مصر في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري

 

مر اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري -الذي حددته الأمم المتحدة، يوم 30 أغسطس من كل عام- وسط أوجاع وآلام مضنية على المختفين قسريا وأسرهم، الذي يعانون مرارات الفقد والمصير المجهول، على صعيد دول العالم، وفي مصر بصورة أشد ايلاما في ظل نظام عسكري باطش بكل القيم والمعايير الإنسانية.

وبحسب تعريف منظمة “هيومن رايتس وواتش”، الاختفاء القسري هو “حرمان من الحرية يتبعه رفض الاعتراف بمصير الشخص المختفي أو مكان احتجازه، ما يجعله خارج حماية القانون وعادة ما يتم هذا الإخفاء على أيدي السلطات الحاكمة ويكون وراءه دوافع سياسية أو استهداف لمعارضين أو صحفيين أو أصحاب الرأي”.

وبحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، يكثر استخدام الاختفاء القسري كأسلوب استراتيجي لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بغياب الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل كذلك يصيب مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل.

ولعل ما يفاقم مخاطر ظاهرة الاخفاء القسري، وتزايدها، استمرار مرتكبو أعمال الاختفاء القسري في الإفلات من العقاب على نطاق واسع. وكثيراً ما تزداد محنة الأسرة من جراء العواقب المادية للاختفاء القسري. ذلك أن الشخص المختفي غالباً ما يكون هو العائل الرئيسي للأسرة.

وتتحمل النساء في أغلب الأحيان وطأة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي عادة ما تصاحب حالات الاختفاء. فالمرأة هي التي تتصدر الكفاح في معظم الأحيان لإيجاد حل لقضية اختفاء أفراد من أسرتها. وقد تتعرض المرأة، بقيامها بذلك، للمضايقات والاضطهاد والانتقام. وعندما تقع المرأة بنفسها ضحية الاختفاء، فإنها تصبح معرضة بشكل خاص للعنف الجنسي ولغيره من أشكال العنف.

ويمكن أن يقع الأطفال أيضا ضحايا، بصورة مباشرة وغير مباشرة معا. ويشكل اختفاء الطفل خرقاً واضحاً لعدد من أحكام اتفاقية حقوق الطفل، بما في ذلك حقه في التمتع بهويته الشخصية. كما أن فقدان أحد الوالدين عن طريق الاختفاء يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان المكفولة للطفل.

ووفق منظمة العفو الدولية، كثيراً ما استُخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بانعدام الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل يصيب أيضا مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل.

ماهية الاختفاء القسري

مصر في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري

وفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 ديسمبر 1992 بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن الاختفاء القسري يحدث عند: “‘القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون”.

ويُعرّف الاختفاء القسري (Forced disappearance/ Enforced disappearance) في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بأنه “اختطاف شخص ما، أو سجنه سرًا، على يد دولة أو منظمة سياسية أو طرف ثالث لديه تفويض أو دعم أو إقرار من دولة أو منظمة سياسية، مع رفض الجهة المختطفة الإعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، وذلك بغرض وضع الضحية خارج حماية القانون”. وكثيرًا ما ينطوي الإختفاء القسري على جريمة قتل، وفي هذه الحالة يُعتقل الضحية بشكل غير قانوني، وغالبًا ما يعذب أثناء استجوابه، ثم يُقتل وتُخفى جثته.

وترقى جريمة الاختفاء القسري، إلى الجرائم ضد الإنسانية، وذلك وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المُعتمد في 17 يوليو 1998، والذي حدد الجرائم ضد الإنسانية بأنها “أي فعل من الأفعال متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين..

ومن جهتها، عرّفت المحكمة الجنائية الدولية، الاختفاء القسري بأنه: “إلقاء القبض على أي شخص/أشخاص، أو احتجازه، أو اختطافه من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة”.

وجاء في نظام روما الأساسي، للمحكمة الجنائية الدولية، لسنة 1998، أن تورط قوات الشرطة في القبض على الأفراد وتعمّدها إنكار ذلك أو حجب حقيقة ما حدث للمقبوض عليهم عند سؤال ذويهم، ممَّا يترتب عليه وضع هؤلاء خارج حماية القانون هو الأمر الذي يرقى إلى تعريف الإختفاء القسري والذي يُعدّ أحد الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تعتبر من بين الجرائم ضد الإنسانية.

وفي الاتفاقية الأمريكية بشأن الاختفاء القسري للأشخاص، التي دخلت حيز التنفيذ في 28 مارس 1996، اعتبرت الدول الموقعة عليها أن جريمة الاختفاء القسري هي “إهانة للضمير وجريمة بغيضة ضد كرامة الإنسان الملازمة له”، كما رأت أن ممارستها “تتعارض مع مبادئ وأهداف ميثاق منظمة الدول الأمريكية”.

وفي أثناء عملية الاختفاء، يمكن أن تنتهك الحقوق المدنية أو السياسية التالية: حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية، وحق الفرد في الحرية والأمن على شخصه، الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الحق في الحياة، في الحالات التي يقتل في الشخص المختفي، الحق في الهوية، الحق في محاكمة عادلة وفي الضمانات القضائية، الحق في سبيل انتصاف فعال، بما في ذلك الجبر والتعويض، الحق في معرفة الحقيقة فيما يخص ظروف الاختفاء.

وينتهك الاختفاء القسري أيضا بصفة عامة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للضحايا وأسرهم على حد سواء، ومنها:

الحق في توفير الحماية والمساعدة للأسرة، الحق في مستوى معيشي مناسب؛ الحق في الصحة، الحق في التعليم.

وقد نص كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 ديسمبر 2006، على أن الاختفاء القسري، يوصف بجريمة ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم. وفضلا عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة فيما يتصل باختفاء ذويهم.

الحالة المصرية

ومنذ انقلاب العسكر على الرئيس محمد مرسي، في العام 2013، واقدام السلطة الانقلابية على قمع كل المعارضين ورافضي الانقلاب العسكري اعتقالا وتعذيبا وأحيانا كثيرة قتلا، لدرحة بلغت اعتقال أكثر من 200 ألف مواطن، مروا بتجربة الاعتقال، ما زال منهم نحو 120 ألف قيد الاعتقال، وفق تقديرات حقوقية، بينما تقدرهم مراكز حقوقية بنحو 60 ألف معتقلا، بجانب آلاف المختفين قسريا، علاوة على تصفية ما يقرب من 1000 منهم.

وتتباين الاحصاءات الحقوقية الراصدة لانتهاكات حقوق الانسان في مصر، والتي تسلط الضوء على كوارث التعذيب والاعتقال والاخفاء القسري، وبمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، أعلن مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أن عدد المختفين قسرياً في مصر تجاوز الـ 12 ألف حالة خلال السنوات الثماني الماضية.

وقال المركز، في تقرير له، إن ضحايا الإخفاء القسري في مصر خلال الـ 8 سنوات الماضية تجاوز عددهم الـ 12384 حالة، حسب ما تم رصده من منظمات حقوقية غير حكومية، وهناك حالات رهن الاختفاء القسري لعدة سنوات و60 مواطناً تعرضوا للاختفاء القسري ثم تم قتلهم خارج نطاق القضاء، رغم توثيق واقعة الاختفاء.

أسباب تنامي جريمة الاختفاء في مصر

مصر في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري

غياب النصوص القانونية المجرمة للاختفاء القسري

ووفق برنامج “في الذاكرة” الذي أطلقه  مركز الشهاب لحقوق الانسان، ومنظمة العدالة، فإن  أبرز أسباب تنامي ظاهرة الاختفاء القسري، أن التشريعات المصرية تفتقد لنصٍ قانونيٍ يُجرم الاختفاء القسري؛ وأن ما يحدث في مصر للمواطن أنه يتعرض للاعتقال التعسفي ثم يتم حبسه في مكانٍ غير معلوم، معصوب العينين ومكبلاً بالقيود الحديدية وتنقطع صلته بالمجتمع الخارجي ثم يتعرض للمعاملة غير اللائقة القاسية والمهينة، ويتعرض للتعذيب البدني والإيذاء المعنوي، وقد ينتهي به المطاف إلى موته من جراء التعذيب أو الضرب أو القتل العمد بالرصاص، أو أن يُكره على الاعتراف ضد نفسه فيصل إلى محاكمة غير عادلة تقضي بسجنه مدى الحياة أو بإعدامه شنقاً.

بينما يرى عصام شيحة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، خلال ندوةً في جنيف تحت عنوان: “الاختفاء القسري في مصر”، في 12 سبتمبر 2018، أنه رغم عدم استخدام لفظ (جريمة الاختفاء القسري) في الدستور والقانون المصري، إلا أن الدستور الجديد، وقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، تضمّنوا، بطريق غير مباشر، تجريم عقوبة الإختفاء القسري، وظهر ذلك في المواد 51 و54 و55 و59 من الدستور، والمواد 40 و42 و43 من قانون الإجراءات الجنائية، والمادة 280 من قانون العقوبات..

عدم التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري أو غير الطوعي

وهو ما كان يضع الحكومة المصرية أمام المساءلة الدولية، لذلك تصر سلطات نظام السيسي على عدم التوقيع عليه، كما جاء موقفها الفاضح مؤخرا برفض التوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية الشعوب من الابادة الجماعية، وذلك عبر التصويت الذي تم مؤخرا بالأمم المتحدة، وما زالت الجهود الحقوقية تتوالى للضغط على حكومة السيسي للتوقيع والتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري أو غير الطوعي، وأن تقبل القاهرة باختصاص اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري بموجب المادة رقم 31 من الاتفاقية.

والأدهى أن جريمة الاختفاء القسري، لا يوجد لها عقاب في التشريعات المصرية، حيث لا يوجد نص قانوني صريح ومباشر على تجريم الاختفاء القسري أو غير الطوعي في مصر، حيث أنها جريمة غير منصوص عليها صراحة ضمن التشريعات المصرية. ويعد الكشف الفوري وإجلاء مصير جميع المختفين قسرياً، وفتح تحقيق شامل في كافة وقائع الاختفاء القسري، ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة ومنع إفلاتهم من العقاب مطلبا يجمع عليه الحقوقيون بالداخل والخارج.

منع الفرق الحقوقية الدولية من زيارة مصر

حيث تمنع السلطات الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي من زيارة مصر للوقوف على أوضاع المختفين قسراً والاجتماع بأسر الضحايا والمنظمات غير الحكومية. وتطبق تلك السياسة القمعية على أغلب النشطاء الدولييين وممثلي المنظمات الدولية والاعلاميين، علاوة على منع معظم مؤسسي ومديري المبادرات الحقوقية المصرية من السفر خارج مصر، لضمان حجب الحقائق.

تجليات الاختفاء القسري

مصر في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري

ومع تمادي السلطات الحاكمة بقوة السلاح بمصر في ازهاق الأرواح واخفاء المعتقلين، بدت العديد من التجليات السلبية لظاهرة الاختفاء القسري في المجتمع المصري.. ومنها:

امتداد الجريمة لتطال الأطفال والنساء:

وفي تقديرات حقوقية، تعرض 1556 طفلًا للاعتقال، و198 تعرضوا للاختفاء القسري، و192 صدرت ضدهم أحكام قضائية في الفترة من 2013 إلى 2018، حسب تقرير لمركز بلادي للحقوق والحريات، والذي أشار إلى أن السلطات المصرية تحتجز 60 طفلًا، و75 قاصرًا في سجونها على خلفية اتهامات سياسية. وينص قانون الطفل المصري على أنه: “لا يجوز احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين فى مكان واحد، ويراعى في تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن، والجنس، ونوع الجريمة”.

ومن أشهر حالات الاختفاء القسري الموثقة في مصر، وفق الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، الطفل علي إبراهيم سيد أحمد، وذلك للعام السابع على التوالي، من محافظة شمال سيناء، والذي اعتقلته قوة أمنية في 21 يوليو 2015، بشكل عشوائي من أحد شوارع القرية، وكان يبلغ من العمر وقت اعتقاله 16 سنة.

وجرى اقتياده إلى قسم شرطة رمانة، واحتجازه هناك من دون اتهام لمدة 25 يومًا، وأثناء تلك الفترة زارته أسرته يوميا بشكلٍ اعتيادي، وتولت تقديم الطعام والملابس، وتمت طمأنتهم بأنه سيخرج خلال أيام. لكن في 14 أغسطس 2015، وعند محاولة والدته زيارته، أبلغها الأمن بترحيله إلى الكتيبة 101 في مدينة العريش، وهي المقر الدائم للمخابرات الحربية المصرية بشمال سيناء، والذي اتخذته السلطات المصرية مقرا غير رسمي لاحتجاز المواطنين من أبناء شمال سيناء، ثم تم ترحيله إلى سجن العازولي العسكري بمنطقة الجلاء في الإسماعيلية، لتنقطع أخباره منذ ذلك الحين.

ورغم تقدم الأسرة بالعديد من البلاغات والشكاوى إلى الجهات المختصة، لم تتوصل إلى معلومة عن مكان تواجده، غير شهادة أحد الناجين من الاعتقال في سجن العازولي، والذي ذكر أنه رآه هناك. ولا يعد علي إبراهيم الطفل المصري الوحيد الذي تعرض للاختفاء القسري، فمن شمال سيناء وحدها هناك ثلاثة أطفال آخرين، وهم عبد الله بو مدين، وإبراهيم شاهين، وأمير حماد، وجميعهم اعتقلوا تعسفيًا في أزمنة مختلفة وفي مناطق مختلفة، ولكنهم جميعا في مأساة مشتركة.

وخلال الستة أشهر الأولى من العام 2015، رصدت “هيومن رايتس وواتش” تعرض 23 سيدة وفتاة للاختفاء القسري، بالإضافة إلى 56 قاصرًا. وهي أرقام تبدو قليلة بجانب الواقع المرير في ظل عدم القدرة على الوصول للمنصات الحقوقية والاعلامية وحجب مواقع تلكا المنظمات بمصر.

مشاركة السلطة القضائية بالجريمة:

وتكاد تجمع التقارير الحقوقية على دور الهيئات القضائية المصرية بالتآمر مع السلطات ومشاركتها في تلك الجريمة، وذلك بعدم محاسبتها للمتورطين في تلك الجرائم، أو نظرها في أي من الشكاوى المقدمة في هذا الجانب، بل إن الأجهزة الأمنية تحل محل الأجهزة القضائية بانتزاعها اعترافات من المختفين والتحقيق معهم بالإكراه.

مخاطر المصير المجهول

مصر في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري

وأمام جريمة الاخفاء القسري من قبل السلطات المصرية بحق المعارضين، تكاد تكون السيناريوهات المصيرية للمختفين، محصورة بين القتل خارج إطار القانون، بالتصفية الجسدية أو القتل بالاهمال الطبي المتعمد، أو القاء الجثمان أو المختفي قسريا في أحد الطرقات بحالة صحية منتهية ويمثل الاخفاء القسري قمة التنكيل بالمعارضين السياسيين، اذ لا حقوق ولا محاكمة ولا أية معرفة بحاله ومصيره.

ومن أشهر المعارضين المختفين قسريا، لفترة تجاوزت الألف يوم، السياسي والبرلماني مصطفى النجار، حيث كانت آخر مكالمة بين الناشط السياسي والبرلماني السابق بمجلس الشعب في الفترة بين عامي 2011 و2012، وأحد مؤسسي حزب العدل، طبيب الأسنان مصطفى النجار وبين زوجته في سبتمبر عام 2018، علمت منه بأنه في مدينة أسوان جنوبي البلاد، وذلك قبل أيام من جلسة محاكمته مع آخرين بتهمة إهانة القضاء. وهي التهمة التي وصفها النجار بأنها ملفقة لدوافع سياسية. وقد حكمت عليهم المحكمة فيما بعد بالسجن ثلاث سنوات.

ومن يومها وزوجته المكلومة عاجزة عن تقديم إجابات عن أسئلة أبنائها بشأن عدم وجود والدهم معهم منذ فترة طويلة! كما طافت كل مكان للبحث عن زوجها المفقود، وطرقت كل باب رسمي للسؤال عنه، ومعرفة مكانه، بعدما اتصل بها مجهول ليخبرها بأن مصطفى قُبض عليه. وأخيراً وبعد 500 يوم من اختفائه، قررت محكمة القضاء الإداري في 20 يناير الماضي، إلزام وزارة الداخلية بالكشف عن مكان احتجازه. ويحاكم النجار على تصريحات أدلى بها أثناء جلسة برلمانية عام 2012 انتقد فيها القضاء لعدم مساءلة الداخلية عن قتل المتظاهرين المسالمين في ثورة يناير. وتنفي الداخلية أي دور لها في اعتقال النجار أو إخفائه قسرياً، وتصف ما يتردد بأنه شائعات.

والنجار واحد من آلاف تم إخفاؤهم قسرياً، خلال الأعوام السابقة والتالية لانقلاب 2013، وتزداد الأعداد بشكل كبير كل عام، والذي يستهدف به النظام الانتقام من المعارضين.

جريمة ممنهجة

والعدد المتزايد كل يوم، والمساحة الكبيرة التي يشملها في عدة محافظات مصرية، يعني بأن الاختفاء القسري أخذ الطابع الممنهج للنظام، واتخاذه وسيلة من وسائل البطش والتنكيل بالمعارضين لسياساته. فحسب إحصائيات غير رسمية تعرض للإخفاء القسري أكثر من 600 حالة، ظهر بعضهم في أقسام الشرطة وقاعات المحاكم، والبعض ما زال مصيره مجهولاً. من هؤلاء الستمائة المختفين قسرياً 203 من النساء تم إخفائهن قسرياً على فترات مختلفة. حسب التقرير الحقوقي المشترك بين الشهاب لحقوق الانسان ومقرها لندن، وعدالة لحقوق الإنسان ومقرها إسطنبول، خلال الستة أشهر الماضية..

وخطر الإخفاء القسري أن مصير ضحاياه يبقى مجهولاً عن أهاليهم وأولادهم، وحتى جهات التحقيق والإدانة الرسمية مثل النائب العام والنيابة العامة والقضاء، كل هذه الجهات التي تملك حق إلقاء التهم، وإصدار الأحكام، ومناقشة المتهمين ومحاميهم، لا تعلم عن المختفين قسرياً شيئاً، وبالتالي يكون مصير هؤلاء بيد الجهة التي قامت باختطافهم وإخفائهم، وحدها دون سواها، وغالباً ما يرفضون الكشف عن مكان وجودهم، وغالباً ما يتعرضون للتعذيب الشديد، وإلصاق التهم، وربما يصل الأمر لقتل البعض منهم خارج القانون، أو الخوف من التعرض للقتل، والمصير المجهول.

والإخفاء القسري شكل صارخ من أشكال انتهاك القانون ومواد الدستور التي نصت على حق المواطن في الحياة والحرية. فقد نصت المادة 59 من الدستور المصري على أن: “الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها”. وبالتالي فالدولة ملتزمة أمام القانون بحماية المواطنين، وعرض المخالفين أمام النيابة والقضاء بكل شفافية وبحضور محاميهم، كما هو الحال في كل الدول الديمقراطية. والمادة 94 تنص على أن: “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون.”

وبحسب الباحث الحقوقي محمد شوشة، بـ “العربي الجديد”، أين مصطفى النجار وآخرين”، “لا يتم انتهاك القانون، وارتكاب الدولة لجرائم العنف ضد مواطنيها إلا في ظل غياب الديمقراطية، وهيمنة الحكم الاستبدادي أو العسكري الذي لا يحترم القانون والدستور، ولا يعترف بهما. والقضاء والقضاة في ظل هذه العهود لا مكان لهما ولا مكانة، فهناك ترزيه القوانين جاهزون لتفصيل القوانين والدساتير وفق رغبة الحاكم وطموحه، وهناك القضاة الذين لا يملكون سوى النطق بأحكام جاهزة تُرسل إليهم”.

ولعل مخاطر الاخفاء القسري في مصر، تتعاظم وسط غياب دور المؤسسات الرقابية والتشريعية وسيطرة السلطة التنفيذية على تعيينات القضاة والمجالس القضائية، ومن يخالف منهم توجهات النظام يجري الانتقام منه، كما جرى مؤخرا بتعيينات مجلس الدولة مؤحرا، برفض تعيينات أبناء القضاة المصدرين لحكم مصرية جزيرتي تيران وصنافير.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022