تبدأ الأحداث بحالة من السخط الشعبي نتيجة عجز الحكومة أو فسادها، يتحرك بعدها مجموعة من الجنود باعتبارهم حماة الأمة، يقومون باحتجاز الرئيس، وإجباره على الاستقالة، والإعلان عن حل الحكومة والبرلمان، وإغلاق الحدود، ووقف العمل بالدستور، والتعهُّد بالعودة إلى النظام الدستوري خلال فترة زمنية معقولة. تلك هي الصورة النمطية المتكررة لنهج الانقلابيين في غرب إفريقيا، والتي تجدَّدت مطلع هذا العام في بوركينا فاسو. الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول ماحدث، وخلفياته، وانعكاساته على محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، والدور الفرنسي هناك. والتي سنحاول الإجابة عليها خلال هذا التقرير..
ماذا حدث؟
يوم الأحد 24 يناير 2022 تمرَّد جنود في عدد من الثكنات العسكرية في بوركينا فاسو، مُطالبين بإقالة كبار مسؤولي الجيش وتخصيص موارد إضافية لمواجهة المجموعات الجهادية، فيما سُمع إطلاق نار في وقت متأخر الأحد قُرب منزل الرئيس روش مارك كابوري في العاصمة. وساد التوتر والإرباك في العاصمة الاثنين، إذ قُطعت خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة منذ الأحد، ما زاد من صعوبة التحقُّق من صحة الشائعات التي تتحدث عن أن البلد يشهد انقلابًا جديدًا. وبعد إعلان جنود متمردين احتجاز الرئيس روك كابوري في معسكر للجيش، أعلن عسكريون عبر التلفزيون الرسمي الاثنين 25 يناير استيلاءهم على السلطة، وحل الحكومة والبرلمان وإغلاق حدود البلاد. يأتي ذلك غداة يومٍ حامٍ تخلله إطلاق نار وتمرد في عدة ثكنات وقواعد عسكرية نفذه جنود مطالبين بإقالة كبار مسؤولي الجيش وتخصيص موارد إضافية لمواجهة المجموعات الجهادية. وقال العسكريون الانقلابيون في بيان تلاه أحدهم إن البلاد “ستعود إلى النظام الدستوري” في غضون “فترة زمنية معقولة”. وكانت قد تداولت أخبار قبلها بأن جنودًا احتجزوا الرئيس روك كابوري في معسكر للجيش بعد إطلاق نار كثيف على منزله مساء الأحد في العاصمة واغادوغو. وظهرت على شاشة التلفزيون الرسمي مجموعة من العسكريين يتوسطهم ضابط برتبة كابتن تلا بيانًا حمل تلك القرارات، ووُقِّع باسم الكولونيل هنري سانداوغو داميبا، رئيس “الحركة الوطنية للحماية والاستعادة” التي نفذت الانقلاب واستولت على السلطة.[1] وأشار الإعلان إلى أن خطوة الجيش جاءت بسبب تدهور الوضع الأمني؛ حيث وواجه كابوري استياءً متزايدًا بسبب فشله في وقف تمرد تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، وتوحيد الأمة والتعامل بفعالية مع الأزمة الأمنية.[2] والثلاثاء أعلن رئيس جمهورية بوركينا فاسو، روش كريستيان كابوري استقالته من منصبه، عقب احتجازه من قبل الجيش مع رئيسي البرلمان والوزراء في ثكنة سانغولي لاميزانا في واغادوغو. وقال كابوري في رسالة خطية وجَّه فيها خطابه للإدارة العسكرية الجديدة، نشرتها عدة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، إن قرار استقالته جاء للحفاظ على المصلحة العليا للبلاد.[3]
خلفيات الأزمة:
لطالما عانت بوركينا فاسو من ثلاثية الإرث الفرنسي الثقيل والاستبداد وفوضى الانقلابات العسكرية المتكررة. ولكن وعلى الرغم من التقلبات الأمنية والسياسية في غرب إفريقيا؛ تمتَّعت بوركينا فاسو باستقرار، وإن كان هشًا، إلى أن شهدت انتفاضة شعبية عام 2014 أطاحت بالرئيس السابق بليز كومباوري. وخلفت محاولة انقلاب عام 2015 الجيش منقسمًا بشدة، وقد انتُخب روش كابوري لأول مرة في ذلك العام بناءً على تعهد بتوحيد البلاد. لكن وقع هجوم شنه متشددون من مالي المجاورة، التي صادر فيها الجهاديون محاولة تمرد انفصالي عام 2012، في عاصمة بوركينا فاسو بينما كان كابوري يستعد لتولي زمام القيادة. وقد استغلت الجماعات المسلحة ضعف الوجود الأمني في المناطق الحدودية المكشوفة في بوركينا فاسو لشن المزيد من الهجمات، وترسيخ وجودها. وأثار الجهاديون أيضًا توترات طائفية بين المجتمعات المسيحية والمسلمة التي كانت موجودة سابقًا ومُتعايشة بشكل سلمي في بوركينا فاسو. كما استفاد المسلحون من حالة شبه غياب للدولة ونقص الدعم الإنساني، الأمر الذي ترك المجتمعات ضعيفة وعُرضة للتجنيد، كما قوَّض الوجود المسلح المشاركة السياسية. وفي عام 2020، لم يتمكن الناخبون الذين فروا من منازلهم في أجزاء من الشمال والشرق من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، التي أُعيد فيها انتخاب كابوري وحصل على نسبة 58% من الأصوات. وقد أدى ضغط المتشددين على المجتمعات إلى تنامي السخط العام خلال الولاية الثانية للرئيس. وسبق تنحية كابوري استياءً متزايدًا بين قوات الأمن، بسبب إخفاقه المزعوم في تقديم الدعم الكافي لهم ضد المسلحين المرتبطين بكل من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وجرى الإبلاغ عن تمردات في العديد من معسكرات الجيش في العاصمة واغادوغو وبلدتي كايا وواهيغويا الشماليتين. وجاءت الاضطرابات بعد شهور من الاحتجاجات المناهضة للحكومة والمطالبة باستقالة الرئيس؛ حيث تسبَّبت هجمات المتشددين التي بدأت في عام 2015 في مقتل أكثر من 2000 شخص وأجبرت 1.5 مليون شخص على ترك منازلهم، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. كما أن المدارس مغلقة في أجزاء كبيرة من البلاد لأن فتحها يُشكِّل خطورة كبيرة على الطلاب. وتراجعت ثقة الشعب في إدارة الرئيس للأزمة الأمنية التي انعكست على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، لاسيما بعد هجوم في قرية سولهان الشمالية في يونيو 2021، وقُتل أكثر من 100 شخص في الهجوم الذي ألقي باللوم فيه على متشددين عبروا الحدود من مالي. وقد أثار هجوم سولهان احتجاجات المعارضة في العاصمة، مما أجبر كابوري على إجراء تعديل في حكومته وتعيين نفسه وزيرًا للدفاع. كما أدى هجوم آخر على قاعدة إيناتا العسكرية الشمالية في نوفمبر 2021 إلى ازدياد حدة الغضب تجاه الحكومة، وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 50 عنصر من قوات الأمن. وأقال الرئيس حكومته إثر الهجوم، وعيَّن رئيس وزراء ووزير دفاع جديدين قبل محادثات المصالحة الوطنية مع المعارضة.[4]
ردود الأفعال الدولية والإقليمية على الانقلاب:
توالت الإدانات الدولية للانقلاب العسكري الذي شهدته بوركينا فاسو، مصحوبة بمطالبات للجيش الذي نفذ الانقلاب بالالتزام بمهمته لحماية البلاد والعودة إلى ثكناته، واحترام النظام الدستوري، والإفراج الفوري عن الرئيس المنتخب وكل الأشخاص المقبوض عليه في الانقلاب. ففي نيويورك، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن “الانقلابات العسكرية غير مقبولة”، مُطالبًا العسكر في إفريقيا الغربية بـ”الدفاع عن بلدانهم وليس مهاجمة حكوماتهم”. وقبيل اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول “حماية المدنيين في مناطق النزاعات”، قال الأمين العام الأممي للصحفيين “أناشد جيوش هذه الدول أن تؤدي دورها المهني بوصفها جيوشًا تحمي بلدانها وترسي المؤسسات الديمقراطية”. ونبَّه الأمين العام للمنظمة الأممية إلى أن “دور العسكريين يجب أن يكون الدفاع عن بلدانهم وشعوبهم، وليس مهاجمة حكوماتهم والقتال من أجل السلطة”. من جانبها، قالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إيكواس في بيان لها أن رئيس بوركينا فاسو المخلوع روك كابوري تنحى “تحت التهديد والترهيب والضغط من الجيش”. وأضافت المجموعة في البيان إنها ستعقد قمة طارئة لبحث الانقلاب في بوركينا فاسو. وأدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو، وقال إن الوضع في البلد الواقع بغربي إفريقيا “بدا هادئًا”، مُضيفًا أنه تم إبلاغه بأن رئيس بوركينا فاسو المخلوع روك كابوري “بصحة جيدة” ولا يتعرض لخطر. وذكر ماكرون أن حكومته تتابع الوضع “دقيقة بدقيقة”. وفي برلين أدانت الحكومة الألمانية الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو، ودعت إلى العودة إلى النظام الدستوري، وقال متحدث باسم الخارجية الألمانية أن “الإطاحة العنيفة بالحكم من قبل قطاعات في القوات المسلحة تعني ضربة خطيرة للدستور البوركيني والديمقراطية التي حققها الشعب البوركيني في عام 2015”. وأضاف المتحدث أن “الجيش يجب أن يعود إلى الثكنات وإلى النظام الدستوري، ويجب تجنُّب المزيد من التصعيد، وهذا يتضمن أيضًا الإفراج الفوري عن الرئيس المنتخب ديمقراطيًا روك كابوري وكل الأشخاص المقبوض عليه في هذا السياق”. ولفت المتحدث إلى أن الأحداث الأخيرة لن تبقى من دون عواقب بالنسبة للتعاون بين برلين وواغادوغو، غير أن وزارة الخارجية الألمانية لم تحدد بالضبط ما تعنيه بهذه العبارة.[5]
الانقلاب بين مالي وبوركينا فاسو وتصاعد السخط ضد التواجد الفرنسي:
من الواضح أن الاستعدادات للانقلاب في بوركينا فاسو تشبه الأحداث التي وقعت في مالي قبل استيلاء العسكريين على السلطة في أغسطس 2020. وكانت احتجاجات حاشدة قد عمَّت مالي، عقب سلسلة من الهجمات القاتلة على أهداف عسكرية ومدنية، أثارها الافتقار المتزايد للثقة في حكومة الرئيس المالي آنذاك إبراهيم بوبكر كيتا. وفي بوركينا فاسو، حاول زعيم المعارضة الرئيسي، إيدي كومبويغو، استغلال السخط العام بشأن انعدام الأمن لإثارة الغضب. لكن في حين دعم الشعب في مالي الانقلاب العسكري على نطاق واسع، قد يكون الناس في بوركينا فاسو حذرين من تفاقم انعدام الاستقرار مع تولي الجيش مقاليد السلطة في البلاد. وكان البلدان في السابق من المستعمرات فرنسية، وواصلت فرنسا الحفاظ على علاقات اقتصادية وأمنية قوية معهما بعد فترة طويلة من الاستقلال. وحالها حال مالي، تعتمد قوات الأمن في بوركينا فاسو على الدعم من فرنسا التي نشرت 5100 فرد في المنطقة في إطار ما أُطلق عليه عملية برخان، وقد بدأ ذلك عندما أرسلت فرنسا قوات لمنع الجهاديين من الزحف إلى العاصمة المالية باماكو عام 2013. لكن التأييد العام للتدخل الفرنسي تراجع مع تدهور الوضع الأمني. وقد منع سكان كايا في ديسمبر، قافلة عسكرية فرنسية تنقل الإمدادات إلى جيش بوركينا فاسو، واتهموا قوات برخان بالعمل مع الجهاديين بدلًا من دعم جيش البلاد. كما أدى خلاف دبلوماسي مع مالي إلى انسحاب ما يقرب من نصف قوات برخان.[6]
تبعات انقلاب بوركينا فاسو على الوجدود الفرنسي والأوروبي بالساحل:
من المُرجَّح أن تكون عواقب الانقلاب في بوركينا فاسو على التدخل الفرنسي متعددة. إذ لا يقتصر عدم الاستقرار على تهديد خطير لمستقبل عملية برخان في منطقة الساحل فحسب، بل إنه يُهدِّد أيضًا بتوجيه ضربة قاتلة للمشاركة العسكرية الأوروبية في المنطقة بشكل عام. من الناحية العملية، تم تقليص الوجود العسكري الفرنسي في بوركينا فاسو ليقتصر على عدد من القوات الخاصة. وبحكم طبيعتها السرية، تُستخدم هذه القوة التي يبلغ قوامها حوالي 350 جنديًا لمطاردة وتصيد قادة الجماعات الارهابية، كما حدث أثناء إطلاق سراح الرهينتين الفرنسيتين من قبل الكوماندوز في جنوب بوركينا فاسو في 19 مايو 2019. ويُمكن أيضًا أن تشارك هذه القوات في بعض العمليات المرتبطة بالسياسة الداخلية، كما حدث في 31 أكتوبر 2014؛ عندما قامت بتهريب الرئيس المخلوع بليز كومباوري، وتوصيله إلى كوت ديفوار. ويُلاحظ أن هذه القوات أحجمت أثناء الأزمة الحالية عن التدخل لحماية الرئيس كابوري: في موقف حساس للغاية بالفعل، ربما لم يكن لدى باريس مصلحة، وربما لم تعد تقبل بممارسة دور شرطي إفريقيا. من ناحية أخرى، يُمكن نشر هذه القوات الخاصة في حالة وجود تهديد للأوروبيين؛ وهو أمر غير مرجَّح في الوقت الحالي. ويمكن أن تُشكِّل الأزمة في بوركينا فاسو قبل كل شيء مشكلة لوجستية للجيش الفرنسي؛ حيث أن قوافل الإمداد والتموين من قاعدة جاو في شمال مالي، ومن ميناكا بالقرب من الحدود مع النيجر؛ تمر عبر بوركينا فاسو. لذا فإن فرنسا ملتزمة بعدم إظهار العداء للسلطة الحاكمة في واغادوغو. من المُرجَّح أن يؤدي الانقلاب في بوركينا فاسو إلى إضعاف قوة تاكوبا الأوروبية، التي تتمثَّل مهمتها نظريًا في تولي مهام عملية برخان. تتكون القوة اليوم من 800 ينتمون إلى 14 دولة أوروبية، بيد أن نصفهم فرنسيون، وهى تبدو في وضع بالغ الهشاشة وعدم اليقين. وقد دفع عدم الاستقرار السياسي في مالي ووصول الروس إلى هذا البلد بالفعل دولة السويد للإعلان، في 14 يناير 2022، عن انتهاء مشاركتهم هذا العام؛ بما يعني انسحاب 150 من القوات الخاصة. ويبدو أن الأوروبيين يرغبون بالمشاركة بأقل تكلفة ممكنة، ودون حدوث خسائر في الأرواح، بالإضافة إلى ذلك أن الأزمة الأوكرانية تبدو لهم تهديدًا مباشرًا وخطيرًا أكثر بكثير مما يحدث في منطقة الساحل.[7]
ماذا بعد؟
كشفت الأحداث الأخيرة عن العواقب السياسية لتمدُّد الجماعات الإرهابية في إقليم الساحل، فقد استولى المسلحون على مساحات شاسعة في بوركينا فاسو الحبيسة وجارتيها مالي والنيجر. كما استنزف الصراع موارد الدولة في بوركينا فاسو التي تُعد واحدة من أفقر الدول الإفريقية، رغم غناها بالذهب، كما تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في نسب المتعرضين للجوع بسبب الصراع والجفاف معًا. ودفعت هجمات المسلحين سكان المناطق الزراعية للخروج من أراضيهم، وتسليم السيطرة على مناجم الذهب غير الرسمية للمسلحين، والذين هاجموا بدورهم المصالح الغربية والفرنسية في بوركينا فاسو، بما فيها القوافل التابعة لشركات التعدين الرئيسة. ويُتوقع أن تدير القيادة العسكرية للانقلاب أو الحركة الوطنية للتأمين والاستعادة بقيادة سانداوجو المرحلة المُقبلة بثقة كبيرة، مستندةً إلى دعم شعبي متراكم، ومُتقبَّل منذ أسابيع وربما شهور لأي تحرُّك عسكري لتصحيح مسار البلاد نحو إصلاحات اقتصادية في المقام الأول، ومواجهة أكثر فاعلية لتهديدات الجماعات الإرهابية التي باتت تعيث فسادًا في أجزاء واسعة من البلاد دون تمكُّن القوات الحكومية والإقليمية والفرنسية من تحقيق اختراق في مواجهة الإرهاب وجماعات الجريمة المنظمة في بوركينا فاسو والإقليم برمته.[8]
الخُلاصة؛ يؤكد انقلاب بوركينا فاسو على مدى خطورة الوضع الأمني في منطقة الساحل الإفريقي الذي يُمثِّل مُركبًا أمنيًّا بالغ التعقيد والتشابك. وقد أدَّت سنوات من الحكم غير الفعَّال والفساد والحكم الاستبدادي المستمر إلى تفاقم حدة الفقر والمشاكل الاجتماعية، وتقويض شرعية الحكومات وأسهمت في الترويج لخطاب الجماعات الإرهابية في كثير من الأحيان. ترتب على ذلك أن الإحباط الشعبي أدى إلى حدوث اضطرابات، سواء كانت حركات جماهيرية للمواطنين أو حركات تمرد مسلحة أو تطرف عنيف، والتي فتحت الباب أمام قوات الجيش للسيطرة على السلطة. ولعل ذلك يفرض ضرورة تبنِّي مُقاربات أخرى أكثر فعالية؛ حيث يجب أن تكون الاستجابات مرتبطة بمفهوم الأمن الإنساني، مع إعطاء الأولوية للمجتمعات في كل دولة، بدلًا من التركيز على نهج الدولة، وحماية أمن الأنظمة والنُّخب الحاكمة. كما يشير الانقلاب في بوركينا فاسو إلى عدم قلق الانقلابيين من رد الفعل الدولية او الإقليمية؛ والتي جرت العادة ألا تتعدى بعض الإدانات أو العقوبات البسيطة التي يُمكن تخطِّيها بالبحث عن حلفاء جُدد. الأمر الذي يُنذر بتكرار نفس السيناريو في دولة مثل النيجر التي شهدت العام الماضي محاولة انقلابية على رئيسها محمد بازوم بعد وقوع هجمات مميتة ضد المدنيين والجيش. وكذلك في نيجيريا التي يحاول رئيسها امتصاص أي استياء عسكري من خلال زيارة قوات الدفاع في المناطق المضطربة. كما أن حالة عدم الاستقرار في مالي وبوركينا فاسو تخلق مخاوف أمنية لدى جارتهما في الجنوب، ساحل العاج، التي شهدت هي الأخرى هجمات جهادية منذ يونيو 2020 استهدفت قوات الأمن. وفي هذا الإطار؛ تُشكِّل الأزمات السياسية التي تعكسها خبرات مالي وغينيا والسودان وتشاد وأخيرًا بوركينا فاسو، فرصة لمراجعة أدوات منع الصراع الإفريقية، لاسيما فيما يتعلق بقضايا الحكم. وبدلًا من التركيز على الانتخابات والتغييرات غير الدستورية للحكومة، ينبغي إيلاء اهتمام أكبر للأبعاد الأخرى مثل الحوار المجتمعي وإدارة الأزمات الشاملة بشكل توافقي.
[1] “بوركينا فاسو: عسكريون يعلنون الاستيلاء على السلطة وحل الحكومة والبرلمان”، France 24، 24/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/e2JSh
[2] “بوركينا فاسو: الجيش يستولي على السلطة”، عربي BBC News، 24/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/V5SVZ
[3] “رئيس بوركينا فاسو يستقيل من منصبه عقب احتجازه من الجيش”، وكالة الأناضول، 25/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/nsgg5
[4] بيفرلي أوشينغ، “انقلاب بوركينا فاسو: لماذا استولى الجنود على السلطة وأطاحوا بالرئيس روش كابوري؟”، عربي BBC News، 25/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/6ZrDO
[5] “بوركينا فاسو.. العالم يدين الانقلاب ويطالب الجيش باحترام الدستور”، الجزيرة نت، 26/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/elBhf
[6] بيفرلي أوشينغ، مرجع سبق ذكره.
[7] د. حمدي عبد الرحمن، “عودة حزام الانقلابات في غرب إفريقيا .. بوركينا فاسو وتبعات ما بعد الانقلاب”، قراءات إفريقية، 25/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/KPEB8
[8] د. محمد عبد الكريم، “انقلاب بوركينا فاسو: قراءة في المشهد وتداعيات “السيناريو المالي””، قراءات إفريقية، 25/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/5RMW4