قيود الاستيراد.. المزايا والمساوئ في سياق الدوافع والتوقعات

 

 

 

 

القرار الذي أصدره البنك المركزي المصري يوم “12” فبراير 2022م، والخاص بتنظيم قواعد الاستيراد والذي نص على وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ جميع المعاملات الاستيرادية، واستبدال ذلك بنظام «الاعتمادات المستندية» ليطبق بدءا من مارس 2022م، أثار كثيرا من الجدل والغضب في أوساط التجار والمصنعين، بينما تسبب في تزايد مستويات الشك والترقب وعدم اليقين بين المواطنين في ظل التوقعات التي تؤكد أن للقرار تداعيات سلبية على الأسعار وقد يتسبب في زيادة أسعار عدد من السلع التي يتم استيرادها من الخارج. وتفرض القواعد الجديدة دورا أكبر للبنوك في عملية الاستيراد، بحيث يكون البنك وسيطا وضامنا للمستورد، بدلا من النظام السابق حيث كان دوره مقتصرا على تحويل الأموال. هذا القرار رفضه مجتمع الأعمال وهاجمه بشدة اتحاد الصناعات المصرية الذي يعد الكيان الأقوى المعبر عن قطاع الصناعة والإنتاج في البلاد، وطالب الحكومة بالضغط على البنك المركزي للعدول عنه، كما هاجمه كل من اتحاد الغرف التجارية المصرية وجمعية رجال الأعمال المصريين، بل وانتقده برلمانيون فوجئوا أيضا بصدور القرار كما فوجئ به السوق ومجتمع الأعمال. فما هي تفاصيل هذا القرار؟  وما مزاياه ومساوئه؟ وما الأسباب التي دفعت نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي إلى اتخاذه في هذا التوقيت؟ وما الهدف من ورائه؟  ولماذا تم استثناء الشركات الأجنبية وفروعها؟ وما التداعيات المرتقبة له من مختلف الأبعاد والزوايا؟ ولماذا أثار كثيرا من الرفض والغضب في أوساط المستوردين والتجار والمصنعين؟ وإلى أي مدى يمكن أن يتسبب في موجة غلاء جديدة؟ وهل يمكن أن تتراجع عنه الحكومة في ظل حالة الرفض الواسع له من جانب المستوردين والتجار؟

فحوى القرار

فيما يتعلق بتفاصيل القرار وتفسيره، فإن عملية الاستيراد وفقًا للنظام الجديد تستلزم أن يقوم المستورد بمجرد اتفاقه مع مُورد خارجي، بفتح اعتماد في البنك، يودع فيه كامل مبلغ الشُحنة بالدولار أو بالجنيه، وفي حالة الإيداع بالجنيه تضاف إليه 20% من قيمة الفاتورة، ويظل المبلغ مودعًا إلى أن تصل مستندات التحصيل من ال مورد الأجنبي (المُصدِر)، وهي الفترة الزمنية التي تتراوح بين 60 إلى 70 يومًا. بينما وفقًا للنظام القديم، كان يتم الاتفاق على طلبية من الخارج وينتظر المستورد المصري حتى تكون جاهزة، ثم يُرسل المورد مستندات التحصيل، حينها يتم دفع قيمة الشحنة كاملة أو جزء منها، ويحصل المستور على نموذج 4، وهو الإثبات بدفع مستحقات الشُحنة ويُسمح بموجبه الإفراج عن الشحنة من الجمارك. والقرار الجديد بالتالي سيكلف المستوردين والمصنعين أعباء مالية أكبر؛ وذلك لأن القرار سينتج عنه إلغاء كل وسائل الاستيراد بالأجل، فكثير من المستوردين المصريين تربطهم علاقات وثيقة مع الشركات التي يستوردون منها في الخارج لوجود سابق معاملات كبرى بينهما وهو ما يسمح للمورد الأجنبي بأن يُرسل مع مستندات التحصيل كمبيالات، تجعل المستورد يسدد مستحقاته بعد ستة أشهر أو أكثر أو أقل حسب الاتفاق بينهما، لكن النظام الجديد سيجبر المستوردين على إيداع كامل المبلغ مرة واحدة وقبل وصول الشحنات من الخارج. ولذلك رفضه المستوردون والمصنعون دون استثناء. ويتساءل كثير من المستوردين: إذا كان المورد (الأجنبي) يقدم للمستورد المصري تسهيلات؛ فلماذا تتدخل الحكومة لتحرم المستوردين من هذه التسهيلات في ظل عجز السيولة الذي يعاني منه التجار والمستوردون؟ ولذلك رفض التجار والمستورد القرار لأنه بهذه الطريقة سوف يضطرهم إلى اقتراض قيمة فاتورة الشحنة ليفتحوا الاعتماد المالي في أحد البنوك؛ وهو ما يزيد الأعباء عليهم بسبب قيمة الفوائد التي سيدفعونها عن كل مدة إيداع حتى يتم السداد؛ وهو ما سيرفع الأسعار النهائية على المستهلك ويعزز مستويات التضخم.[[1]]

الدوافع والسياق

فيما يتعلق بأسباب القرار،  فإنه في الغالب يعود إلى إلى نقص العملة الأجنبية في البنوك المصرية[[2]]، نتيجة تراجع الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك خلال شهري أغسطس وسبتمبر من العام الماضي (2021)، وانخفاض أرصدة البنوك في الخارج منذ منتصف العام الماضي حتى نهايته، مقابل زيادة التزامات البنوك المصرية تجاه البنوك في الخارج، مما أدى إلى تحول صافي أرصدة العملات الأجنبية في البنوك من 6.8 مليار دولار في فبراير2021، إلى عجز تخطى عشرة مليارات دولار في نهاية العام. من جانب آخر، لا يمكن فصل القرار الأخير عن التحذير الذي أطلقته وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في 13 يناير2022م من أزمة سيولة مرتقبة في البنوك المصرية، وقالت في تقرير لها إن تصنيفاتها للبنوك المصرية، خصوصاً المتعلقة بالتمويل والسيولة، قد تواجه ضغوطاً بسبب تراجع الأصول الأجنبية. وأرجعت “فيتش” هذا التراجع في قيمة الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي إلى أنها تستخدم  للوفاء بالتزامات الديون الخارجية من قِبل البنك المركزي الذي سحب بعض ودائعه من العملات الأجنبية في البنوك المحلية، وهي أزمة يعرف عنها العالم كله إلا المصريون! كما يقول، مشيراً إلى أن مصر أجلت دفع الديون المستحقة عليها للدول الخليجية الثلاث الدائنة وهي السعودية والإمارات والكويت.[[3]]

من جهة أخرى فإن القرار يستبق قرار البنك المركزي الأمريكي بشأن رفع أسعار الفائدة على الدولار لمواجهة موجة التضخم الحالية التي لم تشهد الولايات المتحدة مثلها منذ سنوات طويلة. وهو القرار الذي قد يؤدي إلى هروب كثير من الأموال الساخنة بمصر ويستبب في ارتباك واسع في سوق الدولار بما ينعكس سلبا على مستوى التضخم والأسعار.[[4]]

الهدف من القرار

تذهب تفسيرات عديدة إلى أن الهدف هو تحجيم الطلب على  الدولار؛ لأن تطبيق هذه القيود الجديدة على عمليات الاستيراد لن يتحملها المستوردون في ظل عجز السيولة لديهم، وبالتالي لن يستمروا في نفس مستويات الاستيراد وسيضطرهم ذلك إلى  تقليص الواردت بقدر الإمكان. وتصف «أوكسفورد إيكونوميكس» توقيت القرار بالمريب، وتؤكد في مذكرة بحثية لعملائها الاعتمادات المستندية من حيث المبدأ «تعد وسيلة شائعة لضمان الجدارة الائتمانية للمستوردين، وبالتالي التخفيف من المخاطر المرتبطة بالمعاملات الدولية ومن ثم فتنفيذها يمكن أن يعزز سمعة مصر كشريك تجاري موثوق على المدى الطويل». لكن «اوكسفورد ايكونوميكس» ترى في المقابل أن الهدف الحقيقي من وراء إصدار هذا القرار في هذا التوقيت هو أن تكون الاعتمادات المستندية طريقة استراتيجية لإبقاء فاتورة الاستيراد تحت السيطرة، في ظل الضغوط المتزايدة على الوضع الخارجي للاقتصاد المصري، ما يعني أن البنك المركزي يستهدف من هذا القرار تقييد الاستيراد، عبر فرض إجراءات روتينية جديدة على الاستيراد.[[5]]

المزايا

يرى المؤيدون للقرار أنه يمنع محاولات التلاعب والاستيراد الجائر الذي يحدث حالياً، كما أن القرار يحقق جودة أعلى للمواطن في البضائع الواردة لمصر، وفي الوقت نفسه الحد من عمليات الاستيراد التي تقوم بها شركات بأرقام تفوق رأس مالها بأضعاف، وأنها تنعكس بشكل مباشر على توفير العملة الصعبة. كما أن القرار يقضي على ظاهرة التلاعب في قيمة الفواتير من قبل بعض المستوردين، حيث تقدم بعض الشركات فواتير فيها قيم غير حقيقية، وهو ما يعمل على تشويه الاقتصاد المصري ولا يظهره بقوته الحقيقية أمام المؤسسات الدولية. وبالتالي فإن القرار يحد من فاتورة الاستيراد من جانب صغار التجار وخروجهم تدريجياً من السوق، ما يخفف الضغط على العملات الأجنبية ويساعد البنك المركزي في السيطرة على سعر الدولار، في ظل توقعات بخروج نحو 15 مليار دولار من الأموال الساخنة في السوق المصري حال قرر البنك المركزي الأمريكي رفع أسعار الفائدة. وبالتالي فإن القرار يستهدف حماية الوضع الهش للاحتياطي النقدي  ومنع خروج المزيد من الدولار في ظل تراجع إيرادات الدولة. وكان وزير المالية محمد معيط قد كشف في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء 8 يونيو 2021م أن استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية (الأموال الساخنة) بلغت ما بين 28 و29 مليار دولار بنهاية مايو 2021م بحسب وكالة رويترز.[[6]]

المساوئ

فيما يتعلق بمساوئ القرار يمكن رصد التحفظات الآتية:

  • القرار جرى بشكل مفاجئ دون تشاور مع أصحاب الشأن من المستوردين والتجار. وكانت شعبة المستوردين قد حصرت نحو 12 سلبية للقرار، أبرزها انتشار التهريب لأن فرض قيود على الاستيراد يعزز فرص التهريب بسبب ندرة البضائع بالسوق وارتفاع سعرها، وكذلك ارتفاع أسعار السلع، وتعزيز الاحتكار وخروج آلاف المستوردين من السوق ما يهدد بتشريد مئات الآلاف من العاملين، كما يؤدي القرار إلى ارتفاع أسعار العملات الاجنبية من اليورو أو الدولار وغيرهم نتيجة كثيرة الطلب لكل المستوردين والمصانع في وقت واحد.[[7]] الأمر الذي قد يعيد السوق الموازية للدولار بسبب شدة الطلب عليه وكذلك المضاربة عليه بما يهدد بخفض قيمة الجنيه من جديد وبالتالي مزيد من رفع الأسعار.[[8]]
  • البنك المركزي استثنى في قراره فروع الشركات الأجنبية والكيانات التابعة لها، وهو ما يفسره كثير من المحللين والمستوردين بخوف النظام من العقوبات الدولية لا سيما من جانب منظمة التجارة العالمية التي ستعتبر القرار بمثابة تقويض للاتفاقيات الموقعة بشأن التجارة الحرة. علاوة على ذلك فإن النظام عندما وضع قيودا على الاستيراد في أعقاب اتفاقه مع صندوق النقد في نوفمبر 2016م، لتجنب الضغط على الجنيه، تسبب ذلك في توتر العلاقات مع الاتحاد الأوربي الذي تغاضي عن الأمر في البداية كخطوة لدعم نظام السيسي مقابل الدور الوظيفي الذي يقوم به لحماية المصالح الغربية في مصر والمنطقة، لكن الأوروبيين ــ مع استمرار هذه القيود ــ لجئوا إلى تقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية في يناير 2022م، لتخفيف القيود المفروضة على إجراءات تسجيل الواردات؛ فلجأ نظام السيسي إلى قرار إلغاء مستندات التحصيل كوسيلة جانبية لتقليل الاستيراد بشكل غير مباشر.
  • الشركات الخاضعة لما تسمى بالجهات السيادية كانت على علم بالقرار قبل صدوره لاعتبارات تتعلق بأن هذه الأجهزة هي التي تحكم البلاد فعلا وهي مصدر كل القرارات التي تصدرها الحكومة وجميع مؤسسات الدولة حتى الأحكام القضائية المتعلقة بالشأن السياسي والسيادي، رغم أن هذه الشركات التي تملتكها الأجهزة السيادية لن تتأثر مطلقا بالقرار لامتلاكها السيولة اللازمة للاعتمادات المستندية من جهة، فضلا عن التسهيلات والامتيازات التي تحظى بها من جهة ثانية. فلماذا يتم التضييق على القطاع الخاص بينما تتمتع شركات الجيش والأجهزة السيادية والشركات الأجنبية بكل هذه الامتيازات والتسهيلات؟ أليس هذا إخلالاً بمبدأ تكافؤ الفرص وعصفا بأي معنى لحيادية الدولة؟!
  • هذه القيود على الاستيراد قد تؤدي في الأغلب إلى خروج صغار المستوردين من السوق لعدم قدرتهم على الوفاء بقيمة تأمين كل صفقة وإيداعها بالبنوك عدة شهور لحين وصول البضاعة؛ وهذا سوف يعزز قدرة شركات الجيش والأجهزة السيادية وكذلك الشركات الأجنبية على احتكار السوق، وبالتالي التحكم في أسعار الكثير من السلع والأجهزة في ظل غيبة الحكومة عن المشهد وانحيازها لرأس المال على حساب الموطنين والعمال الفقراء. ويتزامن قرار المركزي بإقرار قيود الاستيراد مع مناقشة البرلمان لقانون المخابرات والذي يسمح بإنشاء الجهاز للشركات والتوسع في أعمال التجارة والبيزنس. الأمر الذي يمكن فهمه على أن ما يجري هو تحولات كبرى تعصف بصغار المستوردين لحساب الشركات الأجنبية وشركات الأجهزة السيادية التي تحولت إلى مراكز قوى تتنافس فيما بينها على البيزنس والمكاسب والأرباح.
  • القرار أيضا قد يدفع المستوردين من الحجم الصغير والمتوسط إلى الدخول في شركات إما مع شركات الجيش أو مع الشركات الأجنبية للاستفادة من الامتيازات والتسهيلات التي تحظى بها؛ وبالتالي فإن ذلك سوف يؤدي إلى تهميش القطاع الخاص الوطني ويعزز من هيمنة الأجانب على الاقتصاد المصري، وهو مآل كارثي لأي دولة قد يسهم في استباحة سيادة الدولة مستقبلا مع حدوث أي تحولات عالمية وتصادم الإرادة المصرية مع أصحاب هذه الشركات الأجنبية العابرة للحدود. معنى هذا أنه عندما تحدث مشكلة بين الحكومة والمستوردين الأجانب لن يكون الفصل فيه للقضاء المصري وإنما للقوانين الدولة كما جرى مع قضية وجيه سياج. وبالتالي فهذه القيود قد تكون لها مآلات كارثية ما لم يتم الحسبان لها جيدا.
  • القرار سوف يدفع المستوردين من الحجم المتوسط والصغير للدخول في شراكات مع شركات أجنبية للاستفادة من الاستثمارات الممنوحة لهم، وهذا يعني أن الدولة باعت اقتصادها للأجانب مثلما حدث في عهد الخديو إسماعيل فيما عرف بالامتيازات الأجنبية، فمثلاً عندما تحدث مشكلة بين الحكومة والمستوردين لن يكون الفصل فيها للقضاء المصري وإنما للقوانين الدولية مثلما حدث مع وجيه سياج”.

هل يمكن التراجع عن القرار؟

قرار المركزي ليس الأول من نوعه، فقد سبقه محاولتان انتهتا بالفشل، الأولى كانت سنة 2002م حينما كان الدكتور محمود أبو العيون محافظاً للبنك المركزي وحاول إيقاف طريقة مستندات التحصيل لمدة ثلاثة أشهر، لكن ضغوط رجال الأعمال حالت دون تطبيق القرار ومهّدت لإقالته، ثم كانت المحاولة الثانية من هشام رامز عام 2015، لكنه لم ينجح وتمت إقالته قبل انتهاء فترته بعام كامل.

وبعد صدور القرار أبدى طارق عامر محافظ البنك المركزي عنادا وصلابة مؤكدا أن القرار لا رجعة فيه.[[9]] لكنه عاد بعد أيام قليلة واستثنى 14 سلعة، أبرزها الدواء والشاي ولبن الأطفال وبعض المواد الغذائية، وقرر تخفيض عمولات الاعتمادات المستندية في البنوك لتكون مثل عمولات مستندات التحصيل. لكن المستوردين يرون أن هذا ليس حلا للمشكلة، ويطالبون بحوار أوسع حول الأمر؛ لأن السلع المستثناة تمثل جزءا بسيطا من السلع التي تحتاج البلاد لاستيرادها.[[10]] كذلك استثنى الشحنات الواردة بالبريد السريع والشحنات حتى 5 آلاف دولار أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية.[[11]]

ويوم الثلاثاء 22 فبراير 2022م، أعفى البنك المركزي، استيراد مستلزمات الإنتاج من نظام «الاعتمادات المستندية» في حال الاستيراد بنظام «السماح المؤقت»، كما أوضح أن الشركات الأجنبية المُستثناة من القرار هي التي يساهم فيها الشريك الأجنبي بأكثر من 50%، بحسب بيان البنك. ويتضمن «السماح المؤقت» الاستيراد بدون سداد رسوم جمركية، على أن تكون الواردات هي سلع وسيطة تدخل في إنتاج سلع نهائية بغرض التصدير، وتُعفى من الجمارك خلال مدة يحددها القانون من تاريخ دخولها البلاد.  ويعد قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة أكثر القطاعات التي تستورد وفقًا لنظام «السماح المؤقت» لأن القطاع يمثل نحو 98% من المنتجات التي تصدر ضمن اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة والمعروفة بـ«الكويز». وأكد بيان «المركزي» خضوع تعاملات شركات المناطق الحرة مع الشركات في مصر بالعملات الأجنبية للقرار، وكذلك إذا ما قامت شركات المناطق الحرة بالاستيراد من الخارج، فسوف تعامل بنظام «الاعتمادات المستندية» فقط.  الأمر الذي اعتبر تراجعا طفيفا ونسبيا عن القرار لكن يبقى كثير من المستوردين الصغار ومتوسطي الحجم يواجهون تبعات القرار الأول الذي يهدد بقاءهم في السوق.[[12]]

لكن ذلك لا يعني التراجع كليا عن القرار، لأن السيسي يحاول خفض العجز في الميزان التجاري  الذي ارتفع إلى نحو 38.2 مليار دولار بنهاية نوفمبر2021، مقابل 37.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام السابق، بحسب نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.  وارتفعت واردات مصر إلى 78.7 مليار دولار حتى نوفمبر2021، مقابل 63.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2020، بارتفاع نسبته 20.3%، بينما قفزت قيمة الصادرات المصرية إلى 38.5 مليار دولار بنسبة 46.6% مقابل 26.2 مليار دولار.[[13]]

توقعات وسيناريوهات

انتهى تقرير أعده مركز الدراسات الاقتصادية، حول التأثيرات المتوقعة للقرار،إلى أن منع التلاعب في الاستيراد هدف مهم ويمكن وضع آليات محددة له دون معاقبة جميع المستوردين، لافتا إلى أن المشكلة الجوهرية ليست في جاهزية البنوك لتنفيذ القرار، ولكن في عدم جاهزية مجتمع الاعمال لمثل هذا القرار، خصوصا في ظل ما يعانيه من تحديات محلية ضخمة تعوق الإنتاج والتصدير، وبالإضافة لمعانته نتيجة استمرار اضطراب سلاسل الامداد العالمية ونقص المواد الخام وارتفاع تكاليف الإنتاج. وأشار إلى أن القرار لن يؤدي منفردا إلى تحقيق عمليه إحلال الواردات وانما يتطلب ذلك استراتيجية للتنمية الصناعية وسياسات تحفيزية تعمل عل تعميق التصنيع المحلي وتحقيق الوفرة الإنتاجية والتصديرية، وهو ما يتطلب تغييرات هيكلية ومؤسسية لم تكتمل. وانتهي التقرير بتأكيده أن الأصل في الأمور أن يكون هناك دراسات للتكلفة والعائد مع كافة أصحاب المصلحة لتقييم القرارات قبل إصدارها والتنبؤ بتأثيراتها والتأكد من تحقيقها للهدف المعلن، وعدم تعارضها من اهداف أخرى، مع منح فترة كافية لتوفيق الأوضاع بناء على التشاور مع أصحاب المصلحة.[[14]]

وأمام الحكومة ثلاثة سيناريوهات:

  • الأول هو التراجع الكامل عن القرار، وهو أمر مستبعد لأن ذلك من شأنه أن يزيد من ججم الأزمة التي تواجه النظام في توفير الدولار.
  • الثاني، هو الإصرار والعناد والتمسك بالقرار مهما كان الرفض ومهما كانت العواقب.
  • الثالث، هو الإبقاء على القرار وتلك السياسات مع التوسع في حجم الاستثناءات، وهو ما شرع فيه البنك المركزي فعلا باستثناء 14 سلعة ثم اسثثناء مستلزمات الإنتاج والصناعة.

وفي كل الأحوال فقد كشف القرار عن وجود أزمة في العملات الأجنبية بلغت أصداءها العالم الخارجي من خلال الموردين، رغم التوسع في الاقتراض الخارجي خلال السنوات الأخيرة، وتأجيل سداد ديون دول الخليج الثلاث؛ السعودية والإمارات والكويت.  وبرهن بشكل عملي على فشل ما يسمى بالبرنامج الاقتصادي الذي دشنه السيسي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي منذ نوفمبر 2016م.

وحول التداعيات المستقبلية للقرار، فإنه يزيد من احتمالات اللجوء إلى خفض جديد لقيمة الجنيه المصري تجاه الدولار، واحتمال عودة السوق السوداء في ظل حاجة الشركات لتدبير العملة الأجنببة لفتح الاعتمادات المستندية، وهي الاحتياجات التي تصل ما بين 15 إلى 20 مليار دولار لفتح تلك الاعتمادات خاصة مع عدم تمويل البنوك لبعض الأنشطة، ويزيد من احتمالات تغيير محافظ البنك المركزي خلال شهور.[[15]]

القرار على هذا النحو سيربك عملية الاستيراد بالكامل، وقد يقلل عجز الميزان التجاري، لكن ذلك على حساب السوق والمستهلك والمنتج الذي يعاني أصلا من قيود شديدة وزيادة في تكلفة الإنتاج. وإذا كان من حق البنك المركزي الحفاظ على الاحتياطي الأجنبي لضمان سداد أعباء الديون الخارجية والواردات ودعم استقرار سوق الصرف، وتخفيف الطلب على الدولار، في ظل الضغوط المتوقعة الناتجة عن الزيادة المحتملة في سعر الفائدة على الدولار في الأسواق العالمية، والهروب المتوقع للأموال الساخنة، لكن في المقابل، يجب أن يواكب فرض مثل هذه القيود أمران مهمان: [[16]]

  • الأول الحفاظ على سوق مستقر للأسعار، بحيث لا يتحمل المستهلك وحده تبعات قرارات البنك المركزي الفجائية أو تبعات أي قرارات تقييدية أخرى متوقعة من الحكومة. فالمواطن يكفيه ما فيه من قفزات متواصلة في الأسعار وزيادة في الأعباء المعيشية والضرائب والرسوم والبنزين والسولار والغاز، وليست لديه القدرة على تحمل أعباء جديدة.
  • الثاني هو مراعاة القرار مصالح قطاع الصناعة ومجتمع الأعمال، لأن فرض قيود كتلك يمكن أن يؤثر سلبا على الصادرات والإنتاج المحلي، وبالتالي على الأسعار، ويؤدي إلى تعميق الركود الحالي في الأسواق المحلية، خاصة مع مقاطعة المستهلك كثيراً من السلع بسبب ارتفاع سعرها.

وفي كل الأحوال فقد كشف القرار عن فوضى صناعة القرار في مصر، وأثبت عدم وجود جهة تنسيق عليا بين المؤسسات والأطراف المختلفة ومراعاة جميع الأبعاد والزوايا،  فمصر تدار بنظام الجزر المنعزلة دون رأس ينسق بينها في القرارت المهمة والمصيرية.

 

 

[1] سارة سيف الدين/ المستوردون يرفضون قرار «المركزي» بوقف العمل بمستندات التحصيل.. والمحافظ: لا رجعة فيه/ مدى مصر ـ 15 فبراير 2022م

[2] ممدوح الولي/ نقص الدولار يدفع للمزيد من القيود على الواردات المصرية/ “عربي 21” ــ الأحد 20 فبراير 2022م

[3] قرار البنك المركزي المصري حول الاستيراد يفتح الباب لهيمنة الشركات الأجنبية، ومخاوف من تراجع الجنيه/ عربي بوست ــ  الثلاثاء 22 فبراير 2022م

[4] مصطفى عبد السلام/ رفع الفائدة على الدولار … العالم يحبس أنفاسه/ “العربي الجديد” ــ 20 فبراير 2022

[5] اكسفورد ايكونوميكس: تقييد الواردات الهدف الحقيقي من قرار حظر الاستيراد إلا باعتماد مستندي/ مدى مصر ــ السبت 19 فبراير 2022م

[6] مصر: الأموال الساخنة بلغت 29 مليار دولار حتى نهاية مايو/ العربي الجديد ــ 08 يونيو 2021

[7] شيرين صلاح/ شعبة المستوردين: 12 سببًا لإلغاء قرار البنك المركزي بوقف التعامل بمستندات التحصيل/ مصراوي ــ السبت 19 فبراير 2022م

[8] ياسمين كرم/مخاوف من رفع أسعار السلع.. إجراءات جديدة من «المركزي» لتنظيم الاستيراد/ المصري اليوم ــ الثلاثاء 15 فبراير 2022م

[9] البنك المركزي: قواعد تنظيم الاستيراد لا رجعة فيها.. والبنوك جاهزة لتنفيذها بكفاءة/ بوابة الشروق ــ الثلاثاء 15 فبراير 2022// سارة سيف الدين/ المستوردون يرفضون قرار «المركزي» بوقف العمل بمستندات التحصيل.. والمحافظ: لا رجعة فيه/ مدى مصر ـ 15 فبراير 2022م

[10] عبدالرحمن أبو طالب/ قواعد الاستيراد الجديدة في مصر: ما هي، ولماذا تثير مخاوف؟/ بي بي سي عربي ــ 22 فبراير 2022

[11] قرار البنك المركزي المصري حول الاستيراد يفتح الباب لهيمنة الشركات الأجنبية، ومخاوف من تراجع الجنيه/ عربي بوست ــ  الثلاثاء 22 فبراير 2022م

[12] «المركزي» يتراجع عن «الاعتمادات المستندية» للمستوردين بـ«السماح المؤقت».. ويوضح موقف «الكيانات الأجنبية»/ مدى مصر ــ الأربعاء 23 فبراير 2022م

[13] محمد عبدالله/ ضبط الاستيراد أم تقييده.. قرار للبنك المركزي يثير الجدل في السوق المصرية/ الجزيرة نت ــ 18 فبراير 2022

[14] ياسمين كرم/«الدراسات الاقتصادية» يوضح تأثير قرار تنظيم الاستيراد الأخير على النشاط الاقتصادي/ المصري اليوم ــ الخميس 17 فبراير 2022م

[15] ممدوح الولي/ نقص الدولار يدفع للمزيد من القيود على الواردات المصرية/ “عربي 21” ــ الأحد 20 فبراير 2022م

[16] مصطفى عبد السلام/ المواطن المطحون والجزر المنعزلة وقرار “المركزي” المصري/ العربي الجديد ــ 16 فبراير 2022

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022