السياسة الخارجية المصرية فى الفترة من 30 إبريل إلى 15 مايو 2022

 

أولًا: القضية الفلسطينية:

شهدت الأيام الأخيرة تصاعد في حدة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فبعد سلسلة من العمليات الفردية التي قام بها فلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي (عملية بئر السبع، الخضيرة، بني براك، ديزنغوف، سلفيت)، وهي العمليات التي أسفرت عن مقتل حوالي خمسة عشر إسرائيليًا. وقد ارتبطت تلك العمليات بالقيود التي فرضتها إسرائيل على تحركات الفلسطينيين قبيل شهر رمضان، وتشجيع المستوطنين على اقتحام المسجد الأقصى في رمضان، وتوعدهم بذبح القرابين داخل المسجد. ولتأتي الذكرى الرابعة والسبعون لإعلان الدولة الإسرائيلية في الخامس من مايو الحالي، وفقاً للتقويم العبري، والذكري الأولي لمعركة سيف القدس في العاشر من مايو، لتشهد وقوع عملية فردية جديدة في مدينة “إلعاد” الواقعة شرق تل أبيب في 5 مايو 2022.

وقد تسببت عملية “إلعاد”[1] على وجه الخصوص، بتصاعد حدة الصراع بين حكومة نفتالي بينت وبين حركة حماس بقيادة يحيي السنوار، في ظل مطالبة نواب بالكنيست، مثل عضو الكنيست الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير[2]، بضرورة استهداف قادة حماس خاصة يحيي السنوار، حيث ربطت حكومة بينت بين تلك العملية وبين دعوة السنوار خلال احتفالات يوم القدس العالمي، الذي يتم الاحتفال به في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، الموافق 29 أبريل الماضي، وقبل أيام من العملية، إلى مواصلة الهجمات على الإسرائيليين بكافة الوسائل ومن بينها “الساطور… والبلطة والسكين”، وهي الأدوات التي استخدمت في العملية الأخيرة. ومع ما يمثله إمكانية استهداف قادة الفصائل من خطوط حمراء للفصائل بشكل عام، فإن وقوع عملية اغتيال للسنوار فإنها ستقود بلا شك إلى تصعيد مفتوح يصعب تصور نطاق تطوره.[3]

وحتى مع استبعاد اقدام إسرائيل على استهداف قادة الفصائل، إلا أنها قد لجأت إلى عدة سياسات تنذر بتصعيد الأمور بشكل خطير، حيث قامت حكومة تل أبيب بفرض عقوبات إنسانية على سكان غزة، ومنع العمال من مغادرة القطاع إلى أراضيها، وكذلك أغلقت معبر إيريز الحدودي لفترة غير محددة، فيما تفرض قيوداً على معبرها كرم أبو سالم التجاري مع القطاع. فيما أكدت حركة حماس علي أنها ستحرق مدن المركز الإسرائيلي وتنوي توجيه ضربات كبيرة من الصواريخ تفوق تصور تل أبيب، وأنها جاهزة لعودة العمليات التفجيرية، وكذلك لم تتوقف قياداتها عن تحفيز الشباب في الضفة الغربية على تنفيذ عمليات ضد المستوطنين.

وفي هذا السياق التصعيدي بين حكومة بينت وحركات المقاومة، تجري القاهرة اتصالات مكثفة مع قيادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، ومن جهة أخرى مع المسؤولين السياسيين والأمنيين في تل أبيب من أجل تحييد غزة عن الأحداث الدائرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية[4]. ويأتي التدخل المصري لتهدئة الأمور بين الجانبين لمجموعة من الأسباب منها:

– تخشي مصر من إمكانية أن يتسبب هذا التصعيد في إفشال الجهود المصرية لمكافحة الإرهاب في سيناء. فعقب استخدام “كتائب عز الدين القسام”، الذراع العسكرية لحركة “حماس”، صواريخ “ستريلا-2” روسية الصنع المضادة للطائرات، في مواجهة المقاتلات الإسرائيلية التي شنت هجمات على قطاع غزة، فقد ظهرت تخوفات مصرية من إمكانية أن تنتقل مثل هذه الأسلحة النوعية من أيدي فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لأيدي المجموعات المتطرفة في سيناء[5].

وربما يتم الترويج لهذه التخوفات من قبل مصر وإسرائيل، خاصة بعد هجوم مسلحين، فى 7 مايو الحالي علي نقطة رفع مياه غرب سيناء، والتي أسفرت عن استشهاد ضابط و10 جنود وإصابة 5 أفراد[6]. وهو ما يفيد إسرائيل من جانب، حيث أن الربط بين هذا الهجوم وحركة حماس، سوف يعيد التوتر بين مصر وحماس، مما قد يسهل على تل أبيب باستهداف قادة حماس وضمان عدم وجود معارضة مصرية. ومن جانب أخر، فإن السيسي قد يستخدم هذا الهجوم للتغطية على الأزمة الاقتصادية التي تهدد استقرار نظامه وبقائه باعتبار أن صوت المعركة يعلو على كل صوت، وأن أي حديث عن الأزمات الاقتصادية في ظل الحرب على الإرهاب هو خيانة.

– أن التصعيد قد يضرب المصالح والاستثمارات المصرية في قطاع غزة، فالقاهرة قد بدأت عبر شركات حكومية وخاصة عملية لإعادة إعمار غزة، ضخت فيها ملايين الدولارات. وهي الاستثمارات التي تعتبر جزءاً من تصور لتهدئة طويلة المدى مع الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر ربط أي اتفاق بينهم وبين الإسرائيليين بمكاسب اقتصادية، وفق ما نصت عليه ما يُعرف بـ “صفقة القرن” (خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية).

– أن حالة التصعيد وما تظهره من فشل حكومة بينت في التعامل معه قد يتسبب في اسقاط الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بقيادة بينيت، الذي توطدت علاقاته مع الحكومة المصرية منذ انتخابه رئيسًا لوزراء إسرائيل في يونيو الماضي، وذلك على خلاف سلفه نتنياهو والذي لم تكن علاقاته مع القاهرة جيدة بل شابها توترًا ملحوظًا حتى رحيله[7].

فقد كشف الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، فى نوفمبر الماضي، عن كيفية رد رئيس المخابرات المصرية عباس كامل على سؤال عن ماهية الفارق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت وسلفه بنيامين نتنياهو. وأن رئيس المخابرات المصرية فسر الفارق بين بينيت ونتيناهو بالإشارة بيديه: “السماء والأرض”. وأشار رافيد إلى أن كامل أعرب عن أمل مصر في أن تبقى حكومة بينيت مستقرة وأبدى ثقته بقدرتها على أداء مهامها بشكل فعال، على الرغم من الاختلافات الملموسة في وجهات النظر بين أعضاء الائتلاف الحاكم[8].

وبالفعل، فقد تطورت العلاقات بين الطرفين فى عهد بينت إلى مستويات غير مسبوقة، ووصلت إلى درجة سماح إسرائيل لمصر، في نوفمبر الماضي، عن إجراء بعض التعديلات المحدودة في بنود اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين الجانبين في سبتمبر 1978، بالشكل الذي سمح بزيادة أعداد وإمكانات قوات حرس الحدود في منطقة رفح الحدودية[9]. فضلًا عن زيارة بينت للقاهرة في سبتمبر الماضي، وهي أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر منذ عشر سنوات[10]. وأخيرًا، فقد أبرم الطرفين اتفاقا لإطلاق “مسار جديد” لرحلات جوية بين تل أبيب ومنتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر[11].

– يحرص السيسي على استخدام ملف الوساطة لتهدئة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل تحسين علاقته بالإدارة الأمريكية. فخلال معركة القدس من العام الماضي، ونتيجة للدور المصري فى التهدئة بين إسرائيل والمقاومة، فقد قام بايدن بالاتصال هاتفيًا بالسيسي وشكره على دوره فى التهدئة، وذلك بعد حالة تجاهل تام من قبل بايدن للسيسي.

وعلى الرغم من أن بايدن لا يزال يرفض لقاء السيسي بصورة مباشرة، فإن إسرائيل قد تتوسط لدي إدارة بايدن لحدوث مثل هذا اللقاء، حتى لو تم هذا اللقاء في إطار جماعي وليس فردي. فوفقًا لموقع “أكسيوس” الأمريكي، فإن البيت الأبيض يدرس عقد اجتماع إقليمي لعدد من زعماء الشرق الأوسط خلال الزيارة التي سيجريها الرئيس جو بايدن إلى دولة الاحتلال، فى نهاية يونيو المقبل، وأن السيسي سيكون من ضمن هؤلاء الزعماء[12].

كذلك، تزداد أهمية الوسيط المصري بالنسبة للولايات المتحدة في الملف الفلسطيني، خاصة في ظل حرص واشنطن علي قطع الطريق أمام المحاولات الروسية لتوظيف هذا الملف في إطار صراعها المتصاعد مع الغرب حول أوكرانيا. خاصة بعد تدخل روسيا على خط الأزمة في الأراضي المحتلة أخيراً، باستقبال وفد من “حماس”، في 4 مايو الحالي، وإعلان موسكو استعدادها لتكون منصة لاستقبال لقاءات الفصائل الفلسطينية. وفي ظل تأكيد حركة “حماس” علي حرصها علي “تعميق التشاور والتنسيق الثنائي مع الأصدقاء الروس، ورفض التفرد الأميركي في القرار الدولي”[13].

– في ظل إدراك السيسي لأهمية الملف الفلسطيني والعلاقات مع إسرائيل لدي الإدارة الأمريكية، فإنه قد أوكل إدارة هذا الملف بصورة رئيسية إلى نجله العميد محمود السيسي، القيادي بجهاز المخابرات العامة، فيما يبدو كمحاولة لتوريث المناصب أو على الأقل لضمان عدم قدوم شخصية عسكرية ذات ثقل تحظي بعلاقات قوية مع الإدارة الأمريكية، وإمكانية دفع واشنطن بهذه الشخصية ليكون شريك أو منافس أو حتى بديل للسيسي في الحكم.

ثانيًا: الملف الليبي:

يترقب الليبيون استئناف اللجنة الدستورية الممثلة لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة جلساتها في القاهرة برعاية أممية منتصف مايو الحالي، من أجل بحث مسألة التوافق على أطر دستورية تنظم الانتخابات. وخلال تواجدهما فى القاهرة، فقد التقي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فى 8 مايو الحالي، مع مبعوث الولايات المتحدة الخاص وسفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند[14]. كما التقي رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، فى 9 مايو، بنورلاند. وكان أبرز ما تم التأكيد عليه خلال اللقاءين، هو التأكيد على حل أزمة إغلاق النفط، وضرورة فتح الحقول والموانئ النفطية، لكون النفط هو المصدر الأساسي للدخل في ليبيا، مع إيجاد آلية تضمن شفافية إنفاق العوائد النفطية[15].

وفي سياق متصل، فقد التقت المستشارة الأممية لدى ليبيا ستيفاني وليامز، فى 8 مايو، في طرابلس، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مصطفى صنع الله. ووفقاً لبيان لمؤسسة النفط الليبية، أكدت ويليامز دعم بعثة الأمم المتحدة الكامل لقطاع النفط واستقراره. وأشار بيان المؤسسة إلى أن وليامز وصنع الله ناقشا تأثير إغلاق النفط على المستوى المحلي والدولي، بما في ذلك الصعوبات التي تحدث للبنية التحتية جراء الإغلاق المطوّل. وجددا التأكيد على أهمية إنهاء إغلاق النفط في أسرع وقت ممكن[16].

يأتي ذلك فى الوقت الذي لا يزال الانقسام السياسي قائمًا، حيث لا يزال عبد الحميد الدبيبة متمسكًا بمنصبه كرئيس للحكومة ويمارس عمله من داخل طرابلس، فى حين يمارس فتحي باشاغا الذي تم اختياره من قبل مجلس النواب فى مارس الماضي مهامه كرئيس للوزراء من مدينة سرت.

وقد ألقت حالة الانقسام والخلاف بين الأطراف الليبية بظلالها على العلاقات المصرية – الجزائرية، في ظلّ اختلاف توجّهات البلدَين. ففي الوقت الذي انحازت فيه القاهرة إلى فتحي باشاغا منذ اللحظة الأولى ودعمت حكومته التي جرى اختيار وزرائها خلال إقامته في العاصمة المصرية، استقبلت الجزائر عبد الحميد الدبيبة ودعمته باعتباره رئيساً معترفاً به للحكومة الليبية[17]. وربما يكون الدعم الجزائري للدبيبة هو ما يحول دون إمكانية قيام باشاغا – بدعم مصري – بعملية عسكرية لدخول طرابلس، حيث أن نشوب معارك عسكرية في العاصمة طرابلس، بمثابة خط أحمر بالنسبة لها، تجاوزه يعني انخراطها عسكرياً في دعم الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً[18].

وفي محاولة لحشد الدعم الاقليمي لصالح الموقف المصري فى عدة قضايا منها الملف الليبي، فقد زار وزير الخارجية المصري سامح شكري، فى 9 مايو الحالي، الرباط تلبية لدعوة نظيره المغربي ناصر بوريطة. وتلوح القاهرة بإمكانية دعم المغرب فى قضية الصحراء المتصارع عليها مع الجزائر، خاصة بعدما أكد وزير الخارجية المصري على “موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية”[19]، في محاولة من القاهرة لتغيير موقف الرباط المحايد من الأزمة الليبية لصالح دعم الموقف المصري.

وإجمالًا لما سبق؛ يمكن استخلاص أهم محددات السياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الليبية، والتي تتمثل في:

1- حرص القاهرة على تغيير الصورة النمطية السائدة باعتبارها منحازة لطرف معين (القوي الشرقية) على حساب طرف أخر (القوي الغربية)، وذلك عبر استضافة عقيلة صالح المحسوب على الشرق جنبًا إلى جنب مع استضافتها لخالد المشري المحسوب على الغرب. كذلك، تحرص القاهرة على تغيير صورتها كأحد القوي الاقليمية المتسببة فى تعقيد الأزمة الليبية إلى صورة الدولة الفاعلة والمساهمة فى حل تلك الأزمة؛ وذلك عبر لعب دور الوساطة فى تقريب وجهات النظر بين القوي الليبية المختلفة، حتى ولو كانت إحدى هذه القوي على غير توافق مع توجهات رأس النظام المصري (فالمجلس الأعلى للدولة برئاسة المشري محسوب على جماعة الإخوان).

2- تحرص القاهرة بصورة خاصة فى السيطرة على الملف الدستوري؛ فهذا الملف يعتبر نقطة الخلاف الرئيسية المتبقية فى الأزمة الليبية، وبالتالي فإن تحقيق انجاز في هذا الملف سيعطي دور أكبر للقاهرة في الملف الليبي. كما أن هذا الملف يؤسس لقواعد مستقرة ودائمة في موقع وطبيعة العلاقة بين القوي السياسية المختلفة، وليس مجرد إجراءات مؤقتة مرتبطة بتوافقات سياسية مثل تلك التوافقات الناتجة عن ملتقي الحوار السياسي بجنيف، ومختلف التوافقات الناتجة عن المفاوضات السابقة والمرتبطة بإدارة المرحلة الانتقالية.

3- دعم حكومة باشاغا، فباشاغا الذي سبق وأن تولي وزارة الداخلية فى عهد حكومة الوفاق السابقة قد يكون أكثر تفهمًا للمصالح الأمنية المصرية فى ليبيا، وأكثر قدرة – من وجهة نظر القاهرة – فى التعامل مع ملف المليشيات والمرتزقة فى طرابلس. كذلك، فهناك نوع من التقارب والتحالف بينه وبين الأطراف الليبية المحسوبة على القاهرة وهما: خليفة حفتر وعقيلة صالح. وفى المقابل؛ فهناك أحاديث إعلامية مصرية على عدم قدرة الدبيبة على توفير الضمانات الأمنية اللازمة للعمالة المصرية العائدة إلى طرابلس، بجانب قيامه بوقف عقود الشركات المصرية التي تم إبرامها أثناء زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى ليبيا، في 20 أبريل 2021، والتي كان من المفترض تنفيذها فى ديسمبر من العام ذاته[20]، فضلًا عن أن الدبيبة محسوب على الأطراف المتنافسة مع مصر فى الملف الليبي؛ أي تركيا والجزائر.

4- محاولة القاهرة الاستفادة من حالة الخلاف الحالية بين الجزائر والمغرب في دعم موقفها بالملف الليبي، وذلك عبر مساومة الموقف المصري من قضية الصحراء المتنازع عليها بين الطرفين بموقف الدولتين من الأزمة الليبية.

5- استخدام الملف الليبي في دعم الدور الاقليمي المصري، والتأكيد للولايات المتحدة على أهمية مصر بالنسبة لها، وأن ما تقوم به مصر فى حل القضايا الاقليمية كليبيا وفلسطين لهو أهم بالنسبة لواشنطن من قضايا حقوق الإنسان التي تتسبب فى توتير العلاقات مع القاهرة. وتلوح مصر بورقة هامة تمتلكها فى الملف الليبي وتهم بصورة كبيرة الولايات المتحدة تتمثل فى النفط الليبي، حيث أن واشنطن تحتاج فى ظل الأزمة الأوكرانية إلى زيادة الصادرات النفطية الليبية لتحقيق استقرار فى أسعار النفط العالمية، وترجع أهمية مصر بالنسبة لواشنطن فى تحقيق هذا الهدف فى قدرة مصر بالضغط على حفتر من أجل وقف الإغلاق المستمر لحقول النفط التي تخضع لسيطرته.

ثالثًا: الملف التركي:

اتخذت تركيا خطوات متقدمة في الاستجابة للمطالب والشروط التي وضعتها القاهرة لتحسين العلاقات معها. فقد أعلنت قناة “مكملين” المعارضة المصرية التي كانت تبث من تركيا، في 29 إبريل الفائت، نقل مقرها إلى خارج الأراضي التركية. وقالت في بيان إن ذلك جاء بسبب “أوضاع لا تخفى على أحد، وحرصاً على استمرارية رسالة القناة الإعلامية لنقل الحقيقة كاملة”. بالتوازي، قالت مصادر صحافية مصرية في تركيا، وفقًا لموقع “العربي الجديد”، إن “بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة بدأت بمغادرة الأراضي التركية، خصوصاً ممن لم يسووا أوضاع إقامتهم القانونية هناك، سواء باكتساب الجنسية التركية أو حيازة إقامة دائمة هناك”[21].

وبالبحث في دلالة الخطوة التركية، يبدو واضحًا أنها تأتي حتى يتثنى لهؤلاء الخروج من الأراضي التركية إلى دول أخرى بهويات تركية، لتحقيق هدفين أساسيين؛ أولهما الاستجابة للمطالب المصرية بشكل جزئي بشأن التضييق على أنشطة الجماعة وأعضائها، وثانيهما هو عدم التقيد بتسليم أيا من هؤلاء إلى مصر، بعدما تقدمت القاهرة بطلبات لتسليم أعضاء بالجماعة يقيمون في تركيا صدرت بحقهم أحكام في قضايا عنف في مصر[22].

ويمكن تفهم الموقف التركي في الاستجابة للمطالب المصرية في ضوء ما يواجهه من مصاعب اقتصادية وحملة إعادة انتخابه في العام المقبل، ولهذا بدأ منذ العام الماضي بالتقارب مع منافسيه في الخليج ومصر، وعمل على خفض التوتر وتعزيز التجارة والاستثمارات في بلاده. وكانت أكبر عملية مقايضة جرت في هذه العملية، هي قرار أنقرة وقف محاكمة 26 سعوديا غيابيا اتهمهم بالتورط في مقتل الصحافي جمال خاشقجي وتسليم ملفات المحكمة إلى السعودية[23].

في مقابل ذلك، قام النظام المصري ببعض الخطوات، منها إغلاق موقعي “تركيا الآن” و”المدار” اللذين أسسهما المذيع المصري المقرب من النظام نشأت الديهي بتمويل إماراتي. وبث الموقعان في الفترة الماضية تقارير مضادة لأنقرة. ويبدو أن تعديل بوصلة سياسة أردوغان تجاه الدول الخليجية، ومدى التقارب الذي وصلت إليه العلاقات بين أنقرة من جهة والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى، ساهما بشكل كبير في تسريع وتيرة التقارب التركي مع مصر. وقد كشفت تقارير تركية مؤخرًا، بشأن تسمية الدبلوماسي البارز صالح موتلو شين سفيرًا لبلاده في مصر، بعد 9 سنوات من شغور المنصب. وهي الخطوة التي تشير إلى تقدم كبير في ملف عودة العلاقات بين البلدين، وسط الحديث داخل أروقة الدبلوماسية المصرية عن شمول أنقرة ضمن الحركة الدبلوماسية المصرية الجديدة، والمقرر لها الربع الأخيرة من العام الحالي[24].

 

 

 

 

[1] وقعت عملية “إلعاد” فى مدينة إلعاد شرق تل أبيب، وقام بها أثنين من الفلسطينيين يشتبه فى أنهما من جنين، باستخدام بلطة وسلاح ناري، وتسببت مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابات أربعة، وقد أعلنت إسرائيل القبض على المنفذين فى 8 مايو 2022.

[2] ” عضو بالكنيست الإسرائيلي يحرض على قتل يحيى السنوار”، RT اسأل أكثر، 6/5/2022، الرابط:

[3] ” عملية “إلعاد” بين استهداف السنوار وسقوط حكومة بينيت”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 9/5/2022، الرابط:

[4] “وساطة مصرية “عاجلة” لتحييد غزة عن أحداث الضفة”، إندبندنت عربية،

[5] ” كواليس زيارة وفد إسرائيلي لمصر: أوضاع المناطق الحدودية وغزة”، العربي الجديد، 29/4/2022، الرابط:

[6] ““تأمين الصهاينة أهم”.. أسباب اتهام ناشطين للسيسي بقتل مجندين في سيناء”، صحيفة الاستقلال، 10/5/2022، الرابط:

[7] ” عملية «إلعاد» تُفخخ حكومة بينيت.. ومحاولات مصرية لاحتواء التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين”، مصر360،

[8] “صحفي إسرائيلي يكشف كيف فسر رئيس المخابرات المصرية الفارق بين بينيت ونتنياهو”، RTاسأل أكثر، 4/11/2021، الرابط:

[9] ” كواليس زيارة وفد إسرائيلي لمصر: أوضاع المناطق الحدودية وغزة”، العربي الجديد، 29/4/2022، الرابط:

[10] “بينيت أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور مصر منذ عشر سنوات”، DWعربية، 13/9/2021، الرابط:

[11] “اتفاق بين مصر وإسرائيل على “مسار جديد” للرحلات الجوية”، CNNعربية، 16/3/2022، الرابط: https://cnn.it/3FFRXSk

[12] “”أكسيوس”: واشنطن تدرس عقد قمة إقليمية خلال زيارة بايدن لـ”إسرائيل””، الخليج أونلاين، 3/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3M4wG7x

[13] “أميركا تدعم اتصالات عربية لوأد التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، العربي الجديد، 7/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3PhAKD9

[14] “عقيلة صالح يلتقي السفير الأميركي نورلاند في القاهرة.. ووليامز تواصل لقاءاتها”، العربي الجديد، 9/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3wrrDrc

[15] “رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي يلتقي بالقاهرة السفير الأمريكي لدى طرابلس”، المرصد المصري، 9/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3w21Oia

[16] “عقيلة صالح يلتقي السفير الأميركي نورلاند في القاهرة.. ووليامز تواصل لقاءاتها”، مرجع سابق.

[17] “ليبيا | اجتماعات مفصلية في القاهرة: باشاغا يبحث عن الشرعية”، الأخبار، 10/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3yrsomA

[18] ” رسائل تحذير جزائرية لمصر بسبب ليبيا”، العربي الجديد، 4/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3wi0Opi

[19] “خطوة نحو الأمام.. هل يفتح المغرب ومصر صفحة جديدة في العلاقات؟”، TRT عربي، 10/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3w6maah

[20] “ما الذي أشعل حرب التغريدات بين الدبيبة وساويرس”، رصيف22، 30/4/2022، الرابط: https://bit.ly/3Mbc3X9

[21] ” تركيا ومصر… مؤشرات تطبيع يقترب”، العربي الجديد، 2/5/2022، الرابط: https://bit.ly/38mb9bI

[22] “العلاقات “المصرية – التركية”.. إجراءات جديدة من جانب أنقرة بشأن ملف الإخوان”، مصر360، 11/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3PcKfUi

[23] “فايننشال تايمز: إعلام المعارضة المصرية في تركيا ضحية تقارب أردوغان مع منافسيه والقاهرة تشترط وقفه”، القدس العربي، 11/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3L69cxx

[24] ” تركيا ومصر… مؤشرات تطبيع يقترب”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022