
أبعاد الأزمة القطرية الخليجية
أعلنت دول خليجية –الإمارات والسعودية- إضافة إلى مصر قطع علاقاتها مع قطر الإثنين 5 يونيو 2017، وذلك في تحرك منسق بعد أن اتهمتها هذه الدول بدعم "جماعات إرهابية وطائفية "وإيران، وآثر ذلك أعلنت دولة المالديف والنظام المأزوم في اليمن وحكومة شرق ليبيا –خليفة حفتر- انضمامها للتحرك الخليجي المصري ضد حكومة الدوحة[1]. وقد أُثار التحرك العنيف الذي قادته هذه الدول ضد قطر إلى تفجر سيل من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية الدافعة لهذا التطور السلبي غير المسبوق في العلاقات الخليجية/الخليجية، والتكهنات حول المآلات المتوقعة والمنتظرة لهذا التصعيد، وأيضاً حول الخطوة القادمة التي يمكن أن تلجأ لها هذه الدول في معركة تكسير العظام التي تقودها ضد النظام القطري، أوراق الضغط التي تمتلكها قطر في مواجهة الهجوم غير المسبوق التي تقوده الدول المذكورة عليها، والذي حدا بالبعض القول أن ما يجري حاليا هو عملية محكمة لخنق دولة قطر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وعزلها عن العالمين العربي والدولي، وإعلان الحرب الدبلوماسية والاقتصادية عليها كتمهيد للمرحلة الأخيرة وهي الحرب العسكرية[2]. وقد تضمنت قرارات الدول الست التي أعلنت قطع علاقاتها مع قطر، مجموعة من الإجراءات التي توقف كافة التعاملات مع الدوحة، حيث شملت قطع العلاقات مع قطر بما فيها الدبلوماسية، وإمهال البعثة الدبلوماسية القطرية 48 ساعة لمغادرة البلاد، ومنع دخول أو عبور المواطنين القطريين إلى أراضي تلك الدول، وإمهال المقيمين والزائرين منهم مدة 14 يوما للمغادرة، ومنع الرعايا من السفر إلى دولة قطر أو الإقامة فيها أو المرور عبرها، وإغلاق كافة المنافذ البحرية والجوية خلال 24 ساعة أمام الحركة القادمة والمغادرة إلى قطر، ومنع العبور لوسائل النقل القطرية كافة القادمة والمغادرة، واتخاذ الإجراءات القانونية والتفاهم مع الدول الصديقة والشركات الدولية بخصوص عبورها بالأجواء والمياه الإقليمية لتلك الدول من وإلى قطر وذلك لأسباب تتعلق بالأمن الوطني[3]. وفي أول رد فعل قطري على التصعيد ضدها، أعربت وزارة الخارجية بدولة قطر في بيان لها عن بالغ أسفها واستغرابها الشديد من قرار كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة و مملكة البحرين بإغلاق حدودها ومجالها الجوي وقطع علاقاتها الدبلوماسية، وقد وصفت هذه القرارات بأنها غير مبررة وتقوم على مزاعم وادعاءات لا أساس لها من الصحة، مؤكدة أن الهدف الحقيقي لهذه الإجراءات هو فرض الوصاية على الدولة، مشددة على أن هذا بحد ذاته انتهاك لسيادتها كدولة وهو أمر مرفوض قطعيا، مضيفة أن الادعاءات التي وردت في بيانات قطع العلاقات التي اصدرتها الدول الثلاث تمثل سعيا مكشوفا يؤكد التخطيط المسبق للحملات الاعلامية التي تضمنت الكثير من الافتراءات[4]. وتظهر لهجة البيان أن الدوحة لا تنتوي على الأقل في الوقت الراهن الخضوع للضغوط والقبول بالتراجع عن سياساتها التي خلقت كل هذا الرفض والمعارضة. والغريب في البيان أنه لم يشر إلى موقف القاهرة إلا في سطر واحد هامشي من البيان، جاء فيه أنه "لا توجد مبررات شرعية لهذه الاجراءات التي اتخذت بالتنسيق مع مصر والهدف منها واضح وهو فرض الوصاية على الدوحة"[5]. محددات الموقف الخليجي المصري من الدوحة: البحث في الأسباب التي دعت هذه الدول للجوء لهذه الإجراءات التصعيدية مع قطر يكشف عن عدد من المحددات القوية التي بالفعل تجعل من المنطقي وغير المستبعد أن تتزايد الضغوط الخليجية/المصرية بهذا الشكل غير المسبوق على قطر. أولاً: الموقف من الربيع العربي. بينما عرفت الدول الخليجية برفضها للربيع العربي، بل ومعاداتها له، أو على الأقل تخوفها منه ورفضها له، عرفت قطر بدعمها للتحركات الشعبية المناهضة للأنظمة التسلطية القائمة في بلادهم، ووقوفها إلى جانب هذه التحركات، وما لعبته مجموعة الجزيرة الإعلامية وغيرها من المؤسسات الإعلامية التي تدور في فلكها والمدعومة قطريا في تغطية هذه التحركات الشعبية الغير مسبوقة، وكشفها عن الممارسات الاستبدادية وغير الانسانية التي مارستها النظم الحاكمة في مجابهة هذه المساعي الشعبية للتغيير، وكيف أسهمت تغطيتها لهذه الأحداث في خلق رأي عام داعم لهذه التحركات وناقم على النظم الحاكمة وسياساتها قبل تفجر الاحتجاجات وأثنائه. وحتى مع تعثر التجارب الثورية في الدول التي شهدت اندلاع أحداث الربيع العربي واصلت الدوحة دعمها للحركات الثورية وللاتجاهات الثورية وواصلت الاعلان عن معاداتها للثورات المضادة التي انتعشت محاولِة استعادت زمام السيطرة على الامور، مدعومة مادياً ولوجستياً من أنظمة الحكم في السعودية والإمارات، خلق هذا الموقف القطري تباين واضح في السياسات داخل البيت الخليجي وقد استمر هذا التباين في الترسخ مع مرور الوقت. ثانياً: الموقف من قوى الإسلام السياسي. مواقف الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات من قوى الإسلام السياسي تتحدد على خلفية ما تركته الثورة الإيرانية في 1979 من انطباعات لدى هذه النظم، والتي يأكلها الخوف من تكرار هذا النموذج في الدول التي شهدت حراك ثوري نجم عنه وصول الإسلاميون إلى سدة الحكم، خوف تغذى على ايمان هذه النظم أن قوى الإسلام السياسي بمجرد ترسخ اقدامها في الحكم لن تتوقف عن تصدير ثورتها للدول الخليجية، وعلى الخوف من أفول نجم النسخة الخليجية/السلفية من الإسلام الذي أسست هذه الدول سلطانها عليه جراء الصعود الكبير لمشروع الإسلام السياسي، وفي النهاية تغذى كذلك على تحسب هذه الدول من انتقال عدوى الثورة -في حال نجاحها في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي في المنطقة- إلى دول الخليج. خلق هذا التخوف من قوى الاسلام السياسي سياسات عدوانية قادتها بالأساس الرياض وأبو ظبي ضد تجارب الحكم الإسلامية في دول الثورات. على العكس من ذلك عرفت قطر بدعمها للإسلاميين واحتضانها لهم وتعظيمها لحضورهم في المنطقة والعمل على انجاح تجاربهم الوليدة في الحكم في دول الثورات؛ وذلك من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، حتى مع تعثر تجاربهم في الحكم استمر هذا الدعم، وتعاظم هذا التأييد، ووجدت القوى الإسلامية في قطر ملاذاً أمناً مع اشتداد هجمات قوى الدولة العميقة على التشكيلات الإسلامية الثورية في دول الربيع العربي، وقد جذرت هذه المواقف الفجوة بين الدول الخليجية -السعودية والإمارات- وقطر. ثالثاً: يرى البعض أن ملفات الخلاف بين كل من السعودية والإمارات وقطر ليست وليدة اليوم بل هي قديمة قد تكون سابقة حتى على ثورات الربيع العربي التي أججت هذه الخلافات وسعًرتها، وبالتالي لا يمكن رد هذا التصاعد الرديكالي في المواقف الخليجية –الامارات والسعودية- تجاه قطر إلى هذه القضايا الخلافية العالقة منذ سنوات، وأن ما حدث من تصعيد يقترب من حافة اعلان الحرب بين هذه الدول يرتبط في الحقيقة بزيارة الرئيس ترامب للرياض -القمة الخليجية الأمريكية- في 21 مايو 2017[6]، والتفاهمات التي جرت فيها، فيما عرف إعلامياً بصفقة القرن، وأن الحملة الراهنة ضد النظام القطري يستهدف إرغام الدوحة على القبول بما جرى الاتفاق بشأنه مع واشنطن، فيما يخص الحرب على الإرهاب ومجابهة التطرف على الدوحة تقليص دعمها لقوى الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس باعتبارهم تنظيمات إرهابية –حركة حماس كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة الرياض[7]– ومتطرفة –جماعة الوان المسلمون، وحتى لا يقف الدعم القطري…