تعيين فتحي باشاغا رئيسًا جديدًا للحكومة الليبية المؤقتة: قراءة فى المواقف والتداعيات

 

 

صوت مجلس النواب الليبي، فى 10 فبراير 2022 على نحو عاجل لتعيين وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيساً جديداً للوزراء – باجماع النواب الحاضرين بعد انسحاب المرشح المنافس له، خالد البياص-. ومن المقرر أن يحل محل عبد الحميد الدبيبة، الذي شغل منصب رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” المعترف بها دولياً والذي جرى تنصيبها قبل نحو عام. ونظم عملية التصويت رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بحجة أن فترة ولاية “حكومة الوحدة الوطنية” الحالية انتهت في ديسمبر 2021 بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة. وأمام باشاغا أسبوعين لتشكيل الحكومة وتقديمها لمجلس النواب لتنال الثقة[1]. وسيكون على باشاغا، في حال حصول حكومته على ثقة البرلمان، إنجاز الاستحقاقات الانتخابية، في غضون 14 شهراً من إقرار القاعدة الدستورية الجديدة، وهو ما يعني أن الانتخابات لن تُجرى قبل خريف 2023، لو تمّ الالتزام بهذا المسار الذي ترفضه الأمم المتحدة، على اعتبار أنها تسعى لإجراء الانتخابات بحلول الصيف المقبل[2]. وهو المسار الذى يرفضه أيضًا الدبيبة الذى لا يزال متمسكًا بمنصبه، حيث أكد أنه لن يتنحى حتى يتمكن من تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة من الشعب الليبي. كما تعهد بتقديم جدول زمني جديد للانتخابات يجري التصويت بموجبه في يونيو القادم، واقترح إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية قبل التصويت الرئاسي[3].

كما صوت البرلمان على تعديل الإعلان الدستوري، من أجل تشكيل لجنة من 24 شخصاً من الخبراء والمختصّين الذي يمثّلون الأقاليم الثلاثة، على أن يتمّ اختيارهم مناصفة بين مجلس النواب و”المجلس الأعلى للدولة”. وتتولّى هذه اللجنة مراجعة النقاط محلّ الخلاف في مشروع الدستور المُنجَز من قِبَل الهيئة التأسيسية، وإجراء التعديلات المكمّلة عليه. ولن تُعتبر اجتماعاتها قائمة إلّا بحضور ثلثي الأعضاء، على أن يكون مقرها الرئيسي في مدينة البيضاء، ويجوز لها عقد جلساتها في أيّ مدينة أخرى. وحدّد القرار مدّة 45 يوماً لتنتهي اللجنة مـن إجراء التعديلات، بدءاً من أوّل اجتماع لها خلال أسبوعين من تاريخ صدور التعديل، على أن يُحال مشروع الدستور مباشرة إلى “المفوّضية الوطنية العليا للانتخابات” للاستفتاء عليه. وفي حال تعـذّر إجراء التعديلات، بعد انتهاء المدّة، تتولّى لجنةٌ مشكّلة من مجلسَي النوّاب و”الدولة”، إعداد قاعدة دستورية وقوانين انتخابية ملزِمة للطرفين، لدورة رئاسية وبرلمانية واحدة. ويُحال النظر في مشروع الدستور المُنجَز من قِبَل الهيئة التأسيسية إلى السلطة التشريعية الجديدة[4]. وتسعى هذه الورقة إلى التعرف على أبرز المواقف والتداعيات على خطوة مجلس النواب باختيار باشاغا رئيسًا للحكومة المؤقتة وتعديل الإعلان الدستورى.

أولًا: موقف المنطقة الغربية:

تنوعت وتباينت المواقف داخل المنطقة الغربية حول اختيار باشاغا بدلًا عن الدبيبة لرئاسة الحكومة، ويمكن تناول أبرز تلك المواقف كما يلى:

المجلس الأعلى للدولة:

يبدو أن موقف المجلس الأعلى للدولة لا يزال مترددًا فى دعم اختيار باشاغا رئيسًا للحكومة. ففى حين أعلن رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، أن البرلمان قد تسلم رسالة من مجلس الدولة، تنطوي على تزكية فتحي باشاغا لتولي رئاسة الحكومة، في مؤشر يعكس بلورة توافقات بين مجلسي النواب والدولة[5]، في ملفي خارطة الطريق والحكومة الجديدة، خاصة بعد الأنباء التي تحدثت سابقًا عن عقد لقاء بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في المغرب، إذ أكد المشري، فى 6 فبراير الحالى، حدوث هذا اللقاء، معتبرًا أنه كان لقاء غير رسمي، وبدا منه وجود تجاوب بين المجلسين. وهو ما يشير إلى أن القرارات الأخيرة لم تكن فقط حصيلة التوافقات الناتجة عن اجتماع المرشحين الرئاسيين (باشاغا وحفتر وعقيلة ومعيتيق والنايض) في بنغازي أواخر عام 2021، بل أيضًا حصيلة تقارب في وجهات النظر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، خاصة أن المشري تحدث عن قرب زيارته لمدينة طبرق[6]. كذلك، فقد ظهرت مؤشرات تدل على أن رئيس المجلس خالد المشري، والعشرات من أعضائه أقرب إلى موقف مجلس النواب في دعم باشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق السابقة التى كانت تحظى بدعم قوى من قبل المجلس الأعلى.

وهى المؤشرات التى يمكن تلمسها فى اختلاف وجهتى النظر بين الدبيبة والمشرى حول من يملك صلاحية تغيير الحكومة، ففى حين يعتبر الدبيبة، أن المجلس الرئاسي بأعضائه الثلاثة من يحق له إقالة رئيس الحكومة وتعيين رئيس جديد للوزراء، طبقا للإعلان الدستوري، الذي يحدد مهام رئيس الدولة الذي يقوم المجلس الرئاسي حاليا بمهامه. غير أن المشري، يشدد على أن تعيين رئيس حكومة جديد من صلاحيات مجلسي النواب والدولة، طبقا للاتفاق السياسي. ففي الوقت الذي كان من المنتظر أن تعقد جلسة للمجلس الأعلى للدولة، فى 12 فبراير، لمناقشة اختيار مجلس النواب في طبرق لرئيس حكومة جديد، تم تأجيل الجلسة “لأسباب أمنية”، وخرج المشري في كلمة مباشرة لتوضيح موقف المجلس. وأهم ما أكد عليه المشري، أن حكومة الوحدة انتهت مهمتها في 24 ديسمبر 2021، وأصبحت منذ ذلك التاريخ حكومة تصريف أعمال إلى غاية اختيار رئيس حكومة جديد أو تجديد الثقة في الدبيبة. وأقرّ بوجود توافق بين مجلس الدولة ومجلس النواب في طبرق على خريطة طريق، وأكد على أحقية المجلسين في تغيير الحكومة، نافيا وجود سند قانوني يعطي الحق للمجلس الرئاسي بتغيير الحكومة. وأشار المشري إلى أن 52 عضوا في مجلس الدولة (نحو 39 بالمئة) منحوا تزكياتهم لباشاغا، و26 لخالد البيباص، و5 لمرشح آخر. في حين تم الاتفاق على أن المرشح لرئاسة الحكومة لا بد أن يحصل على 30 تزكية على الأقل من مجلس الدولة و40 من مجلس النواب، ولم يستوف هذا الشرط سوى باشاغا.

وخلاصة كلمة المشري، أن مجلس الدولة يعترف بباشاغا رئيسا للحكومة بدلا من الدبيبة، لكنه ترك خط الرجعة يتيح له مجالا للمناورة، عندما قال: “لن نقبل أن يكون هناك رئيس وزراء عليه طعن أو شكوك في طريقة الاختيار”. إذ أن عددا ليس بالقليل من أعضاء مجلس الدولة اعترضوا على خريطة الطريق التي أقرها مجلس النواب، وطالبوا بأن يكون تغيير الحكومة بعد الاستفتاء على الدستور وليس بالتزامن مع تعديل الإعلان الدستوري. كما أن المجلس الأعلى للدولة يتعرض لضغط شديد من الرأي العام في المنطقة الغربية، والكتائب المسلحة الداعمة للدبيبة، التي حشدت قواتها في طرابلس رفضا لتولي باشاغا رئاسة الحكومة. وهذا الضغط الشعبي وحتى العسكري، يدفع المجلس الأعلى للدولة، للتريث قبل إعلان موقفه النهائي والرسمي في هذه المسألة. وأصدر المجلس، فى 13 فبراير، بيانًا، أكد فيه أن “التعديل الدستور الـ12 الصادر عن مجلس النواب، وكذلك تغيير رئيس الوزراء قرارات غير نهائية”. ما يرجح أن المجلس الأعلى للدولة قد يتراجع عن دعم باشاغا، مع استمرار الضغط الشعبي والعسكري لأنصار الدبيبة، الذي دعاهم للخروج إلى الميادين في 17 فبراير، ذكرى الثورة على نظام معمر القذافي لرفض التمديد الذي يسعى إليه مجلس النواب في طبرق[7]. كما أكد المشري، في بيان له 16 فبراير، إن إصدار مجلس النواب قراراً بتكليف رئيس جديد للحكومة قبل عقد جلسة رسمية للمجلس الأعلى “إجراء غير سليم لا يساعد على بناء جسور الثقة بين المجلسين”.

ويأتى ذلك، بعدما أعلن 54 عضواً بالمجلس الأعلى للدولة الليبي بدروهم، رفضهم الكامل لقرار برلمان طبرق تكليف وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بشغل منصب رئيس الحكومة الجديدة، عوضاً عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، مشدّدين على أن “إجراء سحب الثقة من الحكومة جاء مخالفاً للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، مما يجعله باطلاً”. حيث قال هؤلاء الأعضاء، في بيان: “إن ما صدر عن مجلس النواب لا يعد إلا مقترحات إلى حين نقاشها والتصويت عليها بجلسة رسمية ومعلنة بالمجلس الأعلى للدولة”. البيان أكد أن “التعديل الدستوري الثاني عشر، أقر من مجلس النواب قبل عرضه بصيغته النهائية في جلسة رسمية بالمجلس الأعلى للدولة”، لافتاً إلى أن “التعديل الدستوري المقترح جاء مخالفاً للمادة 12 من الاتفاق السياسي والمادة 36 من الإعلان الدستوري بشأن آلية التصويت بالأغلبية الموصوفة وليس المطلقة كما صرح بذلك رئيس مجلس النواب في الجلسة المنقولة على الهواء”[8]. كذلك فأن التصريحات الفردية من قبل أعضاء المجلس الأعلى تسير فى هذا الاتجاه، فقد نفى عضو المجلس عبد القادر جويلي تصويت أعضاء المجلس بتزكية فتحي باشاغا لرئاسة الحكومة، وأكد أن المجلس الأعلى للدولة لم يجتمع بعد بخصوص قرار تزكية أحد المترشحين. وصرح عضو المجلس إبراهيم صهد بأنه لم يتم عرض برنامج كلا المرشحين لرئاسة الحكومة على المجلس الأعلى للدولة، ولم تكن الفرصة متاحة أمام جميع أعضاء المجلس لطرح تزكياتهم، مشيرًا إلى أنه لا علم لديه حول التزكيات التي تم تقديمها من المجلس الأعلى للدولة إلى مجلس النواب. فيما أعرب بعض أعضاء المجلس بشكل واضح عن رفضهم لقرارات مجلس النواب، مثل عضوي المجلس مصطفى التريكي وعبد الرحمن الشاطر[9].

خلاصة القول، أن مجلس الدولة، وإن كان أغلبية أعضائه يؤيدون باشاغا، خاصة أن وصوله إلى رئاسة الحكومة ربما يمهد الطريق للتوافق بين الشرق والغرب الليبي، والإسراع في ملف توحيد المؤسسات الليبية وتشكيل حكومة تمثل الأطراف كافة، بجانب ما يحظى به من نفوذ فى المنطقة الغربية وشبكة علاقات دولية وإقليمية واسعة[10]. والأهم من ذلك، هو إدراج الخارطة الجديدة التى وضعها البرلمان للمجلس الأعلى للدولة كطرف شريك بالتوافق في المرحلة المُقبلة دستوريًا. وهو ما قد حفز اتجاه المجلس لتقديم تزكيته للحكومة الجديدة، رغم نفي المتحدث باسم المجلس التوافق على هكذا خطوة مع مجلس النواب قبلها بساعات قليلة[11]. ووفقًا للتعديل الدستوري الذي تم إقراره من قبل البرلمان، بات الاستفتاء على الدستور هو الأولوية الأساسية في المسار السياسي الليبي، وصولًا إلى عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، إلا في حالة ما إذا فشلت اللجنة المشكلة لمراجعة المواد الخلافية في مشروع الدستور الحالي، في إتمام عملها ضمن المهلة القانونية، حيث سيتم الذهاب في هذه الحالة مباشرة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية. هذا المسار نتج بشكل أساسي عن التوافقات التي تمت خلال الفترة الماضية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اللذين -رغم تباين مواقفها حيال مصير حكومة الوحدة الوطنية، وخلافهما السابق حول أولويات المرحلة السياسية الحالية “انتخابات رئاسية – استفتاء على الدستور”- تمكنا من التوافق بشكل مبدئي، بحيث يقوم البرلمان بتغيير الحكومة الحالية -التي سحب عنها الثقة سابقًا- ويكون للمجلس الأعلى للدولة ما أراده من تأطير المسار السياسي المقبل، عبر تعديل دستوري جديد[12].

ومع ذلك، فإن المجلس الأعلى لم يعبر عن موقفه بشكل رسمى ونهائى فى ظل وجود أصوات غير قليلة داخل المجلس ترفض تغيير الحكومة، كما أنه يحاول تلافي الصدام مع حكومة الدبيبة والقوى المتحالفة معها بمصراتة وطرابلس، خاصة إذ تمكن الدبيبة من حشد الرأي العام في المنطقة الغربية والجزء الأكبر من كتائبها المسلحة ضد تغيير الحكومة والتمديد لمجلس النواب والدولة 14 شهرًا[13]. وفى ضوء ذلك، فقد ظهرت أحاديث عن وجود حالة من الانقسام بين جماعة الإخوان، خاصة تيار فتحي باشاغا وحزب العدالة والبناء اللذين تقاربا مع حفتر، وتيار المفتي الشيخ الغرياني الذي حافظَ على مناهضته للتحالف مع حفتر. هذا فيما بقي تيار خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة بين بينين، يحاول مسك العصا من المنتصف، يظهر عداءً لحفتر لكنه في الواقع موافق على الحكومة الجديدة، ما قد يثبت حقيقة الرؤية السياسية للتعاطي مع تغيُّرات الوضع الإقليمي، وإعادة التموقع من جديد للمحافظة على الكيان من الانزلاقات التي تشهدها الدول المجاورة، وهو ما انعكس على العلاقات داخل القيادات التي كانت بالأمس مقارعة لحفتر على الجبهات[14].

حكومة الدبيبة:

رفض عبدالحميد الدبيبة إقالته من رأس الحكومة الليبية، واتجه إلى تبني السياسات التالية:

1- رفض الاستقالة من منصبه: اعتبر الدبيبة، في 1 فبراير، أن ما يقوم به مجلس النواب يمثل محاولة يائسة لعودة الانقسام، مشيراً إلى أن حكومته مستمرة في عملها لحين الانتهاء من الانتخابات، كما استبق الدبيبة جلسة تصويت البرلمان بإلقاء خطاب لليبيين، في 8 فبراير الجاري، طالب خلاله الليبيين بالتظاهر والاحتجاج ضد خريطة الطريق التي أعلن عنها مجلس النواب. كما أعلن الدبيبة أنه سيشرع في مشاورات من أجل تقديم خطة عمل بشأن إجراء الانتخابات في يونيو المقبل، في محاولة لعرقلة النواب عن تنفيذ خطته[15]. وكان الدبيبة قد تحدث الدبيبة، فى 10 فبراير، عبر إحدى الفضائيات المحلية، مؤكدا أنه لا يزال يمارس عمله وفقًا للمدد الزمنية المنصوص عليها في خارطة الطريق المعتمدة من قبل ملتقى الحوار في تونس، مضيفًا أن المجلس الرئاسي هو من يحق له تغيير حكومة الوحدة الوطنية وفقًا لخارطة الطريق في جنيف، وجدد الدبيبة تأكيده السابق بأنه سيسلم السلطة لجهة منتخبة من الشعب الليبي. اللافت هنا أن الدبيبة حاول في تصريحاته هذه اللعب على وتر أن خارطة الطريق الجديدة هي وسيلة لتمديد تواجد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في الحياة السياسية الليبية، وأنها تسببت في تأجيل عقد الانتخابات، متهمًا لأول مرة بالاسم “الإخوان والعسكر” لأجل التمديد للبقاء في السلطة. ويعني دبيبة بالعسكر حلف عقيلة صالح وحفتر، بينما يقصد بـ”الإخوان” رئيس مجلس الدولة خالد المشري، واتفاقهما على خريطة طريق صوّت لها البرلمان بهدف تعديل الدستور. كما حاول أن يستميل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في صفه، عبر قوله إنها “الهيئة الوحيدة المنتخبة المتماسكة”[16].

2- الترويج بوجود انقسام برلمانى حول الإطاحة به: وهو ما ظهر فى اجتماع رئيس الحكومة الدبيبة مع أعضاء من مجلس الدولة، فى 8 فبراير. وفي تصريح صحافي عقب اللقاء، أكد الدبيبة أنه وهم رافضون أي عبث أو أي قرار أحادي الجانب يتخذ من قبل مجلس النواب، مشددا على ضرورة الدفع بالمسار الدستوري من أجل الوصول إلى الانتخابات. وجاء هذا اللقاء بعد يوم من إعلان مجلس النواب في طبرق، أن يوم 10 فبراير سيجري خلاله التصويت على اختيار رئيس الحكومة الجديد، الذي يتنافس عليه كل من المترشحين الرئاسيين فتحي باشاغا وخالد البيباص. وهو ما جعل المراقبين يرون فى هذا اللقاء محاولة لإيهام الرأي العام المحلي والخارجي بوجود انقسام بين البرلمان ومجلس الدولة بشأن مساعي تغيير الحكومة[17]. وينطبق الأمر نفسه، على الاجتماع الذي ترأسه النائب الأول لرئيس البرلمان الليبي فوزي النويري، وحضره 48 نائبا في العاصمة طرابلس، فى 6 فبراير. خاصة أن النويري، عقب هذه الجلسة التشاورية، أوضح أن “الأمر الذي يفرض على الليبيين أن ينتظروا تمثيلا في مجلس النواب من أجل الوصول لخارطة طريق تتضمن حلولا لكافة الأزمات والمسارات وفي مقدمتها المسار الدستوري، والذي من شأنه أن يوصل للانتخابات”. وهو بهذا التصريح يؤكد على أولوية الاستفتاء على الدستور أو على الأقل وضع قاعدة دستورية قبل إجراء الانتخابات، على خلاف خريطة الطريق التي يحاول رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فرضها على الجميع، من خلال التركيز على تغيير الحكومة قبل الذهاب للانتخابات. فعقيلة، خصص جلسة البرلمان المقررة فى 7 فبراير، للنظر في ملفات المترشحين لرئاسة الحكومة، قبل اختيار رئيس حكومة جديد فى 10 فبراير، خلفا لعبد الحميد الدبيبة، متجاهلا طلب 62 نائبا من الداعمين للأخير من أجل تأجيل هذه الجلسة لمزيد من التشاور[18].

3- الاستناد على دعم الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور: كانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور هي صاحبة أول سهام النقد الموجهة لقرارات مجلس النواب، فقد انتقد عضوا الهيئة نادية عمران وضو المنصوري هذه القرارات، وعدّتها “اقتسامًا للسلطة” بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. كذلك أعرب خمسة عشر عضوًا من أعضاء مجلس النواب، عن تشكيكهم في طريقة التصويت على التعديل الدستوري الجديد، والتي تمت عن طريق رفع الأيدي بشكل رأى المعترضون أنه كان متسرعًا وغير دقيق[19].

4- الاستعانة بالميليشيات المسلحة: زار الدبيبة في 12 فبراير مدينة مصراتة، حيث اتجه إلى الحصول على دعم ميليشياتها في مواجهة قرار مجلسي النواب والدولة، فقد أعلنت 65 كتيبة وتشكيلاً مسلحاً في مصراته رفضها اختيار باشاغا رئيساً للحكومة والتصويت على تعديل الإعلان الدستوري. كما وصلت فاقلة مكونة من أكثر من 100 مركبة إلى مدينة طرابلس قادمة من مصراتة، في مؤشر واضح أن الدبيبة لن يتخلى عن الحكم بسهولة.

5- محاولة جذب الرأى العام لصالحه: أعلنت مصادر مقربة من الدبيبة أن الأخير قد تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، في 10 فبراير الجاري، في خطوة فسرتها الكثير من التقديرات بأنها محاولة من قبل الدبيبة لتعطيل عملية تصويت مجلس النواب على اختيار رئيس الحكومة الجديدة، فضلاً عن مساعيه للترويج لفكرة أن القوى السياسية التي كان قد أعلن أنه يسعى لعدم استمرارهم في المشهد يسعون إلى الإطاحة به حتى من خلال الاغتيال[20]. كما أنه في نفس اليوم الذى أعلن فيه البرلمان عن تعيين باشاغا بديلًا عن الدبيبة، فقد زار عبد الحميد الدبيبة مركز تشخيص وعلاج أطفال مرضى التوحد في العاصمة طرابلس، وأعلن عن صرف منحة مالية قيمتها 600 دينار شهريًا لأولياء الأمور القائمين على رعاية أبنائهم المصابين بمرض التوحد. وقد شهدت مدينتا مصراتة وطرابلس، فى 11 و12 فبراير، فعاليات احتجاجية على قرارات مجلس النواب الأخيرة، فقد دعت  “الهيئة الطرابلسية” إلى مظاهرة رافضة لهذه القرارات في ميدان الشهداء بوسط العاصمة، تحت شعار “إسقاط البرلمان”، وقد تزامنت هذه المظاهرة مع أخرى في مدينة مصراتة، شارك فيها عبد الحميد الدبيبة، وأكد خلالها على استمراره في موقفه الحالي. وتم خلال هذه المظاهرة إصدار بيان قرأه أحد موظفي مكتب الدبيبة، أكد على رفض الحكومة الجديدة، وعلى جاهزية “القوة العسكرية” للدفاع عن الشرعية.

فيما شهدت العاصمة طرابلس مظاهرة لبعض داعمي الدبيبة أمام مقر المجلس الأعلى للدولة، تضمنت كلمة لرئيس مجلس حكماء مدينة مصراتة إبراهيم بن غشير، وتزامنت هذه المظاهرة مع تصريح لعبد الحميد الدبيبة دعا فيه الليبيين إلى الخروج في ذكرى السابع عشر من فبراير، وأعلن أنه سيعلن في هذا اليوم عن موعد عقد الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور[21]. ويرفض كثير من الليبيين اختيار باشاغا، من منطلق رفضهم لفترة انتقالية خامسة، حتى لو اضطر الدبيبة للتنازل فإن قسمًا كبيرًا لن يرضى بأي حكومة أخرى، ليس لأن الدبيبة قادر على تنظيم انتخابات في أقرب وقت، بل لكون حكومة الوحدة يجب أن تكون الحكومة التي تسلِّم الحكم لحكومة منتخَبة، وفق تفاهمات جنيف، وغير ذلك قد يعني الاقتتال إذا تواصل عمل الحكومتَين المتوازيتَين دون أي أفق انتخابي[22].

ومع ذلك، يمكن أن يتجه الدبيبة للتنحي بشكل سلمي عن السلطة وتجنب التصعيد في مواجهة باشاغا، سواء لقلقه من الدعم العسكري الواسع الذي بات يحظى به باشاغا من الشرق والغرب، أو في محاولة للحفاظ على الدعم الشعبي الذي حققه خلال الفترة الأخيرة، والذي يمكن له التعويل عليه في الانتخابات المقبلة، وفى ظل ما يبدو من تنسيق وتوافق بين مجلس النواب والأعلى للدولة على الإطاحة به. ومن جهة أخرى، يمكن أن يكون للمحدد الخارجي دور رئيسي في هذا الإطار، من خلال ضغط حلفاء الدبيبة الخارجيين، خاصة الولايات المتحدة وتركيا، على الدبيبة لتجنب إشعال حرب جديدة تقسم قوى غرب ليبيا، خاصةً أن باشاغا يمكن أن يضمن مصالح مختلف الأطراف الخارجية[23]. كذلك يمكن قراءة اختيار باشاغا وتقاربه مع حفتر وعقيلة فى ضوء المصالحة الخليجية والتقارب التركى مع كل من مصر والسعودية والإمارات مؤخرًا.

ثانيًا: موقف المنطقة الشرقية:

تنحصر مواقف المنطقة الشرقية بصورة رئيسية فى كلًا من مجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح، وقائد ما يسمى بقوات الجيش الليبى، خليفة حفتر، ويمكن توضيح موقف كلًا منهما كما يلى:

مجلس النواب:

يمكن قراءة موقف مجلس النواب الذى قام باختيار باشاغا بديلًا عن الدبيبة، بعدما ظهر أن البرلمان يرفع شعار “حوار ليبي – ليبي” كنسخة ثانية من الحوار الوطني بعد فشل النسخة التي أطلقت في جنيف بعد انتهاء معركة طرابلس، والتي يمثلها ملتقى الحوار السياسي، الذي تشكل وأديرت فعالياته تحت رعاية الأمم المتحدة، وهو الموقف الذي يعارضه البرلمان حالياً[24]. حيث يتمسك مجلس النواب بقيادة عملية صياغة خارطة الطريق بعد فشل استحقاق 24 ديسمبر الماضي، وهو يسعى لتعزيز موقعه بالمشهد السياسي عبر إخراج حكومة الوحدة من المشهد بعد أن ثبت لديه تعنتها ضده. وقد أبدى النواب مرونة في تعاطيه مع المجلس الأعلى للدولة في ملف الحكومة الجديدة، وظهر ذلك في تراجعه عن حصر تقديم التزكيات على نوابه وإتاحته لأعضاء الدولة، بالإضافة لتضمين مجلس الدولة كطرف شريك يجب التوافق معه حول التشريعات والقاعدة الدستورية المنظمة للانتخابات المُقبلة[25]. ويدرك مجلس النواب أن تضمين مجلس الدولة كطرف أساسي بالترتيبات المُقبلة هو فرصة وتهديد بذات التوقيت؛ إذ سيمثل ذلك اعترافًا بشرعيته ودوره في الانتقال الليبي، وهو ما قد يتحول إلى عقبة مُعطلة لتحركات النواب. لذلك، يحاول البرلمان تحقيق توافق نسبي مع مجلس الدولة، دون إشراكه تمامًا في كافة الملفات المطروحة، حيث التوافق معه حول القاعدة الدستورية والتشريعات الانتخابية والمناصب السيادية مع استثناء عملية تغيير الحكومة من هكذا توافقات. وفي ظل خلفية الصدام بين المجلسين، وطبيعة القوى والمكونات والأطراف المساندة لهما، يُرجح أن تبقى تلك التوافقات ضعيفة وقابلة للتعثر والسقوط أمام أية إشكاليات أو تباينات قد تتصاعد في الفترة المُقبلة[26].

ومن الجدير بالذكر هنا، أن أختيار باشاغا رئيسًا للحكومة وبقاء عقيلة صالح فى رئاسة مجلس النواب، هو إعادة إنتاج القائمة الخاسرة في جنيف قبل عام للانتخابات المُصغرة التي جرت بمنتدى الحوار السياسي، بعد أن انتزعت قائمة “المنفي-الدبيبة” رئاسة السلطة الموحدة من قائمة “عقيلة-باشاغا”[27]. كما تُظهر خارطة الطريق التى طرحها البرلمان بأن الفترة السابقة للانتخابات أطول من الإطار الزمني الذي طرحته المستشارة الأممية “ستيفاني وليامز” يونيو المُقبل؛ إذ ذهبت لجنة “خارطة الطريق البرلمانية” في تقديراتها إلى أن إعداد القاعدة الدستورية والتشريعات الانتخابية واستكمال تنقيح سجلات الناخبين ستُنجز خلال عام من تاريخ الشروع فيها، أي أن الانتخابات لن تجرى قبل فبراير أو مارس 2023[28]. وهو ما يعنى ضمان مجلس النواب البقاء فى السلطة لفترة أطول، وبالتحديد حتى عام 2023، أي إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وفق المسار المُعلَن الحالي. بقى الخطوة المقبلة للبرلمان الليبي، الذي ضمِن نوّابه البقاء لفترة أطول في مناصبهم، هي السعي لإقرار إطار موحد للقوى الأمنية، يمنع الاشتباك بين الفصائل المختلفة، ويمنح أعضاءها امتيازات. وسيرتهن ذلك، أيضاً، بمدى قدرة فتحي باشاغا، في حال تشكيله الحكومة، على التعامل مع قوّات حفتر التي رفضت أن تأتمر بقرارات الدبيبة، منذ وصوله إلى السلطة[29].

على جانب آخر، يعتبر الكثير من المراقبين أن الحوار الذي يجري في ليبيا خلال المرحلة الحالية لا يعكس نقاشاً وطنياً، بقدر ما يعكس مقاربات مؤسسية، ما بين مجلسَيْ النواب والأعلى للدولة، وبالتالي يهدف إلى إزاحة طرف فيما يتعلق بأزمة الحكومة، وتجاوز طرف آخر وهو “الملتقى السياسي”[30]. كما لا يبدو أن اتفاق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على خارطة طريق واحدة سيُفضي في النهاية إلى الانتخابات، فسبق أن انفرد عقيلة صالح بوضع قانون انتخاب رئيس الدولة في أكتوبر2021، ثم أرسله إلى المفوضية العليا للانتخابات وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا دون أخذ رأي المجلس الأعلى، في تجاوز للاتفاق السياسي الذي منح الأخير سُلطة إبداء الرأي، إذ تبدو الهوة واضحة بين الشريكين في تصوُّر كلٍّ منهما للمستقبل السياسي للبلاد، فبينما يسعى البرلمان سعيا مُعلَنا لتمكين حفتر أو عقيلة صالح من رئاسة ليبيا، يُحذِّر المجلس الأعلى من تمكين الجنرال الليبي، وهو خلاف أيديولوجي بعيد المدى قد ينفجر في المراحل القادمة. أما ما يُعقِّد المشهد أكثر ويُهدِّد بعدم إتمام الانتخابات في موعدها الجديد بعد تأجيلها فهو التخوُّف المتأصل لدى كل طرف من فوز الطرف الآخر، لما قد يترتب على ذلك من تصفيات سياسية ستتوجَّه سهامها نحو الفصيل الخاسر عبر نصب المحاكمات الانتقامية، فالدبيبة ومَن حوله يسعون لإقصاء صالح، وتقديم حفتر المتورِّط في جرائم حرب للمحاكمة، بينما تواصل قوى الشرق دفع دفة الأحداث لصالحها سياسيًا، في وقت تحتفظ فيه بالورقة العسكرية حال أفضت الانتخابات إلى شخصية غير مرغوب فيها[31].

خليفة حفتر:

فور انتهاء جلسة مجلس النواب باختيار الدبيبة، أصدرت ما يسمى ب “القيادة العامة للجيش الوطني الليبي” التى يقودها حفتر بيانًا ترحب فيه بقرارات مجلس النواب، وبتكليف  فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة “تتولى قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل وذلك بالعمل مع الجهات النظامية العسكرية والأمنية على فرض هيبة الدولة والحفاظ على مقدراتها وحماية المؤسسات السيادية من ابتزاز وهيمنة الخارجين عن القانون”، وهو موقف كان لافتًا في سرعته وليس في مضمونه، بالنظر إلى ما سبق ذكره حول التوافقات التي تضمنتها لقاءات حفتر مع أحمد معيتيق وفتحي باشاغا أواخر عام 2021 فى بنغازى[32]. وفى ضوء ما قد ينتج عن اختيار باشاغا رئيسًا جديدًا للحكومة من انقسام المنطقة الغربية، حيث لا يزال باشاغا يحظى بنفوذ واضح مَكَّنه من دخول العاصمة مؤخرًا دون اعتراض، وعلى الجانب الآخر، لا يزال الدبيبة مدعومًا من قبائل وأعيان مدينة مصراتة الذين انحازوا له، واعتبروا في بيان لهم أن تشكيل حكومة موازية يُعَدُّ تمكينا للانقلابيين، وشقًّا للصف الداخلي لإحدى أقوى الكتائب في ليبيا وأكثرها تسليحا. فطرابلس والمعسكر الغربي صارا منقسمين بين الدبيبة وباشاغا، وهو هدف طالما سعى حفتر وعقيلة صالح إلى تحقيقه. ليس هذا فحسب، فباشاغا بحسب التعهُّد المكتوب الذي اشترطه رئيس البرلمان الليبي لن يترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، ما يعني أن الحرس القديم سيتخلَّص بسهولة من أبرز خصومه ومنافسيه المحتملين على كرسي الرئاسة، كونه وافق على المنصب الحالي وألزم نفسه قانونيًا بعدم الترشح للانتخابات[33].

ثالثًا: الموقف المصرى:

جاء الموقف المصري الرسمي حاسما بتأييد قرارات مجلس النواب، حيث كانت القاهرة في مقدمة القوى الإقليمية والدولية التي رحبت بإعلان باشاغا رئيسا للحكومة، مع تأكيدها في الوقت ذاته على التواصل مع كافة الأطراف، وأن مسار تسوية الأزمة يظل بيد الشعب الليبي وحده دون تدخلات أو إملاءات خارجية. وفي هذا السياق، ثمّن السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية في بيان صحفي دور المؤسسات الليبية واضطلاعها بمسؤولياتها، بما في ذلك ما اتخذه مجلس النواب من إجراءات بالتشاور مع مجلس الدولة وفقا لاتفاق الصخيرات، آخذا في الاعتبار أن مجلس النواب الليبي هو الجهة التشريعية المنتخبة والمعبرة عن الشعب الليبي الشقيق، والمنوط به سن القوانين ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية وممارسة دوره الرقابي عليها. وتنظر القاهرة إلى باشاغا باعتباره ضابط سابق فى سلاح الجو الليبى أى أنه ذو خلفية عسكرية مثل السيسى تجعله أقدر على فهم المخاوف الأمنية المصرية والعمل على مواجهتها داخل ليبيا، كما أنه شخصية توافقية حيث أن انتخابه قد جاء بعد تنسيق بين المجلس الأعلى للدولة والبرلمان الليبي وقوات حفتر، فضلًا عن علاقاته القوية مع تركيا، وهي خطوة تهدف إلى توحيد الصف الليبي لأول مرة في جيش واحد وقوات أمن داخلية يرأسها باشاغا، كما أن القوات التابعة له ومجموعات من مدينة مصراتة لها وزنها وثقلها قد تتعاون معه، وبالتالي خلق قوة تستطيع فرض الأمن وقادرة على طرد المرتزقة والقوات الأجنبية والجماعات المتطرفة[34].

ويبدو أن مصر قد لعبت دورًا هامًا فى اختيار باشاغا، ففي نوفمبر العام الماضي 2021، حطَّت طائرة فتحي باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق السابق، بمطار القاهرة. وقتها، كان باشاغا أحد أهم القادة الذين أداروا المعارك ضد قوات حفتر المدعوم من مصر، بوصفه أحد أهم رجال حكومة الوفاق (بقيادة فايز السراج) قبل حلِّها، وعرّاب الاتفاق التركي الليبي الذي غيَّر خريطة الصراع. وبينما تغيب أي مصادر موثوقة عن أهداف تلك الزيارة، أو ما دار فيها، سرعان ما كشفت الأيام اللاحقة عن طرف من نتائجها، بعدما التقى حفتر وباشاغا وجها لوجه لأول مرة في زيارة للأخير إلى الشرق الليبي، ليُشكِّل الثنائي بعدها تحالف “أعداء الأمس” الذي أعاد كل الوجوه القديمة إلى المشهد من جديد. في تلك الأثناء، زار فتحي باشاغا القاهرة مرة أخرى، في زيارة غير مُعلنة، التقى خلالها مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل. وبحسب ما نقله موقع “العربي الجديد”، تعهَّد الضيف بالالتزام بمصالح مصر مقابل توفير الدعم اللازم له خلال مهمته المرتقبة التي كانت واضحة للجميع، في ظل تحركات البرلمان الليبي لعزل الدبيبة، عقب سحب الثقة منه قبل مئة يوم من موعد إجراء الانتخابات، بدعوى فشل حكومته في المهام الموكلة إليها بمحاربة الفساد، وتوحيد مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش. هذا وتنسجم التسريبات التي تناولت الترتيبات المصرية لتمهيد وصول فتحي باشاغا للحكومة مع مسارعة الخارجية المصرية لمنحه الاعتراف الرسمي حتى قبل حصوله على الثقة من المجلس الأعلى للدولة، وذلك في تعارض صريح مع تصريحات صدرت عن الأمم المتحدة جدَّدت الاعتراف بالدبيبة[35].

كما قام السيسي بسلسلة من المباحثات المكثفة حول الشأن الليبي خلال الأيام القليلة الماضية، سواء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن، وكذا مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك[36]. فيما أكد موقع “العربى الجديد” نقلًا عن مصادره إن تنسيقاً مصرياً فرنسياً واسعاً جرى خلال الأيام الماضية لتمهيد الأجواء الدولية لباشاغا في الدوائر الأوروبية والأميركية، وعرقلة تحركات تركية سعت لمنع تلك الخطوة أو على الأقل تأجيلها، من أجل كسب مزيد من الوقت لحين إعادة ترتيب أوراقها في حال غياب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة المتحالف معها من المشهد. ولفتت المصادر إلى أن القاهرة أدت دوراً في إقناع الجزائر بعدم معارضة خطوة رئاسة باشاغا في إطار تحرك مجلس النواب الليبي، مشدّدة على أن ذلك ساهم بدرجة كبيرة في تسريع الإعلان من جانب مجلس النواب. ولفتت إلى أن الاتصال بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون قبل أيام، أنهى كافة الأمور العالقة بشأن موقف الجزائر من تلك الخطوة. وأضافت أن “القاهرة بدأت تتفهّم أخيراً وجهة النظر الجزائرية بالنسبة إلى ليبيا، والتي تميل إلى ضرورة إشراك القوى الإسلامية في الحكم، وهو ما كانت ترفضه مصر في السابق بإيعاز من حلفائها في الخليج العربي خاصة الإمارات”[37]. وقالت مصادر جزائرية لـ”العربي الجديد” إن الجزائر قد لا تبدي اعتراضا على المسار الجديد لسببين، الأول كونه خلاصة تفاهمات ليبية طالما أن الجزائر تركز في مقارباتها على دعم الحل الليبي الليبي من دون تدخل خارجي، والثاني لكون الجزائر ليس لها اعتراض على شخص باشاغا، الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع الجزائر، وأجرى عددا من الزيارات إليها عندما كان وزيرا للداخلية، كما ساعدته الجزائر بتكوين فرق من الشرطة والشرطة الجنائية الليبية في مدارس الشرطة فيها[38].

ومع ذلك، فهناك تخوفات مصرية من أن تكون القاهرة قد تسرعت فى الإعلان عن دعمها لباشاغا ما يعنى معاداتها للدبيبة، وفى حالة ما إذا نجح الدبيبة فى الاحتفاظ بمنصبه فى ظل وجود دعم داخلى وأممى له، فإن ذلك سيؤثر بلا شك على المصالح المصرية فى ليبيا خاصة فى ملفى إعادة الاعمار وعودة العمالة المصرية. وفى هذا السياق، فقد نقل موقع “العربي الجديد” نقلًا عن مصادره، إن هناك حالة من الاستياء المصري بسبب فشل فرنسا في تنفيذ اتفاق مسبق بين القاهرة وباريس، بشأن اطلاعها على تغيير موقف المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة عن ليبيا ستيفاني وليامز، وإقناعها بقبول خطوة مجلس النواب، وهو ما لم يتحقق. حيث كشفت المصادر أن وليامز أودعت تقريراً لدى الأمم المتحدة تضمن التنبيه إلى خطورة التطور الأخير، معتبرة أنه لا يصب بأي حال في مصلحة استقرار المنطقة، بل جاء بمثابة سكب الزيت على النار، مستطردة بأن التحركات الأممية الداعمة لحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، باتت قريبة من تحقيق أهدافها بإجراء الانتخابات قبل يونيو المقبل. كما أكدت في تقريرها أنها توصلت إلى ضمانات مع الدبيبة لإجراء الاستحقاقات الانتخابية قبل يونيو، معتبرة أن تسمية رئيس جديد للحكومة الانتقالية من شأنه مد أجل الانقسام، وسيكون بمثابة إنهاء لمسار الانتخابات، بحسب المصادر. وتابعت أن القاهرة فوجئت بموقف وليامز، الذي جاء على الرغم من الوعود الفرنسية بتغيير موقفها، وكذلك إقناع الإدارة الأميركية بالتخلي عن الدبيبة.

وأوضحت المصادر أن “هناك استياء مصرياً من نوع آخر، ولكن هذه المرة تجاه باشاغا نفسه، لأن القاهرة ترى أنه ضللها بالتعاون مع فرنسا، بعدما أكد خلال زيارة سريعة للقاهرة سبقت جلسة مجلس النواب بـ48 ساعة، قيامه بالترتيبات كافة على المستوى الداخلي بشأن القوى الفاعلة في غرب ليبيا، لإعلانها دعم القرار فور الإعلان عنه، وعلى رأسها مكونات مصراتة، وهو ما ثبت عدم صحته”.فقد أعلنت مكونات عسكرية وسياسية وقبلية في مصراتة، عن تمسكها بحكومة الوحدة الوطنية، بخلاف مدن أخرى ذات ثقل في الغرب، وعلى رأسها الزاوية. وأشارت المصادر في هذا السياق إلى أن “الإمارات حافظت على مسك العصا من المنتصف، فرغم دعمها التحركات الخاصة بتكليف باشاغا برئاسة الحكومة، إلا أنها أبقت على قنوات تواصل داعمة مع تركيا لحكومة الدبيبة، حتى لا تجد نفسها في موقف تصادمي مع أنقرة، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين تطورات كبيرة”[39].

رابعًا: الموقف التركى:

لا يزال الجميع في ليبيا يترقب موقف تركيا، التي لا زالت تلتزم صمتاً محيراً لكثيرين، مع أهمية الشأن الليبي بالنسبة إليها، مع توقعات بأن يكون الصمت التركي علامة للرضى على التغيير السياسي الذي يحدث، خصوصاً بعد التقارب الذي حدث بينها وبين معسكر الشرق أخيراً[40]، والذى تجسد فى زيارة السفير التركي في ليبيا، كنان يلماز، لمدينة “لقبة” حيث التقى رئيس مجلس النواب ثم “بنغازي” والحديث حول إعادة فتح القنصلية التركية فيها والطيران المباشر إليها (يناير2022)، وما سبق ذلك من استقبال وفد لمجلس النواب في تركيا (ديسمبر2021)، تُعد إعلانًا عن انفتاح الشرق على الدور التركي[41]. وعلى الرغم من أن التنسيق المصري التركي في الملف الليبي من الصعب التكهن به حاليًا، لأن تركيا في حالة صمت تجاه ما يحدث، ولم تعلن دعمها لطرف على حساب آخر. لكن سرعة التنسيق وكثرته مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري توحيان بأن تركيا تؤيد ضمنيًا خطوة تشكيل حكومة جديدة، خاصة أنها منذ فترة كان لديها تقارب كبير مع الشرق الليبي ومع حفتر وصالح. هذا الانفتاح من قبل الغرب على حلفاء مصر وانفتاح تركيا على الشرق يمكن تفسيره بوجود تفاهمات أو تهدئة بين تركيا ومصر في الملف الليبي، وربما يصل إلى تنسيق كامل حال تم الاعتراف بحكومة باشاغا أو تأييدها من المجتمع الدولي[42].

على الجانب الآخر، يرى البعض أن تركيا غير متحمسة لاختيار باشاغا، وربما رافضة له، فتركيا لم تعلن إلى الآن موقف مؤيد لاختيار باشاغا، على الرغم من أن الأخير كان حليفًا بارزًا لتركيا في عامي 2019 و2020، عندما شنت قوات “حفتر” حملة عسكرية ضد طرابلس، بدعم من مصر وروسيا والإمارات. لكن مع انطلاق العملية السياسية التي رعتها الأمم المتحدة، انخرط “باشاغا” في حوار وثيق مع مصر وفرنسا والولايات المتحدة. كما كان “باشاغا” معارضا صريحا لترشيح “الدبيبة” للرئاسة خلال الاستعدادات للانتخابات. وفي النهاية، تحالف “باشاغا” مع “حفتر” ورئيس البرلمان “عقيلة صالح” لتمهيد الطريق لتحرك 10 فبراير ضد “الدبيبة”. وقد تتسبب تحولات “باشاغا” في ضرر كبير بمصداقيته في نظر تركيا. كما أن اصرار الدبيبة على عدم تسليم التفويض إلا إلى حكومة منتخبة، يشير إلى وجود دعم دولى (تركى بالأساس). خاصة أن “فوزي النويري”، نائب رئيس البرلمان الذي يبدو أنه متحالف مع أنقرة، قد عقد اجتماعاً مع أكثر من  40 برلمانياً في طرابلس في محاولة لتشكيل كتلة لدعم “الدبيبة”. وفي 8 فبراير، انضم “الدبيبة” إلى قادة أتراك لحضور حفل تخرج عسكري في طرابلس، ما يعطي الانطباع بأنه يحتفظ بدعم تركيا[43]. فيما تحدثت تقارير إعلامية، عن عقد المسؤولون الأتراك لقاءات خلال الفترة الماضية تهدف بصورة أساسية إلى ضمان بقاء الدبيبة في منصبه، وذلك عبر محاولة حشد الدعم له من جانب قوى الغرب الليبي، ويبدو أن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح. وفي المقابل، أشارت مصادر إلى أن هناك تنسيقاً مصرياً – فرنسياً واسعاً جرى خلال الأيام الماضية لتعبئة الدعم الأوروبي والأمريكي لباشاغا[44]. ويتزامن هذا مع تسرُّب وثيقة (لا يُعلم مدة صحتها) عززت المخاوف من هيمنة حفتر على الحقائب الوزارية، وتؤكّد مراجعة الاتفاقيات الدولية لحكومتَي السراج والدبيبة[45]. ويبدو في الوقت الحالي، أن أنقرة بعيدة عن موقفها المتشدد والمتدخل فى ليبيا كما في عام 2019، وإذا ثبت أن حماية “الدبيبة” مكلفة، فقد تختار الذهاب مع “باشاغا” وعقد السلام مع الشرق[46].

خامسًا: الموقف الأممى:

قبل اختيار باشاغا من قبل مجلس النواب، أكد  نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، في تصريحات صحفية، أن إنشاء “حكومات موازية” سيعرقل توحيد المؤسسات التنفيذية والنظام المصرفي، مشيرًا إلى أن مجلس النواب يحاول تعيين رئيس حكومة جديد، على الرغم من وجود “شخص معين بالفعل”. وهو ما يشير إلى موقف أممي رافض لتوجهات مجلس النواب، وداعم لاستمرار حكومة الدبيبة[47]. وربما يرجع ذلك إلى تخوف بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من أن يكون المسار الذى تم تبنيه من قبل مجلس النواب يمثل خطرًا على ما تم إنجازه من جهود للتسوية، فهو يشكل خارطة موازية بديلة لمسار جنيف التي تيسر أنشطتها البعثة، ويضع كامل أوراق اللعبة في أيدي المؤسسات الليبية التي طالما فشلت في التوافق على مخرج من الأزمة. وهذا الموقف الأممي تعزز بتراجع مستشارة الأمين العام “ستيفاني وليامز” عن تبنيها لامتلاك الليبيين صلاحية تحديد موعد الانتخابات، لتعلن لاحقًا أن الانتخابات قد تجري في يونيو 2022 وفقًا لتوقيتات خارطة جنيف[48]. وعقب اختيار باشاغا، شاب الموقف الأممي بعض الغموض الذي يمكن تفسيره في صالح حكومة باشاغا، ففي مساء يوم تكليف باشاغا، تناقلت وسائل الإعلام تصريحًا للمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، قال فيه إن الأمم المتحدة مازالت تعترف بحكومة الدبيبة، لكنه عاد وأوضح أن هذا التصريح مرتبط بما ستتوصل إليه مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز، خلال مشاوراتها مع الأطراف الليبية المختلفة. وتلا ذلك بيان صدر، فى 11 فبراير، أشارت فيه الأمم المتحدة إلى إحاطتها علمًا بانتخاب رئيس وزراء جديد وفقًا لقرار سيادي تحكمه القوانين الليبية، وأن رئيس الوزراء الجديد عليه تشكيل حكومة ونيل الثقة من البرلمان. وأشار البيان إلى عدم تدخل الأمم المتحدة في تعيين رؤساء وزراء الدول[49].

ومن جانبها، تراجعت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، عن موقفها الرافض لتنحية الدبيبة، فبعد أن شددت على تمسكها بحكومته، ورفض فكرة تشكيل حكومة جديدة، فإنها أبدت موافقة مشروطة عليها، إذ أعلنت أن قرار تغيير الحكومة هو أمر سيادي بيد المؤسسات الليبية، غير أنها طالبت بضرورة تحقيق الإجماع السياسي، وهو ما قد يشير إلى التفاهمات بين مجلسي النواب والدولة[50]. ووفقًا لصحيفة “العرب” فأن وليامز من أكثر الشخصيات الداعمة لفكرة ترشيح فتحي باشاغا مبكرا وتربطهما علاقة خاصة نمت في أثناء عملها كسفيرة للولايات المتحدة في طرابلس ثم نائبة لرئيس بعثة الدعم السياسي في ليبيا وحتى توليها رئاسة البعثة الأممية بالإنابة[51]. ولم تعلن الولايات المتحدة عن أي موقف رسمي عقب إجراءات مجلس النواب الأخيرة، وهو ما يعني أن واشنطن تترقب الموقف، وتدرس فرص نجاح باشاغا في تشكيل الحكومة القادمة، وهو ما يعني أنه في حالة نجاح باشاغا في تشكيل هذه الحكومة، فإنها سوف تعترف به[52].  ويبدو من ردود الأفعال الدولية أن هناك حالة من التريث والترقب لما ستؤول إليه الأوضاع على الأرض، ففى حالة نجاح باشاغا فى فرض تشكيل حكومته سوف يتم الاعتراف به، وفى حالة نجاح الدبيبة فى مقاومة حكومة الدبيبة فسوف تستمر الأطراف الدولية فى الاعتراف به. وما قد يدفع هذه الدول إلى التريث أكثر فى إعلان موقفها من دعم أى من الدبيبة أو باشاغا هو انشغالها الحالي بأزمة أوكرانيا والصراع القائم بين روسيامن جانب وأمريكا وأوروبا من جانب أخر. ومن المتوقع أن يدور الموقف الغربى حول أربعة نقاط رئيسية:

1- ستظل “حكومة الوحدة الوطنية” الحكومة المعترف بها دولياً، ولن تتغير وجهات نظرهم بشأن “حكومة الوحدة الوطنية” ما لم توافق جميع الجهات الفاعلة المحلية على تسليم سلمي للحكومة الجديدة – وإلا فإن النتيجة ستكون حكومة غير معترف بها ذات سلطة محدودة، والأهم من ذلك، ذات استمرارية مالية مقيّدة.

2- سيقوم الغرب بدعم عملية تتوسط فيها الأمم المتحدة لوضع أساس دستوري متفق عليه وجدول زمني للانتخابات. وبمعزلٍ عن التوصيات المعلّقة للجنة خارطة الطريق التابعة لمجلس النواب، والتفاوض على هذه العناصر مع “المجلس الأعلى للدولة”. وفي حال عدم اتفاق الجهات المتنافسة على عملية ما، ستعمل على تمكين الأمم المتحدة للتوصل إلى حل وسط بين اقتراح الدبيبة الذي تبلغ مدته أربعة أشهر والجدول الزمني الذي قدمه البرلمان والذي يمتد إلى أربعة عشر شهراً. وستركز الأمم المتحدة بصورة رئيسية على تحديد تسلسل وتوقيت الانتخابات.

3- ستعمل الدول الغربية على الحفاظ على الزخم الحالي المتعلق بالمسارين الاقتصادي والأمني. فالحوار الذي يهدف إلى توحيد مصرف ليبيا المركزي بفرعه الشرقي المنشق قد يعيد الرفاه الاقتصادي للبلاد وينهي بعض الممارسات التي زرعت بذور الانقسام، مثل دفع رواتب لجماعات مسلحة بوسائل غير مشروعة. علاوة على ذلك، لا يمكن أن تتحقق الوحدة من دون تعزيز الحوار الأمني الذي يهدف إلى ترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر ٢٠٢٠، وإزالة القوات الأجنبية، وإعادة هيكلة قوات مسلحة وطنية موحدة. فمن شأن انقسام الحكومة أن يضرّ بهذا التقدم.

4- ستعمل واشنطن بالتحديد من أجل تعزيز قبول دولي أوسع لخارطة طريق انتقالية متفق عليها من خلال الاستفادة من تقارب العلاقات بين تركيا ومصر والإمارات – وهي الجهات الفاعلة الرئيسية التي كانت على الطرفين النقيضين من النزاعات الليبية الأخيرة[53].

ختامًا؛

يمكن القول أن خارطة الطريق التى أطلقها مجلس النواب قد أظهرت توجهان متعارضان: التوجه الأول، الذي تتبناه السلطات الانتقالية الحالية المتمثلة في تمديد صلاحياتها إلى حين تنفيذ المشروع الذي صممت له أصلاً، أي تنظيم انتخابات تحسم موضوع الشرعية السياسية في ليبيا. وقد عبَّر رئيس الحكومة الدبيبة بقوة عن هذا التوجه من خلال الحرص على الاستمرار في منصبه. في حين يبدو أن هيئة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تدعم مقاربة السلطات الانتقالية وتطالب بتنظيم انتخابات شاملة في أسرع وقت ممكن. ويبدو أن النائب الأول للبرلمان فوزي النويري يرفض تغيير رئيس الحكومة ويحظى بدعم 62 نائباً من نواب البرلمان، كما أن قادة المجموعات المسلحة في طرابلس والغرب الليبي يسيرون في الاتجاه نفسه.

التوجه الثانى، الذي يتبناه التحالف الرباعي المكون من رئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا ورئيس الحكومة السابق أحمد معيتيق. يقوم هذا التوجه الذي برز في خريطة الطريق الصادرة عن مجلس النواب على تعيين رئيس حكومة جديد لليبيا، وتشكيل لجنة من كبار القانونيين والاقتصاديين والإداريين لكتابة دستور جديد للبلاد، وتنظيم انتخابات في مدة قصيرة لا تتجاوز 14 شهراً حسب تقديرات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ومصلحة الأحوال المدنية.

وعلى الرغم من ميل الكفة لصالح التوجه الثانى، إلا أن هناك مصاعب وتحديات كبيرة تواجه خريطة الطريق التي بلورها البرلمان الليبي في تسوية الأزمة السياسية الداخلية أبرزها:

1) معارضة بعض أهم القوى السياسية في الغرب الليبي التي لا تزال متشبثة بحكومة دبيبة ورافضة لأي تغيير لها إلى حد تنظيم انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية تنهي أزمة الشرعية القائمة في البلاد، رغم أن باشاغا له قاعدة قوية في الغرب الليبي من مكوناتها جانب واسع من التيار الإسلامي السياسي.

2) تحفُّظ المجلس الأعلى للدولة على هذه الخارطة.

3) رَفْض عدد من نواب برلمان طبرق يصلون إلى ثلث المجلس لخريطة الطريق، ما يضعف قاعدتها الشرعية المفتقدة للإجماع الوطني الواسع.

4) مع أن بعضاً من الأطراف الإقليمية دعمت خريطة الطريق (مصر على الأخص)، إلا أن الدول الكبرى وهيئة الأمم المتحدة لم تتحمس لها[54].

 

 

[1] “تجدد أزمة الشرعية في ليبيا”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 14/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3gRJksg

[2] “ليبيا | باشاغا مقابل الدبيبة: شبح الحكومتَين يعود”، الأخبار، 11/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3sFmB8q

[3] “تجدد أزمة الشرعية في ليبيا”، مرجع سابق.

[4] “ليبيا | باشاغا مقابل الدبيبة: شبح الحكومتَين يعود”، مرجع سابق.

[5] “انقسام الغرب: تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 15/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3Jval14

[6] “عودة للثنائيات … المسار السياسي الليبي ومرحلة التسويات الداخلية”، المرصد المصرى، 9/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3LBa9zb

[7] “ليبيا.. مجلس الدولة ينحاز لباشاغا لكنه يخشى تمرد حاضنته الشعبية (تحليل)”، الأناضول، 15/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3HXGNbV

[8] “رئيس مجلس الدولة الليبي يحسم موقفه من تعيين باشاغا رئيساً للحكومة.. وصف ما حدث بـ”الإجراء غير السليم””، عربى بوست، 16/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3GY3Dim

[9] “مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد”، المرصد المصرى، 12/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3GRNScH

[10] “انقسام الغرب: تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة”، مرجع سابق.

[11] ““الانتقالية السادسة”: جولة جديدة في المشهد الليبي المتأزم”، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، 15/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3gQvvKJ

[12] “مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد”، مرجع سابق.

[13] “ليبيا.. مجلس الدولة ينحاز لباشاغا لكنه يخشى تمرد حاضنته الشعبية (تحليل)”، مرجع سابق.

[14] ” حكومة باشاغا.. محاولة التفافية جديدة لحفتر؟”، نون بوست، 14/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3gRKeoI

[15] “انقسام الغرب: تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة”، مرجع سابق.

[16] “مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد”، مرجع سابق.

[17] ” الدبيبة يحاول ضرب التوافق بين البرلمان الليبي ومجلس الدولة بشأن تغيير الحكومة”، العرب، 9/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3oUZK7S

[18] ” ليبيا.. إصرار عقيلة على الإطاحة بالدبيبة يقود البرلمان نحو الانقسام”، القدس العربى، 7/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3rWfWaF

[19] “مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد”،مرجع سابق.

[20] “انقسام الغرب: تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة”، مرجع سابق.

[21] “مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد”، مرجع سابق.

[22] ” حكومة باشاغا.. محاولة التفافية جديدة لحفتر؟”، مرجع سابق.

[23] “انقسام الغرب: تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة”، مرجع سابق.

[24] “صراع المصالح: لماذا تتواصل الانقسامات السياسية داخل دول الأزمات؟”، الحائط العربى، 10/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3oPLehK

[25] ““الانتقالية السادسة”: جولة جديدة في المشهد الليبي المتأزم”، مرجع سابق.

[26] “بين “الوحدة الوطنية” و”الاستقرار”: كيف يبدو المشهد الليبي القادم؟”، المرصد المصرى، 7/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3uUZhGo

[27] ““الانتقالية السادسة”: جولة جديدة في المشهد الليبي المتأزم”، مرجع سابق.

[28] “بين “الوحدة الوطنية” و”الاستقرار”: كيف يبدو المشهد الليبي القادم؟”، مرجع سابق.

[29] “ليبيا | باشاغا مقابل الدبيبة: شبح الحكومتَين يعود”، مرجع سابق.

[30] “صراع المصالح: لماذا تتواصل الانقسامات السياسية داخل دول الأزمات؟”، مرجع سابق.

[31] باشاغا وصالح وحفتر.. كيف يعيد تحالف أعداء الأمس رسم مستقبل ليبيا؟”، ميدان، 15/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3Jvd5vp

[32] “مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد”، مرجع سابق.

[33] باشاغا وصالح وحفتر.. كيف يعيد تحالف أعداء الأمس رسم مستقبل ليبيا؟”، مرجع سابق.

[34] “بين باشاغا والدبيبة.. أين تقف مصر؟ وهل نسقت مع تركيا في ليبيا؟ (سؤال وجواب)”، الجزيرة نت، 15/2/2022، الرابط: https://bit.ly/33pkmxm

[35] “باشاغا وصالح وحفتر.. كيف يعيد تحالف أعداء الأمس رسم مستقبل ليبيا؟”، مرجع سابق.

[36] “مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد”، مرجع سابق.

[37] “تنسيق مصري مهّد لاختيار باشاغا رئيساً للحكومة الليبية”، العربى الجديد، 12/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3sOIORk

[38] “هل ساعد التنسيق الجزائري المصري في تحقيق المخرجات الأخيرة في ليبيا؟”، العربى الجديد، 11/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3sJYRjp

[39] “خلافات في معسكر دعم باشاغا لرئاسة الحكومة الليبية”، العربى الجديد، 14/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3GSfDlx

[40] ” باشاغا يواجه تحديات كبيرة لتشكيل حكومة متوازنة بوقت قصير”، إندبنتدنت عربية، 16/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3GVk13p

[41] “بين “الوحدة الوطنية” و”الاستقرار”: كيف يبدو المشهد الليبي القادم؟”، مرجع سابق.

[42] “بين باشاغا والدبيبة.. أين تقف مصر؟ وهل نسقت مع تركيا في ليبيا؟ (سؤال وجواب)”، مرجع سابق.

[43] “تركيا تعيد التفكير في سياستها تجاه ليبيا.. باشاغا أم الدبيبة؟”، الخليج الجديد (مترجم)، 15/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3GOBqux

[44] “انقسام الغرب: تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة”، مرجع سابق.

[45] ” حكومة باشاغا.. محاولة التفافية جديدة لحفتر؟”، مرجع سابق.

[46] “تركيا تعيد التفكير في سياستها تجاه ليبيا.. باشاغا أم الدبيبة؟”، مرجع سابق.

[47] “عودة للثنائيات … المسار السياسي الليبي ومرحلة التسويات الداخلية”، المرصد المصرى، 9/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3LBa9zb

[48] ““الانتقالية السادسة”: جولة جديدة في المشهد الليبي المتأزم”، مرجع سابق.

[49] “مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد”، مرجع سابق.

[50] “انقسام الغرب: تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة”، مرجع سابق.

[51] “لماذا تدعم مصر حكومة باشاغا على حساب الدبيبة”، العرب، 13/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3uWDwG9

[52] “انقسام الغرب: تداعيات انتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الليبية الجديدة”، مرجع سابق.

[53] “تجدد أزمة الشرعية في ليبيا”، مرجع سابق.

[54] “مبادرة البرلمان ومستقبل الوضع السياسي في ليبيا”، مركز الإمارات للسياسات، 16/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3I0OQVv

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022