انعقد مؤتمر القمة السادسة لرؤساء دول وحكومات الاتحادين الأوروبي والإفريقي في بروكسيل يومي 17 و18 فبراير 2022. ومثَّلت القمة فرصة هامة للاتحاد الأوروبي لإعادة صياغة العلاقة بينه وبين الاتحاد الإفريقي، وإتاحة فرصة لإرساء أُسس تعزيز التعاون بين الاتحادين، من خلال وضع رؤية مشتركة للتحديات التي تواجهها القارتان. وشارك في القمة أكثر من 40 من القادة الأفارقة، وشملت برامجها مبادرات تنبئ عن محاولة أوروبا إعادة تأكيد نفوذها في القارة الإفريقية من خلال استدراك فشلها في دعم القارة واستعدادها لمنافسة لاعبين آخرين مثل الصين التي تملك استثمارات ضخمة داخل القارة، وروسيا التي توطّد علاقاتها مع دول وسط إفريقيا والساحل. واختتمت القمة أعمالها بإصدار وثيقة ختامية تتضمن الرؤية المشتركة للاتحادين لعام 2030، فماذا كانت مُخرجات القمة؟ وكيف يُمكن قراءة تلك المُخرجات في إطار التنافس الدولي والإقليمي في القارة؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..
أولاً: مُخرجات القمة:
سعت البلدان الأوروبية من خلال القمة إلى طرح مجموعة مشاريع فعلية تتمحور حول ثلاثية الازدهار والأمن والتنقل. ووضعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته هذه المشاريع بالتنسيق الوثيق مع البلدان الإفريقية سعيًا إلى تلبية التطلعات الإفريقية في مجال الاستثمار والبنى التحتية والصحة والتنقل والأمن والتعليم. ويتمثَّل ذلك في:
-
على المستوى الاقتصادي:
خلال القمة السادسة التي جمعتهم في بروكسل وضع الاتحاد الأوروبي ونظيره الإفريقي أسس “شراكة متجددة” للتصدي للنفوذ الروسي والصيني. وهو ما يندرج في إطار مؤتمر قمة تمويل الاقتصادات الإفريقية الذي عُقد في 18 مايو 2021 وعمل مؤتمر قمة مجموعة الدول العشرين الذي عُقد في روما، مع إيلاء اهتمام خاص لتدريب الشباب وتوظيفهم. فمن ناحية الاستثمار المباشر؛ تسعى أوروبا إلى زيادة استثماراتها في البنى التحتية، ولا سيما في مجالات النقل والطاقة والتحول الرقمي، وكذا تطوير الإنتاج الغذائي في إطار مبادرة السور الأخضر العظيم، وذلك تلبيةً للمطالب الإفريقية. كانت على رأس القضايا التي تم تناولها خلال القمة مبادرة البوابة العالمية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية التي انطلقت من سنوات، واستثمرت بكين من خلالها عشرات المليارات من اليورو في الموانئ، والطرق، والاتصالات، وغيرها من أشكال البنى التحتية حول العالم، وخاصةً في إفريقيا. وقد تعهدت الكتلة الأوروبية بتوليد 150 مليار يورو من صناديق الاستثمار العامة والخاصة على مدى السنوات السبع المقبلة لتحقيق الدفعة الإفريقية الأولى من المبادرة التي يصل استثمارها العالمي إلى حوالي 300 مليار يورو. وبالرغم من الشكوك المُثارة حول فاعلية المبادرة في إفريقيا نظرًا لقوة النفوذ الصيني وتناميه؛ فإن المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يؤمنون بأنها ستُحقِّق أهدافها من خلال توفير بديل للقروض الصينية والتركيز الأولي على عشرات المشاريع الطموحة لتعزيز الوصول إلى الإنترنت وروابط النقل والطاقة المتجددة. ويكمن تشاؤم بعض المسؤولين الأفارقة تجاه المبادرة في غموض تفاصيل التمويل، كما رأى بعضهم أنها لا تصب في أولوياتهم وأن التمويل الأوروبي غالبًا ما يأتي بشروط تعجيزية مُعقدة.[1] ومن ناحية أخرى الإقراض والديون؛ استجابةً لتأثيرات الاقتصاد الكلي لأزمة كوفيد-19 على الاقتصادات الإفريقية؛ وعد الاتحاد الأوروبي بمناقشة إنشاء إطار المشترك مع الاتحاد الإفريقي لمعالجات الديون فيما بعد انتهاء مبادرة تعليق خدمة الديون القائمة حاليًا بمبادرة من البنك الدولي، والتي يستفيد منها حوالى 37 دولة إفريقية، وخلت الرؤية الصادرة عن القمة من أي تفاصيل أخرى عن مبادرة تعليق خدمة الديون الأوروبية المزمع مناقشتها لاحقًا. أما عن الإقراض فقد حثَّ الاتحاد الأوروبي أعضاءه على الإسهام طواعية في الجهد العالمي المبذول لتوفير السيولة في الأزمات من خلال حقوق السحب الخاصة. حيث مهَّد الأوروبيون الطريق لزيادة إعادة توزيع “حقوق السحب الخاصة” على الأفارقة والمُخصصة للدول الغنية -أسهم يخصصها صندوق النقد الدولي للدول التي يمكنها تحويلها إلى عملات أجنبية وإنفاقها بدون أن تكون مديونة-. حتى الآن، أعاد الأوروبيون بشكل جماعي توزيع 13 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة لإفريقيا، من أصل 55 مليار دولار أعادت الدول الغنية تخصيصها على مستوى العالم للقارة، وهو أقل بكثير من هدف 100 مليار دولار الذي طالب به الاتحاد الإفريقي للتخفيف من تأثير وباء كوفيد-19.[2] والجدير بالذكر هنا أن الصين كانت قد أعلنت أنها أوقفت مدفوعات خدمة الديون لـ23 دولة بقيمة إجمالية تقارب 1.4 مليار دولار عبر الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي، ووكالة المعونة، وبنك التصدير والاستيراد الصيني. وكذلك أعلن الرئيس الصيني -ضمن ما أعلنه لدى افتتاح منتدى التعاون الصيني الإفريقي- عن إعادة توزيع 10 مليارات دولار من الأصول الاحتياطية النادرة لصندوق النقد الدولي، والمعروفة باسم حقوق السحب الخاصة على البلدان الإفريقية.
-
على المستوى السياسي والأمني:
بشأن إحلال السلام وإرساء الاستقرار؛ فيكمن الهدف في دعم الجهود الإفريقية التي تُبذل في سبيل مكافحة الإرهاب ودعم الإجراءات الإفريقية التي تُتخذ من أجل إرساء الاستقرار في القارة، وذلك من خلال عمليات حفظ السلام الإفريقية والنهوض بقدرات البلدان الإفريقية على حدٍّ سواء.[3] حيث تعهَّد الاتحاد الأوروبي بمساعدة عمليات السلام التي تقوم بها القوات الإفريقية من خلال تدريبهم وتعزيز معداتهم، في مواجهة حالة عدم الاستقرار في القارة، والتي تزيد منها الانقلابات والإرهاب وبعد إعلان باريس انسحابها من مالي.[4] ومن التعهدات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي في القمة أن خطواتها وبرامجها الجديدة في إفريقيا تشمل مساعدة القارة في محاربة الإرهاب والتغلب على التحديات الأمنية. وقد انعقدت القمة في الوقت الذي تتأزم علاقات بعض الدول الإفريقية مع دول أوروبية بسبب الأزمات السياسية الجديدة على مدار العامين الماضيين. وعبَّر عن ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون\ بقوله إن القوات الفرنسية والأوروبية التي تواجه الجماعات المسلحة في مالي ستنسحب من البلاد في غضون أربعة إلى ستة أشهر. وجاء الإعلان الفرنسي في مؤتمر صحفي مشترك عقب قمة مصغرة بباريس مع رئيس السنغال -الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي- ماكي سال، ورئيس غانا -الرئيس الحالي للجماعة الاقتصاديين لغرب إفريقيا– نانا أكوفو أدو، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، بالإضافة إلى رؤساء موريتانيا والنيجر وتشاد. على أن رئيس الشؤون الخارجية في أوروبا جوزيب بوريل نفى أن يكون سحب القوات الأوروبية يعني أن الكتلة الأوروبية تتخلَّى عن مالي والساحل، وقال: “نحن لا نتخلى عن الساحل، ولا نتخلى عن مالي، نحن فقط نعيد هيكلة وجودنا لمواجهة الوضع السياسي الجديد”. ويأتي هذا بعد انهيار العلاقة في الأشهر الأخيرة بين فرنسا ومالي التي تعاونت عسكريًا وأمنيًا مع روسيا وتصاعدت الأصوات المطالبة بمغادرة فرنسا المنطقة، وطرد السفير الفرنسي والقوات الدنماركية التي تشكل جزءًا من عملية “تاكوبا”.[5]
-
على المستوى الصحي:
كانت مكافحة وباء كوفيد-19 من المواضيع الرئيسية في القمة؛ إذ أشاد قادة الاتحاد الأوروبي بـ “تعاونهم” مع إفريقيا في مجال اللقاحات بالرغم من أنهم لم يرفعوا حماية حقوق الملكية الفكرية للقاحات عندما طلبتها الدول الإفريقية كي تتمكن من إنتاج لقاحاتهم داخل القارة. واضطلعت أوروبا بدور ريادي في مجال الصحة تجسَّد في اقتراحها اعتماد مجموعة الدول العشرين مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-١٩، وهو ما أتاح توفير 450 مليون جرعة لقاح في إطار آلية كوفاكس. وبلغ إجمالي عدد جرعات اللقاح التي قدَّمها الأوروبيون من جرعاتهم الخاصة 145 مليون جرعة، ويتمثَّل الهدف في زيادة هذا الرقم إلى ثلاثة أضعاف بحلول منتصف عام 2022.[6] وسبق أن أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي ومؤسسة “جيتس” سيستثمران أكثر من 100 مليون يورو في السنوات الخمس المقبلة للمساعدة في إنشاء هيئة تنظيم الأدوية الإفريقية لتعزيز إنتاج الأدوية واللقاحات في القارة. وهناك خطة لإنشاء وكالة الأدوية الإفريقية (AMA) للتغلب على اعتماد القارة على اللقاحات المستوردة. وفي حدث منفصل، أعلن بنك الاستثمار الأوروبي توفير قروض رخيصة للدول الإفريقية بقيمة 500 مليون يورو لتعزيز أنظمة الرعاية الصحية. وتوقَّع البنك أن يحشد خط الائتمان هذا ما مجموعه مليار يورو في استثمارات خاصة وعامة. على أن هذا الإعلان لم يثر حماسة بعض الأفارقة المُشكِّكين في مصداقية الجانب الأوروبي وما إذا كانت أوروبا ستفي بكل هذه التعهدات الاستثمارية. بينما تفاءل آخرون بحذر منتظرين حتى تصبح كل هذه التعهدات مشاريع حقيقية على أرض الواقع.[7] وأعلن المجتمعون في نهاية القمة عن البدء في إنتاج لقاحات كورونا في مصانع 6 دول إفريقية، وقد اختيرت 6 دول إفريقية -من بينها مصر وتونس- لإنتاج لقاحات خاصة بها بتقنية الرنا المرسال، بصفتها المستفيدة الأولى من برنامج عالمي لإنتاج اللقاحات تقوده منظمة الصحة العالمية. ويهدف مشروع نقل التقنية الذي بدأ العام الماضي لمساعدة البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط على تصنيع هذا النوع من اللقاحات بالقدر المطلوب، ووفقًا للمعايير الدولية. وقالت المنظمة إنها اختارت هذه الدول -وهي: مصر وتونس وجنوب إفريقيا وكينيا والسنغال ونيجيريا- للسماح للقارة الإفريقية التي تتلقى اللقاحات بشكل محدود جدًا، بإنتاج لقاحاتها الخاصة لمكافحة الجائحة وأمراض أخرى.[8] ومن الجدير بالذكر هنا أيضًا أن الصين كان قد سبقت بضخ كميات هائلة من اللقاح الصيني إلى إفريقيا، فضلًا عن نقل تكنولوجيا تصنيع اللقاحات إلى عدة بلدان إفريقية؛ أنتجت اللقاح بالفعل، مثل مصر والجزائر، وكان الرئيس الصيني قد أعلن أواخر عام 2021 في منتدى التعاون الصيني الإفريقي أن الصين سوف تُقدِّم لإفريقيا مليار جرعة أخرى من اللقاحات، وستبني 10 مشروعات صحية في إفريقيا، وسترسل 1500 خبير صحة.
-
على مستوى التنقل والهجرة وغيرها من القضايا:
أخيرًا، كانت هناك قضايا ومواضيع أخرى تناولها الجانبان الأوروبي والإفريقي في القمة؛ مثل معالجة تدفقات الهجرة والبطالة بخلق الوظائف ودعم المهارات والإدماج الاجتماعي، حيث تعهَّد الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي “منع الهجرة غير القانونية” و”تحقيق تقدُّم فعَّال” في إعادة المهاجرين الذين هم في وضع غير نظامي في الاتحاد الأوروبي ودمجهم مجددًا في بلدانهم الأم.[9] وكذا التعامل مع الأفارقة كأنداد وشركاء حقيقيين دون الوصاية الأوروبية، وتآكل الديمقراطية من البلدان الإفريقية، والمشاكل البيئية وتغير المناخ وغيره من القضايا التي تدخل في نطاق الأهداف الرئيسية للصفقة الخضراء الأوروبية في إطار استراتيجية التنوع البيولوجي لعام 2030 وخطة عمل الاتحاد الأوروبي لصالح الاقتصاد الدائري.[10]
ثانيًا: قراءة في نتائج القمة الإفريقية الأوروبية في ظل الصعود الصيني الروسي في إفريقيا:
فرض التوتر مع روسيا بشأن أوكرانيا نفسه على قمة الاتحادين الأوروبي والإفريقي في اجتماع يستغرق ساعة تحضره الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الاوروبي حول التطورات الأخيرة قبل بدء اللقاء مع القادة الأفارقة. والتقي أربعون من قادة الدول الـ 55 الأعضاء في الاتحاد الإفريقي مع نظرائهم في الاتحاد الأوروبي لتحديد هذه الشراكة الجديدة. وقال رئيس المجلس الأوروبي البلجيكي شارل ميشال ورئيس الاتحاد الإفريقي السنغالي ماكي سال في مقال مشترك إن “الشراكة تفترض التبادل والتقاسم”. وجعل ماكرون من هذه القمة حدثًا كبيرًا للرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد الأوروبي، لكن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أكَّد أن أوروبا لن تكون قادرة على مساعدة إفريقيا بينما يسود عدم الاستقرار وانعدام الأمن، وقال إن الانقلابات العسكرية والنزاعات والإرهاب والاتجار بالبشر والقرصنة تجتاح القارة وتؤثر على أوروبا. ورأى بوريل أن زعزعة الاستقرار في القارة الإفريقية تُغذِّيها “الجهات الفاعلة الجديدة” الصينية والروسية “التي تختلف أساليبها وأجنداتها اختلافًا كبيرًا عن أساليبنا”. وأعلن بوريل أن الاتحاد الأوروبي سيتحقَّق ما إذا كانت الشروط والضمانات متوافرة لإبقاء مهمات التدريب التي يقوم بها في مالي بعد الانسحاب العسكري لفرنسا وشركائها من هذا البلد. وقال مسؤول أوروبي إن تحركات مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية الخاصة في العديد من البلدان الإفريقية بقيادة رجال مقربين من الكرملين، وهو ما تنفيه موسكو، “هي مثال على جهود زعزعة الاستقرار التي تبذلها روسيا في مناطق مهمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي”.[11]
وكانت العلاقات الأوروبية الإفريقية قد شهدت تشنجات متعددة، وغير بعيدة عن تزايد النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني والروسي في القارة الإفريقية. وحاول قادة دول الاتحاد الأوروبي، في قمتهم مع قادة 40 دولة في إفريقية، تجسير الهوة بين الجانبين، من خلال عودة أوروبا إلى ضخ مئات المليارات في شرايين الاقتصاد الإفريقي، وخصوصًا في البنية التحتية الإفريقية. واندفاع الأوروبيين نحو فتح محافظهم المالية لا يستهدف فقط مساعدة الأفارقة، بل أيضًا مساعدة أنفسهم، تحقيقًا لمصالح أوروبية تتعلق برؤى حول الحد من مخاطر التغيرات المناخية والتي تحتاج فيها إفريقيا للوصول إلى موارد طبيعية تساهم في التحول الأخضر نحو طاقة مستدامة، وكذلك لتجنيب الأوروبيين الزحف الصيني الثابت من خلال مشاريع تتعلق بخطوط التجارة الضخمة التي أرادت بكين الاستثمار فيها على مدى السنوات العشر الماضية. وينشأ التعويل على نجاح الاستثمار الأوروبي من أن الشركات الصينية عادة ما تُحضر اليد العاملة من الصين لتنفيذ مشاريعها وتسييرها، بينما الأوروبيون يعتمدون أكثر على توفير الفرص للعمال المحليين في الدول الإفريقية، وهو ما ركَّز عليه مدير مكتب الصناعات الدنماركية في شرق إفريقيا كلاوس لين كريستنسن باعتماد مستثمري أوروبا على المهارات المحلية الإفريقية بدل الأوروبية. وأثار أحد أكبر مشاريع بكين في أوغندا، وهو عبارة عن أطول طريق سريع بين عاصمتها كمبالا والمطار، سجالًا وتحفظًا إفريقيًا حول مآرب الصين من استثماراتها، وذلك بعدما توالت الضغوط الكبيرة لاسترجاع القروض لتنفيذ ذلك المشروع، ومن خلال فرض رسوم هائلة على استخدامه. ويتعلق أحد أهم جوانب التعاون بين إفريقيا وأوروبا بالمواد الخام المرتبطة بإحداث ثورة الانتقال الأخضر وربطها بمشاريع التغيرات المناخية، حيث تحتاج أوروبا إلى مواد الليثيوم والنحاس والكوبالت ومعادن هامة أخرى تحاول الصين منذ زمن احتكارها في القارة الإفريقية.[12]
وعلى مدار يومين كاملين التأمت مناقشات القادة في شتى المجالات المُدرجة على جدول أعمال القمة؛ فتمخضت هذه المناقشات عن وثيقة ختامية موسومة بـ “رؤية مشتركة لعام 2030” مدونة في 6 صفحات تحت 8 عناوين رئيسية تكفل كل عنوان منها ببيان الرؤية المشتركة المستقبلية للاتحادين في عدة مجالات والتي تمتد لـ 8 سنوات قادمة حتى عام 2030. وفي هذا الإطار يُمكن قراءة مضمون الوثيقة الختامية للقمة من خلال مجموعة من النقاط:
أولها؛ أن المبادرات الاقتصادية الأوروبية لا تعدو أن تكون ردًّا متأخرًا على التوغل الاقتصادي الصيني واسع النطاق في إفريقيا، والذي لو استمر بوتيرته الحالية دون رد أوروبي لأدَّى إلى سحب البساط اقتصاديًّا من تحت أقدام القوى الاستعمارية صاحبة النفوذ التقليدي طويل الأمد في إفريقيا. وثانيها؛ أن المبادرات الاقتصادية الأوروبية جاءت ضئيلة شحيحة مخيبة للآمال، أقل بكثير من تطلعات الأفارقة، ولا تتناسب مع الزخم الكبير الذي أحدثته الحملة الترويجية الضخمة التي سبقت القمة. وثالثها؛ أن المبالغ التي تعهَّد الاتحاد الأوروبي بضخّها في سوق الاستثمار الإفريقي لن يتم ضخها بشكل فوري، وإنما بصورة تدريجية على مدى سبع سنوات قادمة، الأمر الذي يتضاءل ويتباطأ معه دورها في إنعاش الاقتصادات الإفريقية، كما أنه قد تتغيَّر المعطيات خلال هذه المدة الطويلة نسبيًّا، فلا يتم الوفاء بهذه التعهدات. ورابعها؛ أن قضية الهجرة غير المشروعة تُعد أولوية قصوى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فكل ما جاء بشأنها يصبُّ في مصلحة أوروبا، ولا هدف له إلا حماية أوروبا، وتنظيم استفادتها من هجرة العقول الإفريقية. وخامسها؛ أن الوثيقة لم تحمل جديدًا في شأن السلم والأمن، فكل ما ورد بها يُمكن تلخيصه في الالتزام بمبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية، والتزام الاتحاد الأوروبي بتعزيز جهوده في مجالات التدريب والتسليح واللوجستيات، مع التعهد بتحقيق السلم والأمن في إطار الاتفاقيات المُوقعة بين الاتحادين، عبر الآليات القارية والأممية. وسادسها؛ أن المبادرات الأمنية الأوروبية لا تضع الاتحاد الأوروبي في مكانة الشريك الحريص على مصالح شركائه، ولا تنبئ عن شيء سوى عن استغلال المساعدات الأمنية الأوروبية لتحقيق وحماية المصالح الأوروبية في إفريقيا؛ بغض النظر عما يحقق مصالح الأفارقة. وسابعها؛ أن الرعاية الأوروبية للديمقراطية والحكم الرشيد تراجعت إلى درجة أنها وردت بوثيقة القمة على استحياء في عبارات عامة غير محددة، وهو ما ينبئ بأن أوروبا تخلت عن مشروطياتها الديمقراطية في التعاطي مع الأنظمة الحاكمة الإفريقية؛ اقتداءً بما تفعله الصين وروسيا. وثامنها؛ أن المبادرات الأوروبية في المجالات الأخرى لا تعدو أن تكون وعودًا وتعهدات مستقبلية، لا ضامن للوفاء بها ولا للاستمرار فيها.[13]
الخُلاصة؛ تأتي القمة الإفريقية الأوروبية السادسة في مرحلة يشهد النظام العالمي فيها تحولات جذرية لا سبيل إلى مواجهتها سوى بالتعاون والتكامل بين الدول والمنظمات، بل والشعوب أيضًا. ومن فعاليات الحرب الدائرة الآن بين المحورين الشرقي والغربي ذلك الصراع المحموم على الموارد والممرات الجيوستراتيجية حول العالم، والتي تدور جُلَّ أحداثها على الساحة الإفريقية. وتدور أحداث ذلك الصراع بشكل رئيسي بين الغرب متمثلًا في الولايات المتحدة، والقوى الاستعمارية الأوروبية من جهة، وبين الصين ذلك المارد المتنامي المتوغل في إفريقيا، وروسيا العائدة إلى الساحة الإفريقية من جديد من جهة ثانية، فضلًا عن القوى الإقليمية كإيران وتركيا والهند والكيان الصهيوني ومجموعة دول الخليج.
وفيما يواجه الأوروبيون انتقادات بانتظام لدعمهم أنظمة إفريقية سلطوية؛ تسعى دول الاتحاد الأوروبي في علاقاتها سواء المؤسسية أو الثنائية بإفريقيا إلى الحفاظ على تحقيق مصالحها في إفريقيا من خلال مبادراتها التعاونية مع الأفارقة، والتي ما كانت لتحدث أو لتكون بهذا المستوى لولا تنامي التوغل الصيني والروسي في إفريقيا. ومن هذا المُنطلق جاءت تلك القمة بين الاتحادين الإفريقي والأوروبي لتعلن الانتقال بالعلاقة بينهما من علاقة مانحين بمتلقين إلى علاقة شراكة تعاونية تكاملية، يتبنيان فيها رؤية مستقبلية تسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، عبر أُطُر وآليات مشتركة، وباستخدام وسائل وأدوات جديدة من شأنها الارتقاء بمستوى هذه الشراكة وتعظيم عوائدها على الطرفين. وحتى وإن كان هذا الإعلان لا يعدُ عن كونه مجرد شعارات ترفعها دول الاتحاد الأوروبي للحفاظ على مصالحها في الدول الإفريقية في مواجهة الخطر الذي تواجهه دول المعسكر الغربي جراء تنامي نفوذ المعسكر الشرقي في الدول الإفريقية؛ فإن هذا المؤتمر وهذا الإعلان مؤشر قوى على احتدام التنافس بين المعسكرين في الدول الإفريقية -لاسيما بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا-، الأمر الذي سيؤثر بدوره على استقرار تلك الدول وتنميتها على عكس المُعلن من أهداف تلك المؤتمرات والقمم التي تسعى في ظاهرها لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية للدول الإفريقية.
[1] د. حكيم نجم الدين، “قمة الاتحاد الأوروبي وإفريقيا…أحلام ووعود”، قراءات إفريقية، 20/2/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/FVoCu
[2] “القمة الأوروبية الإفريقية تختتم أعمالها بإطلاق “شراكة متجددة” تشمل الاستثمار واللقاحات والمناخ”، فرانس 24، 18/2/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/rbC3L
[3] “مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي من أجل إعادة صياغة شراكة متميزة (17 و18 شباط/فبراير 2022)”، الدبلوماسية الفرنسية، 16/2/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/fFtff
[4] “القمة الأوروبية الإفريقية تختتم أعمالها بإطلاق “شراكة متجددة” تشمل الاستثمار واللقاحات والمناخ”، مرجع سبق ذكره.
[5] د. حكيم نجم الدين، مرجع سبق ذكره.
[6] “القمة الأوروبية الإفريقية تختتم أعمالها بإطلاق “شراكة متجددة” تشمل الاستثمار واللقاحات والمناخ”، مرجع سبق ذكره.
[7] د. حكيم نجم الدين، مرجع سبق ذكره.
[8] “اختتام القمة الأوروبية الإفريقية في بروكسل و6 دول بالقارة السمراء ستنتج لقاحات بتقنية الرنا المرسال”، الجزيرة نت، 18/2/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/Xfp63
[9] “القمة الأوروبية الإفريقية تختتم أعمالها بإطلاق “شراكة متجددة” تشمل الاستثمار واللقاحات والمناخ”، مرجع سبق ذكره.
[10] د. حكيم نجم الدين، مرجع سبق ذكره.
[11] ”بروكسل ـ قمة تسعى لإعادة بناء الشراكة الأوروبية الإفريقية”، DW، 17/2/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/vcLkY
[12] ناصر السهلي، “القارة العجوز تريد محاصرة استثمارات الصين في القارة السمراء”، العربي الجديد، 18/2/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/XKH5c
[13] د. سعيد ندا، “قراءة تحليلية في مخرجات القمة الأفرو-أوروبية السادسة”، قراءات إفريقية، 24/2/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/0AE16