في محاولة لتصفية الاحتجاجات الواسعة على الانقلاب، قرَّر قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان إعادة عبد الله الحمدوك، رئيس الوزراء، إلى منصبه، بعد مرور أقل من شهر على عزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ضمن سلسلة قرارات أخرى في حينه من بينها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء، واستئثار الجيش بالحكم. عودة حمدوك أتت عقب اتفاق سياسي وقعه مع البرهان، ومن خلاله تم الالتزام بعدم تدخل مجلس السيادة الذي يرأسه البرهان في العمل التنفيذي، والتأكيد على احترام الوثيقة الدستورية، وضمان نهاية الفترة الانتقالية في موعدها المحدد، وإدارة هذه الفترة بموجب إعلان سياسي يحدد الشراكة بين مختلف القوى المدنية والعسكرية والاجتماعية والدينية. فكيف يُمكن قراءة الاتفاق؟ وما ي دوافع الأطراف لتوقيعه؟ وكيف كانت ردود الفعل حياله؟ وما هي عوامل نجاحه وفشله؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها..
دوافع أطراف الاتفاق:
جاء توقيع اتفاق 21 نوفمبر بسبب استشعار أطرافه تزايُد احتمالات انزلاق الأوضاع الأمنية والسياسية في مُنعرج حرج، نتيجة ارتفاع حدة العنف التي ترافقت مع الاحتجاجات المناوئة لقرارات 25 أكتوبر، وصلت إلى إحراق أحد مراكز الشرطة بمنطقة الخرطوم بحري في يوم 20 نوفمبر، إثر سقوط عدد من القتلى في صفوف المحتجين والقوات الأمنية خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ 25 أكتوبر، وقد تزامن ذلك مع مقتل عشرات المواطنين جراء نزاعات قبلية وقعت بولايتي شمال كردفان وغرب دارفور. وتعقَّدت الأزمة الداخلية بعد ظهور بوادر توتر في العلاقة بين قادة المكون العسكري وبعضهم البعض، عقب إعلان قوات الدعم السريع رفض قائدها حمدان دقلو قبول تكليف من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بتعيينه رئيسًا للجنة مراجعة أعمال لجنة إزالة تمكين نظام البشير. ودفعت هذه العوامل قادة الجيش إلى تسريع الاتفاق مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لاسيما بعد تلويح أعضاء في الكونجرس الأمريكي إلى الاتجاه لفرض عقوبات على الشخصيات المُعرقلة للعملية الانتقالية في السودان.[1] وبالنسبة لحمدوك؛ فعقب توقيعه الاتفاق؛ أعلن أن هذا الاتفاق “مبني على أساس حقن دماء السودانيين”، واعتبر أنه “يساعد على فك الاختناق داخليًا وخارجيًا واستعادة مسار الانتقال لتحقيق الديمقراطية”. وقال حمدوك، في تصريح صحفي في اليوم التالي للتوقيع، إن الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العامين الماضيين، كان من بين الأسباب التي دفعته للعودة إلى منصبه. وتابع: “نتوقع أن يكون أداء حكومة التكنوقراط له أثر إيجابي على الأداء الاقتصادي ومعيشة المواطنين”. وقد علَّق البعض بأن كلمة حمدوك، خلال توقيع الاتفاق، خلت من أي حديث عن أيام وضعه قيد الإقامة الجبرية وقرارات البرهان في 25 أكتوبر. وأرجعوا ذلك إلى نية حمدوك النأى بنفسه عن أي تشاكس مع العسكر في الفترة المقبلة بشأن بناء جيش قومي واحد أو تحقيق العدالة.[2]
قراءتان في صياغة اتفاق البرهان-حمدوك:
تضمن الاتفاق 14 بند، أبرزها إلغاء قرار إعفاء حمدوك من رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة تكنوقراط، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتعهُّد الطرفين بالعمل سويًا لاستكمال المسار الديمقراطي. ويؤكد على أن الوثيقة الدستورية لعام 2019 هي المرجعية الرئيسية خلال المرحلة المقبلة، مع ضرورة تعديلها بالتوافق، بما يضمن ويحقق مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع، عدا حزب المؤتمر الوطني (المُنحل). وينص الاتفاق كذلك على أن يشرف مجلس السيادة على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية دون تدخُّل في العمل التنفيذي.[3] وبالرغم من رؤية البعض أن صياغة اتفاق “البرهان-حمدوك” الأخير شهدت الإكثار من استعمال مُسمى “القائد العام للقوات المسلحة” سواء في مقدمة الإعلان أو خاتمته، وتم تجنُّب أي إشارة إلى وصف قرارات وإجراءات البرهان بأنها صادرة من “رئيس مجلس السيادة”، وهذا ما اعتبره هؤلاء إقرار ضمني بأن ما حدث هو انقلاب وهو ما كان يُطالب به حمدوك ضمن شروطه للعودة. بينما يرى البعض الآخر في قراءة نصوص الاتفاق السياسي، أن حمدوك قدَّم عربون اعتراف بالانقلاب العسكري وقدَّم له المبررات الكافية؛ إذ لم يصفه بالانقلاب، بل مجرد إجراءات وقرارات اتخذها القائد العام للقوات المسلحة نتيجة الفشل لكل مبادرات احتواء الأزمة السياسية بين القوى السياسية، وأصبحت مهددًا لوحدة وأمن واستقرار البلاد. وهو ما اعتبره هؤلاء التنازل الأول والأخطر، من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وكون الاتفاق يبدأ بعبارة (تاسيسًا على قرارات القائد العام للجيش) يعني إقرارًا بقرارات ٢٥ أكتوبر وإقرارًا بالمجلس السيادي المعين بواسطة قائد الجيش الانقلابي، وسيتم تعديل الوثيقة الدستورية لمنحه مزيدًا من الصلاحيات.[4]
موقف القوى الوطنية والدولية من الاتفاق:
في البند الثالث من الاتفاق، يعتبر البرهان وحمدوك أن “الشراكة الانتقالية القائمة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان”، ثم يضيفان “الالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة (تكنوقراط)”، ولم تتم الإشارة إلى أي دور للقوى السياسية والشعبية التي ساهمت في اقتراح أسماء أول حكومة بعد سقوط نظام عمر البشير، وتحديدًا قوى إعلان الحرية والتغيير. ويرى البعض أن الاتفاق ليس كما يُروَّج له على أساس أنه بين المكون المدني والمكون العسكري، بل هو اتفاق بين رئيس الوزراء وقائد الانقلاب، والحديث عن تشكيل حكومة لا معنى له، لأن المعلوم أن الحكومة تحتاج إلى قوى سياسية للتشاور معها ولدعمها، وهو الأمر المنعدم في هذه الحالة. فقد عبَّر تجمع المهنيين السودانيين، أكبر قوى إعلان الحرية والتغيير، بقوة عن رفضه للاتفاق بين حمدوك والبرهان، ووصفه بـ”اتفاق الخيانة”، وأنه “محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري وانتحار سياسي للدكتور عبد الله حمدوك”، متحدثًا في بيان له عن أن “هذا الاتفاق الغادر هو تلبية لأهداف الانقلابيين المعلنة في إعادة تمكين الفلول وتأبيد سلطة لجنة البشير الأمنية”. في إشارة إلى قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو، التي تمت المطالبة بإدماجها في القوات النظامية، والمُتهمة بانتهاكات لحقوق الإنسان. كما رفض حزب الأمة القومي، أحد أطراف قوى الحرية والتغيير، الاتفاق ووصفه بأنه “لا يخاطب جذور الأزمة التي أنتجها الانقلاب العسكري وتداعياتها”، ورفضته أحزاب أخرى كحزب المؤتمر السوداني والحزب الشيوعي. وتتخوف الأحزاب السودانية من أن يكون هذا الاتفاق مجرد محاولة للالتفاف من الطرف العسكري لتنفيذ خطط الانقلاب. وعلى النقيض؛ فقد عبَّر عدد من القوى الإقليمية والدولية عن ارتياح نسبي لهذا الاتفاق؛ فأصدرت دول الترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج) بيانًا مشتركًا مع دول الاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا للترحيب بالاتفاق. ومن جانبها، أبدت بعثة الأمم المتحدة الخاصة بدعم الفترة الانتقالية بالسودان ترحيبها بالاتفاق، ودعت إلى سرعة معالجة “القضايا العالقة” بين الفرقاء السودانيين. كما أعلنت الخارجية الألمانية أن الاتفاق خطوة أولى إيجابية في الاتجاه الصحيح، لكنها قالت إنها تقيِّم الموضوع بتفاؤل حذر، كذلك رحبت فرنسا بعودة حمدوك، ودعت إلى الإسراع بتشكيل حكومة مدنية.[5] هذا فيما تتعزز فرص الدعم الإقليمي للاتفاق بعد ترحيب دول مصر والسعودية والإمارات والكويت به، كما أعلنت جامعة الدول العربية استعدادها للتعامُل مع حكومة حمدوك المزمع تشكيلها.
مآخذ على توقيع حمدوك:
ما يؤخذ على حمدوك هو توقيعه بنفسه على الاتفاق دون الرجوع إلى تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو التحالف الذي رشحه لمنصب رئيس الوزراء، ومضى في خطوة التقارب مع قائد الانقلاب، رغم المواقف الرافضة للقوى والأحزاب الرئيسة في الحرية والتغيير والتي تجددت قبل وبعد التوقيع على الاتفاق السياسي. كذلك جاء توقيع عبد الله حمدوك على الاتفاق السياسي مخالفًا لمطالب الشعب السوداني بعد الانقلاب الذي رفض ويرفض بشكل واضح التفاوض مع الانقلابيين أو الدخول معهم في شراكة أو منحهم شرعية جديدة بعد انقلابهم، وقد دفع الشعب السوداني ثمن رفض انقلاب البرهان حياة 40 شخص قتلتهم القوات الأمنية طوال الأسابيع الأربعة الماضية، وعشرات الجرحى والمصابين. والمؤسف حقًا أنه لم يكسب حمدوك في اتفاقه مع الانقلاب سوى الحفاظ على نفسه في السُّلطة رئيسًا للوزراء، دون النظر إلى مصير أعضاء حكومته، ولا أعضاء المجلس السيادي الانتقالي الذين تم إعفاؤهم من مناصبهم وتعيين مدنيين بدلًا عنهم، كما لم يقرر اتفاق حمدوك مع البرهان في مصير قرارات أخرى اتخذها الأخير بعد الانقلاب؛ مثل إعفاء سفراء ودبلوماسيين وموظفين بدرجات رفيعة سبق لحمدوك أن عيَّنهم في الخدمة المدنية، بل منح مجلس السيادة الجديد بقيادة البرهان سلطة الإشراف على الأداء الحكومي. وفي إشارة خجولة، تطرق اتفاق “البرهان-حمدوك” إلى التحقيق في حوادث القتل التي وقعت أثناء التظاهرات الرافضة للانقلاب وتقديم الجناة للمحاكمة، لكن لم يحدد النص أي أداة للتحقيق والمحاسبة على عكس ما تم الاتفاق عليه في وقت سابق بعد فض اعتصام محيط القيادة العامة بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق.[6]
تراجع مدني في مُقابل تراجع عسكري:
بُني اتفاق 21 نوفمبر على تسوية سياسية تقضي بإعادة عبد الله حمدوك إلى رئاسة الوزراء، على أن يرأس حكومة كفاءات غير حزبية، في مقابل موافقته المبدئية على عدم إعادة صلاحيات قوى الحرية والتغيير المُلغاة في قرارات 25 أكتوبر، والتي اكتسبها التحالف وفق نصوص الوثيقة الدستورية الانتقالية المُوقَّعة في أغسطس 2019. ويقضي اتفاق 21 نوفمبر بتوسيع صلاحيات مجلس السيادة على حساب قوى الحرية والتغيير، ومنحه مهمة الإشراف على تشكيل هياكل الحُكم التنفيذي، بما يشمل هياكل الحكم الاتحادي والإقليمي والولائي والمحلي، على ألا يتدخل المجلس في العمل التنفيذي. واستعاض الاتفاق عن دور قوى الحرية والتغيير بوصفها طرفًا شريكًا في إدارة الفترة الانتقالية، بتأكيد الاتجاه لإصدار إعلان سياسي جديد يحدد إطار الشراكة بين القوى العسكرية والمدنية، على أن تتضمن الشراكة ممثلي الإدارات الأهلية ولجان المقاومة والطرق الصوفية وقوى الثورة وقطاعات الشباب والمرأة. وهكذا يُعبِّر الاتفاق عن تراجع المكون العسكري، عمليًا، عن خطته لفرض حكم عسكري مُطلق للسودان. نتج هذا التراجع من إدراك البرهان، وحميدتي (شريكه في الحكم) أن هذه الخطة -حاليًا على الأقل- غير ممكنة التطبيق، وذلك لأن القوى السياسية التي استطاع المكون العسكري جمعها لتأييد خطته غير كافية لتقديم تغطية سياسية مقبولة محليًا أو عالميًا، وهذا ما يعني أن الصراع السياسي سيستمر وأن الرفض الشعبي المعبر عن هذا الصراع سيستمر بالضغط على المكون العسكري. وفي المُقابل؛ يُعبِّر الاتفاق أيضًا عن تنازل المكون المدني، وذلك عبر القبول بمجلس السيادة الجديد الذي ألفه العسكر وحدهم، وكذلك قبول إشرافه على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، إضافةً إلى قبول تعديل الوثيقة الدستورية وتشكيل حكومة مدنية مكونة من الكفاءات وإعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام البشير، وهي كلها شروط وضعها المكون العسكري بعد الانقلاب. الاتفاق، على ضوء هذه الوقائع المذكورة، يُمثِّل نقطة توازن جديدة حرجة بين المكونين العسكري والمدني (وما بينهما من حركات عسكرية سياسية). فبينما تراجع العسكر –ولو مؤقتًا- عن خطتهم للسيطرة المطلقة على الحكم، تنازل المدنيون عن مجمل الشروط السابقة التي حكمت الوثيقة الدستورية التي كانت من أسباب تفجير الانقلاب، ومنها موعد انتقال السلطة في المجلس السيادي إلى العسكريين، ولجنة تفكيك نظام البشير، وآلية محاسبة المسئولين العسكريين عن مجزرة القيادة العامة عام 2019.[7]
عوامل نجاح وفشل تنفيذ الاتفاق:
تتعدد العوامل التي يعوِّل عليها أطراف اتفاق 21 نوفمبر في نجاحه، وكذلك في فشله. ومن أبرز عوامل النجاح؛ أولًا: صياغة بنود الاتفاق بشكل يُعطي أطرافه مرونة كبيرة في إعادة تشكيل خريطة تحالفاتها السياسية، وفي شكل يسمح لهم بكسب دعم أغلب القوى التي أبدت استيائها من اتساع نفوذ قوى المجلس المركزي للحرية والتغيير على إدارة المرحلة الانتقالية. كما جاء توسيع صلاحيات مجلس السيادة بموجب الاتفاق في صالح حركات الجبهة الثورية العضوة بالمجلس وفقًا لاتفاق جوبا، في نفس الوقت الذي حاول أطراف اتفاق 21 نوفمبر استمالة القوى المناوئة لاتفاق جوبا، عبر التأكيد على سعيه لإشراكها في عملية السلام. وفي هذا الإطار حرص أطراف الاتفاق على إشراك حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع في مراسم التوقيع، كما شهدت أيضًا مراسم التوقيع حضور الأمين ترك قائد المجلس الأعلى للبجا الذي قاد احتجاجات شرق السودان، والتي هددت استمرار حكومة المجلس المركزي للحرية والتغيير قُبيل قرارات 25 أكتوبر. كما قامت السُلطات السودانية بالإفراج عن عدد من قادة المجلس المركزي للحرية والتغيير، ومنهم عُمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني، وياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (مالك عقار). وثانيًا: حظى اتفاق 21 نوفمبر بدعم خارجي أوسع من الدعم الذي حظيت به قرارات 25 أكتوبر، خاصةً وأن الاتفاق جاء متوافقًا مع توجهات الإدارة الأمريكية الرامية إلى إعادة حمدوك لمنصب رئاسة الوزراء، والتأكيد على الشراكة المدنية-العسكرية، إلى جانب إعادة هيكلة الجيش السوداني. أما عن عوامل الفشل؛ فتتلخص في: أولًا: تزايُد الأصوات الرافضة للاتفاق من جانب بعض القطاعات الفاعلة في الحراك الاحتجاجي، ومنها مكونات المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير التي أعلنت بالفعل رفضها للاتفاق، نتيجة لإلغائه لصلاحياتها؛ ما يُعزز من احتمالات اتجاه التحالُف إلى تكثيف الاعتماد على الأدوات الاحتجاجية بغية إعاقة تنفيذ الاتفاق بصيغته الحالية، لاسيما بعد أن شارَك آلاف المواطنين في احتجاجات مناوئة للاتفاق جرى تنفيذها عقب ساعات من توقيعه، وهي الاحتجاجات التي شهدت مقتل أحد المواطنين خلال محاولات قوات الأمن تفريق المُتظاهرين. وثانيًا: تزايد فرص استمرار الحراك الاحتجاجي مع تمسُّك تجمع المهنيين بخطابه الراديكالي الداعي لإبعاد العسكريين عن الحكم وإسقاط الوثيقة الدستورية تمامًا.[8]
الخُلاصة؛ مؤكد أن اتفاق حمدوك-البرهان لن يُمثِّل فرصة لحقن دماء السودانيين، لأن الشارع العريض الرافض متمسك بمطالبه؛ وعلى رأسها المدنية الكاملة للحكم ومحاكمة الانقلابيين وعدم الدخول معهم في شراكة جديدة. وقد تجاهل رئيس الوزراء مطالب الشارع وانعزل نحو الاعتماد على الدعم الذي يجده من المجتمع الدولي، كما أن الانقلابيين حرصوا على وجوده في السلطة لمخاطبة المجتمع الدولي وتلافي العقوبات التي يُمكن أن تواجههم في المستقبل. وبالرغم من كونه لا يُمكن لأي اتفاق شرعنة الانقلاب، ألا أن العسكر أداروا المبارزة بتكتيك عالٍ، فهم بهذا التوقيع قد تمكنوا من إحراق ورقة حمدوك في الداخل، وكذلك شق صف الثوار ما بين مؤيد ومعارض. إلا أن أي اتفاق سياسي لا يخاطب جذور الأزمة محكوم عليه بالفشل عاجلًا أو آجلًا، وهكذا جاءت تلك التسوية مُتجاهلة أسباب الأزمات السابقة؛ والتي توجب ضرورة إجراء تعديلات لإصلاح الأجهزة الأمنية، وولاية وزارة المالية على المال العام، وخروج المؤسسات العسكرية من الاقتصاد، واستبعاد العسكر من الملفات السياسية والتنفيذية دستوريًا، ومراجعة سلام جوبا، ونقل رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، وضمانات ضد أي خروقات أو تقويض النظام الدستوري أو أي انقلاب آخر.
[1] سمير رمزي، “اتفاق 21 نوفمبر وفُرص حل الأزمة السياسية في السودان”، مركز الإمارات للسياسات، 22/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/tDRPG
[2] عادل عبد الرحيم، “بين العسكر والشارع.. هل يعبر حمدوك بالسودان إلى الحكم المدني؟”، القدس العربي، 2/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/fonCD
[3] عادل عبد الرحيم، مرجع سبق ذكره.
[4] محمد أحمد الجاك، “انقلاب أخطر قادم في الطريق.. كيف سلم “برادعي السودان” البلاد للعسكر؟”، عربي بوست، 22/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/gZdBP
[5] “لماذا أثار اتفاق البرهان مع حمدوك غضب “قوى الثورة”؟”، D & W، 22/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/gwEMs
[6] محمد أحمد الجاك، مرجع سبق ذكره.
[7] “السودان: تراجع العسكر أم تنازل المدنيون؟”، القدس العربي، 21/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/YBOu5
[8] سمير رمزي، مرجع سبق ذكره.