حذف الآيات والأحاديث من المناهج الدراسية وعلاقتها بتغيير الهوية الإسلامية لمصر

 

 

 

في جلسة الأحد 14 فبراير 2021م، ناقشت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب بتشكيلته الجديدة خطة وزارات الثقافة والأوقاف والتعليم  في مواجهة ما أسمته بالتطرف والإرهاب. وفجَّر «رضا حجازي»، نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، مفاجأة مدوية؛ حيث كشف أمرين: الأول، أن هناك توجيهات (لم يكشف هوية هذه التوجيهات.. وبالطبع هي توجيهات عليا من السيسي وأجهزته) بحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة من مادتي اللغة العربية والتاريخ، واقتصادرها على مادة الدين فقط؛ بذريعة أن ذلك يعمل على نشر «الأفكار المتطرفة». أما الثاني، فقد كشف أن الوزارة قد وافقت على اقتراح قدمه النائب «فريدي البياضي» بشأن تدريس مادة جديدة تتضمن القيم المشتركة بين الدين الإسلامي والمسيحية واليهودية، إضافة إلى تدريس مبادئ التسامح والعيش المشترك في مختلف مراحل التعليم الأساسي، وفق مقترحه.

وبحسب مضابط الجلسة، فقد شرح «البياضي» وجهة نظره مدعيا أن هناك خطورة حقيقية في وضع النصوص الدينية في مواد اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، معتبرًا أن ذلك «يعطي مجالًا للمعلمين غير المؤهلين لتفسير هذه النصوص تفسيرات متطرفة وهدامة»، حسب قوله. لافتاً إلى أن هناك العديد من الدراسات المتخصصة التي استنتجت تأثير هذا الأمر على نشر الافكار المتطرفة، دون أن يحدد هذه الدراسات، وطالب وزارة التربية والتعليم بوضع خطة لمناهضة «التطرف». ومن جانب آخر، استنكر البياضي ما وصفه بحالة التجاهل للحقبة القبطية في مناهج التاريخ؛ وطالب السيسي ووزارة الأوقاف والأزهر بتجديد الخطاب الديني، واعتبر أن بداية هذا التجديد يجب أن تبدأ من مادة الدين في مراحل التعليم الأساسي. وفقا لتصريحاته في مضابط الجلسة.[[1]]

هذه التصريحات أصابت المجتمع المصري بصدمة؛ فمعروف أن 95% من المصريين مسلمون، وأمام حالة الغضب التي سادت أوساط المصريين ومواقع التواصل الاجتماعي، اضطر رضا حجازي بعدها بيومين فقط إلى نفي هذه التصريحات، زاعما أن ذلك شائعة روجت لها مواقع التواصل الاجتماعي نقلا عن المواقع الإخوانية المعادية للدولة بهدف زعزعة استقرار الدولة بنشر الشائعات المستمرة لإثارة البلبلة بين الرأي العام!.[[2]]

هذه التوجهات من جانب نظام 3 يوليو 2013م،  يمكن رصدها وتحليلها من ثلاثة جوانب: الأول، يتعلق بمخططات ومحطات تغيير المناهج الدراسية، والثاني، يتعلق بعلاقة تغيير المناهج بتوجهات النظام فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني وتدشين دين جديد على هوى النظم الحاكمة بدعوى التعايش بين أصحاب الديانات الثلاثة الإسلام والنصرانية واليهودية، والثالث هو مستهدفات النظام نحو إجراء تحولات كبرى على هوية مصر الإسلامية بما يجعلها أكثر علمانية وأكثر بعدا عن الإسلام.

 

التلاعب بالمناهج الدراسية

مسألة مراجعة المناهج الدراسية في مصر مستمرة منذ عقود، ومن دواعي الأسف أنها لا ترتبط بمقتضيات تطوير التعليم، إنما تجري وفق هوى النظام. ولعل أبرز محطات التلاعب بالمناهج الدراسية هو ما جرى في أعقاب اتفاق كامب ديفيد “مارس 1979م” فقد كان من شروط هذا الاتفاق المشئوم تعديل المناهج لتصبح أكثر تجاوبا مع أجندة القوى الدولية، وتحت لافتة “السلام” تم الحذف ــ بشكل متدرج ــ لكل ما له علاقة بالعداء مع الكيان الصهيوني بهدف دمج إسرائيل في المنطقة والقبول بالتطبيع معها باعتبارها كيانا طبيعيا وليس احتلالا استيطانيا؛ وبناء عليه تمت مراجعة المناهج وصياغتها بما يتفق مع متطلبات السلطة وهواها. منذ ذلك الوقت والأمور تسير على نهج التخفف من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والمواضيع المرتبطة بهما، وعمدت وزارة التعليم في مصر عام 2015 إلى حذف دروس كاملة عن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع، بدعوى أنها تحرض على العنف. وكانت وزارة التربية والتعليم شكلت لجنة من الخبراء التربويين في مارس/آذار 2015 لمراجعة مناهج مراحل التعليم “لتنقيحها من كافة الأفكار التي تدعو إلى العنف والتطرف”، وكذلك الأفكار السياسية والدينية التي يمكن إساءة فهمها، بالإضافة إلى إزالة الحشو والتكرار، طبقا لبيان وزاري.

وكان تطوير المناهج الدراسية بدعوى تنقيحها من المواضيع والنصوص الخاطئة، ضمن توصيات منتدى الوسطية الذي عقد في مايو/أيار 2015 بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف تحت عنوان “تجديد آليات الخطاب الديني”، حيث طالبت الوثيقة “بتطوير المناهج الدراسية، وطريقة تكوين الدعاة، فضلا عن الدعوة لتعاون مؤسسات وقطاعات الدولة لإنتاج خطاب يتناسب مع ظروف العصر”. وفي إبريل/نيسان 2015، قامت وكيلة وزارة التربية والتعليم بمحافظة الجيزة بثينة كشك بحرق عشرات الكتب في فناء مدارس فضل بفيصل، في واقعة جاءت بعد دعوة السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، وتفنيد كتب التراث مطلع عام 2015، بدعوى أنها تحرض على العنف والإرهاب. لكن منظمات حقوقية -من بينها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان- أعربت عن قلقها البالغ إزاء الواقعة، واعتبرتها انتهاكا صارخا لحرية الإبداع الفني والأدبي المكفولة بموجب الدستور المصري والمواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.[[3]]

السلطة العسكرية في مصر لم تدخر منذ الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو/تموز 2013 جهدا في تعديل المناهج الدراسية على مستوى كل المراحل التعليمية بما يتناسب مع مخططها لإعادة كتابة التاريخ وفق رؤيتها. واستهدفت السلطة ثورة 25 يناير وجماعة الإخوان المسلمين بشكل أساسي في التغييرات بمناهج التعليم، حيث اختزلت الثورة اختزالا في أسباب اندلاعها وأحداثها، كما مس الإخوان التشويه. و لم تتحمل السلطة في مصر بيت شعر يحمل كلمة “إخواني” ضمن نشيد يتعلمه تلاميذ المرحلة الابتدائية فعدلتها إلى “خلاني” ليصير بدلا من “هيا هيا يا إخواني.. نبني وطنا للإنسان” إلى “هيا هيا يا خلاني.. نبني وطنا للإنسان”. وحذفت وزارة التربية والتعليم فصلا كامل من منهج التاريخ للصف الثالث الثانوي يتحدث عن فساد الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال فترة حكمه، والذي أدى إلى اندلاع الثورة. كما أسقطت ذكر الحركات والحملات التي رفعت لواء المعارضة ضد نظامه مثل حركتي “6 أبريل” و”كفاية” وتعامل قوات الأمن بالقوة مع المتظاهرين وسقوط قتلى خلال المظاهرات.

وفي تقرير لها، قالت صحيفة واشنطن بوست إن السلطة في مصر تعمدت حذف كل ما له علاقة بثورة 25 يناير من المناهج الدراسية بحيث لا يكاد يُلحظ اليوم وجود لها في المناهج. وبنفس أسلوب إخفاء الأحداث، عمدت وزارة التربية والتعليم إلى قص شخصيات لها دورها السياسي خلال السنوات الماضية مثل حذف اسم د. محمد البرادعي -الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005- من المناهج الدراسية للصف الخامس الابتدائي. وأمام ذلك، دفع النظام بشخصيات جديدة صورها على أنها أبطال مثل محمود بدر مؤسس حركة “تمرد” التي تولت جمع توقيعات لسحب الثقة من الرئيس المعزول، وزميله محمد عبد العزيز، وكذلك المستشارة تهاني الجبالي وهي من معارضي الرئيس مرسي. غير أن وزارة التربية تراجعت وحذفت ما يتعلق بشخصيات حركة “تمرد” من مناهج العام الدراسي الحالي. أما جماعة الإخوان، فنالت نصيبها من التشويه في المناهج الدراسية، إذ قُدمت باعتبارها جماعة استبدت بالحكم وكانت تحمي مصالحها فقط وتعاقب معارضيها ولم تجسد أيا من المطالب الشعبية في الحرية والكرامة والعدالة. كما حذفت أسماء وصور قادتها مثل د. سعد الكتاتني -الذي كان رئيسا لبرلمان 2012 المنحل- والنائب د. محمد البلتاجي، من منهج التربية الوطنية للثانوية العامة. وذكر كتاب التاريخ للثانوية العامة الرئيس (مرسي) بأنه “انحرف عن مسار ثورة يناير فثار الشعب في 30 يونيو/حزيران لتعديل مسار الثورة”. في المقابل، لم يحدث أن أقدمت جماعة الإخوان على تغيير المناهج التعليمية خلال فترة حكمها، وفق تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة حقوقية).[[4]]

 

الترويج للدين الجديد

التوجيهات التي تحدث عنها نائب وزير التعليم حول حذف الآيات والأحاديث النبوية من مناهج التعليم وقصرها على مادة الدين فقط،  مع توجهات الوزارة نحو تدريس مادة جديدة تتضمن قيم مشتركة بين الأديان السماوية الثلاث، إنما يمثل تجريدا للإسلام من أهم مقوماته وأصوله،  كما تمثل في ذات الوقت تدشينا لدين جديد يتم الترويج له في المنطقة تحت رعاية دولية ولعل اتفاق “إبراهام” الذي دشن التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني خير برهان على الدعاية لهذا الدين الجديد.

وتحت دعاوى “تجديد الخطاب الديني” يتم الدعوة لهذا الدين الجديد؛ ومنذ اغتصابه للسلطة عبر انقلاب عسكري دموي  منتصف 2013م؛ دأب الطاغية عبدالفتاح السيسي على الهروب من فشله في أمور الدنيا إلى التطاول على الإسلام واتهامه بالتسبب في حالة الفشل وذلك للتغطية على جرائمه ومذابحه وفشله المتواصل؛ واتخذ من تجديد الخطاب الديني شماعة يعلق عليها إخفاقه وعدم قدرته على إدارة البلاد بصورة رشيدة. «ورصدت تقارير إعلامية 16 موقفا للسيسي دعا فيها إلى تجديد الخطاب الديني».([5])

هذه الدين الجديد الذي يتم التسويق له إقليميا وتتبناه نظم الحكم المستبدة في مصر والسعودية والإمارات يقوم على عدة ركائز، أبرزها أمران: الأول، هو تجريد الإسلام من كل ما يتعلق بالجهاد ومقاومة الأعداء وتأويل النصوص التي تتحدث عن عداء اليهود للإسلام والمسلمين تأويلات متعسفه تتسق مع هوى النظم الحاكمة وتسويغ التطبيع مع “إسرائيل” وتجريم أي شكل من أشكال المقاومة والرفض للمشروع الصهيوني في المنطقة. الثاني، هو فرض قراءة متعسفة لنصوص الإسلام تجعل من طاعة الطغاة ركنا من أركان الدين، والثورة عليهم تصل إلى حد الكفر بمفهومه الديني والوطني على حد سواء، وتجاهل كل ما له علاقة في نصوص الدين حول العدل والشورى وكرامة الإنسان وحق الشعوب في محاسبة حكامهم. وعلى عكس ما يسوقه بعض العلمانيين حول إعلان رفضهم لاستخدام الدين في السياسة، فقد ردّ كثير من الإسلاميين بالمطالبة بتحرير الدين من سطوة الأنظمة. وظهرت في السياق مجموعات سلفية وصوفية بدت أسوأ من العلمانيين، ذلك أن الأخيرين يقولون “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، لكن المجموعات إياها (التيار الجامي المدخلي) لم تلبث أن منحت “ولاة  الأمر” ولاية مطلقة على الدين والدنيا معا.

 

التلاعب بالهوية الإسلامية

من جانب ثالث، فإن مخططات النظام العسكري ونظم الاستبداد العربي عموما نحو تجريد المناهج الدراسية من  الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والرموز الإسلامية التاريخية وحذف ما يتعلق بالعداء للصهاينة، ثم  الدعاية للدين الجديد (دين أبراهام) لا يمكن فصلها عن مخططات التلاعب بالهوية الإسلامية في مصر والمنطقة كلها؛ فنظام الانقلاب العسكري في مصر ماض بإصرار وهدوء نحو أوسع انقلاب على الهوية المصبوغة بالعروبة والإسلام داخل المجتمع المصري؛ ليكون متصالحا مع مفاهيم التطبيع والقبول بالتعايش مع الاحتلال تحت لافتة “السلام”؛ ولتشكيل أجيال جديدة لا تستمد قيمها من الإسلام ولا مبادئه وأفكاره، وهو ما يمثل مكسبا كبيرا للاحتلال  في إطار تشكيل ما يسمى بالشرق الاوسط الكبير. وذلك بعد أن تمكن جنرالات العسكر من تغيير العقيدة القتالية للجيش ليكون العدو هو من يرفض دمج “إسرائيل” في التركيبة الإقليمية برعاية أمريكية خالصة. خطورة الموضوع دفعت «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» إلى إصدار دراسة في 28 يناير 2019م، أعدها الباحثان عوفر فنتور وأساف شيلوح، بعنوان «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد»، يشيدان فيه بهذه الخطوات غير المسبوقة؛ حيث تناولت الدراسة مظاهر ومآلات الحملة الواسعة التي يشنها نظام السيسي من أجل إعادة صياغة الهوية الوطنية لمصر؛ من خلال السعي أولا  لتقليص مركّبها الإسلامي والعربي، وثانيا احتواء سماتها الثورية، وثالثا العمل على بناء جيل مصري جديد يكون أكثر استعداداً للاصطفاف حول الأجندة التي يفرضها النظام، إلى جانب أنها ترمي رابعا إلى تحسين صورة النظام في الخارج.  وتقول الدراسة، إن النظم الشمولية عادة ما تنشغل بشنّ حملات، تهدف إلى التأثير على مركّبات الهوية الوطنية أو تسعى إلى بناء توازنات جديدة فيها؛ من أجل إيجاد متطلبات تضمن بقاء نظامه وضمان استمراره واستقراره، من خلال إثارة جدل الهوية أملا في أن يسهم ذلك في صياغة بيئة داخلية وبناء نخبة شبابية، تكون أكثر استعداداً لاستخدام كل الأدوات والوسائل التي تخدم النظام وتعمل على تحقيق أهدافه.([6]) وفي يوليو 2018 كلف زعيم الانقلاب القوات المسلحة بتنبي ما أسماه بمشروع “الهوية المصرية”[[7]]  الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتحولات الكبرى في عقيدة الجيش القتالية.

ويكفي للتدليل على التلاعب بهذه الهوية عدة شواهد:

أولا، استهداف مجسم مسجد في أحد تدريبات الجيش يوم الأربعاء 20 يوليو 2016م، خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكلية الجوية، حيث تدرب الضباط المتخرجين حديثا من القوات الجوية  على استهداف مجسم لمسجد بكامل تفاصيله!  وحين أبدى المسلمون استياءهم من هذه “الإهانة الصادمة” لم يكترث رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي وقادة الجيش الذين كانوا شهودا على الجريمة؛ ولم يقدم نظام الانقلاب ولا المؤسسة العسكرية المصرية اعتذارا عن هذه الإساءة وتلك الجريمة حتى اليوم. ومثَّل ذلك برهانا على أن الانقلاب قد طال كل شيء في البلاد فهو انقلاب على الإسلام بدعوى الحرب على الإرهاب، بذات القدر الذي مثل فيه انقلابا على المسار السياسي الديمقراطي الذي أنتجته ثورة يناير 2011م.

ثانيا، شن السيسي حربا شعواء على المساجد، بدأت منذ انقلابه منتصف 2013م،  بحرق مسجد رابعة العدوية واقتحام الجنود لمساجد الإيمان والقائد إبراهيم ومسجد الفتح برمسيس وغيرها.  وفي 2020 شن حملات هدم لعشرات المساجد بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون رغم أنه سن قانون رقم 80 لسنة 2016، وتشكيل لجنة رئيسية لتقنين أوضاع الكنائس المخالفة. فلماذا يتم هدم المساجد وتقنين الكنائس المخالفة؟! كما نفذ السيسي عشرات المذابح بحق المسلمين ولا يزال حتى  اليوم يشن حربا لا هوادة فيها ضد كل مصري يؤمن بالمرجعية الإسلامية ويرفض السطو على الحكم عبر الانقلابات العسكرية. ولا يزال حتى اليوم عشرات الآلاف من المسلمين الأبرياء في سجون السيسي لرفضهم اغتصابه للحكم بقوة السلاح بعد اختطاف الجيش ومؤسسات الدولة لتحقيق أطماعه في السلطة والحكم.

ثالثا، عداء السيسي للإسلام وبيوت الله لم يتوقف على حصار مساجد مصر بل إنه طالب الدول الغربية بحصار المساجد في بلادها وذلك أثناء مشاركته في قمة ميونيخ للأمن التي انعقدت في ألمانيا في فبراير 2019م، حيث حرَّض الأوروبيين على مراقبة المساجد، وقال إنه دأب في لقاءاته مع المسؤولين الأوروبيين أو من أي دولة أخرى على حثهم على الانتباه لما ينشر في دور العبادة الخاصة بالمسلمين. وربط السيسي ذلك بالحرب على ما يسمى بالإرهاب[[8]] وهو ما يتسق مع تصورات السيسي المشوهة عن الإسلام والمساجد باعتبارها أوكار لتفريخ الإرهابيين وليست دور عبادة تسمو بالروح وتهذب السلوك.

رابعا، منذ انقلابه المشئوم شن السيسي حربا لا هوادة فيها على الإسلام؛ حيث يتهم باستمرار الإسلام بالتسبب في الإرهاب والتطرف، ويؤكد أنه لن يسمح بإحياء المشروع الإسلامي؛ منكرا من الأساس وجود مشروع إسلامي؛ يدلل على ذلك أن السيسي في أول حوار صحفي له مع الواشنطن بوست، بعد مرور شهر واحد على انقلابه العسكري، أكد للصحفية (ليلي ويموث) أنه ما قدم إلى الحكم إلا لإجهاض المشروع الإسلامي الذي أراده الرئيس “محمد مرسي”، حيث قال نصا: “لو كان الانقلاب عليه لفشله، كنا صبرنا عليه لانتهاء مدته، ولكنه أراد إحياء المشروع الإسلامي والخلافة”. وبعد عام كامل من هذا الحوار، وفي لقاء له مع فضائية “العربية” ذات التوجه العلماني قال نصا: “لن يكون في مصر قيادات دينية ولن أسمح بذلك، فأنا المسئول عن الأخلاق والقيم والمبادئ”، ثم أكمل قائلا: “والدين أيضا”، وهنا قاطعته المذيعة متسائلة: “والدين أيضا؟!”، فأكد السيسي فكرته: “وعن الدين أيضا”. لكن السيسي عاد في 2017 م أكثر صراحة ووضوحا في تعامله مع الإسلام، حين صرح لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية (المعروفة بتوجهاتها المتطرفة): أنه لا مكان للدين في الحياة السياسية بعهده.[[9]]  فالسيسي لا يؤمن بالعلمانية المحايدة التي تقف موقفا وسطا من جميع الأديان؛ بل يرى في الأديان تابعا للسلطة توظفه لخدمة أهدافها كيفما تشاء؛ ولعل هذا يفسر سياساته خلال  السنوات الماضية فهو دائم الاتهام للإسلام بالتسبب في العنف والتطرف والإرهاب والعمل على تركيع رموزه ومؤسساته الدينية، ويكفي أن علماء الإسلام ودعاته هم أكثر من يقبعون في سجون السيسي بتهم ملفقة بالغة الزيف والضلال.

 

 

————————————————–

[1] نورا فخري/نائب وزير التعليم يرحب بمقترح برلمانى لتدريس مادة الدين فى كتاب مشترك للطلاب/ اليوم السابع الأحد، 14 فبراير 2021 // التعليم توافق على مقترح تدريس مادة للقيم المشتركة بين الأديان ومبادئ التسامح والمواطنة/ بوابة الشروق الأحد 14 فبراير 2021م//السيسي يوجه بحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من المواد التعليمية/ شبكة رصد الإثنين، 15 فبراير 2021م

[2] فاتن زكريا/ حذف آيات القرآن من مناهج العربي والتاريخ ..« شائعة»/ “بوابة أخبار اليوم” الأربعاء، 17 فبراير 2021

[3] محمد عبدالله/تجدد أزمة المناهج الدراسية في مصر بدعوى مواجهة التطرف/ الجزيرة نت 22 فبراير 2021م

[4] دعاء عبداللطيف/إصلاح المناهج يستهدف الإخوان والثورة بمصر/ الجزيرة نت 13 أكتوبر 2016

[5] محمد نصار/ كيف تحدث السيسي عن تطوير الخطاب الديني في 16 مناسبة؟/ مصراوي الثلاثاء 28 يناير 2020

[6] «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد».. قراءة في دراسة إسرائيليةالشارع السياسي 24 فبراير 2019

[7] محمد البنهاوي/ مؤتمر الشباب 2018| السيسي يكلف القوات المسلحة بتبني «الهوية المصرية»/ بوابة أخبار اليوم السبت 28 يوليه 2018

[8] بمؤتمر ميونيخ للأمن.. السيسي يدعو الغرب لمراقبة المساجد ويعرّض بتركيا/ الجزيرة نت 16 فبراير 2019

[9] شرين عرفة/ ماذا بينك وبين الإسلام يا سيسي؟!/ مدونات الجزيرة 28 نوفمبر 2018

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022