وتهيمن على جميع مفاصل الدولة حتى بعد  الإطاحة بمبارك. في ضوء  هذه الحقائق يمكن فهم أبعاد قرار منع الحظر والتصرف في أموال مبارك وأسرته فهم جزء من العصابة التي تستظل بحماية المؤسسة العسكرية وأركان الدولة العميقة.

من جانب آخر فقد تعمد السيسي حماية مبارك ونجليه وعصابته؛ وضيَّع على مصر استراداد مليارات الدولارات، والاستفادة من هذا المبلغ الضخم في بناء مئات المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه. فلم يستجب النظام لمطالب الحكومة السويسرية البسيطة والمتكررة والتي اشترطت ما يثبت تقديم أن هذه الأموال ليست ملكا لمبارك، وأنها ناتجة عن أنشطة غير مشروعة، أو تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية، وأنها تخص الشعب المصري وليس غيره.

فهل كان من الصعب تقديم ما يثبت أن مرتب مبارك كرئيس للدولة يبلغ 808 دولارات فقط شهريًا، كما تقول الوثائق الرسمية، وأنه من المستحيل أن يكون هذا المبلغ البسيط قد تراكم ليصبح ثروة طائلة تقدر بمليارات الدولارات تم تحويلها للخارج وتوزيعها ما بين بنوك سويسرية وأوروبية وعقارات بريطانية وفرنسية وألمانية وأذون خزانة وسندات أميركية؟[[15]] وهل كان من الصعب على الحكومة إرسال نسخة من الحكم الصادر عن محكمة الجنايات بحق مبارك ونجليه جمال وعلاء في القضية المعروفة  باسم “القصور الرئاسية” وهل كان من الصعب إرسال نسخة من الحكم النهائي الصادر عن محكمة النقض المصرية، أعلى جهة تحقيق في مصر، والذي دان مبارك ونجليه في قضية القصور الرئاسية، كما رفضت المحكمة الطعن المقدم من مبارك ونجليه لإلغاء الحكم السابق الصادر من محكمة الجنايات بالقاهرة؟

 

 

 

 

[1] مصر: قرار برفع التحفظ عن أموال أبناء حسني مبارك/ العربي الجديد ــ 28 سبتمبر 2021

[2] محمد عبد الله/ بعد رفع الحظر عن أموالها.. ما سر التكتم على ثروة عائلة مبارك؟/ الجزيرة نت ــ 9 نوفمبر 2020م

[3] المصدر السابق

[4] أكثر من 50 مليار جنيه فاتورة فساد “مبارك” ورجاله/ العربي الجديد ــ 11 فبراير 2019

[5] منير الماوري/ الثروات المسروقة أين وكيف تدار؟ آل مبارك نموذجاً/ العربي الجديد ــ04 ابريل 2016

[6] “أوراق بنما”..الفساد يلتهم أموال العرب ويطرد الاستثمارات/ العربي الجديد ــ 05 ابريل 2016

[7] تداعيات “أوراق بنما”..نواب مصريون يطالبون باستدعاء لجنة استرداد الأموال/ العربي الجديد ــ04 ابريل 2016// طارق نجم الدين/ بلاغ للنائب العام المصري للتحقيق في اتهامات لـ”علاء مبارك”/ العربي الجديد ــ05 ابريل 2016

[8] مصطفى عبد السلام/ عن قضايا مبارك وصفوان والسويركي/ العربي الجديد ــ 07 ديسمبر 2020

[9] ما مدى قانونية حكم حظر الإخوان؟/ الجزيرة نت 24 سبتمبر 2013

[10] قانون الكيانات الإرهابية المصري/ الجزيرة نت 04 مارس 2015

[11] مصادرة أملاك المتهمين بتمويل الإخوان.. خطوة “لادستورية” كشفها “العربي الجديد” منذ عام/ العربي الجديد الثلاثاء  11 سبتمبر 2018

[12] العفو الدولية: صراع على جهينة المصرية وراء القبض على مؤسسها ونجله/ وكالة الأنباء السويسرية “سويس إنفو” ــ 27 سبتمبر 2021م

[13] نظام السيسي يستولي على محال “التوحيد والنور” ويغير اسمها لـ”مول القاهرة”/ العربي الجديد ــ 16 سبتمبر 2021

[14] صاحب إحالة مرسي للمحاكمة زوَّر تقريراً لتبرئة مبارك ونجليه/ العربي الجديد ــ 10 مايو 2015

[15] مصطفى عبد السلام/ عن أموال مبارك في سويسرا.. ما الذي جرى؟/ العربي الجديد ــ 21 ديسمبر 2017

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022