لم تكتمل بعد ملامح الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ فى 24 فبراير 2022. وعلى الرغم من ذلك، تظهر مؤشرات أولية متعلّقة بكيفية تعامل الحكومات العربية والإقليمية مع هذه الأزمة؛ في ضوء التحالفات التي بَنتها روسيا في العقد الأخير، ودينامية العلاقات الأميركية – الروسية. وأبعد من ذلك، الطبيعة المعقدة لهذا النزاع المسلح الذي يشتمل على عناصر مترابطة من المواجهة الاقتصادية والجيوسياسية، وعناصر أخرى مرتبطة بأسعار الطاقة وأنابيب الغاز وإمدادات القمح والممرات الاستراتيجية[1]. فكيف تتعامل مصر مع هذه الأزمة؟
دوليًا: الوقوف على الحياد بين موسكو وواشنطن:
تحرص مصر على تبنى موقف محايد تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وترفض اتخاذ مواقف تغضب أى من موسكو وواشنطن. فمن جانب، صوتت مصر لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، فى 2 مارس الحالى، وجاء التصويت مخالفًا للتحسب الذي التزمته مصر في دعم مطلب غربي بإصدار إدانة واضحة للغزو الروسي لأوكرانيا منذ بدء الحرب فى 24 فبراير الماضى. وجاء تصويت مصر لصالح القرار، المُصاغ بناءً على مشروع القرار الأمريكي-الألباني، ضمن 141 صوتًا مؤيدًا، مقابل رفض خمسة أصوات (روسيا وسوريا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا)، وامتناع 35 عضوًا عن التصويت، بينها من الدول العربية الجزائر والعراق والسودان[2]. وطالب القرار، موسكو “بالتوقف فورًا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”، و”بأن تسحب على نحو فوري وكامل وغير مشروط جميع قواتها العسكرية” من أوكرانيا، و”أدان قرار روسيا زيادة حالة تأهب قواتها النووية”[3].
ويأتى تصويت مصر لصالح قرار إدانة روسيا بعد ممارسة ضغوطات أمريكية وغربية على مصر لإدانة الغزو الروسى. فقد دعت مجموعة الدول السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي، فى 1 مارس الحالى، مصر إلى إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ودعا البيان إلى “قيام كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتقديم إدانة جماعية لهذا الهجوم، في ضوء العدوان المسلح، للوقوف بجوار أوكرانيا والتأكيد على سيادتها واستقلالها داخل حدودها، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة”[4]. وفى هذا السياق، فقد نقل موقع “العربى الجديد” عن مصادر، أن القاهرة كانت تدرس خيار الامتناع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار إدانة روسيا، باعتبار أن التغيب عن التصويت ليس رفضاً للقرار، ولا يحجبه، لكن المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أكدت لنظيرها المصري أسامة عبد الخالق أن ذلك سيعد بمثابة رفض للقرار[5]. وبجانب هذه الضغوطات، فقد أظهرت تصريحات من جانب الاتحاد الأوروبي بأنه سيهتم بقضية سد النهضة بعد انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية. ما يجعل مصالح مصر كلها الآن مع الغرب متمثلاً تحديداً في الولايات المتحدة ودول جنوب ووسط أوروبا، وليست مع روسيا. التى رفضت فى الماضى القريب الوقوف إلى جانب مصر من أجل حل نزاعها مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة، بينما كان بإمكانها على الأقل تحريك مجلس الأمن لإدانة تعنت أديس أبابا لكنها لم تفعل، في المقابل كانت إدارة ترمب تتدخل بشكل قوي لصالح مصر، ووضعت ضغوطاً حقيقية على إثيوبيا وقتها[6].
ومن الجدير بالملاحظة، أن التصويت المصرى والأثيوبى على بيان إدانة التدخل الروسى فى أوكرانيا بالأمم المتحدة كأنعكاس لتوازنات ومواقف سابقة، ففى حين أيدت مصر بيان الإدانة مع تحفظها على بعض بنوده، وهو يوضح ميلها إلى موقف الولايات المتحدة والغرب وإن كانت لا تلقى بكامل ثقلها معهم. ففى المقابل، أمتنعت أثيوبيا ومعها دول حوض النيل عن التصويت وفضلت الوقوف على الحياد. وعليه يمكن وصف الموقف المصرى بأنه انعكاس للموقف الذى يتخذه الغرب والولايات المتحدة تجاه أزمة سد النهضة، فى حين يأتى الموقف الأثيوبى كأنعكاس للموقف الأمريكى والغربى، وهو نفس الموقف أيضًا الذى تأمل اثيوبيا أن يتخذه الغرب والولايات المتحدة من أزمة السد[7].
وفي المقابل، ومنذ اندلاع الأزمة صدر بيان مقتضب من وزارة الخارجية المصرية، جاء فيه أن مصر “تتابع بقلق بالغ التطورات المتلاحقة اتصالاً بالأوضاع في أوكرانيا، وتؤكد على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها تسريع تسوية الأزمة سياسياً بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفادياً لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي”. ومن الملاحظ أن البيان لم يدن الغزو الروسى لأوكرانيا، وجاءت صيغته ومفرداته أقرب إلى المساواة بين الطرفين وعدم تحميل أى طرف مسئولية التصعيد. وبعدها دعت مصر لعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، وذلك للتباحث حول التطورات الجارية في أوكرانيا، وهو ما فسره مراقبون بأنه “محاولة مصرية للاختباء خلف موقف عربي جامع”[8].
وبعدما صوتت مصر في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة قرار يطالب روسيا “بالتوقف فورًا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”. قدمت مصر، ضمن دول أخرى، شرحًا لموقفها التصويتي، فى جلسة التصويت على القرار الأممى. وقال السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، إن هذا التصويت لا ينبغي أن يفتح الباب أمام غض الطرف عن الأسباب الحقيقية لجذور الأزمة، مضيفًا أن الهدف الأساسي الذي لا ينبغي إغفاله هو التوصل السريع لحل سياسي[9]. كما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا، فى 2 مارس، قالت إنه “شارح لتصويت مصر في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة” لمصلحة قرار يطالب روسيا “بالتوقف فورًا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”. وذكرت وزارة الخارجية المصرية أنه “اتصالا بالقرار الذي تم اعتماده وصوتت مصر لصالحه انطلاقًا من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، تود مصر أن تؤكد أن البحث عن حل سياسي سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة يجب أن يظل نصب أعيننا جميعًا، والهدف الأساسي للمجتمع الدولي بأسره في التعامل مع الأزمة الراهنة، ومن ثم يتعين إتاحة الحيز السياسي الكفيل بتحقيق ذلك الهدف الأساسي”. وأكد البيان أنه “لا ينبغي أن يتم غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار”.
ورفض البيان “منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة، والتي كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية”. وقال البيان المصري إنه “من الواجب أن تتحلى كل الأطراف بالمسؤولية الواجبة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لكل محتاج دون تمييز، مع كفالة مرور المقيمين الأجانب بانسيابية عبر الحدود، حيث وردت بعض التقارير عن معاملات تمييزية”. وأضاف البيان أن مصر “تجدد التحذير من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي برمته، والذي ما زال يعاني من تداعيات جائحة كورونا، ولعل الاضطراب المتزايد في سلاسل الإمداد وحركة الطيران الدولي لأبلغ دليل على ذلك”. وقال البيان إن “فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة إنما يعتمد على تناول كافة الأزمات الدولية وفقًا لمعايير واحدة ثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده دون أن تمر عقود تم خلالها تكريس الأمر الواقع والمعاناة الإنسانية”[10].
كما أجرى السيسي، فى 9 مارس، اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الاتصال تناول التباحث وتبادل الرؤى بشأن آخر التطورات على صعيد الأزمة الروسية الأوكرانية، فقد أكد السيسى على ضرورة تغليب لغة الحوار مع دعم مصر لكافة المساعي الدبلوماسية التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا من أجل الحد من تدهور الموقف، والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، واستعداد مصر لدعم هذا التوجه من خلال تحركاتها الحثيثة في هذا الصدد سواء ثنائياً، أو على الصعيد المتعدد الاطراف. وأكد السيسى على متابعة مصر باهتمام بالغ للتطورات الميدانية المُتلاحقة، والأولوية القصوى التي توليها مصر لسلامة وأمن المواطنين المصريين المتواجدين في أوكرانيا، معربًا عن التقدير للإجراءات التي اتخذها الجانب الروسي لتيسير خروج المواطنين المصريين، والتطلع لمواصلة توفير المساعدة الممكنة لهم بما يضمن سلامتهم وأمنهم. وأضاف السفير بسام راضي المتحدث الرسمي بأن الاتصال تناول كذلك التباحث بشأن سبل تعزيز مختلف أطر التعاون الاستراتيجية بين البلدين الصديقين من خلال المشروعات المشتركة التنموية الجارية بينهما، حيث أكد الجانبان على متانة علاقات التعاون التاريخية والراسخة التي تجمع بين مصر وروسيا في مختلف المجالات، إلى جانب علاقات الصداقة بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي[11]. وبدا حديث السيسى والمندوب المصرى بالأمم المتحدة وبيان الخارجية المصرية “وكأنه يعرض تحفظات مصر على القرار الأممى الذى أدان الغزو الروسى لأوكرانيا، وكأنها أجبرت على تأييد قرار لا تتفق معه”. بجانب ذلك، فإن القرار الأممى، وأيضًا الموقف المصرى، كان أكثر تركيزًا على الجانب الإنسانى للأزمة دون السياسى[12]. أضف إلى ذلك، إدراك مصر بأن القرار سوف يتم تمريره حتى لو لم تقم بالتصويت لصالحه وذلك فى ضوء العدد الكبير الذى صوت لصالح القرار، وبالتالى فقد رأت أنه من غير المبرر أن تتخذ موقف لا يوجد له أى تأثير على منع صدور القرار، والأهم أنه سوف يثير غضب واشنطن ضدها. كذلك فإن القرار لم يتبن أى عقوبات فعلية وذات تأثير على موسكو.
كما أن موقف مصر جاء متسقاً أيضاً مع غالبية الدول العربية، خصوصاً دول الخليج الست التي صوتت جميعها على تأييد القرار، وهذا يعكس توافقاً عربياً تجاه الأزمة في أوكرانيا، وتجاه الصراع الأكبر بين الغرب وروسيا، الذي من المتوقع أن يزداد حدة وشراسة مع مرور الوقت”[13]. فقد حاولت «الجامعة العربية»، في بيانها الصادر إثر «اجتماع طارئ» عقدته في القاهرة، فى 28 فبراير، لإعلان موقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا، إمساك العصا من المنتصف، فتحدثت عن قلقها من «تدهور الأوضاع الإنسانية» في أوكرانيا، وطالبت الدول الأعضاء العمل لحل الأزمة «عبر الحوار والدبلوماسية»، وهو موقف عبّر عنه بشكل أوضح، حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة، بالقول إن «موقف الجامعة من الأزمة الروسية – الأوكرانية يتّسم بالحياد». منطق الحياد في قضايا بهذه الخطورة عالميا يظهر، في جانب منه، طريقة فهم للعلاقات بين الدول، كما يظهر، في جانب آخر، إعجابا لدى قسم كبير من نخبها الحاكمة بالهجوم الروسي، نابعا من الإيمان بسيادة الحاكم المطلقة، وبمنطق القوة القاهرة، وباحتقار رغبات الشعوب بنظم سياسية ديمقراطية ومدنية[14]. كذلك يأتى هذا الموقف المصرى المحايد على المستوى السياسي والدبلوماسى، فى ظل تواجد مصالح كبرى مع طرفي الصراع، حيث تعتبر الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً للقاهرة لا يمكن الاستغناء عنه، لا سيما مع حصول مصر على معونة عسكرية أميركية سنوية تقدر بـ1.3 مليار دولار، كما أن تسليح الجيش المصري في معظمه أميركي الصنع.
ولكن مع ذلك يخشى السيسي تبني الموقف الأميركي، حتى لا يغضب حليفه الروسي، خاصة أن نظام السيسي استفاد بشدة من تحالفه مع موسكو، لا سيما في الفترة التي أعقبت الانقلاب الذي وقع في 30 يونيو 2013، وما تسبب فيه من عدم اعتراف الدول الغربية وعلى رأسها أميركا بالنظام السياسي الحاكم برئاسة السيسي، واعتباره انقلابًا عسكريًا على الحكم المدني. وعندها لجأ السيسي إلى بوتين دعم انقلابه بشكل واضح، ثم استمرت المصالح بينهما في قضايا عدة على رأسها سورية وليبيا[15].
كذلك فإن مصر على أعتاب مرحلة حاسمة ومفصلية تتعلق بقضية سد النهضة، التي لا ترغب أن يكون موضوعاً للتنافس، أو أن يتم إقحامه كأحد ملفات الاستقطاب والصراع الدائر بين القوى الكبرى، ولا ننسى الموقف الروسي في مجلس الأمن الذي اتسم بالتشدد أثناء طرح القاهرة قضية سد النهضة على المجلس، لذا تسعى مصر إلى عدم خسارة تأييد الجانب الأوروبي والغربي، وفي الوقت نفسه عدم إثارة حفيظة روسيا المتأثرة بالعقوبات والراغبة في الانتقام، نظراً إلى العقوبات الاقتصادية القاسية التي تعرضت لها ولخسائرها الكبيرة في أوكرانيا حتى الآن[16].
إقليميًا: التنسيق مع الحلفاء (السعودية بالأساس):
ففي الوقت الذي تواجه فيه مصر التداعيات الدولية للغزو الروسي لأوكرانيا، زار الرئيس عبد الفتاح السيسي المملكة العربية السعودية، فى 8 مارس الجارى، التقى خلالها بالملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ويسعى السيسى بصورة رئيسية إلى تلقى «بعض الدعم الاقتصادي» من الرياض، ووضع الأساس لإستجابة إقليمية منسقة لاحتواء التداعيات السياسية مع تصاعد التوتر بين روسيا والدول الغربية[18].
فقد قالت وكالة رويترز نقلًا عن مصدر مصرفي إن المستثمرين الأجانب سحبوا ثلاثة مليارات دولار من مصر منذ 24 فبراير الماضي، بالتزامن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، مع فرار المستثمرين من الأسواق الناشئة بحثًا عن أخرى أكثر أمانًا. وبحسب تقرير رويترز، يشعر العديد من المستثمرين بالقلق من أن الأسواق الناشئة قد تكون أكثر عرضة لأي موجات صدمة ناتجة عن اضطراب التجارة مع روسيا، بما في ذلك الزيادة الناتجة في أسعار بعض السلع الأساسية. يأتى ذلك فى وقت تحتاج مصر إلى الدولارات لمواجهة التقلبات في السوق العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع أسعار النفط والقمح بشكل كبير، إضافة إلى فقدها عائدات سياحية من الزائرين الروس والأوكرانيين لمنتجعات البحر الأحمر.
ووسط ارتفاع متوقع في أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، سيتعين على مصر أن تظل قادرة على المنافسة عن طريق زيادة أسعار الفائدة التي تعرضها على أذون الخزانة التي تصدرها. وقد تؤدي فاتورة أسعار الفائدة المرتفعة التي تواجه الحكومة المصرية إلى الضغط على العُملة المحلية، وتهدد أيضًا بمزيد من الضغط على عجز الموازنة، إذ يذهب أكثر من 36% من الإنفاق بالفعل لخدمة الدين الحكومي. ونقلت رويترز عن خبراء اقتصاديون، إنه في ظل هذه التطورات قد ينخفض الجنيه إلى 16.2 جنيهًا للدولار بنهاية يونيو، من سعره شبه المربوط حاليًا، والبالغ 15.70 جنيهًا.
كما يمكن أن يؤدي تضرر السياحة، وهي أحد المصادر الرئيسية الأخرى لاحتياطيات العملات الأجنبية في مصر، إلى ضعف قدرتها على الصمود في وجه الأزمة الحالية. حيث أن السياح القادمون من روسيا يعتبرون مهمين لصناعة السياحة في مصر، وعلى وجه التحديد لشرم الشيخ والغردقة، والتي استؤنفت الرحلات الجوية الروسية إليهما في أغسطس 2021 بعد توقف دام ست سنوات. دفع هذا الاستئناف الحكومة المصرية إلى توقع استقبال ما بين 300 و400 ألف سائح روسي شهريًا، لتعود بذلك إلى مستويات ما قبل عام 2015. ووفقا لبيانات وزارة السياحة، شكل 3.2 مليون سائح روسي في عام 2015 حوالي 33% من إجمالي السياحة الوافدة في مصر[19].
ويتبين مما سبق أن مصر الآن مثقلة بالعديد من الالتزامات المالية، فى ظل الارتفاع الحتمي في تكلفة السلع الأساسية -القمح وزيوت الطهي- التي يتم استيرادها عادةً من روسيا وأوكرانيا، وكذلك في أسعار الشحن، كما سيتعين على مصر تحمل وطأة ارتفاع أسعار النفط والبحث عن موردين من مناطق بعيدة. كذلك شهدت الأيام القليلة الماضية تراجع في الاستثمار في أدوات الدين المصرية أيضًا نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، وسيكون علي القاهرة التزم سداد مديونيات دولية واجبة السداد مع منتصف العام الحالي. كذلك شهدت الفترة الأخيرة هروب المستثمرين من مصر فى ظل موجة الخروج من الأسواق الناشئة.
وعليه تسعى القاهرة إلى الحصول على حزمة مساعدات اقتصادية ومالية، وشحنات إضافية من البترول السعودي، لتأمين احتياجات السوق المصري، في ظل الارتفاع غير المسبوق في الأسعار الذي صاحب الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والوفرة التي يحققها ذلك لدول الخليج. وعقب اجتماع السيسى وابن سلمان، أصدر مجلس الوزراء السعودي موجزه الأسبوعي الذي خول فيه وزير المالية السعودي لإقامة اتفاق مالي رفيع المستوى مع الجانب المصري.
في الوقت نفسه، من المؤكد أن تجرى السعودية والقاهرة نقاشًا حول طبيعة التحديات السياسية والاقتصادية طويلة الأمد نسبيًا التي قد تنجم عن استمرار الصراع في أوكرانيا؛ بما في ذلك المتطلبات الغربية -الأمريكية على وجه الخصوص- برفض عربي متزايد للغزو -يجري النقاش حوله استعدادًا لموقف يصدر عن اجتماع الربيع الاعتيادي لوزراء الخارجية العرب خلال الـ48 ساعة القادمة، وبالتحديد فى 10 مارس الجارى. بجانب الترتيبات الإقليمية المحتملة -أمنيًا وسياسيًا- في ظل التوقيع المرتقب لاتفاق نووي جديد بين إيران والدول الغربية، وما سيكون له من تداعيات عديدة قد تنعكس في مناطق حيوية بالنسبة للدول الخليجية، ومن بينها العراق ولبنان وسوريا إلى جانب اليمن[20].
وبالفعل، فقد شهدت الزيارة مباحثات بين البلدين حول الأدوار التركية والإيرانية بالمنطقة العربية، فهناك تخوف مصرى – سعودى من إمكانية أن تستغل هاتين الدولتين الظروف الدولية الحالية للمزيد من التدخل فى المنطقة العربية وخاصة فى ليبيا واليمن. وهناك توافق بين الرياض والقاهرة، على عقد شراكة وتنسيق بشأن الملفات ذات الأهمية في المنطقة، خصوصاً أن السعودية أيضاً ترغب في عدم الذهاب إلى استئناف العلاقات مع تركيا بشكل متوازن، في ظل المسارعة الإماراتية نحو تركيا، وهو ما أفقد كلا من القاهرة والرياض ورقة ضغط مهمة، ودفع الحماسة التركية لتطبيع العلاقات مع مصر إلى أن تتراجع خلال الآونة الأخيرة. وهو ما أثر بصورة سلبية على الملف الليبى عبر رفع الفيتو التركي ضد تسلّم فتحي باشاغا رئيس الحكومة المكلفة أخيراً من مجلس النواب لمهام عمله، من خلال دعم أنقرة لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورفضها وصول باشاغا للعاصمة طرابلس.
في مقابل ذلك، عبرت القاهرة عن دعم واضح وقوي للرياض، فيما يتعلق بصراعها مع الحوثيين في اليمن، وهو الموقف الذى كانت تطالب به الرياض القاهرة منذ فترة والتعبير عنه بإجراءات فعلية وليس بالبيانات فقط. وقد ذكر البيان المصري السعودي المشترك، الذي صدر في ختام زيارة السيسي، بأنه “يلقي بمسؤولية على مصر في مسألة استخدام قدراتها للدفاع عن الأمن العربي”. كما حرص على ذكر الحوثيين بصفتهم مليشيا إرهابية في خمسة مواضع مختلفة، وأنها تهدد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وأنه لا يمكن التغاضي عن امتلاك هذه المليشيات الحوثية الإرهابية لقدرات عسكرية نوعية كونه تهديداً مباشراً لأمن السعودية ودول المنطقة، مع التأكيد على حرص الجانبين على تعزيز التعاون بين البلدين خصوصاً في المجال العسكري وتعزيز العلاقات والشراكات الاستراتيجية[21].
كما أكد البيان على “أهمية التعامل بشكل جدّي وفعّال مع الملف النووي والصاروخي لإيران بجميع مكوناته وتداعياته، بما يُسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي”. و”خطورة السلوك الإيراني العدائي تجاه دول المنطقة”. وأشار البيان إلى “خطر امتلاك النظام لأسلحة الدمار الشامل على المنطقة والعالم، وأن أي اتفاق دولي بهذا الخصوص لا بد أن يتم بمشاركة دول المنطقة”[22]. ويأتى ذلك فى ظل تصاعد الأحاديث والتحليلات عن أن إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بالتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووى الإيرانى وتقديم تنازلات لطهران مقابل استئناف صادرات الغاز الطبيعى الإيرانى إلى أوروبا ليكون بديلًا عن الغاز الروسى.
أيضًا، فربما تعول القاهرة على موقف سعودى فى ملف أزمة سد النهضة، وذلك في الوقت الذي يمر فيه هذا الملف بمرحلة حساسة بعد إعلان أثيوبيا عن بدء توليد الكهرباء من السد. وربما تسعى القاهرة إلى توسط الرياض لدى أثيوبيا من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات في أسرع وقت، فى ظل ما تمتلكه السعودية من نفوذ كبير لدى أديس أبابا عبر الدعم الاقتصادي والاستثمارات الخاصة بها هناك[23]. أيضًا، فربما ترغب القاهرة فى ربط الاستجابة السعودية للولايات المتحدة بزيادة إنتاج النفط باتخاذ موقف أمريكى داعم لمصر فى أزمة السد.
ومن بين ما يحمله السيسي ضمن الملفات الخاصة بزيارته للسعودية، رسالة أميركية للمسؤولين في المملكة، بشأن ضرورة زيادة الإنتاج اليومي من النفط، للسيطرة على سوق الطاقة العالمي، بسبب الصعود الهائل في الأسعار نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية. فقد زار منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، ومبعوث وزارة الخارجية الأميركية للطاقة، عاموس هولشتاين، الرياض، فى 2 مارس الحالى، للضغط على المسؤولين السعوديين لضخ المزيد من النفط الخام لتحقيق الاستقرار في الأسواق. وقد قوبل هذا المطلب برفض سعودي، إذ أكدت المملكة التزامها باتفاق “أوبك بلس” للحفاظ على المعدلات المتفق عليها بين الدول الأعضاء في منظمة “أوبك”، والذي يستمر لخمس سنوات. وقد عبّرت تصريحات صحافية لولي العهد السعودي أخيراً عن غضبه واستيائه من طريقة تعامل بايدن معه منذ فوزه بالرئاسة الأميركية.
وبالتالى، فقد يسعى السيسي إلى القيام بدور الوساطة بين الجانب الأمريكى والسعودى مما يرفع أسهمه لدى الإدارة الأمريكية، خاصة وأن السيسى قد سبق وأن استخدم وساطته لتهدئة الصراع بين إسرائيل وحماس لتحسين علاقته بإدارة بايدن.
وأخيرًا، تخشى القاهرة من أن ينعكس الصراع بين روسيا وأمريكا فى أوكرانيا على دول جوارها ما يهدد أمنها القومى، خاصة أن هناك تصاعد للوجود الروسى فى هذه الدول سواء فى ليببا أو السودان.
فمن الملاحظ، قيام نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، بزيارة إلى روسيا، وهناك تقارير إعلامية تشير إلى قيام خليفة حفتر قائد ما يسمى بالجيش الوطنى الليبى هو الأخر بزيارة موسكو. وعقب وصوله إلى الخرطوم قادماً من موسكو، فقد أعلن حميدتى الترحيب بإقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحلها على البحر الأحمر[24].
وفى رد مصرى غير مباشر على خطوة حميدتى فقد أكد البيان المشترك المصرى السعودى الصادر بعد لقاء السيسى بولى العهد محمد بن سلمان فى السعودية، على «أهمية ضمان أمن البحر الأحمر»، في إشارة للقلق المصري – السعوديّ من خطوة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني[25].
وقد سبق أن أبدت القاهرة اعتراضاً للمسئولين السودانيين علي إقامة قاعدة روسية فى السودان، كما سبق أن رفضت القاهرة إقامة قاعدة تركية في السودان سعت أنقرة لإقامتها عبر اتفاق مع البشير. يأتى ذلك، إلى جانب تخوف القاهرة من شروع روسيا في بناء قاعدة عسكرية فى ليبيا، في ظل وجود ما يشبه القاعدة العسكرية الروسية على الحدود الغربية لمصر، وبالتحديد في المنطقة الشرقية في ليبيا، حيث ترابط هناك بشكل غير رسمي عدد من المقاتلات التابعة لموسكو، تحت حراسة وتأمين عناصر مرتزقة “فاغنر”[26].
وترفض مصر إقامة أية قواعد أجنبية بالقرب من حدودها أو مناطق نفوذها ومصالحها. فضلًا عن تخوفها من أن تتسبب إقامة القاعدة الروسية فى السودان إلى قيام دول أخرى معادية للقاهرة مثل تركيا لإعادة طرح فكرة إقامة قاعدة عسكرية فى السودان. كذلك، تتخوف القاهرة من أن يكون ذلك مقدمة لتحويل البحر الأحمر إلى منطقة صراع بين الدول المتنافسة ما يؤثر بالسلب على حركة الملاحة فى قناة السويس التى تعتبر من أهم مصادر الدخل المصرى.
داخليًا: استغلال الأزمة لرفع الأسعار:
يبدو أن الحكومة المصرية سوف تستغل الحرب بين روسيا وأوكرانيا وما نتج عنها من ارتفاع فى الأسعار العالمية لاتخاذ قرار برفع أسعار الخبز المدعم[27]. ففي سبتمبر الماضي، فاجأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ملايين المصريين بعزمه رفع سعر رغيف الخبز التمويني من دون أن يقدم مبررات اقتصادية أو سياسية واضحة لهذا القرار، مطالباً المواطن بتحمل فاتورة التنمية التي تقودها الدولة[28]، ولتأتى الأزمة الأوكرانية الحالية لتمثل سندًا داعمًا لهذا المطلب، خاصة أن مصر تعد أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم، وتوفر كلًا من روسيا وأوكرانيا نحو 86% من واردات مصر من القمح.
ومع تصاعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ازدادت وتيرة التصريحات الحكومية حول الأعباء التي تتحملها مصر لتوفير رغيف الخبز بأسعاره الحالية، ما يؤذن بقرب تراجع الدعم المقدم إلى غذاء المصريين الأساسي. فقد كشف وزير المالية المصري محمد معيط، أن ارتفاع أسعار القمح العالمية سيكلف مصر أزيد من 12 مليار جنيه إضافية خلال العام المالي الحالي. وقال وزير التموين والتجارة الداخلية في مصر، علي المصيلحي، إن الوزارة افترضت متوسط سعر 255 دولارًا للطن في موازنة هذا العام، في حين تصل تكلفة الطن في الوقت الحالي إلى 350 دولارًا[29]. فيما توقع رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية المصري، إبراهيم عشماوي، ارتفاع أسعار عدد من السلع في ظل التبعات السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية. وأوضح عشماوي أن الزيادة متوقعة في كثير من السلع الأساسية بسبب زيادة سعر النقل والشحن وقلة حجم الإنتاج وغيرها من الأسباب[30].
وبالفعل، فقد رفع تجار الحبوب، أسعار بيع الأرز، فى 3 مارس الجارى، ليصل سعر الأرز عريض الحبة (البلدي) إلى 6500 جنيه للطن بدلًا من ستة آلاف جنيه، والأرز رفيع الحبة (السبعيني) 6300 جنيه للطن بدلًا من 5300 جنيه. وقد أرجع نائب رئيس شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، مصطفى السلطيسي، ارتفاع أسعار الأرز، في تصريحات لجريدة «المال»، إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، التي ألقت بظلالها على جميع القطاعات الاقتصادية العالمية والمحلية. رغم اعتماد مصر على الإنتاج المحلي من الأرز لتغطية نحو 80% من احتياجاتها. وتشتري وزارة التموين كل عام كميات مختلفة من الأرز من التجار عبر مناقصات، لتوفيره على البطاقات التموينية والمنافذ. وعادةً يعتمد ضبط الأسعار على ضخ الوزارة كميات من الأرز في المنافذ وعلى البطاقات التموينية بشكل دوري، ما يسبب التوازن في الأسواق، لكن بسبب استحواذ القطاع الخاص على معظم الإنتاج، فضلًا عن تقلص المساحات في ظل تشديد العقوبات على مخالفات التوسع في زراعة الأرز، قد لا يتحقق هذا التوازن[31].
ومع ذلك، فقد تعمل الحكومة المصرية على محاولة ضبط الأسعار وعدم تركها للارتفاع بصورة جنونية، وذلك ليس بحثًا من جانب الحكومة على مصالح المواطنين ولكن من أجل الحفاظ على بقاء النظام. فبحسب مؤشرات ووقائع تاريخية، عادة ما ارتبطت أزمات الخبز بعدم استقرار سياسي واجتماعي في البلاد، وهو ما يدفع الحكومات المتعاقبة للتعامل معه باعتباره قضية أمن قومي. فعلى سبيل المثال، فإن حظر موسكو تصدير القمح إلى الخارج عام 2010 كان سبب ارتفاع سعره عالميًا، مما دفع الحكومة المصرية آنذاك إلى رفع سعر الخبز، ليتصدر شعارات ثورة يناير 2011 “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية” قبل أن تتوسع المطالب لتشمل تغيير النظام[32].
الخلاصة، يمكن القول أن مصر – كغيرها من الدول العربية والاقليمية – تنظر إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا على أنها محاولة أمريكية لردع محاولات روسيا، على المدى الطويل، عن تحدي الأحادية الأميركية. وتفضل هذه الدول الوقوف على الحياد فى هذه الأزمة وانتظار ما ستسفر عنه من نتائج سيكون لها تأثير كبير على المستوى الاقليمى فى ضوء مجموعة من العوامل تتمثل فى:
أولًا، يعزز هذا النزاع العسكري الانقسام بين الشرق والغرب، لا سيما التأثير في صورة بوتين بين مَن يراه في صُلب المواجهة مع الهيمنة الأميركية ومن يعتبر الخسائر في صفوف الجيش الروسي على الحدود الأوكرانية دليلَ ارتباكٍ. وإذا لم يتمكن بوتين من الحسم العسكري في أوكرانيا واستيعاب العزلة الاقتصادية، فإنّ هذا الأمر قد يُضعف “الهالة” التي اكتسبها منذ تدخله العسكري في سورية عام 2011؛ أي الفعالية العسكرية والدبلوماسية في تحقيق المصالح الروسية الاستراتيجية. والانطباع الإقليمي في تقييم خلاصة غزو أوكرانيا له تداعيات على النفوذ الروسي في المنطقة، ويؤثر تلقائيًّا في طبيعة تفاعل الحكومات الإقليمية مع روسيا أيضًا.
ثانيًا، يؤثّر انحسار القدرات المالية والاقتصادية لروسيا، عبر العقوبات، وإبعاد روسيا عن نظام “سويفت”، الذي يدخل حيّز التنفيذ في 12 مارس الحالي، سلبيًّا في نفوذ روسيا في المنطقة وقدرتها على التبادل التجاري والمناورة والاستثمار، وخصوصًا بشأن إعادة إعمار سورية والتعامل التجاري مع مصر ودول الخليج. لقد بلغ التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية نحو 18 مليار دولار فقط خلال العام الماضي، في حين بلغت الصادرات الأميركية إلى العالم العربي نحو 45 مليار دولار عام 2020، وقد تضطر الحكومات العربية إلى التريث في إبرام عقود حكومية أو تجارية مع روسيا في المدى المنظور نتيجة النزاع في أوكرانيا.
ثالثًا، أثبت الغزو الروسي لأوكرانيا أنّ تحالفات روسيا الإقليمية هي تحالفاتٌ ظرفية في أغلبيتها، وأنّها ليست بالضرورة استراتيجية، وأنّ روسيا ليس لديها – بطبيعة الحال – مستوى قدرة الولايات المتحدة نفسه على التحفيز والعقاب خلال الأزمات الدولية.
رابعًا، قد تحدث تلك الأزمة تأثيرات محتملة في دينامية المنطقة، فالحكومات الإقليمية ترتب أوراقها منذ انتخاب بايدن، وتبادر وحدها بحوارات ثنائية لخفض التوتر فيما بينها. أمّا تركيا، فقد فتحت قنوات اتصال مع مصر والإمارات وإسرائيل. هناك حوار بين قطر ومصر، وبين السعودية وإيران. وهكذا، فإنّ هذه الحكومات لا تريد أن يؤثّر الهجوم الروسي على أوكرانيا سلبيًّا في هذه الدينامية عبر إيجاد استقطابات جديدة. ولا يبدو أنّ بعض الحكومات العربية ترغب في رؤية هزيمة روسية في أوكرانيا؛ ما قد يكرّس نفوذ الولايات المتحدة، ويجعل من الصعب الاعتماد على غيرها لتنويع التحالفات. أبعد من ذلك أنّ الولايات المتحدة، تقُوم بردعٍ وعزلٍ لروسيا التي تتحالف معها حكومات عربية، لكنها تتجه إلى اتفاق نووي محتمل قد ينهي عزلة إيران الاقتصادية؛ ما يعني أن التركيز الأميركي لا يتوافق مع أولويات الحكومات العربية.
خامسًا، أن الغزو الروسي لأوكرانيا لا يلغي انطباعًا عربيًّا رسميًّا مفاده أن الولايات المتحدة تتراجع طوعًا في المنطقة؛ فهي تنسحب من أفغانستان والعراق وسوريا، وتستعد لاتفاق نووي مع إيران، ولا تدافع بشكل مباشر عن السعودية والإمارات ضد هجمات الحوثيين. وعلى الرغم من هذا الحياد العربي، لا يزال الشرق الأوسط، على نحو حاسم، ضِمن الأحادية الأميركية في كل جوانب العولمة؛ من تبادلٍ تجاري، وأنظمة مالية، وصفقات أسلحة[17]، ولعل أبرز دليل على ذلك هو تصويت أغلب دول الأمم المتحدة لصالح القرار الأمريكى بإدانة الغزو الروسى لأوكرانيا.
[1] “تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على الشرق الأوسط”، المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، 9/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3sXYmUe
[2] “مصر والإمارات والسعودية تتخلى عن الحياد وتدين الغزو الروسي”، مدى مصر، 2/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3hQV4vF
[3] “مصر تبرر تصويتها لإدانة روسيا أممياً… اتقاءً لغضب بوتين”، العربى الجديد، 2/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3KsIf6Z
[4] ” مصر والغزو الروسي لأوكرانيا: تجنب إغضاب واشنطن وموسكو”، العربى الجديد، 3/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3Cu0NRD
[5] “نظام السيسي بين روسيا وأميركا: محاولة صعبة لإرضاء الطرفين”، العربى الجديد، 4/3/2022، الرابط: https://bit.ly/37ajnTf
[6] ” لماذا دانت مصر الغزو الروسي في الأمم المتحدة؟”، إندبندنت عربية، 3/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3CrN51N
[7] كريم مصطفى، “سد النهضة “ملاحظات هامشية””، الصفحة الرسمية على الفيسبوك، 8 /3/2022، الرابط: https://bit.ly/3IVaFX3
[8] ” مصر والغزو الروسي لأوكرانيا: تجنب إغضاب واشنطن وموسكو”، مرجع سابق.
[9] “مصر والإمارات والسعودية تتخلى عن الحياد وتدين الغزو الروسي”، مرجع سابق.
[10] ” مصر تبرر تصويتها لإدانة روسيا أممياً… اتقاءً لغضب بوتين”، مرجع سابق.
[11] “الرئيس السيسي يؤكد للرئيس بوتين ضرورة تغليب لغة الحوار في الأزمة الروسية الأوكرانية”، المرصد المصرى، 9/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3CwbrHO
[12] ” مصر تبرر تصويتها لإدانة روسيا أممياً… اتقاءً لغضب بوتين”، مرجع سابق.
[13] ” لماذا دانت مصر الغزو الروسي في الأمم المتحدة؟”، مرجع سابق.
[14] “مناورات عربية على خلفية الأزمة الأوكرانية!”، القدس العربى، 10/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3CvvoOI
[15] ” مصر والغزو الروسي لأوكرانيا: تجنب إغضاب واشنطن وموسكو”، مرجع سابق.
[16] ” لماذا دانت مصر الغزو الروسي في الأمم المتحدة؟”، مرجع سابق.
[17] “تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[18] “السيسي في السعودية لبحث تداعيات غزو أوكرانيا ودعم مصر في مواجهة آثار الحرب”، مدى مصر، 8/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3Mz757b
[19] “رويترز: المستثمرون الأجانب سحبوا 3 مليارات دوﻻر من مصر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا | حميدتي: السودان لا يمانع في إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر”، مدى مصر، 3/3/2022، الرابط: https://bit.ly/34qZ9Ue
[20] “السيسي في السعودية لبحث تداعيات غزو أوكرانيا ودعم مصر في مواجهة آثار الحرب”، مرجع سابق.
[21] “تنسيق مصري سعودي للضغط على تركيا”، العربى الجديد، 10/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3KoZXse
[22] “فلسطين ونووي إيران وسد النهضة والحوثيون.. السيسي يبحث في السعودية قضايا إقليمية”، الجزيرة نت، 10/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3tLdeVp
[23] ” السيسي في السعودية: دعم اقتصادي ووساطة بترولية وسد النهضة”، العربى الجديد، 8/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3tLU1Td
[24] “القاعدة الروسية البحرية تنهي “تهدئة” مؤقتة بين مصر وحميدتي”، العربى الجديد، 6/3/2022، الرابط: https://www.alaraby.co.uk/politics/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D9%87%D9%8A-%22%D8%AA%D9%87%D8%AF%D8%A6%D8%A9%22-%D9%85%D8%A4%D9%82%D8%AA%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%8A%C2%A0
[25] “مناورات عربية على خلفية الأزمة الأوكرانية!”، القدس العربى، 10/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3CvvoOI
[26] “القاعدة الروسية البحرية تنهي “تهدئة” مؤقتة بين مصر وحميدتي”، مرجع سابق.
[27] “الخبز والغاز.. مخاوف ومصالح مصر من الأزمة الروسية الأوكرانية في سؤال وجواب”، الجزيرة نت، 11/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3ssLKEC
[28] ” “عيش” وغاز وسياحة… مكاسب مصر وخسائرها من الغزو الروسي لأوكرانيا”، رصيف22، 24/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3Cuw7Qm
[29] “أزمة أوكرانيا تكبد موازنة مصر فاتورة ضخمة.. القمح كلمة السر”، العربية نت، 7/3/ 2022، الرابط: https://bit.ly/3sZpzG7
[30] “بسبب الحرب في أوكرانيا.. مصر تتوقع زيادة في الأسعار واحتياطي القمح يكفي 4 أشهر”، الجزيرة نت، 24/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3tkp5cR
[31] “رويترز: المستثمرون الأجانب سحبوا 3 مليارات دوﻻر من مصر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا | حميدتي: السودان لا يمانع في إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر”، مرجع سابق.
[32] “الخبز والغاز.. مخاوف ومصالح مصر من الأزمة الروسية الأوكرانية في سؤال وجواب”، مرجع سابق.