نفذ الناشط في حركة حماس، فادي أبو شخيدم [42 عامًا] من مخيم شعفاط بالقدس، فى 21 نوفمبر 2021، عملية إطلاق نار باستخدام بندقية من نوع “كارلو” ضد مستوطنين إسرائيليين في منطقة باب السلسلة بالقدس المحتلة، أسفرت عن مقتل مستوطن صهيوني، وإصابة ثلاثة آخرين[1]. ويمكن الإشارة إلى مجموعة من الدوافع والدلالات حول تلك العملية، منها:
– تمثل تلك العملية رد فعل طبيعى على الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين فى الضفة الغربية والقدس، وكان أخرها، إعلان الحكومة الإسرائيلية أنها بنت اكثر من 40 الف من الوحدات الاستيطانية العام الماضي، وستبني هذا العام ما يزيد عن ال60 الف وحدة استيطانية، كما تعاظمت عمليات الاقتحامات للمسجد الأقصى، لا بل أن الحكومة الصهيونية تنوي تنظيم زيارة طلاب المدارس الصهيونية عموما والتلمودية خصوصا للمسجد، وتدفع مع مختلف مكونات المجتمع اليهودي الصهيوني للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد، كما قامت بقطع مئات وآلاف أشجار الزيتون، بجانب رفضها مبدأ السلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، وعودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194، بالإضافة لمصادرة ونهب العقارات والمنازل الفلسطينية بوثائق مزورة، وبدون وثائق، وتقوم بهدم البيوت الفلسطينية بذريعة عدم الترخيص[2].
– حدوث تغير فى القواعد الأمنية والإستخباراتية التي كانت تضعها دولة الاحتلال لضبط وتشديد الخناق والحصار على مدينة القدس المحتلة وسكانها. فقد شهدت مدينة القدس وضواحيها طوال الشهور الماضية وسائل مقاومة مختلفة للاحتلال كان أبرزها الطعن والدهس. فقبل بضعة أيام، تمت عملية طعن لشرطيين جندي ومجندة في قوات حرس الحدود في شارع حجاي قرب مدرسة عطروت هكوناهيم في البلدة القديمة بالقدس، استشهد خلالها المنفذ، والذى ينتمى لحماس[3]. ومنذ اندلاع العمليات الفلسطينية ضد الاحتلال في السنوات الأخيرة شكلت سمتها الأساسية أنها فردية، ودوافع تنفيذها شخصية، ومنفذوها شبان صغار وفتيان، وسلاحها المستخدم السكاكين، بعيدًا عن إطلاق النار، إلا نادرًا. لكن ما شهدته مدينة القدس من تنفيذ عملية جديدة ضد الاحتلال تبدو مغايرة للسمات الواردة أعلاه، فالمنفذ عالم دين متعلم دخل العقد الرابع من عمره، وتنكر بزي مستوطن للاقتراب من هدفه، وسلاحه ناري موجه، ما قد يستدعي أمن الاحتلال لإعادة تصميم “البروفايل” الخاص بمنفذي الهجمات[4]. كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن اعتقال أكثر من 50 عنصراً من حركة حماس، وزعم ضبط أحزمة ناسفة ومتفجرات كانت ستستخدم لتنفيذ عمليات تفجيرية داخل إسرائيل، وذلك في إطار إحباط شبكة تابعة لحماس كانت تعمل في الضفة الغربية[5]، ما يوحى بوجود جهات منظمة تقف خلف تلك العملية. ويتمثل التطور الأخطر الذى كشفت عنه العملية الأخيرة أن السّلاح المُستَخدم في تنفيذ هذا الهُجوم (رشّاش كارلو) مُصنّع محَلِّيًّا على الأغلب، الأمر الذي يعني أن التّسليح الذّاتي بات عُنوان المرحلة، وقد يكون تمهيدًا لانتقال تكنولوجيا الصّواريخ من قطاع غزّة إلى الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وهذا تطَوُّرٌ إذا تأكّد، سيقلب كُل مُعادلات القُوّة في الأراضي المُحتلّة. ويضاف لذلك، ما تملكه حماس من قوّة ردع صاروخيّة عُظمى، استطاعت من خِلالها بثّ الرّعب في نُفوس الإسرائيليين أثناء معركة “سيف القدس” في مايو الماضي عندما أطلقت والفصائل الأُخرى أكثر من 4200 صاروخ وصلت في مُعظمها إلى أهدافها في العُمُق الفِلسطيني المُحتل، وأغلقت المطارات الإسرائيليّة، ودفعت أكثر من ستّة ملايين مُستوطن إلى الاحتِماء بالملاجئ، ودمّرت أُسطورة القُبب الحديديّة[6].
– إذا حدث واتفق كثير من الإسرائيليين والفلسطينيين على شيء، فهو أن شعبية حماس في القدس تزداد بشكل لافت في الفترة الأخيرة، حسب وصف صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية اليمينية. فرغم مطاردة الاحتلال والسلطة الفلسطينية لكوادر حماس في القدس والضفة الغربية، إلا أن الحركة تؤكد أنها تضع القدس في مقدمة اهتماماتها وهو ما ظهر في عملية باب السلسلة أحد أبواب مدينة القدس المحتلة. ويبدو أن شعبية حماس في القدس وأيضاً الضفة قد ارتفعت أثناء وبعد حرب غزة التي وقعت في مايو الماضي ودامت 11 يوماً مع إسرائيل. فالحرب التي اندلعت على خلفية النزاع الدائر حول طرد العائلات العربية من منازلها في حي الشيخ جراح والانتهاكات الإسرائيلية في المدينة، وتحديداً المسجد الأقصى، جعلت حماس في أعين المقدسيين والفلسطينيين عامة بمثابة “حامية” القدس وسكانها ومواقعها المقدسة الإسلامية والمسيحية. وخلال حرب غزة وبعدها، كان آلاف الفلسطينيون يتظاهرون عقب صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، مرددين هتافات مؤيدة لحركة حماس وجناحها “العسكري” عز الدين القسام، كما حيوا محمد ضيف قائد القسام تحديداً. وطالب المتظاهرون، وكثير منهم من سكان القدس الشرقية، حماس بإطلاق الصواريخ على إسرائيل ومواصلة “الكفاح المسلح حتى تحرير القدس وكامل فلسطين”[7].
– يحاول الاحتلال الإجابة عن السؤال: هل عملية القدس نُفّذت بدوافع وتخطيط فردي؟ أم هي منظمة تقف خلفها خلية فلسطينية تتبع لأحد فصائل المقاومة؟ علماً بأن حركة حماس أكدت أن الشهيد فادي هو أحد كوادرها. خشية الاحتلال من كون العملية منظمة، نابعة من تخوّفه من تنفيذ سلسلة عمليات، ما يعني استنزاف قواته أمنياً، وإجباره على زيادة عديد القوات وانتشارها. عملية الاستنزاف ترهق الاحتلال ولا يقوى على تحمّلها، وهو يميل في مواجهاته المختلفة إلى الحد منها. لذا فالعدو يستخدم أسلوب الإحباط والعمل على تفكيك الخلايا المسلحة قبل نجاحها في تنفيذ عمليات عسكرية، لأنه يدرك أن نجاح عملية واحدة سيشجع على تنفيذ عمليات غيرها، ما يعني الوقوع في مستنقع الاستنزاف، بينما نجاحه في عملية الإحباط يؤدي إلى خفض الدافعية لتنفيذ عمليات مسلحة وإنشاء خلايا عسكرية، وبالتالي وقف مسلسل الاستنزاف في مهده. يظن العدو أن العدد المتزايد للعمليات العسكرية مؤخراً، يعزّز من فرضية أنها منظمة تقف خلفها حركات المقاومة، رغم أنه لا يزال يعتقد أن معظمها يغلب عليه الطابع الفردي. يعتقد العدو أن حركة حماس تحديداً، وفصائل المقاومة عموماً، يسعون لإشعال ساحة الضفة الغربية، وهو يراهن على سلوك السلطة الفلسطينية تجاهها، ويعتبر أن المصلحة مشتركة بينه وبين السلطة لإحباط مساعي المقاومة لإشعال المواجهة مع الاحتلال في الضفة والقدس.
ولعل ذلك كان محور التباحث بين رئيس الشاباك الصهيوني الجديد، رونين بار، الذي التقى الرئيس عباس مؤخراً في رام الله، وكانت الدافع خلف قيام عباس بإقالة جميع رؤساء الأجهزة الأمنية في جنين، بسبب الظهور العلني المكثف وغير المسبوق لعناصر مسلحين من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، خلال تشييع القيادي في الحركة وصفي قبها الذي وافته المنية قبل أيام. كما شنّت القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حملة أمنية على منطقة جنين بهدف اعتقال مقاومين فلسطينيين، ما أدى إلى اندلاع مواجهات بينها وبين أبناء جنين، رفضاً لهذه الحملة[8].
كما تسعى إسرائيل إلى استخدام عملية القدس للترويج لدعاياتها بأن حماس بشقها السياسى والعسكرى هى حركة “إرهابية”، وهى الدعاية التى أصبحت تلقى قبول ودعم دولى. حيث أن عملية القدس جاءت بعد يوم واحد من تصنيف بريطانيا حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشقيها السياسى والعسكرى “إرهابية”. وذكرت تقارير إسرائيلية أن منفذ عملية القدس ينتسب إلى الشقّ السياسي للحركة، لتأكيد إسرائيل صفة الإرهاب عليه إلى جانب الشقّ العسكري لـ”حماس”.
كما تسعى المعارضة الإسرائيلية إلى توظيف الحدث فى محاولة الضغط على الحلقة الأضعف في التحالف الحكومي في إسرائيل، وهو القائمة العربية في الكنيست، برئاسة منصور عبّاس؛ فقد طلبت المعارضة، وفي مقدمتها حزب الليكود، من القائمة إصدار بيان لا لبس فيه، وخال من أي تحفظات، لإدانة هذا العمل الإرهابي (حسب لفظة حزب الليكود في حسابه في “تويتر”)، حيث تسعى المعارضة إلى اسقاط الحكومة، بدعوى تحالفها مع مؤيدي “الإرهاب”، مثلما اعتادت المعارضة و”الليكود” ترويجه ضد القائمة العربية[9].
أيضًا، قد تسعى إسرائيل إلى استخدام الحادث كمبرر لاجتياح قطاع غزة، فى ظل إعلان نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي حالة الاستنفار في صُفوف قوّاته، وتهديده لحركة “حماس” بانتقامٍ كبير على خلفية تلك العملية. وهو التهديد الذى يأتى بالتزامن مع مشروع القرار البريطانى لتصنيف حماس كحركة “إرهابية”. ولعل أخطر ما ورد في تصريح وزير الداخلية البريطانية حول القرار قولها “إنّ حماس تملك قُدرات إرهابيّة واضحة تشمل امتِلاك أسلحة كثيرة ومُتطوّرة فضلًا عن مُنشآتٍ لتدريب إرهابيين لهذا اتّخذت إجراءات بحظرها”، وهذه التّصريحات تُذكّرنا بمثيلاتها حول أُكذوبة أسلحة الدّمار الشّامل العِراقيّة، وتُشَكِّل تحريضًا على اجتِياح قِطاع غزّة[10].
[1] ” هجوم فدائي في القدس والمنفذ أحد قادة حماس في مخيم “شعفاط””، البيان، 21/11/2021، الرابط:
[2] ” أسباب عملية باب السلسلة”، مركز الناظور للدراسات والأبحاث، 22/11/2021، الرابط:
[3] “عملية القدس المسلحة.. صراخ وهلع وتغيير جذري للقواعد الأمنية، رأى اليوم، 21/11/2021، الرابط:
[4] ” تقدير موقف.. عملية القدس استمرار لـ”هبة مايو””، قدس نت، 22/11/2021، الرابط:
[5] ” إسرائيل قلقة من تنامي قوة حماس بالضفة مقابل ضعف السلطة.. وخبراؤها يحذرون من “انتفاضة جديدة””، عربى بوست، 23/11/2021، الرابط:
[6] ” ماذا يعني الهُجوم المُسلّح لحركة “حماس” في قلب القدس بعد ثلاثة أيّام من وضعها على قائمة الإرهاب في بريطانيا؟ رأى اليوم، 21/11/2021، الرابط:
[7] ““المقدسيون يهتفون باسم الضيف”.. لماذا تزداد شعبية حماس في القدس والضفة رغم قمع إسرائيل والسلطة لها؟”، عربى بوست (مترجم)، 23/11/2021، الرابط:
[8] ” عملية القدس: مؤشرات الانتفاضة الثالثة تتزايد”، الميادين، 22/11/2021، الرابط:
[9] “في التوظيف الإسرائيلي لعملية القدس”، العربى الجديد، 25/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3FPeI54
[10] ” ماذا يعني الهُجوم المُسلّح لحركة “حماس” في قلب القدس بعد ثلاثة أيّام من وضعها على قائمة الإرهاب في بريطانيا؟ مرجع سابق.