تباينت الآراء حول فيلم «أميرة» الأردني الذي تم بإنتاج مشترك مصري أردني سعودي إماراتي؛ حيث تم عرضه أول مرة في 03 سبتمبر 2021م، للمخرج المصري محمد دياب، الفيلم من بطولة تارا عبود في دور أميرة، إلى جانب كُل من صبا مبارك وعلي سليمان في أدوار ثانوية. حظي الفيلم بمباركة وترحيب دولي واسع، وحصل على عدة جوائز؛ فقد عرض، للمرّة الأولى، ضمن فعاليات الدورة الـ78 من مهرجان فينيسيا السينمائي حيث شارك في مسابقة “آفاق”، ونال ثلاث جوائز: جائزة لانتيرنا ماجيكا التي تمنحها جمعية تشينيتشيركولي الوطنية الاجتماعية الثقافية للشباب (CGS)، جائزة إنريكو فولتشينيوني التي يمنحها المجلس الدولي للسينما والتليفزيون والإعلام السمعي البصري بالتعاون مع منظمة يونسكو، وجائزة إنترفيلم لتعزيز الحوار بين الأديان.
كما شارك الفيلم في مهرجان «الجونة» بمصر في أكتوبر 2021م، ثم «قرطاج» بتونس، وفي مهرجان “كرامة لأفلام حقوق الإنسان” في عمّان، جرى فضحه والكشف عن رسائله المشبوهة؛ وأمام الضغوط الشعبية ورفض الرأي العام العربي للفيلم اضطر المخرج محمد دياب إلى سحبه من التسابق في أول دورة لمهرجان البحر الأحمر بمدينة جدة السعودية في ديسمبر 2021م، كما اضطرت الهيئة الملكية الأردنية إلى سحب ترشيحها للفيلم ليكون ممثلا عن الأردن على جائزة الأوسكار.
تدور قصة الفيلم حول مراهقة فلسطينية تدعى أميرة، تفتخر أنها ولدت نتيجة تهريب نطفة لأسير فلسطيني، وأثناء زيارتها لوالدها في سجن مجدو الإسرائيلي، يطلب الزوج الأسير (والد أميرة) من زوجته تكرار التجربة من جديد وإنجاب طفل آخر بتهريب نطفة جديدة، لكن الزوجة ترفض ثم تقبل تحت الضغط والإلحاح؛ وتحدث المفاجأة عندما يتم تهريب النطفة حيث تثبت التحاليل أن صاحب هذه النطفة “عقيم” ولا يمكن أن ينجب أبدا! ليبدأ فصل جديد من حياة “أميرة” للبحث عن والدها الحقيقي وبتحليل الـ DNA تكتشف أن والدها الحقيقي هو ضابط إسرائيلي وضع نطفته مكان نطفة الزوج (الأسير الفلسطيني).
حيثيات المدافعين عن الفيلم
وعلى الرغم من الرفض الشعبي العارم لرسائل الفيلم، إلا أن فريقا من النقاد والمحللين دافعوا عن الفيلم من باب حرية الإبداع والتعبير، وأن الرد على رسائله حتى لو كانت مسيئة لا يكون بالمنع والإقصاء بل بالنقد وأعمال فنية مماثلة تتبنى الرؤية المقابلة. ومن هؤلاء الكاتب والمحلل السياسي حسام كنفاني في مقاله «أميرة.. وتصاعد الإقصاء»، المنشور بصحيفة “العربي الجديد” اللندنية في 12 ديسمبر 2021م؛ حيث يؤكد أولا أن كثيرا ممن انتقدوا الفيلم لم يشاهدوه أساسا لأنه لم يعرض سوى في مهرجانات، ولم يتم بثه على الشبكة العنكبوتية. ويرى أن الفكرة العامة المطروحة أمام الجمهور لا تستوجب مثل هذا الغضب، وخصوصاً المنع، ولا سيما أن الحديث هو عن عمل إبداعي، وعادة ما تكون هناك مساحة واسعة فيه للخيال، ويحتاج أيضاً إلى حبكةٍ درامية، صادفت هنا أنها عبر تبديل النطف.
ويؤكد أنه ليس بصدد الدفاع عن الفيلم، بل في انتقاد فكرة المنع التي تزايدت جداً في الآونة الأخيرة، وهو أمرٌ لم يكن موجوداً في السابق، خصوصاً أن هناك روايات كثيرة حملت مضامين ورسائل يمكن القول إنها إشكالية، لكنها مع ذلك بقيت موجودة، وفتحت أبواباً واسعة للسجال المفيد. ويستدل على ذلك برواية «عائد إلى حيفا» للأديب والمناضل الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، التي تحمل فكرة مشابهة، لكن بطريقة معكوسة، فالرواية، لمن لم يقرأها، عن عائلة فلسطينية اضطرّت إلى ترك ابنها في حيفا في أثناء الهروب في النكبة عام 1948، لتربيه عائلة إسرائيلية. وبعد سنوات، تتمكّن هذه العائلة الفلسطينية من زيارة حيفا، وبعد البحث عن الابن، يتّضح أنه أصبح جندياً في الجيش الإسرائيلي. الرواية التي تعد من أهم أعمال كنفاني، ووجدت طريقها إلى السينما والتلفزيون، لم تثر أي جدلٍ في ذلك الحين، لكنها لو صدرت في هذه الأيام لكان من الممكن أن تتعرّض إلى حملة شيطنة، ويتهمها بعضُهم بأنها عن أسرلة الفلسطينيين الذين بقوا في الداخل، واندماجهم مع المجتمع الإسرائيلي، فيما قد يدافع عنها آخرون، ويشيرون إلى أنها تنتقد التجاهل العربي لفلسطينيي الداخل وإزالتهم من حسابات القضية الفلسطينية. لينتهي إلى أنه من المفهوم أن هناك من قد يرى رسائل مختلفة في فيلم “أميرة”، أو في أي فيلم آخر، وهو أمر حمّال أوجه، شانه شأن أي عمل إبداعي، وهو ما يستوجب النقاش، وليس الإقصاء.[[1]]
وفي مقاله («أميرة» واقع أم خيال؟) يدعو الناقد الفني طارق الشناوي، إلى ضرورة التعامل مع العمل الدرامي بوصفه عملا افتراضيا وليس واقعيا؛ ويضيف أن «الشريط السينمائى «فيلم أميرة» لا يوحى من قريب أو بعيد بالتسامح أو الغفران أو المصالحة أو حتى التعايش مع الاحتلال، إلا أنه فى نفس الوقت لا يدعو إلى توجيه السلاح مباشرة إلى قلب إسرائيل، البطلة أميرة 18 عاما اغتالها الجنود الإسرائيليون، أثناء عبورها الحدود إلى دولة إسرائيل، لو تخيلت النهاية العكسية، (أميرة) تمسك بالمسدس وتطلق نيرانها على الجنود المدججين بالسلاح، لتغير الموقف 180 درجة، وهتف الناس للفيلم وصُناعه.
مضيفا: “الفيلم قطعًا تجاوز الواقع والمطلوب من المتفرج ألا يقرأه واقعيًا، حتى لو لم تكن الحكاية واقعية فإن الشريط بكل مفرداته يظل واقعيًا، ولهذا لا نلوم الجمهور، الذى قرأه واقعيًا وليس افتراضيًا”. وتابع: “لم ألمح ولو بالإيحاء رسائل سياسية أو فكرية مضمرة، ولكن طالما أن هناك قطاعًا لا يستهان به، وصلته رسالة ملتبسة وقرأ أشياء أخرى، لم يقصدها المخرج، فهذا يعنى أن شفرة التواصل والأبجدية بين صانع الفيلم وجمهوره ممن تكتوى أياديهم بالنار لاتزال قابلة للاشتعال، وتلك هى المشكلة الحقيقية لفيلم (أميرة)!!”. وينتهي إلى أن الفلم قائم على واقعة حقيقية، وهى أن الفلسطينى يقاوم الاحتلال بسلاح لا يمكن قهره وهو التفوق البشرى، يزداد معدل المواليد، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للكيان الإسرائيلى عندما تصبح الأغلبية عربية.[[2]]
دفوع الرافضين
في المقابل، يرى فريق الرافضين للفيلم، أنه تجاوز حدود حرية الإبداع ليقدم عملا يستهدف به تزييف الواقع وإضعاف مناعة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية التي تقاوم عمليات التجريف والتزييف التي تقودها أنظمة التطبيع العربي، وأن رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» التي جرى تحويلها إلى إعمال درامية وسينمائية لم تتهاون في نقد الحالة الفلسطينية بجرأة لا تقبل اللبس، قدمت درسا مهما يقول إن الإنسان قضية وليس علاقة دم ووراثة فقط، ورأت أن الانخراط في المقاومة هو الحل. ولم يكن من باب الصدفة أن رواية “عائد إلى حيفا” ساهمت في تطوع آلاف الشبان في المقاومة. أما فيلم أميرة الذي أراد أن يقول إن الطفلة التي كانت نتاجا لنطفة إسرائيلية بديلة للنطفة الفلسطينية بقيت ملتزمة بقضيتها وبأسرتها الفلسطينية، لكن النتيجة الأكثر حضوراً من فرضية الفيلم كانت تشكيكا بإنجاز الأسرى في تهريب نطفهم. وافتراض مخرج الفيلم، أدى إلى نتائج معنوية وخيمة ليس أقلها تقديم الإسرائيلي كطرف قادر على إلغاء إنجاز الأسرى في تهريب النطف، وتحويل عناصر قوة الأسرى إلى عناصر ضعف وشك. وبالتالي فإن فيلما من هذا النوع تحول موضوعيا إلى جزء من الحرب النفسية الموجهة ضد الأسرى وضد القضية الأكبر قضية التحرر من الاحتلال، في أصعب اللحظات وأشدها خطرا.
أضف إلى ذلك أن القائمين على الفيلم تعاملوا بعقلية المستشرقين من زاوية عدم فهمهم للواقع، وفي تجاهلهم للفئة المستهدفة (الأسرى وعائلاتهم وتحديدا أصحاب وصاحبات تجربة النطف)، في الوقت الذي أجمع فيه كثيرون على عدم وجود بحث وقاعدة معلومات للفيلم، فقط اعتمدوا على الخيال وافتراضاته، بينما يؤكد الشاعر الراحل محمود درويش أنه عكف على دراسة 400 مرجع عن العرب في الأندلس، لتكوين بيئة لقصائده عن تلك الفترة. لينتهي هذا الفريق إلى رأيين: الأول مع منع الفيلم بوصفه وثيقة تزييف وافتراء وطعن في الأنساب. والثاني يرى أن منع الفيلم رغم إدانته كان خاطئا وأن تفكيكه ونقده بشكل بناء ورأي عام ضد التقاطع مع الرواية الإسرائيلية وضد ثقافة التماهي مع المعتدي هو الأصح.[[3]]
ويؤكد نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب، رفض النقابة بشكل قاطع لما تضمنه فيلم “أميرة” من إساءات واضحة للأسرى وأسرهم وللنضال الفلسطيني كله، ويتهم صناع الفيلم والقائمين على إنتاجه بأنهم من «أصحاب الإفك» الذين يروجون الأكاذيب ويطعنون في الأنساب. وأشار في حديثه الإذاعي المتلفز لبرنامج “طلة صباح” مع الإعلامي عادل أغريب والذي يبث عبر الرابعة وشاشة معاً أن القائمين على الفيلم برروا “بأن هناك فلسفة وجودية وغير وجودية بعدما تم إيقافه، مؤكدا أن هذا بحد ذاته «عذر أقبح من ذنب»، مؤكدا “أن الفن رسالة والرسالة في فيلم أميرة “موبوءة وغير بريئة على الإطلاق”. متهما القائمين على الفيلم بأنهم يفرطون في أوطانهم وكرامتهم من أجل الشهرة والدولارات وسجادة مهرجان.[[4]]
رسائل الفيلم
الرسالة الأولى والبارزة في محتوى فيلم «أميرة» الأردني وحبكته الدرامية، هي الطعن والتشكيك في صحة نسب أطفال الأسرى الذين ولدوا بطريقة تهريب النطف؛ فالنهاية الصادمة عندما تكتشف أميرة أنها كانت نطفة لضابط إسرائيلي ،هي رسالة واضحة وطعن في أنساب أبناء الأسرى الذين ولدوا منذ بداية عمليات تهريب النطف في 2012م، لا ينفيها أن يختتم صناع الفيلم ذلك بعبارة «منذ 2012 وُلد أكثر من 100 طفل بطريقة تهريب النطف، كل الأطفال تم التأكد من نسبهم»، وكأن الفيلم بالعبارة الأخيرة (كل الأطفال تم التأكد من نسبهم) يضع كل أطفال النطف المهربة في موضع الشك أساساً، ويأتي في النهاية ليقول إن كل الأطفال تم التأكد من نسبهم، وكأنهم مشكوك في نسبهم أصلاً، فيأتي الفيلم ليبرّئهم، وهذا يُظهر بوضوح مقصد الفيلم وهدفه، بوضع نَسب هؤلاء الأطفال في موضع الشك، وهل هناك ما هو أكثر طعناً بشرف زوجات وعائلات عشرات الأسرى ممن لجأوا للنطف المهربة أكثر من ذلك!
الرسالة الثانية، أن الفيلم لا يطعن فقط بقضية النطف المهربة، بل يطعن بالمجتمع الفلسطيني وعوائل المناضلين والأسرى ككل، لأنه يصور زوجة الأسير خائنة لزوجها عبر علاقة زنا محرمة مع صديق زوجها الأسير، الذي يخرج من السجن، ويجلب رسالةً لها من زوجها (والد أميرة بطلة الفيلم)، فتنشأ بينهما علاقة، وتفكر الزوجة في الانفصال عن زوجها الأسير، لترتبط بصديق زوجها الأسير، الذي أصبح بعد ذلك شهيداً، ويبرر الفيلم ذلك لها على لسانها وهي تقول إنها لم تستطع أن تصبر أكثر وتمضي حياتها دون أن يلمس جسدها أحد ما! ويظهر الفيلم انتشار الشكوك داخل مكونات الأسرة الفلسطينية وخاصة أسر الأسرى؛ فالأسير (والد أميرة) يشك في شقيقه الذي يعيش هو وعائلة الأسير ككل في نفس المنزل، بل تشك زوجة شقيق الأسير هي أيضاً بزوجها أنه يخونها مع زوجة شقيقه، بعد اكتشاف أمر “أميرة” أنها ليست ابنة الأسير، إذاً معنى ذلك أن هذا مجتمع يشك بعضه ببعض، ولا أخلاق لديهم أو شرف، وفق الرسالة التي أراد منتجو الفيلم تسويقها والدعاية لها، بل السعي للحصول على أرقى الجوائز الدولية في الأعمال السينمائية وعلى رأسها المنافسة على جائزة الأوسكار.[[5]]
الرسالة الثالثة، والمحورية في الفيلم هي الدعاية للتطبيع بصورة غير مباشرة؛ فنهاية الفيلم تنتهي بشكل صادم؛ إذ تعرف بطلة الفيلم (أميرة) من والدها الأسير أنه عقيم لا ينجب، وبالبحث وتحليل DNA تكتشف أن والدها ” ضابط صهيوني” هو أحد حراس السجن الإسرائيلي الذي قام بتغيير نطفة الأسير بنطفته، ما يعني أن أميرة التي يقدّمها الفيلم في إطار رومانسي جميل يدعو إلى التعاطف معها والقبول بها، كما هي، ابنة مشتركة للجاني (الاحتلال) والضحية (فلسطين)، أمها فلسطين وأبوها الاحتلال، وعليك أن تتعايش مع واقعها الوجودي وتسلّم به، بل وتدافع عنه. الرسالة هنا هي أن هذه الفتاة (أميرة) هي رمز للأرض وعليك أن تقبل بها للطرفين معا، المعتدي والمعتدى عليه، القاتل والمقتول، اللص والضحية، تلك هي الرسالة التي يراد إيصالها والتسليم بمضمونها. وحين نعلم أن الفيلم إنتاج مشترك بين كل من مصر والأردن والسعودية والإمارات، وتخطّت ميزانية إنتاجه، كما كشف محمد حفظي أحد المشاركين في إنتاجه 350 ألف دولار، فنحن هنا بصدد مشروع سياسي شرق أوسطي كبير، ينطلق من مخرجات كامب ديفيد الجديدة، التي وقعتها كل من الإمارات والبحرين والكيان الصهيوني، في حديقة البيت الأبيض، قبل نحو عامين، وباركتها كل من مصر والسعودية والأردن، ثم التحقت بها المغرب باتفاق ثنائي مع الاحتلال. هذا المشروع، أو هذا الفيلم، بمحتواه وتعدّد جهات إنتاجه وميزانيته الضخمة، هو أول تعبير سينمائي مباشر عمّا يسمّى “اتفاق أبراهام” الذي يقوده جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق للأمن القومي، والذي ينشط الآن في المنطقة، بعد أن أنشأ معهد أبراهام لاتفاقات السلام، وهي مجموعة غير ربحية تسعى إلى توسيع العلاقات التجارية والثقافية بين إسرائيل والعرب (بحسب تقرير حديث في نيويورك تايمز).[[6]]
الرسالة الرابعة، هي الطعن والتشكيك كذلك في دوافع النضال الفلسطيني؛ فعندما تكتشف (أميرة) أنها ابنة السجان الصهيوني بعد إجراء فحوصات DNA، تقرر الانتقام فتجتاز سلكا شائكا باتجاه تل أبيب لمنزل السجان لقتله، وفي طريقها تتراجع بعد أن تبحث عنه في شبكة الإنترنت وتكتشف أن لديه عائلة وأطفالا. معنى ذلك أن دوافع النضال الفلسطيني شخصية بحته ولا علاقة لها بالاحتلال وما يتعرض له الفلسطينيون من ظلم وانتهاكات وفصل عنصري، فدوافع النضال الفلسطيني شخصية ولا علاقة لها بقضية الاحتلال ومقاومته وتحرير الأرض. أضف إلى ذلك أن الفيلم لم يسلط الضوء على معاناة الأسرى والفلسطينيين إلا بشكل هامشي، ولم يبرز جرائم الاحتلال ما يمارسه من عنف وبلطجة وتمييز إلا في أضيق الحدود، بما يشير إلى أن صناع الفيلم كانوا حريصين على عدم إغضاب الصهاينة. يبرهن على ذلك أن الفيلم حظي بترحيب إسرائيلي؛ لأنه يتماهى مع رواية وسردية الاحتلال؛ لأنه يطرح الشكوك حول الشرف الفلسطينيّ. والتشكيك في القدرة على حدوث عملية التلقيح في ظل الإجراءات الأمنية المشددة. وفتح باب الظنون، وتحويل العملية من أداة لتقوية الرابطة الفلسطينية، إلى مدعاة للشك والنيل من صلابة تلك الرابطة. وبالتزامن مع عرض فيلم أميرة وتبنيه رسمياً من الأنظمة العربية، بدأت الصحف العبرية، على رأسها يديعوت أحرونوت، تفرد المساحات للمتخصصين في الطبّ والشؤون الأمنية للوصول إلى استنتاج نهائي مفاده أنه من الصعب التثبت من نسب هؤلاء الأولاد، ومن المستحيل نجاح تلك المحاولات.. إذاً، أبناءُ مَن هؤلاء؟ وفقا لمعالجات الإعلام الإسرائيلي للفيلم. [[7]]
خلاصة الأمر،
من الناحية الشرعية أجاز علماء فلسطين الثقات، عمليات الحقن المجهري من النطف المهربة للأسرى لزوجاتهن، ووضعوا لها شروطا تضمن صحة النسب، منها موافقة الطرفين الزوج والزوجة، وشهود محل ثقة من أصدقاء الأسير في السجن بمحضر رسمي، وشهود من أقارب الزوجين على أن تتم عملية التهريب إلى معامل فلسطينية موثوقة حتى تتم عملية الحقن المجهري بسلام تحت رعاية وإشراف أسرتي الزوج والزوجة على أن يتم إشهار ذلك في المساجد حتى يعلم الناس حقيقة الأمر فلا يتهمون زوجة الأسير ــ عندما تنتفخ بطنها ــ في شرفها ظلما وعدوانا.
ومن الناحية الطبية، تشكك جهات الاحتلال في إمكانية حدوث ذلك سعيا للتشكيك في صحة نسب هؤلاء الأطفال، وصولا إلى التشكيك في سلوك زوجات الأسرى؛ تقول متحدثة باسم مصلحة السجون الإسرائيلية هانا هيربست لوكالى فرانس برس إن عمليات التهريب هذه محض “شائعات”، إذ “ليست لدينا معلومات أو أدلة تدعم هذا الادعاء”. وتضيف “لا نعرف كيف يمكن إخراج كمية كافية من السائل المنوي واستخدامها في إجراء طبي”. لكن اختصاصي الصحة الإنجابية في مستشفى تولوز الجامعي لويس بوجان يؤكد لوكالة “فرانس برس” أنه “من المعقول” أن تظل الحيوانات المنوية حية خلال هذه الرحلة (رحلة تهريب النطف من السجن إلى المعمل) بغض النظر عن ظروف التبريد. لكن يضيف “كل هذا يتوقف على جودة الحيوانات المنوية بداية”، مشيرا إلى إمكانية الاحتفاظ بالسائل المنوي حيا في حافظة أو صندوق لأكثر من 24 ساعة”.[[8]]
ورغم هذه الضمانات فإن فيلم «أميرة» هو توظيف بالغ الوضاعة لأزمة هؤلاء الأسرى ومعاناتهم بما يشوه الحالة النضالية الفلسطينية ويسلب منها رمزيتها، ليمنحها لضابط إسرائيلي وصف بأنه المسؤول عن تهريب النطف، وكأن عمليات تسريب النطف تتم بموافقة ورضى سلطات سجون الاحتلال والتنسيق معها، ما يفقدها رمزيتها، وليس كما يؤكد الفلسطينيون أنها تمر في عملية معقدة لتصل إلى أصحابها المعنيين رغم أنف السجان والاحتلال.
[1] حسام كنفاني/“أميرة” وتصاعد الإقصاء/العربي الجديد ــ 12 ديسمبر 2021
[2] طارق الشناوي/«أميرة» واقع أم خيال؟/ المصري اليوم ــ السبت 11 ديسمبر 2021م
[3] مهند عبد الحميد /فيلم «أميرة» بين سرديتين / “عربي 21” ننقل عن صحيفة الأيام الفلسطينية ــ الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021
[4] نقيب الفنانين الأردنيين: رسالة فيلم “أميرة” موبوءة وغير بريئة/ مصراوي ــ الخميس 09 ديسمبر 2021
[5] محمود مطر/زوجات الأسرى خائنات والأخ يشك بأخيه! لقد تمكنت من مشاهدة فيلم “أميرة”، وهذا ما صُدمت برؤيته/ عربي بوست ــ 12 ديسمبر 2021م
[6] وائل قنديل/ فيلم “أميرة”: نطفة أبراهام في رحم السينما/ العربي الجديد ــ 10 ديسمبر 2021
[7] أحمد سلطان/ يتماهى مع رواية إسرائيل وتبنَّته أنظمة مطبِّعة.. هل يخدم فيلم أميرة الاحتلال بشكل غير مباشر؟/ عربي بوست ــ 10 ديسمبر 2021م
[8] أطفال فلسطينيون يولدون من نطف مهربة من خلف قضبان المعتقلات الإسرائيلية / سويس إنفو نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية ــ غرة أبريل 2021م