دلالات ورسائل التنكيل برجل الأعمال محمد الأمين

 

 

ما يجرى مع رجل الأعمال محمد الأمين منذ يوم الجمعة 07 يناير 2022م، حيث تم اعتقاله والتحقيق معه بتهم مخلة بالشرف، تتعلق بانتهاك عرض فتيات قاصرات لديه في دار رعاية الأيتام التي يشرف عليها وينفق عليها  في محافظة بني سويف، يمثل حلقة من حلقات سلسلة التنكيل التي يقوم بها نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي ضد رجال الأعمال غير المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، لأن هؤلاء المنتمين للجماعة قد جرى الانتقام منهم بكل عنف وقسوة في أعقاب انقلاب 03 يوليو 2013م، حيث تم السطو على أموال وممتلكات 1345 شخصية مقربة من جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من 100 مدرسة، ونحو 60 شركة، و500 مقر، تصل قيمتهم السوقية نحو 50 مليار جنيه وفق أقل بعض التقديرات المقربة من السلطة.

لكن محمد الأمين كان بيدقا من بيادق نظام 03 يوليو، وهو من أوقف إمبراطوريته الإعلامية الجبارة (على رأسها شبكة سي بي سي، وصحيفة  الوطن) من أجل تشويه صورة الرئيس الشهيد محمد مرسي وشيطنة نظامه وجماعته التي ينتسب إليها (الإخوان المسلمون)، وحرض على الانقلاب ضده والتمرد عليه، وبارك جميع خطوات الجيش ومذابحه المروعة التي قتل فيها آلاف المصريين من أنصار الرئيس؛ وبالتالي فإن التنكيل به على النحو الذي جري هو شيء لا يمكن إلا أن يكون من قبيل تصفية الحسابات بين أجنحة داخل النظام، أو تصفية حسابات  مع جهات إقليمية يرى نظام السيسي أنها باتت تمثل له تهديدا لا يمكن التهوين من شأنه، تربطها علاقات خاصة برجل الأعمال المنكول به.

الاتهامات الموجهة للأمين من جانب الآلة الإعلامية للنظام وحتى النيابة العامة لا تستهدف فقط التنكيل بالرجل بل شطينته واغتياله معنويا وتدمير سمعته على نحو مشين بالغ الانتقام والإهانة. فقد تم التحفظ عليه داخل قسم شرطة التجمع الخامس بعد صدور قرار  بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق في القضية رقم ١٨٨ / ٢٠٢٢ بتهمة الاتجار في البشر  والتعدي على بعض الفتيات بداري أيتام “الأيدي الأمينة” التي أسسها بنفسه. وطلبت جهات التحقيق تحريات إدارة مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية لكشف ملابسات القضية.[[1]] وذكرت النيابة ــ في بيان لها ــ  أن تحريات الشرطة حول الواقعة أكدت صحة ارتكاب المتهم الجريمة، وأشارت لأسماء فتيات أخريات مجني عليهن، فأمرت النيابة العامة بضبط المتهم الذي أُلقي القبض عليه، وباستجوابه ومواجهته بما لدى النيابة العامة من أدلة قِبَله أنكر ما نُسِب إليه من اتهامات، وتستمع النيابة العامة اليوم لعدد من الفتيات المجني عليهن، وجارٍ استكمال التحقيقات.[[2]] تم حبسه لاحقا 15 يوما على ذمة التحقيقات. كما تم الأمين من مغادرة البلاد، وإدراج اسمه على قوائم الممنوعين من السفر، وذلك لاتهامه بالتهرب الضريبي بما يقدر بـ 427 مليون جنيه قيمة بيع أسهم في إحدي الشركات التي شغل منصب عضو مجلس إدارتها، وفقا لبوابة أخبار اليوم الحكومية.[[3]] بينما ينفي الأمين كل هذه التهم، مدعيا أن أحد الموظفين لفقها له.[[4]]

لغز دار اليتيمات!

الملاحظة المثيرة في الأمر هي ما يتعلق بنشأة وتأسيس هذه الدار (الأيدي الأمينة) لرعاية اليتيمات، فقد نشرت  جريدة الوقائع المصرية، الإثنين 10 يناير 2022م، قرارًا أصدرته وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، في منتصف ديسمبر 2021م، باستمرار إيقاف تراخيص دور الإيواء الخاصة بالأيتام لمدة سنة تنتهي في 16 ديسمبر المقبل “2022”. كشف القرار أن توقف وزارة التضامن عن منح تراخيص لدور الأيتام مستمر منذ أغسطس 2014م؛ فكيف ــ إذًاــ  تم إنشاء وتأسيس دار رعاية اليتيمات لمحمد الأمين في 2021؟ وكيف يمكن فهم ذلك لا سيما وأن وزيرة التضامن نفسها شاركت هي ومحافظ بني سويف في افتتاح الدار في مارس 2021م؟ والأكثر دهشة أن الوزيرة بنفسها هي التي طالبت الأمين بإنشاء هذه الدار، وهي التي منحته المقر أيضا![[5]] وقد كشفت تصريحات سابقة لوكيلة «التضامن» ببني سويف، إحسان أبو زيد، عن تواصلها مع الأمين في أغسطس 2020 لمطالبته بإنشاء دار كمأوى للفتيات اليتيمات، وموافقته على تحمل تكلفة تأسيسها، ثم أعطته الوزارة مقر دار أيتام «مركز ناصر»، الذي حوله الأمين إلى دار إيواء للفتيات بلا مأوى تحت اسم «الأيدي الأمينة»، بعدما تكفل بفرشه وتجهيزه والإنفاق على ما به من أطفال ومشرفات.

الملاحظة الثانية أن الدار استقبلت طفلة وحيدة في 2020م من دار رعاية بالقاهرة، واستقبلت عشر طفلات أخريات في 2021م، أعمارهن تتراوح بين ستة إلى 18 عامًا ـ وفقا لتصريحات مصدر بوزارة التضامن لموقع “مدى مصر”. غير أن المشكلة، بحسب المصدر، أن الدار لم تخضع لأية رقابة من الوزارة منذ تسليمها للأمين، لافتًا إلى أنه عندما اشتكت ثلاث فتيات من التحرش الجنسي بداية من سبتمبر 2021، وانتشرت المعلومة داخل مديرية التضامن ببني سويف، قام عدد من الموظفين بسؤال المشرفات المتواجدات بالدار، اللاتي أجبن بأن الفتيات سيئات السمعة ولا يُعتد بكلامهن، مشددًا على أن العاملين بـ«التضامن» في بني سويف وفي الوزارة، لم يتخذوا أي إجراء تجاه الجمعية سوى بعد صدور قرار القبض على الأمين وتحري أجهزة الأمن عن الواقعة. معنى ذلك أن الوزيرة والوزارة لم تتحرك إلا بعد تحرك الدولة والأجهزة الأمنية بهذا الشأن.  وبحسب المصدر فإن الوزيرة قررت بعدها توزيع البنات اللاتي ظللن متواجدات في دار الأمين على أربعة دور، منها مؤسسة بناتي بمدينة السادس من أكتوبر، التي استقبلت سبع بنات، أعمارهن تتراوح بين خمس وسبع سنوات، وعندما وصلت البنات اشتكين من التهاب بمجرى البول، وبالكشف عليهن داخل الدار تبين تعرضهن لهتك عرض، وهو ما أبلغت به الدار النيابة العامة. ولفت المصدر المطلع على عمل دور الأيتام أن وقائع الاغتصاب أمر شائع الحدوث في دور الرعاية، وذلك بسبب عدم وجود رقابة كافية من وزارة التضامن على تلك الدور لقلة عدد موظفيها، وعدم وجود عقاب رادع لهم في حال حدوث مخالفات.[[6]]

الملاحظة الثالثة، تتعلق بموقف وتصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي، ففي اليوم التالي للتحفظ على محمد الأمين، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي ـ السبت 09 يناير 2022 ــ  إلغاء ترخيض دار “الأيدي الأمينة”. وصرِّحت الوزيرة أن الوزارة هي من أبلغت النيابة عن واقعة التعدي الجنسي من الأمين على فتيات الدار، بعد التنسيق مع الجهات المعنية، وأنها أغلقت الدار بعد اكتشاف المخالفات، غير أن النيابة العامة أكدت في بيانها التالي لبيان التضامن أن المجلس القومي للأمومة والطفولة هو من تقدم بالبلاغ في 10 ديسمبر 2021، بشأن ما نشره مدير صفحة أطفال مفقودة، رامي الجبالي، على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع ما رصدته وحدة الرصد والتحليل بمكتب النائب العام. مبلغ الدهشة هنا أن الوزيرة التي كانت تتمتع بعلاقات وثيقة مع الأمين وأسرته، تعاملت بكل قسوة وعنف مع الموقف، وقامت بتجاهل جميع الاتصالات من جانب الأمين، ورفضت الوساطة التي قام بها محافظ بني سويف حتى ترضى وتلتقي بالأمين لتسوية الأمر. معنى ذلك أن الوزيرة تقلت توجيهات وأوامر عليا بذلك، وباعتبارها موظفة حكومية لا تملك سوى الانضياع الكامل لهذه الأوامر. وعندما أجرت مداخلة تلفزيونية مساء السبت 09 يناير 2022م، قالت إن الدار الخاصة برجل الأعمال محمد الأمين تم افتتاحها في 2021 بحضورها، وأشارت إلى أن الدار كانت تبدو مثالية بكل المعايير. وأضافت أن زوجة رجل الأعمال محمد الأمين قالت لها خلال زيارة الدار إنها تأتي وتنام أحياناً مع الأطفال في الدار، وأضافت قائلة: “كنت بقول إنه أمين جداً على أولادنا وإنها أفضل دار بسبب ما وجدته والمثالية في كل شيء، حتى كان هناك شيخ يعلمهن الصلاة ويحفظهن القرآن”!. وكشفت أن محمد الأمين حاول التواصل معها (بعد الكشف عن الواقعة) ولكنها رفضت الرد عليه، وإن محافظ بني سويف اتصل بها أيضاً وطلب لقاء رجل الأعمال محمد الأمين ولكنها رفضت أيضاً، قائلة: “أعيش صدمة بسبب تصرفاته تجاه بناتنا”.[[7]]

لماذا محمد الأمين؟

الأمين حتى قبل انقلاب النظام عليه كان يحظى بمكانة رفيعة لدى أجهزته الأمنية والمخابراتية، فقد تم تعيينه في 2014، عضواً بمجلس أمناء صندوق “تحيا مصر” بقرار جمهوري من السيسي، فضلاً عن أنه يُعد “أحد أباطرة الإعلام والمال في مصر”. فهو مؤسس شبكة قنوات “سي بي سي”، كما يملك شبكة قنوات “مودرن”، ووكالة الأخبار العربية AUA. وكان شريكاً في كل من فضاءيتي “النهار”، و”النهار دراما”، كما شغل عضوية مجلس إدارة شركة “عامر جروب” العقارية. وبدأ الأمين حياته في مجال البيزنس بشركة مقاولات تصنع إكسسوارات الحمامات، والمرافق المختلفة، وعمل لفترة طويلة في الكويت، قبل أن يعمل في مصر من خلال شركة استصلاح زراعي، ثم نال شهرته الكبيرة بمصر من خلال شرائه مجموعة من القنوات الفضائية والصحف، وذلك في أعقاب اندلاع ثورة 25 يناير 2011م؛ حيث طفا على السطح بشكل مفاجئ كأنه هبط بالبراشوت وفقا للأوصاف الشعبية.

الأمين يواجه تهما تصل عقوبتها إلى الإعدام وفقا لنصوص القانون؛ فهو متهم بالاتجار بالبشر (فتيات دار اليتيمات) ومتهم باستغلالهن والتعدي عليهن جنسيا، وهتك عرض بالقوة والتهديد. اللافت في الأمر أن رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، المعروف بعلاقته بالأمن الوطني، في خلافاته مع الأمين سنة 2017م قام بتسجيل فيديو يهدد فيه الأمين بفضح مسائل أخلاقية تتعلق بزواجه من قاصرات، وهو الفيديو الذي أعيد تداوله أخيراً بعد القبض على الأمين، ما يؤكد أن لدى الجهاز معلومات قديمة عن الأمين” قبل أن تقرر السلطات استخدامها، وسط  وسط حملة إعلامية موسّعة للهجوم عليه في الإعلام المملوك لـ”الشركة المتحدة” التابعة لجهاز الاستخبارات العامة.[[8]]

تقليص النفوذ الإماراتي

تذهب تأويلات وتحليلات لـ(جمال سلطان وسليم عزوز وغيرهم) إلى أن اعتقال الأمين هو مؤشر على تأزم العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي، استنادا إلى أن الأمين هو عرَّاب الاستثمارات الإماراتية في السوق السري للإعلام المصري ، من قنوات فضائية وصحف ومواقع سيطر عليها، وكان مجرد واجهة للمالك الحقيقي، وهم الإماراتيون. وبالتالي فإن اعتقاله وتوجيه تهم مشينة له رغم كل ما قدمه للسلطة من دعم وولاء، مؤشر واضح على أن العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي تتجه نحو الأسوأ”. وما يبرهن على ذلك أن التفاصيل المخزية والمثيرة للاشمئزاز نشرها الإعلام الرسمي بناء على أوامر وتوجيهات عليا صدرت من جهات رسمية وجرى توزيعها عمدا على الصحف والمواقع لنشرها بالمخالفة للقانون؛ الأمر الذي يكشف عن مرارة شديدة ورغبة متوحشة في الانتقام والتشهير والتشفي.

فما الذي فعله الأمين حتى ينتقم منه النظام على هذا النحو؟

فالاتهامات التي جرى توجيهها للأمين، حتى وإن لم تستطع النيابة العامة إثبات صحتها، أو حتى الحكم عليه بحكم مخفف، إلا أنها تبقى وصمة عار في جبين الأمين، وتستهدف شيطنته واغتياله معنويا، وستلاحقه مدى الحياة؛ الأمر الذي يبرهن على أن الأمين ارتكب فعلة شنعاء  أغضبت النظام بشدة، غير مسألة المال، والتي طالما تسببت في إطاحة النظام برجال أعمال يرفضون التنازل عن ممتلكاتهم للأجهزة، كما حدث مع رجل الأعمال حسن راتب الذي رفض التنازل عن جامعة سيناء في العريش.

والبرهان على أن الهدف ليس المال، هو أن الأمين تبرع بنصف ثروته لصندوق تحيا مصر ،وتنازل عن المؤسسة الإعلامية التي أسسها وتضم مجموعة قنوات سي بي سي وجريدة وموقع الوطن، وأسهمه في مجموعة قنوات النهار وصحيفة المصري اليوم، لجهاز الاستخبارات العامة”. كما كان الأمين من المقربين بشدة من السيسي ودائرته قبل وبعد انقلاب 2013، وبالتالي فإن مسألة المال مستبعدة كسبب من أسباب توجيه هذه الضربة العنيفة له”. وعلى  الرغم من أن الأمين لا يزال يحتفظ بأصول عقارية مهمة بالشراكة مع منصور عامر في مجموعته “عامر جروب”، وهي الأصول التي يضع النظام عينه عليها، إلا أن دفع الأمين للتنازل أو بيع تلك الأصول للاستخبارات “لم يكن يستدعي ضربة بهذا القوة”.

هذه التفسيرت ترى أن الأزمة لها أبعاد إقليمية، وتحديداً في الإمارات الذي يتمتع فيها الأمين بعلاقات طيبة كانت بعلم نظام السيسي في السابق، لكنها أخيراً أصبحت تشكل مصدر قلق له، وبالتالي جرى تشديد الرقابة على الجميع ومن بينهم الأمين، حتى تمّ رصد محادثات أغضبت الأجهزة المصرية”. فالسيسي حريص كل الحرص على ألا يحدث معه ما فعله هو مع الرئيس مرسي، عندما تواصل السيسي مع جهات خارجية ودول أجنبية منحته الدعم والتأييد لتدبير انقلابه، وبالتالي لن يسمح لأبو ظبي بتكوين شبكة علاقات داخل مصر بدون علم النظام. وتجربة أحمد شفيق لا تزال ماثلة في الأذهان عندما حاولت أبوظبي استخدامه  وقد كان يعيش على أراضيها، من أجل التلويح به كبديل محتمل للسيسي.  فقد رصدت المخابرات المصرية اتصالات مباشرة بين الأمين وجهات إماراتية أغضبت النظام بشدة، فقرر الانتقام من الأمين باعتباره الحلقة الأضعف. لا سيما في ظل عدم التوافق المصري الإماراتي في عدد من الملفات أبرزها ليبيا والحرب في اليمن وأزمة سد النهضة وحتى التقارب مع تركيا.

وفي ذات السياق، جرى توقيف المذيع توفيق عكاشة قبل أيام ومنعه من السفر، لأن المخابرات رصدت اتصالات بينه وبين مسئولين إماراتيين، كانوا يعدونه لاستخدامه في إنشاء كيان إعلامي جديد خارج مصر، وهو بالطبع أمر لم يكن ليحظى بموافقة أجهزة السيسي الأمنية حالياً، وبالنظر إلى أن الاتفاق تم من دونها”. وفي يونيو 2021م جرى توقيف رجل الأعمال حسن راتب بتهمة الاتجار بالآثار وهي القضية التي ضمت عشرات آخرين، كما وجهت اتهامات لسفير الإمارات “حمد الشامسي” بالتورط فيها حتى جرى ترحيله على نحو يعكس توتر العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي. وتذهب تفسيرات إلى أن الهدف من التنكيل بالأمين وراتب هو طمس الحقائق حول دور أجهزة رسمية بالدولة وتورطها في عمليات تهريب الآثار؛ وما يبرهن على ذلك أن “راتب” طالب بغرفة مداولة سرية، وأن هناك أمورا مهمة لا يجب الإفصاح عنها، حفاظاً على الأمن القومي للبلاد، وكذلك مطالبة “علاء حسنين” المتهم بذات القضية بجلسة سرية للإدلاء بكلام خطير عن دور الأمن في هذه القضية، يبدو أن مغارة المتهمين تحوي الكثير من الأسرار. ويتداول على نطاق واسع وعبر مواقع التواصل، اتهامات بتورط شخصيات إماراتية وسعودية في القضية، بتسهيل من جهاز سيادي، أبرزها سفير الإمارات لدى القاهرة “حمد الشامسي”، بالإضافة إلى قيادات عسكرية مصرية بارزة. وأن “راتب أكد خلال التحقيقات أن الآثار محل الاتهام خرجت من مصر بمعرفة جهات رسمية، ودخلت إلى الإمارات بمعرفة جهات رسمية، وأن دوره لم يكن أكثر من وسيط في هذه القضية”.[[9]]

ومن اللافت أن السيسي خلال جلسات منتدى شباب العالم حذر من دول أخرى ـ لم يسمها ــ  من التدخل  في الشؤون الداخلية لمصر، و”التخريب الذي تتعرض له الدول من خلال التآمر”، مؤكداً أن مصر نجت من هذا التخريب الذي كان يستهدفها، وهي التحذيرات التي تأتي في ظل حالة التقارب المشهود مع كل من قطر وتركيا بما يعني أنه يقصد دولا أخرى، ويبعث برسالة لها أنه يقظ ولن يسمح لها بالتآمر عليه. ويواجه نظام السيسي انعدام الثقة في النظامين الإماراتي والسعودي بمزيد من التقارب مع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تقديم العديد من الخدمات المهمة في ملفات التهدئة وإعادة الإعمار وتبادل الأسرى وغيرها، فهو يرى في ذلك تأمينا له من المخططات التي قد تستهدف الإطاحة به من أصدقائه القدامى.

خلاصة الأمر، أن اعتقال الأمين لا يمكن النظر إليه جنائيا بعيدا عن السياسة والمشهد الإقليمي وتعقيداته؛ ولا يمكن فهمها إلا في سياق المخاوف التي تستحوذ على السيسي ونظامه من تغلغل النفوذ الإماراتي في مصر، لا سيما في مجال الإعلام، وقد كان جزءا من المؤامرة التي قادتها الإمارات ضد الرئيس مرسي، وكان شاهد عيان على كل ما جرى؛ وبالتالي فإنه بالغ الحذر من أن يؤتي من أصدقائه بعدما سحق معارضيه بأدوات القمع والبطش الأمني. وما توقيف المذيع توفيق عكاشة وقبله رجل الأعمال حسن راتب بتهمة الاتجار في الآثار، إلا نذرا يسيرا من شرارات الصدام الخفي وتعارض بعض المصالح بين السيسي ومحمد بن زايد. واللافت أنه جرى اعتقال حسن راتب في المطار أثناء عودته من الإمارات بعدما أجبرته الأجهزة الأمنية على التنازل عن قناة المحور التي كان يملكها، كما تم السيطرة على إمبراطورية سيد البدوي رئيس حزب الوفد السابق والذي كان واجهة للإماراتيين بوصفهم الملاك الحقيقيين لقناة الحياة التي باتت تحت سيطرة المخابرات. فالهدف هو تقليص النفوذ الإماراتي في القاهرة[[10]]؛ لأن السيسي يخشى غدر أبو ظبي وخيانتها وقد كان شاهد عيان على ما جرى مع الرئيس مرسي، وجزءا من المؤامرة الكبرى التي عصفت بربيع مصر وثورتها وتجربتها الديمقراطية الوليدة. يبرهن على ذلك أن الإمارات منذ 2013، كانت تمتلك العديد من المؤسسات الإعلامية في مصر، واستحوذت الاستخبارات العامة عليها بعد ذلك، بحيث لم يتبق للإمارات في مصر سوى قناة “الغد” التي يديرها القيادي الفلسطيني المفصول عن حركة “فتح” محمد دحلان، والتي تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة، وموقع “المدار” الذي يديره المذيع المقرب من نظام السيسي نشأت الديهي.

لا يضع نظام السيسي اعتبارا للتداعيات التي يمكن أن تترتب على هذه الإجراءات القمعية بحق رجال الأعمال، والتي يمكن أن تؤدي إلى هروب المزيد من رؤوس الأموال وتهميش دور القطاع الخاص في الاقتصاد المصري لحساب بيزنس المؤسسة العسكرية التي توسعت أنشطتها حتى كونت إمبراطورية اقتصادية مترامية الأطراف. فهذه الإجراءات وما سبقها من تنكيل بعدد من رجال الأعمال كصفوان ثابت، مالك شركة جهينة لإنتاج الألبان، وسيد السويركي،صاحب سلسلال “التوحيد والنور”،  ومحمد رجب صاحب أسواق “أولاد رجب”، وصلاح دياب وأحمد بهجت وغيرهم، أصابت معظم رجال الأعمال بحالة من الخوف والفزع؛ وتبرهن لهم أنه لا أمان في ظل نظام السيسي الذي ينهب ما يشاء دون حسيب أو رقيب.

الإجراءات القمعية التي تجري في الوقت الراهن  بحق رجال عمال، تحمل مجموعة من الرسائل، أبرزها “إظهار العين الحمراء”، لكافة رجال الأعمال، خصوصاً أن ملفات الكثيرين منهم مليئة بالمخالفات التي يمكن تحريكها في أي وقت. وبالتالي فإن من سيظهر منهم أي ممانعة أو رفض لطلبات أجهزة السيسي الأمنية بشأن المساهمة في حل أزمة التمويل الحالية التي يواجهها النظام لن يتم التهاون معه، خصوصاً أن الدولة تغاضت لسنوات عن مصادر ثروات هؤلاء، وحجم المخالفات المرتكبة. فهناك حالة من الفزع بين عدد من رجال الأعمال، يمكن القول إنهم من رجال الصف الأول الذين يدعمون النظام منذ 30 يونيو 2013، وبعضهم في مفاوضات مع أجهزة سيادية بالدولة منذ نحو ثلاثة أشهر أو أكثر، بشأن تأمين حصص شراكة بينهم وبين تلك الأجهزة في مشروعات مملوكة لهم”. ورأى أن “هناك خشية من المفاوضات التي طالت هذه الفترة”.

هذه الإجراءات قد تحقق مكاسب سريعة للنظام، لكنها سوف تؤدي لاحقا إلى كوارث لا تحمد عقباها. لا سيما في ظلّ حالة القلق والخوف التي تنتاب الكثير من رجال الأعمال المصريين، أو المستثمرين الأجانب جراء مثل تلك الخطوة”. وقد  يلجأ رجال أعمال كبار خلال الفترة المقبلة لإخراج ثرواتهم إلى خارج مصر، والتوجه لأسواق أخرى أكثر أمناً ليكونوا جاهزين للحظة الغضب عليهم من جانب النظام السياسي. أما على صعيد الاستثمارات الأجنبية فما يحدث يعني أنه لا يوجد أمل في جذب أية استثمارات في هذا الصدد”.[[11]]

[1] بينهم طفلة فى الـ 13.. ننشر أقوال ضحايا محمد الأمين وأسرار رحلة الساحل الشمالي/ بوابة أخبار اليوم ــ السبت، 08 يناير 2022

[2] مصطفى أمير/ هتك عرض وأفعال مخلة.. النيابة تكشف اتهامات فتيات دار الأيتام لمحمد الأمين/ بوابة الشروق ــ السبت 8 يناير 2022

[3] بينهم طفلة فى الـ 13.. ننشر أقوال ضحايا محمد الأمين وأسرار رحلة الساحل الشمالي/ بوابة أخبار اليوم ــ السبت، 08 يناير 2022 (مرجع سابق)

[4] محمد مجدي/ محامي محمد الأمين: أحد الموظفين دبر واقعة فتيات دار الأيتام لموكلي/ بوابة الشروق ــ السبت 8 يناير 2022

[5] رنا ممدوح/ رغم وقف التراخيص منذ 2014.. «التضامن» طلبت من الأمين تأسيس دار للفتيات وأعطته مقرًا قبل عامين/ مدى مصر ــ الثلاثاء 11 يناير 2022م

[6] رنا ممدوح/ رغم وقف التراخيص منذ 2014.. «التضامن» طلبت من الأمين تأسيس دار للفتيات وأعطته مقرًا قبل عامين/ مدى مصر ــ الثلاثاء 11 يناير 2022م (مرجع سابق)

[7] النيابة العامة في مصر تكشف تفاصيل جديدة بقضية توقيف رجل الأعمال محمد الأمين.. ووزيرة التضامن تعلّق/ عربي بوست ــ 08 يناير 2022م

[8] مصادر تكشف أسباب “سحق” رجل الأعمال المصري محمد الأمين/ العربي الجديد  ــ 15 يناير 2022

[9] رجال الأعمال المصريين في قبضة السيسي.. فساد أم ابتزاز؟/ الخليج الجديد ــ الأحد 9 يناير 2022

[10] سليم عزوز/ محمد الأمين.. وتصفية الحزب الإماراتي المصري!/ “عربي 21” ــ الإثنين، 10 يناير 2022// مالكو الإعلام المصري… اتّجار بالبشر والآثار/ العربي الجديد ــ  الإثنين 10 يناير 2022

[11] رسائل دائرة السيسي ومخاوفها بقضيتي محمد الأمين وحسن راتب/ العربي الجديد ــ 12 يناير 2022

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022