زيارة هنية للقاهرة وتطورات ملف المصالحة الفلسطينية
زيارة هنية للقاهرة وتطورات ملف المصالحة الفلسطينية مع بداية الربع الأخير من العام الماضي بدأت المفاوضات لمُصالحة فلسطينية جديدة بين حركتي فتح وحماس برعاية الجانب المصري وتحت دعم سعودي. الأمر الذي ربما تكرر عدة مرات في العشر سنوات الأخيرة بعد انتخابات 2006 وبداية الخلاف بين الحركتين إلا أنه كان يتعثر في كل مرة. ولكن ماساهم بدفع المفاوضات لإتمام المُصالحة هذه المرة الظروف الخانقة التي يعيشها قطاع غزة في ظل إحكام الحصار عليه منذ سنوات مما جعل حماس تُبدي بعض المرونة أمام تعنت فتح خلال المفاوضات التي تمت في مصر. إلا أننا خلال الفترة الماضية لم نسمع سوى اتهامات متبادلة من الطرفين، فماذا كانت بنود المصالحة؟ وما هي العقبات التي قابلتها؟ وماتأثير تصريحات الإدارة الأمريكية الأخيرة وسعيها لإتمام صفقة القرن على سير المفاوضات؟ وماهو السيناريو المتوقع لسير المفاوضات في الفترة القادمة؟ كل تلك التساؤلات سنسعى للإجابة عليها خلال تلك الورقة.. * اتفاق المُصالحة.. وقَّعت الحركتان اتفاق المصالحة في 12 أكتوبر الماضي، بعد أن وافقت حماس على تسليم إدارة قطاع غزة بما في ذلك معبر رفح الحدودي. ويدعو الاتفاق أن يتولى الحرس الرئاسي التابع لعباس المسئولية عن معبر رفح، وتسليم السلطة الإدارية بالكامل على غزة لحكومة الوحدة، ووفقاً للاتفاق سينضم 3 آلاف من أفراد الأمن في فتح إلى شرطة غزة لكن ستظل حماس صاحبة أكبر فصيل فلسطيني مسلح إذ أن لها ما يقدر بـ 25 ألف مقاتل مسلحين تسليحاً جيداً. وبموجب الاتفاق سيتقاضى الموظفون الذين عينتهم حماس في الفترة الماضية بالقطاع 50% من الراتب الذي ستمنحه لهم السلطة الفلسطينية أو ما يُعادل ما تدفعه حماس لهم الآن لحين التحقق من مؤهلاتهم المهنية. وتناقش حماس وفتح أيضاً الموعد المحتمل للانتخابات الرئاسية والتشريعية وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية المسئولة عن مساعي السلام مع إسرائيل والمتعثرة منذ فترة طويلة. [1] * الخلاف الذي يحول دون تنفيذ الاتفاق.. بالرغم من رأي بعض المحللين عند عقد الاتفاق أنه من المرجح أن يصمد أكثر من الاتفاقات السابقة في ظل تزايد عزلة حماس وإدراكها لمدى صعوبة حكم وإعادة إعمار قطاع غزة الذي تعثر اقتصاده بسبب الحصار الحدودي ودُمرت بنيته التحتية بسبب الحروب مع إسرائيل. إلا أن هذا لم يمنع من ظهور عدة قضايا خلافية ساهمت بدورها في عرقلة سير المفاوضات. وهنا يجدر الإشارة إلى تلك القضايا، والتي تشمل ثلاث قضايا رئيسية، هي: قضية نزع سلاح حماس والذي كانت تُصر عليه السلطة الفلسطينية بدعوى عدم رغبتها بتكرار نموذج حزب الله وكان الكيان الصهيوني قد هدد باتخاذ إجراءات مالية تتعلق بمستحقات السلطة في حال لم يوضع سلاح حماس على طاولة محادثات المصالحة بين الطرفين وهو ما يدفع السلطة إلى التخوف من أزمة مالية حادة حال الإسراع في عملية المصالحة .الأمر الذي اعتبرته حماس خط أحمر حيث لامقاومة دون سلاح. والقضية الثانية محل الخلاف كانت رفع العقوبات التي كانت قد فرضتها السلطة الفلسطينية للضفة على قطاع غزة. أما القضية الثالثة فقد كان الاتفاق يقتضي تمكين حكومة الوحدة من إدارة شئون غزة، كما في الضفة الغربية، بحدٍ أقصاه مطلع ديسمبر الماضي. إلا أنه مساء الأربعاء 30 نوفمبر، أعلنت حركتا فتح وحماس في بيان مشترك، تأجيل استلام الحكومة الفلسطينية لمهامها في غزة إلى العاشر من ديسمبر، لاستكمال الترتيبات اللازمة لاستلام الحكومة لمهامها، من أجل ضمان تنفيذ خطوات إنجاز المصالحة. وقد جاء البيان بعد يوم من دعوة الحكومة الفلسطينية موظفيها المُعينين قبل سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، للعودة إلى أعمالهم، وهي الدعوة التي تسببت بعودة التوتر بين فتح وحماس، كما تبادلت الحركتان الاتهامات على خلفية هذه القضية. حيث رأت حماس أن القرار مخالف لاتفاق المصالحة الموقع في القاهرة عام 2011، الذي ينص على عودة الموظفين القدامى للعمل، بعد انتهاء لجنة قانونية إدارية تم التوافق عليها من دراسة ملفات موظفي حماس المعينين بعد عام 2007، فيما تقول فتح إن القرار قانوني.[2] * تعثر ملف المصالحة.. جاءت أزمة القدس خلال المفاوضات، وتلاها تلويح أميركي بقطع المساعدات الاقتصادية عن السلطة الفلسطينية، والاستغراق في اجتماعات عربية وإسلامية للرد على واشنطن. وبدلاً من أن تكون هذه الأزمة حافزاً للمصالحة أصحبت معوّقاً، حيث حاول الرئيس الفلسطيني محمود عباس استثمارها سياسياً، وبدأ حملة رمزية للهجوم على الولايات المتحدة، وقام بجولات مكوكية لإعادة الزخم إلى القضية الفلسطينية، لدعم فكرة أنه الرمز الرسمي للقضية. مُتجاهلاً أن قدرته على التأثير الحقيقي تتوقف على حجم التكاتف والتلاحم الوطني. أما بالنسبة لحركة حماس، فقد قبلت بشروط المصالحة بالأساس رغم كونها تراها مجحفة، لتعرض الحركة لظرف سياسي بالغ الحساسية، وتعرضها لضغوط إقليمية عنيفة، حيث الحلفاء الذين كانت تعتمد عليهم تم تضييق الخناق عليهم كذلك. فقطر انغمست في أزمتها مع الدول العربية الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) والأدلة التي تلاحقها بشأن دعم الإرهاب والجماعات الإسلامية المتطرفة، ومن بينها حماس، ولم تعد قادرة على مساعدة واحتضان قيادات حماس في الدوحة. وتركيا أخذت أزماتها الداخلية تستنزف جهودها، وانخراطها في الأزمة السورية ألجم جزءاً من حركتها الإقليمية، وجاءت الاتهامات التي تلاحقها بدعم الجماعات المتطرفة لتقضي على جزء آخر من انفتاحها على حماس وعلى غيرها في المنطقة.[3] وإخوان مصر يتم التضييق عليهم بشكل يجعلهم أيضاً غير قادرين على دعم حماس كما كان يحدث في السابق –لاسيما في محاولة فك الحصار الاقتصادي. كل هذا أنتج –في ظل الخلافات السابقة- سلسة من الاتهامات المُتبادلة بين الطرفين خلال الفترة الماضية، فمثلاً شكَّك عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق في إمكانية تنفيذ اتفاق للمصالحة مع حركة فتح خلال عام 2018، وأرجع ذلك لما وصفه بتنصل حركة فتح ورئيسها محمود عباس من تنفيذ بنود اتفاق المصالحة الذي وُقع أواخر العام الماضي في القاهرة بوساطة مصرية. وقال أن حماس قدّمت كل أوراقها في المصالحة دون أي مقابل، فقد حلّت اللجنة الإدارية تلبية للدعوة المصرية، واستقبلت حكومة التوافق في غزّة وسهّلت إجراءات استلام الوزارات ووافقت على إعادة ما يلزم من الموظفين والبالغ عددهم 1600 موظف، إضافةً إلى تسليم معابر قطاع غزة بالكامل، والتعامل بإيجابية بالغة مع احتياجات الحكومة، وتسليم ايرادات المعابر وفقاً للطريقة التي حددتها حكومة التوافق. وحذّر من أن تكون أولوية الصراع لدى فتح والسلطة الفلسطينية متبلورة في إنهاء حكم حماس وقوتها في غزة، وهذا يؤدي بالضرورة إلى أن يجعل مواجهة إسرائيل ومخططاتها مسألة ثانوية ومواجهة حماس هي الأولوية. ورد عزام الأحمد القيادي في حركة فتح ورئيس وفد التفاوض لاتفاق المصالحة، على تصريحات أبو مرزوق بأنهم في فتح لا يتعاملون كردود فعل وأن حركة حماس لا توجد لديها إرادة حقيقية لتنفيذ اتفاق المصالحة، وقال الأحمد إن حركة حماس وضعت العراقيل أمام حكومة الوفاق لبسط سلطتها.[4] هذا كما صعَّد نواب حماس الذين عقدوا جلسة في مقر المجلس التشريعي في غزة، من لغة الانتقاد لحكومة الحمد الله، خُصصت لنقاش سياسات الحكومة…