بعد فشل محاولة باشاغا دخول طرابلس…الأزمة الليبية إلي أين؟

 

 

جاء قرار رئيس الحكومة المكلَّف، فتحي باشاغا، بدخول العاصمة الليبية، طرابلس، 16 مايو 2022، حسب العديد من التقارير الإعلامية، بعد أن فتح قنوات اتصال مع جهات متعددة في العاصمة وخصوصا كتيبة النواصي. وبالتالي بات لدي باشاغا قناعة بأن لديه مناصرين في داخل العاصمة، وأن باستطاعته أن يجد الحماية الكافية من لدن أولئك المناصرين.  وقد انعكست هذه القناعة في تأكيد وزير الداخلية في حكومة باشاغا، عصام أبو زريبة، أن وصول باشاغا بات محاطًا بعملية تأمين عامة تجري بشكل جيد وفق خطة مرسومة، معطيًا تطمينات بعدم الملاحقة لأسباب سياسية للشخصيات الاعتبارية في حكومة عبد الحميد الدبيبة، وأنه بات ملحًّا على الحكومة الليبية المكلفة أن تمارس مهامها من طرابلس. ولا شك أن دخول باشاغا لطرابلس سيكون من أهم ثماره في حالة ما إذا مر بنجاح إحراج حكومة الدبيبة والسعي إلى سحب البساط من تحت أرجلها، وإضفاء شرعية جديدة على حكومته. في هذه الظروف، وقبيل وصول باشاغا، تحدثت بعض وسائل الإعلام المقربة من الطرف الثاني عن أن عبد الحميد الدبيبة أعطى الأوامر للطيران المسيَّر بأن يكون في حالة استنفار، وأن يظل على أهبة الاستعداد لأية طوارئ[1].

وقد كشفت تلك المواجهة السريعة بين قوات باشاغا والدبيبة عن فشل في تقدير الأول لقوة داعميه مقارنة بقوة المجموعات الموالية لخصمه (الدبيبة)، وهو مابدا واضحا منذ اللحظة الأولى لوصوله العاصمة، فخلال أقل من ساعتين، استطاعت القوات الداعمة للدبيبة، ممثلة في قوة “دعم الدستور” وقوة “دعم الاستقرار” التي كانت تسمى سابقًا باسم “شهداء بو سليم” و”فرقة الإسناد الأولى”، وكتيبة “فرسان جنزور”، المرتبطة بالجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في محاصرة مقر كتيبة النواصي حيث يتواجد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب. وكادت مغامرة باشاغا وفقا لأحد المسئولين العسكريين بالعاصمة طرابلس، أن تنتهي بإلقاء القبض عليه، وليس خروجه من العاصمة فقط، بعدما أصبحت الكلمة العليا على المستوى الميداني للقوات الداعمة للدبيبة، التي اشتبكت مع ميليشيا النواصي في منطقتي “سوق الجمعة” و”طريق الشط”، قبل أن يتدخل مصطفى حمزة قائد اللواء 444، التابع لمنطقة طرابلس العسكرية، بالوساطة، وفتح الطريق أمام خروج باشاغا ووزراء حكومته المرافقين له، بعد أن هددت ميليشيا “المجلس العسكري” في مصراتة بالتدخل ميدانيًا في العاصمة إذا لم تقم الميليشيات الموالية للدبيبة بإيقاف القتال والانسحاب من الشوارع وتأمين خروج باشاغا[2].

ويبدو أن تحركات باشاغا الأخيرة وفشله في دخول العاصمة والمكوث بها ستكون لها انعكاسات واسعة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- اهتزاز صورة باشاغا:

كشف رهان باشاغا في الاعتماد علي دعم المجموعات المسلحة المتمركزة داخل طرابلس عن سوء تقدير، حيث أن تلك المجموعات في النهاية تغير دفة توجهاتها لمن يدفع أكثر في وقت يمتلك فيه الدبيبة السيطرة على المصرف المركزي. كما كشفت خسارة باشاغا وخروجه السريع من طرابلس عن أن حجم الدعم الميداني الذي يحظى به على أرض الواقع أقل بكثير من الصورة التي سعى إلى تصديرها مؤخرًا سواء أمام داعميه الداخليين أو في الخارج، مما سيخصم كثيراً من رصيده داخلياً وخارجياً[3]. وهو ما تجلي في رفض الأطراف الدولية محاولة باشاغا للاستيلاء على السلطة بالقوة.

وعلي الرغم من تأكيد باشاغا أنه كان قادراً على دخول طرابلس بالقوة؛ لكنه اختار عدم اللجوء إلى هذه الوسائل كما فعلت الحكومات السابقة، حقناً لدماء الليبين، خاصة بين من كانوا في خندق واحد بالأمس القريب، إلا أن تلك المبررات لن تكون مقنعة حتي لدي داعمييه.

2- توجه الدبيبة للسيطرة علي طرابلس:

يبدو أن الدبيبة، بعد المواجهة المسلحة الأخيرة التي لم تنجح في إجباره على ترك منصبه، يتجه نحو مزيد من تحصين نفسه وتنقية محيطه من الموالين لخصمه باشاغا، أو حتى التي تقف على الحياد؛ وذلك من أجل إحكام السيطرة على طرابلس. وقد كانت الشخصيات العسكرية الموالية لباشاغا في العاصمة طرابلس الهدفَ الأول للدبيبة؛ إذ أقدم على إقالة أسامة الجويلي من مهام مدير إدارة الاستخبارات العسكرية، علماً بأن الجويلي يعتبر إحدى أبرز الشخصيات العسكرية في الغرب والمتحالفة مع باشاغا، ويقود كتائب الزنتان وأيضاً المنطقة العسكرية، الجبل الغربي. ومن المرجح أن يركز الدبيبة، في الفترة المقبلة، على إضعاف وتحجيم الفصائل الموالية لباشاغا في طرابلس؛ وأهمها كتيبة النواصي، والتي تسيطر على أجزاء حساسة في قلب العاصمة؛ بينها مقرات رسمية، مثل مطار معيتيقة الدولي، والتي يقودها مصطفى قدور، نائب رئيس جهاز المخابرات، الذي أقاله هو الآخر من منصبه[4].

ورغم أن كافة المؤشرات تقود إلى أن الدبيبة خرج أقوى وأكثر رسوخاً في وقت خسرت فيه الجماعات المسلحة المتحالفة مع باشاغا سيطرتها على بعض أجزاء العاصمة، إلا أن ما خلفته من تداعيات بين مكونات معسكرغرب ليبيا، ستمثل تحدي صعب لرئيس حكومة الوحدة الوطنية،على نطاق سيطرته داخل العاصمة خلال الفترة المقبلة، في ظل اضطراره إلى إلقاء القبض على عدد من ضباط الأمن الداخلي في المنطقة الغربية، بتهمة تسهيل عملية دخول باشاغا للعاصمة وهؤلاء بالطبع تقف خلفهم مليشيات وقبائل كبرى.

فأسامة الجويلي الذي أقاله الدبيبة من منصبه يعد من أبرز القيادات العسكرية في المنطقة الغربية، حيث ينحدر من مدينة الزنتان، في وقت تمثل فيه تلك المدينة رقمًا صعبًا في المعادلة الميدانية الليبية .[5]وبعد إقالته، قام الجويلي بتحريك وحدات تابعة له من منطقة الجبل الغربي نحو الجانب الجنوبي الغربي للعاصمة، وقبل تحرك وحدات الجويلي، أصدرت ميليشيا تابعة له تسمى “الدولة المدنية”، تتمركز في مدينة الزنتان، إنذارًا يحذر الدبيبة في حالة عدم تسليمه السلطة بحلول السادس والعشرين من مايو. أضف إلي ذلك، فقد رفض رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قرار إقالة مصطفى قدور، الذي يحمل رتبة عقيد، وقيامه باستقباله في مقر ديوان المجلس الرئاسي، مؤكدًا أن قرارات الإقالة هي من اختصاصات المجلس الرئاسي وليس رئيس الحكومة. بعد هذا الموقف، حرك قدور وحدات تابعة له، وأعاد التمركز بالقوة في مقر جهاز المخابرات في منطقة “السبع” بالعاصمة[6].

3- تعزيز الانقسام السياسي:

ففي سيناريو مشابه لحالة الانقسام الحكومي بين حكومة فائز السراج في الغرب وحكومة عبدالله الثني في الشرق، لجأت حكومة باشاغا عقب خروجه من طرابلس إلى خيار اتخاذ مدينة سرت كمقر مؤقت لها كي تمارس مهامها من خلاله، وهو ما أعلنته الحكومة رسميًا في الحادي والثلاثين من مايو الماضي، في نفس يوم انعقاد جلسة مجلس النواب، التي دعا إليها المستشار عقيلة صالح بجانب حكومة باشاغا كلًا من محافظ المصرف المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ومدير مؤسسة النفط؛ لمناقشة وإقرار ميزانية حكومة باشاغا.

وقد رفض رؤساء هذه المؤسسات حضور الاجتماع مع عقيلة وباشاغا، وأوفدوا ممثلين عنهم للمشاركة في الاجتماع، في مؤشر على رفضهم تمويل حكومة باشاغا، وهو ما دفع صالح إلى تهديد المؤسسات الرافضة للتعاون مع حكومة الأخير. فقد علق عقيلة صالح على عدم حضور المذكورين بالقول: “إن الأجهزة الرقابية تابعة لمجلس النواب، وإن رؤساء هذه الأجهزة غير الملتزمين بقوانين المجلس يعتبرون فاقدين لصفتهم، وأي مسؤول أو رئيس أي جهة تابعة لمجلس النواب، يمتنع عن تنفيذ ما يصدر عنه من قوانين وقرارات، يعتبر فاقداً للصفة والأهلية، ولا يمثل إلا نفسه، وعلى النيابة العامة تحمل مسؤوليتها في هذا الشأن”. كما علق صالح على تغيب محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، بالقول: “إن المصرف المركزي يجب أن يدار من قبل مجلس الإدارة وليس من المحافظ وحده، ولا يجوز للمركزي صرف الأموال دون قانون ميزانية”، في إشارة لتسييله أموالاً لحكومة الوحدة الوطنية[7].

دعوة صالح هذه الأطراف، خاصة محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، تمت رغم وجود قناعة بعدم حضورهم هذه الجلسة، لكن تبدو هذه الخطوة بمثابة بداية ضغوط ستمارس على محافظ المصرف المركزي، إما كي يغير تموضعه الحالي، أو يسمح بإقرار الموازنة التي اقترحتها حكومة باشاغا[8]، والتي أقرها مجلس النواب في جلسته المنعقدة بسرت في 14 يونيو الحالي. وإذا رفض مصرف ليبيا المركزي في طرابلس تمويل ميزانية باشاغا بعد موافقة البرلمان عليها، فقد يطلب البرلمان من رئيس الفرع الشرقي لمصرف ليبيا المركزي توفير التمويل، ومن شأن ذلك أن ينهي فعليا عملية إعادة توحيد المصرف المركزي[9].

وهنا لابد من التنويه أن المنطقة الشرقية تناور بورقة النفط وإيقاف تصديره، للضغط على محافظ المصرف المركزي، لتوفير اعتمادات مالية لحكومة باشاغا[10]. فقد قام عدد من المكونات الليبية في جنوب وشرق البلاد بفرض حصار على الحقول النفطية، ومنع الإنتاج والتصدير، والإعلان عن استمرار حالة الإغلاق إلى أن يقوم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، بالخروج من المعادلة السياسية وتسليم السلطة لرئيس الوزراء الجديد المُنتخب من مجلس النواب “البرلمان”، فتحي باشاغا. وقد جاء ذلك بعد أن قامت المؤسسة الوطنية للنفط، يوم 14 أبريل الماضي، بتحويل نحو 6 مليارات دولار إلى مصرف ليبيا المركزي، وهو ما يتعارض مع ما أقره مجلس النواب الليبي، في مطلع مارس الماضي، بضرورة الاحتفاظ بعائدات النفط في حسابات المصرف الليبي الخارجي وعدم تحويلها إلى حسابات المصرف المركزي. واستهدف مجلس النواب من وراء ذلك الإجراء قطع التمويل عن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة[11].

كذلك، فمن المرجح أن تكون للتطورات الأخيرة التي شهدتها طرابلس تداعيات سلبية على المسار السياسي والدستوري الراهن، بما يزيد من صعوبة التوصل إلى توافقات بين الأطراف المتحاورة. فرغم انتهاء أعضاء لجنة المسار الدستوري المكونة من 24 عضوًا، بالمناصفة بين مجلس النواب والأعلي للدولة من أجل إيجاد مسار يفضي إلي انتخابات مؤجلة منذ نهاية 2021، من جولتين من مشاورات المسار الدستوري في القاهرة، وإعلان المبعوثة الأممية ستيفاني وليامز في نهاية الجولة الثانية، في 20 مايو، عن توافق اللجنة على 137 مادة من مواد مشروع الدستور (يتكون مشروع الدستور من 197 مادة)، إلا أنه ينتظر أن تتواصل المشاورات حول ما تبقى من مواد في مشروع الدستور خلال الجولة الثالثة، التي ستنعقد يوم 11 يونيو الجاري وسط تحديات واختلافات لا تزال تحيط بهذا المسار.

ومن بين تلك التحديات طبيعة تشكيل اللجنة، إذ إن ممثلي الطرفين من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، جرى اختيارهم بناء على خريطتين متضاربتين، إذ تقوم خريطة النواب على إجراء تعديل على مشروع الدستور والاستفتاء عليه ليكون أساسا دائما للانتخابات، أما خريطة المجلس الأعلى فتقوم على صياغة قاعدة دستورية مؤقتة للانتخابات وإرجاء النظر في مشروع الدستور إلى الهيئة التشريعية الجديدة بعد الانتخابات. ناهيك عن رفض الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، إجراء أية تعديلات على مسودة الدستور المنجزة منذ 2017، باعتبارها خطوة تمثل تعديًا على الاختصاصات المناطة بها. ويطرح هذا التباعد جملة أسئلة حول إمكانية وصول اللجنة الدستورية إلى اتفاق في الجولة الثالثة المقررة في الفترة من 12 إلي 19 يونيو الحالي[12]، والتي ستتركز على معالجة نقاط الخلاف بين مجلسي الأعلي والنواب؛ من بينها الاقتصار على الانتخابات النيابية أو المزامنة بينها وبين الانتخابات الرئاسية، وشروط الترشح للانتخابات الرئاسية.

ختاماً؛ إلي أين تتجه الأزمة الليبية؟،

بعد فشل محاولة باشاغا دخول العاصمة طرابلس وفرض حكومته كأمر واقع، ومع انتهاء ولاية حكومة الدبيبة في 22 يونيو الماضي، وفقاً لخريطة الطريق التي أقرها منتدى الحوار الوطني في السابق. من المتوقع أن يتوصل الفواعل الدولية والإقليمية إلى خريطة طريق جديدة ربما تستحدث حكومة أخرى غير حكومتي الدبيبة وباشاغا سواء عبر اقصاء الحكومتين أو دمجهم معًا. وهو ما يمكن تلمسه في المبادرة التي طرحها رئيس مجلس الدولة خالد المشري، التي تقترح تشكيل حكومة مصغرة تكون قادرة على إنجاز الاستحقاقات الانتخابية[13]. وعلي الرغم من أن مجلس النواب لا ينوي التخلي عن باشاغا حتى بعد فشل المحاولة الأخيرة؛ إذ أعلن أنه لا ينوي المشاركة أو الموافقة على تشكيل حكومة مصغرة ثالثة تنهي عمل الحكومتَين الحاليتَين المتقاتلتَين، مؤكداً مواصلة دعمه حكومة فتحي باشاغا إلى حين إجراء انتخابات عامة، وعلي الرغم من تمسك الدبيبة بمنصبه وعدم التخلي عنه إلا لحكومة منتخبة. إلا أن بعض المتابعين للشأن الليبي يرجحون أن تؤدي المفاوضات الجارية في القاهرة بين وفدَي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن التوافق على قاعدة دستورية، إلى الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بديلة عن حكومتَي باشاغا والدبيبة[14]. وقد تعززت تلك الترجيحات مع تصريحات باشاغا، والتي أكد خلالها استعداده تسليم الحكومة لأي شخص يتم التوافق عليه من قبل مجلسي النواب والدولة، حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة مصغرة تتولى السلطة لإدارة المرحلة الانتقالية وتنهي حالة الاستقطاب الحالية[15]. فيما نقلت تقارير إعلامية عن مصادر غربية، أن الدبيبة قد أبدى إمكانية تسليم السلطة إلى رئيس حكومة جديدة لا يكون باشاغا، على أن يكون مشاركاً في اختياره[16].

كما تشتمل الخريطة الجديدة علي ترتيبات عسكرية جديدة تتمثل في؛ الحفاظ علي وقف إطلاق النار، وتجنب التصعيد والانزلاق إلى الاشتباكات بين المليشيات، وتوحيد المؤسسة العسكرية، وحل المليشيات، وإخراج المرتزقة. وقد تم مناقشة هذه الترتيبات خلال اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5″، في القاهرة في 15 يونيو، وقد جمعت تلك الاجتماعات إلى جانب أعضاء اللجنة العسكرية الليبية، رئيس أركان قوات شرق ليبيا الفريق عبد الرازق الناظوري، ونظيره في المنطقة الغربية محمد الحداد. وتأتي اجتماعات اللجنة العسكرية التي تستمرّ لثلاثة أيام في القاهرة، بالتزامن مع اجتماعات لجنة المسار الدستوري التي تضمّ أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، بحضور رئيسة البعثة الأممية ومستشارة الأمين العام للأمم المتحدة حول ليبيا ستيفاني وليامز[17].

وما يعزز من إمكانية نجاح هذه الترتيبات الجديدة، حالة التعويل الدولي على اجتماعات القاهرة، حيث أكدت المبعوثة الأممية الخاصة في ليبيا ستيفاني ويليامز مع انطلاق الجولة الثالثة، في الفترة من 11 إلي 19 يونيو، للمشاورات الدستورية بين مجلسي النواب والأعلي للدولة، بأن “هذه هي الجولة الأخيرة من مشاورات المسار الدستوري وأنه لا مجال لأي اخفاقات”، مطالبة وفدي المجلسين بضرورة “الخروج بإطار دستوري ينظم العملية الانتخابية”[18]. كما أشارت بعض التقارير إلى أن ثمة مساع راهنة تقوم بها إيطاليا لعقد مؤتمر دولي تتم خلاله دعوة كافة الأطراف المنخرطة في الملف الليبي، وألمحت هذه التقارير إلى أن هذا المؤتمر من المرجح أن يعقد في أحد الدول العربية، وبمشاركة عدد من القوى الدولية، في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فضلاً عن مشاركة عدة قوى إقليمية، على غرار مصر وتركيا، ورجحت هذه التقارير عقد هذا المؤتمر قبل 22 يونيو الجاري[19].

يأتي ذلك في الوقت الذي تنغمس فيه الولايات المتحدة الأمريكية في الأزمة الليبية بصورة مباشرة خاصة بعد حالة الاغلاق النفطي. ويتماشى هذا الموقف مع مُجمل التحركات الأمريكية منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية تجاه دول “أوبك”، والتي تستهدف زيادة إنتاج الدول المُصدرة للنفط، بهدف خفض الأسعار عالمياً والعمل على إيجاد مصادر بديلة عن النفط الروسي، خاصة أن ليبيا تمتلك أحد أكبر احتياطات النفط في أفريقيا. من ناحية أخرى، تشير تقديرات متباينة إلى أن الجهود الأمريكية المكثفة في تلك الأزمة ناجمة عن تخوفها من إمكانية قيام موسكو باستغلال علاقاتها مع الشرق الليبي ولعب “دور المُفسد” لأية تسويات والعمل على زعزعة الاستقرار وإطالة أمد الأزمة؛ وذلك لممارسة مزيد من الضغط على أسواق النفط العالمية، ومن ثم إجهاض مخطط واشنطن الرامي لفرض حظر على النفط الروسي[20].

وفي هذا السياق، فقد توافد عدد من الطائرات العسكرية الأجنبية من جنسيات مختلفة (أمريكية وبريطانية وإيطالية) على مطار مصراتة في ظرف زمني متقارب، تزامناً مع تسريبات عن عملية عسكرية يُرتب لها للهجوم على الموانئ النفطية شرق سرت والمقفلة منذ أشهر لفتحها بالقوة[21]. وفي حين أن احتمال هذه العملية العسكرية يبقى وارداً بهدف نقل الحرب بين روسيا والغرب من شرق أوروبا إلى صحراء ليبيا وحقولها النفطية من خلال دعم قوات نظامية على الأرض تقاتل قوات حفتر المدعومة من الفاغنر وتفتك بحقول النفط وموانئ التصدير، في حين يجري الحديث عما يشبه عملية جراحية معقدة تتولاها قوات الناتو والأفريكوم والطيران التركي المسير من الجو للضغط على الفاغنر للانسحاب. فيما يبقى الاحتمال الذي يؤيده بعض القادة العسكريين في الشرق والغرب، وهو قبول الروس بالوساطة التركية والانسحاب طواعيةً من ليبيا، كما كان متفقاً عليه في 2019، وتشكيل قوات مشتركة تستلم الموانئ النفطية والحقول سلمياً من قوات حفتر[22].

 

 

[1] “حوادث طرابلس: وجه آخر لتعقيدات الأزمة الليبية”، مركز الجزيرة للدراسات، 19/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3zq9pcz

[2] “كيف تغيرت موازين الصراع في ليبيا بعد مغامرة باشاغا ؟”، مصر360، 20/5/2022، الرابط: https://bit.ly/39cazxM

[3] المرجع السابق.

[4] ” بعد فشل باشاغا في طرابلس.. ليبيا نحو انقسام آخر”، كيو بوست، 28/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3xIAO8d

[5] “كيف تغيرت موازين الصراع في ليبيا بعد مغامرة باشاغا ؟”، مرجع سابق.

[6] ” سيناريوهات معقدة… ليبيا والمسير نحو استحقاق يونيو”، المرصد المصري، 4/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3xiaKiO

[7] ” ليبيا: دعوة برلمانية لعقد اجتماع الاثنين القادم يبحث نتائج اجتماع صالح وباشاغا”، العربي الجديد، 2/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3zA4mXe

[8] ” سيناريوهات معقدة… ليبيا والمسير نحو استحقاق يونيو”، مرجع سابق.

[9] “بخطوة قد تصعد المواجهة.. مجلس النواب الليبي يصوت اليوم لإقرار ميزانية حكومة باشاغا”، الجزيرة نت، 15/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3QlbIUn

[10] ” سيناريوهات معقدة… ليبيا والمسير نحو استحقاق يونيو”، مرجع سابق.

[11] ” صراع باشاغا – الدبيبة: دوافع الجدل حول آلية توزيع عوائد النفط في ليبيا”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 2/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3MxV3de

[12] ” أسبوع على الجولة الثالثة.. إلى أين يتجه مسار ليبيا الدستوري؟”، العربي الجديد، 3/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3aXmfoy

[13] ” دعم جديد لـ”باشاغا” ومبادرات لمنع انجرار ليبيا إلى صراع عسكري”، إندبندنت عربية، 5/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3xmCnav

[14] ” بعد فشل باشاغا في طرابلس.. ليبيا نحو انقسام آخر”، مرجع سابق.

[15] “”النواب” و”الدولة” يشكلان لجنة لحل الخلاف حول شروط الترشح”، عربي21، 13/6/2022، الرابط:  https://bit.ly/3mIxILb

[16] “أفكار لتسوية ليبية: حل الأزمة باستبعاد الدبيبة وباشاغا؟”، العربي الجديد، 16/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3b6bvEn

[17] ” اللجنة العسكرية الليبية تبحث في القاهرة الخروج المتزامن للمرتزقة والقوات الأجنبية”، العربي الجديد، 15/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3OfSdKV

[18] “”النواب” و”الدولة” يشكلان لجنة لحل الخلاف حول شروط الترشح”، مرجع سابق.

[19] “أزمة قائمة : انعكاسات إقالة الدبيبة لمدير الاستخبارات على المشهد الليبي”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 9/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3HkobUi

[20] ” صراع باشاغا – الدبيبة: دوافع الجدل حول آلية توزيع عوائد النفط في ليبيا”، مرجع سابق.

[21] ” البرلمان الليبي يواجه معضلة النصاب للتصويت على موازنة حكومة باشاغا”، إندبندنت عربية، 15/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3xTqgTW

[22] ” هل ينقل الغرب صراعه مع الروس إلى صحراء ليبيا؟”، رصيف22، 15/6/2022، الرابط: https://bit.ly/39zYJNQ

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022