‫الرئيسية‬ العالم العربي مصر الهجوم المسلح على كمين الطاسة بغرب سيناء.. اختراق أم تآمر؟
مصر - مايو 19, 2022

الهجوم المسلح على كمين الطاسة بغرب سيناء.. اختراق أم تآمر؟

الهجوم المسلح على كمين الطاسة بغرب سيناء.. اختراق أم تآمر؟

 

خلال أسبوع واحد (من 7 إلى 15 مايو 2022) تعرضت وحدات وعناصر الجيش المصري في سيناء لهجومين مسلحين؛ الأول شنه مسلحو تنظيم “ولاية سيناء” مساء السبت 07 مايو 2022م  على كمين  “الطاسة” غرب سيناء، وهو الهجوم الذي أسفر عن استشهاد ضابط برتبة ملازم،  وصف ضابط بدرجة عريف، وتسعة مجندين ثم ارتفع العدد لاحقا إلى 17 ضابطا ومجندا. أما الهجوم الثاني، فشنه مسلحو التنظيم الأربعاء 11 مايو 2022م، وهو العدوان الذي أسفر عن استشهاد 6 من عناصر الجيش بينهم ضابط برتبة نقيب. في ذات التوقيت  شن مسلحو التنظيم هجمات مماثلة طالت العناصر القبلية المسلحة المساندة للجيش  حيث قتل 6 عناصر وأصيب آخرون.[[1]]  بهذه الأرقام يكون قتل من الجيش خلال هذا الأسبوع ضابطان و21 مجندا بخلاف مقتل 6 آخرين من العناصر القبلية المسلحة المساندة للجيش؛ لذلك يعتبر كثير من الخبراء والمحللين أن هذا الأسبوع كان داميا للغاية، ولم يشهد الجيش مثيلاً له منذ أعوام، وليس فقط منذ أشهر، وتحديدا منذ العملية العسكرية الشاملة في المحافظة التي بدأت في فبراير/ شباط 2018، وأدت إلى تراجع ملحوظ في الهجمات الدموية للتنظيم؛ حيث انخفض معدل هجمات “ولاية سيناء” من 350 عملية سنوياً، إلى 50 فقط.

تعليقا على هجوم كمين الطاسة، قال المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، عقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ غريب، إنه جرى إحباط هجوم إرهابي على إحدى محطات رفع المياه في منطقة شرق قناة السويس. وأضاف: “قامت مجموعة من العناصر التكفيرية بالهجوم على نقطة رفع مياه شرق القناة، وتم الاشتباك والتصدى لها من العناصر المكلفة بالعمل فى النقطة، مما أسفر عن استشهاد ضابط و10 جنود، وإصابة 5 أفراد”. وأوضح أنه يجري “مطاردة العناصر الإرهابية ومحاصرتهم فى إحدى المناطق المنعزلة فى سيناء”.

هذا التصريح يتضمن شيئا من التناقض؛ إذا كيف تم إحباط الهجوم وفي ذات الوقت قتل ضابط وعشرة جنود؟ فكيف إذا لم يتم إحباطه هل كان يمكن أن يؤدي إلى وفاة المئات مثلا؟!  معنى ذلك أن المتحدث باسم الجيش يتلاعب بالألفاظ ويستخدمها في غير موضعها الصحيح؛ لأن كلمة “إحباط” هي إفساد الهجوم والقدرة على حماية عناصر الجيش والتمكن من القبض على العناصر المسلحة دون خسائر أو بأقل الخسائر هذا هو معنى الإحباط المتعارف عليه؛ لكن ما جرى لا يمكن وصفه إلا بكلمة “مذبحة”.

الأمر الثاني، أن هذه العناصر تمكنت من تنفيذ عدوانها ثم العودة إلى الاختباء في الأحراش الجبلية دون أن يصاب فرد واحد منها بأذى؛ الأمر الذي يحمل  كثيرا من الدلالات أبرزها ضعف تدريب ضباط وعناصر الجيش وعدم تأهيلهم لمواجهة مثل هذه النوعية من الهجمات المسلحة الخاطفة. كما يبرهن على ضعف القدرات التسليحية وعدم ملائمة الأسلحة الموجودة حاليا مع عناصر الجيش لنوعية حروب العصابات. كما يبرهن هذا الهجوم على الأداء الهش للمخابرات الحربية وفوضوية الإدارة بداخلها لاعتمادها على عناصر غير محترفة وغير كفؤة.

الأمر الثالث، أن الهجوم تم  إحدى محطات رفع المياه في منطقة شرق قناة السويس (غرب سيناء)، ولم يتم على إحدى الوحدات العسكرية؛ معنى ذلك أن التنظيم وسع من أهداف عملياته لتضم الأهداف المدنية التابعة للجيش ضمن مشروعاته الاقتصادية الضخمة الممتدة في ربوع البلاد، كما وسع من رقعة المواجهة لتمتد إلى مواقع غرب سيناء بالقرب من قناة السويس؛ الأمر الذي يمثل تهديدا مباشرا لأحد أهم ممرات الملاحة الدولية في العالم؛ وعلى الفور رفعت قوات الجيش والشرطة حالة التأهب في سيناء، لتأمين وحماية المنشآت الهامة، خاصة وأن الهجوم استهدف محطة لرفع المياه، وليس منشأة عسكرية أو نقاطا للجيش والشرطة كما جرت العادة، بحسب وسائل إعلام محلية.

الأمر الرابع، أن الهجوم يمثل برهانا جديدا على عجز النظام على حماية الأمن القومي، وعدم قدرته على حسم صراغ صغير مع مجموعة مسلحة لا تتجاوز المئات على أقصى تقدير؛ ففي أعقاب الهجوم على كمين الطاسة (السبت 07 مايو)، بساعات ترأس الجنرال عبدالفتاح السيسي ــ صباح الأحد ــ  اجتماعا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ناقش خلاله تداعيات الحادث وسبل مواجهات هجمات التنظيم وملاحقة عناصره وانتهى الاجتماع إلى توجيه عناصر إنفاذ القانون باستكمال تطهير بعض المناطق في شمال سيناء من العناصر الإرهابية والتكفيرية، وكذلك الاستمرار في تنفيذ كافة الإجراءات الأمنية التي تسهم في القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله”.[[2]] ورغم ذلك فقد تبنى تنظميم “داعش” الهجوم[[3]] متوعدا بمزيد من الهجمات ردا على اعتقال الجيش لعدد من زوجات نشطاء التنظيم في رفح والشيخ زويد؛ وبعد يومين فقط من اجتماع السيسي بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة  وقع الهجوم الثاني وأسفر عن استشهاد 6 من عناصر الجيش.

الأمر الخامس، هو مغزى توقيت الهجوم، الذي يأتي في سياق تتحدث فيه الآلة الإعلامية للنظام عن فرض الأمن والاستقرار على كل سيناء من خلال سيطرة الجيش الميدانية على مناطق واسعة كانت تمثل معاقل لتنظيم “ولاية سيناء” طيلة سنوات الحرب بين الطرفين. كما جاء الهجوم بعد ساعات قليلة من زيارة قائد قوات تأمين شمال سيناء، اللواء محمد ربيع، إلى مدينتي الشيخ زويد ورفح، للاطلاع عن كثب على الإنجازات التي حققها الجيش و”اتحاد قبائل سيناء”، والتقاطه الصور التذكارية في المكان. وعلى الرغم من بُعد المسافة الجغرافية بين مكان الهجوم والزيارة، إلا أنها لم تكن لتحدث لولا التقارير الأمنية والاستخباراتية المطمئنة حول تراجع قدرة تنظيم “ولاية سيناء” على تنفيذ هجمات ضد قوات الأمن. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهجوم استهدف نقطة حراسة سرية لمرفق مياه ذي طابع استراتيجي، فالكمين الذي تمت مهاجمته مكلف بحراسة محطة رفع مياه تضخ في اتجاه مدينة رفح الجديدة. وهذا يشير إلى أن التنظيم استطاع الوصول إلى معلومة استخبارية عن أهمية المشروع من ناحية، ومن ناحية أخرى استطاع القضاء على قوة عسكرية قوامها 17 عسكرياً، من قوة الكتيبة 505 مهام سرية، بينما تمكّن مسلحو التنظيم من الانسحاب والاختباء دون خسائر تذكر.[[4]]

تفسير متعدد الأبعاد

الكمين الذي استهدف من جانب عناصر التنظيم مكلف بحماية مرفق يعتبر من ضمن مشاريع القوات المسلحة، وتتكفل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإنشائه وتشغيله وحمايته، أنشئ خصيصا لخدمة مشاريع الجيش داخل سيناء، ولا علم للجهات الحكومية المدنية به ولا بطبيعة أنشطة الجيش التي يفرض عليها الجنرالات سياجا حديديا من السرية والكتمان لا سيما في مشروعات المياه والكهرباء. وفي ظل هذه  السرية المفروضة على المشروع كان مفاجئا استهداف الكمين والمرفق الذي يؤمنه؛ وبالتالي لا يمكن نجاح الهجوم على النحو الذي جرى حيث تم القضاء على كامل القوات الــ(17) ثم إلحاق أضرار بالغة بالمشروع نفسه  وعودة المسلحين دون خسائر تذكر إلا إذا كان التنظيم على علم مسبق بأهمية المشروع ومعرفة كاملة بتفاصيل تأمينه وعدد القوات. وهذا لا يحدث إلا بأحد الاحتمالات الآتية:

 الاحتمال الأول، أن التنظيم يملك  جهاز مخابرات عالي المستوى تمكن من اختراق سياج السرية المفروضة من جانب الجيش ورصد جميع التحركات واختار التوقيت المناسب للهجوم لتحقيق أعلى قدر من النجاح دون خسائر تذكر. وهو احتمال يفترض أن للتنظيم (لا يبلغ عدد مقاتليه سوى بضع مئات) قدرات ذاتية عالية المستوى تمكنه من الصمود كل هذه السنوات رغم قلة عدده وعتاده أمام الجيش المصنف العاشر عالميا بخلاف القدرات العالية لأجهزة المخابرات والأمن الوطني والدعم من جانب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وهو احتمال يفترض كذلك أن التنظيم تمكن فعلا من اختراق صفوف المؤسسة العسكرية وهناك ضباط وضباط صف وجنود قد يكونون على تواصل مع التنظيم وتقديم معلومات دقيقة له بهذا الشأن، لا سيما وأن السنوات الماضية شهدت انشقاق عدد من ضباط الجيش ودخولهم في مواجهات مسلحة مع النظام كضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي الذي تناول الجزء الأول من مسلسل “الاختيار” حياته وفقا لرواية السلطة. ولا شك أن  تجربة عشماوي برهنت على أن البقاء داخل السلطة وشن الحرب عليها من داخل النظام نفسه قد تكون أكثر تأثيرا وزعزعة لاستقرار هذا النظام العسكري. وقد يكون وراء التجسس على وحدات الجيش ومشروعاته نفر من مليشيات القبائل المساندة للجيش اندسوا في صفوف هذه المليشيات وهم بالأساس موالون للتنظيم أو حانفون على النظام من أجل الثأر لقتلاهم أو الخسائر التي لحقت بهم خلال  هذه الحرب العبثية.

الاحتمال الثاني، أن أجهزة النظام نفسه هي من تقف وراء تسريب هذه المعلومات الدقيقة لتنظيم ولاية سيناء، بل والحرص على بقاء هذا التنظيم كمصدر تهديد مستمر، والتضحية بهذا العدد من الضباط والجنود لتحقيق عدة أهداف سياسية؛ أولها، بقاء جذوة “الحرب على الإرهاب” مشتعلة على الدوام لتوظيفها من أجل تحقيق عدة أهداف سياسية وأمنية وإقليمية أبرزها:

  • أولا، التغطية على استمرار سياسات القمع والبطش الأمني وتأميم الفضاء السياسي والإعلامي وتشديد قبضة السلطة على المجتمع بدعوى الحرب على الإرهاب وبالتالي تعزيز موقف النظام نحو وضع سقف محدد ومنخفض للحوار السياسي المرتقب الذي دعا له السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية (الثلاثاء 26 إبريل 2022).
  • الثاني، قد تكون هذه الأجنحة داخل النظام التي سهلت للتنظيم تنفيذ هذه الضربة كانت تستهدف دفع النظام نحو تنفيذ الإعدام بحق 12 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين تم الحكم عليهم بالإعدام حكما نهائيا غير قابل للطعن لا سيما وأن الهجوم تزامن حملة الشيطنة المسمومة ضد الجماعة من خلال بث الجزء الثالث من مسلسل “الاختيار” ما صاحبه من حملة بروباجندا رفعت من وتيرة الهجوم على الجماعة.
  • الثالث، دفع الحكومات الغربية ومؤسسات التمويل الدولية نحو دعم النظام بالمزيد من القروض والمساعدات في ظل التدهور الحاد في الوضع المالي والاقتصادي ، على اعتبار أنه يمثل رأس حربة في إطار الحرب على الإرهاب.
  • الرابع، هو طمأنة الحليف الأمريكي بشأن تحولات العقيدة القتالية للجيش المصري من اعتبار إسرائيل هي العدو الأساس إلى تبني عقيدة الحرب على الإرهاب بما يتطابق تماما مع السياسات والتوجهات الأمريكية التي تجلت بوضوح في تغيير تدريبات مناوات النجم الساطع بين البلدين.
  • الخامس هو التغطية على التنسيق الأمني المكثف بين القاهرة وتل أبيب بشأن تحجيم حركات المقاومة والحيلولة دون تعاظم قوتها حتى تذعن للمخططات الأمريكية الإسرائيلية بشأن إعادة هندسة المنطقة بما يتلاءم مع مصالح القوى الكبرى وإسرائيل.

الاحتمال الثالث، أن الكيان الصهيوني نفسه (إسرائيل) هو من يقف وراء الجريمة؛ لأن من مصلحة إسرائيل أن  تبقى الحرب على الإرهاب في سيناء مستعرة على الدوام؛ لتحقيق عدة أهداف:

  • الأول، أن تلك الحرب المفتعلة تمثل غطاء ضروريا للتواجد الإسرائيلي في سيناء التي باتت مستباحة للطيران الإسرائيلي الذي يشارك بالفعل إلى جانب السيسي في قصف مناطق بسيناء بدعوى ملاحقة الإرهابيين والعناصر المسلحة، وهو ما أكدته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير لها نشرته في فبراير 2018م، نقلا عن مسئولين أمريكيين بأن الطيران الإسرائيلي شن أكثر من مائة ضربة جوية على سيناء بموافقة من السيسي.[[5]] وهو الأمر الذي التزمت القاهرة وتل أبيب حياله الصمت. وفي يناير 2019م اعترف السيسي بذلك في لقائه مع برنامج “60 دقيقة” على  قناة “سي بي إس” الأمريكية، مقرا بأن الجيش المصري يعمل مع إسرائيل ضد الإرهابيين في شمال سيناء، وأن العلاقات حاليا هي الأكثر متانة منذ بدئها بين البلدين.[[6]] ومن خلال هذا التواجد العسكري والأمني والمخابرات وحتى عبر بوابة السياحة والاستثمار تفرض حكومة الاحتلال هيمنتها المطلقة على سيناء حتى تبقي  منطقة عازلة تهيمن عليها مصر صوريا وتهمين عليها إسرائيل فعليا.
  • الثاني، كما تمثل الحرب على الإرهاب غطاء ضروريا للهدف الحقيقي لحكومة الاحتلال من استباحة سيناء أرضها وسمائها ومياهها بمئات الضربات الجوية وعمليات التجسس التي لم تتوقف يوما؛ فالأمرلا علاقة له بالإرهاب وتنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم داعش، بل بملاحقة شبكات تهريب السلاح لحركات المقاومة في قطاع غزة لا سيما حماس والجهاد. وقد كشف ذلك تقرير نشره موقع “وللا” العبري يوم 6 يناير 2019م، مؤكدا أن إسرائيل استغلت سماح نظام السيسي لها بالعمل في سيناء، وعملت بشكل مكثف على إحباط إرساليات السلاح التي تهرّب عبر الصحراء إلى “كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لـ”حماس”. التقرير الذي أعده المعلق العسكري للموقع أمير بوحبوط، يؤكد أن الإعلانات التي تصدر عن القاهرة، والتسريبات التي صدرت في إسرائيل عن استهداف تنظيم “ولاية سيناء”، كانت مجرد “حجة” للتغطية على الهدف الحقيقي من العمل العسكري الإسرائيلي في سيناء، والهادف إلى إحباط وصول إرساليات السلاح إلى “حماس” في غزة. ويكشف أن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غادي إيزنكوت، هو الذي أعد مخطط إحباط عمليات تهريب السلاح إلى “حماس” في سيناء، والذي اعتمد بشكل أساس على شنّ غارات مكثفة ضد إرساليات السلاح لحركة المقاومة الفلسطينية. وأن ذلك تسبب في تدمير نحو 15 ألف صاروخ كانت متجهة إلى مخازن كتائب القسام.[[7]]
  • الثالث، هو التمهيد لإخلاء سيناء وإعدادها لتكون جزءا من الحل البديل الذي تم الاتفاق عليه بين واشنطن وتل أبيب وعواصم عربية، وما كان الانقلاب على مرسي ثم عمليات التهجير والتدمير الممنهج لسيناء، ثم التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” إلا شروعا في تنفيذ هذه المخططات على الأرض؛ وبالتالي فإن هذه الهجمات الإرهابية ما هي إلا صدى من أصداء «صفقة القرن» الأمريكية والتي تقف وراءها «إسرائيل» متسترة بلافتة تنظيم “ولاية سيناء”، وأنها  تأتي في إطار مخططات «الوطن البديل»  حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن ما يجري في سيناء عموما منذ اتفاق كامب ديفيد مع هو إلا تمهيد لتوطين الفلسطينيين في غزة وشمال سيناء مع ضم المناطق ذات الكثافة السكانية في الضفة الغربية المحتلة للأردن لتبقى القدس وغور الأردن ومناطق المستوطنات تابعة للكيان الصهيوني؛ في إطار التصورات النهائية لتصفية  القضية الفلسطينية. ويبرهن أصحاب هذا الرأي على صحة تفسيرهم بأن المشروعات التي تضمنتها “صفقة القرن” الخاصة بغزة ستقام في سيناء وليس غزة، وهو ربط ليس عشوائيا بقدر ما يمهد لعلاقة أبدية بين غزة وسيناء وفق  مخططات “الوطن البديل” خصوصا وأن الذين صاغوا الصفقة والمتواطئين معهم يدركون حجم الرفض الشعبي الواسع في مصر وحتى في فلسطين لأي تصورات حول توطين الفلسطينيين في غير فلسطين وحق العودة إلى بيوتهم التي أخرجوا منهم بغير حق. والبرهان على ذلك أن حملات الجيش المستمرة منذ سنوات على سيناء لم تسفر عن شيء سوى تدمير سيناء وتهجير أهلها، حتى صار معظم أعداء للدولة المصرية؛ ولو عرض عليهم اليوم استفتاء من أجل الانفصال عن مصر لقبلوا به على الفور للتخلص من الظلم والإجرام الذي يتعرضون له كل يوم. يبرهن على التورط الإسرائيلي أيضا أنه إلى جانب سلاح الجو الإسرائيلي الذي يعمل بشكل مكثف داخل سيناء، فإن كل مكونات المجمع الاستخباري الإسرائيلي تعمل هناك، وهي جهاز الاستخبارات الداخلية “الشاباك”، الذي دشن لواء خاصاً لجمع المعلومات من مصادر بشرية هناك، وجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، الذي كشف النقاب في يناير 2019، أنه خصص المزيد من الموارد لجمع المعلومات في سيناء، إلى جانب وحدة التجسس الإلكتروني المعروفة بـ”وحدة 8200″، المسؤولة عن التنصت والتصوير وغيرها من مهام.

خلاصة الأمر أن ما يجري في سيناء ليس صراعا حقيقيا مع تنظيم “إرهابي” لكنه صراع مفتعل يقف وراءه تحالف (إسرائيل ـ مصر ــ  تحديدا رأس السلطة والأجهزة في مصر) هم من صنعوا تنظيم “ولاية سيناء” وهم من يضخمون فيه،  وهم من يبثون الروح فيه حتى يستمر ويبقى مصدر تهديد متواصل؛ من أجل تحقيق المخططات المرسومة بعناية من أجل إعادة تصميم خريطة المنطقة بما يضمن حماية إسرائيل وتفوقها واستمرارها ، وحتى تبقى هذه الحرب القذرة غطاء على عمليات التجسس والملاحقة التي تقوم بها إسرائيل في سيناء بهدف ملاحقة شبكات تهريب السلاح للمقاومة من جهة، وتمهيد الأرض وفق مقترحات  “الوطن البديل”،  بربط غزة بسيناء من جهة أخرى؛ ولذلك من العجيب حقا أن السسي يصر على إنشاء مشروعات بنية تحتية وميناء ومطار ومحطات كهرباء ومياه رغم أنه يهجر الأهالي ويتعنت معهم إلى أقصى حد؛ فهل من العقل أو الحكمة إقامة مشروعات استثمارية في منطقة ملتهبة من أكثر مناطق العالم تهديدا وإرهابا؟! إذا هناك أهداف خفية يراد تحقيقها على المدى الطويل،  والحرب على الإرهاب ما هي إلا صدى وغطاء لهذه المؤامرات التي تستهدف حصار حركات المقاومة وإجبارها مستقبلا على الإذعان للاحتلال وكفلائه في واشنطن والعواصم العربية. وأي حديث عن فشل الجيش المصري أمام حفنة مئات من المسلحين هو من قبيل السطحية التي نرددها دون وعي بعمق الأمور وجوهرها. فما يجري هو إفشال متعمد لأن القيادات العليا في الجيش والدولة متآمرة، بينما القيادات الوسطي والدنيا لا تعرف عن هذه المخططات والمؤامرات القائمة شيئا؛ هي فقط تتلقى الأوامر وتنفذها دون نقاش رغم عبثية المشهد برمته، بينما يمارس الإعلام هوايته في التطبيل والرقص انصياعا لأوامر السلطة وتوجهاتها.

 

 

[1] الجيش المصري يعلن مقتل 11 عسكريا وإحباط “هجوم إرهابي” على محطة مياه شرقي قناة السويس/ بي بي سي عربي ــ 7 مايو/ أيار 2022// مقتل وإصابة 15 عسكرياً مصرياً بهجوم لـ”داعش” في سيناء/ العربي الجديد ــ السبت 07 مايو 2022// مقتل 3 عناصر من المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في سيناء/ العربي الجديد ــ 13 مايو 2022// مقتل 6 عسكريين مصريين بينهم ضابط بهجوم لـ”داعش” في سيناء/ العربي الجديد ــ 11 مايو 2022

[2] طبقا للقانون رقم 20 لسنة 2014 في شأن إنشاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يختص المجلس بدراسة كافة المسائل المتعلقة بالقوات المسلحة وإعدادها للحرب، كما يقوم بدراسة وإعداد التوصيات الخاصة بشؤون الدفاع عن الدولة. ويتكون المجلس من قادة القوات المسلحة المصرية، يرأسهم القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ونائب رئيس المجلس هو رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق أسامة عسكر، ويضم في عضويته قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.

[3] “داعش” يتبنى هجوم سيناء وسط إدانات دولية وعربية/ وكالة الأناضول ــ 09 مايو 2022م

[4] محمود خليل/ هجوم شرقي قناة السويس: محاولة للتشويش على نجاحات الجيش المصري/ العربي الجديد ــ الإثنين 09 مايو 2022

[5] “نيويورك تايمز” تؤكد انفراد “العربي الجديد”: إسرائيل نفذت ضربات جوية في سيناء/ العربي الجديد ــ 03 فبراير 2018

[6] السيسي: علاقتنا مع إسرائيل قوية ونحارب الإرهاب معا/ الجزير ة نت ــ 13 يناير 2019م

[7] صالح النعامي/ موقع إسرائيلي: التعاون العسكري مع مصر في سيناء يستهدف “حماس” وليس “داعش”/ العربي الجديد ــ 07 يناير 2019

[8] عدنان أبو عامر/ تقدير إسرائيلي: السيسي فشل بتنمية سيناء ووقف الهجمات المسلحة/ “عربي 21” ــ السبت 02 مايو 2020

[9] 15 عاماً من الحرب.. موقع أمريكي يرصد 4 أخطاء جعلت إرهاب داعش يتفاقم في سيناء؟/ عربي بوست ــ 06 سبتمبر 2020م

[10] «قبائل الصحوة».. The Washington Post: الجيش المصري سلَّح بدو سيناء لمحاربة داعش/ عربي بوست ــ 27 سبتمبر 2018م

[11] “رايتس ووتش”: الجيش المصري هدم 12350 مبنى في سيناء خلال سنوات وطرد سكانها تعسفياً/ عربي بوست ــ 17  مارس 2021م

[12] “جيشهم غير كفء لدرجة كارثية”.. صحيفة بريطانية: أمريكا تعتزم خفض جنودها بسيناء بعد انتقادها القوات المصرية/ عربي بوست ــ 08 مايو  2020

‫شاهد أيضًا‬

منافسة محتملة بين جمال والسيسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة 2024

في اطار الأوضاع المأزومة بمصر، على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، جاء التسريب المقتضب …