الدعوة الجزائر لعقد لقاء مصالحة بين الفصائل الفلسطينية: الدوافع والتحديات

 

 

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فى 6 ديسمبر 2021، خلال الزيارة التي أجراها الرئيس الفلسطينى محمود عباس، خلال الفترة من 5-7 ديسمبر، للجزائر، عن استضافة “الجزائر مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية قريبًا”. وبالفعل، فقد بدأت الفصائل الفلسطينية بالوصول إلى الجزائر تباعًا بداية من منتصف يناير 2022، وتمثلت تلك الفصائل فى فتح، وحماس، والجهاد الإسلامى، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية[1]، على أن تجرى اللجنة الجزائرية المُكلَفة بملف المصالحة لقاءات منفصلة مع كل فصيل على حدة، وبعدها ستقرر الجزائر ما إن كان هناك حاجة لجولة ثانية تجتمع فيها كل الفصائل لاستكمال الحوارات أم سيتوقف الأمر عند الجولة الأولى[2]وسنحاول خلال السطور القادمة التعرف على الدوافع الجزائرية التى تقف خلف دعوتها لعقد هذا اللقاء، ومدى إمكانية نجاحها فى تحقيق اختراق فى جدار الانقسام الفلسطينى.

أولًا: الدوافع الجزائرية من خلف هذا اللقاء:

تتمثل أهم الدوافع التى تقف خلف دعوة الجزائر للفصائل الفلسطينية لعقد لقاء للمصالحة فيما بينهم فى:

– اقتراب انعقاد القمة العربية:

حيث تستعد الجزائر لاستضافة القمة العربية في مارس 2022، وفي هذا الإطار، بدا أن الجزائر تحاول استثمار القمة العربية كمدخل لإضفاء المزيد من الزخم على دورها الإقليمي من خلال تعزيز الانخراط في العديد من الملفات الإقليمية المحورية، على غرار الملف الليبي الذي يتسم بالتعقيد ولا سيما بعد تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر 2021. كما شهدت الشهور الأخيرة كثافة في التحرك الجزائري تجاه الملف التونسي، وهو ما عكسته زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس يومَيْ 15 و16 ديسمبر 2021، بالتوازي مع التوسع في التحرك بعيداً عن نطاق جوارها المباشر لتطرح مبادرة للمصالحة الفلسطينية، وتشارك في مساعي تعزيز الانفتاح الإقليمي على النظام السوري، وربما الدفع نحو عودة سوريا إلى الجامعة العربية[3].

– إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية:

تسعى الجزائر إلى إعادة وضع القضية الفلسطينية في قلب اهتمامات الجامعة العربية، وجعلها القاسم المشترك الأكبر بين العرب، وذلك من خلال إحياء منطلقات مشتركة مثل «المبادرة العربية للسلام» لقمة بيروت 2002، والتي تعيد الجزائر في كل المناسبات الدولية التذكير بها. ويظهر التحرك الجزائري في هذا التوقيت كما لو أنه سباحة ضد التيار في العالم العربي، كون القضية الفلسطينية تراجعت في سلم الاهتمامات ودخلت دائرة النسيان في دبلوماسيات بعض الدول المؤثرة، في مقابل ظهور نزعة تطبيعية غير مسبوقة مع إسرائيل، أدت إلى إقامة دول عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) علاقات كاملة بهذا الكيان، وصلت في حالة دول مثل المغرب، الجارة الغربية للجزائر، إلى بناء تحالف استراتيجي والدخول في اتفاقيات أمنية وعسكرية مشتركة، في انقلاب تام على المعايير العربية التي ظلت تنظر إلى إسرائيل كعدو أول ومشترك، على الأقل في الوجدان العربي[4].

– الحد من توسع التطبيع مع إسرائيل وتقليل أثاره السلبية:

تميزت الجزائر، في الأيام الأولى لظهور «اتفاقيات أبراهام» أيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بموقف شديد الوضوح من هذه المسألة، عبر تصريح الرئيس تبون الذي قال بنبرة أسف إن “الجزائر تلاحظ نوعاً من الهرولة نحو التطبيع، وهي ترفض الانخراط فيها أو مباركتها”. ولم تتجرع الجزائر، بعد ذلك، انخراط المغرب في هذا المسعى، عبر مقايضة التطبيع مع إسرائيل بالحصول على اعتراف أميركي بسيادته على الصحراء الغربية، التي تطالب الجزائر بتمكينها من حق تقرير المصير بناءً على قرارات الأمم المتحدة. وذهبت الجزائر بعيداً في رفضها لما قام به المغرب، وأعلنت في أغسطس 2021 قرار قطع العلاقات مع هذا البلد وحظر الأجواء الجزائرية على طائراته، استناداً إلى جملة معطيات أهمها السماح لوزير الخارجية الصهيوني بتهديد الجزائر مِن على الأرض المغربية، في ما اعتبره وزير الخارجية الجزائرية، رمطان لعمامرة، سابقة في تاريخ العلاقات العربية – العربية منذ ظهور الكيان الصهيوني[5]. وعليه، تريد الجزائر أن يكون لها تأثير في الملف الفلسطيني، لإزعاج إسرائيل التي باتت على حدودها الغربية من خلال اتفاقياتها الأمنية والعسكرية مع جارتها المغرب. وتخشى الجزائر من تمدد النفوذ الإسرائيلى فى منطقة المغرب العربى، وهو التمدد الذى لا يتوقف على التطبيع الإسرائيلى مع المغرب فقط، بل هناك تطبيع مرتقب مع ليبيا، وهو ما ظهر فى زيارة صدام حفتر، نجل قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي، الجنرال خليفة حفتر، إلى إسرائيل، فى نوفمبر 2021، حاملا رسالة من والده تطلب مساعدة عسكرية سياسية إسرائيلية، وفي المقابل تعهد بإقامة علاقات دبلوماسية في المستقبل بين ليبيا وإسرائيل[6]. كما تعتبر الجزائر الدولة العربية الوحيدة التى تعمل على مواجهة التمدد الإسرائيلى فى المنطقة، ولعل أبرز دليل على ذلك؛ هو رفضها لانضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقى بعضوية مراقب، وبعد نجاح تل أبيب في الانضمام، تعمل الجزائر على تشكيل جبهة أفريقية تضم 13 دولة إفريقية (جنوب أفريقيا، تونس، أريتريا، السنغال، تنزانيا، النيجر، جزر القمر، الجابون، نيجيريا، زمبابوي، ليبيريا، مالي، جزر سيشل( لطرد إسرائيل من الاتحاد الأفريقي[7].

– البناء على العلاقة الخاصة مع الفلسطينيين:

ترتكز الجزائر فى تدخلها فى الملف الفلسطينى على علاقتها الخاصة، شعبًا وحكومة، مع فلسطين تعود لزمن انطلاق الثورة الفلسطينية حيث استلهمت هذه الأخيرة تجربة الثورة الجزائرية في مواجهة الاستعمار الفرنسي وكانت الجزائر بعد الاستقلال من أول وأهم الدول التي ساندت الثورة الفلسطينية ودعمتها عسكرياً ومادياً وأقامت قواعد للثورة على أراضيها واستمرت الجزائر تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني بالرغم من تغير القيادات والأحوال في الجزائر وفلسطين[8]، ولذلك ليس غريباً أن تتردد جملة على ألسنة الساسة الجزائريين تدلل على عمق الانتماء لقضية فلسطين حينما يقولون: “إننا نختلف على كل شيء حتى على وجود الله ولكن لا نختلف على القضية الفلسطينية”. ربما كان كل هذا الدعم من القيادة والشعب الجزائريين للقضية الفلسطينية نابعًا من عمق المأساة التي عاشها الشعب الجزائري التي تشبه إلى حد كبير المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني حالياً، وهي مأساة الاحتلال الاستيطاني الإحلالي، فكما تتعرض فلسطين حالياً لهجمة صهيونية استيطانية شرسة تعرضت الجزائر لهجمة استيطانية فرنسية شرسة. حيث اعتبر الاحتلال الفرنسي أن الجزائر هي الامتداد الطبيعي لفرنسا من جهة الجنوب التي لا يفصلها عن “الوطن الأم” إلا البحر، ولذلك قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية آنذاك بإنشاء المدن ذات الطراز الفرنسي ونقلت ملايين المواطنين الفرنسيين إليها وأنشأت لهم المزارع والمصانع لاستيطان الجزائر، واستخدمت ذات الوسائل التي يستخدمها الاحتلال الصهيوني حالياً من اقتلاع وقتل وتشريد في سبيل تنفيذ المخططات الاستيطانية، ولكن كما كل احتلال واستعمار في التاريخ زال الاستعمار الفرنسي وبقيت الجزائر وبقي الشعب الجزائري البطل فوق أرض آبائه وأجداده بعد أن قدم مليون شهيد، لذلك فأن الوجدان الجمعي للشعب الجزائري يعشق فلسطين كما يعشق الجزائر، لأن المعاناة المشتركة التي عاشها الشعبان ولدت هذه الروح التي التقت في العنفوان الثوري والعشق الأزلي للأرض[9]. وبالتالي فالجزائر صادقة وجادة في تحقيق ولو بعض الانجازات في ملف المصالحة.

ثانيًا: إمكانية نجاح الجزائر فى تحقيق المصالحة الفلسطينية:

على الرغم من استجابة الفصائل الفلسطينية للدعوة الجزائرية لعقد لقاء المصالحة؛ فلكل من السلطة الفلسطينية وحماس أهدافه في الاستجابة، فالسلطة معنية بتمويل جزائري محتمل أو موعود (تم الاتفاق على منح السلطة الفلسطينية 100 مليون دولار خلال زيارة عباس الأخيرة للجزائر[10])، وحماس معنية بتطوير علاقاتها الإقليمية والعربية، وفتح بوابات جديدة تخفف من وطأة حصارها، ومحاولات عزلها[11]. إلا أن هذا اللقاء يبدو أنه لن ينجح فى تحقيق أى نوع من الاختراق فى جدار الانقسام بين الفصائل الفلسطينية؛ لأن الأسباب والعراقيل التي حالت دون نجاح الحوارات والاتفاقات السابقة لا تزال قائمة، بل ازدادت تجذرًا كما يلاحظ أي مراقب. ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه العراقيل كما يلى:

– التجارب التاريخية السلبية للمصالحة الفلسطينية:

فقد مرت أربعة عشر عاماً على وقوع الانقسام الفلسطيني بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بأغلبية ساحقة، وُقّعت خلالها أكثر من عشر اتفاقيات للمصالحة الفلسطينية في عدد من العواصم العربية لأجل طي صفحة الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، لكن جميع هذه الاتفاقيات لم تجد طريقاً حقيقياً إلى التنفيذ العملي على أرض الواقع. في تسلسل تاريخي سريع لكل الاتفاقيات التي وُقّعت على مدار السنوات التي مضت، كان اتفاق فبراير 2007 الذي جرى برعاية سعودية فاتحة الاتفاقات، تلته لقاءات دمشق واليمن، ثم اتفاقي القاهرة عام 2009 وعام 2011، ثم اتفاق قطر في إبريل عام 2014، وصولاً إلى اتفاق الشاطئ في فبراير 2016، ثم العودة مرة أخرى إلى الدوحة في عام 2017، ثم إعلان إسطنبول بتاريخ 24  سبتمبر2020 الذي أسّس لاجتماع الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية بين رام الله وبيروت في الثالث من سبتمبر في العام ذاته، ولم تصمد مخرجاته كثيراً بعد إعلان السلطة الفلسطينية عودتها إلى التنسيق الأمني مع “إسرائيل” بنحو مفاجئ، ما أدى إلى نسف الاتفاق مع حركة حماس وجمود العلاقة بين الحركتين. في التاسع من فبراير 2021 توصّلت حركتا حماس وفتح مجدداً، برعاية مصرية، إلى اتفاق مصالحة جديد يتضمّن آليات لإجراء الانتخابات كمدخل لتحقيق المصالحة، وصدرت مراسيم رئاسية حدّدت مواعيد إجرائها، إلا أن قطار المصالحة والانتخابات توقّف مرة أخرى بعد صدور مرسوم رئاسي مفاجئ بتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمّى، لأسباب أهمها وجود انقسامات كبيرة داخل حركة فتح، والتي اتضحت أكثر بعد تشكيل ثلاث قوائم انتخابية متصارعة تعكس حقيقة الانقسام العميق داخل الحركة، تمثلت في تكتل الرئيس محمود عباس، وتكتل القيادي الأسير مروان البرغوثي، وتكتل القيادي محمد دحلان، وهو ما أضعف موقف حركة فتح الداخلي أمام قائمة انتخابية موحدة وقوية لحركة حماس. برّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إفشال مسار الانتخابات بذريعة عدم موافقة “إسرائيل” على إجرائها في مدينة القدس، فيما أصرّت حركة حماس على ضرورة إجرائها في موعدها وفي مدينة القدس، وجعل الانتخابات معركة هوية ومواجهة شعبية مع “إسرائيل” داخل باحات المسجد الأقصى ومدينة القدس نسفاً وتحدياً لقرارات إدارة ترامب تجاه مدينة القدس، وهو ما رفضته حركة فتح، الأمر الذي أعاد الأوضاع الداخلية الفلسطينية إلى نقطة الصفر مرة أخرى[12].

– اختلاف رؤية الفصائل حول كيفية تحقيق المصالحة:

حيث لا يزال فريق الرئيس عباس وحركة فتح يطرح وجهة نظر تعكس التنكر لما توصلت إليه الحوارات والاتفاقات السابقة، حيث يطالب بالموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالشرعية الدولية، وبما يتضمن شروط اللجنة الرباعية ومنها الاعتراف بإسرائيل، وهذا ما مستحيل قبوله. ودعا – وهذا هو الأهم – من طرف واحد إلى إجراء انتخابات محلية على مرحلتين (خلافًا للقانون) من دون تشاور أو اهتمام بحركة حماس بوصفها سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، وبالفعل جرت المرحلة الأولى، وجاري العمل على تنفيذ المرحلة الثانية من دون مشاركة قطاع غزة. كما دعا هذا الفريق بشكل منفرد، لعقد جلسة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير من دون دعوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي على غرار ما كان يفعل سابقًا، مع أنه يعرف بأن جلسة المجلس الوطني السابقة، وما نتج عنها، خصوصًا تفويض المجلس المركزي بكل صلاحيات المجلس الوطني من دون تحديد موعد لنهاية هذا التفويض، مرفوض حتى من بعض فصائل المنظمة[13]. وقد أشار موقع “القدس العربي” إلى أن وفد حركة فتح حمل للجزائر رؤيته لإنهاء الانقسام، والتي تتمثل أول بنودها بالبدء في الخطوات العملية للمصالحة التي وردت في اتفاق القاهرة الشامل الموقع عام 2011، من خلال “عودة غزة للشرعية”، ويتمثل ذلك بأن يُسمح للحكومة الفلسطينية بمباشرة كامل مهامها ومسؤولياتها في غزة دون أي معيقات، بما في ذلك بحث سيطرة السلطة الأمنية على القطاع، وفق ما جرى من تفاهمات سابقة[14]. وهو أمر من المستحيل أن تقبله حماس. كما تتمسك السلطة بالأوهام والرهانات السابقة عن إمكانية استئناف المفاوضات وإحياء ما سمي عملية السلام بعد فوز الرئيس الأمريكى جو بايدن، رغم الصدمات التي تلقتها قيادة عباس طوال العام الماضي، والتي أثبتت أن المطروح حاليًا هو “السلام الاقتصادي” لا أكثر ولا أقل، واختارت التعاطي معه كما يظهر في قبولها بخطة بناء الثقة، ودعوتها إلى العودة للالتزامات والاتفاقات السابقة، واللقاءات التي عقدها الرئيس ومعاونوه مع وزير الحرب الإسرائيلي بينى غانتس، والتي انتهت ببعض التسهيلات والإجراءات التي صبت في الإجمال في خدمة بعض الأفراد والشرائح ضمن معادلة بقاء السلطة ومنعها من الانهيار، مقابل مزيد من التعاون والتنسيق الأمني للحؤول دون تواصل وتعاظم المقاومة في الضفة إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها.

في المقابل،

فإن حماس طرحت مقاربة مغايرة من خلال البدء من منظمة التحرير وتحقيق الشراكة فيها، عبر تشكيل قيادة مؤقتة، وتعيين مجلس وطني بالتوافق والمحاصصة لمدة سنتين، وإجراء الانتخابات الشاملة (التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني)، ورفضت على هذا الأساس السماح بإجراء الانتخابات المحلية في القطاع.[15] كما تعتبر حماس أن حركة فتح تريد من خلال إعادة فتح ملف المصالحة حصد ثمار المرحلة على صعيدين: الأول/ البيئة الإقليمية الجديدة والتقرب إلى الإدارة الأميركية برئاسة بايدن، في محاولة لتقديم نفسها على أنها تتمتع بشرعية تمثل كل الفلسطينيين عبر حكومة وحدة وطنية هدفها توفير غطاء سياسي للعودة إلى مسار المفاوضات مع “إسرائيل”، وهو ما رفضته حركة حماس بشكل مطلق. الثاني/ تقديم نفسها كممثل لكل الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي والدول العربية الراعية والداعمة لمسيرة الإعمار، بهدف السيطرة على أموال الإعمار، فيما ترى حركة حماس ضرورة تشكيل هيئة وطنية عليا للإشراف على ملف الإعمار، بعد فشل حركة فتح في إدارة الملف ذاته إبّان عدوان عام 2014. كذلك فإن حماس تدرك أن عقلية حركة فتح لا تسمح بتسليم السلطة حال خسرت أي انتخابات ستُجرى، وبإعادة شرعنة قيادة حماس مرة أخرى أو السماح لها بدخول منظمة التحرير الفلسطينية للمزاحمة على التمثيل الدولي للشعب الفلسطيني، فهذا ما لا ترضاه “إسرائيل” من جهة، ولا حتى البيئات العربية والدولية الحالية التي صنّفت حركة حماس مؤخراً منظمة إرهابية. وأخيرًا، فإن الانقسام الحاصل بين حركتي فتح وحماس ليس وليد لحظة فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، بل هو تعبير عن وجود برنامجين على الساحة الفلسطينية، برنامج يحمل مشروع المقاومة سبيلاً لتحرير فلسطين، وآخر ينتهج التسوية والمفاوضات سبيلاً أوحد، وأن ما جرى عام 2007 يمثّل اتساع فجوة الخلاف بين البرنامجين[16]. أما الفصائل الأخرى فهي مشتتة، ولا تسمح لها أوزانها بشكل منفرد بأن تكون قطبًا ثالثًا مهمًا، فتوافق على ما يتفق عليه طرفا الانقسام إذا اتفقا، وتطرح عند الخلاف بخجل وجهات نظر تتقاطع إما مع وجهة نظر “حماس” في بعض البنود، مثل البدء في ملف منظمة التحرير، أو تتقاطع مع وجهة نظر الرئيس و”فتح” بالدعوة إلى عقد المجلس المركزي المختلف عليه، مع دعوة حركتي حماس والجهاد للمشاركة فيه كفصائل معترف بها[17].

– التحفظات الاقليمية والدولية على الدور الجزائرى فى الملف الفلسطينى:

على الرغم مما يبدو بأنه تنسيق جزائرى مع مصر حول لقاء الفصائل الفلسطينية فى الجزائر من خلال زيارة وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة إلى مصر يومَي 16 و17 يناير 2022، ولقائه الرئيسَ المصري عبد الفتاح السيسي، وتناول اللقاء المواقف تجاه القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. إلا أنه لا يخفى على أحد أن القاهرة قد تنظر إلى التدخل الجزائرى فى الملف الفلسطينى كنوع من المنافسة ومحاولة لانتزاع دورها فى هذا الملف الهام، الذى يعتبر من أهم الملفات التى تساهم فى تقوية الدور الاقليمى لمصر فى منطقة الشرق الأوسط، وهو الدور الذى تستغله مصر فى مواجهة العديد من الضغوطات التى تمارس عليها من قبل القوى الدولية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، ولعل أبرز مثال على ذلك؛ الاتصال الهاتفى بين بايدن والسيسى فى مايو الماضى على الرغم من رفض الأول لإجراء مثل هذا الاتصال مع الثانى لسجله السئ فى ملف حقوق الإنسان، ولم يدفع بايدن للاتصال بالسيسى سوى دور الأخير فى وقف حرب القدس بين حماس وإسرائيل فى مايو 2021. ومن شأن الدور الجزائري الجديد فى الملف الفلسطينى أن يزعج القاهرة لا سيما أنه تزامن مع تصعيد لفظي من طرف الفصائل الفلسطينية تجاه مصر، بحجة عدم التزامها بالتعهدات التي قطعتها حول إعادة إعمار غزة وفك الحصار عن القطاع. كما أن سرعة الرد الإيجابي التي ردت به الفصائل الفلسطينية على دعوة الجزائر للاجتماع على أرضها، يؤكد أن مواجهة محتملة بين الجزائر ومصر قد تنتقل إلى الشرق الأوسط، وأن الجزائر تريد خلق نوعٍ من القلق لدى مصر التي واجهتها لسنوات في ليبيا بدعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد حكومة السراج المعترف بها دولياً، والتي كانت مسنودة من طرف الجزائر.

التأثير الجزائري الذي قد يحدث مستقبلاً لا يزعج مصر فقط بل يتعداه لإزعاج دول غربية حليفة لإسرائيل. فالولايات المتحدة وبريطانيا وحتى فرنسا لا ترغب أن يخرج الملف الفلسطيني من بين أيدي مصر وقطر وتركيا والأردن. فالدول الغربية ودول ما يسمى بالاعتدال العربي يرون الجزائر كرؤيتهم لإيران وسوريا، لذلك فإمساكها ببعض خيوط اللعبة يشكل خطراً على إسرائيل والمنطقة[18]. أيضًا، فإن المغرب هى الأخرى، ترى أن التقارب الجزائرى مع الفصائل الفلسطينية ما هو إلا رد فعل على التطبيع المغربى- الإسرائيلى مؤخرًا، واستخدام هذا التقارب لتصدير مزيد من الضغوط للمغرب وتأليب الرأى العام العربى ضدها والترويج بأن المغرب قد تخلت عن دعم الفلسطينيين على عكس الجزائر التى لا تزال تقدم لهم الدعم والمساندة. وما يزيد من شكوك المغرب بأن هذا التقارب الجزائرى مع الفصائل الفلسطينية يستهدفها بالأساس هو أنه يأتى بالتزامن مع التوتر المتصاعد بين البلدين، والذي وصل إلى ذروته مع إعلان الجزائر، يوم 24 أغسطس 2021، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، واتهامها بـ”مواصلة الأعمال العدائية ضد الجزائر”، كما أعلن الرئيس الجزائري في 31 أكتوبر الماضي عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب[19].

 

[1] “الفصائل الفلسطينية تصل إلى الجزائر تباعا للمشاركة في مؤتمر “جامع””، RT اسأل أكثر، 15/1/2022، الرابط:

[2] “حوارات المصالحة الفلسطينية: لماذا في الجزائر؟ ولماذا الآن؟”، رأى اليوم، 16/1/2022، الرابط:

[3] “انخراط متزايد: كيف تستعد الجزائر للقمة العربية القادمة؟”، الحائط العربى، 18/1/2022، الرابط:

[4] ” تبون يستبق القمّة العربية: استعادة مركزية فلسطين”، الأخبار، 17/1/2022، الرابط:

[5] المرجع السابق.

[6] “نجل حفتر يزور إسرائيل طلبا للمساعدة”، عرب48، 7/11/2021، الرابط:

[7] “تقودها الجزائر و13 دولة أفريقية… هل تنجح مساعي طرد إسرائيل من عضوية الاتحاد الأفريقي؟”، سبوتينك عربى، 2/8/2021، الرابط:

[8] “حوارات المصالحة الفلسطينية: لماذا في الجزائر؟ ولماذا الآن؟”، مرجع سابق.

[9] “هل تفلح الجزائر فيما فشلت فيه العواصم الأخرى؟”، فلسطين أونلاين، 19/1/2022، الرابط:

[10] ” تبون يستبق القمّة العربية: استعادة مركزية فلسطين”، مرجع سابق.

[11] “الحوارات الفلسطينية في الجزائر.. علاقات عامّة بلا أفق!”، عربى21، 18/1/2022، الرابط:

[12] “معجزة الـ 2022.. كوة في جدار المصالحة الفلسطينية؟”، الميادين، 21/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3nDDZst

[13] “هل يملك حوار الجزائر فرصة للنجاح؟”، مسارات، 18/1/2022، الرابط: https://bit.ly/3A7TfD7

[14] “تفاؤل ضعيف بقدرة الجزائر على تحريك ملف المصالحة الفلسطينية”، القدس العربى، 18/1/2022، الرابط: https://bit.ly/3rsIIOX

[15] “هل يملك حوار الجزائر فرصة للنجاح؟”، مرجع سابق.

[16] “معجزة الـ 2022.. كوة في جدار المصالحة الفلسطينية؟”، مرجع سابق.

[17] “هل يملك حوار الجزائر فرصة للنجاح؟”، مرجع سابق.

[18] ” “منافسة” مع مصر ومواجهة مع المغرب.. ماذا وراء الاهتمام الجزائري الأخير بفلسطين؟”، عربى بوست، 7/12/2021، الرابط: https://bit.ly/3nNkuOn

[19] “انخراط متزايد: كيف تستعد الجزائر للقمة العربية القادمة؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022