مشاركة مصرية في المنتدى العالمي التاسع للمياه وحضور لقضية سد النهضة

 

انطلقت في العاصمة السنغالية داكار الاثنين أعمال المنتدى العالمي للمياه الذي يستمر من 21 إلى 26 مارس، بحضور دولي كبير، والذي تُسلم خلاله جائزة الملك الحسن الثاني العالمية الكبرى للمياه. وتحت عنوان “الأمن المائي من أجل السلام والتنمية”، يناقش المنتدى في نسخته التاسعة أزمات المياه حول العالم، وهي المرة الأولى التي يُنظم فيها هذا المنتدى في دول إفريقيا جنوب الصحراء. والمنتدى الذي ينظمه المجلس العالمي للمياه، يُعتبر أكبر فعالية عالمية حول المياه، ويجمع قادة دول وحكومات وخبراء ومهتمين بالمياه من المجتمع المدني، يناقشون فيه التحديات التي تواجه العالم في هذا المجال. فما هو المنتدى العالمي للمياه؟ وما هي أهميته؟ وكيف كانت مشاركة مصر في المنتدى؟ وكيف يُمكن الاستفادة من التجارب الناجحة التي تم طرحها في المنتدى؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال هذا التقرير..

المنتدى العالمي التاسع للمياه وأهميته:

المنتدى العالمي للمياه هو منتدى عالمي يرتكز على تحديات المياه الرئيسية في إفريقيا والعالم، وهو منتدى محفز للعمل بشأن الالتزامات المتعلقة بالمياه والصرف الصحي، ويتصل بأجندة أهداف التنمية المستدامة، والتزامات اتفاقية سينداي بشأن الأخطار الطبيعية والكوارث، واتفاقية باريس للمناخ، وأجندة إفريقيا 2063. ويركز المنتدى العالمي التاسع للمياه على إعداد متكامل قائم على التبادلات النوعية، والجهات الفاعلة المتعددة حول عدد محدود من الأولويات. ويركز منتدى داكار 2021 على أربع أولويات، هي: تأمين إمدادات المياه والصرف الصحي، وإدارة المياه إدارة جيدة بغية ضمان تحقيق التنمية الريفية، والتعاون، والأدوات والوسائل التي تشمل مسائل التمويل والإدارة بوجه خاص. ويتم تسهيل العملية من خلال مجموعات عمل متخصصة تتمحور حول الأولويات الأربع، وتقود السنغال والمجلس العالمي للمياه مجموعات العمل، وبدعم من الشركاء الاستراتيجيين (الحكومات، والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات الثنائية والمتعددة الأطراف، والمؤسسات المالية والمنظمات غير الحكومية). وإلى جانب عمل المجموعات، من المُقرر عقد قمة لرؤساء الدول والمؤسسات الدولية الرئيسية للنهوض بجدول الأعمال السياسي الدولي في منتصف جدول أعمال عام 2030 فيما يتعلق بتنفيذ أهداف المياه والصرف الصحي وأهداف التنمية المستدامة.[1] هذا وينظم المجلس العالمي للمياه، الذي يتخذ من مارسيليا مقرًا له، المنتدى العالمي للمياه كل ثلاثة أعوام منذ عام 1997، ويُعد المنتدى فعالية دولية أساسية من بين الفعاليات التي تتناول مسائل المياه العذبة. ويجمع المنتدى حكومات ومؤسسات متعددة الأطراف والقطاع الخاص والمجتمع المدني وجميع الأطراف المعنية من أجل التعاون في التصدي للتحديات العالمية التي يواجهها مجال المياه وإحراز تقدم طويل الأمد في هذا الصدد. وتُمثِّل الدورة التاسعة من هذا المنتدى الذي يُنظم قبل عام من المؤتمر الدولي للمياه الذي سيُعقد عام 2023 برعاية الأمم المتحدة، مرحلة أساسية من أجل قطع التزامات سياسية ومالية فعلية في سبيل بلوغ أهداف التنمية المستدامة، ولاسيما الهدف السادس الذي يرمي إلى ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مُستدامة.[2]

ويُعد هذا المؤتمر الأول من نوعه الذي ينظم في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث يسعى المنظمون أن تصدر عنه قرارات قوية لتحسين الوصول إلى المياه والتطهير ومعالجة الندرة وقضايا التغيرات المناخية التي تلقي بتحديات كبيرة على مختلف الدول الإفريقية بالخصوص. ومن هنا أهمية هذا المؤتمر العالمي الذي يعرف مشاركة رؤساء دول وحكومات، ومؤسسات دولية ومنظمات من المجتمع المدني، لبحث سُبل معالجة الاختلالات الراهنة في مجال المياه والوصول إليها، وتعزيز السياسات الوطنية بشأن حصول الجميع على المياه والتطهير. وفي مؤتمر دكار سيتم تنظيم عدد من المعارض الموازية لهذا الاجتماع تتمحور جميعها حول موضوع الماء. واعتبر لويك فوشون، رئيس مجلس المياه العالمي، أن هذا المؤتمر هو “منتدى عالمي ولكنه أيضًا منتدى إفريقي وسنغالي”. وأضاف أن المجلس العالمي للمياه الذي يضم ما يقرب من أربعمائة عضو، ودولة، وبرلمانات وحكومات محلية، وسلطات أحواض، وأيضًا منظمات غير حكومية وشركات وجامعات، وجمعيات علمية ومهنية، أراد أن يُعقد على أرض جنوب الصحراء الكبرى لأن إفريقيا تحتاج أكثر من أي مكان آخر إلى حلول لقضايا المياه.[3]

مصر في المنتدى العالمي التاسع للمياه:

وصل الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، إلى العاصمة السنغالية داكار؛ للمشاركة في المنتدى العالمي التاسع للمياه، نيابةً عن عبد الفتاح السيسي. وصرَّح عبد العاطي بأن المشاركة في هذا المؤتمر المهم تأتي في إطار الشراكة الاستراتيجية بين وزارة الموارد المائية والري والمنتدى العالمي للمياه، والدعم المصري للسنغال في تنظيم المنتدى طبقًا لمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في مجال المياه. وأشار إلى حرص الوزارة على نجاح المنتدى نظرًا لما تُمثِّله مثل هذه اللقاءات الدولية من أهمية كبرى في تحقيق التنسيق والتعاون بين مختلف دول العالم، وتبادل الرؤى والأفكار في مجال المياه، الأمر الذي ينعكس على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه في العديد من دول العالم. وأوضح عبد العاطي أنه من المُقرر تنفيذ أنشطة مشتركة بين مصر والسنغال خلال فعاليات المنتدى مع السعي لأن يعكس المنتدى القضايا الإفريقية وتسليط الضوء على تحديات القارة وإيجاد حلول مستدامة لها، ودراسة تبنِّي مسار مشترك يبدأ من المنتدى العالمي التاسع للمياه ويستمر في مؤتمر المناخ القادم المُزمع عقده في مصر في شهر نوفمبر المقبل (COP27). ويُذكر أن مذكرة التفاهم المُوقعة بين مصر والسنغال في شهر أكتوبر الماضي تهدف إلى تحقيق التعاون بين الجانبين في الإعداد للفعاليات المائية التي يستضيفها الطرفان، مثل: المنتدى العالمي التاسع للمياه، وأسابيع المياه في القاهرة، والتعاون المتبادل من أجل تنفيذ المشروعات تحت مظلة “مبادرة داكار ٢٠٢٢”، وتحفيز التبادل المشترك بين المنظمات العامة ومنظمات القطاع الخاص في قطاع المياه من كلا الدولتين، وتبادل الخبراء والمتدربين في جميع مجالات إدارة الموارد المائية وخصوصًا في المجالات التكنولوجية التي تتعلق بنظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد والتنبؤ بالفيضان.[4]

وأشار وزير الري إلى التحديات الكبيرة التي تشهدها مصر والعديد من دول العالم في سبيل تحقيق خطة التنمية المستدامة 2030، الأمر الذي يتطلب تحقيق المزيد من التنسيق والتعاون بين مختلف الدول في مجال المياه والذي يُعد أحد ركائز التنمية المستدامة، مستعرضًا حجم التحديات التي يواجهها قطاع المياه في مصر وعلى رأسها الزيادة السكانية ومحدودية الموارد المائية والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية. وأوضح عبد العاطي أنه تم خلال المنتدى استعراض خطة العمل الدولية بشأن الدفع نحو وضع خطط وسياسات وطنية بدول العالم، والتأكيد على ضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات الهامة لتحقيق الأهداف المعنية بالمياه طبقًا لأجندة عام 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، مثل ضمان توفير خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، وزيادة معدلات تنفيذ مشروعات محطات مياه الشرب والصرف الصحي بالمناطق الريفية. وبحث المنتدى وضع خطط لتحسين نوعية المياه حفاظًا على الصحة العامة، والعمل على زيادة مرونة منظومات المياه والأراضي للتعامل مع التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، والحفاظ على البيئات المائية، ووضع السياسات والاستراتيجيات لتحقيق التطوير المؤسسي.[5] ويأتي المنتدى في الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة سد النهضة الذي عمدت إثيوبيا إلى بنائه وتشغيله دون النظر لمصالح مصر والسودان المائية.

سد النهضة حاضر في منتدى المياه:

في هذا الإطار؛ شهد المنتدى مشاركة إثيوبية، حيث دعت الرئيسة الإثيوبية سهل ورق زودي، إلى ضرورة التعاون حول المياه بين الدول المشاطئة للمجرى المائي العابر للحدود. وشدَّدت على تجنُّب تسييس قضية المياه التي وصفتها بـ”مسألة فنية”، وقالت “من المهم العمل معًا لحل المشاكل المشتركة”. وقالت الرئيسة الإثيوبية خلال كلمة لها بالمنتدى، إن التعاون الحقيقي حول المياه أمر ضروري بين الدول المشاطئة من أجل مواجهة التحديات. وضمن حديثها، أشارت الرئيسة الإثيوبية، إلى مشروعي سد النهضة ومبادرة الإرث الأخضر التي تنفذهما بلادها منذ عام 2019. وأضافت أن التعاون الحقيقي ليس خيارًا بل ضرورة للدول المشاطئة للمجرى المائي العابر للحدود.[6]

ومن المُلاحظ هنا في حديث الرئيسة الإثيوبية التأكيد على كون نهر النيل هو نهر عابر للحدود وليس نهر دولي، وهو للأسف الأمر الذي سلَّمت به مصر سلفًا في ديباجة وثيقة إعلان المبادئ، والتي غيَّرت تصنيف نهر النيل من نهر دولي، إلى نهر عابر للحدود، وتناقلها الساسة المصريون خلال أحاديثهم في الفترة الأخيرة وعلى رأسهم السيسي. وهذا الوصف يعني أن تفقد مصر كل المزايا التي خصَّ بها القانون الدولي مصطلح النهر الدولي عن النهر العابر للحدود، والتي يُمكن تلخيصها في مجموعة نقاط: أولها؛ أن حوض النهر الدولي يُعتبر وحدة هيدرولوجية واحدة لا يجوز تقسيمها، في حين أن حوض النهر العابر للحدود يُعتبر بحيرة تابعة لدولة المنبع، وهو ما جعل إثيوبيا تعلن بعد الملء الأول أن نهر النيل أصبح بحيرة إثيوبية. وثانيها؛ في حالة النهر الدولي تكون المياه مشتركة، وفي هذه الحالة لا سيادة لدول المصب عليها، سوى على مواردها المائية الداخلية؛ في حين أن الموارد المائية لدولة المنبع في الأنهار العابرة للحدود هي ملكية خالصة لدولة المنبع، وهي صاحبة سيادة مطلقة على مواردها المائية، وهو ما جعل إثيوبيا تكرر أن موضوع مياه نهر النيل هو جزء من سيادتها وأن المياه مياهها. وثالثها؛ يعترف القانون الدولي لدول المصب للـنهر الدولي بالحقوق التاريخية المكتسبة، أي بالاتفاقيات السابقة على العكس من دول المصب للنهر العابر للحدود، الذي لا يتمتع بهذه الميزة، وهو ما يجعل إثيوبيا ترفض الاعتراف بالحقوق المكتسبة لمصر من مياه النيل وفقًا لاتفاقيات سابقة. ورابعها؛ لا يسمح القانون الدولي بإقامة أي سد أو منشأة على طول مجرى النهر الدولي إلا بموافقة دول المصب، ولا يفرض نفس الشرط على مجرى النهر العابر للحدود بل تعتبره من مسائل السيادة لدول مجرى النهر العابر للحدود. وخامسها؛ نصت اتفاقية الأمم المتحدة للمياه لعام 1997 والخاصة بالأنهار الدولية، على ضرورة قيام دولة المنبع الراغبة في إنشاء سد على نهر دولي مشترك بجميع الدراسات البيئية والإنشائية، وأن تُخطر بها في شفافية تامة الدول التي تليها، المحتمل أن تتضرر من إقامة هذا السد أو المُنشأ. وسادسها؛ من الحصانات القانونية الدولية التي يمنحها القانون الدولي للأنهار الدولية، اشتراطه للموافقة على أي تمويل للمشروعات المائية عليها، وألا يؤثِّر المشروع بالضرر، على أي دولة أخري من دول حوض النهر الدولي. وجملة ذلك يعني تلميح الجانب المصري للسد بالحديث عن مشكلات مصر المائية، في مُقابل تصريح إثيوبي يحمل تأكيدًا على سيادتها على نهر النيل، وحقها في بناء مشروعات عليه بغرض التنمية، في مؤشر واضح لإصرار الطرفين على نفس النهج القديم.

جائزة الملك الحسن الثاني:

تُقدم خلال المنتدى نسخة هذا العام من جائزة الملك الحسن الثاني العالمية الكبرى للمياه، وهي الجائزة التي تُمنح للأشخاص أو المؤسسات أو المنظمات التي تقدم إسهامات فعلية ومبتكرة في مجالات تطوير واستخدام الموارد المائية، وقُدمت أول نسخة منها عام 2003، بعد إنشائها عام 2002. وسيحصل الفائز بالنسخة السابعة من هذه الجائزة على مبلغ 500 ألف دولار أمريكي، بدل 100 ألف في النسخ السابقة، وفازت بالنسخة السادسة من الجائزة “منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية”، وقُدِّمت خلال المنتدى الذي أقيم في البرازيل عام 2018. وتُعتبر جائزة الملك الحسن الثاني العالمية الكبرى للمياه، “مبادرة مشتركة بين المملكة المغربية والمجلس العالمي للماء تم إطلاقها تخليدًا لذكرى الملك الحسن الثاني، وتكريمًا لرؤيته الاستراتيجية من أجل حماية وتدبير الموارد المائية بشكل مندمج ومستدام، وكذا للجهود التي بذلها من أجل تعزيز التعاون الدولي في هدا المجال”، وفق القائمين عليها. يذكر أن أول نسخة من المنتدى العالمي للمياه عُقدت في مراكش بالمغرب عام 1997.[7]

ووفقًا لدراسة أجراها معهد المياه والبيئة والصحة (INWEH) بجامعة الأمم المتحدة ونُشرت في افتتاح المنتدى، يعيش ما يقرب من 500 مليون شخص في إفريقيا بدون أمن مائي و 13 فقط من أصل 54 دولة في العالم تتمتع القارة “بمستوى معتدل” من أمن الموارد المائية والنظم الصحية. وبحسب التقرير فإن تعريف الأمم المتحدة للأمن المائي هو: “قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة للحفاظ على سبل العيش ورفاهية الإنسان والتنمية الاجتماعية والاقتصادية”. “ضمان الحماية من تلوث المياه والكوارث المتعلقة بالمياه والحفاظ على النظم البيئية في مناخ يسوده السلام والاستقرار السياسي”. بهذا المعنى وخلال حفل افتتاح المنتدى، تم منح جائزة الحسن الثاني العالمية للمياه الكبرى 2022 لمنظمة تنمية نهر السنغال، OMVS. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 1972، نفذت الدول الأعضاء في OMVS – غينيا ومالي وموريتانيا والسنغال برنامجًا إنمائيًا متعدد القطاعات يعتمد على التحكم والاستغلال الرشيد للموارد المائية في حوض نهر السنغال. وهكذا، تشكل سدود دياما ومانتالي وفيلو والقوينة نظامًا يساهم في الأمن الغذائي من خلال تطوير الزراعة المروية والأنشطة ذات الصلة لإنتاج الطاقة لشركات الكهرباء الوطنية، وتعزيز وصول السكان إلى مياه الشرب. ملاحة نهرية مستدامة على مسافة 900 كيلومتر. حصلت OMVS على هذا التميز الكبير بعد ترشيحها لجائزة نوبل للسلام 2022، حيث تحتفل بالذكرى الخمسين لتأسيسها في 11 مارس 1972.[8]

التعاون الجماعي في حوض نهر السنغال:

وهنا يُمكن الإشارة لتجربة التعاون الجماعي في حوض نهر السنغال؛ علَّها تكون أحد التجارب التي نستطيع الاستفادة منها كتجربة رائدة في التعاون بين الدول المُطلة على الأنهار الدولية المشتركة؛ كالتالي:

دول نهر السنغال الأربع – السنغال وموريتانيا ومالي وغينيا – تقوم بالاستفادة المشتركة والفاعلة من نهر السنغال. وبدأ التعاون الجماعي باللجنة الحكومية المشتركة لاستغلال حوض نهر السنغال عام 1963، ثم منظمة الدول المطلة على السنغال عام 1968، ثم منظمة تنمية نهر السنغال OMVS عام 1982 والتي جمعت مالي وموريتانيا والسنغال، وكانت البنود التي وقَّعت عليها الدول الثلاث هي: حرية الملاحة في نهر السنغال، والتأكيد على حقوق الملاحة لكافة الأطراف، والتأكيد على حقوق الاستخدامات للجميع، وحرية استخدام جميع طرق النقل لتسهيل عمل الملاحة في النهر، وتنظيم عمل الملاحة بين البلدين والالتزام بالقواعد المتبعة في الإقليم، والاستغلال الزراعي والصناعي، وضرورة تبادل المعلومات حول نظام النهر والملاحة والاستخدامات الزراعية والصناعية وبالإضافة إلى مستويات وكميات المياه في النهر.[9]

وسعت الدول من خلال تلك المنظمة إلى إقامة العديد من السدود والمنشآت المائية بهدف تطوير حوض نهر السنغال وخدمة جميع دوله، فمثلًا قامت المنظمة ببناء وإدارة سدين ضخمين على النهر هما سد دياما (Diama) عام 1986 في السنغال، وسد ماننتالي (Manantali) في مالي عى رافد البافينج (Bafing) عام 1988. ويقوم السدان بتوليد الكهرباء ووقف الفيضانات وحجز المياه للري والشرب لفائدة الدول الأربع، باتفاق وإدارة المنظمة التي تتمتّع بالاستقلال المالي والإداري كهيئة قانونية مستقلة من هذه الدول. وظل هذا العمل الجماعي التعاوني حول السدود والمياه المشتركة مصدر إشادة وإعجاب من كل دول العالم والمنظمات الدولية. وقد برز تناسق هذا العمل الجماعي حول نهر السنغال مع اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية. والتي دخلت حيز النفاذ في 17 أغسطس 2014، بعد أن صادقت عليها 35 دولةً. ونشأت الاتفاقية على مبدأ التعاون بين الدول المُتشاطئة للمجرى المائي المشترك، وأكّدت أن القانون الدولي للمجاري المائية هو قانون التعاون. وتؤكد المادة الثامنة أن التعاون بين دول المجرى المائي يتم على أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة وحسن النية؛ من أجل تحقيق الانتفاع الأمثل من المجرى وتوفير الحماية الكافية له. ونشأت الاتفاقية أيضًا على مبدأ “الانتفاع والمشاركة المنصفين والمعقولين”. وتُقرِّر المادة الخامسة حق كلٍ من دول المجرى المائي في أن تنتفع، كل في إقليمها، بالمجرى المائي الدولي بطريقةٍ منصفةٍ ومعقولة. ولكن هذه المادة تلزم هذه الدول أيضًا بأن تستخدم المجرى وتُنمِّيه بغية الانتفاع به بصورة مثلى ومستدامة والحصول على فوائد منه، مع مراعاة مصالح دول المجرى المائي المعنية، وعلى نحوٍ يتفق مع توفير الحماية الكافية للمجرى المائي. وعليه فإن الاتفاقية تعطي كل دولة من دول المجرى حقوقها في ذلك المجرى، لكنها تفرض عليها واجباتٍ تجاه دول المجرى الأخرى، وتجاه المجرى المشترك نفسه. وتتناول المواد من 10 إلى 19 من الاتفاقية التدابير المُزمع اتخاذها بواسطة إحدى دول المجرى على المجرى المشترك، وضرورة إخطار بقية دول الحوض بالتدابير المزمع اتخاذها والتي يمكن أن يكون لها أثرٌ ضار على أي منها أو على الحوض نفسه. وتتناول المادة 33 تفاصيل تتعلق بتسوية المنازعات وتشمل التفاوض بناءً على طلب أحد الأطراف، كما تشمل طلب المساعي الحميدة أو الوساطة أو التوفيق من طرفٍ ثالث، أو أن تستخدم هذه الأطراف، حسب الاقتضاء، أي مؤسساتٍ للمجرى المائي المشترك تكون الأطراف قد أنشأتها، أو أن تتفق الأطراف على عرض النزاع على التحكيم أو على محكمة العدل الدولية.[10]

هذا وقد سعت دول حوض نهر السنغال كذلك إلى الحفاظ على معدلات الإنتاج الغذائي وزيادتها من خلال الاستفادة من المنشآت المائية والسدود على ضفاف وروافد نهر السنغال في تطوير المساحات المرورية، حيث تهدف المشروعات لري مساحات قدرها 375 ألف هكتار منها 240 ألف هكتار في السنغال، و129 ألف هكتار في موريتانيا، و9 آلاف هكتار في مالي.[11]

الخُلاصة؛ تُعد الدورة التاسعة من المنتدى العالمي للمياه، التي تحتضنها دكار في الفترة من 21 إلى 26 مارس الجاري، بمشاركة رؤساء دول وحكومات ومؤسسات دولية، محطة بارزة للنقاش والتبادلات بشأن مختلف القضايا المتعلقة بالمياه، إحدى الانشغالات العالمية الراهنة لاسيما في القارة الإفريقية التي تعاني الجفاف والتصحر. وقد كان الحضور المصري والإثيوبي في المنتدى نموذج مُصغَّر للحوار بين الدولتين في إطار مفاوضات سد النهضة؛ حيث تسعى كل دولة لإثبات وجهة نظرها وحقها في مياه النيل. وقد بدا خلال المنتدى أيضًا ميلاً واضحًا للموقف الإثيوبي؛ حيث أكد المشاركون في المنتدى على ثلاث خطوات رئيسية لحل المشكلات المشتركة، وهي الإرادة السياسية، وأن المياه قضية فنية ولا ينبغي إعطاؤها صورة سياسية، بجانب ضرورة التعاون المشترك، في تأكيد على ما تناولته الرئيسة الإثيوبية للتلميح بحقها في إدارة مياه النيل وإقامة سد النهضة. إلا أن المنتدى أيضًا قدَّم تجربة رائدة في إدارة الأنهار الدولية المشتركة، وهي تجربة التعاون في حوض نهر السنغال، والتي استحقت جائزة الملك الحسن الثاني.

[1] “An Innovative Approach”, 9th World Water Forum, 21/3/2022. At: https://cutt.us/O1RIk

[2] “المنتدى العالمي للمياه في داكار من أجل مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين في مجال المياه والصرف الصحي (من 21 إلى 26 آذار/مارس 2022)”، الدبلوماسية الفرنسية، 21/3/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/FLlBB

[3] “المنتدى العالمي للمياه بدكار.. مناسبة لمناقشة القضايا المتعلقة بالمياه”، Maroc 24، 19/3/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/3fEMh

[4] محمد علاء، “نيابة عن السيسي.. وزير الري يصل إلى داكار للمشاركة في المنتدى العالمي للمياه”، الشروق، 20/3/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/j0Vyv

[5] متولي سالم، “وزير الري لـ«المنتدى العالمي للمياه»: الدولة تهدف لتحسين نوعية المياه ومواجهة مخاطر التغيرات المناخية”، المصري اليوم، 22/3/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/Yr6gp

[6] “منتدى “المياه العالمي” بالسنغال.. دعوات للتعاون وتجنب “تسييس القضية””، العين الإخبارية، 23/3/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/nJkCC

[7] “انطلاق أعمال المنتدى العالمي للمياه بالعاصمة السنغالية داكار”، قراءات إفريقية، 21/3/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/C98Qh

[8] “تستضيف السنغال المنتدى العالمي التاسع للمياه”، الأسواق الإفريقية، 22/3/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/EBNuJ

[9] أحمد يوسف أحمد، سيدي محمد محمود، “المسألة المائية في موريتانيا”، ندوة المشكلات المائية في الوطن العربي، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، أكتوبر 1994)، ص. 195.

[10] د. سلمان محمد سلمان، “السدود العربية والمياه المشتركة وتحديات سد النهضة الإثيوبي”، مجلة التقدم العلمي، (أكتوبر 2014)، ع87، ص. 4.

[11] صاحب الربيعي، الأنهار الدولية في الوطن العربي، (سوريا: دار الكلمة للنشر والطباعة والتوزيع، ط1، 2002)، ص.102.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022