جرت يوم السبت 27 نوفمبر، أول انتخابات بلدية وولائية في الجزائر بعد الحراك الشعبي في فبراير 2019، وهي سابع انتخابات بلدية تجري منذ دخول البلاد عهد التعددية السياسية عام 1989. وتُجري الانتخابات المحلية للمرة الأولى، تحت إشراف هيئة مستقلة للانتخابات، بعدما كانت تشرف وزارة الداخلية عليها. فما هو دور تلك المجالس وآلية انتخابها؟ وما هي المواقف المُختلفة من تلك الانتخابات؟ وما هو موقف الأحزاب المُشاركة من التحالفات مع غيرها من الأحزاب؟ وكيف يُمكن قراءة نتائج الانتخابات؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها..
دور وصلاحية المجالس المحلية بالجزائر وآلية الانتخاب:
تتولى المجالس البلدية تسيير البلديات والشؤون العامة وثائق الحالة المدنية والمسائل الخدمية، كالنظافة والطرقات والمياه والتسيير الإداري للمدارس، والتنسيق مع شركات الغاز والكهرباء لتوصليها للسكان، والنقل الريفي والمدرسي، والإشراف على برامج التضامن الاجتماعي. كما تشارك في اختيار المستفيدين من المساكن الاجتماعية التي توزعها الدولة، لكن صلاحياتها محدودة بسبب وجود رئيس الدائرة (حاكم مقاطعة تضم ثلاث أو أربع بلديات) المعين من قبل السلطات، وكذا الوالي (حاكم الولاية) الذي يُمكن له وقف رئيس البلدية وحل المجلس البلدي. وتطالب الأحزاب السياسية بتعديل قانون البلدية لمنح المجالس البلدية سلطة مستقلة وصلاحيات أوسع. أما المجالس المحلية فهي برلمانات محلية تتولى متابعة تنفيذ البرامج الإنمائية في الولاية والمصادقة على توزيع الموازنات على القطاعات المختلفة، ومساعدة حاكم الولاية في التخطيط للبرامج والمشاريع الخدمية، لكنها تظل في الغالب بلا سلطة أو صلاحيات فعلية.[1] ويتم التصويت بنظام القائمة المفتوحة، بحيث يمكن للناخب أن يختار من قائمة واحدة فقط من يريد من المرشحين الذين يصوت لصالحهم، وبعد فرز الأصوات يتم توزيع عدد المقاعد التي حصلت عليها كل قائمة أولا، ثم يتم احتساب عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح من القوائم الفائزة بالمقاعد. ويحصل على المقاعد المرشحون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات، وتتشكل المجالس البلدية والولائية من المنتخبين التابعين لحزب أو أكثر حسب المقاعد التي حصل عليها كل حزب، وعند تشكيل المجلس البلدي والولائي يتم تقديم مرشح من بين الأعضاء الفائزين لشغل منصب رئيس المجلس البلدي والمجلس الولائي، ويحدث انتخاب داخلي لتحديد ذلك، وفقًا للتحالفات التي تحدث بين الأحزاب الفائزة. ولم تُجرى الانتخابات البلدية في ثماني بلديات، أربع في ولاية تيزي وزو، وأربع في ولاية بجاية شرقي الجزائر، حيث لم تتقدم فيها أية قائمة مرشحين. ولم يشر القانون الانتخابي إلى كيفية التصرف في هذه الحالة، إلا أنه من الممكن اللجوء إلى انتخابات جزئية، تخص فقط تلك المجالس، على أن تتخذ السلطات قبل ذلك إحدى الخيارات بشأن وضع المجالس البلدية في هذه المناطق، لضمان عدم تعطل مصالح المواطنين، بحيث يُمكن أن تلجأ السلطات إلى الإبقاء على المجالس الحالية، أو تعيين متصرف إداري يدير هذه البلديات إلى غاية إجراء انتخابات جزئية.
الحملة الانتخابية والخطاب السياسي للمرشحين:
عُقدت الانتخابات المحلية في الجزائر بعد 21 يومًا من الحملة الانتخابية التي جاب فيها قادة الأحزاب السياسية والمستقلون المدن والأحياء الشعبية، لإقناع الناخبين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، وإنهاء حالة العزوف الانتخابي، الذي بات ملازمًا للاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، منذ الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019. وباستثناء حزبين سياسيين نجحا في تحقيق تقدم نسبي على صعيد التعبئة الشعبية خلال الحملة الانتخابية، وهما “جبهة التحرير الوطني” كبرى أحزاب الموالاة و”حركة مجتمع السلم” كبرى أحزاب المعارضة، فإن هناك إجماعًا عامًا على أن الحملة الانتخابية هذه المرة قد تُعد الأضعف والأكثر فتورًا، مقارنةً مع الاستحقاقات الماضية، التي جرت منذ الحراك الشعبي في فبراير 2019. مع العلم أن الاستحقاق هو أول انتخابات بلدية وولائية تجرى منذ الحراك الشعبي، وأول انتخابات محلية تشرف عليها سلطة مستقلة للانتخابات. وتتباين التفسيرات بشأن ضعف الحملة وفتور تفاعل الجزائريين مع الانتخابات، بين دوافع وعوامل اجتماعية تتعلق بالظروف المعيشية وغلاء الأسعار من جهة، وبين مأزق الخطاب السياسي لغالبية الأحزاب السياسية خصوصًا من كتلة الموالاة التي استدعت نفس الخطاب الذي يبرر خيارات السلطة، من جهة أخرى. كما يُظهر ضعف حماسة الجزائريين، استمرار حالة الشك إزاء امكانية تحقيق تغيير جدي عبر آلية الانتخابات. وهي عوامل ستؤدي الدور الأبرز في تحديد سقف المشاركة الشعبية في عمليات التصويت بعد غد السبت. ويُحمِّل الكثير من المحللين مسؤولية ضعف الحملة الانتخابية إلى السلطة أولًا، بسبب إفسادها العمل السياسي والتضييق على الأحزاب الحقيقية وسياساتها الفاشلة، التي عمَّقت الشرخ بين المواطن والصندوق، جراء تلاحق الأزمات الاجتماعية. لكن المحللين يحمِّلون أيضًا الأحزاب النصيب الأكبر من المسؤولية، بسبب عدم وجود أي تطور في الأداء السياسي وعودة الخطاب الشعبوي. وتُظهر هذه المسألة حصول تغيرات وتحولات كبيرة خلال الفترة الأخيرة في علاقة الجزائريين بالمجتمع السياسي والأحزاب، التي باتت في الغالب ومن دون تعميم، مجرد غطاء وتفويض انتخابي بالنسبة للمرشحين، فيعفيهم من بعض الأعباء التقنية والفنية، خصوصًا بعد أن أدَّت مرحلة الحراك الشعبي إلى انكشاف الكثير من الأحزاب التي كانت تدعم سياسات السلطة والرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وترجع هشاشة المؤسسة الحزبية والبيئة السياسية غير السليمة في الجزائر إلى ضعف التكوين السياسي، وإهمال التنشئة السياسية، والظرفية في مرحلة الانتخابات.[2]
موقف الرئيس والحكومة من الانتخابات:
قانونيًا، تنتهي الولاية الحالية للمجالس الشعبية (البلديات والولايات) في نوفمبر 2022، لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قرَّر إجراء انتخابات محلية مبكرة لتجديد هذه المجالس لولاية من 5 سنوات. وفي 31 أغسطس الماضي، وقَّع تبون القرار الخاص باستدعاء الناخبين، تحسبًا للانتخابات المسبقة للمجالس الشعبية البلدية والولائية. وتُعتبر هذه الاستحقاقات ثاني موعد انتخابي مُسبق تنظمه الجزائر في أقل من 6 أشهر، بعد الانتخابات النيابية التي نُظمت في 12 يونيو الماضي. وتأتي هذه العمليات الانتخابية، ضمن الالتزامات الرئيسية لتبون في الجانب السياسي، الذي استهله بتعديل دستور البلاد (مطلع عام 2021 الجاري)، ثم قانون الانتخابات (في مارس الماضي) فإجراء الاستحقاقات على ضوء التعديلات الدستورية والقانونية التي تكفَّلت بصياغتها لجنة خبراء في القانون. ويعتبر الرئيس الجزائري، الانتخابات المحلية “آخر محطة في مسار تجديد مؤسسات الجزائر الجديدة”، مثلما صرَّح في خطابه أمام ندوة رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية. ولطالما اعتبر تبون، أن التغيير الذي طالب به الجزائريون في مسيرات الحراك الشعبي، منذ 22 فبراير، يتحقق من خلال تغيير المؤسسات وليس الأشخاص، وشدَّد في العديد من المناسبات على أن تعديل الدستور يُعتبر القاعدة الأساسية لبناء نظام حكم جديد. وبتنظيم الانتخابات المحلية، يكون الرئيس الجزائري قد أغلق الورشة السياسية الكبرى التي استهل من خلالها ما يُطلق عليه “الإصلاحات العميقة الرامية للخروج من منطق الحكم الفردي إلى حكم المؤسسات”. من جانبها تعتبر الحكومة الجزائرية التي أبعدت من الإدارة والإشراف على العمليات الانتخابية، محليات 27 نوفمبر “استكمالًا للبناء المؤسساتي للبلاد”، مثلما صرَّح به وزير الداخلية كمال بلجود، خلال إشرافه على تنصيب والٍ جديد للعاصمة الجزائر.[3]
موقف الأحزاب من الانتخابات:
بلغ عدد القوائم 5848 قائمة في البلديات (مجموع البلديات 1541 بلدية)، بينها 4860 قائمة حزبية، ويتنافس 40 حزبًا سياسيًا في هذه الانتخابات، أبرزها سبعة أحزاب هي “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي” (موالاة) و”حركة البناء الوطني” و”جبهة المستقبل” و”صوت الشعب” (من الحزام الحكومي)، و”حركة مجتمع السلم” و”جبهة القوى الاشتراكية” من كتلة المعارضة. ولم ينجح أي من الأحزاب السياسية في تغطية كامل البلديات البالغ مجموعها 1541 بقوائم المرشحين، بسبب الصعوبات السياسية التي واجهتها الأحزاب خلال جمع التوقيعات. وتقدم حزب “جبهة التحرير” قائمة الأحزاب الأكثر مشاركة في البلديات بـ1242 قائمة. وتتنافس في انتخابات المجالس الولائية 429 قائمة، بينها 341 قائمة حزبية، على مقاعد الولايات الـ58، بينها عشر ولايات جديدة ستتشكل فيها مجالس ولائية للمرة الأولى، بعد فصلها عن الولايات. ويُعد حزب “جبهة التحرير الوطني” الوحيد الذي قدم قوائم في الولايات الـ58. وعلى غرار الانتخابات النيابية الماضية، برز حضور لافت للقوائم المستقلة من الشباب في الانتخابات البلدية، بعد تشجيع من السلطات والقانون الانتخابي الذي يضمن تمويلًا للحملة الانتخابية للمرشحين الشباب الأقل من 40 سنة، حيث قدم المستقلون 988 قائمة مرشحة تنافس في البلديات، و88 قائمة مستقلة تنافس في المجالس الولائية. وتشارك في هذه الانتخابات المحلية أحزاب سياسية كانت قاطعت تمامًا المسار الانتخابي بعد الحراك الشعبي، مثل “جبهة القوى الاشتراكية”، التي كانت قاطعت الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور والانتخابات النيابية التي جرت في يونيو الماضي. وبرَّر الحزب تغيُّر موقفه بداعي الوحدة الوطنية، بسبب وضع منطقة القبائل (ذات الغالبية من السكان الأمازيغ)، فيما استمرت أحزاب أخرى في خيار المقاطعة، كحزب “العمال” و”العمال الاشتراكي” و”الاتحاد من أجل التغيير”، و”التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”. وعلى الرغم من أن القانون الانتخابي شدد على مبدأ المناصفة في قوائم المرشحين بين الرجال والنساء، لضمان حضور المرأة في المجالس المحلية، البلدية والولائية، فإن نفس القانون استثنى هذه الانتخابات حصرًا من تطبيق هذا البند، بسبب الظروف التي تجري فيها الانتخابات، وسمح للأحزاب والمستقلين بتقديم قوائم بحضور نسوي أقل ومنعدم في بعض القوائم، خاصةً في المناطق الداخلية التي تجد فيها الأحزاب صعوبة في الحصول على مترشحات لاعتبارات اجتماعية صرفة، وهو ما سيقلص من حصة النساء في المجالس المحلية. [4]
تحالفات ما بعد الانتخابات وموقف الأحزاب منها:
بدأت الأحزاب السياسية الجزائرية في التفكير في عقد التحالفات في المجالس المحلية المنتخبة، للفوز برئاسة البلديات وتوزيع المناصب، وضمان أكبر قدر من التوافق في المجالس الولائية، وفيما تركت بعض الأحزاب لقواعدها مسألة حسم التحالفات بحسب ظروف كل بلدية وولاية، فضلت أخرى وضع اشتراطات غير سياسية قبل عقد أية تحالفات على الصعيد المحلي. فبخلاف 386 بلدية حسمها حزب ما بالأغلبية المطلقة، دون الحاجة إلى تحالفات، فإن 1155 باقية فاز بها حزب ما بأغلبية نسبية أو تقاسمت مقاعدها بتقارب أكثر من قائمة، ستحتاج إلى تحالفات لتشكيل أغلبية في المجلس. وقررت حركة “مجتمع السلم” منح منتخبيها في البلديات والولايات حرية اتخاذ قرار التحالف، لكنها حدَّدت في الوقت نفسه جملة من اشتراطات غير سياسية” وفق المعايير والأولويات، قدم التحالف مع من تحوم حولهم شبهات الفساد، وإعطاء أولوية في التحالف بما يُحقِّق الانسجام والاستقرار، وبما يُحقِّق مصلحة المواطن وخدمة التنمية المحلية في البلديات والولايات”. وبادرت حركة “البناء الوطني” إلى الإعلان عن “مد يدها إلى التحالفات مع الشركاء السياسيين والمستقلين تمتينا للجبهة الداخلية أمام إكراهات الوضع الاقتصادي الداخلي، وتحديات الضغوطات، والمخاطر الخارجية على الجزائر”، ودعت” كل مكونات الساحة السياسية إلى التعاون المسئول على خدمة الصالح العام وحماية الاستقرار والمساهمة في التنمية المحلية”. وشدَّدت “جبهة التحرير الوطني” على ضرورة أن تتم مراعاة المصلحة الحزبية عند عقد أي تحالف، بعيدًا عن الطموحات والمصالح الشخصية، وأعلنت “جبهة المستقبل” ترحيبها بالتحالف مع كل القوى السياسية دون أي استثناء. ومن جهته وجه الأمين العام لحزب “جبهة التحرير الوطني”، أبو الفضل بعجي، تعليماته إلى القيادات المحلية للحزب، تتضمن الضوابط التي يتأسس عليها عقد التحالفات مع القوائم الفائزة، سواء المستقلة أو الحزبية، تشدِّد على ضرورة أن تتم مراعاة المصلحة الحزبية عند عقد أي تحالف، وكذا ما يخدم مصالح المواطنين وفقا لظروف كل بلدية وولاية، وحث على استبعاد الطموحات والمصالح الشخصية.[5]
نتائج الانتخابات:
فازت “جبهة التحرير الوطني” (موالاة) بالانتخابات الجزائرية المحلية المزدوجة، البلدية والولائية، فيما جاءت النتائج على منوال تلك التي سُجلت خلال الانتخابات النيابية التي كانت جرت في يونيو الماضي، مع حضور بارز لـ”جبهة القوى الاشتراكية” (معارضة) في ولايات منطقة القبائل. حيث حسمت “جبهة التحرير الوطني” رئاسة المجالس البلدية لصالحها في 124 بلدية، بعد فوزها بالأغلبية المطلقة، فيما فازت بالأغلبية النسبية في 552 بلدية من مجموع 1541 بلدية تحتاج فيها إلى تحالفات مع قوائم أحزاب أخرى لرئاسة البلدية. وجاء “التجمع الوطني الديمقراطي” ثانيًا بعدما فاز برئاسة 58 بلدية، وحلَّت “كتلة المستقلين” ثالثًا بعدما حسمت رئاسة البلديات لصالحها في 91 بلدية، إضافةً إلى تقدمها في 344 بلدية أخرى. وشكَّلت “جبهة المستقبل” (منشق عام 2012 عن جبهة التحرير) مفاجأة سياسية بعدما تقدمت على أحزاب سياسية عريقة، حيث حسمت لصالحها الرئاسة في 34 بلدية، وأحرزت تقدمًا نسبيًا في 228 بلدية، وتطورت نتائج “حركة البناء الوطني” (منشقة عن حركة مجتمع السلم) بشكل أفضل بكثير مقارنةً مع الانتخابات المحلية السابقة عام 2017، إذ فازت بالأغلبية المطلقة في 17 بلدية، وحقَّقت تقدمًا نسبيًا في 125 بلدية، متقدمة على الحركة الأم “مجتمع السلم” التي حقَّقت الأغلبية المطلقة في عشر بلديات، كما تقدمت النتائج في 101 بلدية أخرى. وعلى الرغم من مقاطعتها الانتخابات الثلاثة التي جرت منذ الحراك الشعبي عام 2019، فإن “جبهة القوى الاشتراكية” حقَّقت نتائج لافتة، إذ حسمت رئاسة 47 بلدية لصالحها، كما تقدمت النتائج في 65 بلدية أخرى لكنها تحتاج إلى مزيد من التحالفات للفوز برئاستها، وحل بعد القوى الاشتراكية في لائحة النتائج حزب “صوت الشعب الفتي”، والذي فاز برئاسة مبكرة في ثلاث بلديات، إضافةً إلى تقدمه في 45 بلدية أخرى. وبشأن نتائج الانتخابات مجالس الولايات، تصدَّرت “جبهة التحرير الوطني” لائحة النتائج، حيث تقدَّمت في 25 ولاية، تليها “كتلة المستقلين” التي حققت الفوز في عشر ولايات، فيما تصدَّر “التجمع الديمقراطي” النتائج في 13 ولاية، بينما تصدَّرت “جبهة المستقبل” النتائج في 12 ولاية، وفازت “حركة مجتمع السلم” في خمس ولايات، وتصدَّرت “حركة البناء الوطني” نتائج التصويت في ثلاث ولايات، وفي أول مشاركة له في الانتخابات المحلية، حصد حزب “صوت الشعب” 82 مقعدًا، فيما فازت “جبهة القوى الاشتراكية” بـ40 مقعدًا وحصلت على رئاسة المجلس الولائي في ولايتين.[6]
قراءة في نتائج الانتخابات:
لم تحمل محطتان انتخابيتان نظمتهما الجزائر خلال عام 2021 أي عنصر مفاجأة، إذ كانت نتائجهما معلومة مسبقًا لدى كثير من المراقبين للمشهد السياسي في البلاد، بتوقعهم عودة الأحزاب الموالية للسلطة وتقاسمها الواجهة مع تشكيلات ذات توجه إسلامي وكتلة المستقلين، فيما لا يزال صوت المعارضة خافتًا بسبب تشبث بعضها بموقف يوصف بـ”الراديكالي” لمطالبتها بمرحلة انتقالية ترفضها السلطة جملة وتفصيلًا. وأعادت نتائج المحلية (الولائية والبلدية) طرح تساؤلات عن مصير بقية التشكيلات التي أثبت الواقع السياسي أنها مجرد “ديكور” يحمل رؤساؤها أختامًا ويتمتعون بمقرات حزبية ومنتسبين يُعدون على الأصابع، فيما برزت مطالبات بضرورة “تعقيم الحياة السياسية” أو تطهيرها من الأحزاب غير الفاعلة والفاقدة للتمثيل الشعبي. حيث يُمكن رصد فشل قرابة 30 حزبًا في الحصول على مقاعد في مؤسسات التسيير المحلي (الولاية والبلدية) من أصل 40 حزبًا مشاركًا ضمن 1541 مجلسًا بلديًا و58 مجلسًا ولائيًا، وذلك على الرغم من اعتماد نظام القائمة المفتوحة الذي يسمح للناخب باختيار المرشحين داخل القائمة الواحدة بحسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي وفق ترتيب الحزب من دون إمكانية التصرف فيها. فغالبية الأحزاب الجزائرية اليوم لا تمثيل لها ومستنسخة عن بعضها ومن دون قواعد جماهيرية، بل أغلبها بلا مال ولا عتاد ولا حتى مقرات خارج العاصمة، مما جعلها في حكم الملغاة وغير الفاعلة، لكن لم يقدر المشرع القانوني والمقرر السياسي على التعامل معها بسيف الإلغاء أو الحل، لأن ذلك سيسبب لهما حرجًا سياسيًا وقانونيًا وحتى أخلاقيًا. وبالنسبة للمنظور السياسي الواقعي الذي يؤطره الواقع المعيش للتجربة، فإن الأداء الحزبي مرتبط الآن بدعامة قانونية تتمثل في النشاط الشرعي لهذه الأحزاب، وإنها معتمدة رسميًا ويحق لها المشاركة في المناسبات الانتخابية، غير أن ضعف الأداء الذي يظهر في نتائجها المتدنية جدًا يسبب لها مأزقًا أخلاقيًا لعدم قدرتها على مجاراة الأحزاب الأخرى، ومأزقًا سياسيًا للسلطة السياسية التي تعمل هذه الأحزاب في فلكها، ذلك أنها تستشعر نظرة ريبة تجاهها من المجتمع السياسي (الناخبين والمتفاعلين بالحراك السياسي)، ذلك أن هذا المجتمع سيُسائل السلطة عن جدوى الاحتفاظ بهكذا كيانات حزبية لا تمثل إلا نفسها ولا تؤثر في البيئة السياسية ولا تتأثر بمخرجات علاقات السلطة بالمواطن.[7]
الخُلاصة؛
تعيش الطبقة السياسية في الجزائر حالة من الجمود، يرجعه مراقبون لسببين، الأول؛ مرتبط بحجم الإغلاق الذي مارسته السلطة في الحقل السياسي والإعلامي بشكلٍ عام، والذي كبَّل الأحزاب في ظل عدم تجاوب السلطة مع المبادرات التي تُطلقها والتي رُفض جُلها، لاسيما تلك الداعية إلى ضرورة فتح حوار وطني جامع لمناقشة كل الاختلالات والنقائص المُسجلة في الممارسة السياسية. ويتمثَّل السبب الثاني في تداعيات الحراك الشعبي الذي جعل الأحزاب عُرضة لرفض عارم خلال التظاهرات التي شهدتها البلاد في عام 2019، التي دعت إلى تغيير النظام السياسي، قبل أن تلجأ السلطة إلى تنظيم انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر من ذات العام، أوصلت الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم. وبالرغم من هذا؛ فإن هناك من يرى أن تنظيم هذه الانتخابات يتوج إصلاحات سياسية بدأت بتغيير الدستور وما جاء به من تعديلات على الجوانب القانونية والتنظيمية لأركان الدولة، وتُعتبر استكمالًا للبناء المؤسساتي. حيث يعتبر هؤلاء أن تنظيم كل هذه المواعيد الانتخابية في وقت وجيز وعلى ضوء تعديلات دستورية وقانونية، وفي سياق إقليمي يتسم بالتهديدات التي باتت تمس الأمن القومي الجزائري ليس بالأمر الهين، إذ يعتبر عامل استقرار وتعزيز لقوة مؤسسات الدولة، يُمكنها أن تصدره إلى دول الجوار.
[1] عثمان لحياني، “كل ما تود معرفته عن الانتخابات الجزائرية 2021″، العربي الجديد، 25/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/VCKoS
[2] “أجواء انتخابات جزائرية باردة: أزمة سياسة وأحزاب”، العربي الجديد، 25/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/Fheaa
[3] عباس ميموني، “الانتخابات المحلية آخر محطات رحلة “التغيير” بالجزائر”، القدس العربي، 23/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/ZIOO8
[4] عثمان لحياني، “كل ما تود معرفته عن الانتخابات الجزائرية 2021″، العربي الجديد، 25/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/VCKoS
[5] عثمان لحياني، “الجزائر: الأحزاب تبدأ بتشكيل التحالفات لحسم رئاسة أكثر من ألف بلدية”، العربي الجديد، 1/12/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/RMByC
[6] عثمان لحياني، “نتائج الانتخابات المحلية في الجزائر: جبهة التحرير تفوز في 676 بلدية والإسلاميون في 253″، العربي الجديد، 30/11/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/Z1Cul
[7] إيمان عويمر، “المراوحة السياسية تطرح “تعقيم” الحياة الحزبية في الجزائر”، عربية Independent، 11/12/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/eQKW6