أزمة العلاقات الأميركية – التركية
أزمة العلاقات الأميركية – التركية شهدت العلاقات التركية الامريكية توتراً كبيراً نتيجة خسارة الليرة التركية حوالي 30% من قيمتها مقارنة بالدولار الأمريكي منذ بداية السنة، وانخفاض حجم التداول في سوقها المالي إلى 17%، وهو ما أرجعته تركيا إلى السياسات الأمريكية التى ترغب فى معاقبتها لسياساتها المخالفة لها. بدأ تدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة بمعركة كلامية افتتحها مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي برسالة تهديد لتركيا عندما قال "أحمل رسالة إلى الرئيس التركي والحكومة التركية بالنيابة عن رئيس الولايات المتحدة، أطلقوا سراح أندرو برونسون، أو استعدوا لمواجهة التداعيات.. الولايات المتحدة ستفرض عقوبات كبيرة على تركيا إلى أن يتم إطلاق سراحه". والحقيقة أن هناك العديد من القضايا والخلافات بين تركيا والولايات المتحدة من بينها الاحتضان الأمريكي لعبد الله كولن إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016، أزمة القس الأمريكى أندرو برونسون المحتجز فى تركيا، والذي تم وضعه تحت الإقامة الجبرية في تركيا بعد سجنه 21 شهرا بتهمة دعم جماعة كولن، ثم رد الفعل الأمريكي بتجميد أصول وزيري العدل والداخلية التركيين بحجة انتهاكهما حقوق الإنسان وحبس القس دون دليل دامغ. وحديث واشنطن عن مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا.[1] . وتباين الرؤى بين واشنطن وأنقرة فيما يخص التعامل مع الملف الكردي و"التحالف" بين القوات الأميركية والمسلحين الأكراد، وغضب تركيا من استعانة الولايات المتحدة بوحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها تركيا كإرهابية من أجل الحرب على داعش في سوريا،[2] ورفض واشنطن كل عروض تركيا بمشاركة جيشها في قتال تنظيم داعش مقابل تخلي واشنطن عن المقاتلين الأكراد، المرتبطين بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي،[3] فمنذ بدء الأزمة السورية تختلف توجهات الولايات المتحدة وتركيا، فقد رغبت أنقرة في إسناد المعارضة السورية عسكرياً وصولاً إلى إسقاط النظام في دمشق وتثبيت حكومة تمثل المعارضة لها مكانه، في حين اكتفت واشنطن بالتنديد بالنظام وامتنعت عن تشجيع أي عمليات غزو عسكري على نطاق واسع لسوريا وكبحت تركيا عن القيام بذلك.[4] ويمكن التركيز علي عدد من الأسباب كأبرز أسباب الخلاف المتصاعد بين البلدين فى: 1- كولن وبرانسون، حيث تطالب أمريكا بالافراج عن القس أندرو برانسون الذي قرر القضاء التركي، فرض الإقامة الجبرية، عليه عوضًا عن الحبس، عن تهم التجسس وارتكاب جرائم لصالح منظمتي غولن وبي كا كا الإرهابيتين، وتصر إدارة ترامب على الافراج عن القس خاصة أنه ينتمي إلى الكنيسة الإنجيلية في الولايات المتحدة، والتي تعد ذا تأثير كبير على السياسة الأمريكية في عهد ترامب، ورغبة ترامب فى جذب المزيد من الاصوات لصالح الحزب الجمهورى فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، والتى ستجرى هذا العام. كما ترفض الولايات المتحدة تسليم زعيم منظمة الخدمة العامة الإرهابية، فتح الله كولن ، رغم تقدم تركيا بطلب رسمي لتسليمه ، بعد تورطه في المحاولة الانقلابية الفاشلة، لكن البيت الأبيض يرفض ، وهو ما تعتبره تركيا دعماً غير مباشر من أمريكا للانقلاب الفاشل . 2- منظومة الدفاع الصاروخى إس 400، حيث تسعى أمريكا إلى وقف تركيا لصفقة منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية المضادة للجو “أس- 400” مع روسيا والاكتفاء بمصادر السلاح الأمريكي. وهى الصفقة التي من المقرر تسليمها لتركيا في أواخر 2019 وأوائل عام 2020. 3- قضية القدس، حيث شهدت الفترة الماضية دوراً بارزاً للقيادة التركية على المستوى الدولي والمحلي وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي، لبلورة وتشكيل موقف عالمي موحد ضد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”؛ كان آخرها طرد السفير الصهيوني من أنقرة بصورة مُهينة في أعقاب المجزرة التي نفذتها “إسرائيل” بحق المتظاهرين على الحدود في قطاع غزة يوم 14 مايو الماضي، بجانب العديد من النشاطات والفعاليات من الجمعيات الخيرية التركية الناشطة في جميع أرجاء العالم، تحت رعاية الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان كإقامة الأمسيات الثقافية، ومبادرات غرس الزيتون في القدس والتي دعت لها جمعية “الشباب الواعد في تركيا”. 4- التخلى عن العلاقة مع ايران، حيث تسعى امريكا إلى فك الإرتباط بين تركيا وإيران، فعندما أعلنت أمريكا فرض عقوبات على إيران، أكد وزير خارجية تركيا، مولود جاویش أوغلو، أن بلاده لن تلتزم بالعقوبات الأمريكية ضد إيران، واعتبر أن موقف طهران من انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي معها جدير بالتقدير. وهو ما قابلته ايران بمساند ودعم تركيا ، حيث اعلنت رسم خارطة طريق جيدة للوصول بحجم التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار. 5- الصراع حول الغاز، حيث تسعى أمريكا إلى الضغط على تركيا للتخلي عن الغاز الطبيعي لقبرص والخروج من الصراع معها ، وكانت تركيا أخذت خطوات تصعيدية لتأكيد حقها حول التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، ومنها بحسب مراقبين عندما اعترضت قطع بحرية تركية سفينة حفر تابعة لشركة «إيني» الإيطالية كانت في طريقها للتنقيب عن الغاز المكتشف أخيرا في المياه القبرصية، كما جدّدت التأكيد على عزمها القيام بكل الخطوات اللازمة من أجل الحفاظ على حقوق تركيا والقبارصة الأتراك ومنع اتخاذ خطوات أحادية في شرق البحر المتوسط. في المقابل فقد كشف ويس ميتشل مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأوروبية والأوراسية في مارس 2018 ، أن واشنطن تدعم تنقيب قبرص عن الغاز والنفط في البحر المتوسط إثر خلاف مع تركيا بالتزامن مع وصول سفينتي استطلاع من عملاق النفط الأميركي “اكسون موبيل” إلى سواحل قبرص لإجراء مسح مبدئي قبل بدء تنقيب في وقت لاحق من العام الجاري. فيطالب البيت الأبيض تركيا بالتخلي عن الغاز الطبيعي لقبرص والخروج من الصراع معها، ومن المناوشات التي تقوم بها في شرق المتوسط، وأن يتم منح مهمة البحث عن المعادن في الأراضي التركية لشركات أمريكية بشكل حصري.[5] 6- توجس أميركي من استدارة الرئيس التركي شرقاً، يظهر في مواقف الكونغرس والإدارة الأميركية التي تتسم بالتشدد حيال تركيا نتيجة الاعتقاد بأن تقارب أنقرة المؤقت مع روسيا وإيران يأتي على حساب التضحية بعلاقتها مع حلف الناتو.[6] ومثلت قضية اتهام بنك خلق التركي بمساعدة إيران في خرق العقوبات الأمريكية عام 2012 أحد أسباب التوتر بين واشنطن وأنقرة، حيث قامت السلطات القضائية الأمريكية في إبريل الماضي بالحكم على النائب السابق لرئيس البنك محمد هاكان أتيلا بالسجن لمدة 32 شهرًا بعد اتهامه بخرق عقوبات واشنطن على إيران والاحتيال المصرفي والمشاركة في خداع الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المحتمل أيضًا أن تقدم السلطات الأمريكية على توقيع غرامة بمليارات الدولار على البنك التركي ما إذا تصاعد التوتر بين البلدين في الفترة المقبلة.[7]. دلالات الأزمة: انخفاض الليرة التركية يستحوذ علي الاهتمام العربي والعالمي، ويكشف مدى الحقد الغربي والعربي متمثلاً في بعض الدول الخليجية بالإضافة إلي مصر تجاه النظام التركي، كما يكشف كذلك رغبة حقيقية في التضييق علي الرئيس التركي أردوغان ودفعه للعودة إلي دائرة التبعية والانصياع للإرادة الغربية مثلما كان حال تركيا منذ سقوط الخلافة العثمانية، وهو ما يعني أن مسألة القس الأمريكي…