كشفت قمة الناتو واجتماع الدول السبع الكبرى الذين حضرهما ترامب في أواخر مايو خلال أول جولة خارجية له عقب توليه مهام منصبه، عن نقاط خلافية بين الجانبين الأمريكي والأوروبي، قد تلقي بظلالها سلبا على العلاقات بينهما، هذه النقاط تتمثل في العلاقات مع روسيا واتفاقية المناخ والتجارة الحرة.
فإذا كان ترامب جادا في تحسين علاقة بلاده مع روسيا، فإن هذا سيسبب فجوة في العلاقات الأمريكية الأوروبية، إذ ترى أوروبا وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا أن عودة روسيا بقوة في السياسة الدولية غير مفيد لمصالحها، خاصة في ظل الأوضاع المأساوية التي أنتجتها الأزمة السورية، بالإضافة إلى الحديث عن تورط روسيا في الانتخابات الرئاسية لعدد من الدول الغربية ودعمها لليمين المتطرف.
كذلك مثّل انسحاب ترامب من اتفاقية باريس بشأن التغيرات المناخية[1]، مزيدا من القلق الأوروبي، وكان ترامب قد هاجم الاتفاقية أثناء حملته الانتخابية وتعهد بالخروج منها، لأنه رأى أن الالتزام بالاتفاقية يعني انخفاض الناتج المحلي للولايات المتحدة بمقدار 2.5 تريليون دولار خلال العقد المقبل. ولذلك فإنه يعتبرها اتفاقية غير عادلة للولايات المتحدة ولا تهتم بالمناخ، إنما بتنمية الموارد المالية لبعض الدول، موضحا أن الموافقة على الاتفاقية كان سيعني فقدان مليونين وسبعمئة وظيفة على الأقل بحلول 2025.
وفيما يخص اتفاقية التجارة الحرة مع أوروبا، فقد شن ترامب هجوما كبيرا على ضخامة الصادرات الألمانية من السيارات للولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنه عقب زيارة ميركل للولايات المتحدة، كتب ترامب على تويتر أن ألمانيا مدينة بمبالغ طائلة لحلف شمال الأطلسي، وأن الولايات المتحدة تتكلف الكثير في ملف الدفاع الذي تقدمه لألمانيا، وانتقدها أيضا حين أشار خلال القمة الأمريكية العربية الإسلامية في الرياض، بأن برلين لا تسعى للحرب مع إيران، لأنها تريد تأمين إمدادتها من الطاقة والأسواق للصادرات الألمانية، ومن ناحية أخرى، تهتم ألمانيا بمشروع "طريق الحرير" لذلك فهي تعارض المواجهة بين الصين والولايات المتحدة.
جدير بالذكر أن العلاقات الألمانية الأمريكية شهدت تراجعا منذ عهد أوباما، ومن الواضح أن ترامب سيكمل المهمة، وذلك إذا ما نظرنا إلى التصريح الذي أدلت به ميركل بأن الأوروبيين يجب أن يقرروا مصيرهم بأيديهم، وأن الاعتماد على الآخرين قد مضى، وضرورة عدم الاعتماد على بريطانيا عقب خروجها من الاتحاد الأوروربي، أو على الولايات المتحدة خاصة بعد الحديث عن رفض ترامب المادة التي تتعلق بالدفاع المتبادل في الناتو، وهذا ربما سيكون في صالح روسيا.
كل هذا يمكن تحليله في أن أوروبا تسعى للانفصال عن السياسة الأمريكية في ظل سياسة ترامب التي تقلل من الأوروبيين، لكن هذا الانفصال يحتاج لوقت نظرا لارتباطهما بمستويات متعددة عميقة، بالإضافة إلى أن الانفصال يعني خسارة الولايات المتحدة لمفتاح هام في مواجهة روسيا، لهذا قد يسعى مسئولو السياسة الأمريكية لتحجيم توجهات ترامب، لأن روسيا تنتظر فرصة لإحياء علاقتها بأوروبا وممارسة نفوذ واسع فيها، وفي نفس الوقت عليها أن تواجه الصعود الصيني الذي قد يستغل مشكلات أوروبا الاقتصادية للتقرب منها. [2]
وعلى مستوى الشرق الأوسط، هناك دول قد تحقق مكاسب من الفتور الأوروبي الأمريكي، مثل تركيا وإيران ومصر، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة قادرة على الإخلال بأنظمة المنطقة، ومن ناحية أخرى لم يبادر الاتحاد الأوروبي بدور قوي تجاه الربيع العربي.
ويرى محللون، أن تدهور العلاقات الأمريكية الأوروبية سيضع أوروبا أمام خيارين فيما يخص الشرق الأوسط، إما الانخراط في تحالف الاعتدال السني الإسرائيلي الامريكي أو الانخراط في المشروع الروسي الذي يسعى لتحجيم القوتين الصاعدتين، تركيا وإيران، لكي لا تنفجر المنطقة أكثر، لكن هناك فرصة كبيرة لإقامة شراكة أوروبية عربية قوية، إذا ما استطاعت فرنسا وألمانيا التحالف ولعب دور استراتيجي في قيادة أوروبا، ولكن عليهما معالجة زوايا محددة مثل ملف الأمن الداخلي والخارجي، والإصلاحات المالية في الاتحاد الأوروبي.
[1] تهدف الاتفاقية لمنع ارتفاع معدل درجات الحرارة على الكرة الأ{ضية وإٌبائها دون درجتين مئويتين.
[2] "أمريكا وأوروبا والعلاقة التي باتت مهددة"، وكالة الرأي الدولية للأنباء، 3/6/2017، متاح على الرابط