الموقف التاريخي المصري تجاه غزة ومعبر رفح

منذ سنوات طويلة يُشكّل القطاع المحاصر لأهل غزة وحاجتهم إلى معبر رفح مصدر حساسية لدى النظام المصري. ففي أعقاب سيطرة حركة حماس على غزة عام 2007 حَجَرَتْ القاهرة المعبر تمامًا بالتنسيق مع إسرائيل بذريعة منع تسلل مسلحي الحركة وانتشار الإرهاب في سيناء وعلى مدى العقدين الماضيين تعاقبت مراحل: فتح رمزي بسياسات مرسي (2012–2013) ثم إغلاق كامل شديد تحت حكم السيسي بعد 2013. لقد صدّرت مصر مع حبيبها الإسرائيلي رواية «المخاوف الأمنية» حتى جعلت قطاع غزة «سجنًا مفتوحًا» لا يسمح إلا بدخول القليل من المساعدات عبر معابر إسرائيلية  وفي الوقت نفسه تكرر القاهرة شعارات «الدعم الثابت للفلسطينيين» في بيانات رسمية، لكنها عمليا تتبع سياسة تضييق على غزة. فقد كشفت مصادر حقوقية أن نظام السيسي «أصبح شريكًا رئيسًا في إغلاق المعبر منذ 2007» وسعى لجني أرباح من الأزمة عبر رفع رسوماً باهظة لتصاريح الخروج والدخول. و بحسب تحقيقات إعلامية، كان المعبر “يفتح فقط للموتى” تقريبًا – إذ عمد ضباط أمن مصريون إلى إعادة 25 ألف حالة إنسانية طلبت العبور من غزة قبل بداية الحرب الحالية، من دون موعد معلوم. إجراءات السلطات المصرية تجاه «الصمود» و«مسيرة الحرية» خلال الفترة المذكورة (9–14 يونيو 2025) تبنّت أجهزة الأمن والسلطات المصرية سياسة صارمة تجاه قافلتي التضامن.  فمن الجانب الإداري أُعلن رسميا وجوب الحصول على موافقات مسبقة صارمة لدخول المنطقة الحدودية (العريش ورفح)، وإتمام أي زيارة ضمن “الإجراءات المتّبعة منذ بدء الحرب”. وأوضحت الخارجية المصرية أن أي طلب خارج هذه الضوابط «لن يُؤخذ بعين الاعتبار».  عمليًا، صعّدت الأجهزة الأمنية الأساليب القمعية: استُهدف النشطاء فور وصولهم للقاهرة؛ فقد انتشرت قوّات الأمن (وبرعاة بزي مدني يُرجّح أنهم من البلطجية) في فنادق المطار ومدن القناة لاعتقالهم ومصادرة أمتعتهم وجوازاتهم وجرى احتجاز وترحيل عشرات النشطاء من دون أسباب قانونية واضحة.  مثلاً وثّق ناشطون تعرض سيدات عربيات لأعمال عنف واعتقال تعسفي رغم حصولهن على تأشيرات شرعية  على مداخل سيناء نشرت الشرطة «حواجز» لمنع وصول القافلة إلى رفح، وأطلق مواطنون مسلحون وبلطجية مأجورون يدعمهم النظام هجومًا على المشاركين قرب الإسماعيلية وبذلك أغلقت مصر الباب أمام أي محاولة فك عزلة غزة برا. هذه الإجراءات الإدارية والأمنية أثّرت عمليًا على سير القافلتين: فقد مُنع كثير من المشاركين من مواصلة التوجه باتجاه معبر رفح أو حتى دخول سيناء، بالرغم من إعلان المنظمين احترامهم للإجراءات الرسمية وعدم نيّتهم اختراق الحدود دون موافقة البعد الإقليمي والدولي للموقف المصري لم يكن الموقف المصري منعزلاً عن توازنات إقليمية؛ فقد برزت شراكة واضحة مع الضغوط الإسرائيلية والأميركية. مثلاً حثّ وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس علناً مصر على منع أي «مسيرة» أو قافلة لكسر الحصار، ووصَم المشاركين بأنهم «جهاديون» يهددون «النظام المصري وسائر الأنظمة العربية المعتدلة».  هذه الدعوات علنية، وتكشف عن انسجام الموقف المصري مع التحذيرات الإسرائيلية. كما أشارت تقارير إلى ضغوط غربية (نُقلت عنه أن فرنسا والولايات المتحدة تواصلا مع مصر بشأن مواطنيها المعتقلين)، واعتراف دبلوماسي فرنسي بأن «تأمين الحماية القنصلية» لمواطنيه حظي بتفاهم مع القاهرة.  وفي المقابل تؤكد القاهرة تمسكها بورواية أنها ضحية فرض الحصار. ففي بياناتها الرسمية شدّدت مصر على «تثمين دعم الصمود الفلسطيني» ومعارضة «التجويع الإسرائيلي»، كما كرّرت أن جانبها من معبر رفح «مفتوح وجاهز» وأن المنع هو نتيجة سيطرة إسرائيل على الجانب الآخر.  باختصار، الموقف المصري رسميًا يحرّض على الضغط على إسرائيل وليس على فتح الحدود، لكنه عمليًا ينفذ ما تشي به إرشادات البلدين الحليفين (أمريكا وإسرائيل) للحفاظ على «الأمن القومي المصري» على حد زعمهم. خطاب الإعلام الرسمي المصري والتناقض بينه وبين الواقع رسميا، تكرّر السلطات الكبرى المواقف التقليدية: تستقبل صحيفة «الأهرام» بيانات الخارجية بعبارات تضامن، وتردد الفضائيات المقربة من السلطة عبارات «الثبات مع غزة». على سبيل المثال، خرج الناطق الرسمي ليعلن: «نرحب بالمواقف الداعمة لغزة» و«نؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لرفع الحصار».  ومع ذلك فإن الإعلام الموالي كشف التناقض الفج. فرجال النظام مثل الإعلامي أحمد موسى وصحف موالية وصفت القافلة بأنها «فخ إعلامي يحرج مصر»، بل شككت في نوايا المشاركين وسعت لدفع الرأي العام المصري ضدهم.  المفارقة هنا أن المتحدثين الرسميين يذرفون دموع التنديد بإسرائيل، بينما شقيقاتهم السرية من الأمن تفعّل أعمال العنف ضد متضامنين سلميين.  فبينما طالبت القاهرة علنًا «وقف الحرب» و«تيسير دخول المساعدات»، بيّنت الوقائع أنها منعت أي قافلة محمّلة بأي مساعدة حرة.  هذا الشعار الرنان (دعم صمود الفلسطينيين) يتناقض مع الممارسة (إجراءات قمعية وعرقلة الدعم). وحتى خطوة النشطاء وندائهم المستمر – ذكرًا وإسلامًا (وفق تصريحاتهم) – بمنحهم تصاريح قبل المجازفة بكسر الحصار لم تُلقَ آذانا صاغية مقارنة بالمواقف العربية والدولية الأخرى لم يستجِب أي نظام عربي بشكل حقيقي لهذه المبادرات التضامنية. ففي الجوار المغاربي أُطلقت «قوافل الصمود» من تونس والجزائر وليبيا والمغرب، ولاقت شعبيّة وحماسًا واسعَيْن عند إطلاقه  إلا أن المواقف الرسمية كانت متفاوتة: فقد رحّب الغرب الليبي بالقافلة ووفّر لها الدعم اللوجستي في طرابلس ومصراتة، بينما قضّى شرق ليبيا على مشروعها فجأة وأسْقَطها قسريًا عند بوابة سرت بزعم «عدم وجود إذن»  تونس والجزائر أعلنتا دعمًا ضمنيًا عبر السماح بانطلاق القوافل من أراضيهما، والمغرب سمح بمشاركة مواطنين مغاربة فيها. أما الدول العربية الكبرى (السعودية، والإمارات، والأردن، وغيرها) فإن كل ما صدر عنها هو بيانات عامة تندّد بما يجري في غزة، دون أن تبادر إلى فتح معبر أو تنظيم دعم فعلي؛ فالخطابات الرسمية اكتفت بمطالبة المجتمع الدولي بوقف الحرب.  والأكثر من ذلك، اتخذت الدول المطبعة مع إسرائيل موقف الحياد الفعلي: فمثلًا اعتبر وزير إسرائيلي المشاركين «أعداء للأنظمة العربية» ولا وجود لدولة عربية تجرؤ على المخاطرة بقرار كهذا ضد إسرائيل أو ضغوطها على مصر. باختصار، تميّز المنطق العربي السائد بعدم المساس بما تُقرّه القاهرة، حتى إذا كان يعني التضحية بالإنسانيّات الفلسطينية. الأبعاد الإنسانية والسياسية لرفض الدعم إن منع مصر لهذه القوافل لم يكن مسألة إجراءات أمنية بحتة؛ بل له تداعيات إنسانية وسياسية مأساوية.  إن قطاع غزة اليوم على شفا مجاعة محققة فكثير من الناس يواجهون خطر الموت جوعاً. وقد أكدت منظمات أممية أن نحو نصف سكان القطاع يواجهون «مجاعات محدقة» إن لم يُرَد الحصار والأزمات  وهنا تأتي المبادرات الشعبية لإيصال مساعدات وأصوات صرخات المدنيين خارج إطار السياسة؛ فرفضها يعمّق مأساة غزة ويحاسب ضمائرنا.  من الجانب السياسي، تكشف سياسات القاهرة الرديفة للموقف الإسرائيلي مخططًا أخطر: إذ تؤكد أن القيادة المصرية تختار مصالحها الاستراتيجية (التنسيق الأمني مع واشنطن وتل أبيب) على حساب التضامن العربي والإنساني.  فبحسب شهادات عناصر معنية، كان الهدف الحقيقي لقمع القافلتين ليس حماية مصر بل حماية اتفاقية السلام مع إسرائيل واستمرارها في نهج «حفظ التوازن»  بل إنّ التقارير كشفت عن استغلالٍ مادي للمعركة: فقد اتهم قادة فلسطينيون ورجال أعمال مقربون من النظام المصري بفرض «فدية» تصل إلى عشرة آلاف دولار لكل فلسطيني يرغب…

تابع القراءة

تصاعد الانتقادات الأوروبية ضد إسرائيل: الدوافع والتداعيات

تشهد المواقف الأوروبية من الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 تحولًا تدريجيًا يتجاوز بيانات التنديد الشكلية، ليمتد إلى إجراءات سياسية ودبلوماسية واقتصادية أكثر وضوحًا، مثل مراجعة اتفاقيات الشراكة التجارية، وتجميد التعاون العسكري، والاعتراف المحتمل بالدولة الفلسطينية. ويأتي هذا التحول بعد شهور من الدعم المباشر أو الصمت الغربيين حيال واحدة من أبشع الجرائم الجماعية في التاريخ الحديث، والتي تنطبق عليها كل معايير “الإبادة الجماعية” وفق تقارير أممية ومنظمات حقوقية بارزة1. أولًا: مظاهر تصاعد الانتقادات الأوروبية ضد إسرائيل: في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023، حشدت الدول الأوروبية وبريطانيا دعماً قوياً لإسرائيل، وسُوغ ذلك بـ “حق إسرائيل غير المشروط في الدفاع عن نفسها”، وانعكس هذا الدعم في شكل زياراتٍ متوالية إلى إسرائيل قام بها أغلب القادة الأوروبيين ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا مازولا، فضلًا عن تدفقات السلاح وإرسال قوات عسكرية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لدعم إسرائيل، بالإضافة إلى الدعم القوي في مجلس الأمن من طريق الوقوف ضد أي وقفٍ لإطلاق النار. واللافت أن الأوروبيين في ذلك الوقت قد أيَّدوا بقوة السردية الإسرائيلية التي تختصر الصراع في مجرد حربٍ على الإرهاب، مع القفز على حقائق تعقيد هذا الصراع الممتد منذ ثمانية عقود. وقد اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في ذلك الوقت، وفي خلال زيارة لإسرائيل، فكرة تشكيل تحالف دولي لمحاربة “حماس” على غرار التحالف القائم بالفعل ضد “داعش”. كما ظهر الأوروبيون في صورة التابع للسياسة الأمريكية، حيث اصطفوا وراء إدارة بايدن في تماهٍ تامٍ مع اصطفافهم وراءها في الصراع الروسي الأوكراني. ولذلك حصل انطباع عام على نطاق واسعٍ لدى الدول العربية، والجانب الفلسطيني، وإسرائيل، وحتى لدى الأوروبيين أنفسهم بأن “لا أحد يهتم بما تفكر فيه أوروبا”، وهو ما قوض المصداقية الأوروبية، وجعل صورة أوروبا بوصفها قوةٍ سياسية تدافع عن القانون وحقوق الإنسان، والتي سعت لإبرازها في حرب أوكرانيا، تتدهور بسبب ازدواجية المعايير التي ترسخت عند دول الجنوب العالمي. لكن مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، فضلًا عن التدمير واسع النطاق الذي طال البنية التحتية الأساسية، والمواقف المُعلَنة لحكومة بنيامين نتنياهو حول التطهير العرقي، بدأ موقف الاتحاد الأوروبي يشهد انقسامًا، بين مجموعةٍ من الدول حافظت على موقف داعم ومجموعة أخرى أصبحت تطرح انتقادات بشأن حجم التدخل العسكري الإسرائيلي وتأثيراته. وقد سببت دعوى دولة جنوب أفريقيا على إسرائيل بشأن الإبادة الجماعيّة في ديسمبر 2023، في محكمة العدل الدولية، حرجًا واسعًا للدول الأوروبية، بسبب تصاعد الدعوات الحقوقية والشعبية في أوروبا المنتقدة لإسرائيل، خاصة بعد أن أمرت المحكمة إسرائيل بمنع أي أعمال إبادة، وضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية العاجلة لغزة. وفي يناير 2024 طرح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، خطةً من عشر نقاط “للسلام وإقامة دولة فلسطينية”، في تعارض تام مع موقف حكومة نتنياهو، وفي تأكيد على أن الدعم الأوروبي لإسرائيل لا يعني التخلي عن مبدأ حل الدولتين الذي يشكل أساس السياسة الأوروبية تجاه الصراع. وربما أيضاً في إطار الخروج من السلبية نحو ممارسة دور أكبر كقوة مستقلة عن السياسة الأمريكية. ومع ذلك حافظت الدول الأوروبية الرئيسة على مواقف داعمة لإسرائيل، حيث أوقفت مجموعة من دول الاتحاد، على رأسها فرنسا وألمانيا، تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لبضعة أشهر، بسبب مزاعم بتورط بعض موظفي الوكالة في هجمات 7 أكتوبر. لكن منذ منتصف العام 2024 بدأنا نشهد تحولات غير مسبوقةٍ في المواقف الأوروبية تجاه إسرائيل. في 22 مايو أعلنت أيرلندا والنرويج وإسبانيا اعترافها رسميًا بدولة فلسطين، وهي المرة الأولى التي تتخذ فيها دول أوروبية هذه الخطوة الرمزية منذ أن اتخذت السويد قراراً مماثلاً عام 2014. وفي 30 مايو أعلنت سلوفينيا اعترافها بالدولة الفلسطينية. وفي 29 يونيو تقدَّمت إسبانيا بطلب للانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، لتلتحق ببلجيكا التي أعلنت في مارس من العام نفسه أنها ستنضم لدعم القضية في محكمة العدل الدولية. ومع الذكرى الأولى للحرب، في أكتوبر 2024، أصبحت المواقف المنتقدة لإسرائيل أكثر قوةً وحضورًا داخل المؤسسات الأوروبية، خصوصاً بعد أن أخذ التدخل العسكري الإسرائيلي في لبنان منحى مشابه لما يحدث في غزة. فيما واجهت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين انتقادات من المشرعين لعدم دعوتها إسرائيل صراحة إلى احترام القانون الدولي في أثناء زيارتها إلى تل أبيب. ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، التي ينتمي قطاع منها لفرنسا وأيرلندا، أخذ الموقف الإيرلندي المنتقد لإسرائيل في التجذر، وحصل تحوّل مهم في الموقف الفرنسي، عندما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل. وبعد أسابيع، وتحديدًا في منتصف ديسمبر 2024، أعلنت إسرائيل إغلاق سفارتها في دبلن، مشيرة إلى ما وصفته بـ”السياسات المتطرفة المعادية لإسرائيل التي تنتهجها الحكومة الأيرلندية”. لترد دبلن على هذا الإجراء بالإعلان رسميًا عن انضمامها إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا. أما في بريطانيا، فقد أصدرت حكومة ستارمر بعد أسابيع من تنصيبها قرارًا بتعليق 30 من أصل 350 ترخيصًا لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مشيرة إلى “خطر واضح” من إمكانية استخدام هذه الأسلحة في انتهاك للقانون الدولي. وشملت قائمة العناصر المعلقة مكونات أساسية تستخدم في الطائرات العسكرية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات المسيرة. وفي الوقت نفسه استأنفت تمويلها لوكالة الأونروا، والذي علق في عهد حكومة ريشي سوناك. ودعمت إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد الحكومة الإسرائيلية من طريق التراجع عن معارضة حكومة سوناك لسعي المحكمة إلى إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وحتى قبل الفوز في الانتخابات وتشكيل الحكومة، كان حزب العمال قد تعهد بالاعتراف بدولة فلسطينية، عادًا هذا الاعتراف “مساهمة في عملية السلام”. وقد عززت العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية منذ سقوط نظام الأسد من حدة المواقف الأوروبية ضدها، بوصفها أصبحت عامل توتر في جميع المنطقة ومُهدداً لاستقرار الأوضاع في سورية ما بعد الأسد2. ومؤخرًا، وبالتحديد منذ إبريل 2025، شهد التوتر بين إسرائيل وأوروبا تسارعًا واضحًا، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي: 1- أصدرت ست دول أوروبية (أيرلندا، إسبانيا، سلوفينيا، لوكسمبورغ، النرويج، وآيسلندا) بيانًا مشتركًا، في 7 مايو 2025، اعتبرت فيه محاولات إسرائيل تغيير ديمغرافية غزة وتهجير سكانها، ترحيلًا قسريًا وجريمة بموجب القانون الدولي. كما شدد البيان على أن غزة “جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين”، في إقرار قانوني صريح بمكانة فلسطين، طالما تجنبت حكومات أوروبية النطق به بهذا الوضوح. البيان نفسه وصف الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 2 مارس 2025 بأنه “مانع شامل للمساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية”، وطالب برفعه الفوري دون تمييز أو شروط. 2- أصدرت 22 دولة، من بينها فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، وكندا، بيانًا مشتركًا، في 19 مايو 2025، طالبت فيه إسرائيل…

تابع القراءة

قانون تنظيم الفتوى صراع المرجعية بين الأزهر والأوقاف وفصل جديد من سياسات تأميم المجال الديني

عقدت اللجنة الدينية بمجلس النواب، في 5 مايو 2025، اجتماع لمناقشة “مشروع قانون بشأن تنظيم إصدار الفتوى الشرعية”، المقترح من الحكومة ممثلة في وزارة الأوقاف1؛ بشأن تحديد الجهات المختصة بإصدار الفتاوى2. وكان من أبرز ما جاء في القانون، أن الفتوى المتعلقة بالشأن العام يصدرها كل من هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر، ودار الإفتاء، أما الفتاوى المتعلقة بالقضايا الشخصية والفردية يختص بها، فضلا عن هيئة كبار العلماء، ودار الإفتاء، كل من مجمع البحوث الإسلامية، ولجان الفتوى التابعة لوزارة الأوقاف، حيث ينشئ وزير الأوقاف لجنة أو أكثر للفتوى داخل الوزارة، على أن يكون أعضائها من خريجي الأزهر الشريف. وفي حال تعارض الفتاوى، يكون رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر هو المرجح. على أن تلتزم المؤسسات الإعلامية والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، عند نشر الفتاوى أو تنظيم برامج للفتوى، بالاعتماد فقط على المختصين المحددين في القانون3. ويعاقب القانون من يصدر فتاوى من غير الجهات المنصوص عليها في مشروع القانون، بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفي حال العود، تضاعف العقوبة. ويُعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري المخالف بذات العقوبات إذا ثبت علمه بالمخالفة أو إهماله في منع وقوعها4. وهي نفس العقوبات التي توجهها المؤسسات الإعلامية والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي في حال نشر فتاوى ليست صادرة عن الجهات المختصة بالإفتاء بحسب مشروع القانون المقترح. صراع المرجعية بين الأزهر والأوقاف: أعلن ممثلو الأزهر خلال جلسة اللجنة الدينية بمجلس النواب، رفضهم مشروع القانون؛ بسبب النص على تشكيل لجان تابعة لوزارة الأوقاف يحق لها الفتوى، أما ممثل دار الإفتاء فقد طلب تأجيل مشروع تنظيم إصدار الفتوى لحين دراسته؛ وعلى الرغم من رفض ممثلو الأزهر، وطلب التأجيل من جانب دار الإفتاء، إلا أن اللجنة أعلنت موافقتها المبدئية على مشروع قانون5. وقد أصدر الأزهر، بيانًا، في اليوم نفسه، نفى فيه ما تم تداوله بشأن اقتراح وكيل الأزهر تشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف، خلال جلسة اللجنة الدينية لمناقشة مشروع قانون «تنظيم الفتوى»، وفسر البيان الرفض بأنه “انطلاقًا من الحرص على ضبط الشأن الديني، وإسناد الفتوى للمعنيين بها، وفقًا لأحكام القانون والدستور”6، إذ يحرص الأزهر أن تظل الفتوى العامة مقتصرة على هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء المصرية7. وقد استجاب البرلمان لضغوط الأزهر، إذ وافق في 11 مايو 2025، على كافة المقترحات التي تقدم بها الأزهر، قبل أن يوافق على مشروع القانون. أما المقترحات التي تقدم بها الأزهر على مشروع القانون فقد كانت: وفق التعديل المقترح من الأزهر، يصبح لـ “مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية” الحق في الإفتاء، وكان مشروع القانون قبل التعديل يحرم المركز من إصدار الفتاوى؛ إذ كان يقصر الحق في الإفتاء على هيئة كبار العلماء، مجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء، ولجان الفتوى التابعة لوزارة الأوقاف. كما أن التعديل المقترح يحرم وزارة الأوقاف من أن تشكل منفردة لجان للإفتاء، ويقصر هذا الحق على الأزهر، ودار الإفتاء، وأئمة الأوقاف الذين ينطبق عليهم الشروط. لتصبح بعد التعديل “إنشاء وزير الأوقاف لجان مشتركة من الأزهر والإفتاء و«الأوقاف» برئاسة ممثل الأزهر، ويشترط فيمن يلتحق بهذه اللجان الشروط والضوابط: 1- ألا تقل السن عن 30 سنة. وأن يكون من خريجي إحدى الكليات الشرعية بجامعة الأزهر الشريف. وألا يكون سبق الحكم عليه بعقوبة تأديبية. وأن يكون معروفًا بحسن السمعة معرفًا بالتقوى في ماضيه وحاضره. وأن يكون له إنتاج علمي بارز في الدراسات الإسلامية، واجتاز برامج التدريب والتأهيل التي تعدها هيئة كبار العلماء، ويتم التصديق على اجتياز البرامج من هيئة كبار العلماء، وتضع شروط وحالات الترخيص ونوعه ومدته. ولا يعد الترخيص بالفتوى عبر الوسائل الصحفية والإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي إلا إذا ذكر ذلك صراحًة، وفي حالة المخالفة يحق لهيئة كبار العلماء إصدار مذكرة لوقف الترخيص. و يتم تحديد أماكن عمل ومقرات عمل هذه اللجان بالتنسيق بين الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية والأوقاف»11. بحسب التعديل لا يصبح للأوقاف الحق في تأسيس لجان للفتوى بشكل منفرد، بل يلزم أن تأتي هذه اللجان بشكل مشترك بين الأزهر والأوقاف، برئاسة ممثل الأزهر، ويكون أعضاء اللجان من خريجي إحدى الكليات الشرعية بجامعة الأزهر، وأن يخضع أعضاء هذه اللجان برنامج للتأهيل يعده هيئة كبار العلماء بالأزهر، ويكون الترخيص بمزاولة الفتوى لأعضاء هذه اللجان بتصريح من هيئة كبار العلماء، ويحق للهيئة سحب الترخيص في حال مخالفة الشروط. يمكن القول أن الأزهر لم يستطع أن يفرض رؤيته كاملة في قضية تنظيم الفتوى؛ إذ قبل في النهاية أن تكون هناك لجان للفتوى تابعة للأوقاف، كما أن مشروع القانون قلص الحق في الفتوى على هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، فهو لا يسمح مثلًا لأساتذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر أو غيرهم من المؤهلين بالإفتاء13. لكنه من جهة أخرى، نجح في أن تكون هذه اللجان التابعة للأوقاف، تشكل بمشاركة الأزهر ودار الإفتاء، وأن تكون رئاستها لممثل الأزهر، وأن يكون الإلتحاق بهذه اللجان مرهون باجتياز برنامج تضعه هيئة كبار العلماء، وأن تكون الهيئة هي المخولة بمنح الترخيص بالفتوى، وصاحبة الحق في وقف الترخيص حال المخالفة، وأن تكون الهيئة لها حق الرقابة على هذه اللجان. الدوافع وراء مشروع القانون وتداعياته على سوق الفتاوى في مصر: الاستنتاج الأقرب للبداهة عند التأمل في مشروع القانون، أن القانون محاولة لضبط فوضى الفتاوى في مصر، وقطع الطريق على القنوات غير الرسمية المنتجة للفتوى، إذ يهدف القانون، بحسب التقرير الصادر عن البرلمان المصري، إلى التصدي لنشر فتاوى مغلوطة أو متشددة أو متساهلة، وضمان الالتزام بنشر الفتاوى الشرعية الصادرة من الاختصاصيين، والحماية من الفتاوى المتطرفة أو غير الصحيحة14. كما أنه من جهة أخرى جزء من توجه يستهدف إعادة تنظيم المجال الديني، وبسط مزيد من السيطرة عليه؛ إذ سبقه قرار محكمة القضاء الإداري بتأييد قرار وزير الأوقاف رقم 215 لسنة 2016، بشأن توحيد خطبة الجمعة في المساجد المصرية. وهو ما أكده مراقبون، إذ اعتبروا أن مشروع القانون “سعى إليه الرسميون في المؤسسة الدينية (الأزهر والأوقاف)، وسعت إليه أيضا السلطة السياسية، ولكل منهما دوافعه الخاصة، فوزير الأوقاف، وشيخ الأزهر لهم اهتمام خاص بالتصدي للسلفية والسلفيين”، فالهدف من مشروع القانون “كبت الصوت الموازي للمؤسسة الرسمية، من خلال أدوات الدولة (القانون)، ومن قبل حاولوا من خلال نشر مكاتب معلنة للفتوى في أماكن عديدة، ولكنها لم تلق ترحيبا من الناس”15. في السياق ذاته، ربط البعض بين توقيت ظهور القانون وبين التطورات الإقليمية، من قبيل الإبادة في غزة، التي استدعت ظهور فتاوى تدعو للجهاد في غزة، خلال الفترة الماضية، من قبل كيانات غير معترف بها في مصر مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين16. في المقابل هناك من يرى أن القانون هو فصل جديد من الصراع بين الأزهر والأوقاف على الحق في إصدار…

تابع القراءة

الموقف المصري من مطلب ترامب بمرور السفن الأمريكية مجانًا عبر قناة السويس

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنه ينبغي السماح للسفن العسكرية والتجارية التابعة للولايات المتحدة بالمرور عبر قناتي السويس وبنما دون دفع أي رسوم. وأضاف ترامب في منشور على منصة “تروث سوشيال”، في 26 إبريل 2025، “طلبت من وزير الخارجية ماركو روبيو أن يتولى هذا الأمر فورًا”، معتبرًا أن قناتي بنما والسويس ما كان لهما أن توجدا لولا الولايات المتحدة، على حد تعبيره1. أولًا: دوافع ترامب للمطالبة بالمرور المجاني عبر قناة السويس: يفترض ترامب أن هناك حقوقًا تاريخية أمريكية يتوجب على المصريين سداد مستحقاتها فيما يتعلق بقناة السويس. حيث يعتبر دونالد ترامب أن نصيبًا من أسهم قناة السويس، كان من المفترض أن يذهب إلى الولايات المتحدة حين انطلق مشروع القناة عام 1859. فآنذاك، حاول صاحب مشروع القناة فرديناند دي ليسبس، أن يجعلها شركة عامة دولية موزعة بين 400 ألف سهم، منها 85 ألفًا لإنكلترا وروسيا والنمسا والولايات المتحدة، وبما أن تلك الأسهم “لم تأخذها هذه الحكومات أضيفت إلى حصة مصر”. كما أن سنوات الحرب الأهلية الأمريكية بين الأعوام 1861 و1864 أدت إلى إعاقة تصدير القطن الأمريكي إلى أوروبا، فمالت الدول الأوروبية إلى القطن المصري، وبذلك ارتفعت صادرات الأقطان من مصر إلى أوروبا من 596 ألف قنطار عام 1861 إلى مليونين ونصف مليون قنطار عام 1865، الأمر الذي أنتج ثراءً مصريًا أسهم في تكوين مشاريع تنموية عديدة. ويذهب باحثون آخرون إلى القول إن جزءًا هامًا من عائدات القطن المصرية كانت تُصرف في تمويل قناة السويس. فضلًا عن دور الولايات المتحدة بالتشارك مع الاتحاد السوفيتي (روسيا حاليًا) في إيقاف حرب السويس عام 1956، أو ما يُعرف بالعدوان الثلاثي الذي شنته إسرائيل وفرنسا وبريطانيا على مصر بعد اتخاذ الرئيس المصري جمال عبد الناصر قرارًا بتأميم قناة السويس، في 26 يوليو 1956، وذلك عبر تقديم الولايات المتحدة قرار إلى مجلس الأمن “يدعو إلى وقف النار فورًا، ويلمح إلى إدانة إسرائيل بالعدوان”. وهو ما أدي إلي إعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة في مارس 1957، بعد توقف قسري دام أشهرًا عدة. وعندما دخلت القناة مرة أخرى مرحلة الإغلاق الملاحي بعد حرب يونيو 1967، فإنها فتُحت مرة أخري بفضل الجهود الأمريكي عبر وزير الخارجية الأمريكية هنري كسينجر بين مصر وإسرائيل، والتي نجحت في التوصل إلي اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل عام 1974، ما مهد الطريق لإعلان الرئيس أنور السادات فتح القناة مجددًا في أواخر مارس 1975، وليستمر فتح القناة دون تعثر عقب توقيع مصر وإسرائيل معاهدة كامب ديفيد عام 1978، بوساطة أمريكية. وبناءً على ما تقدم، يرى ترامب أسهمًا أمريكية ضائعة في الاكتتاب الأول لقناة السويس قبل 150 عامًا، إضافة إلى أن التمويل المصري للقناة جاء على حساب الخرائب التي خلفتها الحرب الأهلية الأمريكية، والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة عملت مرتين لإعادة فتح قناة السويس بعد إغلاقها جراء حربين. وعلى ذلك، ألا يحق لها التعويض، ويكون لها نصيب في القناة؟2. ويسعي ترامب من خلال ذلك (العبور المجاني عبر قناة السويس) إلي تحقيق أهداف عدة، تتمثل أبرزها في: يذكر أن الولايات المتحدة تشن حملة عسكرية واسعة ومكثفة على المناطق الخاضعة للحوثيين في اليمن منذ الخامس عشر من مارس 2025. وقد أفادت شبكة CNN بأن التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية تقترب من مليار دولار في أقل من 3 أسابيع، على الرغم من أن تأثير الهجمات كان محدودًا في تدمير قدرات الجماعة التي تصنفها واشنطن كـ”جماعة إرهابية”5. وقدر البنك المركزي المصري أن عائدات قناة السويس انخفضت بنسبة 62.3% إلى 1.8 مليار دولار في الفترة من يوليو 2024 إلى ديسمبر 2024، بعدما كانت 4.8 مليارات دولار في نفس الفترة من العام السابق6. ويريد ترامب أن يتم التعامل مع قناة السويس كما تم التعامل مع قناة بنما، فقد أفادت وكالة الصحافة الفرنسية بقرب السماح للقوات الأمريكية بالانتشار حول قناة بنما وفقًا لاتفاق ثنائي، وهو “تنازل كبير حصلت عليه واشنطن” حتى لو لم تتمكن من إقامة قواعد عسكرية. وبحسب الاتفاق الذي وقعه كل من وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث -الذي زار بنما مؤخرًا- ونظيره البنمي فرانك أبريغو، سيتمكن الجيش الأمريكي والشركات العسكرية الخاصة العاملة مع الولايات المتحدة من استخدام المواقع المسموح بها والمنشآت والمناطق المخصصة للتدريبات والأنشطة الإنسانية. كما ينص الاتفاق -ومدته 3 سنوات قابلة للتجديد- على أن المنشآت ستكون ملكًا للدولة البنمية، وستكون مخصصة “للاستخدام المشترك” من جانب قوات البلدين8. وفي هذا السياق، يمكن قراءة التقارير الإعلامية التي تتحدث عن أن السعودية عرضت السماح للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة، بهدف تولى الجيش الأمريكي تأمين قناة السويس ومنع دخول أي سفن مشبوهة يحتمل استخدامها في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى قطاع غزة أو الأراضي اللبنانية، خاصة تلك القادمة من إيران. بجانب حصول السعودية على حماية أمريكية في حال تعرضها لأي هجوم9. ثانيًا: الموقف المصري من مطلب ترامب بمرور السفن الأمريكية مجانًا: علي الرغم من أن الاعتبارات التاريخية والقانونية والسياسية تصب في صالح مصر وضد الولايات المتحدة فيما يتعلق بمطالب المرور المجانية عبر قناة السويس. حيث يؤكد كثيرون علي أنه لا فضل للولايات المتحدة في تأسيس قناة السويس، كما يدعي ترامب. فعندما تم العمل علي مشروع قناة السويس في عهد والي مصر سعيد باشا منتصف القرن التاسع عشر، بجهود قادها المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس؛ شاركت الولايات المتحدة حينها إلى جانب دول أخرى في تمويل الامتياز الممنوح لشركة القناة، لكنها انسحبت لاحقًا بعد أن اعتبرت المشروع غير مجد اقتصاديًا، وهو ما أدى بمصر إلى الاستدانة لاستكمال الحفر. ومن ثم، فإن ادعاء ترامب بأن القناة مدينة لأمريكا عار من الصحة العلمية والتاريخية. كما أن قناة السويس، التي افتتحت في 17 نوفمبر 1869، تُدار وفق نظام قانوني معترف به، يستند إلى اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، إضافة إلى قرار رئيس الجمهورية عام 1975، وجميعها تؤكد سيادة مصر على القناة. فقد أكد اتفاق القسطنطينية لعام 1888 علي حياد القناة، واعترف بسيادة مصر عليها، وأقر حقها في تحصيل رسوم المرور، مع منع الأعمال العسكرية في القناة، ومنح الدولة المصرية – ممثلة آنذاك في الخديوي والسلطان العثماني- حق اتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عنها. تأكدت هذه السيادة المصرية لاحقًا عبر معاهدة 1936، واتفاقيات الجلاء مع بريطانيا عامي 1936 و1954. وعندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم القناة عام 1956، نص في المادة الأولى من قانون التأميم على تعويض المساهمين وحملة الحصص، مما أقر استرداد حقوق الغير بشكل مشروع. وقد رسخت القوانين المصرية الحديثة حقوق السيادة والإدارة على القناة. فقد نص القانون رقم 161 لسنة 1963 على إمكانية الحجز الإداري ضد السفن الممتنعة عن دفع الرسوم. كما أكدت المادة الثامنة من القرار الجمهوري رقم 30 لسنة 1975، أن…

تابع القراءة

ما وراء توتر العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر

تمر العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر منذ قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلي الحكم في يناير 2025 بحالة كبيرة من التوتر علي خلفية عدة قضايا، تتمثل في: أولًا: إقامة قاعدة أمريكية في جزيرتي تيران وصنافير: كشف موقع “مدي مصر”، نقلًا عن مسؤولين أوروبيين ومصريين وإقليميين، أن الولايات المتحدة تتناقش مع حلفائها الإقليميين حول إحداث تغيير جذري في منظومة الأمن بالبحر الأحمر، بما يضعها في طليعة القوى المراقبة لهذا الممر البحري. وتبقى المسألة الأكثر إلحاحًا على أجندة الولايات المتحدة هي التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي في اليمن. فمنذ نوفمبر 2023 استهدفت الجماعة على الأقل 100 سفينة تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق، ما أسفر عن غرق سفينتين، والاستيلاء على ثالثة، ومقتل أربعة من أفراد الطواقم. وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، شنت، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، غارات على مواقع الحوثيين في اليمن، أما إدارة الرئيس الحالي، دونالد ترامب، فأطلقت، في 15 مارس 2025، حملتها الخاصة على اليمن، تحت اسم عملية “راف رايدر”. وتوعد ترامب باستخدام “قوة فتاكة ساحقة” حتى تتوقف الجماعة المتمردة المدعومة من إيران عن استهداف حركة الشحن في الممر البحري الحيوي. وقد نُفذت في اليوم الأول من الحملة ما لا يقل عن 40 غارة جوية في أنحاء متفرقة من اليمن، خاصة في العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة. وبحلول نهاية مارس، وبعد 15 يومًا من بدء الحملة، تجاوز عدد الضربات الجوية أي شهر سابق منذ بدء الضربات الأمريكية في اليمن. وتكبد كثافة الضربات وتواترها، الولايات المتحدة تكاليف مالية باهظة. ووفقًا لشبكة CNN، بلغت التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية الأمريكية في اليمن، مع بداية أبريل 2025، قرابة مليار دولار، رغم أن تأثيرها في تقويض قدرات الحوثيين ما زال محدودًا. ومن المرجح أن يلجأ البنتاجون إلى طلب تمويل إضافي من الكونجرس لمواصلة العملية، لكن الموافقة على هذا الطلب تبقى غير مؤكدة في ظل الانتقادات المتصاعدة للعملية داخل أروقة الكونجرس. هذه التكاليف المتزايدة أصبحت مصدر قلق واضح للإدارة الأمريكية، ويمثل هذا أحد جوانب ما “تتوقعه في المقابل”. وفي أوائل أبريل 2025، طالب ترامب انخراطًا عسكريًا وماليًا أكبر من مصر في المعركة ضد الحوثيين، معتبرًا أن أي دعم لوجيستي يمكن أن تقدمه مصر للهجمات الأمريكية في اليمن ليس كافيًا لواشنطن. من جانبها، أوضحت مصر أنها لا تملك الموارد المالية اللازمة لتقديم دعم مادي. وعندما رفضت مصر تقديم دعم مالي للمهمة الأمريكية في مارس 2025، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية السفارة المصرية في واشنطن أنها ستعيد النظر فيما ستطلبه من القاهرة في المقابل. وبحسب الفهم السائد في القاهرة هو أن تصريح ترامب بأن على مصر السماح بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس مجانًا، هو نتيجة مباشرة لهذا الطلب السابق. إلا أن هذا الطلب وضع مصر في مأزق لأن الاستجابة له قد تفتح الباب أمام مطالب مماثلة من دول أخرى، ما قد يقوض أحد أهم مصادر الدخل القومي التي تعتمد عليها مصر، وهي إيرادات القناة. ورغم عدم صدور موقف رسمي من القاهرة، فإن مصر لم تعلن رفضها الطلب، لكنها شكلت لجنة لدراسة كيفية الرد على الطلب الأمريكي. ورغم الضغوط التي تواجهها مصر للمشاركة في العمليات ضد اليمن، سواء من الولايات المتحدة أو من حلفائها الخليجيين، وخاصة السعودية والإمارات. ورغم تأثر مصر بشكل مباشر من تعطل حركة الملاحة في البحر الأحمر، فإنها تدرك أن المطالب الأمريكية والخليجية تهدف بالأساس إلى حماية مصالح تلك الأطراف أكثر من كونها سعيًا لاستعادة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس. كما أن القاهرة لا ترغب في تكرار الورطة التي وقعت فيها في ستينيات القرن الماضي عندما دعمت قوات الجمهورية العربية اليمنية الثورية، خصوصًا بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها مصر في هذه الحرب. ناهيك عن أن الحوثيين في اليمن ليسوا قوة يمكن هزيمتها بسهولة، بالنظر إلى طبيعة اليمن الجغرافية، وسيطرتهم على البلاد منذ 2015، وتحكمهم في إمكاناتها، وطردهم للحكومة الشرعية، إلى جانب الدعم الواسع الذي يتلقونه من إيران ودول أخرى مثل الصين. كذلك، فإن مصر تري أن الولايات المتحدة هي من بدأت الحرب مع الحوثيين دعمًا لإسرائيل، وكان الأجدر بها، قبل أن تطلب الدعم من أصدقائها وحلفائها في المنطقة، أن تضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة وسوريا ولبنان. ولذلك؛ رفضت مصر المشاركة عسكريًا في الحملة الأمريكية علي الحوثيين، واكتفت بعرض تقديم المشورة بشأن المخاطر الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر. وفي ضوء هذا الرفض المصري للمشاركة المباشرة بالضربات الجوية على اليمن، فإن السعودية عرضت السماح للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة، بهدف تولى الجيش الأمريكي تأمين قناة السويس ومنع دخول أي سفن مشبوهة يحتمل استخدامها في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى قطاع غزة أو الأراضي اللبنانية، خاصة تلك القادمة من إيران. ومن المتوقع أن يكون هذا المقترح السعودي على جدول أعمال زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية في منتصف مايو 2025. ويتمثل أحد الأهداف الأساسية لهذا المقترح هو حصول السعودية على حماية أمريكية في حال تعرضها لأي هجوم. وتثير المقترحات الجديدة الخاصة بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة انقسامًا داخل دوائر صنع القرار في القاهرة، إذ عبر بعض المسئولين عن رفضهم التام بشأن وجود عسكري أمريكي محتمل لعدة أسباب، تتمثل في: في حين أشار آخرون إلي أن مصر ليست في موقع يمكنها من رفض الطلب السعودي بشكل قاطع، وأنها قد تضطر في نهاية المطاف إلى البحث عن سبل تضمن تحقيق بعض التنازلات لصالحها حيث قد تطلب مصر في المقابل السماح لها بتعزيز وجودها الأمني على الساحل الشرقي لجنوب سيناء. وفي السياق ذاته، فإن وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، ناقش خلال زيارته إلى السعودية، الأسبوع الماضي، مع المسؤولين في المملكة مسألة تفعيل “منتدى البحر الأحمر” المؤجل، حيث أعد الجانبان سلسلة من الاتفاقيات الأمنية المتعلقة بالبحر الأحمر، يرغبان في توقيعها خلال الاجتماعات. وكانت مصر وافقت في 2016 على نقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية، في خطوة رأت فيها القاهرة فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية وجذب الاستثمارات السعودية، لكنها أثارت موجة احتجاجات واسعة داخل البلاد ومعركة قانونية طويلة. ونُظمت التظاهرات يوم عيد تحرير سيناء، ذكرى انسحاب إسرائيل من شبه الجزيرة في 1982، ووصف بعض النشطاء الخطوة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ”الخيانة العظمى”. ورغم مصادقة البرلمان رسميًا على الاتفاقية وتوقيع الرئيس عليها، فإن عملية نقل السيادة لم تُستكمل، ما أدى إلى فتور في الدعم السعودي بعدما كان أكثر سخاءً فيما مضى. ففي عام 2023، لم تكن القاهرة قد توصلت بعد إلى اتفاق مع الرياض وتل أبيب بشأن مضمون الرسائل الرسمية المتبادلة التي يفترض أن تُستكمل بها عملية نقل السيادة بشكل نهائي، كما أن تفاصيل الترتيبات الأمنية التي يجب أن تسبق صياغة هذه الرسائل لا تزال محل خلاف. حيث أن…

تابع القراءة

على واقع اغتيال (غنيوة), كيف هي خريطة المشهد في ليبيا؟

تشهد ليبيا حالة انقسام بين حكومتين متنافستين: حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة (المعترف بها دولياً وإقليمياً)، وحكومة الاستقرار الوطني المقامة في بنغازي بقيادة أسامة حماد بدعم من المشير خليفة حفتر. فالحكومة الغربية (طرابلس) نشأت عبر عملية أممية في 2021 بقيادة الدبيبة، بينما أُعلِن عن الحكومة الشرقية (بقيادة فتحي باشاغا ثم حماد منذ مايو 2023) عبر برلمان شرق البلاد (طبرق) عام 2022، ورفض الدبيبة تسليم السلطة لحين إجراء انتخابات. الشرعية والدعم: تحظى حكومة الوحدة الوطنية بدعم تركيا وقطر والأمم المتحدة وغالبية المجتمع الدولي. أما حكومة الشرق (الاستقرار)، فهي مدعومة رئيسياً من مجلس النواب الشرقي وقوات الجيش الوطني بقيادة حفتر، وتحظى بدعم مصر والإمارات وروسيا بدرجات مختلفة. البرلمان الشرقي لم يمنح هذه الحكومة اعترافاً دولياً رسمياً، ما يجعل شرعيتها محل خلاف، في حين لا تزال الأمم المتحدة تعترف رسمياً بحكومة الدبيبة. أهم التطورات السياسية (يناير 2024 – مايو 2025): استمر الجمود السياسي بعد فشل إجراء الانتخابات المقررة ديسمبر 2021. مارس 2022: منح البرلمان الشرقي الثقة لحكومة برئاسة باشاغا، ودخلت في نزاع مع حكومة الدبيبة التي رفضت الرحيل. مايو 2023: حل البرلمان باشاغا وعوّضه أسامة حماد. طوال 2024، واصلت الأمم المتحدة والسفراء الغربيون الضغط لإعادة وحدة المؤسسات والعودة إلى مسار الانتخابات (صيغت مقترحات جديدة في نهاية 2024 لتجاوز نقاط الخلاف الانتخابية). مع حلول أوائل 2025، لم تُحسم الخلافات؛ بل ضاعفت زيارة حماد إلى القاهرة (مايو 2025) توتر العلاقة مع طرابلس التي اعتبرت مصر تخريبية. تضخمت رسالة مصر الداعية لحكومة موحدة جديدة «بلا سياسيين سابقين» في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه قوات حفتر تحركات عسكرية نحو الغرب. الوضع الأمني الميليشيات الرئيسية في طرابلس: تهيمن على مشهد العاصمة عدة فصائل مسلحة بارزة، منها «جهاز دعم الاستقرار» بقيادة عبد الغني الككلي (غنيوة)، ولواء 444 قتال بقيادة محمود حمزة، و«قوة الردع الخاصة»، و«لواء 111»، إضافة إلى تشكيلات أخرى مثل «فرسان جنزور» و«رحبة الدروع» في تاجوراء. هذه الميليشيات كانت سابقاً موزّعة على مشيخات متعددة، لكنها باتت اليوم تندرج أساساً تحت جناح حلفاء الدبيبة. الميليشيات في مصراتة: تتوزع فيها أيضاً فصائل مسلحة قوية، أبرزها كتائب الطيبّين (المعروفة محلياً)، و«لواء المحجوب» و«كتائب 777» التي حشدها المحور الشرقي. شاركت هذه القوى في الصراع عبر دعمها لأطراف متباينة في السلطة. بعض الكتائب أعلنت الحياد (مثل «لواء الصمود»)، لكن الأهم هو تمركز كتائب مصراتة في المدينة وموانئها ومطارها تحت نفوذ جماعات متحالفة أو مستقلة. خريطة السيطرة: تخضع مدن الغرب، خصوصاً طرابلس ومحيطها، بقوة لحكومة الدبيبة وميليشياتها، بينما يسيطر الجيش الوطني (حفتر) على معظم مناطق الشرق وجنوب البلاد. ففي طرابلس تسيطر القوات الموالية للدبيبة على وسط المدينة وأغلبها الغربية، فيما كانت ضواحي الجنوب (مثل حي أبو سليم) مواقع للتوتر والاشتباكات الأخيرة. بعد اشتباكات مايو 2025 أعلن الجيش التابع لحكومة الوحدة استعادته كامل منطقة أبو سليم وحصر الميليشيات الأخرى فيها. أما مطار معيتيقة الدولي (طرابلس) فتعطّلت رحلاته مؤقتاً وتحولت العمليات إلى مصراتة كإجراء احترازي. في مصراتة، تتركز السيطرة على المدينة والبنية التحتية تحت لواء ميليشيات محلية شبه متحالفة، مع وجود جزئي لقوات شرق ليبيا حول بعض النقاط الحساسة. الفاعلون الدوليون الدعم الدولي لكل طرف: تتولى تركيا وقطر تأييد حكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة)، فالمخابرات التركية زارت طرابلس في 2024 للتنسيق مع قيادتها، وقد أقامت أنقرة تعاوناً عسكرياً عبر إرسال قوات تدريب ودعم للجيش الليبي الموالي للدبيبة. في المقابل، تدعم مصر والإمارات وروسيا بشكل تقليدي المحور الشرقي بقيادة حفتر/حماد. التفاهمات المصرية – الإماراتية مع حفتر معروفة تاريخياً، وشاركت الضغوط الدبلوماسية بمطالبة حل سياسي جديد لصالح حكومة شرق ليبيا. وجود القوات الأجنبية والمرتزقة: تحتفظ تركيا بوجود عسكري محدود (عناصر تدريب ومراقبة) لدعم طرابلس منذ 2020. وتعدّ روسيا حاضرة عبر مرتزقة مجموعة فاغنر المنتشرين في شرق البلاد، وإن كان تراجع دورهم نسبياً مؤخراً. كما أشارت تقارير سابقة إلى وجود مستشارين وعناصر أمن مصرية في ليبيا المحسوبة على حفتر. الأسباب الحقيقية وراء اشتباكات طرابلس – مايو 2025: الشرارة المباشرة لاشتباكات طرابلس الأخيرة كانت اغتيال عبد الغني الككلي “غنيوة”، قائد “جهاز دعم الاستقرار”، داخل مقر “لواء 444 قتال”. لكن هذا الحدث جاء نتيجة تراكمات سياسية وأمنية وليس صدفة منفصلة. العلاقة بين الدبيبة وغنيوة لم تكن مستقرة في الشهور الأخيرة، بل شابها توتر متصاعد بسبب خلافات على ملفات التعيينات الأمنية وتقاسم النفوذ داخل العاصمة، وخصوصًا السيطرة على الموارد والوزارات السيادية. يشير بعض المراقبين إلى أن عبد الحميد الدبيبة حاول تقليص نفوذ غنيوة مؤخرًا لصالح أطراف أكثر قربًا منه، مثل قيادة اللواء 444، أو عبر دعم كتائب أصغر موازية، ما أدى إلى إحساس غنيوة بالتهميش. كما راجت تقارير في مارس وأبريل 2025 تفيد بوجود صراع داخلي على السيطرة الأمنية بين جهاز دعم الاستقرار ولواء 444 على خلفية توزيع المهام ومراكز النفوذ، خصوصًا في مناطق مثل أبو سليم وعين زارة. بالتالي، يمكن اعتبار الاشتباك انفجارًا متأخرًا لصراع نفوذ مكتوم بين فصائل داخل المعسكر ذاته (معسكر الدبيبة)، لا يعكس انقسامًا أيديولوجيًا، بل صراعًا على من يتحكم بالعاصمة فعلًا. وهذا النوع من الصراعات يُظهر هشاشة التحالفات التي بُنيت عليها حكومة الوحدة الوطنية، حيث الميليشيات أقوى من الدولة، وأحيانا أكثر قدرة على فرض أجندتها. مشهد الاشتباكات:شملت المظاهر العملية لهذه المعارك انتشاراً لعشرات المركبات المسلحة في الشوارع وأغلقت شوارع رئيسية بالحواجز والتدابير الأمنية. انتهت الغالبية العظمى من المواجهات صباح الثلاثاء (13 مايو) بعد تدخل قوات الدبيبة المدعومة عسكرياً. لم تظهر أنباء عن استخدام الطيران الحربي أثناء اشتباكات مايو 2025 في طرابلس. لكن وسائل الإعلام أشارت إلى إطلاق نار كثيف وقصف مدفعي في ضواحي العاصمة (مثل عين زارة والساحل). هذا دفع الحكومة لإغلاق مطار معيتيقة بشكل مؤقت، والتحول إلى نقل الرحلات لمطار مصراتة كإجراء احترازي. بوجه عام، بدا الاشتباك محتدماً بأسلحة الجيش الثقيلة (مدافع هاون ومضادات طيران ثقيلة) دون رصد تدخل جوي خارجي موثق. الجانب الإنساني والإعلامي الضحايا والإصابات: أكد مركز الطوارئ الليبي استعادة ستة جثث من مواقع الاشتباكات في أبو سليم، كما ذكرت وكالة الأنباء الأميركية أن ستة أشخاص على الأقل قُتلوا. وقالت مصادر طبية إن نحو ستة آخرين جُرحوا، دون توضيح ما إذا كانوا مدنيين أو مقاتلين. لم تُشر التقارير إلى أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، لكنّها تحدثت عن محتجزين في المنازل وإجلاء بعض العائلات بسيارات إسعاف من مناطق الاشتباك. أوضاع المدنيين: عمّ الذعر وسط السكان في طرابلس. ودعت وزارة الداخلية المدنيين إلى البقاء في منازلهم. وأفادت وسائل إعلام محلية بانقطاع جزئي للكهرباء في مناطق متفرقة نتيجة قصف البنى التحتية. كما أعلنت إدارة مطار معيتيقة تعليق الرحلات ونقلها إلى مصراتة مخافة تصعيد الاشتباكات. المدارس والجامعات في العاصمة أغلقت أبوابها مؤقتاً صباح الثلاثاء 13 مايو، فيما بدا واضحاً أن الحياة العامة تأثرت بحالة…

تابع القراءة

الفتاوى المسيسة حول طوفان الأقصى والإبادة في غزة

عن الخيال الاستبدادي لرجال الدين وصراع المرجعية تقرأ كثير من الفتاوى المعاصرة، خاصة في الشؤون السياسية، التي تشغل الرأي العام، تدرك أنها اختيارات سياسية لأصحابها، مغلفة في لغة دينية. وعادة ما تجد هذه الفتاوى تكشف عن أمرين؛ الأول: أن أصحابها يستخدمون النصوص الدينية بصورة متعسفة لتبرير تحيزاتهم السياسية. الثاني: أن إدراك أصحابها للواقع وتعقيداته ضعيف للغاية، وفي أحيان كثيرة يتسم بالسطحية والسذاجة. ينجم عن هذا المسلك أن تصير الفتاوى الدينية مادة للاستقطاب وتصفية الحسابات، كما تصبح مادة دعائية لصاحبها وفريقه، بدل من كونها خطاب الشرع للمكلفين. كما أنها تغلق الطريق أمام أي نقاش حقيقي بخصوص الواقع وأحداثه ومقترحات التعامل معه، إذ أن ما يقدمه المفتي هو خطاب الشرع ومن ثم التشكيك فيه والخروج عليه هو ردة أو على الأقل بدعة أو سوء تقدير وقلة دين. وفي ظل فوضى الفتاوى، وتناقضها مع بعضها البعض، تفقد الفتوى السياسية مصداقيتها، ويتراجع تقدير الشارع لها واستنادهم إليها في تحديد مساراتهم السياسية. الفتاوى المسيسة والمزاج السلفي: نستشهد في هذا السياق بفتوى1 أطلقها باحث سلفي ينتمي لسلفية الإسكندرية، عن موقفه “الشرعي” من طوفان الأقصى؛ بمعنى “كيف يقيم حدث الطوفان من منظور شرعي؟”.في البداية يبني الكاتب فتواه على فرضيتين: الأولى: أن الفتوى تتغير بـ (تغير الواقع، تغير العلم بالواقع، تغير رؤيتك للواقع). الثانية: أن المقاومة حق وواجب. لكنه يعود ويقيد ممارسة هذا الحق وتحمل هذا الواجب بشرطين، هما: ميزان القدرة والعجز، ومعيار المصلحة والمفسدة. بعد هذه المقدمات النظرية يؤسس رفضه لقرار الطوفان بالاستناد إلى 4 أسباب: (1) أن قرار الطوفان كان من نتائج تضييق دائرة الشورى داخل حركة حماس. (2) ظهور أصوات علماء من غزة تنكر ما حدث. (3) ظهور أصوات مثقفين وطلاب وناس عاديين من فلسطين تنتقد الطوفان. (4) أن قرار الطوفان نجم عنه نتائج كارثية وكشف عن خلل هائل في موازين القُوَى بين المقاومة والاستعمار الإسرائيلي. لا يكتفي الباحث بالقول أن قرار الطوفان كان فيه تسرع دون اعتبار للمصالح والمفاسد وموازين القوى، وفق حسابات واقعية خالصة، إنما يسعى إلى نزع الغطاء الديني عنه بالكلية؛ عبر الإشارة إلى أن “العهد المطلق” لا يجوز الابتداء بنقضه، وفي حال نقضه الطرف المعاهد، يصبح الأمر للحاكم المسلم، أن ينقض العهد، أو أن يستبقيه؛ إذا رأى في ذلك مصلحة للمسلمين؛ كأنه يقول أن المعاهدة مع إسرائيل هو عهد مطلق لا يصلح البَدَء بنقضه، وفي حال نقضته دولة الاحتلال، يصبح للحاكم الخِيار إما الرد بالمثل أو الإبقاء على المعاهدة القائمة. ويعيب هذا الطرح أمور؛ الأول: أنه احتكم في قراءة الواقع إلى مفاهيم قديمة لا تعبر بالضرورة عن الواقع، دون أن يتساءل إن كان معجم مفاهيم جهاد الدفع وجهاد الطلب ينطبق على حال أهل فلسطين مع الكيان الإسرائيلي، وهل معطيات من قبيل الإبادة والتهجير والاستعمار الاستيطاني الإحلالي يصلح التعامل معه باستخدام هذا المعجم. هذا الاستخدام بدوره يكشف عن أمرين؛ أولهما: ضعف التكوين الفقهي للباحث، إذ يستخدم مفاهيم متقادمة دون أن يفكر لحظة في مساءلة نفسه عن مدى صلاحيتها في محاكمة واقع شديد الاختلاف عن البيئة التي ظهرت فيها هذه المفاهيم. وثانيهما: أنه لم يتوقف لحظة أمام حجم الإجرام الإسرائيلي بحق أهل فلسطين وغزة، الذي لا يصح وصفه بأنه صراع تقليدي بين احتلال ومقاومة، إنما هي عملية إبادة وتهجير للسكان، وتصفية ممنهجة للوجود الفلسطيني؛ فإن ما يجري في غزة ليس “معركة بالمعنى الذي تعنيه كلمة المعركة، بل هو عدوان من جهة واحدة على شعب أعزل؛ إبادة وتدمير ومحو أحياء ومدن بأكملها من الخارطة”2. الثاني: أن تقييم الباحث بشكل سلبي لقرار الطوفان يستند إلى معايير واقعية ومصلحية، ما يعني أن الأمر يقبل تعدد وجهات النظر، بالتالي من غير الرشيد أن تقدم رأيك في الطوفان باعتباره موقف شرعي، في حين أنه مبني على قراءتك أنت للواقع وتقييمك له، فأين الشرعي هنا. وكان من الضروري أن يحاول الوقوف على المبادئ والمقدمات التي استندت إليها المقاومة في اتخاذ قرار الطوفان. هذا فضلا عن كون قراءة الباحث للواقع، التي استند إليها في بناء فتواه، اتسمت بالانهزامية والسطحية والسذاجة. أن الفتوى التي أعلنها الباحث، وتتفق مع ما أفتى به زعيم الدعوة السلفية السكندرية الشيخ ياسر برهامي عن طوفان الأقصى وسبل التعاطي معه عربيًا وإسلاميًا على مستوى الشعوب والحكومات، جاءت كاشفة عن المِزَاج السلفي المحافظ؛ فهو محافظ من جهة تماشيه مع الموقف السعودي من الطوفان، ومن جهة أنه جاء محكومًا بمنطق صفري، أبيض أو أسود، إما نقض المعاهدة والدخول في حالة حرب، أو الإبقاء عليها مهما تغيرت الظروف وتبدلت السياقات، دون أن يعي أن هناك مسارات لدعم الشعب المحاصر دون نقض المعاهدة، إنما بالضغط على الكيان الإبادي في تل أبيب، عبر استخدام أدوات دبلوماسية واقتصادية وشعبية. الفتاوى المسيسة عند جماعات الإسلام السياسي: الفتوى المسيسة لم يفلت منها أحد، فهي لدى كل ألوان الطيف الإسلاموي3، بل هي ممارسة قديمة، “حتي رصد الجلال السيوطي عددا منها، وحذر النووي والتاج السبكي وغيرهما الفقهاء من تسييس الفتوى، ووقع فيها عدد من الفقهاء بغية مصالحهم السياسية أو المادية، مثل العلامة الجلال البلقيني (ابن شيخ الإسلام سراج الدين)! وأهم من كتب فيها الجويني في غير موضع!”، وهي تكشف اليوم عن أزمة فقهية؛ من جهة أولى، فإن الفقيهُ المستقلّ عن المصالح اليوم غير موجود، الفقيه المستقل عن الحزب/ الطائفة/ الفرقة/ الجماعة/ الدولة، غير موجود، الفقيه المستقل ماديًا يأكل من عمل يده غير موجود!، ومن جهة أخرى، فإن الجميع يسعى إلي التكلم باسم الشريعة وحصرها في جماعته أو دولته، ويرى عيوب غيره وخِلال نفسه، فهو معصوم وخصمه مأفون!4“. في 9 أبريل 2025، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى5 بشأن “استمرار العدوان على غزة ووقف الهدنة”، يصح اعتبارها خطابًا تعبويًا أكثر من كونها فتوى؛ فقد جاءت مغرقة في المثالية، وأبعد ما تكون عن الواقع؛ فهي تضع الجميع أمام مسؤوليته، لكن أصحابها أنفسهم لا يتوقعون تحققها ولا ينتظرون ذلك، وهذا يعيبها بالضرورة. فالدعوة إلى وجوب جهاد الكيان، والتدخل العسكري ضده، والتوقف عن إمداده بالسلع وعدم تسهيل وصولها إليه، وبناء تحالف من الدول الإسلامية كافة لـ “حماية بلاد الإسلام والدفع عن دينها ودمائها ومقدراتها وقرارها وأعراضها”، ومراجعة المعاهدات معه من طرف الدول الإسلامية، مع تحريم التطبيع، معروف أنها مطالب يستحيل تحققها على الأقل في المدى المنظور، في ظل الواقع العربي الراهن بمشكلاته وتعقيداته وحالة الانهيار في جميع دوله البادية للعيان؛ فالمنطقة والعالم في مرحلة انتقالية، يصعب معها توقع اتخاذ سياسات جذرية وحاسمة في ملفات دقيقة وخطرة.ثم أن مطالبة العلماء بوجوب جهاد العدو، والضغط على حكوماتهم بذلك، ومطالبة الشعوب المسلمة بإمداد إخوانهم في غزة بكل ما يقدرون عليه من الدواء والغذاء والكساء والوقود ونحوها، حتى في حال رفض حكوماتهم، يفتح بابًا واسعًا للعنف الدولتي في مواجهة العلماء والشعوب، عنف قد يقود…

تابع القراءة

عِلاقة المجتمعات المهمشة والدولة..غياب التنمية وسيادة منطق العنف

شهدت الفترة الماضية وقوع توترات بين جهاز الشرطة ومجتمع النجيلة في مطروح، وقبلها، مع أهالي قرية العفاردة بساحل سليم في أسيوط بصعيد مصر؛ هذه التوترات حدثت بشكل أساسي من جرّاءِ العنف العاري من أية شرعية الذي مارسته قوات شرطة بحق أفراد بهذه المجتمعات، وهو ما قاد بالضرورة إلى عنف مضاد. أنكرت الداخلية كما هو معتاد تورط أفرادها في عمليات قتل خارج إطار القانون، لكن شهادات المواطنين أكدت حدوث ذلك. نحاول في هذه السطور استعراض هذه الحوادث مع محاولة طرح تفسيرات لها. الصدام بين الشرطة والمجتمع في مطروح: في مطروح، في 9 أبريل الماضي، قتل ثلاثة أمناء شرطة، هم: عمر المصري، ومحمد حسن سلامة، وكريم محمد خليفة، وجميعهم من قوة المباحث في قسم شرطة النجيلة بمحافظة مطروح، خلال تبادل لإطلاق النار، مع شخص محكوم عليه بالسجن 35 عامًا. فمَا كان من قوات الشرطة هناك إلا احتجاز نحو 20 سيدة من أقارب المشتبه به، بغرض استخدامهن كرهائن في الضغط عليه وعلى أقاربه من أجل تسليم نفسه1.بعد تدخل عدد من الأعيان بالمنطقة، جرى الاتفاق على إطلاق سراح السيدات، مقابل تسليم الشابين يُوسُف عيد فضل السرحاني، وفرج رباش الفزاري (17، 18 عام) كبديل عن السيدات المحتجزات لحين ضبط المتهم، بالرغم من عدم تورطهما في الواقعة الأصلية، فمَا كان من الشرطة هناك إلا تصفية الشابين -حَسَبَ شهود- على طريق مطروح – السلوم، فيمَا أعلنت وزارة الداخلية2 في بيان تصفية الشابين خلال تنفيذ حملة أمنية بهدف اعتقالهما، مع وصفهما بـ “العناصر الإجرامية شديدة الخطورة”3، وهو ما نفاه شهود عيان4، ثلاثة منهم كانوا ضمن المجلس الذي اتفق على تسليم الشابين للحكومة بهدف إخلاء سبيل السيدات5. كما نفت الوزارة في بيان لها، صادر في 11 أبريل 2025، “احتجاز سيدات على خلفية استشهاد أفراد من المديرية أثناء تنفيذهم لأحكام قضائية ضد عناصر إجرامية شديدة الخطورة6“، على الرغم أن خبر احتجاز السيدات ذكره كثير من شهود العيان بالمنطقة، كما ذكره نقيب المحامين الأسبق وأحد أعضاء هيئة الدفاع عن سيدات مطروح ممدوح دربالة، وأشار إليه بيان مجلس العمد والمشايخ في محافظة مطروح. ردًا على ما حدث، عقد مجلس العمد والمشايخ في محافظة مطروح اجتماعًا طارئًا، في 12 أبريل 2025، أسفر عن قرار المجلس بـ (1) تعليق جميع أشكال التعاون مع أجهزة الشرطة بالمحافظة. (2) المطالبة بلقاء عاجل مع رئيس الجمهورية لتوضيح الموقف ونقل صوت أبناء مطروح. (3) الإدانة التامة والمطلقة لأي شكل من أشكال احتجاز النساء أو استخدامهن كرهائن في أي نزاع7. كما أسفر الاجتماع عن تشكيل لجنة (14) بمشاركة نقِابة المحامين هناك، وقد خلصت اللجنة إلى استكمال المسار القضائي ورفض كل الحلول والمسارات الأخرى، والدعم الكامل لهيئة الدفاع، والتعاون الكامل معها، في كل الإجراءات القانونية التي تتخذ حفاظًا على حقوق أولياء الدَّم وشباب الصحراء المغدور بهم، وفي كشف كل التجاوزات والانتهاكات التي وقعت من قٍبل جهاز الشرطة في محافظة مطروح أمام قيادات الدولة ومؤسساتها8. خط الصعيد… المجتمع والشرطة خارج القاهرة: شهدت قرية العفاردة بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط، في يومي 15 – 16 فبراير 2025، اشتباكات بين قوات الأمن وعائلة هناك، استعانت خلالها الشرطة بوحدة “بلاك كوبرا” المختصة بالعمليات الخطرة، “كما استُخدمت خلال الاشتباكات الأسلحة الثقيلة مثل القذائف المضادة للدروع، ما أسفر عن تدمير جزء من البنية التحتية للقرية”، كما أسفر عن سقوط قتلى من الجانبين9؛ إذ سقط ضابط من قوات الشرطة في أثناء المواجهات، إضافة إلى إصابة 6 آخرين بينهم جنود، من جانب المدنيين سقط محمد محسوب كبير إحدى العائلة التي اشتبكت مع الأمن، وشقيقه، وأحد أولاده، وخمسة من معاونيه، كما قتل 4 من الأهالي، إما لتصادف وجودهم في مواقع الاشتباك أو من جراِء الرَّصاص العشوائي10. وفقًا لبيان وزارة الداخلية فإن القوات داهمت مجموعة من الخارجين على القانون، يتزعمهم محمد محسوب، لكن المجموعة بادرت بإطلاق النار تجاه القوات كما فجروا أسطوانات غاز للحيلولة دون تمكين القوات من الوصول إليهم11. أما الرواية التي يطرحها محمد محسوب، في أكثر من فيديو، فهي أنه بريء من القضايا التي لفقت له، وأن استهدافه وأخوه وأقاربه إنما هي جزء من ممارسات انتقامية يرتكبها ضباط فاسدون12، وأنه متهم في قضايا ملفقة13. الدولة والمجتمعات المهمشة… غياب التنمية وغلبة منطق العنف: تصبح الشرطة خارج القاهرة أكثر تحررًا من القانون، وتستند في تعاملها مع المواطن إلى قواعد عرفية، منها: أن جهاز الشرطة ذات طبيعة قبلية؛ فإذا استهدف أحد أفرادها ثأرت له حتى على حساب الابرياء وخارج إطار القانون. أنها في حالة صراع مفتوح مع المطلوبين للعدالة، فلا مانع من القبض على أقربائه لإجباره على تسليم نفسه، أو هدم منزله ومنازل أقربائه، وتدمير زراعته، وقد شهدنا وقوع بعض هذا الممارسات في أحداث النجيلة الأخيرة في مرسى مطروح، كما شهدناه بصورة سافرة في الأحداث التي انتهت بمقتل محمد محسوب إبراهيم، بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط، في فبراير الماضي. خلال كل حالات القتل خارج إطار القانون، تحرص وزارة الداخلية على تقديم رواية رسمية، تتجنب فيها الحديث عن أية انتهاكات يمكن أن يكون أفرادها قد تورطوا فيها؛ فتنفي احتجاز سيدات للضغط على المطلوبين وأهلهم، وتنفي تصفية مواطنين خارج القانون، وتنفي أن يكون الأفراد الذين تم تصفيتهم سلموا أنفسهم بشكل طوعي، فيمَا يحرص الإعلام الرسمي وشبه الرسمي على ترويج الرواية الرسمية فـ “الشرطة لا تقتل المدنيين المسالمين”، وأن وزارة الداخلية تحرص بشدة على ألا يصاب طفل أو سيدة من أهله خلال الاشتباك»، وأن المواطن المقتول هو عنصر شديد الخطورة، وأن التصفية نهاية «حتمية لأي حد يرفع السلاح في وش الدولة»14. في حين تؤكد شهادات الأهالي على شيوع الممارسات العنيفة للشرطة في الصعيد، التي تدور بين التصفية والاعتقال والإجبار على شراء السلاح وتسليمه للشرطة، وهدم المنازل وتدمير الأراضي الزراعية، وإجبار الأهالي على تسليم ذويهم، بل واستهداف هؤلاء الأهالي في حال رفضهم الانصياع، عنف الشرطة في الصعيد خلال السنوات الأخيرة تؤيده الأرقام؛ إذ تَبَعًا لِرصد أجراه «مدى مصر» في 12 يناير الماضي، قُتل نحو 42 مواطنًا في صعيد مصر خلال 45 يومًا، في أثناء حملات «الداخلية» على «البؤر الإجرامية»15. ليس هناك ما يبرر عنف الشرطة بحق مجتمعات الأطراف، لكن يفهم فقط في إطار حرص الدولة على إبقاء هذه المناطق تحت السيطرة، في ظل غياب التنمية وتفشي الفقر، وغياب الخِدْمَات، وغياب الدولة نفسها إلا عبر وجهها العنيف؛ إذ أن غياب التنمية وتفشي الفقر يقود إلى شيوع الجريمة وانتشار العنف، ومن ثم فإن السعي لإبقاء الأمور تحت السيطرة إما بتنمية هذه المجتمعات أو استبدال التنمية بالقمع والعنف وهو ما يحدث. الخاتمة: بالتأكيد في دائرة العنف تكون الغلبة لأجهزة الدولة، لكن مع انتصارها تفقد الدولة شرعيتها وهويتها وتصبح مجرد ميلشيا احتكارها هو السبيل الوحيد لبقائها واستمرار سيطرتها؛ وهو ما يجعلها هشه في مواجهة أية تحديات حقيقية. ما…

تابع القراءة

تصاعد الاحتجاجات داخل الجيش الإسرائيلي علي الحرب في غزة: الدوافع والتداعيات

تصاعدت الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب في غزة داخل وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي بوتيرة متسارعة الأيام الماضية، والتي تطالب باستعادة الأسرى حتى لو كان ذلك على حساب وقف الحرب، وسط تهديدات من رئاسة الوزراء وقيادة الجيش بفصل الضباط والجنود المنضمين إلى هذه المطالبات. وانضم مئات من وحدات عسكرية جديدة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذين يتنوعون بين قوات احتياط يمكن استدعاؤهم للخدمة وآخرين متقاعدين، وبينهم قيادات بارزة سابقة وأكاديميون وأطباء عسكريون، إلى العرائض المطالبة باستعادة الأسرى من قطاع غزة عبر وقف حرب الإبادة على الفلسطينيين1. أولًا: تصاعد الاحتجاجات داخل الجيش الإسرائيلي علي استمرار حرب غزة: نشر 1000 جندي احتياطي حالي وسابق في سلاح الجو الإسرائيلي، في 10 أبريل 2025، رسالة تدعو إلى إعادة جميع الأسرى المحتجزين في قطاع غزة “حتى لو كان ذلك على حساب إنهاء الحرب” على القطاع. ودعت الرسالة، التي وقعها أيضًا رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق دان حالوتس، والقائد السابق لسلاح الجو اللواء احتياط نمرود شيفر، والرئيس السابق لسلطة الطيران المدني العقيد متقاعد نيري يركوني، إلى عودة فورية للأسرى الإسرائيليين، مشيرين إلي أن استمرار الحرب كان “لأسباب سياسية”. وكتب الجنود في الرسالة: “نحن، مقاتلو الطاقم الجوي في الاحتياط والمتقاعدين، نطالب بعودة المختطفين إلى ديارهم دون تأخير، حتى على حساب الوقف الفوري للأعمال العدائية (الحرب)”. وأضافوا: “في هذا الوقت، تخدم الحرب بشكل أساسي المصالح السياسية والشخصية، وليس المصالح الأمنية. إن استمرار الحرب لا يسهم في تحقيق أي من أهدافها المعلنة وسيؤدي إلى مقتل المختطفين وجنود الجيش الإسرائيلي والمدنيين الأبرياء، وكذلك استنزاف قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي دون جدوى استراتيجية واضحة”. وتابعوا: “كما ثبت في الماضي، فإن التوصل إلى اتفاق (وقف إطلاق نار في غزة وتبادل أسرى) وحده كفيل بإعادة الرهائن سالمين، بينما يؤدي الضغط العسكري بالأساس إلى قتل الرهائن وتعريض جنودنا للخطر، دون أن يحدث اختراقًا حقيقيًا في مسار إعادتهم (الأسري)”. وفي ختام العريضة، وجه جنود الاحتياط دعوة إلى جميع الإسرائيليين للتعبئة العامة، من أجل المطالبة بوقف القتال الفوري وإعادة الرهائن فورًا، مشددين على أن “كل يوم يمر يعرض حياة المختطفين للخطر، وكل لحظة تردد إضافية تمثل وصمة عار أخلاقية ووطنية”2. أعقب ذلك، توقيع مئات من جنود وضباط الاحتياط بالوحدة 8200 الاستخبارية الإسرائيلية، في 11 أبريل 2025، رسالة تدعو لوقف الحرب على غزة من أجل إعادة الأسرى. وقالت “القناة 13” العبرية التي نشرت نص الرسالة: “وقع مئات جنود الاحتياط في الوحدة 8200 على رسالة وقف الحرب وإعادة الرهائن”. وشدد الموقعون على أن الحرب لا تحقق أهدافها، بل “تزيد من المخاطر على حياة الرهائن والجنود، وتستنزف قوات الاحتياط، وتؤدي إلى تراجع الالتزام بالخدمة”. وجاء في نص الرسالة: “نتفق مع الادعاء الخطير والمقلق بأن الحرب في هذا الوقت تخدم بالأساس مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية”.​كما ورد فيها: “نحن لا نقبل بواقع يواصل فيه المستوى السياسي الحرب كأمر مسلم به، دون أن يخبر الجمهور ما هي استراتيجية تحقيق أهداف الحرب” واتهموا الحكومة بعدم تقديم أي خطة مقنعة للإطاحة بحركة “حماس” في قطاع غزة، وقالوا: “نرى حماس تسيطر على قطاع غزة وتجند نشطاء جدد في صفوفها، في حين أن الحكومة لا تقدم خطة مقنعة للإطاحة بها”. فيما قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية إن حوالي 150 ضابطًا من سلاح البحرية وجهوا رسالة إلى الحكومة دعوا فيها إلى وقف الحرب، مؤكدين أن “59 مخطوفًا لا يزالون في غزة”. ووفق الصحيفة، جاء في الرسالة التي وُجهت إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، وأعضاء الكنيست وقيادة الجيش: “نحن مواطنون قلقون، خدمنا ونخدم كضباط عملياتيين وقتاليين في سلاح البحرية، نشأنا على قيم الجيش والدولة وكرسنا سنوات من حياتنا للدفاع عن الوطن”. وأضافوا: “نشعر بدافع عميق لإسماع صوتنا في هذه اللحظة المصيرية، لا يزال 59 مخطوفًا في أنفاق حماس، والدولة تبتعد أكثر فأكثر عن التزامها بإعادتهم، وندعو إلى وقف الحرب”. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: “وقع نحو 100 طبيب عسكري من قوات الاحتياط رسالة تدعو إلى وقف القتال لإعادة المختطفين”. وقالوا في رسالتهم، وفق إذاعة الجيش: “بصفتنا ضباطًا طبيين نخدم في قوات الاحتياط التزامًا بقدسية الحياة، وروح الجيش الإسرائيلي، وقسم الأطباء، وتعبيرًا عن المسؤولية المتبادلة في المجتمع الإسرائيلي، نحذر من أن استمرار القتال والتخلي عن المختطفين يتعارض مع هذه القيم، والتزام القوات الطبية بعدم التخلي عن أي من أبناء شعبنا”. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: “بحسب المنظمين فإن الغالبية العظمى من الموقعين هم في الخدمة الاحتياطية الفعلية، ومن المتوقع أن يوقع المزيد على الرسالة في الأيام المقبلة”. ونقلت عن المبادرين لهذه الرسالة (لم تسمهم): ” لدينا ثقة في رئيس الأركان (إيال زامير) وقادة الجيش بأنهم سيرسلوننا فقط في المهام المناسبة، نحن لا ندعو إلى عدم الحضور (الخدمة العسكرية) أو حتى التلميح إليه، سوف نقف دائمًا إلى جانب نداء دولة إسرائيل، ولكننا نريد لبلدنا أن تبقى عيناها مفتوحتين”3. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، 14 أبريل، أن نحو 150 جنديًا إسرائيليًا خدموا في لواء غولاني وقعوا علي عريضة تطالب بإعادة الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، ولو كان الثمن وقف الحرب فورًا. وقالت الإذاعة إن الموقعين أكدوا في بيان “تأييدهم لرسالة الطيارين الموقعة يوم 9 أبريل الحالي التي تطالب بإعادة الأسرى إلى إسرائيل دون تأجيل، حتى إن كان الثمن وقف الحرب فورًا”. ويعد لواء غولاني من وحدات النخبة القتالية في الجيش الإسرائيلي، وشارك في معظم الحروب التي خاضها جيش الاحتلال منذ تأسيسه4. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، 15 أبريل، أن 500 من خريجي دورة قادة الاحتياط بسلاح البحرية، وقعوا على عريضة تدعو إلى إعادة الأسرى ووقف الحرب. وأشارت هيئة البث إلى أن من بين الموقعين على العريضة التي تدعو لوقف الحرب “4 من القادة السابقين لسلاح البحرية”. فيما نقلت منصة إعلامية إسرائيلية أن 472 مقاتلًا سابقًا في الوحدات الخاصة في الاحتياط، يؤيدون إعادة الأسرى ووقف القتال في غزة5. وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن ضباط احتياط وعناصر ناشطون وسابقون في وحدات جمع المعلومات التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” وقعوا رسالة احتجاج، جاء فيها: “نحن نعتقد أن الحرب في هذه المرحلة تخدم مصالح سياسية وشخصية، وليس أهدافًا أمنية. إن استمرار القتال لن يحقق أي هدف من أهدافه المعلنة، بل سيؤدي إلى وفاة مخطوفين وجنود ومدنيين أبرياء. كما نشعر بقلق من تآكل حافز جنود الاحتياط وارتفاع نسب الغياب عن الخدمة العسكرية، وهي ظاهرة مقلقة للغاية”. وأصدر نحو 250 عنصرًا سابقًا في جهاز الموساد، بينهم ثلاثة رؤساء سابقين، بيان دعم لـ”رسالة الطيارين” جاء فيه: “نحن، الذين خدمنا سابقًا في الموساد، نعبر عن دعمنا الكامل لرسالة الطيارين التي تعكس قلقنا العميق على مستقبل الدولة. نضم صوتنا إلى الدعوة للتوصل فورًا إلى اتفاق يعيد جميع الأسرى الـ59 إلى ديارهم، ولو كان الثمن وقف القتال”. كما انضم عناصر سابقون في جهاز الأمن…

تابع القراءة

ملفات زيارة نتنياهو إلي واشنطن: التوافقات والخلافات

وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 6 أبريل 2025، إلى واشنطن في زيارة استمرت يومين، التقي خلالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب1. وتثير زيارة نتنياهو، وهي الثانية لواشنطن منذ وصول ترامب للحكم من جديد في 20 يناير 2025 تساؤلات كثيرة، خاصة أن زيارته الأولى كانت قبل شهرين فقط (وبالتحديد في 4 فبراير 2025). وشهد الشهران الماضيان تطورات مختلفة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والأوضاع المتوترة بالشرق الأوسط، إذ أعادت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، وتجمد الحوار حول إنهاء الحرب على القطاع والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة. كما صعدت إدارة ترامب بشدة ضد إيران بما يتعلق بملفها النووي والصاروخي، وشنت واشنطن هجمات شبه يومية على الحوثيين في اليمن. وقبل أيام، شملت التعريفات الواسعة التي فرضها الرئيس ترامب على دول العالم فرض 17% تعرفة إضافية على جميع الصادرات الإسرائيلية إلى أمريكا. يذكر أنه قد تم الاتفاق على هذه الزيارة عبر مكالمة هاتفية، في 3 أبريل، أثناء وجود نتنياهو في المجر، بطلب من نتنياهو لمناقشة التعريفات الجديدة التي فرضها ترامب الذي اقترح أن يأتي نتنياهو إلى البيت الأبيض للحديث عن تلك القضية وغيرها من القضايا الثنائية والإقليمية. وقال مكتب نتنياهو إنه سيناقش مع ترامب “الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق المحتجزين بغزة، والعلاقات الإسرائيلية التركية، والتهديد الإيراني، ومواجهة المحكمة الجنائية الدولية”2. وتحاول هذه الورقة الوقوف علي أبرز ملفات المباحثات بين نتنياهو وترامب (فيما عدا ملف غزة الذي تم تناوله في تقرير منفصل)، وإبراز مواضع الاتفاق والخلاف بين الطرفين حول هذه الملفات. أولًا:: ملف النووي الإيراني: خلال ولايته الرئاسية الأولى، اعتمد ترامب سياسة “الضغوط القصوى” على إيران، إذ أعلن بشكل أحادي انسحاب بلاده من الاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي، وإعادة فرض عقوبات على طهران التي ردت بالتراجع تدريجيًا عن التزاماتها ضمن الاتفاق. وزادت العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضها ترامب على إيران وإشرافه على عمليات مثل اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليمان من حدة الخلافات ودفعتها إلى حافة المواجهة العسكرية. وعقب عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، عاود ترامب اعتماد سياسة “الضغوط القصوى” تجاه طهران3، والتي تمثلت في: 1- رسالة ترامب: بعث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، استهلها بالتعبير عن رغبته في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعيدًا عن سنوات النزاع وسوء التفاهم والمواجهات غير الضرورية التي شهدتها العقود الماضية، كما أبدى استعداده لتحقيق السلام، ورفع العقوبات، ودعم الاقتصاد الإيراني ومع ذلك، لم تخل الرسالة من التحذيرات، حيث تضمنت تهديدات بإجراءات صارمة، بما في ذلك احتمال شن هجوم عسكري وفرض عقوبات إضافية على إيران، في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي خلال شهرين. 2- الموقف الإيراني من التفاوض :وفقًا لوكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إيرنا”، نقلًا عن وزير الخارجية عباس عراقجي أن إيران ترفض التفاوض بشكل مباشر تحت سياسة الضغوط القصوي حول برنامجها النووي، لكنها منفتحة حول التفاوض بشكل غير مباشر عبر سلطنة عمان كوسيط للتواصل، مشيرًا في ذلك إلى عدم ثقة طهران من إجراء مفاوضات مباشرة مع ترامب نظرًا لانسحابه الأحادي من الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس أوباما عام 2015، وأنه لا جدوي من تلك المفاوضات مثلما ذكر خامنئي ذلك عدة مرات قبل سنوات. 3- رؤية واشنطن: يدرس البيت الأبيض الاقتراح الإيراني بشأن المفاوضات غير المباشرة، حيث يرى البعض أن التوصل إلى اتفاق ممكن، وأن المفاوضات المباشرة تعد أداة أكثر فاعلية، رغم عدم اعتراضهم على دور الوساطة العمانية بين البلدين. في المقابل، يعتبر آخرون أن هذه المفاوضات مجرد مناورة إيرانية لكسب الوقت وتحقيق أهدافها، ويؤيدون توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب حشد قوات عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط تحسبًا لأي تصعيد عسكري محتمل. 4- التحركات الأمريكية: أرسل البنتاجون ست قاذفات من طراز B-2، ما يمثل ثلث أسطول القاذفات الشبحية التابعة للقوات الجوية الأمريكية، إلى جزيرة دييجو جارسيا في المحيط الهندي. وتتميز هذه القاذفات بقدرتها على حمل قنابل تزن 30,000 رطل،مصممة لتدمير الأهداف الصلبة والمحصنة تحت الأرض. كما يشمل الحشد العسكري مقاتلات من طراز F-35، ومن المتوقع وصول مجموعتين من حاملات الطائرات، هما USS Harry S. TrumanوUSS Carl Vinson، خلال الأسبوعين المقبلين، في خطوة وُصفت بأنها رسالة مباشرة إلى إيران، سواء لوقف دعمها للحوثيين في اليمن أو للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.  وكثف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضربات الجوية ضد الحوثيين منذ منتصف مارس 2025، وأشار مسؤولون في إدارة ترامب إلى أن الضربات الأمريكية على مواقع الحوثيين في اليمن وجهت رسالة تحذير إلى طهران. 5- قوة  الردع الإيرانية: في ظل التصعيد العسكري، دعت القوات المسلحة الإيرانية إلى توجيه ضربة استباقية للقاعدة الأمريكية البريطانية في دييجو جارسيا، قبل أن تستخدمها الولايات المتحدة لشن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية. وأكد مناصرو النظام الإيراني أنه كان ينبغي استهداف الجزيرة، قبل أن تتمركز فيها القوات الأمريكية بمعداتها العسكرية. في المقابل، يقترح بعض الخبراء والسياسيين الإيرانيين إطلاق صواريخ تحذيرية باتجاه الجزيرة دون استهداف أي منشآت، وذلك لإرسال رسالة ردع إلى واشنطن. وتضم القاعدة حوالي 4000 عسكري بريطاني وأمريكي. ومن جانبه، علق المرشد الإيراني علي خامنئيعلى تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيرًا إلى أن العداء مع الولايات المتحدة وإسرائيل ليس بجديد، مستبعدًا وقوع هجوم أمريكي، لكنه حذر من رد إيرانيقوي في حال حدوث أي اعتداء. في السياق ذاته، هدد قائد الحرس الثوري الإيراني باستهداف 50 ألف جندي أمريكي في المنطقة، مؤكدًا أن إيران قادرة على ضرب ما لا يقل عن 10 قواعد عسكرية أمريكية منتشرة في الشرق الأوسط4. ويتصدر الملف النووي الإيراني قائمة القضايا الخلافية بين إيران والولايات المتحدة إذ تشتبه بلدان غربية، تتقدمها الولايات المتحدة، في أن طهران تسعى إلى التزود بالسلاح النووي. وتنفي طهران هذه الاتهامات وتؤكد أن برنامجها النووي مصمم لأغراض مدنية. ولا يخفي ترامب امتعاضه من “النفوذ الإقليمي لإيران” ويرى في دعم طهران لجماعات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والفصائل المسلحة في العراق، تهديدا للاستقرار الإقليمي وحلفاء واشنطن (إسرائيل)5. وفي خطوة مفاجئة، قال الرئيس ترامب، في المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض، الذي أعقب المباحثات الثنائية مع نتنياهو، إن واشنطن وطهران تجريان “محادثات مباشرة”. وأضاف: “نجري محادثات مباشرة مع إيران، وقد بدأت وستستمر، يوم السبت (12 أبريل) لدينا اجتماع مهم للغاية، وسنرى ما يمكن أن يحدث. وأعتقد أن الجميع متفق على أن التوصل إلى اتفاق سيكون أفضل”. وأشار ترامب إلى أنه يفضل التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي على المواجهة العسكرية. وقال ترامب: “الجميع موافق على أن إبرام اتفاق سيكون مفضلًا على القيام بما هو واضح، وما هو واضح أمر لا أريد صراحة أن أكون ضالعًا فيه، وبصراحة، لا تريد إسرائيل أن تكون ضالعة فيه إذا ما أمكن تجنبه”6. وبإعلانه إجراء مباحثات مباشرة مع طهران في سابقة، يكون ترامب قد نقل الملف بعيدًا عن مخاطر الصراع العسكري وخفف سياسة الضغوط القصوى التي اعتمدها منذ وصوله إلى البيت الأبيض. ورغم أن إيران أكدت أن المفاوضات ستكون بشكل غير مباشر…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022