أدَّت عدة أيام من القتال بين القوات الحكومية والميليشيات إلى تصاعد حالة عدم اليقين السياسي بشأن الانتخابات الوطنية التي طال انتظارها. فبعد أسابيع من الخلافات الساخنة بين الرئيس المُنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي بشأن اختفاء جاسوسة، وافق الرجلان أخيرًا على المُضي قدمًا. وطبقًا لاتفاق وقَّع عليه روبلي وفرماجو؛ فإن تسريع الانتخابات يمثل أولوية قصوى. فالصومال ليس لديها حاليًا سلطة وطنية شرعية، بعدما انتهت صلاحيات المؤسسات الفيدرالية في فبراير والتي لا يُمكن تمديدها دستوريًا. فماذا كانت الخلفيات التي سبقت الانتخابات؟ وكيف تسير العملية الانتخابية في الصومال؟ وما هي التحديات التي تواجهها؟ وما هو الموقف الدولي منها؟ وكيف يُمكن قراءة الوضع في الصومال في ظل الوضع في القرن الإفريقي؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها..
خلفيات الانتخابات:
شهد الصومال في العام الجاري أزمة سياسية، بعد فشل خطط إجراء الانتخابات التي كانت مقررة في فبراير الماضي بسبب عدم الاتفاق بين القوى السياسية داخل البلاد على كيفية تنظيمها، ثم انهيار المحادثات بين حكومة مقديشو والقادة المحليين في أبريل الماضي. وطلب فرماجو في هذا السياق من المشرعين تمديد ولايته لمدة عامين ما أدى إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية واشتباكات في مقديشو، واضطر الرئيس المنتهية ولايته إلى التخلي عن خططه وكلف رئيس الوزراء بقيادة الاستعدادات لإجراء انتخابات غير مباشرة هذا العام، وفقًا للاتفاق المُبرم في 17 سبتمبر 2020.[1] ووقَّع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء اتفاقية من أجل تسريع العملية الانتخابية المتأخرة لينهيا الخلاف الشديد بينهما الذي كان يهدد بانفجار أزمة جديدة. وكان المسئولان قد دخلا في نزاع بسبب تعيين مسئولين أمنيين كبار وإقالة آخرين، وتسبَّب هذا في جدل استمر لشهر أثار مخاوف على استقرار الصومال وحرف الأنظار عن مواجهة الجماعات المتشددة. وقال الرئيس محمد عبد الله فرماجو ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي في بيان مشترك إنهما “اتفقا على تسريع العملية الانتخابية بدعوة الولايات الاتحادية للبدء بانتخابات البرلمان في الأسابيع القليلة القادمة”. وكان صراع الزعيمين على السلطة قد ظهر علانيةً بعدما أقال روبلي مدير وكالة الاستخبارات بسبب طريقة إدارته لعملية التحقيق في اختفاء عميلة شابة لجهاز المخابرات. وألغى الرئيس فرماجو قرار رئيس الوزراء وعين مدير الوكالة مستشارًا أمنيًا له، وأعلن سحب الصلاحيات التنفيذية من روبلي حتى نهاية العملية الانتخابية. وردًا على ذلك اتهم روبلي الرئيس بـ “العمل على شل عمل الحكومة”. ثم أعلن الرجلان إنهما سيتوقفان عن الجدل حول التعيينات ويدعمان تحقيقًا قضائيًا في اختفاء العميلة إكرام تهليل التي تتهم عائلتها مسئولي الاستخبارات ووكالة الأمن الوطني بقتلها. وجاء في البيان أن “القيادة وافقت على السماح للأجهزة الأمنية بمساعدة الجهاز القضائي في التحقيقات”. ويرى مراقبون أن الأزمة الانتخابية حرفت الأنظار عن مشاكل الصومال الكبرى، مثل حركة الشباب المتطرفة التي طُرد مسلحوها من مقديشو قبل عقد من الزمان لكنهم يسيطرون على أجزاء من الريف حيث يشنون هجمات دامية على العاصمة من هناك.[2]
سير العملية الانتخابية في الصومال:
بدأت الصومال يوم الاثنين 1 نوفمبر في انتخاب مجلس النواب، وهي المرحلة التالية في عملية مضطربة تأخرت طويلًا نحو انتخابات رئاسية تحوَّلت في بعض الأحيان إلى أعمال عنف. تم انتخاب أول نائبين لمجلس النواب القادم المُكون من 275 عضو في البرلمان الوطني في العاصمة مقديشو تحت إجراءات أمنية مشددة. وقال رئيس الوزراء محمد حسين روبلي في بيان مُقتضب بعد ذلك “يسعدني أننا بدأنا اليوم رسميًا انتخاب مجلس النواب الصومالي”. لم تُجر الصومال انتخابات أحادية الصوت منذ 50 عامًا. وجاء الاقتراع يوم الاثنين في أعقاب نموذج مُعقد غير مباشر استُخدم في الماضي لاختيار قادة جُدد. تم تعيين ما يقرب من 30 ألف مندوب عشائري لاختيار 275 نائبًا لمجلس النواب، بينما تنتخب المجالس التشريعية الخمس في الصومال أعضاء مجلس الشيوخ المُكون من 54 عضو. بمجرد انتخاب مجلسي البرلمان وأداء القسم، يصوتون بعد ذلك لانتخاب الرئيس المُقبل. وتأجَّلت الانتخابات متعددة المراحل لأكثر من عام بسبب الخلافات السياسية على أعلى المستويات الحكومية. وانتهت انتخابات مجلس الشيوخ في جميع الولايات باستثناء غالمودوغ. وأضاف روبلي “أطلب من الأقاليم الصومالية أن تبدأ انتخابات مجلس النواب في أسرع وقت ممكن، وأتطلع إلى رؤية العملية تتم بشكل سلمي”. سيكون العضوان اللذان تم انتخابهما يوم الاثنين من بين 46 نائبًا يمثلون بشكل افتراضي المنطقة الشمالية الغربية من أرض الصومال، وهي جمهورية انفصالية لا تعترف بها الدول الأخرى، وتدير نفسها كدولة أمر واقع، بينما لا تزال الصومال تعتبرها أرضًا ذات سيادة وتخصص لها مقاعد في البرلمان الوطني. وقال مسئولو الانتخابات إنهم يتوقعون أن تنتهي انتخابات مجلس النواب في أوائل ديسمبر، مع انتخابات رئاسية بحلول نهاية العام. وكانت آخر انتخابات مباشرة في الصومال في عام 1969، وهو العام الذي قاد فيه سياد بري انقلابًا واستمر في الحكم لمدة عقدين.[3]
التحدي الأكبر لانتخابات الصومال:
تعهَّدت جماعة الشباب المتطرفة المرتبطة بالقاعدة في الصومال بتعطيل العملية الانتخابية. وأسفر القتال بين القوات الإقليمية المدعومة من الجيش الفيدرالي والميليشيات الصوفية المعتدلة المتحالفة فيما مضى في إقليم جلجدود بوسط الصومال عن مقتل أكثر من 100 شخص، وأصابت الاشتباكات 200 آخرين. وقال الشيخ محمد شاكر علي حسن في بيان صدر نهاية أكتوبر الماضي أن الحكومة المركزية نشرت المزيد من القوات من العاصمة مقديشو إلى بلدة جوري إيل في جلجدود. وأثَّرت أعمال العنف على الخدمات الطبية في المنطقة وألحقت دمارًا هائلًا بمستشفيين في المنطقة. نتيجة لذلك، فر أكثر من 100 ألف شخص إلى القرى المجاورة. وقال مفوض المنطقة أنس عبدي: “لا يمكننا وصف مستوى الدمار الذي خلفه الصراع هنا في منطقة جوري إيل، لكننا ملتزمون بكل ما في وسعنا لإعادة المتضررين والنازحين إلى المنطقة، والحصول على المساعدة واستئناف سبل عيشهم”. وزعمت الجماعة الصوفية المعتدلة أنها استولت على المنطقة لتكثيف قتال متمردي حركة الشباب في المنطقة. ومع ذلك، يعتقد كل من مسئولي الحكومة المركزية والولاية أن قادة الجماعة كانوا يعيدون تجميع صفوفهم في محاولة للتأثير على الإدارة الإقليمية في الانتخابات المقبلة.[4]
الموقف الدولي من انتخابات الصومال:
بحث المبعوث الأممي إلى الصومال، جيمس سوان، الأحد 7 نوفمبر، مع رئيس وزراء الصومال، محمد حسين روبلي، ورئيس لجنة الانتخابات الفيدرالية محمد حسن عرو، استكمال محطات الانتخابات وإنهاء العراقيل التي تقف في وجه الاستحقاقات المتعثرة. يأتي اللقاء ضمن ضغوط دولية تتواصل لإنهاء حالة الجمود وإنقاذ البلاد من فراغ دستوري يضر مساري بناء الدولة والمصالحة الوطنية الشاملة بعد انتهاء ولاية الرئيس محمد عبد الله فرماجو في فبراير الماضي. وكانت 15 دولة وعدد من المنظمات والتكتلات السلطات الصومالية قد دعت إلى تسريع وتيرة إجراء الانتخابات في البلاد. جاء ذلك في بيان مشترك أصدرته البعثات الدبلوماسية لكل من الاتحادين الإفريقي والأوروبي، ومنظمة التنمية في شرق إفريقيا “إيجاد”، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، و10 دول أوروبية، و4 دول إفريقية إضافةً إلى كندا. وقال البيان إن المجتمع الدولي يشعر بقلق عميق إزاء استمرار التأخير في العملية الانتخابية الصومالية. وأضاف أن البداية الأخيرة لعملية التصويت في مجلس النواب هي تطور إيجابي، إلا أن الجدول الزمني للانتخابات لا يزال متأخرًا كثيرًا عن الموعد المقرر ويحتاج إلى التعجيل. وشجَّع البيان الحكومة الصومالية والولايات ولجان الانتخابات الفيدرالية على التقدم بسرعة لاستكمال انتخابات مجلس الشعب الشاملة وذات المصداقية قبل نهاية عام 2021، مع الحفاظ على حصة للمرأة تبلغ 30%. [5]
الوضع في الصومال وتفاعلات القرن الإفريقي:
الحكومة الصومالية الحالية برئاسة محمد عبد الله فرماجو، تتمتع بدعم إثيوبيا وإريتريا وتربطها بهما علاقات قوية. ولكن في ظل التشابكات الإقليمية المعقدة وظروف الداخل الإثيوبي المضطربة، والتي تلقي بظلالها على الوضع في إريتريا التي تورطت في الحرب هناك؛ قد تتخلى إثيوبيا وإريتريا عن دعم الرئيس فرماجو، وهذا من شأنه أن يعزز الديناميات الانقسامية في الصومال. قد تتفاعل هذه الديناميات حتى لو لم يتم إعادة انتخاب فرماجو رئيسًا للصومال، ويُمكن للصومال أن ينزلق بسهولة إلى حرب أهلية معقدة تشمل حركة الشباب والعشائر والأقاليم الفيدرالية. فالمشكلات الداخلية للصومال تتزامن مع وجود تحديات كبرى مرتبطة باستقرار الداخل الإثيوبي، والتي تساعد قواتها العسكرية في محاربة حركة الشباب وبناء قدرات قوات الأمن الصومالية، الأمر الذي تأثَّر بعد حرب التيجراي. وعلى الصعيد السياسي تحاول إثيوبيا إعادة تشكيل تحالفات القرن الإفريقي عن طريق خلق محور جديد مع كلٍّ من إريتريا والصومال، وأعلنت الدول الثلاثة تشكيل كتلة إقليمية جديدة تعرف باسم مجلس تعاون القرن الإفريقي. ومن المُرجَّح أن يؤثر التحالف الثلاثي في القرن الإفريقي على الشركاء الإقليميين الآخرين الذين يواجهون خسائر محتملة من حيث التأثير الاستراتيجي في المنطقة. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدى روابط النقل الإثيوبي عبر إريتريا أو الصومال إلى تقويض موقف جيبوتي كمركز اقتصادي ولوجيستي، كما أن التعاون الوثيق بين الجيران الثلاثة يمكن أن يؤدى كذلك إلى تقليص النفوذ الكيني في المنطقة. وبالفعل العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا متدهورة منذ عام 2019 بسبب نزاع إقليمي بحري. كل هذا أثَّر سلبًا على بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، وفى الوقت نفسه قام رئيس جمهورية صوماليلاند موسى عبدي بزيارة دبلوماسية إلى كينيا وطالب بالاعتراف الدول بصوماليلاند كدولة مستقلة، وبالفعل أعلنت كينيا عن فتح قنصلية لها في هرجيسا وإرسال رحلات مباشرة للخطوط الجوية الكينية إليها. وهو ما يعكس شدة الانقسام بين كينيا والصومال، والذي يؤثر بدوره على أمن واستقرار الصومال.[6]
الخُلاصة؛ من الجيد أن الصومال قد استطاعت الوصول لتلك المرحلة؛ إلا أن ذلك لا يجب أن يُنسينا ما تواجهه الصومال من أزمات؛ أولها؛ النظام الانتخابي الذي حاولت الجهات المانحة لسنوات عديدة تغييره، والذي يستند إلى قاعدة عشائرية، مما يعطى فرصًا كثيرة للرشوة والمحسوبية، ويعزز هوية العشيرة، وهو ما يفضى إلى انقسام أساسي وإشكالي في الحياة السياسية والاجتماعية في الصومال. وثانيها؛ التوتر بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم، وخاصةً إقليم جوبالاند، حيث تدهورت العلاقات بسبب الخلاف السياسي حول تقاسم السلطة. فبينما تريد الأقاليم مزيدًا من الحكم الذاتي، تريد الحكومة المركزية تعزيز سلطة المركز على حساب الأقاليم. وثالثها؛ تمرد حركة الشباب العنيف، حيث تم طرد حلفاء القاعدة من مقديشو قبل عقد من الزمان لكنهم احتفظوا بالسيطرة على مساحات شاسعة من الريف ويواصلون شن هجمات مميتة في العاصمة وأماكن أخرى. ومن ثمَّ؛ فيجب أن تقترن الجهود المبذولة لبناء القوات الفيدرالية ومؤسسات الدولة الصومالية بعد الانتخابات بإجراءات مساءلة ذات مغزى، وتغييرات هيكلية عميقة وفعَّالة. كما يتعين على الصومال أن تحل مشكلتها مع كينيا بالوسائل الدبلوماسية دون قطع العلاقات. وفى المقابل، يجب على كينيا الاستمرار في ممارسة ضبط النفس الدبلوماسي، والوفاء بالتزاماتها تجاه تحقيق السلم والأمن في منطقة القرن الإفريقي.
[1] “الصومال.. ضغوط دولية لإنهاء الفراغ الدستوري”، Sky News، 8/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/yW0xa
[2] “الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء ينهيان خلافهما باتفاق “من أجل تسريع العملية الانتخابية”، عربي BBC، 22/10/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/J0GkO
[3] “Somalia kicks off next stage of long-delayed elections”, Africa News, 1/11/2021. At: https://cutt.us/Cuyr4
[4] Mohamed Odowa, “Somalia: Renewed clashes dim hopes of a credible election”, DW, 28/10/2021. At: https://cutt.us/g3ekk
[5] “الصومال.. ضغوط دولية لإنهاء الفراغ الدستوري”، مرجع سبق ذكره.
[6] د. حمدي عبد الرحمن، “معضلة “أميصوم”: تأثير الداخل الصومالي على توازنات القرن الأفريقي 2021″، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 20/12/2020. متاح على الرابط: https://cutt.us/xmeeR