مستقبل العملية السياسية داخل ليبيا بعد الإعلان عن تأجيل الانتخابات

 

أعلنت المفوضية العليا للانتخابات الليبية، فى 22 ديسمبر 2021، عن تأجيل عملية الانتخابات التى كانت مقررة فى الخامس والعشرين من نفس الشهر، وأرجعت المفوضية هذا التأجيل إلى “الصعوبات التى واجهت العملية الانتخابية، والتى كان أبرزها مرحلة الطعون التى شهدت قصور التشريعات الانتخابية فيما يتعلق بدور القضاء في الطعون والنزاعات الانتخابية، والتى أوجدت حالة من عدم اليقين من أن قرارات المفوضية جانبها الصواب فيما يتعلق باستبعادها لعدد من المترشحين الذين لا تنطبق عليهم الشروط، كما أن التداخل القائم بين المعطيات السياسية والاحكام القضائية الصادرة دفع بقرار  الإعلان عن (القائمة النهائية) للمترشحين إلى ما يعرف بحالة (القوة القاهرة) التي أفضت إلى عدم تمكَن المفوضية من الإعلان عنها ومن ثم عدم قدرتها على تحديد يوم 24 ديسمبر يوماً للاقتراع  على الرغم من جاهزيتها الفنية الكاملة لإنجاز العملية في التاريخ المذكور”.

وأشارت المفوضية إلى أنه “وفقا لما ورد بالمادة (43) من القانون رقم (1) لسنة 2021 بشأن انتخاب رئيس الدولة وتحديد صلاحياته، وتعديلاته، والتي تنص على أن تُعلن المفوضية عن تأجيل عملية الاقتراع، ويحدد مجلس النواب موعداً أخر لإجراء عملية الاقتراع خلال (30) يوماً، فأن المفوضية تقترح بعد التنسيق مع مجلس النواب أن يؤجل يوم الاقتراع (للجولة الأولى) إلى 24 يناير 2022 عملاً بنص المادة أعلاه، على أن يتولى (مجلس النواب) العمل على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإزالة حالة (القوة القاهرة) التي تواجه استكمال العملية الانتخابية”[1]. وقد أثار هذا التأجيل الحديث عن مستقبل العملية السياسية داخل ليبيا، وتركزت التحليلات بصورة رئيسية على ثلاث قضايا مركزية هى: موقف حكومة الدبيبة من الاستمرار والاستبدال، ومدى إمكانية تعديل القوانين المنظمة للمرحلة الانتقالية، ومستقبل التحالفات بين المعسكر الشرقى والغربى.

أولًا: موقف حكومة الدبيبة بين الاستبدال والاستمرار:

يمكن تقسيم المواقف من استمرار حكومة الدبيبة إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:

الاتجاه الأول: الرافض لاستمرار الدبيبة: فبعد تأجيل عملية الانتخابات، تصاعدت الأصوات المنادية بضرورة استبدال حكومة الدبيبة بحكومة جديدة، وتمثلت تلك الأصوات بصورة رئيسية فى مجلس النواب، والمرشحين الرئاسيين خليفة حفتر وفتحى باشاغا.

فقد قرر مجلس النواب، فى 24 ديسمبر 2021، تشكيل لجنة من 10 أعضاء مهمتها وضع خارطة طريق للانتخابات المقبلة، خلال أسبوع، وتسليمه لرئاسة البرلمان. وقد عقد المجلس جلستين برلمانيتين، فى 27و28 ديسمبر؛ لمعالجة تداعيات تأجيل الانتخابات التي كان مقررًا إجراؤها في 25 من ذات الشهر، ولكن لم يتمكن المجلس من إجراء اقتراع على أى من الاقتراحات لمعالجة تلك التداعيات، وليقوم المجلس بتعليق جلساته إلى الأسبوع المقبل، وذلك بعد احتدام الجدل بعد  طرح العديد من المقترحات بشأن تحديد موعد جديد للانتخابات، وإعادة تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وبحث إجراء تعديلات دستورية.

وقد أوصت تلك اللجنة، فى جلسة 27 ديسمبر، بتشكيل حكومة جديدة قبل تحديد موعد للانتخابات. وقالت اللجنة في تقريرها الذي رفعته إلى المجلس إن السلطة الحالية عجزت عن توفير الاستقرار اللازم لإجراء الانتخابات. كما انتقدت ترشح الدبيبة في الانتخابات، مشيرة إلى أن هذه الخطوة أدت إلى خلل في مبادئ العدالة والمساواة.

كذلك فقد صوت المجلس، فى جلسة 27 ديسمبر، على اعتبار سفيرة المملكة المتحدة شخصية غير مرغوب فيها، وطُرح أيضًا إمكانية طردها بعد أن قالت بريطانيا إن حكومة الوحدة الوطنية مازالت تتمتع بالشرعية إلى حين إعلان نتائج الانتخابات، وإن لندن لن تعترف بأي خطوة جديدة لتشكيل حكومة موازية[2].

وكان مجلس النواب قد منح الثقة لحكومة الدبيبة في مارس الماضي حتى 24 ديسمبر، ثم عاد وحجب الثقة في سبتمبر الماضي، وصيرها حكومة لتصريف الأعمال. وتحدثت تقارير عن وجود مساع كانت تُعِد للإطاحة برئيس الحكومة الحالي، عبد الحميد الدبيبة بعد تأجيل الانتخابات، وتعيين شخصية سياسية أخرى بدلا عنه، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه تشكل أثناء لقاء عدد من المترشحين للرئاسة، في بنغازي، بدعوة من خليفة حفتر، وأن وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا حظي بإجماع المشاركين في الاجتماع على توليه رئاسة الحكومة، على أن يتولى عقيلة صالح دعم هذا الاتجاه بقرار من مجلس النواب[3]. وما يدعم مصداقية هذه التقارير، أن باشاغا سبق وأن شدد، في تسجيل مصور، على أن شرعية حكومة الوحدة تنتهي في 23 ديسمبر، والساعة منتصف الليل، ودقيقة واحدة. أى أنه لن يقبل بأي تمديد لولاية حكومة الوحدة الوطنية ولو دقيقة واحدة[4].

وإذ حسم مجلس النواب مسألة تعديل تشكيلة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، بتولي رئيس إدارة التفتيش رئاسة المجلس بدلًا من رئيس المحكمة العليا، فقد ينجح ليس فقط فى الإطاحة بالدبيبة ولكن أيضًا سينجح في منع الدبيبة من الترشح للرئاسة[5].

كما تؤكد وسائل إعلام محسوبة على حفتر دعم مصر لفكرة الإطاحة بالدبيبة وسحب الشرعية من الحكومة الليبية الحالية، وتشكيل تحالف جديد بين حفتر وباشاغا لقيادة المرحلة المقبلة، وعلى الرغم من أن القاهرة لم تعلن أي موقف رسمي بهذا الخصوص، إلا أن استقبال المخابرات المصرية لباشاغا مباشرة بعد مصافحته لحفتر، يكشف مع أي جبهة تقف. فالنظام المصري يسعى لضمان مصالحه في ليبيا عبر تسهيل التحالف بين حفتر ورجل مصراتة القوي (باشاغا)، بعد أن وصل إلى قناعة بأن حليفه في الشرق لن يتمكن من السيطرة على ليبيا إلا بالتحالف مع كتائب مصراتة، لعزل الإسلاميين، والتخلص من الدبيبة، الذي يعتبره متابعون أقرب لتركيا منه إلى مصر[6].

الاتجاه الثانى: الداعم لاستمرار الدبيبة: وهو الاتجاه الدولى، حيث تدعم المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفانى ويليامز استمرار الدبيبة فى منصبه حتى إجراء الانتخابات، فقد أكدت المبعوثة الأممية، في مقابلة مع رويترز، إن الاهتمام الرئيسي بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في ليبيا ينبغي أن ينصب على كيفية المضي قدمًا في إجراء الانتخابات وليس على مصير الحكومة[7].

وهو ذات الموقف الذى تتبناه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، والذى جاء عبر بيان مشترك، في 24 ديسمبر 2021، أكد أن “نقل السلطة من السلطة التنفيذية المؤقتة الحالية (المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة) إلى السلطة التنفيذية الجديدة، يجب أن يتم بعد الإعلان عن نتائج انتخابات برلمانية ورئاسية فورية”. وهو بمثابة رفض دولي صريح لدعوة باشاغا ومؤيدي حفتر وعقيلة صالح، إلى سحب الشرعية من الحكومة الليبية، وحتى المجلس الرئاسي، وسعي مجلس النواب في طبرق لتشكيل حكومة جديدة برئيس جديد.

والملفت للاهتمام إصدار بريطانيا بيانًا آخرًا بشكل منفرد بعد وقت قصير على بيان الدول الغربية، يعكس إما تحفظها على بعض ما جاء فيه، أو إبراز ما لم يوضحه البيان الخماسي بشكل صريح. حيث شددت بريطانيا، على أنها “ستواصل الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كسلطة مكلفة بقيادة ليبيا إلى الانتخابات”، وأنها لا تؤيد “إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية”.

كما تدعم تركيا استمرار حكومة الوحدة لحين انتخاب رئيس وبرلمان جديدين، فقد أصدرت خارجيتها بيانًا، أوضحت فيه أنه “ينبغي ألا يحدث فراغ في الشرعية والسلطة في ليبيا، إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة عقب الانتخابات”.

ومع ذلك، فإن هناك أحاديث عن أن تمسك الدول الغربية باستمرار حكومة الوحدة الوطنية لا يعنى تمسكها بالدبيبة في شخصه لكنها تسعى للحفاظ على الاستقرار النسبي في السلطة إلى حين الاتفاق على مواعيد للانتخابات. بل وعلى العكس فهذه الدول تضغط عليه إما للتخلي عن رئاسة حكومة الوحدة أو عدم الترشح للانتخابات الرئاسية[8].

الاتجاه الثالث: المتذبذب بين الرفض والموافقة على الإطاحة بالدبيبة: ويمثل هذا الاتجاه المجلس الأعلى للدولة، الذى لا يزال موقفه من استمرار حكومة الدبيبة غامضًا. فعلى الرغم من تلميح رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشرى إلى رفض المقترحات بعزل الدبيبة، عندما أكد على أن “أي خطوة سيتخذها مجلس النواب بشكل منفرد ودون التوافق مع المجلس الأعلى للدولة، سيكون مآلها الفشل، سواء تعلقت بخارطة الطريق، أو بإقرار قوانين، أو بأي محاولة لتعديل السلطة التنفيذية”[9].

كما أن تحركاته تشير إلى تمسكه ببقاء الدبيبة، ففي مقابل صورة مصافحة باشاغا لحفتر في بنغازي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة الدبيبة رفقة المشري ويتوسطهما محمد قنونو، المتحدث باسم عملية بركان الغضب، التي هزمت مليشيات حفتر عند هجومها على طرابلس. والتقطت الصورة بمصراتة، في 20 ديسمبر، على هامش احتفالية بالذكرى الخامسة لتحرير مدينة سرت من تنظيم “داعش” الإرهابي[10].

ولكن فى المقابل، فقد تحدث المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى الدولة، أشرف الشح، عن قرب عقد لقاء بين المستشار عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، مشيرًا إلى أن هذا اللقاء سيكون بهدف بحث تشكيل مجلس رئاسي وحكومة بديلة للإشراف على الانتخابات التي ستؤجل، حيث قال الشح أن محادثة هاتفية تمت بين المشري وصالح، وذلك عبر وساطة قادها المرشح الرئاسي فتحي باشاغا. المشري من جانبه أكد خلال سلسلة من التصريحات التلفزيونية، على تواصله مع المستشار صالح، بهدف إنجاز قاعدة دستورية وقوانين انتخابية وخارطة طريق لإجراء الانتخابات، وأضاف المشري أن مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني ويليامز، ستعلن خطة خلال الفترة المقبلة لإنقاذ العملية الانتخابية.

كذلك فقد قال عضو المجلس الأعلى الدولة، سعد بن شرادة، إنه يتم حاليًا دراسة سيناريوهان لحل الأزمة المرتبطة بالانتخابات الرئاسية. الأول مرتبط بعملية الانتخابات الرئاسية، والذي يتمثل بتأجيل الانتخابات لمدة شهرين حتى الاتفاق على القاعدة الدستورية للانتخابات. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في تشكيل حكومة جديدة قوية، تتمكن من استعادة الاستقرار في الدولة والذهاب إلى الانتخابات بعد الاستفتاء على الدستور، على أن تستمر هذه الحكومة لأكثر من عام وتمتد إلى عامين، مُبينًا أن السيناريو الثاني قد يكون الأقرب حاليًا لحل الأزمة في ليبيا[11].

وعليه، فيبدو أن أكثر ما يهم المجلس الأعلى للدولة هو مشاركته فى وضع الدستور وتعديل القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وعدم استفراد مجلس النواب بها كما حدث فى السابق. بينما يأتى التمسك باستمرار الدبيبة فى منصبه فى درجة أقل، بل وربما يجعل المجلس الأعلى من موافقته على الإطاحة بالدبيبة كمقابل لموافقة مجلس النواب على إشراكه فى تعديل الانتخابات وفقًا لما يتناسب مع رؤيته. وما يدعم ذلك، أن المشرى نفسه لم يعارض صراحة الأحاديث المتصاعدة حول الإطاحة بالدبيبة، واكتفى فقط بالتأكيد على أن عملية تعديل السلطة التنفيذية من قبل مجلس النواب يجب أن تتم بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة، أى أنه لا يعارض التعديل بشرط أن يتم بالتوافق مع مجلسه.

ثانيًا: تعديل القوانين المنظمة للمرحلة الانتقالية (الدستور، وقوانين الانتخابات):

يمكن تقسيم المواقف من تعديل القوانين المنظمة للمرحلة الانتقالية إلى اتجاهين رئيسيين:

الاتجاه الأول: المتمسك بالتعديل (المجلس الأعلى للدولة): فقد أقترح رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشرى أن تنظم الانتخابات البرلمانية أولًا ثم الاستفتاء على الدستور وأخيرًا الانتخابات الرئاسية. كما اشترط مجلس الدولة، أن يكون هناك توافق مع مجلس النواب بشأن القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي أقرت من طرف واحد، وأحيانًا حتى بدون مصادقة النواب أو بلوغ جلسة التصويت النصاب القانوني[12].

وفي السياق ذاته، أكد المتحدث الرسمي للمجلس الأعلى للدولة الليبي محمد بنيس، أن المجلس لا يتوقع إجراء الانتخابات في 24 يناير المقبل، مرجحًا أن يتم إجراؤها في منتصف العام المقبل. وأوضح بنيس أن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا يؤكد على أولوية الدستور في رسم معالم المستقبل الليبي، مضيفا أنه لا بد من دستور متفق بشأنه، وإذا تعذر ذلك فإنه يمكن اللجوء لقاعدة دستورية تقود لانتخابات يقوم خلالها مجلس النواب المنتخب بصياغة دستور جديد يحدد صلاحيات مجلس النواب ورئيس الدولة”.

وشدد المتحدث الرسمي في تصريحات صحفية، أن القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب تمت بصورة أحادية بعيدة كل البعد عن الاتفاق السياسي الموقع عليه بين الفرقاء الليبيين وخاصة المادة الـ23 المتعلقة بكيفية إعداد وإصدار هذه القوانين. وأوضح أن النواب الذين حضروا جلسة التصويت على قوانين الانتخابات أكدوا “عدم الاتفاق على أي من فقراتها التي خضعت للتعديل أكثر من 9 مرات، وأنه تم إصدارها والتصويت عليها من دون مناقشتها، ما يجعل قانون الانتخابات برمته قانونا غير سليم ولا يمكنه أن يؤدي لانتخابات حرة ونزيهة”. وقال المسؤول الليبي إن العودة للحوار بين جميع الفرقاء السياسيين الليبيين واعتماد سياسة التوافقات هي السبيل الوحيد للوصول إلى حلول مقبولة ومرضية للجميع، بحسب تعبيره[13].

ويلاحظ أن بعض الأصوات المؤيدة لتوجهات المجلس الأعلى للدولة من أجل إقرار الدستور أولاُ قبل الانتخابات الرئاسية، قد بدأت في التزايد تدريجيًا، حيث تصاعد بشكل مفاجئ نشاط الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، التي أرسلت مراسلات إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ومستشارته للشأن الليبي، ورئيس مجلس الأمن الدولي وأعضائه، تدعوهم فيها لدعم استكمال المسار الدستوري وعدم تجاوز اختصاصات الهيئة في أي خارطة طريق مستقبلية، كما أرسلت مراسلات مماثلة إلى كل من المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، تدعوهم فيها للتشاور والنقاش بشأن المسار الدستوري والدفع به، وشكلت لجنة من 8 أعضاء، بهدف التواصل مع كافة الجهات من أجل استكمال المسار الدستوري[14].

أيضًا فقد هاجم رئيس حكومة الوحدة، عبدالحميد الدبيبة قوانين الانتخابات التي وصفها بالمعيبة، وأوضح الدبيبة أن العملية الانتخابية تتطلب أولًا دستورًا دائمًا أو قاعدة دستورية، وثانيًا قوانين توافقية تضمن عملية نزيهة، وثالثًا ضمان القبول بالنتائج. ولفت الدبيبة، إلى أن غياب قاعدة دستورية وقوانين توافقية “سبب فشل هذا الاستحقاق الآن”.

الاتجاه الثانى: الرافض للتعديل (مجلس النواب): فمن غير المتوقع أن يقبل مجلس النواب بذلك؛ لأنه سيحُرم من فرصة التحكم في صناعة الرئيس القادم، ويمنح هذه الفرصة للبرلمان المقبل. بل اشترط مجلس النواب، في قانون الانتخابات البرلمانية، أن تجرى هذه الأخيرة بعد شهر من اعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية. وهذا الشرط قد يسمح لمجلس النواب للبقاء شهر إلى عدة أشهر وربما سنوات، بالنظر إلى صعوبة اعتماد نتائج انتخابات الرئاسة إذا فازت شخصية جدلية بالانتخابات على غرار حفتر مثلًا، الذي قد يؤجل الانتخابات البرلمانية ما يطيل في عمر مجلس النواب، الذي تجاوز 7 سنوات، رغم أن فترته محددة بعام واحد فقط، لا تمدد إلا باستفتاء شعبي، وهو ما لم يحدث[15].

ونتيجة هذا الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، تسعى المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفانى وليامز إلى إحياء ملتقى الحوار السياسي، الذي سبق أن شكلته في أكتوبر من العام الماضي، من 75 شخصية ليبية، لتجاوز حالة الانسداد السياسي التي وصلت إليها البلاد بسبب التعنت في مواقف مجلسي النواب والدولة.

حيث التقت وليامز مجموعة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، بمقر البعثة الأممية في طرابلس، فى 20 ديسمبر، وقالت إنها ناقشت معهم العملية الانتخابية وتنفيذ خريطة الطريق، مشددة على ضرورة “التزام دعم ومواصلة المضي قدماً بناءً على موقف مبدئي يستند إلى خريطة الطريق، والحاجة لانتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية”، وفق ما ذكرته في تغريدة على “تويتر”[16].  وبالتالى، فإن ويليامز قد تلجأ إلى سحب الاختصاص التشريعى من قبل مجلس النواب والأعلى للدولة ومنحه للملتقى السياسى.

ثالثًا: إعادة فرز التحالفات بين المعسكر الشرقى والغربى:

تعكس التحركات الراهنة وجود مشاورات قائمة بين الأطراف الداخلية والخارجية، مع ترجيح احتمالية أن تلجأ الأطراف الداخلية إلى عقد صفقات، غير تقليدية، خلال الفترة المقبلة لتعزيز نفوذها وضمان استمرارها في المشهد، وهو ما قد يفرز عن صفقات محتملة بين أطراف من شرق ليبيا وغربها. ويدخل في هذا الإطار:

1- اللقاء الذي جمع بين المرشح الرئاسي، خليفة حفتر، في بنغازي بأبرز منافسيه في الانتخابات الرئاسية، وتحديداً وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق في 21 ديسمبر 2021،[17] ويبدو أن الأمور تطورت بسرعة إلى درجة أن اللقاء بينهما لم يكن هاتفيًا ولا سريًا، بل وجهًا لوجه وأمام الملأ، ما يعكس أهمية هذا التنسيق الذي قد يتطور إلى تحالف بالنظر إلى قوة الخصم الذي يواجهانه (الدبيبة). فباشاغا سبق وأن ترشح لرئاسة الحكومة وخسرها أمام الدبيبة، ويتم تداول اسمه لرئاسة الحكومة المقبلة إذا نجحت جهوده في إزاحة رئيس الحكومة الحالي. بالمقابل، يتم تداول تولي حفتر رئاسة المجلس الرئاسي، أو على الأقل منحه صلاحية اختيار وزير الدفاع المقبل، ما يتيح له تعزيز نفوذه العسكري في المنطقة الغربية، ودعم مليشياته ماديًا وعسكريًا، وتقوية ملفه القانوني ضد الدعاوى المرفوعة ضده في الولايات المتحدة الأمريكية بتهم ارتكابه جرائم حرب.

وفي مقابل صورة مصافحة باشاغا لحفتر في بنغازي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة الدبيبة رفقة المشري ويتوسطهما محمد قنونو، المتحدث باسم عملية بركان الغضب، التي هزمت مليشيات حفتر عند هجومها على طرابلس. والتقطت الصورة بمصراتة، في 20 ديسمبر، على هامش احتفالية بالذكرى الخامسة لتحرير مدينة سرت من تنظيم “داعش” الإرهابي.

وعودة قنونو للظهور، يرجح أنه تلويح لمليشيات حفتر بأن أي تحرك عسكري نحو طرابلس، سيقابله عودة الكتائب المنضوية تحت لواء عملية بركان الغضب إلى جبهات القتال. ودلالة هذه الصورة تعكس تحالفًا جديدًا بين الدبيبة (سلطة تنفيذية) ورئيس المجلس الأعلى للدولة (سلطة تشريعية) وعملية بركان الغضب (سلطة عسكرية)، في مواجهة تحالف باشاغا وحفتر ورئاسة مجلس النواب.

ففي الوقت الذي يصر النواب الموالون لحفتر وباشاغا على تنحية الدبيبة، يتحصن الأخير بالمجلس الأعلى للدولة، باعتباره شريكا لمجلس النواب، واستشارته في اختيار رئيس الحكومة “ملزمة” طبقا للاتفاق السياسي. أما إذا لجأت مليشيات حفتر بالتنسيق مع الكتائب والأجهزة الأمنية الموالية لباشاغا، للقوة لخلع الدبيبة، فإن الأخير بإمكانه الاعتماد على معظم كتائب مصراتة والمنطقة الغربية التي تصدت لهجوم حفتر في 2019[18].

2- زيارة وفد من البرلمان الليبى إلى تركيا، حيث قام وفد من البرلمان الليبي، برئاسة فوزي النويري، القائم بأعمال رئيس مجلس النواب الليبي، بزيارة مفاجئة إلى تركيا في 15 ديسمبر الجاري، تضمنت اجتماعاً مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وأثارت هذه الزيارة العديد من الدلالات بشأن احتمالات تدشين مرحلة جديدة في علاقة أنقرة بشرق ليبيا، تنهي مرحلة الخلافات السابقة بين الطرفين، خاصةً أن تشكيلة الوفد الليبي قد تضمنت عدداً من الشخصيات المعارضة بشدة للانخراط التركي في ليبيا.

كما تمخضت عن هذه الزيارة مؤشرات مهمة بشأن فتح مجالات للتعاون السياسي والاقتصادي المشترك، إلى جانب الاتفاق على فتح المجالين البحري والجوي بين بنغازي وأنقرة، الأمر الذي قد يعكس وجود ترتيبات غير معلنة تتعلق بتهدئة الخلافات بين الجانبين خلال المرحلة المقبلة[19].

ولكن لا يعنى ذلك، أن تركيا انفتحت بصورة كاملة على الشخصيات المتحكمة فى المنطقة الشرقية، وهو ما أكده وزير الخارجية التركى جاووش أوغلو، فى 28 ديسمبر، فى تصريحات أدلى بها لصحافيين أتراك لتقييم عام 2021، عندما أشار إلى أن “عقيلة صالح طلب عدة مرات زيارة تركيا وتمت دعوته وتم تحديد المواعيد، ولكنه تراجع لاحقاً، فيما طلب حفتر مرة واحدة القدوم إلى تركيا وكان له شرط واحد وهو مقابلة الرئيس رجب طيب أردوغان”. وأردف “الرئيس أردوغان ونائبه فؤاد أوقطاي كلّفاني بأن ألتقي بحفتر، لأن حفتر ليس نظير الرئيس، وهو ليس شخصاً مسؤولاً في بلاده، ولكن حفتر لم يأت بسبب ذلك، ولو جاء كنا في وزارة الخارجية مستعدين للقائه”[20].

وفى سياق متصل، فقد قالت مصادر مصرية خاصة لموقع “العربى الجديد” إن الأيام القليلة الماضية شهدت توافقاً مصرياً تركياً، بشأن إجراء جولة مفاوضات استكشافية ثالثة على مستوى نائبي وزيري الخارجية في البلدين، وذلك منتصف يناير المقبل بهدف تطبيع العلاقات بين البلدين. وأن “أجندة الجولة الاستكشافية الجديدة المرتقبة يتصدرها ملف ليبيا”، مضيفةً أن “هناك تطورات إيجابية بشأن الملف الليبي الذي كان أحد أبرز العقبات في طريق تطبيع العلاقات بين البلدين”.

وتشير المصادر إلى أن هناك زيارة مرتقبة لباشاغا إلى تركيا، بعد إنجاز لقاءاته في القاهرة. وقالت المصادر إن زيارة باشاغا إلى مصر، التي يلتقي خلالها رئيس المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، تهدف إلى التباحث بشأن ترتيبات المرحلة المقبلة، عقب تأجيل الاستحقاق الانتخابي الليبي الذي كان مقرراً في 24 ديسمبر الحالي، إلى 24 من الشهر المقبل.

وأوضحت المصادر، قبيل الزيارة، أن “عباس كامل سيؤكد على باشاغا ضرورة الالتزام بالمصالح المصرية، مقابل تقديم القاهرة كافة أوجه الدعم اللازم له في أي مهمة مرتقبة له خلال الفترة المقبلة”. وكشفت المصادر أن مصر “تلقت إشارات ورسائل إيجابية في وقت سابق عقب إعلان باشاغا ترشحه للانتخابات الرئاسية في بلاده، بعدم المساس بكافة الاتفاقيات الموقعة بين القاهرة وحكومة الوحدة الوطنية”. كما كشفت المصادر أن باشاغا من المقرر أن يتوجه لدى مغادرته القاهرة، إلى تركيا، متوقعة أن تتناول اللقاءات مع المسؤولين هناك رؤيته بشأن إدارة البلاد حال قيادته لحكومة انتقالية[21].

3- أيضًا، يأتى فى سياق التحالفات، التقارب الذي حدث مؤخرًا بين رئاستي أركان القيادة العامة التابعة للمجلس الرئاسى، الفريق محمد الحداد، والقائد المكلف بقيادة مليشيات حفتر، الفريق عبد الرزاق الناظوري. وعودة المحادثات واللقاءات بين محافظي البنك المركزي في طرابلس، الصديق الكبير، وفي البيضاء شرق البلاد، علي الحبري، بعد تراجعها لعدة أشهر، بمشاركة وليامز، “لبحث سير عملية توحيد مصرف ليبيا المركزي”[22].

رابعًا: توصيات:

– العمل على إجراء الاستفتاء على الدستور قبل إجراء الانتخابات؛ لأن ذلك هو الأساس الصحيح في بناء الدولة بعيداً عن “التوافق” الجزئي الذي قد ينتج نظاماً أو حتى استقراراً في مرحلةٍ ما، ولكنه حتما سيكون غير صالح لمرحلةٍ أخرى عند حدوث أي عثرة سياسية، أو حتى استغلال هذا التوافق “غير الحقيقي” في استقطاب سياسي مصلحي، يفسد أكثر مما يصلح على المدى البعيد للدولة[23].

– ضرورة تمسك المنطقة الغربية بدور المجلس الأعلى للدولة فيما يتعلق بالقوانين المنظمة للمرحلة الانتقالية، وعدم ترك الأمور لتحكم مجلس النواب منفردًا فى تفصيل هذه القوانين لصالح المنطقة الشرقية المحسوب عليها. كما يجب على المجلس الأعلى عند تعديله للقوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية أن يكون متنبه للبنود التى سيتم وضعها لتحديد من يُسمح له بالترشح للانتخابات الرئاسية ومن سوف يتم استبعاده، بحيث إذا كانت هذه القوانين ستمنع الدبيبة من الترشح فإنها يجب أيضًا أن تمنع حفتر كذلك والعكس صحيح؛ وذلك لعد تكرار الخطأ مرة أخرى عندما تم الإطاحة برئيس الحكومة السابقة فايز السراج وكان هناك حديث وقتها بأنه سوف يتم فى المقابل إخراج حفتر ولكن ذلك لم يحدث.

– ضرورة العمل على التوفيق بين المرشحين فى المنطقة الغربية (الدبيبة وباشاغا) نظرًا لوجود ما يشبه التنافس والصراع بينهما، والذى وصل لدرجة لجوء باشاغا إلى حفتر (العدو التقليدى للمنطقة الغربية)، ما يهدد بتصدع الجبهة الغربية ضد الجبهة الشرقية التى تبدو أكثر تماسكًا فى ظل التحالف القوى بين حفتر وعقيلة، وهو التحالف الذى ظل صامدًا فى وجه تحالف السراج والمشرى سابقًا وتحالف الدبيبة والمشرى حاليًا.

– ضرورة الربط بين المسارين السياسى والعسكرى، بحيث أن أى تنازل للمنطقة الغربية فى أحد المسارين يجب أن يقابله تنازل من المنطقة الشرقية فى المسار الآخر. فمثلًا، يمكن أن يتم وضع قانون بأنه إذا فازت شخصية من المنطقة الشرقية بمنصب رئيس الدولة، فإن منصب قائد الجيش يجب أن يكون لشخصية من المنطقة الغربية والعكس صحيح. أيضًا، يمكن أن يتم توزيع منصبى رئيس الدولة ورئيس الحكومة وسلطاتهما بين المنطقتين، وكذلك فيما يتعلق بمنصبى وسلطات وزير الدفاع ورئيس الأركان.

– ضرورة عدم تسرع تركيا فى الانفتاح على الشخصيات الجدلية فى المنطقة الشرقية مثل خليفة حفتر وعقيلة صالح وعدم عقد لقاءات معهما سواء على مستوى الخارجية أو الرئاسة. وضرورة أن يرتبط هذا الانفتاح التركى بانفتاح مصرى مماثل على الشخصيات المدعومة من تركيا والمرفوضة من مصر وعلى رأسهم خالد المشرى رئيس المجلس الأعلى للدولة.

 

 

[1] “الموقع الرسمى للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات على الفيسبوك”، تاريخ الدخول 25/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3mFXPmC

[2] ” برلمان ليبيا يعلق جلساته دون انفراج الأزمة السياسية”، العرب، 29/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3FSUND7

[3] “ليبيا: “رسائل غربية” وراء عدم الإطاحة النيابية بحكومة الدبيبة”، العربى الجديد، 29/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3zcPlbF

[4] “ليبيا تدخل مرحلة إعادة فرز التحالفات بعد تأجيل الانتخابات (تحليل)”، الأناضول، 24/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3JuMRtF

[5] ” شهر لا يكفي.. تأجيل الانتخابات الليبية يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية (تحليل)”، الأناضول، 24/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3Hpbqqh

[6] “ليبيا تدخل مرحلة إعادة فرز التحالفات بعد تأجيل الانتخابات (تحليل)”، مرجع سابق.

[7] “الدبيبة و”الأعلى للدولة” يهاجمان قانون الانتخابات.. البرلمان يعلق”، عربى21، 29/12/2021، الرابط: https://bit.ly/32JzOne

[8] “المجتمع الدولي يُفشل خطة البرلمان الليبي لتشكيل حكومة جديدة (تحليل)”، الأناضول، 28/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3qrMCXy

[9] المرجع السابق.

[10] “ليبيا تدخل مرحلة إعادة فرز التحالفات بعد تأجيل الانتخابات (تحليل)”، مرجع سابق.

[11] “التأجيل الحتمي … الانتخابات الرئاسية الليبية وضبابية المرحلة المقبلة”، المرصد المصرى، 23/12/2021، الرابط: https://bit.ly/31bhza4

[12] ” شهر لا يكفي.. تأجيل الانتخابات الليبية يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية (تحليل)”، مرجع سابق.

[13] “الدبيبة و”الأعلى للدولة” يهاجمان قانون الانتخابات.. البرلمان يعلق”، مرجع سابق.

[14] “التأجيل الحتمي … الانتخابات الرئاسية الليبية وضبابية المرحلة المقبلة”، مرجع سابق.

[15] ” شهر لا يكفي.. تأجيل الانتخابات الليبية يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية (تحليل)”، مرجع سابق.

[16] “الصفحة الشخصية لستيفانى ويليامز على موقع تويتر”، تاريخ الدخول: 25/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3qw77CA

[17] “توافق مفقود: المسارات المحتملة لتأجيل مجلس النواب الانتخابات الرئاسية الليبية”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 25/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3z83E0U

[18] “ليبيا تدخل مرحلة إعادة فرز التحالفات بعد تأجيل الانتخابات (تحليل)”، مرجع سابق.

[19] “توافق مفقود: المسارات المحتملة لتأجيل مجلس النواب الانتخابات الرئاسية الليبية”، مرجع سابق.

[20] “أردوغان رفض طلب حفتر لمقابلته: “ليس نظيره””، العربى الجديد، 29/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3HDti0P

[21] “جولة استكشافية جديدة بين مصر وتركيا تتصدرها ليبيا”، العربى الجديد، 23/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3qFyMBk

[22] “خطة وليامز: تأجيل الانتخابات الليبية وإحياء المسارين الاقتصادي والعسكري”، العربى الجديد، 19/12/2021، الرابط: https://bit.ly/32JtE6T

[23] “ما بعد فشل الانتخابات الليبية”، العربى الجديد، 30/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3qzLYrl

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022