قراءة في التطورات الأخيرة في منطقة القرن الإفريقي

 

تطورات لافتة شهدها القرن إفريقية مؤخرًا، فمع تطور المواجهات في الداخل الإثيوبي، ونتيجة لتشابك الملفات الداخلية والخارجية الإثيوبية؛ فقد تزامنت تلك التطورات مع حراك آخر على صعيد العلاقات الإقليمية والدولية لدول القرن الإفريقي، وسط مؤشرات إلى تغيرات سياسية تقبل عليها المنطقة. فما هي التطورات التي شهدتها المواجهات في الداخل الإثيوبي؟ وما هي التطورات التي شهدتها العلاقات بين دول المنطقة؟ وكيف تغيرت شبكة التفاعلات الدولية هناك خلال الفترة الأخيرة؟ وكيف يُمكن قراءة سيناريوهات المستقبل؟ تلك هي التساؤلات التي نسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..

 

أولًا: تطور المواجهات العسكرية في الداخل الإثيوبي:

بدأت الحرب الأهلية الإثيوبية، في الدخول بمنعرج جديد، بعد مرور حوالي 19 شهر على قرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بشن حملة عسكرية ضد جبهة تحرير شعب تيجراي، تسبَّبت في دخول البلد الواقع في القرن الإفريقي، في أزمة إنسانية مروعة. وهنا يُمكن رصد تطورين هامين:

 المواجهة مع مليشيات الأمهرا:

بدأت خلال الآونة الأخيرة مواجهات مسلحة بين ميليشيات الأمهرا، والجيش الإثيوبي، اللذان تحالفا معًا خلال الحرب ضد تيجراي، إلا أن السلطات الإثيوبية اعتقلت أكثر من 4 آلاف شخص ينتمي لعرقية الأمهرا. حيث أثار وقف الأعمال العدائية غضب البعض في أمهرا، التي تنافست مع تيجراي للسيطرة على الأراضي المجاورة، وجادل بعض قادتها بأن الحكومة كان ينبغي أن تسعى لتحقيق نصر صريح، ومن بين هؤلاء العميد تيفيرا مامو، قائد القوات الخاصة في أمهرا، الذي اعتُقل مؤخرًا بعد انتقاده لآبي أحمد في مقابلة تلفزيونية. وشرعت ميليشيا فانو[1] التابعة للأمهرا في حملة تجنيد في شمال إثيوبيا خلال الأشهر الأخيرة، ووقعت عدة اشتباكات بين أعضائها وجنود الحكومة، وفي فبراير الماضي، هاجمت الميليشيا مركز اعتقال في بلدة أمهرا حيث كان بعض أفرادها محتجزين، مما أدى إلى اندلاع معارك عنيفة بين الجانبين. وشهد إقليم الأمهرا اشتباكات دموية نهاية إبريل الماضي، قُتل بسببها 20 مسلم، في اشتباكات مع مسلحين مجهولين.[2] ومثَّلت المواجهة التي تخوضها الحكومة الإثيوبية مع مليشيات فانو الأمهرية حدثًا غير مُتوقع، بالنظر إلى دورها في حرب تيجراي حيث كانت جزءًا هامًا من التشكيلات المسلحة غير النظامية التي قامت بالهجوم المضاد على قوات التيجراي بعد التشتت الذي أصاب الجيش الفيدرالي على إثر الضربة المفاجئة التي لحقت به في أول أيام الحرب 4 نوفمبر 2020، حيث بسطت هذه المليشيات مع القوات الخاصة التابعة لإقليم أمهرا سيطرتها على مناطق غربي تيجراي، كما برز دورها أيضًا بشكل أكبر في صد قوات التيجراي بعد توغلهم في إقليمي أمهرا وعفر صيف وخريف العام الماضي، وتهديدها باقتحام العاصمة وإسقاط حكومة آبي أحمد. ويرجع التحول في الموقف الحكومي إلى مجموعة عوامل مترابطة بين المحلية والإقليمية والدولية: فعلي المستوى المحلي؛ يهدف رئيس الوزراء بحملته على فانو إلى مجموعة من الأهداف: أولها؛ تسويق نفسه كقائد قادر على فرض هيبة الدولة، وقانيها؛ اكتساب دعم فئات إثيوبية كانت مُتخوِّفة من نفوذ القوميين الأمهرا المُتصاعد خلال السنوات الماضية، وثالثها؛ اكتساب دعم شرائح من قوميات مختلفة مُتنازعة مع الأمهرا، ورابعها؛ تصفية القوى المسلحة غير النظامية التي تُشكِّل مراكز قوى قادرة على اختلاق قلاقل أمنية في مناطق مختلفة من البلاد، وخامسها؛ إضعاف التيارات السياسية الأمهرية القومية بتصفية القوى العسكرية التي تساندها، وسادسها؛ التخلص من القوى التي قد تقف حجر عثرة أمام تحولات جذرية قد تشهدها عملية المصالحة بين الحكومة والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. وعلى المستوى الإقليمي؛ هدفت الحملة إلى مجموعة من الأهداف: أولها؛ تصفية القوى الأمهرية القادرة على إثارة اضطرابات إقليمية ولا سيما مع السودان. وثانيها؛ حرمان أي طرف راغب في توتير الأوضاع داخل إثيوبيا مستقبلًا من التعاون مع قوة مسلحة ذات قاعدة شعبية، وبالخصوص إريتريا التي درَّبت الآلاف من مقاتلي مليشيات الأمهرا بعد اندلاع الحرب، في حين وافقت على تدريب الآلاف من القوات الأمهرية الخاصة عام 2018. وعلى المستوى الدولي؛ كان الهدف إرسال رسالة للمجتمع الدولي المُطالب بانسحاب القوات الفيدرالية من مناطق غرب تيجراي، بما يُمهِّد لدوران عجلة المصالحة.[3]

 المواجهة مع جيش تحرير الأورومو:

على خلاف المليشيات الأمهرية فقد كانت الاشتباك مع جيش تحرير أورومو مُتوقعة حيث حمل هذا التنظيم السلاح بوجه الحكومة المركزية لسنوات، وبرز دوره بشكلٍ كبير في خريف العام الماضي مع إعلانه مع حليفته الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي اقترابهم من تطويق العاصمة أديس أبابا. وتمثَّلت أهداف الحملة على الجيش في مجموعة من الأهداف متشابهة في بعض النواحي مع أهداف الحملة على المليشيات الأمهرية، في حين يُمكن إضافة مجموعة أخرى من الأهداف: أولها؛ إضعاف أو التخلص من منافس شخصي لرئيس الوزراء الإثيوبي على القاعدة الشعبية داخل قومية الأورومو التي تُعد الأكبر من حيث عدد السكان وكقاعدة سياسية بالبلاد، وثانيها؛ الضغط على الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي باعتبار الجيش أبرز حلفائها العسكريين، وثالثها؛ الضغط على جيش تحرير أورومو عسكريًا لإجباره على الانخراط في عملية المصالحة والحوار مستقبلًا، ورابعها؛ كسر شوكة التنظيم الذي أثبت خطورته إبان الاقتراب من تطويق العاصمة أديس أبابا الخريف الماضي، وخامسها؛ قطع الطريق على أي قوى خارجية راغبة في توظيفه لإثارة الداخل الإثيوبي في إطار حروب الوكالة داخل القرن الإفريقي، ولا سيما أن جبهة تحرير أورومو كانت متمركزة في إريتريا قبل توقيع قياداتها اتفاقًا سياسيًا مع حكومة آبي أحمد 2018 عادت بموجبه إلى إثيوبيا، وسادسها؛ حماية العاصمة الإثيوبية من أي محاولة تطويق مستقبلية تعمل على قطع الطريق الحيوي مع كينيا، حيث هدَّد جيش تحرير أورومو الخريف الماضي بالسيطرة عليه.[4]

ثانيًا: تطور العلاقات بين دول القرن الإفريقي:

نشطت خلال الأيام الماضية، وبشكلٍ لافت العلاقات بين الخرطوم وأسمرا، بعد أن كانت الأخيرة الأقرب إلى أديس أبابا، التي تمر علاقاتها مع السودان بحالة من الفتور، وفيما يلي مُجمل التطورات التي شهدتها تلك المنطقة..

 السودان وإثيوبيا:

مرَّت العلاقة السودانية الإثيوبية خلال أعوام الحرب في تيجراي بالعديد من التعرجات المرتبطة بمجموعة من الملفات بين البلدين بدءًا بسد النهضة وانتهاءً بالتوترات حول مثلث الفشقة. ولا يُمكن فصل ذلك عن التطورات داخل إثيوبيا، حيث تحاول الحكومة سحب البساط من تحت القوميين الأمهرا الذين يعتبرون هذه المنطقة جزءًا من إقليمهم، وتزداد أهمية هذه الخطوة بالنظر إلى الصراع المُحتدم بين الحكومة ومليشيات فانو في أمهرا. بالإضافة إلى ذلك فإثيوبيا تعاني في مناطق مختلفة منها من موجة جفاف حادة وظروف أشبه بالمجاعة تواجه ملايين المواطنين، وهي مرتبطة بتسارع دورات الجفاف في المنطقة الناتجة عن التغيرات المناخية، ما يعني تكرار هذه الكوارث في المستقبل، وبالتالي تزداد الأهمية الاستراتيجية لأراضي الفشقة الخصبة كسلة غذاء مستقبلية. في حين أن عدم الرضا الإثيوبي من موقف الخرطوم من حرب التيجراي ظهر مبكرًا، حيث تأخذ أديس أبابا على السودان قيامه بعدد من الخطوات من أهمها تحوُّل أراضيه إلى ملاذ للاجئين التيجراي، حيث أصبحت معسكراتهم في السودان نقطة جذب للمؤسسات الإعلامية والحقوقية، ما شكَّل حملة ضغط عالمية على الحكومة الإثيوبية طوال أشهر هذه الحرب. كذلك تؤكد الحكومة الإثيوبية أن بين هؤلاء اللاجئين مقاتلين من التيجراي، وقد أعلنت أديس أبابا تصدِّيها أكثر من مرة لهجمات من قِبل مجموعات مسلحة قادمة من السودان.[5]

إريتريا وإثيوبيا:

من الواضح أن العلاقات بين قيادة البلدين مُمثَّلة في الرئيس الإريتري أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ليست على ما يُرام، حيث جرت تحولات عدة أدت إلى سوء العلاقات بين الدولتين، أولها؛ عدم تفعيل اتفاق جدة الذي يرى أفورقي أنه لا يخدم مصالحه لأنه يمنح تيجراي فرصًا أكبر في إريتريا من ناحية فتح الحدود، بالتالي يعطي هذا الاتفاق شعب تيجراي متنفسًا كبيرًا ويخدم مصالحه من كل النواحي. ومن هذا المُنطلق شعر الرئيس الإريتري أن اتفاق جدة للسلام مع إثيوبيا، والذي طوى صفحة أطول نزاع في القارة الإفريقية، يُمثِّل خسارة كبيرة له، وأنه يخدم أديس أبابا، وكذلك تيجراي أكثر من إريتريا. وثانيها؛ أن الضغوط الدولية على الحكومة الإثيوبية جعلت رئيس وزرائها يتجه لتصفية المشكلات مع تيجراي جراء الحرب، لذلك ما جرى من حوار وطني إثيوبي يقوم على ضرورة إجراء مصالحة مع تيجراي، وهو ما لا يرغبه أفورقي، حيث تلوح تيجراي بتسليم أسرى الحرب لديها إلى الأمم المتحدة التي طردها أفورقي من بلاده تزامنًا مع فرض العقوبات الأميركية، ولدى التيجراي عدد يفوق الألفين من أسرى الحرب، أغلبهم من الشباب الإريتري المجبرين على القتال تحت بند الخدمة الإلزامية، وهم على استعداد لتقديم شهاداتهم وإثبات الاتهامات الدولية واعترافهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بإيعاز وأوامر مباشرة من الرئيس الإريتري، حال قيام تيجراي فعلًا بتسليمهم للأمم المتحدة. كل هذا أدى لسوء العلاقات بين البلدين، ما انعكس على جملة خطوات أمنية وعسكرية وتبعات سياسية، ويُمكن القول إن العلاقات الإثيوبية الإريترية تمر الآن بأسوأ حالاتها، وتشير المعلومات إلى وجود معارك على الحدود بين البلدين، فضلًا عن انسحاب القوات الإريترية من مناطق كانت تخدم الجانب الإثيوبي، وهناك حشود إثيوبية على الحدود الإريترية والسودانية، وكلها تحولات في الوضع الأمني والعسكري تؤثر على طبيعة العلاقات السياسية.[6]

إريتريا والسودان:

تحاول إريتريا، في مساعيها لتعزيز علاقاتها مع السودان، أن يكون لها يد في حل الأزمة السياسية في السودان منذ انقلاب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي، إذ سبق أن طرحت أسمرا، خلال استقبال الخرطوم في إبريل وفدًا إريتريًا ضم وزير الخارجية عثمان صالح ومستشار الرئيس الإريتري، مبادرة لمعالجة الأزمة وتقريب وجهات النظر بين جميع أطراف الصراع، كما سلَّم السفير الإريتري في الخرطوم عيسى أحمد عيسى، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان رسالة خطية من الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي تؤكد اهتمام الأخير البالغ بتطورات الأوضاع في السودان، وضرورة توحيد الجهود والعمل الجاد للوصول إلى رؤية موحدة تضمن الخروج الآمن من الأزمة.[7] ويتضح من تلك التحركات أن موقف الخرطوم من التطورات المستقبلية هامًا لأسمرا حيث مثَّل السودان الرئة التي تنفست من خلالها إريتريا في مرحلة ما قبل 2018، مع إغلاق الحدود والصراع مع كلٍّ من إثيوبيا وجيبوتي. على مستوى ثانٍ يبدو أن أسمرا تريد أن تأمن جانب السودان في حال أي اشتباك مستقبلي مع أي طرف إثيوبي، حيث تهدف الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي إلى استعادة السيطرة على المناطق المحاذية للسودان وغربي إريتريا، وهو ما يثير مخاوف أسمرا بالنظر إلى اتهاماتها للسودان في حرب عام 2000 بفتح حدوده من هذه المنطقة لمرور القوات الإثيوبية إلى الجبهة الغربية في إريتريا، وإقلاع الطائرات الإثيوبية من مطار بورتسودان لقصف إريتريا. يُمكن وضع هذه المعطيات في إطار تحولات يشهدها الإقليم ولاسيما بعد الانتخابات الصومالية ورحيل الرئيس محمد عبد الله فرماجو الحليف الوثيق للرئيس الإريتري. وعلى ما يبدو فالسودان يتعامل بحذر مع أسمرا في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها، ولاسيما أن لإريتريا علاقات مباشرة مع العديد من الحركات والقوى في بؤر توتر في البلاد، وقد احتضنت سابقًا المعارضة السودانية ووفرت لها المعسكرات والتدريب وحولت أراضيها منطلقًا للهجوم على السودان.[8] وهكذا فإن أهم دوافع التقارب السوداني الإريتري مُرتبطة بجملة التحولات بين إريتريا وإثيوبيا، والتي في ضوئها بدأ أفورقي الاستعداد وتحصين دفاعاته وتهيئة المسرح وكسب الدعم الإقليمي والدولي، بخاصةً السودان الذي خصَّه بزيارات ورسائل متوالية، وكذلك روسيا التي غازلها بالتصويت لصالحها في مجلس الأمن وعدم الممانعة من إقامة قاعدة عسكرية روسية في إريتريا، لمواجهة السيناريوهات المُتوقعة حال وصول الخلافات مع آبي أحمد وجبهة تيجراي إلى نقطة المواجهة العسكرية.

الصومال وإريتريا وإثيوبيا:

من المُقرر أن تؤدي عودة حسن شيخ محمود كرئيس للصومال إلى إعادة تشكيل علاقة الدولة التي مزقتها الحرب مع إريتريا وإثيوبيا المجاورتين، مع تداعيات بعيدة المدى في منطقة القرن الإفريقي. فبينما أقام فرماجو علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ساد التوتر بينه وبين حكام منطقة تيجراي شمال إثيوبيا، الذين خاضوا حربًا مع قوات آبي وحلفائه الإريتريين من أواخر عام 2020 حتى الاتفاق على الهدنة في مارس. وربما يشجِّع تحوُّل السلطة في الصومال التيجراي، الذين يفكرون في مهاجمة العاصمة الإريترية أسمرا، ومن شأن ذلك أن يفتح صفحة جديدة في الصراع الإثيوبي، الذي أودى بحياة الآلاف حتى الآن. وما يدعم ذلك في وجهة نظر البعض ما كتبه رئيس تيجراي ديبريتسيون جبريمايكل إلى شيخ محمود فور ظهور النتائج يهنئه على فوزه، ويعرب عن “استعداده للتعاون في الاستقرار الشامل للمنطقة، بناءً على العلاقات الممتازة الموجودة مُسبقًا”. وما قاله غيتاتشو رضا، أحد كبار زعماء تيجرايين، في تغريدة على موقع تويتر عن الانتخابات الصومالية إن “طموح أسياس الفرعوني في القرن الإفريقي يتفكَّك بلا ريب”. وكذلك حضور شيخ محمود الذكرى الأربعين لجبهة تحرير تيجراي الشعبية في أديس أبابا في عام 2015. وبالرغم من كون شيخ محمود لن يرغب في معاداة إريتريا، إلا أنه بشكلٍ عام، من المؤكد أن أسياس فقد صديقًا في مقديشو؛ حيث نقلت وسائل إعلام عن شيخ محمود أن أولى مهماته ستكون “إعادة شباب الصومال الذين أُخذوا لإريتريا وشاركوا في الحرب الدائرة في إثيوبيا”. وبينما كانت تكافح الحكومة الصومالية تمردًا لجماعة الشباب منذ عام 2006؛ فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على إريتريا عام 2009 لدعمها المتشددين. وساعد توقيع اتفاقية أمنية ثلاثية بين البلدين وإثيوبيا في عام 2018 على تخفيف التوترات، ومكَّن إدارة أسياس من نشر ضباط استخبارات إريتريين في الصومال وإثيوبيا، مما منحها موطئ قدم مهم في المنطقة. وربما يشير انتخاب محمود إلى نهاية الانفراج وتقليص نفوذ أسياس، مما يعني أن الاتفاق الأمني ​​الآن ربما يصبح ثنائيًا.[9] أما عن آبي أحمد؛ فقد قال على تويتر إنه يتطلَّع إلى العمل عن كثب مع القيادة الصومالية الجديدة “بشأن المصالح الثنائية والإقليمية المشتركة”؛ الأمر الذي قد يُخفِّف من حدة التوتر حاليًا بين إثيوبيا وصوماليلاند حول ما أُثير مؤخرًا عن استعداد آبي أحمد لانتزاع ميناء زيلع، وهو ميناء خامل، شمال جمهورية صوماليلاند، على بعد نحو 17 كيلومتر من حدود جيبوتي. والذي بدأ مؤيدو رئيس الوزراء الإثيوبي الترويج لسابقة تعود لقرون مضت، عندما كان الميناء يخدم مدينة هرار الإثيوبية.[10] الأمر الذي تمَّت إثارته في محاولة لشغل الداخل والخارج عن الأزمات الداخلية في إثيوبيا.

ثالثًا: التطورات الدولية في المنطقة:

شهدت الفترة الأخيرة تطورات برزت في إعادة تموضع للقوى الدولية في منطقة القرن الإفريقي، ويُمكن تتبع تلك التطورات في النقاط التالية..

التحركات الصينية في القرن الإفريقي:

مؤخرًا صرَّح المبعوث الصيني الخاص للقرن الإفريقي شيويه بينج لوكالة فانا الإثيوبية، عن مبادرة صينية لعقد أول مؤتمر لسلام الصين في إطار الجهود المبذولة للتغلُّب على التحديات الأمنية في القرن الإفريقي وإقرار الأمن والسلام والاستقرار لكل دول الإقليم. هذا وقد سبق أن قام المبعوث الصيني بزيارات لكلٍّ من كينيا وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا والسودان وأوغندا، للتمهيد للمؤتمر.[11] وتشمل بنود المبادرة عدة أوجه ما بين الاقتصادي والسياسي والأمني، أبرزها توحيد عملة الدول التي ستنضوي تحت “اتحاد دول القرن الإفريقي”، وإعفاء من رسوم التأشيرات بينهم، وإنشاء خطوط سكة حديد ومواصلات تربط بين عواصم هذه الدول إلى جانب تفعيل التجارة والتعاون الاقتصادي بدعم مباشر من الحكومة الصينية.[12] وتأتي المبادرة في وقت تشهد المنطقة اضطرابات عدة، أبرزها الصراع في إقليم تيجراي بشمال إثيوبيا، والذي تسبَّب في مقتل آلاف المدنيين وتشريد الملايين، فضلًا عن أعمال العنف في الصومال، والخلافات الكينية الإثيوبية.[13] وتثير هذه الخطوة التي تترافق مع تراجُع الدور الأميركي في المنطقة ومحدودية تأثيره، انقسامًا في الآراء بشأن أسبابها وتوقيتها. ويرى مراقبون أنها تعكس مدى اهتمام بكين بإعادة الاستقرار إلى المنطقة التي تشهد توترات أمنية وعسكرية، وذلك من أجل ضمان مصالحها الاقتصادية الكبيرة في القارة الإفريقية. واعتبرها آخرون جزءًا من مسعى كبير لحشد دول المنطقة ضد العقوبات الأميركية المفروضة عليها، بما في ذلك تلك التي أقرتها واشنطن على أديس أبابا وأسمرة بسبب النزاع في إقليم تيجراي. ورأى فريق ثالث أن القرار مثال حي على استخدام الصين وضعها كدائن، من أجل انتزاع امتيازات دبلوماسية وتجارية. وحذَّر هؤلاء من أن تدفع هذه الاستراتيجية العديد من الدول الإفريقية إلى تحمل مستويات لا يُمكن السيطرة عليها من الديون.[14] هذه الخطوات الصينية الجارية الآن، والتي يقودها المبعوث الصيني تحمل العديد من المؤشرات والدلالات على أن الصين على وشك تحقيق ثاني أكبر اختراق صيني في إفريقيا بعد قيام ونجاح أول قمة صينية إفريقية.[15]

 التراجع الأمريكي في مقابل التقدُّم الصيني:

الصعود الصيني، تزامن مع اخفاق وفشل أمريكي متتابع في سياستها بالمنطقة، برز في استقالة وإقالة ثلاثة مبعوثين أمريكيين للقرن الإفريقي في ظرف عام ونصف، مُقابل استقرار وتقدُّم الصين، فما أنجزه المبعوث الصيني المُعيَّن لأول مرة في يناير من هذا العام –لم يُكمل ستة أشهر– يتفوق على مجهودات ثلاثة مبعوثين أمريكيين خلال عام ونصف. كذلك أثبتت الدبلوماسية الصينية نجاحها وحُسن استغلالها لعثرات وهفوات الدبلوماسية الأمريكية المُتكررة، ففي ظل انشغال الإدارات الأمريكية المُتعاقبة عن إفريقيا، تسلَّلت الصين وملأت كل الفراغات. فمنذ تسعينات القرن الماضي، انشغلت أمريكا بمحاربة الإرهاب، ففاجأتها الصين بأول قمة صينية إفريقية في العام 2000 والتي كانت بمثابة تدشين وإعلان رسمي عن وجودها في إفريقيا ومنافستها لأمريكا، تبعه تمدُّد اقتصادي صيني، وانحسار اقتصادي أمريكي جراء تداعيات وتطورات العلاقات الأمريكية الإفريقية إثر أحداث سبتمبر 2003. ثم جاءت حقبة ترامب، فاستغلت الصين إهماله وعجرفته نحو إفريقيا، وخطأه القاتل في إلغاء قانون الفرصة والنمو الاستراتيجي، والمعمول به منذ عهد بيل كلنتون، مطلع التسعينات، حيث منح ذاك القانون الفرصة لإفريقيا للاستفادة الاقتصادية ولأمريكا الاستفادة السياسية والسيطرة، فما كان من الصين إلا أن ملأت هذا الفراغ بالنفوذ وبالسيطرة عبر سياسة الديون والقروض طويلة الأجل، والمنح والدعم في إطار ما عُرف بالشراكة والصداقة الصينية. ولم تصحو إدارة ترامب من غفوتها إلا بعد أن رأت طريق الحرير الصيني ينطلق من الصين وهو يلتف حول إفريقيا قبل أن يعود إلى بكين مرة أخري. ويأتي بايدن بالتزامن مع الحرب في إثيوبيا والتغيير السياسي في السودان لينشغل عن باقي إفريقيا، ويقوم بتعيين مبعوث خاص للمنطقة عمومًا، وللسودان وإثيوبيا بوجه خاص، والذي فشل هو وخلفه بسبب خلافات وانقسامات داخل الخارجية الأمريكية، وفيما بعد كان الانشغال كليةً بالحرب الروسية الأوكرانية، قبل أن يصحو بايدن على مشهد السلام الصيني لكل دول القرن الإفريقي، والتي تحمَّست وتجاوبت مع الخطوة، بما فيهم السودان وإثيوبيا.[16]

الصراع الأمريكي الروسي في المنطقة:

على غرار الحرب الباردة تلعب روسيا دورًا موازيًا للتحالف الأمريكي الغربي في المنطقة، حيث تسعى روسيا لتعظيم فرص نفوذها في مناطق العالم وأقاليمه الحيوية بخاصة في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وتعتبر روسيا دولًا مثل إثيوبيا وإريتريا والصومال حلفاء قدماء للاتحاد السوفييتي السابق، إذ كانت تربطهم علاقات سياسية وعسكرية ونفوذ بلا منازع. كما أن هذه الدول تشهد توترات عميقة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب عمومًا، الأمر الذي يصب في مصلحة التقارب السياسي والتحالف العسكري بينها وبين موسكو. ومن ناحية أخرى فإن التزاحم الروسي سيشعل المنطقة المزدحمة أصلًا بصراع القوى الدولية، إذ توجد بالمنطقة 19 قاعدة عسكرية، تديرها 16 دولة تتمركز 9 منها في جيبوتى وحدها، وتُعتبر جيبوتى الدولة الأكثر استضافة للقواعد العسكرية في العالم، وتتقاضى مقابل ذلك أكثر من 180 مليون دولار سنويًا لاستضافة هذه القواعد على أراضيها. كما أن الوجود الصينى في المنطقة يُعَد الأقرب إلى موسكو منه إلى واشنطن، مما يشعل حدة التنافس ويُعمِّق حدة الخلاف والتوترات بين الولايات المتحدة وروسيا، المتنافستين على موارد وثروات المنطقة، وتأمين مصالحهما وشركائهما. ويظل التخوُّف الأكبر والهاجس الذي يقلق الولايات المتحدة والغرب هو حدوث تكتل روسي- صيني على حساب المصالح الأمريكية الغربية في المنطقة، بما يُعقِّد بيئة التفاعلات وسط صراع محتدم للمصالح.[17]

رابعًا: السيناريوهات المُتوقعة:

يبدو المشهد الإقليمي مرتبكًا نتيجة حالة السيولة التي تمر بها المنطقة بحيث يصعب الوصول إلى نتائج قطعية تُحدِّد الملامح المستقبلية، لكن يُمكن تلخيص الاحتمالات في مجموعة من السيناريوهات..[18]

 تطور حالة الفتور بين أسمرا وأديس أبابا إلى قطيعة:

وذلك مع استمرار إثيوبيا في عملية المصالحة مع التيجراي، وبهذا يكون تأخير عقد مؤتمر المصالحة إلى نوفمبر القادم لمنح الحكومة فرصة لمعالجة الملفات القانونية والسياسية والميدانية كتصفية مليشيات فانو والضغط على جيش تحرير أورومو. في حين ستحتضن إريتريا الأجنحة الرافضة للمصالحة من هذين التنظيمين دون الانخراط في حرب مباشرة مع إثيوبيا. وفي هذا السيناريو سيتحوَّل السودان إلى أكبر الرابحين حيث يبدو التحالف معه ضمانة استراتيجية للطرفين.

 محاولة التيجراي فك الحصار من خلال القيام بهجوم عسكري واسع:

وهو ما يُمكن استنتاجه من الاتهامات المتواصلة من الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي لكلٍّ من الحكومتين الإريترية والإثيوبية باستمرارهما في الحصار، وما نُقل عنها من التصريح بفشل الجهود الدبلوماسية، مع استمرار كلٍّ من قوات دفاع تيجراي والجيش الإثيوبي في الحشد، بجانب التصريحات الإثيوبية عن العلاقات المتينة بين أديس أبابا وأسمرا. ويكون ذلك بإحدى طريقتين: إما هجوم قوات دفاع تيجراي على الجبهة الإريترية، وهو يحمل مخاطر عالية بالنظر إلى الاستعدادات الإريترية خلال عقدين من الزمان على هذه الجبهة، والشراسة المُتوقعة نتيجة الرفض الإريتري شعبيًا للتيجراي، ويصعب تصور هجوم كهذا دون توافق من نوع ما مع الحكومة الإثيوبية، أو دور ما عسكري للسودان، إذ إنه سيترك الإقليم مكشوفًا أمام القوات الفيدرالية ويهدده بالوقوع بين فكي كماشة، وبناء عليه يكون التباين الحالي بين أسمرا وأديس أبابا مرتبطًا بالسياسات المرحلية للأخيرة مع التوافق على الهدف الاستراتيجي المتمثل في تصفية الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بشكل تام حتى لو تطلب الأمر شن عملية عسكرية جديدة. وبالتالي فإن هذا الهجوم سيترافق مع محاولة اختراق الدفاعات الحكومية الإثيوبية والوصول إلى حدود السودان، وهو ما يشير إلى أن مثل هذه الجولة إن وقعت فستكون الأعنف وتهدد فعليًا بتفكك الدولة. أو هجوم قوات دفاع تيجراي على الجبهة الإريترية بتوافق مع الحكومة الإثيوبية، وهو ما يصعب تصوره إذ لا يتسق مع سياسة الحصار المُتبعة من قِبل أديس أبابا، وهي من أهم أوراق القوة بيدها الآن، وإن كان من مصلحة آبي أحمد إضعاف الطرفين التيجراي وإريتريا، فإن هذا السيناريو يحمل مخاطر عالية على إضعافه هو أيضًا في حال حدث قبل الاتفاق النهائي على المصالحة في إثيوبيا.

 هجوم شامل للقوات الإريترية على دفاعات التيجراي:

وهو ما تشير إليه التسريبات عن حصول إريتريا على مُسيّرات روسية وبناء قاعدة لموسكو في إريتريا، وهذا السيناريو مُرتبط بالتحولات الجارية على المشهد الدولي وبالتهديد بنقل الصراع بين القوى الكبرى من شرق أوروبا إلى شرق إفريقيا، لكن مدى إمكانية تحقُّق هذا السيناريو مرتبط بشكل أساسي بموقف أديس أبابا، وهو ما يعيدنا إلى السيناريو الثاني، ومما يلقي بمزيد من الشكوك حوله أن التعليق الإريتري المذكور سابقًا حمل صبغة دفاعية، ولاسيما بالدعوة غير المباشرة للدول الغربية للحيلولة دون قيام التيجراي بمخططهم وفق توصيفه.

 

الخُلاصة؛ رغم أن حدوث تصعيد أو حتى حرب حدودية محدودة النطاق من مصلحة كلٍّ من التيجراي وإريتريا، حيث يحاول التيجرانيون استدراج المجتمع الدولي الغارق في الأزمة الأوكرانية إلى انخراط أكبر في حل المعضلة الإثيوبية، في حين أن مصلحة أسمرا تتمثَّل في إرباك مسار العملية التصالحية والضغط على أديس أبابا للابتعاد عن مسارها الحالي، فإن السيناريو الأرجح هو الأول حيث تبدو الحرب الشاملة الآن مغامرة مُكلِّفة وخطيرة للجميع وغير مضمونة النتائج، كما أن هناك توافقًا دوليًا على المصالحة الإثيوبية، وقد ذكر جيفري فيلتمان المبعوث الأمريكي الأسبق إلى القرن الإفريقي أن مصلحة كلٍّ من أمريكا والصين أن لا تنهار الدولة في إثيوبيا تحت وطأة الحرب، وأن التعاون مع الصين، الذي أعلنت عن مبادرة للسلام في القرن الإفريقي، ممكن لتحقيق هذا الهدف. هذا في حين أنه من المُرجَّح أن تعمل الصين، الشريك الحيوي للنظام الإريتري، على تهدئة التوتر بين كلٍّ من أسمرا وأديس أبابا والحيلولة دون الوصول إلى حافة الحرب في حال نجاح المصالحة، مع تحوُّل المنطقة إلى ساحة جديدة من ساحات الحرب الباردة القادمة في ظل التحولات التي يشهدها النظام العالمي مع تطاول أمد الحرب في أوكرانيا. كل تلك التفاعلات من شأنها أن تطرح تساؤلًا حول مدى تأثير تلك التغيرات على مستقبل ملف المياه في المنطقة من جهة، وعلاقات مصر بدول حوض النيل من جهة أخرى، وهو ما سيتم تناوله خلال تقرير منفصل خلال الفترة القادمة..

 

[1] حركة قومية تضع نصب أعينها الدفاع عن مصالح أمهرا، مُعتمدةً على تاريخ عريق مثَّلت فيه هذه القومية الفئة المهيمنة التي صبغت إثيوبيا دينيًا وثقافيًا، وعلى ما تصفه بالمظالم التي تعرضوا لها إبان حكم التيجراي (1991-2018) أو ما اختصره أحد الكتّاب بـ”هولوكست الأمهرا”.

[2] ناصر ذو الفقار، “بلومبرج: اشتباكات الأمهرة مع الجيش الإثيوبي تهديد خطير لآبي أحمد”، البوابة نيوز، 27/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/XkY7j

[3] عبد القادر محمد علي، “التطورات السياسية والعسكرية الراهنة في إثيوبيا وتداعياتها الإقليمية”، مركز الجزيرة للدراسات، 9/6/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/Lnd40

[4] عبد القادر محمد علي، مرجع سبق ذكره.

[5] عبد القادر محمد علي، مرجع سبق ذكره.

[6] إسماعيل محمد علي، “ما دوافع وأبعاد التقارب السوداني – الإريتري؟”، عربية Independent، 23/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/HDK44

[7] إسماعيل محمد علي، مرجع سبق ذكره.

[8] عبد القادر محمد علي، مرجع سبق ذكره.

[9] Simon Marks, “Power Play Shifts in Horn of Africa as Somalia Elects New Leader”, Bloomberg, 17l5l2022. At: https://cutt.us/9tW4m

[10] “هل تستعد إثيوبيا لشن حرب على «أرض الصومال»؟”، الشرق الأوسط، 7/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/45wjk

[11] عمار العركي، “مؤتمر سلام الصين للقرن الإفريقي، الدلالات والتأثير”، الحاكم نيوز، 5/6/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/en80m

[12] ناصر ذو الفقار، مرجع سبق ذكره.

[13] “الصين ترعى «أول مؤتمر سلام» في القرن الإفريقي”، الشرق الأوسط، 22/3/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/9cTh1

[14] علي أبو مريحيل، “الصين والقرن الإفريقي… مطامع جيوسياسية واقتصادية”، العربي الجديد، 8/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/QDW1e

[15] عمار العركي، مرجع سبق ذكره.

[16] عمار العركي، مرجع سبق ذكره.

[17] جمال علي، “روسيا وموازين القوى الجديدة في القرن الإفريقي”، عربي TRT، 22/7/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/mK6WJ

[18] عبد القادر محمد علي، مرجع سبق ذكره.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022