مشروع القانون البريطاني لتصنيف حماس كحركة إرهابية: الدوافع والتداعيات

 

أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل، في 19 نوفمبر 2021، أنها بدأت في استصدار قانون من البرلمان يصنف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كمنظمة “إرهابية” ويتم حظرها في المملكة المتحدة، مبررة ذلك بالتزام حكومتها بالتصدي “للتطرف والإرهاب” لأن الحركة “لديها إمكانيات إرهابية كبيرة تشمل إمكانية الوصول إلى أسلحة واسعة النطاق ومتطورة”[1]. وليقر البرلمان البريطاني، فى 24 نوفمبر، مذكرة وزيرة الداخلية بضم حركة “حماس” إلى قائمة “المنظمات الإرهابية”[2].

ويعتبر هذا القرار البريطانى انقلاباً على تقليد أو ميزة لطالما امتازت بها بريطانيا، وهي استخدام البراغماتية في تعاطيها مع الملفات الساخنة، ولاسيما في مقاربة القضية الفلسطينية. فهي لم تُجارِ في السابق، على سبيل المثال، بعضَ الدول الأوروبية والولايات المتحدة في تصنيف شامل لحركة (حماس) في خانة “الإرهاب”، بل أبقت على شعرة معاوية، مستخدمةً تصنيفاً آخر تميّز فيه بين الجناحين العسكري والسياسي للتنظيم الفلسطيني. ما استجد، عبر معاقبة كل بريطاني يرفع راية “حماس”، أو يتواصل مع أعضاء ينتمون إليها، بالسَّجن مدةً قد تصل إلى أربعة عشر عاماً، يشي بتبني سياسة صريحة للحكومة البريطانية في الشرق الأوسط، جوهرها الاصطفاف إلى جانب محور يعادي المقاومة وينحاز بصورة كاملة إلى “إسرائيل”[3]. وتسعى هذه الورقة إلى الوقوف على أهم دوافع القرار البريطانى وما سيسفر عنه من تداعيات.

أولًا: دوافع القرار البريطاني بتصنيف حماس كحركة “إرهابية”:

يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأسباب والدوافع التى تقف خلف قرار وزيرة الداخلية بتصنيف حماس كحركة “إرهابية”، تتمثل أبرزها فى:

1- ذكرى وعد بلفور:

يأتى هذا القرار بعد أيام من ذكرى وعد بلفور، 2 نوفمبر 1917، ومطالبة الفلسطينيين لبريطانيا بتقديم اعتذار عن هذا الوعد وتعويض الفلسطينيين عما لحقهم من أضرار بسبب هذا الوعد الذي قطعه وزير خارجية بريطانيا للحركة الصهيونية وهو القرار الذي ما كانت تقوم دولة الكيان الصهيوني بدونه، لكن يبدو أن الحكومة البريطانية تعيد رسم ملامح ما ارتكبته من خطيئة سياسية تاريخية بحق الشعب الفلسطيني ابان وعد بلفور، والذي منحت بموجبه “تأسيس وطن قومي لليهود” على أرض فلسطين ابان الحرب العالمية الأولى، لكن هذه المرة بمحاربة وتصنيف مكون أساسي من الشعب الفلسطيني وهي حركة حماس بـ “الإرهاب”.

وفي ظل عدم وجود أي نشاط أو مكاتب أو تواجد لحركة حماس في بريطانيا، فإن هذا القرار سيستهدف أي فلسطيني أو غيره من الأشخاص الذين يدعمون القضية الفلسطينية؛ وسيجرم أي دعم للقضية الفلسطينية مستقبلا بذريعة دعمهم لحركة حماس[4].

2- الميول الصهيونية لوزيرة الداخلية:

حيث تشتهر وزيرة الداخلية بريتى بايتل بميولها الصهيونية المتطرفة المعروفة ودعمها لدولة الاحتلال. وبالعودة إلى عام 2017، نجد أن باتيل أُجبرت على تقديم استقالتها من حكومة تيريزا ماي، بسبب تنظيمها لاجتماعات سرية مع الحكومة الإسرائيلية، ومناقشتها مسألة منح مساعدات بريطانية للجيش الإسرائيلي، من أموال المساعدات الخارجية التي تمنحها لندن للدول الفقيرة، وليس لجيش له تاريخ طويل من الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد المدنيين، الأمر الذي اعتبرته الحكومة وقتها مخالفة لتوجهات المملكة[5].

وقد شغلت باتيل سابقا منصب “رئيس مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين”، ما يكشف مدى تأثير اللوبيات وداعمي إسرائيل في الحكومة البريطانية الحالية، وقد يعكس ضغط لوبيات غير بريطانية مثل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة “إيباك” حيث أعلنت باتيل عن نيتها بشأن حماس من واشنطن لا بريطانيا.

ويبدو أن الوزيرة اختارت توقيت القرار الآن لتوقعها تمرير مجلس العموم له حيث يمتلك المحافظون أغلبية برلمانية كبيرة. كما أن 80 بالمئة من البرلمانيين المحافظين أعضاء في “مجموعة أصدقاء إسرائيل” في الحزب[6]. ويبدو أن باتيل التى أوصلها الدعم الصهيونى إلى منصب وزير الداخلية فى حكومة جونسون، تسعى إلى الاعتماد على هذا الدعم من أجل الوصول إلى رأس الهرم السلطوي في المملكة[7].

3- تصاعد التيار المؤيد لإسرائيل داخل الحكومة والأحزاب البريطانية:

لم يكن موقف باتيل إلا حلقة في سلسلة طويلة داخل تيار كبير من المحافظين الداعمين لـ”إسرائيل” داخل بريطانيا، فوزيرة الداخلية المعروفة بخلفياتها الأيديولوجية والسياسية تنتمى لحزب المحافظين الذي كان ينتمي له بلفور إبان عهده، وهو نفسه الحزب البريطاني الذي يعطي ولائه كاملا للاحتلال الإسرائيلي[8].

وعقب دعم حكومة لندن للعدوان الإسرائيلي الأخيرة على غزة مايو 2021، نشرت صحيفة Declassified UK تحقيقا استقصائيا كشفت فيه أن ثلث وزراء الحكومة، بمن فيهم رئيس الوزراء جونسون، مولتهم إسرائيل هي واللوبي المؤيد لها. وكشف الموقع في 22 مايو 2021 الطرق التي تعاملت من خلالها إسرائيل مع أعضاء الحكومة البريطانية على مر السنين، لإخضاعهم. وأشار إلى بعض أساليب “التودد وإغراء نواب بريطانيين بعدة طرق”، منها تنظيم رحلات لهم إلى إسرائيل بدعم مالي من جماعات اللوبي الصهيونية، وتمويل حملاتهم الانتخابية.

وبحسب الصحيفة البريطانية، جرى تنظيم زيارة لرئيس الحكومة الحالية بوريس جونسون، لمدة خمسة أيام إلى تل أبيب في نوفمبر2004، مدفوعة الأجر، كما دعمت مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل (CFI) أيضا حملته لرئاسة بلدية لندن عام 2012. وبينت أن إسرائيل دفعت أيضا تكاليف رحلات خمسة وزراء في مجلس الوزراء الحالي هم: ألوك شارما، وكواسي كوارتنغ، وروبرت جينريك، وأوليفر دودن، وأماندا ميلينج، إلى تل أبيب من عام 2011 إلى 2016. كما مولت مجموعة اللوبي الصهيونية الأميركية “إيباك” زيارة وزيرين بريطانيين هما: مايكل جوف، وبريتي باتيل، لواشنطن لحضور مؤتمراتها.

ولأن حزب العمال ورئيسه السابق جيرمي كوبين من المناصرين للقضية الفلسطينية والمناهضين للاحتلال الإسرائيلي، فقد عملت إسرائيل على تدبير انقلاب داخل الحزب لصالح مؤيديها وإبعاد الرجل وأنصاره، وفق تقديرات لصحف بريطانية. تمكنت من إحداث انقلاب كبير داخل “العمال” أدى إلى إزاحة كوربين، زعيم الحزب، وتنصيب كير ستارمر، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، بدلا منه. وعمل “ستارمر” بقوة على لجم تيار اليسار في الحزب وعزل المناصرين للقضية الفلسطينية فيه، بدعوى «مكافحة معاداة السامية» حسب قول الصحافي البريطاني جوناثان كوك على موقع “ميدل إيست آي” 29 يونيو 2020.

ففي مارس 2019 تعرض كوربين إلى حملة تشهير إعلامية وقفت خلفها تل أبيب اتهمته بالتسامح مع معاداة السامية داخل الحزب، خاصة وأنه يعلن من وقت لآخر أن إسرائيل مشروع عنصري. ليوقف حزب العمال عضوية كوربين 29 أكتوبر 2020 بدعوى تهوينه من شأن تقرير يتناول بالتفصيل أوجه قصور خطيرة في تعامل الحزب مع شكاوى بشأن معاداة السامية خلال فترة قيادته للحزب بين عامي 2015 و2019. ثم أعيدت له العضوية في 18 نوفمبر 2020 لأن الادعاءات الجاهزة ضده بمعاداة السامية جاءت على أساس أن تعريف الأمر يشمل أيضا أي نقد موجه لإسرائيل، ولعضويته في حركة مقاطعة إسرائيل الدولية BDS.

واقعة أخرى أظهرت اختراق إسرائيل واللوبي المؤيد لها حزب العمال، هي استقالة وزيرة في حكومة الظل لأنها نشرت مقالا تنتقد فيه قمع الشرطة الإسرائيلية، بدعوى معاداتها للسامية. ريبيكا لونغ بيلي انتقدت على حسابها على مواقع التواصل «الأساليب التي استخدمتها الشرطة الأميركية بالجثو على رقبة جورج فلويد (توفي وقتها) وقالت إنها تعلمتها من الشرطة السرية الإسرائيلية”، فجرى إقالتها، بحسب وكالة رويترز البريطانية 25 يونيو 2020[9].

4- محاربة التنامى الشعبى المؤيد للفلسطينيين:

منذ أن تبنت حكومة تيريزا ماي، عام 2016، التعريفَ الجديد الذي وضعه “التحالف الدولي لذكرى المحرقة ” لمعاداة السامية”، بدأ مسار جديد في مقاربة التنامي الشعبي المؤيد للرواية الفلسطينية. التعريف الجديد وضع الانتقادات الموجَّهة إلى “إسرائيل” ضمن سياق معاداة السامية، بحيث أشار إلى “أن من معاداة السامية اتهامَ اليهود بأنهم موالون لإسرائيل أكثر من دينهم أو دولهم، أو وصف إسرائيل بأنها دولة عنصرية في جوهرها”. ويمثّل هذا التبني الواضح لحكومة المحافظين نقطةَ انطلاق في التضييق على المتضامنين مع فلسطين، وخصوصاً تجاه حركة “بي دي أس”، التي باتت تُوجع كثيراً “إسرائيل” بسبب تأثيرها الاقتصادي المهم.

وتحاول الحكومة، في هذا السياق، فرض التعريف الجديد لمعاداة السامية على المدارس والجامعات، سعياً منها لإسكات الصوت الفلسطيني، مستخدمةً لغة التهديد تجاه بعض المؤسسات الأكاديمية بوقف التمويل عنها في حال رفضها التعريف الجديد، الأمر الذي اضطر نحوَ ثلاث وتسعين جامعة إلى تبني التعريف الجديد لمعاداة السامية.

وكانت مؤسسة “مجموعة الحقوق كيج” تقدَّمت بدعوى قضائية أمام المحاكم البريطانية ضد وزير التربية السابق غافن ويليامسون بسبب محاولته فرضَ الحياد السياسي بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بعد وصفه ما يجري في المدارس بـ”الزيادة المقلقة في الحوادث المعادية للسامية”[10]. كما قام الطلبة، في جامعة لندن للاقتصاد، بطرد السفيرة الإسرائيلية في لندن، تسيبي حيتبلي، والتي سبق أنْ شغلت منصب وزيرة المستوطنات في الحكومة الإسرائيلية، وذلك بعد أن تلقَّت الجامعة المرموقة طلبًا موقّعا من 500 طالب من مختلف الجامعات في لندن، يطالبون فيه بعدم استضافة السفيرة[11].

لم تتوقف الحركة الصهيونية في المملكة المتحدة على تضييق الخناق على التمدد الفلسطيني في المشهد البريطاني بالجامعات فقط، بل روجت جماعات الضغط الإسرائيلية في وسائل الإعلام البريطانية فكرةَ الشيطنة، ليس فقط للناشطين الفلسطينيين، بل أيضا لحركة “حماس”، وخصوصاً بعد خروج عشرات آلاف المتضامنين البريطانيين مع أبناء غزة فى حرهم الأخيرة فى مايو الماضى.

واعتبر الكاتب البريطاني المعروف، وذو الميول الصهيونية، جايك سايمون، في مقال له في صحيفة spectator في مايو من العام الحالي، “أن لندن تحوّلت إلى واحد من أكبر المراكز لحركة حماس في العالم”، مضيفا أن “حماس” باتت “تستخدم لندن منصةً لجمع أموال من أجل استخدامها في قتل الإسرائيليين”. وأشار سايمون إلى أن أعضاء من مجلس أمناء اليهود في بريطانيا عقدوا اجتماعاً طارئاً، في مايو من العام الحالي، برئيس الحكومة البريطانية من أجل مطالبته بحظر الجناح السياسي لحركة “حماس” في بريطانيا[12].

5- تعزيز التقارب البريطانى مع واشنطن والابتعاد عن أوروبا:

إن الخطوة البريطانية تأتي تأكيدًا على أحد الدوافع التي حثت بريطانيا على خروجها المدوي من الاتحاد الأوروبي، وهو التغريد بعيدًا عن السياسة الخارجية الأوروبية التي تُعرف بمواقفها الأكثر مرونة مع الجانب الفلسطيني من الولايات المتحدة.

فبريطانيا بتصنيف “حماس” حركة إرهابية تنضم إلى الولاياتُ المتحدة التى تدرج الحركة على قوائم الإرهاب. أمَّا أوروبا، فقد تنقلت من وصْمِها بالإرهاب إلى تبرئتها منه، عدّة مرّات، ثم انتهت، في شهر سبتمبر من عام 2019، إلى رفعها من قوائم الإرهاب. وكان الموقف الأوروبي، بعد المواجهة بين الاحتلال وفصائل المقاومة في غزة، في شهر مايو الفائت، أنه يمكن للاتصالات الأوروبية مع “حماس” أنْ تتم، بشكل مباشر، أو غير مباشر. وصرّحت، وقتها، المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إن “المحادثات غير المباشرة” مع حركة حماس ضرورية لإعطاء دفع للجهود الهادفة إلى إنهاء العنف. وأضافت: “بالطبع، يجب ضمُّ حماس (إلى المحادثات)؛ لأنه من دونها لن يكون هناك وقف لإطلاق النار”[13].

ولذلك يبدو قرار وزارة الداخلية محاولة للتقرب من الموقف الأمريكي وربما إشارة إلى أن بريطانيا باتت تسير في ركاب السياسة الخارجية الأمريكية التي تراها أكثر ملائمة لمصالحها، ويمكن أن يُفهم منه كذلك أن لندن ستتخذ موقف مشابه لواشنطن من طهران في توقيت حساس يستبق العودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا من خلال الضغط على طهران بحظر أحد حلفائها المهمين[14].

كذلك يمكن النظر إلى القرار باعتباره جزء من السياسات الدولية التصعيدية من قبل أمريكا وبريطانيا واستراليا ضد كل من روسيا والصين وإيران فى ظل حالة الحرب الباردة بينهما. حيث تنظر تلك الدول إلى حماس باعتبارها أحد أذرع إيران – القريبة من روسيا والصين –  فى المنطقة، خاصة بعد قيام طهران بنقل تكنولوجيا الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة الإيرانيّة إلى قطاع غزة، واستخدام ذلك كنوع من الضغط على الإدارة الأمريكية والإسرائيلية فى الملف النووى[15]. ولعل ما يدعم ذلك، تزامن القرار البريطانى بتصنيف حماس بشقيها السياسى والعسكرى كحركة “إرهابية” مع إعلان الحكومة الأسترالية، 24 نوفمبر الحالى، تصنيف “حزب الله” اللبناني، بجناحيه السياسي والعسكري، “منظمة إرهابية”[16].

6- التطبيع العربى مع إسرائيل وشيطنة حماس:

يأتى القرار البريطانى بعد أن سلكت الدول العربية هذا المنحى عندما قامت بوضع حماس على قوائم الإرهاب كما أن بعض العواصم العربية قد طبّعت العلاقات مع إسرائيل، مما سهل لبريطانيا أن تسلك نفس السلوك باعتباره مقبول على المستوى العربي، لأن كل دولة تتمتع بسيادة ولها شأنها الخاص وما يتوج كل هذه الأسباب تراجع دور جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط وحركة حماس إحدى فروعها[17].

وما يؤكد أن اللوبي العربي الصهيوني لعب دوراً في تشجيع الحكومة البريطانية ودفعها نحو توسيع تجريم حركة حماس، هو أنه بمجرد إعلان اعتزام وزيرة الداخلية بريتي باتيل اتخاذ هذا القرار، سارع العديد من وسائل الإعلام التي تبث من دول التطبيع، إلى نشر تقارير ومعلومات تتعلق بأنشطة مزعومة لحركة حماس على الأراضي البريطانية، وهي تقارير من الواضح أنها تهدف إلى التحريض على الجالية العربية والفلسطينية، واستغلال هذا التطور من أجل التحريض على بعض المعارضين العرب، من خلال المسارعة باتهامهم أن لهم علاقة بحركة حماس، لا بل ذهبت بعض وسائل الإعلام المطبعة إلى اتهام مؤسسات إعلامية عربية تعمل في لندن بأنها تروج لأفكار حركة حماس[18].

7- التغطية على عودة الزخم للقضية الفلسطينية:

يأتى القرار بهدف التشويش على النجاحات التى حققتها القضية الفلسطينية على المستوى الدبلوماسي الدولي، فقد حققت فلسطين، فى 19 نوفمبر 2021، انتصارًا كبيرًا بحصولها على 157 صوتًا لصالح قرار “السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل، على مواردهم الطبيعية”، في مقابل معارضة 7 دول فقط من بينها أمريكا وكندا[19].

كذلك تسعى بريطانيا بمظهر المنقذ لشعبية إسرائيل المتراجعة في الأوساط البريطانية والدولية بإعادة العزف على وتر الجماعات الإرهابية، والإدعاء بأن حماس تمارس أعمالًا إجرامية، وذلك للتشويش على إجراءات المحكمة الجنائية الدولية والتي تباشر جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، باعتبار أن حماس تمارس أعمال إرهابية أيضًا[20].

كما تهدف بريطانيا إلى التغطية على عودة الزخم للقضية الفلسطينية بعد حرب غزة الأخيرة، والمكاسب الكبيرة التى حققتها حركة حماس خلال تلك الحرب سواء عبر إثبات قدرتها على توجيه ضربات عسكرية مؤلمة لإسرائيل وامتلاكها لأسلحة حديثة ومتطورة قد تخلق نوع من توازن الردع مع تل أبيب، أوعبر التأكيد على أنها أصبحت الفاعل الأبرز والأقوى فى القضية الفلسطينية ما أثر بالسلب على دور السلطة الفلسطينية المتماهية مع الاحتلال والمدعومة دوليًا، أو عبر إجبار الأطراف الدولية على ضرورة فتح قنوات تواصل مع حماس لوقف التصعيد.

لم يتبقى هنا، سوى أن نشير إلى هشاشة المسوغات التى أعتمدت عليها بريطانيا فى تصنيفها لحركة حماس “إرهابية”:

فالمسوّغ الأول، وهو ذريعة معاداة “حماس” السامية، فيفنِّده خطابُ الحركة الرسمي، بالإضافة إلى مواقفها المتتابعة. فقد جاء في “وثيقة المبادئ والسياسات العامَّة” التي أصدرتها الحركة، عام 2017، في البند السادس عشر: “تؤكِّد حماس أنَّ الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعًا مع اليهود بسبب ديانتهم؛ وحماس لا تخوض صراعًا ضد اليهود لكونهم يهودًا، وإنَّما تخوض صراعًا ضدَّ الصهاينة المحتلِّين المعتدين؛ بينما قادة الاحتلال هم من يقومون باستخدام شعارات اليهود واليهودية في الصراع، ووصف كيانهم الغاصب بها”. وتوالت مواقف “حماس”، بما لا يتعارض مع هذا البند، إذ انصبَّ هجومُها على الاحتلال، أو على إسرائيل، بوصفها دولةً محتلة، لا على اليهود، والديانة اليهودية، ولم تستهدف اليهود في أنحاء العالم؛ لمجرّد أنهم يهود، بل إنها حصرت أعمالها النضالية في حدود فلسطين.

أما الذريعة الثانية، الإرهاب، فالثابت أنَّ “حماس” هي حركة مقاومة، للاحتلال، وهي تحاجِج، باستمرار، كما ورد في تعليقها الرسمي على مشروع القانون البريطاني بأنَّ “الاحتلال هو الإرهاب، ومقاومته هي حقٌّ مكفولٌ للشعوب، تحت الاحتلال، في القانون الدولي، بكلِّ الوسائل المتاحة، بما فيها المقاومة المسلَّحة”. ومن الشواهد الواضحة في ممارساتها أنها تتجنّب إيقاع الضحايا بالمدنيِّين، مقابل ما ارتكبته دولةُ الاحتلال، بقوّتها الفائقة، والمفرطة، بحقّ المدنيِّين ومساكنهم، وحتى المؤسَّسات الإعلامية، وخصوصًا في قطاع غزة، كما في المواجهة العسكرية أخيرا في مايو الماضي، غير المتكافئة، إذ تعمّدت حركتا حماس والجهاد الإسلامي إنذار الإسرائيليين، قبل إطلاقهما الصواريخ، ولم تكن حركات المقاومة في غزة تستهدف الأبراج السكنية، كما فعلت قوّات الاحتلال، بقدر ما أرادت إرسال رسائل ردع، وإرباك، وضغط، في حين لم يكن القصف الاحتلالي، بالطائرات الحربية، يُسبَق، دائمًا، بإنذارات، إذ استهدف أبراجًا سكنية، بشكل مفاجئ، ومن دون سابق إنذار. فلو كانت الملابسات التي جرت في المواجهات والاعتداءات الاحتلالية على القطاع (وغيره) سببًا للإدانة بالإرهاب، فإنَّ دولة الاحتلال، ينبغي أن تُشمَل به، قطعًا. وهي غيرُ بعيدة، حتى وَفْق تقارير دولية، عن اقتراف جرائم حرب، وغير بريئة، بالتالي، من جريمة “إرهاب الدولة”[21].

ثانيًا: تداعيات القرار:

يمكن الإشارة إلى مجموعة من التداعيات المتوقعة للقرار البريطانى بتصنيف حماس كحركة “إرهابية”، تتمثل أبرزها فيما يلى:

– تضييق الخناق على حركة حماس:

القرار ينضوي على حزمة من التبعات التي تصب في النهاية في إطار تضييق الخناق على الحركة الفلسطينية (حماس)، أبرزها تجفيف منابع التمويل وتجريم الدعم بشتى أنواعه، بما يشمل منع التعاطف والدعاية والترويج للحركة وأنشطتها والدفاع عنها خاصة وحقوق الشعب الفلسطيني برمته بصفة عامة.

ومن ثم.. فحين يدخل القانون دائرة التنفيذ سيصبح أي نشاط من أنشطة الحركة داخل بريطانيا، أو المتعاطفين معها، مجرم بصورة قانونية، ويتعرض صاحبه للمساءلة التي ربما تصل للحبس لأكثر من 14 عامًا وفق ما ذهب بعض الخبراء القانونيين، تفسيرًا للقرار وفق لائحة القانون البريطاني لمكافحة الإرهاب والتطرف.

وبالتالى، فإن أي عضوية في حركة حماس تجعل صاحبها تحت المساءلة القانونية وتقديم لوائح جنائية ضده، كما أن أي مظاهرة تخرج في بريطانيا لدعم الفلسطينيين ربما يتم منعها، بل ويعاقب منظموها في حال رفع شعارات حمساوية أو ترديد شعارات تؤيد المقاومة والحركة.

كذلك من المتوقع أن يسفر هذا القرار عن معارك قانونية كبيرة في الداخل البريطاني نفسه، فهناك العديد من المؤسسات الخيرية والإنسانية الإنجليزية التي تعمل في قطاع غزة ولديها اتصالات مكثفة مع مسؤولين بحركة حماس، وهنا تساؤل: هل يتم تصنيف تلك المؤسسات على أنها كيانات إرهابية؟ وهل يتم معاقبة أعضائها البريطانيين على تواصلهم مع أفراد من حماس على هامش نشاطهم داخل القطاع؟[22].

وتشير الملاحظات التفسيرية للمدعين العامين، الذين يدرسون ما إذا كان يجب معاقبة شخص ما بسبب لقائه مع أعضاء جماعة إرهابية معينة، إلى أن “الاجتماعات الحميدة” توفر دفاعًا قانونيًا. وتشمل الأمثلة على “الاجتماعات الحميدة” الاجتماعات التي تستهدف تشجيع جماعة معينة على المشاركة في عملية سلام أو تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وهو ما قد ينطبق على حماس التى تقود قطاع غزة الذى تقدم له الحكومة البريطانية مساعدات إنسانية[23].

وبحسب مراقبين، فإن القرار البريطانى بتصنيف حماس “إرهابية” لن يمنع بريطانيا من إمكانية التواصل مع قادة حماس، مبررين ذلك بأن واشنطن وغالبية الدول الأوروبية صنفوا في السبعينيات منظمة التحرير الفلسطينية كحركة إرهابية ومع ذلك تم السماح لها بفتح ممثليات في هذه الدول، وتفاوضوا معها لاحقا كما تم دعوتها لحضور مؤتمر مدريد للسلام 1991 ثم توقيع اتفاقية أوسلو ويعترفون بسلطتها منذ عام 1994[24]. وفى هذا السياق، فقد أكد الصحفي البريطاني ديفيد هيرست أن رئيس الوزراء السابق توني بلير تعامل مع قادة حماس، بالتزامن مع اعتبار بريطانيا لها “إرهابية”.

وأكد هيرست في “ميدل إيست أي” 19 نوفمبر 2021 أن بلير التقى مشعل أربع مرات في العاصمة القطرية عندما كان يتولى منصب مبعوث اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، ودعاه للندن عام 2015 بعلم حكومة “ديفيد كاميرون”. بلير نفسه اعترف بهذا في 14 أكتوبر 2017، مؤكدا أن المملكة المتحدة حافظت على حوار غير رسمي مع الحركة، وأعرب عن أسفه لاستبعاد بريطانيا ودول غربية أخرى، حماس من طاولة المفاوضات.

توقيت نشر هذه الحقائق المحرج لحكومة لندن ووزيرة الداخلية قد ينعكس على مناقشات مجلس العموم لتعامل المسؤولين البريطانيين المتناقض مع حماس بين مقابلة قادتها ثم تصنيفهم إرهابيين. وقد يفتح هذا الباب للبحث عن أسباب قرار وزيرة الداخلية الآن، وهل وراءه دوافع لصالح إسرائيل أو ضغوط اللوبي الصهيوني في لندن وواشنطن؟[25].

– تقييد أنشطة جماعة الإخوان داخل بريطانيا:

للقرار تداعيات فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين التى تعتبر حماس جزء منها، حيث ستعمل الحكومة البريطانية على الحد من أنشطة التنظيم سياسيًا وإعلاميًا؛ خصوصًا وأن هناك دراسة أصدرها المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب أشار خلالها إلى أن الحكومة البريطانية أصبحت في أمس الحاجة لحسم موقفها من الإخوان، واتخاذ سياسة قوية، من أجل تضييق الخناق على نفوذ الجماعة[26]. وقد يعيد هذا القرار الزخم مرة أخرى إلى الأصوات الحكومية والبرلمانية التى كانت تطالب بتصنيف جماعة الإخوان “إرهابية”.

كذلك سيكون للقرار تأثير سلبى على الأنشطة المالية للجماعة التي تعتبر أحد مصادر تمويل الحركة، التي لها استثمارات كبيرة في بريطانيا، حيث بموجب هذا القانون أصبحت حماس غير مشروعة ويمنع التعامل معها، وهذا ما سيؤثر على الجمعيات الإسلامية العاملة في بريطانيا، التي تقدم مساعدات لحماس، حيث يمكن أن يؤدي ذلك لتقييد عملها ومصادرة حساباتها البنكية. كما أن القرار قد يمنع الأعضاء والمناصرين للجماعة من دخول بريطانيا[27].

– تشجيع الاحتلال على الاستمرار فى انتهاك الحقوق الفلسطينية:

حيث يأتي هذا القرار البريطانى في الوقت الذي تحاول مصر فيه الاضطلاع بدور كبير في تقريب وجهات النظر بين حماس وإسرائيل مما يشكل ضغطًا كبيرًا على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” للقبول بالشروط الإسرائيلية على علتها. من زاوية أخرى، فإن وضع حماس على قوائم الإرهاب من قبل دولة عظمى كبريطانيا يؤجج الداخل الفلسطيني حيث كيف يمكن أن تجرى انتخابات مقبولة دوليًا بمشاركة تنظيم إرهابي، وهو الأمر الذي يفقد عملية الانتخابات برمتها الشرعية المطلوبة. كذلك، يمنح هذا القرار إسرائيل مبرراً إضافياً في حالة قيامها بأي حرب قادمة على قطاع غزة، وذلك بتهيئة الرأي العام بمزاعم أن إسرائيل تقاتل حركة إرهابية.

أضف إلى ذلك، أن هذا الموقف البريطاني الاستفزازي في معاداته للشعب الفلسطيني يأتى في وقت يتعاظم السلوك الإرهابي والاستعماري الصهيوني وفي وقت تعلن حكومة إسرائيل أنها لا تعترف بدولة للفلسطينيين ولا بأي حقوق سياسية ولن تتفاوض أو تجلس مع الرئيس الفلسطيني. كما ياتى  تصنيف بريطانيا حركة حماس كحركة إرهابية دون أن يثبت على الحركة قيامها بأي نشاط إرهابي لا في بريطانيا ولا في أية دولة في العالم حيث النشاط العسكري لحركة حماس يقتصر على ممارستها للمقاومة ضد إسرائيل، ما يؤكد استمرار لموقف بريطانيا الداعم لإسرائيل والحركة الصهيونية والمعادي للشعب الفلسطيني[28].

– التأثير سلبًا على الدور البريطانى فى الشرق الأوسط:

يمكن القول أن هذا القرار سيؤثر بالسلب على الدور البريطانى فى منطقة الشرق الأوسط، فقد أشار رئيس مكتب العلاقات الدولية والقانونية لحركة حماس، موسى أبو مرزوق إلى تداعيات القرار البريطاني مؤكدا أن لندن هي الخاسرة لأنها عزلت نفسها بذلك عن أي مفاوضات تخص القضية الفلسطينية. وأوضح لقناة “تي آر تي عربي” التركية أن “انعكاس القرارات على الدبلوماسية البريطانية سيكون أشد من انعكاسها على حماس، وتحرم المملكة المتحدة من أن تكون فاعلا بسياسة الشرق الأوسط”[29].

[1] “حظر حماس في بريطانيا.. محاولة لفهم السياق”، نون بوست، 20/11/2021، الرابط:

[2] “البرلمان البريطاني يقر مذكرة باتيل بتصنيف حماس “إرهابية””، عربى21، 24/11/2021، الرابط:

[3] “حماس تحت مجهر “الإرهاب” في بريطانيا: مصلحة بريطانية أم رضوخ للصهيونية؟”، الميادين، 22/11/2021، الرابط:

[4] ” بريطانيا تُعيد خطيئتها التاريخية بحق الفلسطينيين!”، الرسالة نت، 20/11/2021، الرابط:

[5] “بريطانيا وفلسطين: القضية أكبر من «حماس»!”، القدس العربى، 19/11/2021، الرابط:

[6] ” بريطانيا تُعيد خطيئتها التاريخية بحق الفلسطينيين!”، مرجع سابق.

[7] “بريطانيا وفلسطين: القضية أكبر من «حماس»!”، مرجع سابق.

[8] ” بريطانيا تُعيد خطيئتها التاريخية بحق الفلسطينيين!”، مرجع سابق.

[9] ” اللوبي الإسرائيلي الأميركي في بريطانيا.. كيف ساهم بتصنيف “حماس” إرهابية؟”، صحيفة الاستقلال، 24/11/2021، الرابط:

[10] “حماس تحت مجهر “الإرهاب” في بريطانيا: مصلحة بريطانية أم رضوخ للصهيونية؟”، مرجع سابق.

[11] “في هشاشة مسوّغات بريطانيا عن “إرهابيَّة حماس””، العربى الجديد، 22/11/2021، الرابط:

[12] “حماس تحت مجهر “الإرهاب” في بريطانيا: مصلحة بريطانية أم رضوخ للصهيونية؟”، مرجع سابق.

[13] “في هشاشة مسوّغات بريطانيا عن “إرهابيَّة حماس””، مرجع سابق.

[14] “على عِلّتِه: انعكاسات القرار البريطاني بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية”، المرصد المصرى، 21/11/2021، الرابط:

[15] “”حماس” وبريطانيا… والبعد الإيراني”، العرب، 22/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3r1i15g

[16] “أستراليا تصنف حزب الله منظمة إرهابية بجناحيه السياسي والعسكري”، الخليج الجديد، 24/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3oUBuSl

[17] “على عِلّتِه: انعكاسات القرار البريطاني بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية”، مرجع سابق.

[18] “المطبّعون العرب وقرار بريطانيا بحظر حماس”، القدس العربى، 22/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3DOaDxy

[19] “بريطانيا وفلسطين: القضية أكبر من «حماس»!”، مرجع سابق.

[20] “على عِلّتِه: انعكاسات القرار البريطاني بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية”، مرجع سابق.

[21] “في هشاشة مسوّغات بريطانيا عن “إرهابيَّة حماس””، مرجع سابق.

[22] “حظر حماس في بريطانيا.. محاولة لفهم السياق”، مرجع سابق.

[23] “ديفيد هيرست: بلير دعا مشعل لزيارة لندن.. وحظر حماس لا يمنع لقاء قادتها”، الخليج الجديد (مترجم)، 21/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3nNehCp

[24] “ما وراء اتهام بريطانيا لحماس بالإرهاب.. ولماذا الآن؟”، رأى اليوم، 22/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3nNPPk9

[25] “ديفيد هيرست: بلير دعا مشعل لزيارة لندن.. وحظر حماس لا يمنع لقاء قادتها”، مرجع سابق.

[26] “على عِلّتِه: انعكاسات القرار البريطاني بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية”، مرجع سابق.

[27] “بعد حظر بريطانيا حركة حماس.. التنظيم الدولي للإخوان يترقب؟”، حفريات، 21/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3l4s59I

[28] “ما وراء اتهام بريطانيا لحماس بالإرهاب.. ولماذا الآن؟”، مرجع ساب.

[29] ” اللوبي الإسرائيلي الأميركي في بريطانيا.. كيف ساهم بتصنيف “حماس” إرهابية؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022