أشار تقرير صادر عن وكالة “سبوتنك” الروسية عن لقاء سري جري في 2 يناير 2022 بين رئيس مجلس النواب الليبي والمرشح الرئاسي، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الاعلى للدولة، خالد المشري، في المغرب؛ في محاولة لحلحلة الملفات الخلافية بين الجانبين والتوصل إلى ملامح لخريطة طريق جديدة. وأضافت “سبوتنيك” أن اللقاء فرضت عليه السرية نظرًا لعدم عودة عقيلة صالح لمنصبه حتى الآن في رئاسة مجلس النواب، وأن هناك رغبة في تحقيق تفاهم أولي بين الطرفين لعقد اجتماعات موسعة خلال الفترة المقبلة[1].
وعلى الرغم من عدم إعلان أيًا من مجلسى الدولة والنواب عن عقد هذا اللقاء، إلا أنهما أيضًا لم ينفيا ذلك. بل إن المشري كان قد أعلن، في 18 ديسمبر 2021، عن وجود ترتيبات لتنظيم لقاء يجمعه بصالح لتسوية الأزمة السياسية الراهنة. وعلى الرغم من نفي مصادر من داخل مجلسي النواب والدولة أن يكون قادتهما قد اتفقوا على عقد لقاء في الرباط، فإن موقع الجزيرة أكد وصول صالح والمشري إلى المغرب استجابة لوساطة مغربية[2]. وسوف نتناول فى السطور القادمة؛ دوافع هذا اللقاء، وأهم ما اتفق عليه الطرفان خلاله، ومدى إمكانية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه..
أولًا: دوافع اللقاء بين المشرى وعقيلة:
يسعى كلا من المشرى وعقيلة من خلف هذا اللقاء إلى العمل على تجنب تراجع دورهما مقابل تصاعد دور ملتقى الحوار السياسى، فمنذ عودة ستيفاني ويليامز بدأت مساعي مكثفة من أجل إعادة دور ملتقي الحوار الليبي، والذي كانت قد ساهمت ستيفاني في تشكيله قبل مغادرتها منصب المبعوث الأممي في يناير 2021، حيث تعول ويليامز كثيراً على أعضاء هذا الملتقى، نظراً لإنخراطها في وقت سابق في اختيار عناصره، فضلاً عن الدور الذي قام به الملتقى في اختيار السلطة الانتقالية الحالية والتوصل إلى خريطة الطريق التي حددت موعد الانتخابات.
وقد تسعى ويليامز لتجميد دور مجلسي النواب والدولة، وإعادة تفعيل دور ملتقى الحوار، وهو الأمر الذي دفع المجلسين إلى العمل على حلحلة الخلافات القائمة بينهما لضمان استمرارهما في المشهد وإطلاعهما على صياغة ملامح خريطة الطريق الجديدة، وهو ما عكسته تصريحات خالد المشري الأخيرة، التي ألمح فيها إلى أن ثمة تفاهمات تم التوصل إليها مع المستشار عقيلة صالح بشأن العمل بعيداً عن البعثة الأممية[3].
وهو ما تم التأكيد عليه أيضًا، بعد اللقاء الذى جمع رئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري بالمشري، في طرابلس، فى 8 يناير 2022، لـ”بحث المسار الدستوري وسبل تسريع العملية الانتخابية”. فقد نقل بيان المجلس الأعلى للدولة، عن المشري والنويري “تأكيدهما “رفضهما للتدخلات الخارجية في الشأن الليبي”، وأن العملية السياسية “ملكية وطنية، وحل الأزمة لن يكون إلا ليبيا – ليبيا، وعبر الأطراف الليبية مباشرة”[4].
ومن العوامل التى دفعت لعقد اللقاء بين المشرى وعقيلة، ظهور سيف الإسلام القذافي وإعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية، وهي الخطوة التي دفعت العديد من الأطراف الداخلية إلى إعادة النظر في تحالفاتهم لتجنب الخسارة، في ظل المؤشرات التي تمتع سيف الإسلام بشعبية غير هينة تؤهله لاحتلال مركز متقدم في أي انتخابات قادمة[5].
ثانيًا: أهم ما تم الإتفاق عليه خلال اللقاء:
ذكرت عدة تقارير إعلامية أن لقاء عقيلة والمشرى هدفه الرئيسى يتمثل فى وضع خارطة طريق جديدة لحل الأزمة الليبية، وذلك بعد فشل إجراء الانتخابات التى كانت مقررة فى 24 ديسمبر 2021؛ لعدة عوامل سبق ذكرها فى تقارير سابقة، وتمثلت أبرز بنود هذه الخارطة فى:
– أولوية الاستفتاء على الدستور وإشراك المجلس الأعلى فى تعديله:
حيث كان لافتًا التوصيات التى تقدمت بها اللجنة البرلمانية التى شكلها مجلس النواب، والمعنية بمتابعة تنفيذ العملية الانتخابية، فمن بين هذه التوصيات، دعوتها “لوضع خارطة طريق جديدة قابلة للتنفيذ، مضبوطة بمدد ومراحل وتواريخ في إطار دستوري، وتعديل مشروع الدستور عن طريق لجنة فنية يعينها مجلس النواب بإشراك عادل لمجلس الدولة”.
ومنذ فشل لجنة الحوار السياسي في إعداد قاعدة دستورية خلال اجتماعها بجنيف الصيف الماضي، تعد المرة الأولى التي يتحدث فيها مجلس النواب عن إشراك المجلس الأعلى للدولة في تعديل مشروع الدستور، دون الإشارة إلى قوانين الانتخابات، التي يطالب الأخير بأن يكون طرفًا أصيلًا فيها بناء على الاتفاق السياسي.
ولم تتحدث الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للدولة، عن اجتماع المشري وعقيلة، ولكنها نشرت، فى 5 يناير 2022، بيانًا لمكتب المجلس، جاء فيه أنه “تم التأكيد على الإسراع في اتخاذ الخطوات العملية لإنجاز العملية الدستورية والانتخابية، من خلال الاستفتاء على الدستور، وإصدار قوانين توافقية، وإنهاء المراحل الانتقالية”. والحديث عن “الإسراع” في اتخاذ “خطوات عملية”، يوحي بوجود اتفاق ما بشأن إعطاء الأولية للاستفتاء، وقبول مجلس النواب بإشراك مجلس الدولة في إصدار قوانين الانتخابات[6].
– إعادة تشكيل السلطة التنفيذية الحالية:
ليس واضحًا ما هو المقابل الذي تحصل عليه عقيلة حتى تنازل عن إقصاء مجلس الدولة في إعداد قوانين الانتخابات، وأولوية الاستفتاء على الدستور قبل الذهاب للانتخابات. غير أن عقيلة صالح، من أنصار الإطاحة بحكومة الوحدة والمجلس الرئاسي، ولن يتم ذلك إلا بتوافق مع المشري ومجلس الدولة.
وفى هذا السياق، فقد تحدث المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى، أشرف الشح، عن اتصالات بين المشري وصالح، بمبادرة من وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، لتشكيل مجلس رئاسي جديد، يتولى رئاسته صالح بعضوية المشري، فيما يتولى باشاغا رئاسة الحكومة الجديدة، ويُدعى إلى تأجيل الانتخابات الليبية 24 شهراً إضافياً من أجل ترتيب الأوضاع، ويُضمن كل ذلك في الإعلان الدستوري.
وبالرغم من نفى المشري صحة سعيه لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، ولكنه أقر بوجود اتصال مع عقيلة، بـ”صفته رئيس مجلس النواب” لإيجاد حل للانسداد الحاصل في العملية الانتخابية، ورجح أن يلتقيه في تركيا أو مصر، قبل أن يجتمعا فيما بعد في المغرب[7].
وسبق أن أشار المشرى فى لقائه مع قناة الجزيرة، فى 29 ديسمبر 2021، فى إجابته على سؤال حول ما إذا كان التقارب بين المجلسين سيستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية الحالية، قال “تغيير رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مسألة تقديرية حسب المدد المتبقية والشكل القادم للمرحلة المقبلة”، مشيراً إلى أن “بعض الوزارات في الحكومة الحالية أصبح الأمر فيها لا يطاق”[8]. وهو ما قد يفهم منه أنه قد لا يمانع من تغيير رئيس المجلس الرئاسى أو رئيس الحكومة أو إدخال تعديلات على بعض الوزارات بها.
أكثر من ذلك، فقد ادعت مجلة “جون أفريك” الفرنسية أن اجتماع المشرى وعقيلة فى المغرب، ضم أيضًا بلقاسم” نجل خليفة حفتر”، والذى يؤدي دور المستشار الدبلوماسي لوالده. وبحسب الصحيفة، فإن اللقاء الثلاثي السري، يشكل تحالفًا لإزاحة حكومة الدبيبة[9].
– تغيير رئيس المفوضية العليا للانتخابات:
كان المشري قد كشف خلال اللقاء الذى أجرته معه قناة الجزيرة، فى 29 ديسمبر، عن بعض أهداف اللقاء، موضحاً أنه سيتحدث مع صالح “عن المسار الدستوري وبعض المناصب السيادية”. وهناك ترجيحات بأن يكون حديث المشري وعقيلة حول بعض المناصب السيادية هدفه تغيير رئيس المفوضية العليا للانتخابات الحالي، عماد السايح، باعتبار رئاسة المفوضية من المناصب السيادية، كخطوة في طريق حل العراقيل الانتخابية[10].
ووفقًا لموقع “العربى الجديد”، فقد انتهى اللقاء إلى الاتفاق على الشكل والملامح العامة لخريطة طريق جديدة للمرحلة المقبلة، تمر على مراحل، أولاها تشكيل لجان ليبية لإطلاق حوار مجتمعي، ينتهي بتعديل مسودة الدستور المقرة من الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عام 2017[11]، وتنتهي بإحالة الدستور، بعد تعديله والاستفتاء عليه من قبل الشعب، إلى مفوضية الانتخابات، للإعداد لعملية انتخابية جديدة، على أن تبدأ عملية الاقتراع في الانتخابات في يناير 2023.
وقد أكد الطرفين على الدفع بالمسار الدستوري إلى واجهة المشهد، باعتباره الحل والضمان لعدم تكرار أسباب فشل إجراء الانتخابات في موعدها الماضي يوم 24 ديسمبر 2021، وأن ذلك سيكون من خلال إعلان المجلسين عن اتفاقهما على حل الخلافات القانونية التي اعترضت إجراء الانتخابات في موعدها السابق، بإجرائها وفق دستور دائم للبلاد.
ويبدو أن الهدف من خريطة الطريق الجديدة هو القفز على خريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي، حيث أن إجراء تعديلات على مسودة الدستور والاستفتاء عليه يستلزمان مدة أطول من عمر خريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الذي ينتهي في يونيو المقبل[12]، ما يعنى بقائهما فى السلطة أطول فترة ممكنة. كما أن ذلك يعنى انفرادهما بتصميم قاعدة دستورية تكون على مقاس شخصيات تضمن لهما مصالحهما[13].
ثالثًا: مدى إمكانية تنفيذ ما تم الإتفاق عليه:
يمكن القول أن هناك عدة أوراق يمتلكها المجلسان لفرض خيار لقائهما كحل محتمل للأزمة الانتخابية الحالية، فهما موجودان فعلياً على الأرض وأكبر الخصوم التي تمتلك أذرعا عسكرية. كما أن هناك مصالح أطراف إقليمية أيضاً يمكن أن تلتقي مع هذا الخيار وتدعمه، وربما يكون من نتائج التقارب المصري التركي المتزايد[14].
ولكن فى المقابل، يبدو أن هناك رفض من قبل المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفانى ويليامز لبنود الاتفاق، فقد دعت وليامز، عبر اتصال مرئي مع الكتلة النسائية في ملتقى الحوار السياسي فى 9 يناير 2022، إلى :”احترام الجدول الزمني المنصوص عليه في خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي، مشيرة إلى أن يونيو 2022 هو أقصى مهلة لتنفيذ المتفق عليه في ملتقى الحوار السياسي، أي إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وتسليم السلطة”، مشددة على أن هذا هو “إطار العمل الذي أقره مجلس الأمن الدولي للحل الشامل لإنهاء الفترة الانتقالية الطويلة في ليبيا”.
وتنهي وليامز بذلك الجدل القائم حول مصير السلطة التنفيذية الحالية، خاصة الحكومة التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، التي تطالب عدة قوى سياسية محلية بتعديلها أو إقالتها بالكامل، بعد انتهاء مدتها القانونية يوم 24 ديسمبر2021، وفشلها في إجراء الانتخابات في هذا الموعد. كما تصر وليامز من خلال تصريحاتها، وكان أخرها تصريح مع شبكة CNN الأمريكية[15]، على ضرورة أن يكون تأجيل الانتخابات لفترة قصيرة لا تتجاوز نهاية يونيو المقبل، وترفض دعوات ومطالب ترحيلها وإرجائها إلى العام المقبل[16].
وتملك وليامز العديد من الأوراق التى تمكنها من فرض خياراتها تتمثل فى الإبقاء على ملتقى الحوار السياسي في حالة استعداد للعودة، لإفشال أي خطوة في اتجاه تأجيل الانتخابات لمدة أطول. بجانب التمسك بالمجلس الرئاسي الذي لا يزال يمتلك شرعية لا يتحكم فيها مجلسا النواب والدولة، ويمكنه أن يشكل بديلاً عن ملتقى الحوار السياسي في فرض أي خطة جديدة للانتخابات في آجال قصيرة إذا فشل الملتقى[17].
علاوة على ذلك، فأن خبرة عقد مثل هذه اللقاءات بين المجلس الأعلى والنواب يوحى بأنه لن يحدث أى توافق بينهما، فعدد اللقاءات التي حدثت بين المجلسين طيلة السبع سنوات الماضية فاق العشرة لقاءات، وتمت خلالها حوارات لم تنتهِ إلى شيء. أكثر من ذلك، فأن مجلس النواب شكل لجنة لإعداد “خارطة طريق” ولم يشكلها ل”الحوار”، ما يعني، أن مجلس النواب لا يزال مصراً على التفرد بالقرارات، وأن تقاربه مع مجلس الدولة مجرد حديث إعلامي فقط[18].
[1] ” لقاء سرّي يجمع «المشري» و«عقيلة» في المغرب”، عين ليبيا، 2/1/2021، الرابط:
[2] ” توازنات هشة: دلالات التحولات الراهنة في خريطة التحالفات في ليبيا”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 5/1/2021، الرابط:
[3] المرجع السابق.
[4] “لقاءات سياسية وعسكرية ليبية.. حوارات منفصلة أم توافق حول خريطة الطريق؟”، العربى الجديد، 9/1/2022، الرابط:
[5] ” توازنات هشة: دلالات التحولات الراهنة في خريطة التحالفات في ليبيا”، مرجع سابق.
[6] ” ليبيا.. خلفيات اللقاء السري بين المشري وعقيلة (تحليل)”، الأناضول، 7/1/2022، الرابط:
[7] المرجع السابق.
[8] “أزمة الانتخابات الليبية.. هل تقارب المشري وصالح يؤشر لمرحلة جديدة؟”، العربى الجديد، 31/12/2021، الرابط:
[9] “مفاوضات سرية.. هل يسفر اجتماع المشري وعقيلة عن تحالف جديد في ليبيا؟”، صحيفة الاستقلال، 10/1/2022، الرابط:
[10] “أزمة الانتخابات الليبية.. هل تقارب المشري وصالح يؤشر لمرحلة جديدة؟”، مرجع سابق.
[11] اختلف مجلسا النواب والدولة بشأن ضرورة طرح مسودة الدستور التى صاغتها الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور فى عام 2017 للاستفتاء منذ ذلك الوقت، ففى حين طالب مجلس الدولة بضرورة أن تكون أساساً دستورياً للانتخابات، رفض مجلس النواب ذلك بحجة وجود خلافات حول بعض مواد المسودة.
[12] ” اتفاق على مراحل خريطة طريق ليبية تتضمن تأجيل الانتخابات حتى 2023… وعقبة تعترض الإعلان”، العربى الجديد، 8/1/2021، الرابط:
[13] “أزمة الانتخابات الليبية.. هل تقارب المشري وصالح يؤشر لمرحلة جديدة؟”، مرجع سابق.
[14] المرجع السابق.
[15] ” وليامز: نعمل لإعادة العملية الانتخابية لمسارها في أسرع وقت ممكن”، بوابة إفريقيا الإخبارية، 12/1/2022، الرابط:
[16] ” الأمم المتحدة تعلن موعد تسليم السلطة في ليبيا… تفاصيل”، حفريات، 10/1/2022، الرابط: https://bit.ly/34KMcVe
[17] “أزمة الانتخابات الليبية.. هل تقارب المشري وصالح يؤشر لمرحلة جديدة؟”، مرجع سابق.
[18] “ليبيا: حوار جديد بين مجلسي النواب والدولة… بحث حلّ أم سبيل جديد للمماطلة للبقاء في السلطة؟”، العربى الجديد، 6/1/2021، الرابط: https://bit.ly/3qu5mY1