البوسنة والهرسك.. دعوات للتفكك والخوف من عودة الحرب

ماذا يحدث في البلد الذي يبلغ طوله حوالي 20 كيلومترًا، ويحدها من الشرق صربيا، والجبل الأسود من الجنوب الشرقي، وكرواتيا المحيطة بالشمال والجنوب الغرب (البوسنة والهرسك) دولة في جنوب وجنوب شرق أوروبا، تقع داخل البلقان وفي منتصف الدول التي كانت تشكل دولة يوغوسلافيا السابقة. الدولة التي شهدت أكبر الحروب في القرن ال 20 حرب البوسنة (1992 – 1995)، تشهد الآن مجموعة التوترات والاضطرابات، يخشى من خلالها الجميع أن تعود أزمتها إلى الوراء، وتنجر مرة أخرى إلى حرب تعيد للأذهان تلك المذابح والمناظر التي شهد العالم أجمع على بشاعتها وجرائمها، فما الذي يحدث وما هي ردود الأفعال؟

الدعوة للانفصال

أثارت تصريحات العضو الصربي في مجلس رئاسة دولة البوسنة والهرسك “ميلوراد دوديك” قلقا وتساؤلات حول الوضع الأمني بدولة البوسنة والهرسك والمخاوف من العودة إلى أجواء الحرب الأهلية. وأعلن دوديك عن رغبة صرب البوسنة بعدم المشاركة في المؤسسات الحكومية مع البوسنيين، وأنهم بصدد تشكيل مؤسسات مستقلة موازية، على أن يشمل الانفصال المؤسسات الصحية والمالية والجيش. وعلى الرغم من أن الكثيرين فهموا تصريحاته في إطار المناكفة السياسية على مشارف الانتخابات العامة في البلاد أو كرد فعل غاضب من الصرب بسبب القانون الذي أصدره المندوب السامي في البوسنة بشأن”تجريم عدم الاعتراف بالإبادة الجماعية التي حدثت في سربرنيتسا” فإن آخرين أبدوا خشيتهم من تفجر الأوضاع في البوسنة واشتعال أزمة لا يمكن تداركها.

ردود الفعل المحلي

تمثل في تصريح وزير الأمن في دولة البوسنة والهرسك سيلمو تسيكوتيتش في حوارة مع الجزيرة، حيث صرح “لقد اعتدنا على ذلك من السيد دوديك، وتصريحاته الأخيرة امتداد لسلسة سابقة، ويبدو أن السيد دوديك يتبع إستراتيجية مفادها أن تعالج المشاكل التي تواجهك بخلق مشاكل جديدة، يعني إذا واجهتك مشاكل اقتصادية أو اجتماعية فبدلا من أن توجه جهدك لحلها -ولصرف النظر عنها- فإنك تحاول خلق مشاكل أكبر وأخطر، كما أن هذا يضمن الحصول على أصوات الناخبين وضمان استمرار التفوق في الانتخابات. بالطبع، مثل هذا النهج يتطلب منه المزيد من المطالب الراديكالية، لكني أعتقد أننا وصلنا الآن إلى نقطة تحول، لأن سقف مطالبه قد بلغ مداه، ووصل إلى وضع قد يهدد الحوار الحضاري الديمقراطي بين الأطراف”.

وحول خطورة تأثير هذه التصريحات بالانفصال أجاب “؟ إذا قرر دوديك وأولئك الذين يتبعون هذه السياسة أن كل شيء قمنا به خلال ربع قرن من خلال عملية شاقة واستشارات وحلول وتوافق في الآراء أن يأتي ويقول: لم يعد هذا يعجبني، وأريد أن أضع الحل بمعرفتي، ثم يتصرف بشكل أحادي لفرض أمر واقع ضد مصالح الدولة وشعوبها ومواطنيها فسيؤدي إلى إشعال الوضع بشكل لا يمكن السيطرة عليه سلميا وسيدفع الجميع إلى دائرة العنف. هذه المحاولة تعني إثارة الصراع، مما سينتج عواقب مدمرة للغاية، وسيجعل الوضع خارج نطاق التحكم. أما كيف سيتطور النزاع وإلى أي مدى يمكن أن يصل فهذا يعتمد على عوامل كثيرة، منها: رد فعل الفاعلين الآخرين في الدولة، كما سيعتمد على دور وسلوك المجتمع الدولي الذي لا يزال يتحمل مستوى عاليا من المسؤولية هنا. هذا بالتأكيد، ليس وضعا مفيدا لأحد على الإطلاق، لذا آمل أن يقف الأمر عند حد المناكفات اللفظية وألا يتجاوزه. بالطبع، لست خائفا من أي شيء، لأننا في البوسنة تغلبنا على تحديات أصعب من هذه بكثير، لكنني أرغب في التعامل بطريقة حضارية لتقريب وجهات النظر المختلفة وبحث جميع القضايا المطروحة. وأذكّر بالقاعدة المهمة التي مفادها أن من يصنع الأزمة لا يعني أنه سيتمكن من إدارتها أو أنه سيخرج من الأزمة بالطريقة التي تناسبه.

وحول تشابه الأزمة الحالية بما سبقت أزمة وحرب 1992، صرح الوزير “يقول البعض إن الأجواء الحالية تتشابه مع أجواء 1992 قبل اندلاع الحرب، هل تتفقون مع ذلك؟ نعم، هناك بعض التشابه وبعض الاختلافات، أعتقد أنه حاليا لا يوجد وقود للحرب، ولا يوجد ما يكفي من الاتهامات السياسية والعاطفية والأخلاقية من جانب أولئك الذين يؤيدون الحرب، وهم الذين يرغبون في إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء والعودة إلى أوضاع تناسبهم أكثر من الحالية، يريدون وقف تقدم البوسنة والهرسك واندماجها في الناتو والاتحاد الأوروبي. لكني أقول لجميع معاوني إننا إذا أردنا أن نعيش في سلام يجب أن نكون مستعدين للحرب في جميع الأوقات، لأن الضمانة الرئيسية للسلام في البوسنة هي قوة وتماسك واستعداد جميع أولئك الذين يرون في البوسنة والهرسك وطنا لهم ومستعدون للحفاظ عليه والدفاع عنه”.[1]

ردود الفعل الدولية

تركيا، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن تركيا تعد الحائل الأكبر أمام وقوع أحداث مؤسفة في البوسنة والهرسك مجددا كتلك التي شهدتها البلاد قبل اتفاقية دايتون المبرمة عام 1995، ونوه الرئيس أردوغان في كلمة ألقاها خلال لقائه ممثلي منظمات مدنية للبوشناق في تركيا، أن تركيا لطالما قدمت الدعم من أجل استقرار البوسنة والهرسك عبر الحفاظ على البنية الثقافية والإثنية المتعددة لهذا البلد، ودون تمييز بين مكوناته. وأضاف” منذ اتفاقية دايتون وحتى اليوم تركيا هي الحائل الأكبر أمام وقوع أحداث مؤسفة كما في الماضي في البوسنة والهرسك” وتابع “لا نريد أبدا أن تتحول البوسنة والهرسك إلى ساحة نفوذ وتنافس للأطراف التي لديها حسابات بشأن هذه المنطقة”، موضحا “انطلاقا من ذلك فإننا كثفنا جهودنا الدبلوماسية عقب التوتر الأخير الذي جعل من وحدة البوسنة محل نقاش” وأكد “نعلم أن جهود تركيا من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار في هذه المنطقة (البلقان) تزعج بعض الأوساط التي تتغذى على القلاقل والفوضى”، مشيرة إلى أن بلاده ستواصل “العمل من أجل سلامة البوسنة والهرسك وسائر البلقان بالرغم من محاور الشر” ولفت أردوغان إلى أنه ناقش مع الرئيس الصربي، الكسندر فوتشيتش، في 18 سبتمبر الماضي في إسطنبول التطورات في المنطقة، مذكرا أيضا أنه التقى رئيس مجلس الشعوب البوسني) الغرفة الثانية للبرلمان(، بكر عزت بيغوفيتش، في إسطنبول وبحث معه سبل احتواء التوتر القائم في البلاد.[2]

الأمين العام لحلف الناتو، أكد ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلنطي، دعم الحلف القوي لسيادة البوسنة والهرسك وسلامتها الإقليمية، مشيرا إلى التزام الحلف الكامل بالحوار السياسي والتعاون العملي بهدف دعم جهود الإصلاح في دول غرب البلقان ككل. وشدد ستولتنبرج خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء جمهورية الجبل الاسود، زدرافكو كريفوكابيتش، على مساندة الحلفاء بقوة لتعزيز سيادة البوسنة والهرسك والسلامة الإقليمية في مواجهة الخطاب التحريضي من جانب جمهورية صربسكا والذي يشكل مصدر قلق بالغ للحلف.[3]

المبعوث الدولي، قال السياسي الألماني كريستيان شميت، وهو الممثل الدولي الأعلى في البوسنة، إن اتفاق السلام الذي أنهى الحرب في البلاد في التسعينات معرض لخطر الانهيار ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات للتصدي للانفصاليين الصرب. وكان يشير إلى خطوات تتخذها القيادة الصربية في البوسنة تهدف إلى حل مؤسسات رئيسية في الدولة مثل القوات المسلحة المشتركة وهيئة الضرائب غير المباشرة والهيئة القضائية العليا ومؤسسات أخرى أيضاً. وقال شميت في المقابلة مع “رويترز” الاضطراب في هذه المنطقة يؤثر أيضاً على مسألة العلاقة المضطربة بين صربيا وكوسوفو بالطريقة نفسها أو بطريقة مماثلة.

الخلاصة، تشهد البوسنة والهرسك مجموعة من التوترات بعد تصريحات أدلى بها العضو الصربي في مجلس رئاسة دولة البوسنة والهرسك “ميلوراد دوديك”، والذي هدد بالانفصال وتكوين جيش صربي مستقل، ويتمثل دافع هذه التصريحات في تحريض روسيا ل “ميلوراد” من أجل إشعال الأوضاع هناك والضغط على البوسنة بعدم الانضمام إلى حلف شمال الاطلنطي، في المقابل شهد المجتمع الدولي تحرك واسع، من أجل احتواء التهديدات، وعدم انجرار البلد إلى حرب شعواء.

 

 

 

 

[1] وزير الأمن البوسني للجزيرة نت: الدعوات للحرب هدفها إرجاع الزمن للوراء وهذه أهداف التهديدات بتأسيس جيش مستقل للصرب الرابط– 2021-11-16 – Aljazeera.net

[2] أردوغان: تركيا سد منيع أمام تكرار الأحداث المؤسفة في البوسنة الرابط 2021-11-8 – Rt.com-

[3] “الناتو” يؤكد دعمه لسيادة البوسنة والهرسك وسلامتها الإقليمية  –الرابط-2021-11-24 – Akhbarelyom.com

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022