الخصخصة.. نشأتها وفلسفتها ومآلاتها الكارثية

 

في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945) سادت نظريات اقتصادية شهيرة حول «التنمية» وهو مصطلح كان حديث العهد ابتدعه الاقتصاديون في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، حيث استقلت الكثير من الدول العربية والإفريقية عن الاحتلال الغربي الأوروبي، وهي الدول التي أُطلق عليها دول «العالم الثالث»، في إشارة إلى تخلفها وفشلها الاقتصادي والتنموي. وأخذت تظهر نظرية جديدة بعد أخرى لتفسير ظاهرة «التخلف الاقتصادى»، وشرح أفضل السبل للخروج منها. كانت هذه النظريات، كلها تقريبا، تفترض أن تقوم الدولة بدور مهم فى الاقتصاد، وتتحمل المسئولية الأولى فى التنمية، ومع غياب هذا الدور المهم للدولة سوف يعنى فشل التنمية.

الكتابات والدراسات وحتى النظريات التي سادت خلال تلك الفترة كانت تفترض وجود درجة لا يستهان بها من التخطيط، وأن التخطيط المطلوب هو التخطيط المركزى (تقوم به الدولة)، وليس مجرد ما يسمى «بالتخطيط التأشيرى»، الذى يقتصر على إيجاد الحوافز لدفع القطاع الخاص للسير فى اتجاه دون آخر.  وكانت النظريات التي شاعت حينها عن «النمو المتوازن» وعن «الدفعة القوية» اللازمة للتنمية.. الخ،  كانت تعتمد في نجاحها على إجراءات تتخذها الدولة، ولا يمكن توقع نجاحها فى ظل سيطرة القطاع الخاص.

معنى ذلك أن التنمية والنمو الاقتصادي المتوازن كانت تفترض وجود دولة قوية، ولم يكن ذلك يواجه باعتراض من أحد في كبرى الجامعات الاقتصادية في  العالم. بل كان البنك الدولي وصندوق النقد ومختلف هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة بالتنمية، تقبل أيضا دورا مهما لدولة قوية ولا تعارضه. وتبنت مختلف الحكومات الغربية فى ذلك الوقت، ما عرف باسم «دولة الرفاهة»، التى تلتزم بتوفير الخدمات الضرورية للجميع، وتمويل ذلك بما يفرض من ضرائب على القادرين، مما ضمن بالفعل تحقيق العمالة الكاملة فى تلك البلاد مع انتهاء عقد الستينيات.

وفي أوئل السبعينات جدت رياح جديدة دفعت بها المصالح الغربية إلى الصدارة، وتراجعت النظريات الاقتصادية التي سادت بعد الحرب العالمة الثانية، ولم يكن السبب في هذه التحولات ثبوت فشل هذه النظريات الاقتصادية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؛ بل كان السبب الحقيقى أن الدول التى تصنع نظريات التنمية، تصدر إلينا كتبها وسياساتها،  هذه الدول لم تعد تجد من مصلحتها استمرار الدولة القوية فى بلادنا «العالم الثالث»، واستمرار ما نطبقه من سياسات الحماية والتخطيط.

أصبحت تلك الدول الصناعية، التى بدأت حكوماتها تخضع لمصالح وضغوط الشركات المسماة بالمتعددة الجنسيات، تجد من الضرورى أن تفتح بلاد العالم الثالث أبوابها لسلع هذه الشركات واستثماراتها، مما يتطلب إلغاء أو تخفيض الحواجز الجمركية، والتوقف عن إنتاج ما ينافس السلع المستوردة، أو يحول دون مجىء الاستثمارات الأجنبية إلى أراضينا، والامتناع عن حماية عمالنا عن طريق تحقيق مستويات عالية من تشغيل العمال ومن الأجور.

كل هذا يتطلب «دولة ضعيفة» أو «دولة رخوة»، يمكن للشركات العملاقة متعددة الجنسيات أن تغويها أو تلوى ذراعها إذا شاءت، وتفرض عليها من الحكومات ما يحقق رغباتها. هذه المصالح الغربية كانت ضد مصالح بلادنا وشركاتنا وعمالنا، لكن الدول الغربية التي تستحوذ عليها نزعات  التسلط والطمع واستحلال ثروات الأمم والشعوب الأخرى، تبنت تغيير النظريات الاقتصادية بما يخدم أجندتها ومصالحها وشركاتها العملاقة.

أسباب هذا التحول تعود إلى أن الدول الصناعية الغربية شهدت عقدين من الرفاهية ومستويات عالية من النمو، لكنه مع نهاية السيتنات راحت هذه الدولة تشهد تضخما وتنافسا فيما بينها على أسواق الدول الأخرى، وبدأت تظهر ما سمى بظاهرة «الكساد التضخمى»، أى ركود اقتصادى وضعف فرص الاستثمار والتسويق، مصحوبا بالتضخم الناتج عما تحقق فى فترة سابقة، من ارتفاع فى الأجور وزيادة قوة نقابات العمال، والناتج أيضا عن محاولة الشركات العملاقة تعويض ما فقدته من فرص الربح عن طريق استغلال المستهلكين. وبالتالي وجدت الدول الغربية أن مصلحتها الدعاية والتسويق لافكار اقتصادية جديدة مثل “العولمة ــ  الخصخصة»، والتي تستهدف فتح أسواق الدول الفقيرة أمام سلع ومنتجات الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات، أما الخصخصة فهي بيع ما تملكه الدولة للشركات الخاصة، وكأن الخصخصة هى العلاج الناجع لمشكلة التنمية. أما الحديث عن دور مهم للدولة فى الاقتصاد، أو عن ضرورة التخطيط أو حتى فائدته فى التنمية، فقد أصبح كلاما مرفوضا وممجوجا.[[1]]

في ثمانينات القرن الماضي، شاع مصطلح الخصخصة «Privatization»، والعجيب أن حكومات العالم الثالث المتخلف صناعيا واقتصاديا والتي تبنت فلسفة الخصخصة كعقيدة وأيديولوجيا، بررت ذلك بالخسائر التي تتعرض لها الشركات الحكومية؛ وهو عذر أقبح من ذنب؛ فإذا كان الخلل في الإدارة فلماذا يتم بيع الأصول التي هي ملك للشعب ولا يتم تغيير هذه الإدارة الفاسدة معدومة الكفاءة؟ ولماذا يتم انتزاع ملكية الشعب لثرواته وأصوله ويبقى اللصوص كما هم يتولون المزيد من المناصب ويعززون منظومة الفساد؟! وهل تحويل ملكية أصول الدولة من الشعب إلى رجال أعمال أو شركات عملاقة متعددة الجنسيات لها أجندات قد تهدد الأمن القومي للبلاد يمثل مصلحة قومية في شيء؟!  الحق أن الخصخصة كالتأميم كلاهما إجراء شاذ ويخالف أبجديات الأمن القومي؛ لأن الخصخصة هي انتزاع ملكية الشعب لأصوله وثرواته لتكون ملكا لحفنة من الفاسدين أو الأجانب. أما التأميم فقد تجاوز حدود تأميم الشركات التي اغتصبها الاحتلال ليصل إلى اغتصاب شركات يملكها مصريون أنشأوها بطرق شرعية، كما جرى مع آلاف المصريين في أعقاب حركة 23 يوليو 1952م.

معنى ذلك أن النظريات الاقتصادية التي تأسست في السبعينات والثمانينات والتي تروج للعولمة بمفهوما الاقتصادي وحتى الثقافي الذي يهدف إلى تغيير هوية الشعوب الضعيفة واغتصاب ثرواتها إنما تمثل شكلا من أشكال الاحتلال الناعم بدلا من الاحتلال الخشن الذي ساد في القرون الثامن عشر والتاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين؛ فالدول الغربية التي خرجت للتو من مستعمراتها في العالم الثالث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، راحت تبحث عن آليات أخرى تمتص بها  خيرات الشعوب المحتلة وتنهب ثرواتها وتغتصب أصولها تحت لافتة براقة عن التنمية بالعولمة والخصخصة.

ويجب التنويه إلى أن القوى الغربية التي اتخذت من الاحتلال طريقا لإخضاع أممنا وشعوبنا لعقود طويلة منذ القرن التاسع عشر، عندما همَّت بالخروج من بلادنا تحت ضغوط التحولات الدولية في  أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم تترك السيادة على هذه البلاد للشعوب، لكنها نصَّبت على رأس هذه الدول مافياوات تابعة لها، ودعمت نظما استبدادية حتى تبقى بلادنا ضعيفة وممزقة ويسهل السيطرة عليها بالصفقات المشبوهة مع الحكام المستبدين، أو الشعارات البراقة بدعوى التنمية المزعومة؛ فباتت الشركات المتعددة الجنسيات المملوكة للدول الغربية تنوب عن الاحتلال القديم، بينما استغلال بلادنا على المستوى السياسي والعسكري والأمني لخدمة سياسات هذه القوى يتم بالاتفاقيات والصفقات العسكرية والأمنية التي تسمح للقوى الإمبريالية بالتحكم في بلادنا عبر الهيمنة الاقتصادية بالشركات المتعددة الجنسيات من جهة، وأدوات البطش السياسي من الحكام المستبدين من جهة أخرى.

من جانب آخر يمكن فهم هذه التحولات بأن القوى الغربية الجديدة التي هيمنت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية تبنت فلسفة الليبرالية المتوحشة التي تقوم على سيادة المعايير الرأسمالية، وفي هذا الإطار تم تأسيس كيانات دولية لترويج وتسويق هذه الأفكار الاقتصادية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفى إطار تلك الليبرالية وهذا التوحش نشأت «الخصخصة»، والتى يدعي مروجوها أنها ضرورة، لأن القطاع الخاص أكثر كفاءة، من القطاع العام، فى استغلال وإدارة الموارد والمصانع والمشاريع العامة. ولكن الشواهد لا تؤيد هذا الادعاء، بل على العكس تشير إلى ان الهدف الأبعد لهذه العملية هو خصخصة موارد وممتلكات الشعوب الفقيرة ونقلها، بأبخس الأثمان، من خلال العولمة والتبعية والسوق المفتوحة إلى رأسماليى العالم وأغنى أغنيائه، مما يؤدى فى نهاية المطاف إلى تقوية الزخم المحافظ على استمرار وتعميق تبعية الدول النامية للدول الرأسمالية فى الغرب، وبالتالى يؤدى لزيادة ثروة الأغنياء ولمزيد من إفقار الفقراء وإبقاء الدول النامية فى مستنقع التخلف.[[2]]

ومن باب الكلام النظرى تعترف أدبيات الليبرالية الجديدة بإمكانية استثناء بعض الصناعات والموارد الاستراتيجية من عملية الخصخصة فى الدول النامية. وهى تلك الصناعات ذات العائد الاجتماعى العالى، وذات الأهمية الاستراتيجية القومية والأمنية والسياسية، أو تلك الصناعات الضرورية للنمو المستقبلى ولبناء بنية تحتية صناعية تساعد على قيام صناعات أخرى لتعزيز النمو المستدام وتماسك النسيج الاجتماعى وتقليل حدة الفقر. وعادة ما يعزف القطاع الخاص عن الاستثمار فى تلك الصناعات حيث ان عوائدها وأرباحها غير سريعة ومخاطر الاستثمار فيها عالية. أمثلة لتلك الصناعات الاستراتيجية فى مصر تأتى صناعة الحديد والصلب وصناعات الالومنيوم والنحاس والطاقة وكذلك تأتى مشروعات قومية مثل السد العالى وقناة السويس.

انتقادات للخصخصة

في منتصف 2014، هاجم الأكاديمي الكوري هاجون تشانج Ha-Joon Chang وهو الذي كان يعمل لسنوات أستاذا بجامعة كامبردج فى انجلترا،  الخصخصة بعد أن اقتنع بها لسنوات، وفي مقال نشرته له جريدة الجارديان البريطانية تحت عنوان  «فلنضع حدا لهذه العقيدة الشائعة عن الخصخصة.. فالحقيقة أن الملكية العامة أفضل». يقول تشانج إنه آن الأوان أن نعترف بالحقيقة، وهى أن القطاع العام فى أحوال كثيرة أكثر كفاءة من القطاع الخاص. صحيح أن هناك أمثلة كثيرة فى العالم كله يكون فيها القطاع الخاص أكثر كفاءة، ولكن الأمثلة العكسية كثيرة أيضا. وتحدث الأكاديمي الكوري عن حركة التصنيع فى ألمانيا واليابان، فى القرن التاسع عشر، وكيف أسست نهضة الدولتين بإقامة الدولة لمشروعات نموذجية لصناعات جديدة، كصناعة الصلب وبناء السفن، مما كان القطاع الخاص يعتبره فى ذلك الوقت مخاطرة كبيرة، ومن ثم أحجم عن القيام بها.

وفى خلال نصف القرن التالى على انتهاء الحرب العالمية الثانية اعتمد كثير من البلاد الأوروبية على الدولة لتطوير بعض الصناعات المتقدمة تكنولوجيا، مثل دور الدولة فى فرنسا فى إقامة مصانع رينو للسيارات وكذلك فى النمسا وفنلندا والنرويج. وينبه تشانج القارئ إلى أن دولة مثل سنغافورة، التى يضرب بها المثل عادة للدولة التى يقوم نجاحها على تشجيع القطاع الخاص وحرية التجارة، هى فى الحقيقة من أكثر دول العالم اعتمادا على ملكية الدولة للمشروعات الاقتصادية، حيث ينتج القطاع العام 22٪ من الناتج القومى الإجمالى لسنغافورة، وتقوم المؤسسة الحكومية المسئولة عن الإسكان بتزويد المنازل لـ85٪ من السكان. كذلك ينتج القطاع المملوك للدولة فى تايوان «التى تعتبر أيضا من المعجزات الاقتصادية فى شرق آسيا» 16٪ من إجمالى الناتج القومى. وفى كوريا الجنوبية تعتبر الشركة القائمة بإنتاج الصلب Posco، التي أنشأتها الدولة خلافا لنصيحة البنك الدولى، واحدة من أكبر الصناعات المنتجة للصلب فى العالم كله، ولم يكن قرار خصخصتها فى سنة 2001 ناتجا عن انخفاض كفاءتها بل لأسباب سياسية محضة.

يذكر تشانج أيضا أمثلة كثيرة أخرى من مختلف بلاد العالم لصناعات ناجحة تملكها أو تديرها الدولة، من صناعة الطائرات المدنية في البرازيل «ثالث أكبر صناعة في هذا الميدان في العالم»، إلى شركة البترول Petrobras في البرازيل أيضا، التي تعتبر أكبر شركة في العالم لاستخراج البترول في أعالي البحار، إلى الصناعات التي أقامتها المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة، والتي قامت بمفردها بتدشين الاقتصاد الحديث القائم على ثورة المعلومات وتطوير الحاسبات الالكترونية والانترنت.  ويختم المقال بالتعبير عن أمله فى أنه لو أدرك الناس كم يمتلئ تاريخ الرأسمالية بالأمثلة الناجحة لمشروعات اقتصادية مملوكة للدولة، فربما توقف هذا الاندفاع غير المبرر نحو المزيد من الخصخصة.[[3]]

الخصخصة في عهد مبارك

بدأت الخصخصة في مصر عام 1991 مع صدور القانون رقم 203 الذي حدد قائمة تضم 314 شركة تعمل بالقطاع العام لخصخصتها، إلا أن السنوات الخمسة من مطلع الألفية الثالثة كانت الأكثر جرأة في بيع مشروعات قطاع الأعمال العام، حيث كانت آخر شركات حكومية أدرجت في البورصة عام 2005 حين طُرحت أسهم شركات المصرية للاتصالات وسيدي كرير للبتروكيماويات وأموك. وحتى نهاية التسعينيات كانت الحكومة تعلن أن الخصخصة سوف تتوقف عند حدود المشروعات الإستراتيجية دون تحديد لمسميات أو قطاعات هذه المشروعات الإستراتيجية، ففي الفترة بين 1996و1998، تم إصدار مجموعة من التشريعات التي تنظم خصخصة مرافق عامة، لم يكن المصريون يتصورون خصخصتها، نظرًا لاعتبارات الأمن القومي مثل الموانئ والمطارات والطرق، ولكن هذا ما حدث بالفعل. وفي رصد لنتائج الخصخصة في عهد مبارك، أشار مركز الأرض لحقوق الإنسان في تقرير له إلى أن فسادًا كبيرًا شاب عملية الخصخصة خلال الفترة من 1991 حتى 2008، إذ بيعت 623 شركة مقابل 23 مليار جنيه، بينما أعلن رسميًا بيع 412 شركة مقابل 320 مليار جنيه، ولعل ما أثير في البرلمان المصري خلال دورة انعقاده في 2006، عن غياب نحو 13 مليار جنيه من حصيلة الخصخصة عن حسابات الحكومة، يقوي ما يثار من شبهات الفساد في صفقات الخصخصة.

الخصخصة بعد 3 يوليو

تمثل توجهات نظام العسكر نحو الخصخصة والتوسع في بيع الشركات الرابحة بجرأة مخيفة، خطرا على الأمن القومي المصري، ويمكن اعتبارها تمثل عودة لــ«الامتيازارت الأجنبية» التي سبقت الاحتلال البريطاني لمصر في عهد الخديوي إسماعيل.

يؤكد على ذلك أن الدراسة التي أعدها «المركز المصري للحقوق الاقتصادية»[[4]]، والتي تحذر من التشريعات الاقتصادية في ظل نظام 30 يونيو في ظل سيطرة عدد من الشركات متعددة الجنسيات على مفاصل الاقتصاد المصري، مما يعكس وقوع الاقتصاد تحت قبضة رجال الأعمال الأجانب، خصوصاً بعدما استولت تلك الشركات على60% من قطاع البترول و80% بالنسبة لصناعات الأغذية والدواء والاتصالات والإسمنت والألبان والزيوت و40% من حجم تداولات البورصة المصرية، علاوة على تحريكهم البورصة صعوداً وهبوطاً وفقاً لتحركاتهم البيعية والشرائية.

وبحسب الدراسة التي نشرت في 2015م، تمتلك الشركات متعددة الجنسيات ما نسبته 60% من صناعة الدواجن والسيارات وأغلب السلاسل التجارية وجزء كبير من المصارف والقرى السياحية والفنادق وقطاع الاستثمار العقاري في مصر. ومن أهم الشركات الأجنبية المستثمرة في مصر تأتي: مايكروسوفت وجنرال إلكتريك، وبي بي النفطية، وكوكاكولا، وكرايسلر، وفورد، وبريتش بتروليوم. ويصل عدد العلامات التجارية الأجنبية المسجلة داخل السوق المصرية إلى نحو 28 ألف علامة مقابل 400 علامة مسجلة لشركات محلية، وهو ما يعكس سيطرة أجنبية كبيرة على مفاصل الاقتصاد المصري.

ويرى خبراء في الاقتصاد أن “قانون الاستثمار الجديد” الذي صدر قبل مؤتمر دعم الاقتصاد المصري في مارس 2015 ، يسمح بهروب آمن للمستثمر الأجنبي والشركات متعددة الجنسيات. لأن القانون وضع المستثمر الأجنبي بمنأى عن الملاحقة القضائية والجنائية. وخلال السنوات الماضية تعزز نفوذ الشركات الأجنبية في مصر وقفزت نسبة استحواذه على ثرواتها وأصولها، وكان للإمارات نصيب وافر وهي بالتعبية وكيل “إسرائيل” في المنطقة، إضافة إلى السعودية وشركات أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأيضا دخلت الصين وروسيا على الخط، وباتت مصر مرتعا للقوى الدولية التي بات لها نفوذ واسع على مصر وسياستها وقراراها السيادي. معنى ذلك أنه خلال السنوات الماضية زادت تبعية مصر اقتصاديا وسياسيا لقوى دولية وإقليمية وباتت جزءا من شبكة المصالح الدولية التي تستهدف إضعاف بلادنا وبقائها ضعيفة رخوة حتى يمكن التحكم فيها. باتت مصر أكثر تبعية واعتماذا على الأجانب في ظل تراجع معدلات الإنتاج وموارد الدخل. فالنظام لا يرى في الدولة سوى الدفاع والأمن ويتجه منذ اتفاقه مع صندوق النقد في نوفمبر 2016م،  نحو التخلي عن الدور الاقتصادي منذ عهد مبارك مطلع التسعينات للتخلص من صداعه المزمن ومشكلاته التي لا يتمكن من وضع حلول لها.

وفي سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو، استأنفت حكومة السيسي خصخصة شركات القطاع العام وهي الإجراء الذي كان نظام مبارك قد بدأه في سنة 1995م.

إجراءات الخصخصة تأتي التزاما بشروط صندوق النقد الدولي، في إطار الاتفاق الذي وقعته الحكومة في نوفمبر 2016، لاقترض 12 مليار دولار. وتتلخص هذه الشروط في خمسة محاور؛ تبدأ بتحرير سعر صرف الجنيه، وتمر برفع الدعم تدريجيًا عن المحروقات والطاقة، ثم تقليص الجهاز الإداري للدولة، وتاليًا سد عجز موازنة الدولة، وأخيرًا التخلي عن شركات القطاع العام والالتجاء للخصخصة، وهو ما يحدث حاليًا.[[5]] ويمكن رصد الإجراءات الآتية التي تمت في ملف الخصخصة خلال السنوات الماضية:

أولا، خصخصة الخدمات العامة،   في 11 أكتوبر 2021م وافقت لجنة الخطة والموازنة في البرلمان على مشروع قانون حكومي يقضي بمشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة، وأحالته إلى الجلسة العامة للتصويت النهائي، والذي يهدف في المقام الأول إلى خصخصة الخدمات المقدمة للمواطنين في قطاعات مهمة مثل الكهرباء والمياه والنقل والصحة والتعليم. وتوسع التعديل في أنماط الأعمال المسندة إلى القطاع الخاص في مشروعات التنمية الأساسية والمرافق والخدمات العامة، لتشمل أعمال التصميم والتمويل والإنشاء والتشغيل والاستغلال والصيانة، وإمكانية التعاقد على بعض منها، أو جميعها، بما يشمل ذلك من تمويل وتصميم وإنشاء وتشغيل واستغلال للمشروع وصيانته.[[6]] كذلك وافق البرلمان على مشروع حكومي يتيح لشركات القطاع الخاص الاستثمار في مشاريع وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي، لتحل بشكل تدريجي محل الشركات الحكومية المسؤولة عن تشغيل وصيانة هذه المرافق. واستحدث القانون هيئة تنظيمية للإشراف على ضوابط التراخيص للشركات الخاصة، والاشتراطات اللازمة لعملها، وفقاً لأحكام اللائحة التنفيذية للقانون. كما تتجه الحكومة نحو بيع محطات توليد الكهرباء الحيوية لسداد أقساط ديون خارجية”، الأمر الذي أثار مخاوف في الأوساط الاقتصادية والتجارية من أن تؤدي الخطوة إلى احتكار القطاع الحيوي من قبل شركات أجنبية، وبالتالي رفع أسعار الكهرباء مجدداً، وزيادة كلفة الإنتاج في القطاعات الاقتصادية، خصوصاً الصناعة. وفي أبريل 2021 وافق البرلمان على تعديل قانون الكهرباء في مجموع مواده وإحالته لمجلس الدولة للمراجعة والذي يستهدف خصخصة خدمات الكهرباء من خلال الفصل بين أنشطة نقل وإنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية، و وتحويل سوق الكهرباء من سوق حكومية إلى سوق تنافسية، ارتباطاً بتحرير سعر بيع الكهرباء للمستهلكين. ونص تعديل القانون على أن “تلتزم الشركة القابضة لكهرباء مصر، وشركات الإنتاج والتوزيع المملوكة لها، بتوفيق أوضاعها طبقاً لأحكام القانون خلال مدة لا تزيد على عشر سنوات من تاريخ العمل به، وبما يؤهلها للتعامل في السوق التنافسية للكهرباء. والتعامل مع الشركات الأخرى (الخاصة) بالتنسيق مع الشركة القابضة للكهرباء أثناء الفترة الانتقالية”. وللعام الثاني على التوالي، بلغ دعم الكهرباء “صفراً” في الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2021-2022. وعلى ذلك، أعلنت الحكومة المصرية تطبيق زيادة في أسعار الكهرباء بنسبة تتراوح بين 8.4% و26.3%، اعتباراً من فاتورة أول يوليو 2021 للمرة الثامنة على التوالي، منذ رفع أسعار الكهرباء للمرة الأولى مع تولي السيسي للسلطة عام 2014م.[[7]]

ثانيا، طرح الشركات الرابحة في البورصة: وفي أبريل 2018م، بدأت حكومة السيسي طرح 23 شركة في البورصة وهي من أفضل الشركات الناجحة التي تحقق مكاسب وأرباحا سنوية هائلة، ورغم نفي الحكومة أن هذه شكل من أشكال الخصخصة، إلا أن خبراء ومحللين[[8]] يؤكدون أن حكومة السيسي بهذه الطروحات التي ضمت شركات بترول ناجحة وتحقق أرباحا هائلة، تنتهج طريقا جديدا للخصخصة عن طريق طرح أسهم الشركات في البورصة، وليس البيع المباشر لمستثمر بعينه كما كان الوضع في عهد مبارك.

ثالثا، خصخصة السكة الحديد: كان البرلمان قد وافق ــــ نهائيا ـــ أوائل مارس الماضي 2018 على على خصخصة قطاع السكة الحديد؛ وسط مبررا واهية تتعلق بعدم قدرة النظام على تنفيذ عمليات التطوير المأمولة[9]. تواكب مع هذه الخطوة تمهيد نواب في البرلمان ومقربين من السلطة لخصخصة الشهر العقاري حيث زعم علي عبدالعال رئيس البرلمان السابق أن ذلك يعد تأسيا بأوروبا والدول المتقدمة[10]. في أبريل 2021م أعلن وزير النقل اللواء كامل الوزير عن منح إدارة مشروعات السكة الحديد لشركات عالمية والشراكة مع القطاع الخاص في قطاع نقل البضائع في تمهيد لشروع الوزارة في عمليات خصخصة واسعة النطاق لهذا المرفق الحيوي والإستراتيجي. كما كشف عن تعاقد  الوزارة مع شركة RATP الفرنسية لإدارة وتشغيل الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة، والشركة نفسها لإدارة وتشغيل القطار الكهربائي LRT (السلام/ العاصمة الإدارية الجديدة/ العاشر من رمضان)، وجار التفاوض مع شركات عالمية لإدارة وتشغيل خطي مونوريل العاصمة الإدارية، والسادس من أكتوبر، وكذلك إدارة وتشغيل القطار الكهربائي السريع (العين السخنة/ مرسى مطروح)، وتنفيذ وإدارة وتشغيل الأتوبيس الترددي BRT على الطريق الدائري”.[[11]]

رابعا، خصخصة القطاع الصحي: وامتد كذلك قطار الخصخصة إلى أهم وأخطر قطاعات الدولة، حيث أصدر مجلس الوزراء في 19 أبريل 2017م “13” قرارا أبرزها خصخصة 45 مستشفى[12]. وفي بداية أبريل 2018، ظهرت فجأة في أروقة الحكومة دراسة أمريكية حول «خصخصة المستشفيات» بعد 8 سنوات من اختفائها[13].

خامسا، خصخصة قطاع النقل البري: وفي فبراير/ شباط 2019، وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون إنشاء “جهاز تنظيم النقل البري الداخلي والدولي” المقدم من الحكومة بغرض خصخصة النقل البري. كما وافق لاحقاً على مشروع آخر بإدخال اختصاصات نوعية جديدة للهيئة القومية للأنفاق، تشمل إشراك المستثمرين المحليين والأجانب في إدارة المرفق، ما يمثل خطوة أولية نحو خصخصة القطاع بالكامل، إيذاناً برفع أسعار الخدمات المقدمة للمواطنين.

سادسا، خصخصة التعليم العالي: وفي مطلع سبتمبر 2020م وجه السيسي بإنشاء عشر جامعات أهلية على مستوى محافظات مصر، تتبع الجامعات الحكومية، على أن تتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بناءها. وهي الخطوة التي عدها خبراء ومحللون خطوة أولى نحو خصخصة التعليم العالي، وسلب الجامعات الحكومية المصرية، كوادرها التدريسية وحرمانها من أساتذتها وقاماتها العلمية والبحثية، إذ إنّ من المقرر انتداب أساتذة الجامعات الحكومية للتدريس في الجامعات الأهلية، برواتب أعلى، يدفعها الطلاب من نفقات تعليمهم التي تفوق تلك التي يدفعونها في الجامعات الحكومية.[[14]] وفي 2019  استحدثت الحكومة قانونا جديدا يسمح للجامعات الحكومية بتأسيس جامعات أهلية غير هادفة للربح بالشراكة مع جامعات عالمية، وفي أغسطس  2019م صادق السيسي على القانون رقم 152 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972م.

سابعا، خصخصة شركات قطاع الأعمال: وتمضي الخصخصة في شركات قطاع الأعمال على قدم وساق؛ فقد تم خصخصة عملاق الحديد والصلب بحلوان سنة 2021م، وهو وضع لا يختلف كثيرًا عن شركات كبرى أخرى مملوكة للدولة على غرار شركة المحلة للغزل والنسيج، التي كانت حتى تسعينات القرن الماضي تصدر منتجاتها لكثير من بلاد العالم.

ثامنا، سوق الغاز: في يوليو 2017م أقر البرلمان بصفة نهائية مشروع قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز، بهدف التوسع في مجالات استثمار الغاز وإشراك القطاع الخاص في تسويقه من خلال إنشاء جهاز لتنظيم وتسويق الغاز الطبيعي بأسعار تنافسية. ويعد القانون جزءاً من خطة تحرير الدعم عن سوق الغاز الطبيعي، تحت ذريعة تشجيع شركات الغاز الأجنبية العاملة في مصر على توجيه مبيعاتها إلى السوق المحلية، إذ سمحت وزارة البترول، في وقت سابق، لأي طرف داخل مصر باستيراد الغاز من الخارج، بعدما أنشأت وحدة خاصة للإشراف على بيع وتوزيع الغاز الطبيعي بواسطة الشركات الخاصة.ويهدف القانون إلى تقليص دور الدولة إلى الحد الأدنى بقطاعات المرافق العامة، وترك المواطن المصري من دون غطاء أمام آليات العرض والطلب لشركات القطاع الخاص، في إطار خطة تحرير الدعم تدريجياً عن قطاعات الكهرباء والمياه والغاز، التي بدأت فور قفز السيسي إلى سدة الحكم منتصف العام 2014.[[15]]

الخلاصة والمخاطر

للخصخصة سلبيات كثيرة عادة ما يتغاضى عنها المطالبون بها. من ضمن هذه السلبيات زيادة معدلات التضخم، وزيادة معدلات الفقر على المستوى الوطني، وتآكل الطبقة الوسطى، وارتفاع معدلات اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية. بالنسبة لآخر سلبية، فآثارها ونتائجها المخيفة باتت مؤخرا موضوعا مؤرقا للاقتصاديين وعلماء السياسة، وأصبح بعضهم يراها كأحد أهم المخاطر التي تهدد العالم. وقد خصصت مجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs) إصدارها الأول لعام 2016 للحديث عن اللامساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بالإضافة إلى كل هذه الآثار السلبية من ناحية اقتصادية، فقد تكون للخصخصة، في بعض الحالات، آثار سلبية على المستوى السياسي أيضا، وعلى رأسها انتهاك سيادة الدول من قبل رؤوس أموال أجنبية أو جهات خارجية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتذكر أستاذة العلوم السياسية بجامعة نورث كارولاينا (إيفيلين هيوبر Evelyne Huber) في دراسة أجرتها على دول أميركا اللاتينية بأنه كلما زاد تطبيق النيوليبرالية الاقتصادية، والتي من ضمنها خصخصة القطاعات العامة، كلما ارتفعت معها معدلات الفقر واللامساواة الاقتصادية، وهذا ما حصل في جميع دول أميركا اللاتينية بين عام 1982 و1995. ومن بين الأحداث الشهيرة في تلك الفترة مشروع خصخصة قطاع المياه في بوليفيا أواخر التسعينيات، والتي نتج عنها “زيادة في الأسعار”، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات وأحداث شغب ومواجهات دموية بين أفراد الشعب وقوات الشرطة، انتهت أخيرا بإلغاء الحكومة البوليفية لقرار الخصخصة.[[16]]

من جانب آخر قد تكون بعض تجارب الخصخصة قد حققت نجاحا جزئيا في عدد قليل من دول العالم، لكن تجربة مصر مع الخصخصة حققت فشلا ذريعا يضرب به المثل في سوء الإدارة، وذلك لعدة أسباب: أولها أنها تتم بعيدا عن رقابة صاحب الملكية وهو الشعب، حيث تتبنى الحكومة هذه التوجهات وتمضي في تنفيذها دون اكتراث لمواقف الشعب ورفضه للخصخصة، لا سيما وأن نظام الحكم في مصر مثل معظم البلاد العربية لا يتمتع بشرعية التفويض الشعبي عبر أدوات الديمقراطية الصحيحة، كما أن البرلمان هو مجرد شكل جرى تشكيله تحت رعاية أجهزة السلطة فهو لا يمثل الشعب حقيقة. ثانيها، أن إجراءات الخصخصة في مصر تتم في مناخ كامل من انعدام الشفافية، ويبرهن على ذلك أحكام القضاء في عدد من تجارب الخصخصة التي جرت في عهد مبارك وحجم الفساد التي شابها. ثالثها، أن الخصخصة في مصر طالت قطاعات حساسة وبالغة الأهمية ونقل ملكيتها من الشعب إلى حفنة من المستثمرين المصريين أو الأجانب يمثل تهديدا للأمن القومي للبلاد مثل صناعة الحديد والصلب والصناعات الثقيلة، والخدمات العامة كالكهرباء والمياه والنقل والسكة الحديد والمترو وغيرها؛ وقد يترتب على ذلك اضطرابات اجتماعية لا يمكن احتواؤها مثل رفع أسعار الخدمات بصورة كبيرة تفوق قدرات معظم المواطنين. ولذلك اعتبرت تجربة الخصخصة في مصر ثاني أسوأ تجارب الخصخصة في العالم بعد تجربة روسيا في عهد بوريس يلتسين.

من جانب ثالث، يستهدف نظام السيسي باستئناف إجراءات الخصخصة رغم اليقين الكامل بفشلها في عهد مبارك، ترجمة حرفية لإملاءات صندوق النقد الدولي، وهو ما يفضي إلى هيمنة الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات على مفاصل الاقتصادي المصري، يما يحد من سيادة الدولة على قرارها السيادي والسياسي ويدفع إلى تدخل الأجانب في شئون مصر بدعوى حماية استثماراتهم، وهو نفس ما جرى في عهد الخديوي إسماعيل. خصوصا وأن هذه الشركات هي المستفيد الأكبر من تعديل قوانين الاستثمار وتعديل البنية التشريعية المنظمة له، لأنها كيانات ضخمة، لا تتقيد بقوانين دولة واحدة، وعادة ما تختار القواعد التي تنطبق على استثماراتها.

وحتى نعلم خطورة الخصخصة يمكن الاستشهاد بما جرى في قطاع الإسمنت حيث جرى خصخصته بالكامل، ومارس الأجانب عمليات احتكار بحق السوق المصرية، وفرض عليهم جهاز تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار غرامة قدرها 200 مليون جنيه، وذلك في أغسطس 2008، وهو مبلغ زهيد بحق عشر شركات تحقق أرباحًا طائلة تصل إلى نحو ثلاثة أضعاف تكلفة الإنتاج، فعندما كان طن الإسمنت يكلف نحو 200 جنيه، كان يباع في مصر بنحو 600 جنيه. [[17]]

سوف يترتب على إصرار النظام على الخصخصة عدة مخاطر:

– اهتزاز الأمن الاجتماعي لقطاع من العمالة، ما ينعكس على الأمن الاجتماعي للمجتمع ككل، كما ستؤدي عمليات الخصخصة (الكلية ــ  الجزئية) إلى ازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء، وزيادة معدلات البطالة والفقر؛ لأن الشركات سوف تتحكم في العمالة لتقبل بمعدلات دخول أقل وساعات عمل أكثر، أي علاقات عمل أكثر استغلالا.

– زيادة حدة الاغتراب وشعور المصري بالغربة داخل بلاده؛ وهو ما يزعزع قيم الانتماء للوطن وينتج شعورا باليأس والإحباط واللامبالاة. وسيشعر العمال تحديدا بالانفصال  ما بين وسائل الإنتاج ومردود العملية الإنتاجية من أرباح وإنتاج. سيشعر العامل بأنه مستلب، ويعمل لدى الغير دون تقدير وتحت ظروف عمل قاسية، على عكس إحساس العمال بالأمن الوظيفي والاستقرار في إطار من عملية المحاسبة والرقابة والإثابة والحافز الإنتاجي.

– ستساهم عملية الخصخصة الكلية (بيع الشركة لطرف واحد) أو الجزئية (طروحات الشركات في البورصة ) في تركيز الثروات وملكية وسائل الإنتاج في يد فئة محدودة، وكما صاحبت عمليات الخصخصة والتصفية في مرحلة التسعينيات وما تلاها حركات احتجاجية، سوف نشهد على أثر المظالم العمالية حركة تقاوم العصف بحقوق العمال، وتقاوم فساد الخصخصة، وعمليات نهب الشركات أو محاولات تصفيتها، وتسريح العمالة، وسيكون المشهد العمالي ساخنا، خاصة مع ازدياد أعباء الحياة على العمال ذوي الدخول الثابتة، وإذ توافر ظهير مساند للعمال سوف يقوي ذلك الحركة العمالية في دفاعها عن حقوقها وعن ملكية الشركات، وضد محاولات بيعها أو تصفيتها.[[18]]

 

 

[1] جلال أمين/ كيف ظهرت «موضة» الخصخصة؟/ بوابة الشروق ــ الثلاثاء 19 مايو 2015

[2] محمود الخفيف/ عمال حديد وصلب مصر فى مواجهة العولمة والخصخصة والتبعية/ بوابة الشروق ــ  السبت 28 ديسمبر 2013

[3] جلال أمين/ أستاذ كورى.. يفتح النار على الخصخصة/ بوابة الشروق ــ الثلاثاء 7 أكتوبر 2014

[4] «تقرير: الشركات متعددة الجنسيات تسيطر على مفاصل الاقتصاد المصري»/ العربي الجديد 13 يونيو 2015

[5] محاسن أُصرف/ خصخصة السكك الحديدية: مأساة يخشاها المصريون/ إضاءات الأحد 8 أبريل 2018

[6] مصر تُشرك القطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية/ العربي الجديد ــ 11 أكتوبر 2021

[7] مصر تعدل قانون الكهرباء إيذاناً بـ”خصخصة المرفق”/العربي الجديد ــ 27 ابريل 2021

[8] محمد حميدة/ هل يسهم بيع القطاع العام المصري في إنقاذ الوضع الاقتصادي؟/ بي بي سي 22 مارس 2018

[9] «البرلمان المصري يوافق نهائياً على خصخصة السكك الحديدية»/ العربي الجديد 4 مارس 2018

[10] محمد يوسف/ البرلمان يمهد لخصخصة الشهر العقاري: «زي أوروبا والدول المتقدمة»/مصر العربية 02 أبريل 2018

[11] كامل الوزير يعلن عن شركات عالمية لإدارة سكك حديد مصر: شروع في الخصخصة/ العربي الجديد ــ 21 ابريل 2021

[12]صبري الخولي/ مجلس الوزراء يصدر 13 قرارًا.. أبرزهم خصخصة 45 مستشفى/ مصر العربية 19 أبريل 2017

[13] ربيع السعدني/ لماذا ظهرت دراسة أمريكية لـ«خصخصة المستشفيات» بعد 8 سنوات من اختفائها؟/ التحرير 8 أبريل 2018

[14] نحو الخصخصة… جامعات أهلية تابعة للحكومة المصرية/ العربي الجديد ــ12 سبتمبر 2020

[15] البرلمان المصري يُقر اليوم تشريع خصخصة الغاز الطبيعي/ العربي الجديد ــ 05 يوليو 2017

[16] عبدالرحيم بخاري/ مخاطر الخصخصة: وجهة نظر قد تزعجك/ العربي الجديد ــ 21 يناير 2016

[17] عودة شبح مبارك.. هل تنجح خصخصة السيسي في علاج أمراض الاقتصاد المصري؟/ نون بوست ــ 19 يوليو 2018

[18] عصام شعبان/ مخاطر الخصخصة الجزئية في مصر/ العربي الجديد ــ 22 ابريل 2018

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022