شهدت العلاقات الألمانية الإفريقية تطورات مهمة في السنوات الأخيرة على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية؛ فمثلًا التقت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في أغسطس 2021 بعددٍ كبيرٍ من قادة الدول الإفريقية في برلين تحت لافتة “مؤتمر ميثاق مع إفريقيا”، وتم إطلاق مبادرة لتحفيز الشركات الألمانية على الاستثمار في إفريقيا عبر إرفادها بحزمة كاملة من إجراءات الدعم الحكومية. وأحدثت المبادرة بالفعل اختراقًا مهمًّا في سياق تعزيز الدبلوماسية الألمانية في إفريقيا؛ حيث تعاظم وجود الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة في دول القارة، لاسيما في العامين 2018- 2019 وقُبيل جائحة كوفيد-19 مباشرة. وبعد تولِّيه المنصب بنحو ستة أشهر، قام المستشار الألماني أولاف شولتز بجولة إفريقية (22-25 مايو) مُعبِّرةً عن مجمل اهتمامات ألمانيا بإفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ شملت السنغال والنيجر وجنوب إفريقيا؛ الأمر الذي يبلور الاهتمامات الألمانية في قضايا الطاقة، ومواجهة الإرهاب، والحشد السياسي. فكيف نشطت العلاقات الألمانية الإفريقية على عهد ميركل؟ وكيف يُمكن قراءة محطات جولة شولتز؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..
أولاً: العلاقات الألمانية الإفريقية في عهد ميركل:
أحيت المستشارة ميركل، في عام 2017، “عام إفريقيا”، وجعلت من القارة موضوعًا رئيسًا للرئاسة الألمانية في مجموعة العشرين، وتم إطلاق مبادرة “ميثاق مع إفريقيا” في العام ذاته، بغرض توفير ظروف أفضل للتجارة والاستثمار وشراكة متساوية مع القارة. كما أبرمت وزارة التنمية الألمانية شراكات إصلاح مع ثلاث من الدول المشاركة في المبادرة، وهي تونس وغانا وكوت ديفوار، واعتزم وزير التنمية الألماني “غيرد مولر” توقيع ثلاث شراكات إصلاحية أخرى مع المغرب والسنغال وإثيوبيا على هامش قمة برلين. حيث كان دعم الاستثمارات وإيجاد مواطن عمل وخلق الرفاهية في إفريقيا، هي أهداف السياسة الألمانية الجديدة تجاه إفريقيا، وتم دفع الشركات الألمانية لتعزيز استثماراتها في القارة، وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد الألمانية؛ فقد زادت الاستثمارات الألمانية المباشرة في إفريقيا، منذ عام 2015، لأكثر من الضعف.
دوافع تنامي العلاقات الألمانية الإفريقية في عهد ميركل:
شهدت العلاقات الألمانية الإفريقية تطورًا ملحوظًا، في عهد ميركل، بسبب تصاعُد عدد من القضايا الإفريقية، التي كان لها تأثير على أمن أوروبا بشكلٍ عام، وأمن ألمانيا بشكلٍ خاص، مثل الهجرة غير الشرعية، وقضايا اللاجئين من إفريقيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وقضية الإرهاب ونشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة غرب إفريقيا؛ التي كان لها أهمية خاصة لدى ألمانيا خلال السنوات الأخيرة. والمصالح الألمانية في إفريقيا عديدة، تتعلَّق ببناء النفوذ على الصعيد الدولي، والاستفادة من موارد الدول الإفريقية، خاصةً أنها تتمتع بالعديد من الثروات مثل النفط واليورانيوم والذهب والماس وغيرها من الموارد، وهناك مصالح أمنية تتعلق بقضايا التنظيمات الإرهابية والتصدي للإرهاب ولا سيما منطقة غرب إفريقيا والساحل والصحراء لأهميتها الإستراتيجية، وقضية الهجرة غير الشرعية واللاجئين. وتعزيز مشاركة القوات الألمانية في بعثات حفظ السلام في إفريقيا من أولويات المصالح الألمانية، فهناك أكثر من 1500 ألماني يشاركون في العمليات والبعثات الأممية لحفظ السلام في منطقة غرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، كما توجد القوات الألمانية كذلك في عدد من الدول الإفريقية، مثل: مالي وإفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية والكاميرون والقرن الإفريقي، ضمن البعثات الأممية لحفظ السلام.
مداخل تنامي العلاقات الألمانية الإفريقية في عهد ميركل:
ألمانيا كان لها عدة مداخل للحصول على موطئ قدم في إفريقيا؛ فالمدخل السياسي تمثَّل في جولات ميركل إلى العديد من الدول الإفريقية، منذ عام 2017 – 2020، لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول القارة، وتمثَّل المدخل الاقتصادي في المبادرات اللي قدَّمتها ألمانيا للقارة الإفريقية، مثل “خطة مارشال” وبعض المبادرات الأخرى؛ التي تهدف إلى تعزيز التنمية والتغلُّب على التحديات التي تواجه دول القارة، وتعزيز دور الشركات الألمانية من خلال تقديم التسهيلات والدفع نحو الاستثمار في الدول الإفريقية. كانت “خطة مارشال” تُمثِّل إطارًا طموحًا للحكومة الألمانية تجاه إفريقيا، وتهدف منها إلى زيادة التجارة والتنمية في القارة، والتقليل من تدفقات الهجرة الجماعية إلى أوروبا، كما تُركِّز على التجارة العادلة وزيادة الاستثمار الخاص والتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، وتتجاوز الخطة فكرة الإصلاح الاقتصادي لتشمل السلام والأمن كركيزة ثانية، والديمقراطية وسيادة القانون كركيزة ثالثة. وتُعد جنوب إفريقيا ونيجيريا وغانا وكينيا وأنجولا أكبر 5 شركاء اقتصاديين لألمانيا في القارة، والعلاقات الاقتصادية الألمانية الإفريقية لا ترتبط فقط بقطاع الطاقة؛ بل تشمل السلع الاستهلاكية والخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية والآلات والمواد الكيميائية والمنتجات الصناعية والزراعية.[1]
تطوُّر العلاقات الألمانية الإفريقية في عهد ميركل:
رغبة ألمانيا المفاجئة في إعادة الحياة إلى علاقاتها الاقتصادية مع البلدان الإفريقية جاءت عقب جولة إفريقية قادت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في أكتوبر 2016، إلى كلٍّ من مالي والنيجر وإثيوبيا. وجولة ميركل، التي استغرقت 3 أيام، مكَّنت الوفد المُرافق لها من إدراك أن برلين متأخرة في سباق القوى العظمى نحو القارة، خاصةً في مجال الاستثمار، لاسيما وأنهم لاحظوا أيضًا توسُّع الاستثمارات والتبادل التجاري للقارة مع قوى، مثل الصين والهند وفرنسا وبريطانيا.[2] ومنذ عام 2017 غيَّرت الحكومة الألمانية سياستها تجاه القارة في المجال الاقتصادي، وحدَّدت هدفًا يقضي بتشجيع المستثمرين الألمان على التوجُّه إلى القارة الإفريقية وتقديم تسهيلات لهم ليتمكَّنوا من الاستثمار هناك. وفي هذا المجال أطلقت ألمانيا مبادرة “ميثاق مع إفريقيا”، والتي تضم سبع دول من غرب إفريقيا، تلتزم بموجبها هذه الدول بأن تكون جذابة للمستثمرين، وبالمُقابل تلتزم ألمانيا والشركاء الآخرون بالترويج لهذه البلدان وتشجيع المستثمرين على الاستثمار فيها. وقد عُقدت العديد من المؤتمرات الإفريقية في برلين، وكانت المستشارة ميركل تحاول دائما خلال زياراتها للدول الإفريقية أن تفتح الباب أمام المستثمرين الألمان. هذا ولم تحظ منطقة بالاهتمام في عهد ميركل، كمنطقة غرب إفريقيا، حيث هناك جنود ألمان يشاركون في مهام تدريبية. وتُعتبر منطقة غرب إفريقيا نقطة ساخنة وحيوية لسياسة الهجرة، حيث تُشكِّل هذه المنطقة إحدى أهم طرق عبور المهاجرين من بلدانهم الأصلية إلى أوروبا. والسيناريو المرعب للساسة في برلين هو أن: يزداد الإسلاميون قوة في المنطقة، ويجد الإرهابيون -الذين يُمكن أن ينفذوا عمليات في ألمانيا- ملاذات آمنة هناك. كما أن تنامي العنف وانهيار الدول يُمكن أن يؤدي إلى تدفق اللاجئين على أوروبا. ومن ثمَّ فإن السياسة الألمانية تجاه هذه المنطقة تقوم على ثلاث نقاط رئيسية: الأمن، والتنمية، ومكافحة الهجرة. وأهم مؤشر على ذلك هو تواجد وحدات من الجيش الألماني هناك، حيث أن حوالي ألف جندي ألماني يشاركون في المهمة التدريبية لبعثة الاتحاد الأوروبي EUTM والأمم المتحدة MINUSMA.[3]
وهكذا سعت ألمانيا لتدعيم شراكاتها مع الدول الإفريقية التي كانت محدودة قبل تلك الخطوات التي اتخذتها ميركل؛ حيث كانت ألمانيا تستثمر سنويًا 10 مليارات يورو في إفريقيا 90% منها في ثلاث دول فقط، هي جنوب إفريقيا ونيجيريا والجزائر، ولا تتعدَّى أنشطة الشركات الألمانية في إفريقيا 2%. وبحسب بيانات منشورة على موقع “جيرمن أفريكا” الإلكتروني، بلغت المبادلات التجارية بين ألمانيا وإفريقيا، في 2013، نحو 60 مليار دولار، في حين تجاوزت معاملات القارة مع الصين عتبة الـ 200 مليار دولار. وقد اختارت ألمانيا الوقت المناسب لإنعاش استثماراتها في إفريقيا، لاسيما وأن المؤشرات الكلية لبعض اقتصادات القارة تظهر استعدادًا لتحقيق النمو الاقتصادي.[4]
ثانيًا: العلاقات الألمانية الإفريقية في عهد شولتز:
أشار المجلس الأوروبي إلى الجولة الإفريقية التي أجراها المستشار الألماني أولاف شولتز في الأيام القليلة الماضية بينما تستمر الحرب الروسية الأوكرانية، وشملت الجولة كلًا من السنغال والنيجر وجنوب إفريقيا، مُعتبرًا أن توطيد العلاقات الإفريقية الألمانية بات ضرورة مُلحة الآن أكثر من أي وقت مضى؛ فإفريقيا ركيزة أساسية لتحقيق الاستقلال الاقتصادي الأوروبي، في ضوء التوجُّه نحو تقليص الاعتماد على واردات الطاقة الروسية.
شولتز في السنغال والبحث عن الغاز:
بادر شولتز خلال بدء جولته الإفريقية في السنغال يوم 22 مايو بالتأكيد على سعي بلاده الحثيث للتوسُّع في مشروعات الغاز والطاقة المتجدِّدة مع السنغال على نحوٍ يتَّسق مع جهود ألمانيا في خفض اعتمادها القوي على روسيا لتوفير احتياجاتها من الغاز عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. وكانت برلين قد بدأت بالفعل محادثات مع السلطات السنغالية حول “استخراج الغاز والغاز الطبيعي المُسال”. كما يزداد اهتمام ألمانيا بمشروعات الطاقة المُتجدِّدة السنغالية، فيما تعمل السنغال -حسب تصريحات الرئيس ماكي سال- على إمداد السوق الأوروبية بالغاز الطبيعي المُسال مع توقُّع وصول إنتاج السنغال منه إلى 2.5 مليون طن بحلول العام 2023، ثم إلى 10 ملايين طن بحلول العام 2030. وقد كشفت ألمانيا خلال زيارة شولتز لداكار عن خططها للعمل مع السنغال على تطوير حقل غاز بحري قبالة السواحل السنغالية ضمن مساعي ألمانيا تقليل التداعيات السلبية للحرب في أوكرانيا على وارداتها من الغاز، وفي مسار لا يُمكن فصله عن خطة الاتحاد الأوروبي المعروفة باسم خطة REPowerEU التي تم تفصيلها قبل زيارة شولتز بنحو أسبوع واحد فقط، وتضمَّنت الخفض المُتسارع لاعتماد الاتحاد على الوقود الروسي والمُضي قُدمًا نحو “الانتقال الأخضر”، والاعتماد على السنغال في مجالي الطاقة المتجددة وتكنولوجيا التخزين.[5] ودعت ألمانيا كلًا من السنغال، التي تتولَّى الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي حاليًا، وجنوب إفريقيا لحضور قمة مجموعة السبع التي تستضيفها في يونيو كضيفتين.[6] وتحظى مساعي شولتز في هذا الإطار بدعم من شركائه في الائتلاف الحكومي أيضًا، حيث صرَّح مستشار الدولة في وزارة البيئة، ميشائيل كيلنر من حزب الخضر، قائلًا “لا نريد أبدًا أن نصبح من جديد مرتبطين بدولة واحدة، مثلما كنا سابقًا ومازلنا مُعتمدين إلى حدٍّ ما على روسيا. لذلك من المنطقي أن يبحث المرء أين يمكنه التنويع”. وتراقب إفريقيا بقلق ارتفاع أسعار الحبوب، فإلى جانب الجوع المحدق، يمكن أن يؤدي ذلك إلى انهيارات أخرى. وقد أظهر شولتز وعيًا عميقًا لهذه المعضلة، إذ أن ألمانيا الدولة الغنية يُمكن أن تجد مخرجًا، حيث ليست هناك خيارات لدول أخرى. وأشار شولتز إلى التعاون مع برنامج الغذاء العالمي لمكافحة الجوع في دول مثل السودان والصومال والنيجر، وقال مُتحدِّثًا عن ارتفاع سعر البنزين “لدينا الآن محادثات مع كل هذه البلدان التي تُصدِّر الغاز والنفط، ونحاول إقناعها بزيادة إنتاجها، ما سيكون جيدًا بالنسبة للسوق العالمية”. وبدوره استغل الرئيس السنغالي ماكي سال زيارة شولتز للضغط من أجل حصول الاتحاد الإفريقي على مقعد في قمة العشرين، بقوله: “عند النظر إلى الاقتصاد الإفريقي ككل، يصل الإنتاج المحلي الإجمالي إلى 2,6 مليار دولار سنويًا. وهذا ليس قليلًا. وبالتالي فإنه يجب أن يكون لإفريقيا مقعد، حيث تتم مناقشة القضايا التي تهم العالم”.[7]
شولتز في النيجر والحرب على الإرهاب:
بعد السنغال توجَّه شولتز إلى النيجر؛ حيث اضطلع هذا البلد الإفريقي بدور أكبر في استضافة القوات الخاصة الأوروبية لوقف تمرُّد الإرهابيين، في أنحاء منطقة الساحل، منذ تدهور العلاقات الأوروبية مع المجلس العسكري الحاكم في مالي المجاورة، وتعليق الاتحاد الأوروبي مهمة للتدريب العسكري في مالي بسبب عدم تقديم السلطات ضمانات بأن متعاقدين عسكريين من مجموعة فاجنر الروسية، لن يتدخلوا في العملية.[8] وعلى نقيض السياسات الفرنسية في إقليم الساحل؛ تعهَّد المستشار الألماني شولتز خلال وجوده في النيجر، بتقديم دعم عسكري ومالي طويل الأجل لمحاربة الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا. وزار شولتز خلال وجوده في النيجر قوة بلاده البالغة 180 جنديًّا من القوات الألمانية التي تُعرف باسم Bundeswehr، وتقوم بتدريب القوات الخاصة النيجرية في معسكر في تيليا على بُعد نحو 80 كم من الحدود مع مالي. وبينما كان من المُقرَّر أن تنتهي مهمة القوات، التي بدأت في العام 2018، خلال العام الجاري؛ يؤكد مسؤولون أن ألمانيا، التي توسَّع تعاونها مع النيجر منذ العام 2015 لعاملين أساسيين؛ هما: تهديد الجماعات الإرهابية، ومرور الطرق التي يجتازها المهاجرون من غرب إفريقيا إلى أوروبا عبر النيجر، قد تُمدِّد عمل Bundeswehr باعتبارها جزءًا من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي. ورحَّب رئيس النيجر محمد بازوم بتوقُّع مد البعثة أو إقرار مشروع بديل، لاسيما أن ألمانيا قدَّمت لبلاده تدريبًا فائق الجودة حظي بتقدير بالغ من قِبل القوات المسلحة -على حد قوله-. ووصفت الحكومة الألمانية النيجر بأنها “مربط الاستقرار” في إقليم الساحل. وتعتبر برلين النيجر أهم شريك لها في الوقت الحالي في مجال محاربة الإرهاب في إقليم الساحل لاسيما أن بازوم ينتهج مسارًا مواليًا للغرب.[9]
شولتز في جنوب إفريقيا وتعميق التعاون التجاري:
جنوب إفريقيا، المحطة الأخيرة لشولتز، هي عضو في قمة العشرين، وأحد أهم الشركاء الإفريقيين في جنوب الصحراء.[10] وتحتل جنوب إفريقيا مكانة مُتقدِّمة في أبرز الاقتصادات الإفريقية؛ سواء من ناحية الناتج المحلي الإجمالي الذي تجاوز 301 بليون دولار في العام 2020، أو تنوع القطاعات الإنتاجية الكبيرة. وجاءت جنوب إفريقيا في العام 2020 في المرتبة 38 عالميًّا من جهة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وحلَّت الأولى عالميًّا في صادرات البلاتينيوم (بقيمة 11.9 بليون دولار)، وخام المنجنيز (2.99 بليون دولار)، وخام الكروم (1.56 بليون دولار)؛ بينما تمثلت قائمة أهم صادراتها حتى نوفمبر 2021 في الذهب (13 بليون دولار)، والبلاتينيوم (12 بليون دولار)، والفحم الحجري (6.37 بليون دولار)، والماس (4.75 بليون دولار). وتحتَّل ألمانيا مرتبة ثاني أكبر الشركاء التجاريين مع جنوب إفريقيا بحجم تبادل تجاري بلغ 7.2 بليون دولار بنسبة 8.01% من تجارة جنوب إفريقيا الخارجية، بعد الصين (9.6 بليون دولار بنسبة 10.73%)، وقبل الولايات المتحدة الأمريكية (6.3 بليون دولار بنسبة 7%). وحضر موقف جنوب إفريقيا المحايد من الأزمة الروسية- الأوكرانية في أجندة قمة شولتز- رامافوزا. وقد اتفقت شركة ساسول جنوب إفريقيا وشركة هيلهولتز- زينتروم برلين على بدء بحوث لتطوير إنتاج “وقود مستدام للطائرات” على مستويات تجارية. وفي حال نجاح المشروع، المُتوقع أن يستغرق ثلاثة أعوام، فإنه سيساعد على تصنيع الكيروسين –أحد أشكال وقود الطائرات- من مصادر متجددة -حسب بيانات الشركتين- بحلول العام 2025. ويُعزِّز التقارب الألماني- الجنوب إفريقي فرص حصول شركة ساسول في مشروعها المهم في استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتصدير الهيدروجين الأخضر (الذي يُمكن مزجه بالغاز الطبيعي لتدفئة المنازل) على دعم مباشر من الحكومة الألمانية.[11]
ثالثًا: ألمانيا وإفريقيا وتراجع الوكيل الفرنسي:
بعد التطورات التي شهدتها مالي، وتراجع الدور العسكري الفرنسي هناك؛ وافق البرلمان الألماني على إرسال 650 جندي ألماني إلى هناك هذا العام، فموضوع الهجرة يشغل الحكومة الألمانية الحالية أيضًا بعد رحيل ميركل، حيث تُعتبر نيجيريا وغانا ضمن أكثر البلدان المصدرة للمهاجرين. في حين تُعد النيجر من بلدان العبور الأساسية للمهاجرين، حيث يعبرها كل عام حوالي 150 ألف مهاجر باتجاه البحر المتوسط. وألمانيا تساعد هذه الدول لتحصين وحماية حدودها، سواء من خلال تدريب حرس الحدود أو تسليحه.[12] وزيارة شولتز لغرب إفريقيا تُظهر بشكل واضح مدى تعويل الجانبين على بعضهما. فالسنغال والنيجر بحاجة إلى استمرار دعم ألمانيا لهما في المسائل المُتعلِّقة بالأمن والتنمية. في حين تُعوِّل برلين على التعاون الوثيق لتأمين الاستقرار في منطقة الساحل المهمة من الناحية الجيوستراتيجية، حتى في ضوء الانقلابات التي حدثت في الأعوام الأخيرة والتي عقَّدت العلاقات مع دول شريكة مثل مالي. وأكد شولتز خلال زيارته للنيجر أنه يريد التزامًا طويل الأمد في المنطقة، وبناء عالم متعدد الأقطاب لا تتحكَّم به دولتان أو ثلاث دول فقط.[13] ورغم التحالف الاستراتيجي الألماني- الفرنسي في إفريقيا، ولعب فرنسا -لاسيما في الساحل الإفريقي- دور الوكيل الأوروبي والألماني فإن زيارة شولتز الأخيرة تضمَّنت أجندة مُوسَّعة للغاية مُقارنةً بزيارة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل لأنجولا وجنوب إفريقيا في فبراير 2020؛ كما لمست جولة شولتز ملفًّا كان حصريًّا تقريبًا على التحرك الفرنسي، وهو مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي. وربما كان التراجع الفرنسي الكبير في إفريقيا في الآونة الأخيرة سببًا وجيهًا لانخراط ألماني أكبر في الملفات السابقة التي تمَّت الإشارة لها بقدر واضح من الاستقلالية بعيدًا عن المظلة الفرنسية، وسط توقُّعات لاتباع برلين سياسات طاقة منافسة بقوة لسياسات الشركات الفرنسية المنافسة لاسيما في جنوب إفريقيا ودول جوارها.
الخُلاصة؛
على بوابة إفريقيا، التي تُعد الآن مستقبل الاقتصاد العالمي، تقف ألمانيا، وهي قوة اقتصادية عظمى أخرى تبحث عن موطئ قدم لتنافس بقية القوى، سواء التقليدية الناشطة في القارة، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أو الناشئة كالصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية. دخول مفاجئ ونشط سجَّلته القارة السمراء لفاعل جديد، حينما نظَّمت ألمانيا أول منتدياتها الاقتصادية الإفريقية في مدينة فرانكفورت، يوم 23 مارس 2017، بهدف تعزيز الروابط الاقتصادية مع الدول الإفريقية، وخلق نوع من الألفة بين تلك الدول والشركات الألمانية. وفي ظل هذا التنافس المحموم على القارة الإفريقية، فإن مستقبل الحضور الألماني يبقى محل تساؤل، إلا أن القدرات الألمانية على صوغ أسلوب جديد يستهدف منع النزاعات الإفريقية والمساهمة في تسويتها، واستغلال قبول الأفارقة لها باعتبارها وسيطًا محايدًا في بعض النزاعات؛ يجعل ألمانيا شريكًا له أفضلية بالنسبة لإفريقيا. إلا أن عدم وجود سياسة ألمانية متماسكة تجاه إفريقيا يجعل تحركها بطيئًا في القارة، كما يُعد نقص المعرفة بإمكانات القارة من العوائق المهمة أمام التوسُّع السريع للاستثمار الألماني في إفريقيا. ومن العوائق التي تواجه ألمانيا أيضًا انتقاد بعض الأفارقة للخطط والمبادرات الألمانية في إفريقيا، مثل خطة مارشال، ومبادرة الاتفاق مع إفريقيا، باعتبارهما تؤسسان لاستعمار جديد يستهدف السيطرة على إفريقيا، ولا يُحقِّق نموًا مستدامًا في بلدانها، كما يضع التاريخ الاستعماري لألمانيا ضغوطًا على العلاقات بين ألمانيا وإفريقيا، فيما يتعلَّق بمسألة الاعتراف بالإبادة الجماعية في ناميبيا. وقد بدا من تحركات الإدارة الألمانية الجديدة أنه من المُتوقَّع أن تشهد القارة انخراطًا ألمانيًا خلال الفترة القادمة، خاصةً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتراجُع الدور الفرنسي في القارة، وتصاعُد بعض الأدوار الأخرى مثل الدورين الصيني الروسي، خاصةً في منطقة الساحل والصحراء. استحوذت جولة شولتز الإفريقية على اهتمام جميع أقاليم القارة، حيث شملت السنغال (الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي والشريك الجديد لدول مجموعة السبعة G7، وبما تمثله من أهمية اقتصادية وسياسية للاتحاد الأوروبي بشكلٍ عام كدولة حليفة تقليديًّا لفرنسا والدول الغربية)، والنيجر (الشريك العسكري لألمانيا ودولة انتقال للمهاجرين في الطريق إلى أوروبا وإحدى المراكز الإفريقية الهامة في صنع سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إفريقيا)، وجنوب إفريقيا (أبرز شركاء ألمانيا التجاريين في إفريقيا)؛ الأمر الذي يُبلور الاهتمامات الألمانية في قضايا الطاقة، ومواجهة الإرهاب، والحشد السياسي، ويؤشِّر، من بعيد، إلى تباين الأداء السياسي الألماني في إفريقيا عن السياسة التقليدية بتقسيم العمل مع فرنسا لاسيما في ملفي مواجهة الإرهاب وأمن الساحل الإفريقي.
[1] روضة علي عبد الغفار، ” بعد انتهاء عهد “ميركل”.. هل تتأثر العلاقات الألمانية الإفريقية؟”، المجتمع، 1/12/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/0V6wL
[2] محمد رمضان، “ألمانيا تنشط في إفريقيا.. هل تغير موازين القوى في القارة؟”، وكالة الأناضول، 15/2/2017. متاح على الرابط: https://cutt.us/6Bwbb
[3] دانيال بيلتس، ” سياسة ألمانيا إزاء غرب إفريقيا- التزامات كبيرة وحضور اقتصادي ضعيف”، DW، 28/8/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/jpB1B
[4] محمد رمضان، مرجع سبق ذكره.
[5] د. محمد عبد الكريم أحمد، “جولة شولتز الإفريقية: أهم الملفات وإرهاصات التراجع الفرنسي”، قراءات إفريقية، 29/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/Vsldn
[6] “”شبح” روسيا يرافق المستشار الألماني إلى إفريقيا”، العين الإخبارية، 22/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/PjQaS
[7] “شولتز في إفريقيا.. نظرة مشتركة للعالم ورغبة في التعاون”، DW، 25/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/49MxT
[8] “”شبح” روسيا يرافق المستشار الألماني إلى إفريقيا”، مرجع سبق ذكره.
[9] د. محمد عبد الكريم أحمد، مرجع سبق ذكره.
[10] “شولتز في إفريقيا.. نظرة مشتركة للعالم ورغبة في التعاون”، مرجع سبق ذكره.
[11] د. محمد عبد الكريم أحمد، مرجع سبق ذكره.
[12] دانيال بيلتس، مرجع سبق ذكره.
[13] “شولتز في إفريقيا.. نظرة مشتركة للعالم ورغبة في التعاون”، مرجع سبق ذكره.