أعلن الحوار الوطني التشادي، في 8 أكتوبر 2022، تسمية الجنرال، محمد إدريس ديبي أتنو، رئيسًا للمرحلة الانتقالية التي ستستمر لمدة عامين، وذلك بعد نحو 18 شهرًا من تسلم ديبي الابن للسلطة على رأس مجلس عسكري انتقالي بعد مقتل والده الرئيس السابق، إدريس ديبي، خلال المواجهات العسكرية مع إحدى جماعات المعارضة المسلحة.
وأدَّت خطوة تمديد المرحلة الانتقالية، وتعيين محمد ديبي رئيسًا إلى ردود فعل مختلفة من قِبل قوى المعارضة المدنية والمسلحة من جهة، والقوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
فما هي خلفيات الحوار؟ ونتائجه؟ وكيف كانت المواقف الداخلية والخارجية من هذه النتائج؟ وكيف يُمكن قراءة دلالاتها؟ تلك هي لتساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..
الحوار الوطني الشامل ونتائجه: بعد مقتل الرئيس التشادي السابق، إدريس ديبي، في 20 إبريل العام الماضي، تشكَّل مجلس عسكري تولى قيادة البلاد، برئاسة الضابط الصغير محمد إدريس إتنو، بعد حصوله على رتبة فريق في سلسلة ترقيات غير معهودة. وحاز محمد إتنو على مباركة فرنسية وقبول إفريقي كواقع لمرحلة انتقالية، بينما رأى قطاع واسع من المعارضة داخل البلاد وخارجها أن ما حدث انقلاب على الشرعية، والتي بحسب الدستور تجعل من رئيس الجمعية الوطنية رئيسًا للبلاد، بعد خلو منصب الرئاسة بمقتل إدريس ديبي، لحين إجراء انتخابات رئاسية في غضون 45 – 90 يومًا.
وبينما برَّر الميثاق الانتقالي، الذي أصدره المجلس العسكري، نقل السلطة إلى الفريق محمد إتنو، باعتذار رئيس الجمعية الوطنية عن تسلم رئاسة البلاد، إلا أن المعارضة لم تقبل بهذا التبرير، خاصةً أن الدستور ينص على أنه “حين اعتذار رئيس الجمعية الوطنية يحل نائبه الأول مكانه في تسلم مسؤوليات رئيس الجمهورية لحين إجراء الانتخابات”.
وبسبب الدعم الدولي، وخصوصًا الفرنسي، والتماهي الأمريكي وراء موقف باريس، خوفًا من دور روسي، بات الفريق محمد كاكا على رأس الدولة التشادية.
وفي أغسطس 2021، جرى الإعلان عن تشكيل اللجنة المنظمة للحوار الوطني الشامل، بقيادة الرئيس السابق للبلاد، قوكوني وداي، وأُلحقت بها لجنة أخرى باسم اللجنة الفنية الخاصة المتعلقة بمشاركة المعارضة السياسية العسكرية في الحوار الوطني الشامل، للعمل على تسهيل مشاركة المعارضة العسكرية بصفة خاصة، على أن تعقد اجتماعاتها مع المعارضة العسكرية في العاصمة القطرية الدوحة، التي تستضيف عددًا من قادة المعارضة المسلحة.[1]
وكان المجلس العسكري الانتقالي في تشاد قد أعلن، في 9 مارس الماضي تشكيل لجنة للتفاوض مع ممثلي جماعات سياسية وعسكرية في البلاد، حيث استضافت قطر تلك المحادثات. ووقَّعت الحكومة التشادية على قرار يقضي بتشكيل المجلس الوطني الانتقالي وبدء مهامه الثلاثاء 5 أكتوبر الماضي، وذلك بعد أيام من الإعلان عن أسماء أعضاء المجلس.[2]
وأقرَّ الحوار الوطني الشامل في تشاد -الذي اختُتم يوم السبت 8 أكتوبر في العاصمة نجامينا- خارطة طريق لمرحلة انتقالية، وتشمل بنودًا عدة أبرزها تمديد فترة حكم محمد إدريس ديبي (38 عام) سنتين، وترشيحه في الانتخابات القادمة، وتوسعة المجلس التشريعي، وتخصيص 45 مقعد فيه للحركات المسلحة التي وقَّعت “اتفاقية الدوحة للسلام في تشاد”. من جهته، قال ديبي إنه سيجري الإفراج عن كل أسرى الحرب لتعزيز جهود المصالحة المتضمنة في اتفاقية الدوحة للسلام.[3]
المواقف الداخلية من الحوار: انطلقت جلسات الحوار الوطني، في 20 أغسطس الماضي، في العاصمة التشادية، بمشاركة المعارضة العسكرية والمسلحة والمجتمع المدني والسلطة التشادية. وفي 18 يونيو الماضي، هدَّدت الحركات السياسية والعسكرية المعارضة في تشاد بتعليق مشاركتها في الحوار الوطني الذي استضافته قطر، في ذلك الوقت، بسبب ما وصفته بالمضايقات والترهيب الذي تتعرض له من قبل الوفد الحكومي، قبل التوصل إلى اتفاق بشأن بدء الحوار الوطني الشامل.[4]
وكان الإطار الدائم للتشاور، وهو تحالف يضم نحو عشرين جماعة متمرِّدة، عارض لقاءات الدوحة و”الحوار الوطني الشامل والسيادي”، قد انتقد مسبقًا ما أسماه بـ “كرنفالًا لا يقوم إلا بإضفاء الشرعية على الخلافة الأسرية ويديم نظامًا فاسدًا”.
وقال منسق منصة “واكيت تاما” المعارضة ماكس لوولنغار إن ديبي “وعد بألا يترشَّح للانتخابات بعد المرحلة الانتقالية، وعلى هذا الأساس اعترف به المجتمع الدولي”.
وتضم هذه المنصة قسما كبيرًا من المعارضة السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي قاطعت “الحوار الوطني الشامل والسيادي”.[5]
وبالإضافة للحركات المسلحة في شمال البلاد، هناك بعض الأحزاب السياسية الرافضة مثل حركة “المحولون والحزب الاشتراكي”.[6]
المواقف الإقليمية والدولية: شهد المؤتمر الختامي للحوار الوطني الشامل حضور كل من الرئيس النيجيري، محمد بخاري، ووزراء عن النيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو الديموقراطية، وفي 19 سبتمبر، طالب الاتحاد الإفريقي المجلس العسكري بعدم تمديد الفترة الانتقالية وذكّر “بشكل قاطع بأنه لا يمكن لأي عضو في المجلس العسكري الانتقالي أن يكون مرشحًا للانتخابات عند انتهاء الفترة الانتقالية”، ولم يُعلِّق الاتحاد الإفريقي على قرارات “الحوار الوطني الشامل والسيادي”.[7]
كما حضر المؤتمر الختامي سفيري الاتحاد الأوروبي وفرنسا، وهو ما عكس موافقة ضمنية من بروكسل وفرنسا على هذه القرارات، وذلك على الرغم من إصدار الاتحاد الأوروبي لاحقًا بيانًا أعرب فيه عن أسفه إزاء عدم التزام المجلس العسكري التشادي بالمدة الزمنية المحددة سلفًا للفترة الانتقالية، فضلًا عن عدم الالتزام بعدم ترشح أعضاء المجلس للانتخابات المقبلة.
بيد أن واشنطن لم تعلق، حتى الآن، على قرار تمديد المرحلة الانتقالية وتعيين ديبي رئيسًا انتقاليًا في تشاد، مما عكس تأييدًا ضمنيًا من قبل واشنطن لهذه الخطوة.[8]
إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أعربت، في بيان صدر مطلع شهر أكتوبر، عن “قلقها العميق” إزاء الحديث عن السماح بترشح أعضاء المجلس العسكري للانتخابات وتمديد الفترة الانتقالية، داعيةً لإلزام العسكريين بعدم المشاركة في الانتخابات، وضمان عملية انتقال سياسي بقيادة مدنية.[9]
من هو رئيس وزراء تشاد الجديد؟ بعد تولِّيه منصب رئيس المرحلة الانتقالية؛ أعلن محمد إدريس ديبي عن تعيين الصحفي والسياسي البارز “صالح كبزابو” رئيسًا للوزراء.
و “كبزابو” يُعد أهم رموز المعارضة للرئيس الراحل، إدريس ديبي، وخاض 4 انتخابات رئاسية في مواجهته، لكن انضم حزبه للحكومة التي شكَّلها المجلس العسكري قبل 18 شهرًا، عقب اغتيال ديبي على جبهة القتال في إبريل 2021.
وشغل رئيس الوزراء الجديد، البالغ 75 عامًا، مناصب وزارية في تسعينات القرن الماضي، وآخرها وزارة الشؤون الخارجية، قبل أن يتحوَّل إلى المعارضة ومنافسة الرئيس الراحل في 4 انتخابات رئاسية أعوام 1996 و2001 و2008 و2016، وحصد المرتبة الثانية في الأخيرة.
وتشير بعض الآراء إلى أن اختيار كبزابو رئيسًا للحكومة جاء في إطار تأكيد ديبي على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعيد الاستقرار للبلاد وكبادرة لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، كما أنه محاولة لتسويق تمديد الفترة الانتقالية إلى أكتوبر 2024 أمام المجتمع الدولي، خصوصًا مع احتمال ترشح محمد إدريس ديبي للرئاسة، بعد أن سمحت مخرجات الحوار الوطني لأعضاء المجلس العسكري بالترشح، وهو ما واجه رفضًا دوليًّا.[10]
التحديات المُتوقع أن تواجهها تشاد خلال الفترة القادمة: يواجه الحوار الوطني الشامل بالبلاد عدة تحديات ما يُؤثِّر على مستقبل الأوضاع السياسية داخليًّا، حيث جرت انتخابات هيئة رئاسة الحوار الوطني، المنوط بها قيادة الحوار الوطني الشامل، في أجواء مُعقدة تنافس خلالها شخصيات من المعارضة المدنية والمسلحة، وكذلك رجال المجلس العسكري.
وتدفع الأحداث نحو التشكيك في جدية مخرجات الحوار الوطني نظرًا لانسحاب العديد من القوى السياسية منه، والصراعات المحتدمة بين التيارات المختلفة، في ظل بنية مؤسسية ضعيفة بالبلاد بعد حكم ديبي الذي امتد لـ30 عامًا دون تداول للسلطة، ما يزيد من تعقيد سير المرحلة الانتقالية.
والتي ستشهد العديد من التحديات حيث تُمثِّل القوى المدنية المسلحة متغيرًا خطيرًا في المشهد يُهدِّد بوجود دويلات داخل الدولة ذاتها، ما قد يلقي بظلاله على مستقبل استقرارها السياسي، إذ يوفِّر حمل السلاح داخليًّا للقوى غير العسكرية النظامية أداة لتهديد الأنظمة المناوئة في حال عدم التوافق على أي قرار.
ومن جهة أخرى، يُشكِّل وجود جماعات سياسية مسلحة بابًا مفتوحًا لتداول السلاح، ما يُسهِّل حصول الإرهابيين على السلاح، كما يمنحهم بيئة خصبة للتنامي.
ويُضاف إلى الصراعات السياسية والاضطراب الداخلي متغير هام، وهو الموقع الجغرافي الشائك للبلاد، إذ تُمثِّل حدودها الشمالية مع ليبيا بوابة خطيرة لنفاذ الإرهابيين والسلاح في ظل انشغال داخلي بالصراعات على الحكم دون التركيز مع الجماعات الإرهابية.
أما عن الحدود الغربية تتقاسمها مع النيجر ونيجيريا، وتنتشر بنيجيريا الجماعات الإرهابية تحت رعاية بوكو حرام وسط منافسات إقليمية مع القاعدة، ما يُهدد الحدود الغربية للبلاد، فيما تتقاطع الحدود الجنوبية لتشاد مع جمهورية إفريقيا الوسطى الذي يسعى تنظيم داعش لتدعيم ولايته الجديدة بداخلها، مستغلًا الاضطرابات الداخلية.
وبالتالي تشترك المتغيرات السابقة في تعظيم خطورة المشهد التشادي في الفترة القادمة.[11]
دلالات الوضع الحالي في تشاد: هناك جملة من الدلالات المهمة التي يعكسها الوضع الحالي في تشاد بعد الإعلان عن مخرجات الحوار الوطني الشامل، حيث التنديد الداخلي لتوريث السلطة، والذي يتضح في مقاطعة جزء كبير من قوى المعارضة السياسية والمسلحة جلسات الحوار الشامل، بما في ذلك “الإطار الدائم للتشاور”، والذي يُشكِّل تحالفًا لنحو 20 جماعة من قوى المعارضة، وكذلك ائتلاف “واكيت تاما” المعارض.
ومحاولات ديبي تغيير صورته العسكرية؛ فقد عمد إلى تغيير زيه العسكري المعتاد خلال مراسم تسلمه السلطة كرئيس انتقالي للبلاد، واستبداله بالزي التشادي التقليدي.
ومقاطعة الاتحاد الإفريقي لمؤتمر تنصيب محمد ديبي رئيسًا انتقاليًا للبلاد، نظرًا لعدم التزام المجلس العسكري بالوعود التي قطعها سابقًا بشأن مدة المرحلة الانتقالية وعدم الترشح للرئاسيات المقبلة، وكانت قد وُجِّهت انتقادات في السابق للاتحاد لعدم فرض عقوبات على نجامينا بعد سيطرة المجلس العسكري على الحكم بعد مقتل رئيسها السابق إدريس ديبي، وربط البعض بين موقف الاتحاد الإفريقي وطموحات رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، السياسي التشادي، موسى فقي محمد، والذي يُعد حليفًا قويًا للرئيس السابق إدريس ديبي، وهو ينتمي أيضًا لعرقية “الزغاوة”، ولديه طموحات واسعة للترشح للانتخابات المقبلة.
هذا وتعكس المواقف الغربية وجود ازدواجية واضحة في تعاطي الغرب مع التغيرات غير الدستورية في إفريقيا، ففي حين شهدت الفترة الماضية انتقادات حادة للانقلابات العسكرية التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو وغينيا، لم تبد واشنطن والقوى الأوروبية، خاصةً فرنسا، الموقف نفسه إزاء التطورات الراهنة في تشاد، على الرغم من سيطرة الجيش على السلطة هناك.[12]
الخُلاصة؛ تعكس المرحلة الراهنة في تشاد نقطة فاصلة، إذ تشهد هيمنة نظام ديبي الابن على السلطة، وإعادة إفراز نموذج مماثل لنظام حكم والده الذي استمر قرابة الثلاثة عقود، غير أنها قد تتسبب في تأجيج الأوضاع السياسية والأمنية مرة أخرى، سواء من خلال تصعيد المعارضة السياسية والمسلحة، أو من خلال انعكاس التنافس الروسي – الفرنسي على المشهد السياسي في تشاد.
حيث سيترتب على مخرجات الحوار الوطني الشامل توسيع كبير في سلطات الجنرال محمد ديبي، خاصةً أن تعيين الأخير رئيسًا انتقاليًا للبلاد سيعني ضمنيًا حل المجلس العسكري الحاكم، ومن ثمَّ ترسيخ السلطة في يد ديبي الابن كرئيس انتقالي، وبموجبها أصبح الأخير يمتلك السلطة منفردًا في تعيين وإقالة الوزراء، وأعضاء ورئيس البرلمان.
وهذا من شأنه أن يزيد من حدة الاحتقان الداخلي، واحتمالية تجدُّد الهجمات المسلحة، في الوقت الذي ترفض قوى المعارضة مخرجات الحوار الشامل، الأمر الذي قد تتمخَّض عنه توترات سياسية تُهدِّد حالة الاستقرار الهش في البلاد، مع تصاعُد احتمالية حدوث انقلاب عسكري، في ظل تعدُّد تجارب الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا خلال الأشهر الأخيرة.
[1] حامد فتحي، “الحوار الوطني في تشاد: بناء الدولة أم شرعنة التوريث؟”، حفريات، 11/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/5UF9H
[2] “تشاد: الرئيس يعلن اعتزامه تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال أيام”، الميادين، 10/10/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/Bioz6
[3] “تشاد.. اختتام “الحوار الوطني” بإعلان ديبي رئيسا انتقاليا لعامين”، الجزيرة نت، 8/10/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/TOkNM
[4] “تشاد: الرئيس يعلن اعتزامه تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال أيام”، مرجع سبق ذكره.
[5] “”الحوار الوطني” في تشاد يبقي محمد إدريس ديبي رئيسًا انتقاليًا لعامين”، SWI، 8/10/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/WRksa
[6] “بعد تمديد المرحلة الانتقالية… ما سيناريوهات المشهد في تشاد؟”، Sputnik عربي، 4/10/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/SkwjB
[7] “”الحوار الوطني” في تشاد يبقي محمد إدريس ديبي رئيسًا انتقاليًا لعامين”، مرجع سبق ذكره.
[8] “توريث الحكم: مستقبل تشاد بعد تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 24/10/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/WgEgH
[9] ضياء غنيم، “هل يمهد رئيس تشاد الانتقالي لاستعادة إرث والده؟”، رؤية الإخبارية، 13/10/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/EM19T
[10] ضياء غنيم، مرجع سبق ذكره.
[11] “تداعيات الحوار الوطني في تشاد على تقويض الإرهاب”، المرجع، 23/9/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/aALmO
[12] “توريث الحكم: مستقبل تشاد بعد تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين”، مرجع سبق ذكره.