خلال حفل إفطار الأسرة المصرية (الثلاثاء 26 إبريل 2022م الموافق 25 رمضان 1443هـ)، تستر الجنرال عبدالفتاح السيسي خلف العبارات الإنشانية الفخمة والرنانة من أجل تجميل الوضع المتردي والزعم بتحقيق إنجازات غير مسبوقة في تاريخ في البلاد؛ وفي سبيل تسويق هذه الأوهام راح يتحصن بالشماعات الجاهزة على الدوام ليعلق عليها فشله وعجزه عن إدارة موارد البلاد بشكل صحيح.
- البداية كانت بتحميل ثورة 25يناير2011 المسئولية عما آلت إليه أوضاع البلاد من فشل وانهيار في كافة مجالات الحياة، مدعيا أن حجم الخسائر التى تعرضت لها الدولة فى أقل من 24 شهرا بلغت 37 مليار دولار و80 مليار جنيه، وهذه الخسائر لم ينته أثرها بعد، مضيفا أن الجيش كان يصرف مليار جنيه شهريا لمدة 84 شهرا لمواجهة (الإرهاب) ولإزالة آثار الثورة التي فتحت ــ حسب تصريحات السيسي ــ الباب للإرهاب.
- ثم انتقل إلى شماعة الإرهاب حيث كشف لأول مرة أن عدد الضحايا في صفوف الجيش والشرطة منذ 2013م بلغ “3277” قتيلا وأكثر من 12 ألف مصاب دون أي ذكر لعدد قتلى الشعب خلال نفس الفترة والذي يصل إلى عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى.
- وتحدث عن الشماعة الثالثة وهي الزيادة؛ عازيا الفشل إلى أن «نمو قدرات الدولة لم يجار النمو السكانى»، وراح يكذب مدعيا أنه لم يعط وعودا براقة ولكنه صارح الشعب بالتحديات الضخمة وأنه لا يجب أن نفقد الأمل أو يصيبنا الإحباط أو اليأس. يقول السيسي: «عندما يزداد 2.5 مليون مواطن سنويا فإننا بحاجة إلى 60 ألف فصل دراسي بالإضافة إلى الموجود»، مضيفا “كنا 80 مليون نسمة وأصبحنا اليوم 100 مليون، متسائلا “هل ازدادت قدرات دولتنا بما يوازى العشرين مليون الزيادة”. وتابع: “لو كان حجم إنتاجنا الزراعي الحالي موجه لـ 40-50 مليون نسمة كان إنتاجنا الذاتي سيكفي حاجات الناس»!
وللخروج من هذا المأزق وتلك الورطة طرح النظام عدة مسارات سياسية واقتصادية متزامنة:
أولا، في المسار السياسي، طرح السيسي دعوته لما يسمى بالحوار الوطني، ودعا \ المثقفين والكتاب والمفكرين والإعلاميين إلى تشكيل جبهة صلبة لمواجهة حملات التشكيك من جانب فصيل بعينه فيما يتحقق من إنجازات. وأشار إلى أنه غير محسوب على أحد ولا يدافع عن أى أحد، قائلا: “أنا موجود من أجل إنفاذ إرادتكم.. وما تم عرضه فى مسلسل “الاختيار3″ هو ما تم فى الواقع في ذلك الوقت”. وكان التوجيه بإعادة تفعيل دور ما تسمى بلجنة العفو الرئاسي هو الإجراء العملي الثاني في المسار السياسي حيث قرر السيسي تكليف إدارة المؤتمر الوطنى للشباب بالتنسيق مع كافة التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسى حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة، وعرض نتائجه على مجلسى النواب والشيوخ لمزيد من النقاش بحيث يتم تفعيله مع إطلاق الجمهورية الجديدة.
ثانيا، على المسار الاقتصادي، اعترف السيسي بأن الفضل في إنقاذ البلاد إنما يعود إلى الأشقاء العرب، وأنه لولا تدخلهم بعشرات المليارات من الدولارات في عامي 2013و2014 لم يكن لمصر قائمة حتى الآن. وراح يشيد بالبرنامج الاقتصادي، وكلف الحكومة بوضع خطة عمل عاجلة لخفض حجم الدين وخفض عجز الموازنة، ووضع رؤية شاملة لتطوير البورصة المصرية، وتكليف الحكومة بالبدء في طرح حصص من شركات مملوكة للدولة في البورصة وطرح شركات مملوكة للقوات المسلحة في البورصة قبل نهاية العام الحالي، والإعلان عن برنامج بمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة، بمستهدف 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات. بمعنى أن برنامج الخصخصة الجديد الهدف منه در نحو 40 مليار دولار على مدار أربع سنوات. [[1]]
فما ملامح موجة الخصخصة الجديدة؟ وما الهدف منها؟ وما مخاطرها على الأمن القومي للبلاد؟ وهل يمكن أن تنقذ النظام من الورطة المالية التي يواجهها حاليا بسبب تداعيات تفشي جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا؟ أم يأتي ذلك بنتائج عكسية في ظل الرفض الشعبي الواسع للخصخصة بوصفها عدوانا وسطوا مباشرا على ثروات وممتلكات الشعب والتي لا يحق للحكومة التصرف فيه لأن دورها يقتصر فقط على إدارة هذه الثروات وليس التفريط فيها بالبيع للأجانب وحيتان رجال الأعمال؟
«صندوق النقد» في الخلفية
اعتبر تكليف السيسي للحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة يستهدف عشر مليارات دولار سنويا لمدة أربع سنوات، وطرح شركات مملوكة للقوات المسلحة في البورصة قبل نهاية العام 2022م هو الأهم في الشق الاقتصادي؛ لأنها تمثل في جوهرها رسالة إذعان لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي؛ من أجل إتمام القرض الرابع الذي طلبه السيسي من الصندوق والذي اشترط الصندوق للموافقة عليه ثلاثة شروط أساسية:
- أولها، التزام النظام المصري بتعويم الجنيه ورفع الحماية عن الجنيه من جانب البنك المركزي وهو ما تحقق بإعلان البنك المركزي يوم 21 مارس 2022م تعويما جزئيا انخفض الجنيه على أساسه بنحو 18% من قيمته.
- ثانيها، الالتزام بخصخصة شركات القطاع العام، وهو ما تحقق أيضا بإعلان السيسي عن موجة خصخصة جديدة كأحد شروط الصندوق لإتمام القرض الجديد الرابع. وكان الصندوق قد أعلن (الأربعاء 23 مارس 2022)، أنه تلقى طلبا من مصر لدعم برنامج إصلاح اقتصادي شامل.[[2]] وتعزو رئيسة بعثة الصندوق في القاهرة سيلين ألارد، في بيان لها، أسباب لجوء الحكومة المصرية للصندوق بالتداعيات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا الذي أربك سلاسل التوريد العالمية وأدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأولية. بالإضافة إلى تعزيز قدرة القاهرة على بسط مظلة الحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة؛ وهو ما يبدو للتغطية على سمعة الصندوق السيئة بوصفه عدو الفقراء.
- ثالث شروط الصندوق، هو إجراء حوار سياسي وطني يضم مختلف فصائل المجتمع من أجل دعم سياسات الحكومة المالية والاقتصادية حتى تحظى بقبول مجتمعي في ظل رصد خبراء الصندوق رفضا شعبيا لسياسات الحكومة؛ وهو ماشرع فيه السيسي على الفور بإطلاق الحوار والعمل على ترميم معسكر 30 يونيو؛ والهدف من الحوار حتى لو كان شكليا هو تبييص صورة النظام دوليا من جهة، واستكمال شروط الصندوق من جهة ثانية للحصول على القرض الجديد الذي لم يعرف حجمه حتى اليوم وإن كانت هناك تشريبات تقول إنه قد يصل من 3 إلى 5 مليارات دولار.
القرض الجديد المرتقب هو الرابع من صندوق النقد الدولي؛ فخلال السنوات الست الماضية، حصلت حكومة السيسي على ثلاثة قروض من صندوق النقد الدولي قيمتها (20 مليار دولار)، الأول كان في نوفمبر 2016، وقيمته 12 مليار دولار عبر آلية تسهيل الصندوق المدد وهو قرض يتميز بارتفاع حجم القر وطول مدة السداد. القرض الثاني كان في 2020 بقيمة 5.2 مليار دولار، بعد تفجر أزمة «كورونا»، واستند إلى آلية الاستعداد الائتماني، ويُعد هذا النوع قرضًا قصير الأجل ولا تتجاوز مدة السداد المتاحة له خمس سنوات. والقرض الثالث كان بقيمة نحو (2.8) مليار دولار وتم ضمن آلية التمويل السريع الذي يمنح في الأوقات الاستثنائية. معنى ذلك أن القرض الجديد هو برهان جديد على انكشاف ما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، وأنه مجرد فقاعة إعلامية أكثر منه برنامجا حقيقيا لإصلاح جوانب الخلل في هيكلة الاقتصاد المصري، فلم يسفر هذا البرنامج إلا عن زيادة أعداد الفقراء ومضاعفة معاناة معظم فئات الشعب من موجات غلاء فاحش وتآكل قيمة العملة المحلية وتراجع الأمان النفسي والمالي.
الصندوق و الخصخصة
يتعين الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في يوليو 2021م، عن المراجعة النهائية للاتفاق مع الجانب المصري سنة 2020، قد دعا الحكومة المصرية إلى «تحديد قطاعات اقتصادية بعينها يمكن أن تلعب فيها الشركات أو الجهات المملوكة للدولة دورًا، على نحو يسمح بتخارج الدولة من قطاعات أخرى»، وبالتالي تحقق «المزيد من المكاسب المتعلقة بدخول القطاع الخاص إلى تلك القطاعات وزيادة انتاجيتها»، حسب التقرير.
وهو ما استجابت له الحكومة على الفور من خلال الإجراءات الآتية:
أولا، أعلنت الحكومة في نوفمبر 2021 عن دراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء أوصت بـ«مجموعة من الآليات المقترحة لتمكين القطاع الخاص، منها تحديد القطاعات الرئيسية التي ستستمر بها الدولة، والقطاعات التي ستخرج منها، والقطاعات التي سيتم الخروج التدريجي منها، إلى جانب إعادة إصلاح القطاع العام من خلال الإبقاء على الشركات الكبرى في القطاعات الاستراتيجية والأكثر أولوية، والتخلي عن الشركات في القطاعات الأقل أولوية».
ثانيا، خلال مارس 2022م، لجأ النظام إلى بيع بعص أصول لدولة للإمارات من أجل توفير ملياري دولار؛ حيث استحوذ صندوق أبو ظبي الاستثماري على حصص الحكومة في شركات أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو”، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع ضمن استحواذات للصندوق على حصص حكومية في خمس شركات وفقا لوكالة بلومبرج. كما استحوذ على 18% من أسهم البنك التجاري الدولي (CIB)، وحصص في «فوري» للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع.[[3]]
ثالثا، في حفل إفطار الأسرة المصرية (الثلاثاء 26 إبريل 2022) أعلن السيسي عن موجة الخصخصة الجديدة التي تقدر بنحو 40 مليار دولار على مدر أربع سنوات.
رابعا، في أعقاب حفل إفطار الأسرة المصرية قال رئيس الوزراء في بيان له إن الحكومة ستعلن تفاصيل «وثيقة سياسة ملكية الدولة»، كاستراتيجية قومية تستهدف توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص في مؤتمر صحفي بعد عيد الفطر، مضيفًا أن تلك الوثيقة تعدُ خطوة رئيسية في إطار زيادة فرص مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، حيث تمثل «رسالة اطمئنان للمستثمر المحلي، وعنصر جذب للاستثمار الأجنبي، كما تسهم في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية».[[4]]
خامسا، في مؤتمر صحافي الأحد 15 مايو 2022م، للإعلان عن رؤية الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن طرح مجموعة من الشركات التابعة للقطاع العام (الحكومي) في البورصة المصرية، من بينها 10 شركات لقطاع الأعمال العام، وشركتان تابعتان للقوات المسلحة (الجيش)، مدعياً أن 91% من الدين الخارجي لمصر هي ديون متوسطة وطويلة الأجل، ولا تمثل ضغطاً على الموازنة العامة للدولة. وتحدث مدبولي عن دمج أكبر سبعة موانئ في شركة واحدة وطرحها في البورصة، وكذلك الحال مع عدد من الفنادق المملوكة للدولة، بالإضافة إلى طرح مشروعات النقل الحديث، وعلى رأسها مشروعا المونوريل والقطار السريع، في البورصة. جاء ذلك في سياق أكبر من إطلاق ما يشبه مرحلة جديدة من الخصخصة، ستتضح ملامحها في خطة قال مدبولي إنها ستُعلن قريبًا لتمثل «وثيقة ملكية الدولة» التي ستحدد قطاعات اقتصادية كاملة تنوي الدولة التخارج منها لصالح القطاع الخاص، بالإضافة إلى قطاعات أخرى تنوي تقليص ملكيتها فيها، ومجموعة ثالثة من القطاعات التي تنوي الاستمرار فيها، خلال ثلاث سنوات.[[5]] وكشف مدبولي أن حكومته انتهت من تقييم ما يمثل 9.1 مليار دولار من أصل عشرة مليارات دولار، تمثل قيمة الأًصول المملوكة للدولة التي تنوي طرحها في أول سنة ، وأن حكومته تعمل الآن على تقييم أصول جديدة تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار.
كما أعلن مدبولي عن عدد من القرارات لصالح القطاع الخاص على رأسها إتاحة نظام حق الانتفاع للأراضي الصناعية، وتخفيض أسعار الأراضي الصناعية التي ستطرح للتمليك إلى مستوى تكلفة المرافق فقط، وإعداد قانون جديد بإعفاء المنشآت الصناعية والتنموية التي تؤسس في الجيل الرابع من المدن الجديدة، والتي تعمل في أنشطة محددة من الضرائب لفترة تصل إلى خمس سنوات، والتوسع فى إصدار «الرخصة الذهبية» والتي تمثل موافقة واحدة تصدر من رئيس الوزراء للمشروعات تُغني عن إصدار كل التراخيص في قطاعات محددة، بالإضافة إلى تقليص مدة استخراج التراخيص لتصل إلى 20 يومًا بحد أقصى.[[6]]
وثيقة سياسة ملكية الدولة
وفي منتصف مايو 2022م، أرسلت الحكومة نسخا من وثيقة تسمى “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، وتكشف مسودة الوثيقة ــ التي انفردت صحيفة “المصري اليوم” بنشرها ــ عن تحديد 3 مستويات لتواجد الدولة في الأنشطة الاقتصادية:[[7]]
- الأول التخارج بشكل كامل خلال 3 سنوات. وتتجه الحكومة للتخلص تماما من جميع استثماراتها وملكياتها في نحو 79 نشاطا في القطاعات المختلفة، على رأسها أنشطة الاستزراع السمكى والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد- عدا مشروعات الإسكان الاجتماعي- وأنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية، وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث والجلود والأسمدة والزجاج.
- الثاني الإبقاء مع تثبيت وتخفيض الاستثمارات الحكومية مع السماح بمشاركة القطاع الخاص، ويتضمن هذا المستوى 45 نشاطا من بينها صناعات الأسمنت والحديد والألومنيوم واللحوم والطيور والأعلاف والألبان والسجائر والدخان ومحطات توليد الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع ومحطات معالجة مياه الصرف.
- الثالث الإبقاء مع تثبيت أو زيادة الاستثمارات والسماح بمشاركة القطاع الخاص، ويضم هذا المستوى 27 نشاطا تتجه الحكومة إلى زيادة حصتها فيها مستقبلا مع السماح بمشاركة محدودة للقطاع الخاص، ويتعلق أغلبها بأنشطة البنية التحتية والقطاعات ذات الأبعاد الاستراتيجية والاجتماعية، مثل التعليم والصحة، مع السماح أيضًا بمشاركة القطاع الخاص في بعضها، منها أنشطة تجارة الجملة ومحطات إنتاج مياه الشرب وشبكات توزيع المياه، وإنشاء الأرصفة، والبنية التحتية في النقل البحرى والسكك الحديدية ومترو الأنفاق والنقل الجوي وصناعات السفن، وخدمات التليفون الأرضي والاتصالات اللاسلكية والبث الإذاعي والتليفزيوني.
وخلت المسودة، التي أرسلت الحكومة نسخة منها لبعض الجهات والمنظمات والهيئات المعنية للاطلاع وإبداء الرأى، من تعريف محدد لمصطلح «ملكية الدولة»، وآليات التخارج المقترحة، غير أنها تضمنت رؤية الدولة لتشجيع القطاع الخاص، وأهدافها الرامية لرفع معدلات النمو الاقتصادي وحوكمة تواجد الدولة في الأنشطة الاقتصادية، ورؤيتها لمستقبل صندوق مصر السيادى ودوره في تعزيز مشاركة القطاع الخاص، فضلا عن تصوراتها لملامح البيئة التشريعية المواتية للنشاط الاقتصادي، وتحقيق الحياد التنافسي، والمبادئ الحاكمة لتواجد الدولة في الأنشطة الاقتصادية وفقًا لمعايير المنظمات الدولية- منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية- وكذا أطر تكوين شراكات ما بين القطاعين العام والخاص في إطار برنامج زيادة كفاءة الأصول المملوكة للدولة. وأوضحت المسودة أن الوثيقة الحالية تمثل المرحلة الأولى من استراتيجية تحديد ملكية الدولة للأصول التابعة لها، على أن تتبعها مراحل أخرى، وتستهدف الوثيقة رفع معدلات الاستثمار بقيم تتراوح بين 25 و30% بما يسهم في تحقيق معدل نمو اقتصادي يتراوح ما بين 7 و9%، وتوفير فرص عمل، وتمكين القطاع الخاص من زيادة مساهماته الاقتصادية في الناتج المحلي والاستثمارات المنفذة. وهو ما يحتاج إلى مزيد من البحث والتحليل والدراسة.
خلاصة الأمر، سياسيات نظام السيسي تعزز من سيطرة الأجانب على مفاصل الاقتصاد المصري؛ ويمثل إصراره على سياسات الخصخصة والتوسع في بيع الشركات الرابحة بجرأة مخيفة، خطرا على الأمن القومي المصري، ويمكن اعتبارها تمثل عودة لــ«الامتيازارت الأجنبية» التي سبقت الاحتلال البريطاني لمصر في عهد الخديوي إسماعيل. يؤكد على ذلك أن الدراسة التي أعدها «المركز المصري للحقوق الاقتصادية»[[8]]، والتي تحذر من التشريعات الاقتصادية في ظل نظام 30 يونيو في ظل سيطرة عدد من الشركات متعددة الجنسيات على مفاصل الاقتصاد المصري، مما يعكس وقوع الاقتصاد تحت قبضة رجال الأعمال الأجانب، خصوصاً بعدما استولت تلك الشركات على60% من قطاع البترول و80% بالنسبة لصناعات الأغذية والدواء والاتصالات والإسمنت والألبان والزيوت و40% من حجم تداولات البورصة المصرية، علاوة على تحريكهم البورصة صعوداً وهبوطاً وفقاً لتحركاتهم البيعية والشرائية. وبحسب الدراسة التي نشرت في 2015م، تمتلك الشركات متعددة الجنسيات ما نسبته 60% من صناعة الدواجن والسيارات وأغلب السلاسل التجارية وجزء كبير من المصارف والقرى السياحية والفنادق وقطاع الاستثمار العقاري في مصر. ومن أهم الشركات الأجنبية المستثمرة في مصر تأتي: مايكروسوفت وجنرال إلكتريك، وبي بي النفطية، وكوكاكولا، وكرايسلر، وفورد، وبريتش بتروليوم. ويصل عدد العلامات التجارية الأجنبية المسجلة داخل السوق المصرية إلى نحو 28 ألف علامة مقابل 400 علامة مسجلة لشركات محلية، وهو ما يعكس سيطرة أجنبية كبيرة على مفاصل الاقتصاد المصري.
من جهة ثانية، فإن الموجة الجديدة للخصخصة تختلف كليا عن المحطات السابقة؛ ذلك أن النظام العسكري قديما كان يبرر الخصخصة التي بدأت مع صدور القانون رقم 203 لسنة 1991، بالتخلص من الشركات الخاسرة في وزارة قطاع الأعمال العام؛ أما اليوم فإن الخصخصة باتت هدفا بحد ذاتها وطالت قطاعات حساسة للغاية، والهدف منها هو بيع الشركات الناجحة والتي تتحقق أرباحا كبرى للدولة لتكون مليكتها لشركات أجنبية أو حيتان القطاع الخاص. وبذلك يتجه السيسي لبيع أصول الدولة المربحة من أجل تسديد فوائد الديون التي اقترضها خلال السنوات الماضية حيث تبلغ قيمة فوائد الديون وأقساطها في مشروع موازنة “2022/2023” نحو 1,655 تريليون جنيه، بينما تبلغ كل موارد الدولة المتوقعة في مشروع الموازنة نحو (1.517) تريليون جنيه فقط! وكذلك بهدف توفير السيولة التي يحتاج إليها لاستكمال مشروعاته العملاقة التي لم يستفد منها الاقتصاد المصري بشيء وتسببت في أزمة السيولة التي تفاقمت بعد ذلك بسبب تداعيات تفشي جائحة كوورنا والغزو الروسي لأوكرانيا.
لكن الأكثر خطورة أن السيسي يتجه لبيع شركات حيوية في ملفات بالغة الحساسية للأمن القومي مثل قطاعات الكهرباء والمياه والنقل البري والبحري كالسكك الحديدية والمترو والموانئ وهي قطاعات تمثل رمزا على سيادة الدولة واستقلالها. فالمستفيد الأول من هذه الخصخصة هي الشركات الأجنبية وصناديق الاستثمار الخليجية، وحيتان السيسي من رجال الأعمال؛ وهناك توقعات بأن تعقد الحكومة صفقات لبيع الأصول إلى صناديق ثروة سيادية عربية، على نحو يتحقق معه هدفها بالتحصل على مستحقاتها مقابل بيع الأًصول بالعملة الأجنبية من ناحية، بالإضافة إلى القدرة على التفاوض مع إدارة تلك الصناديق حول مستقبل القطاعات الاقتصادية التي ستتخارج منها الدولة من ناحية أخرى، عبر الاستفادة من العلاقات السياسية بين السيسي ودول الخليج. كما يتجه السيسي إلى طرح شركات في قطاعات غير تقليدية تتجاوز بكل تأكيد الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام وهو المجال التقليدي للخصخصة في مراحلها السابقة [منذ بداية التسعينيات]، بما في ذلك، شركات الكهرباء التي كان تحولها في مطلع الألفية الجديدة إلى صورة شركة قابضة للكهرباء يعد تمهيدًا للوصول لمرحلة طرحها أمام القطاع الخاص، إلا أن تلك الخطوة ظلت مستبعدة لفترة طويلة بسبب صعوبة إقناع القطاع الخاص بالاستحواذ أو الشراكة في مشروعات تتضمن دعمًا للمستهلكين [دعم الكهرباء]، في حين أن التخلص من دعم الكهرباء لاحقًا يسمح الآن بتلك الخطوة».
من جانب آخر قد تكون بعض تجارب الخصخصة قد حققت نجاحا جزئيا في عدد قليل من دول العالم، لكن تجربة مصر مع الخصخصة حققت فشلا ذريعا يضرب به المثل في سوء الإدارة، وذلك لعدة أسباب: أولها أنها تتم بعيدا عن رقابة صاحب الملكية وهو الشعب، حيث تتبنى الحكومة هذه التوجهات وتمضي في تنفيذها دون اكتراث لمواقف الشعب ورفضه للخصخصة، لا سيما وأن نظام الحكم في مصر مثل معظم البلاد العربية لا يتمتع بشرعية التفويض الشعبي عبر أدوات الديمقراطية الصحيحة، كما أن البرلمان هو مجرد صورة جرى تشكيله تحت رعاية أجهزة السلطة فهو لا يمثل الشعب حقيقة. ثانيها، أن إجراءات الخصخصة في مصر تتم في مناخ كامل من انعدام الشفافية، ويبرهن على ذلك أحكام القضاء في عدد من تجارب الخصخصة التي جرت في عهد مبارك وحجم الفساد التي شابها. ثالثها، أن الخصخصة في مصر طالت قطاعات حساسة وبالغة الأهمية ونقل ملكيتها من الشعب إلى حفنة من المستثمرين المصريين أو الأجانب يمثل تهديدا للأمن القومي للبلاد مثل صناعة الحديد والصلب والصناعات الثقيلة، والخدمات العامة كالكهرباء والمياه والنقل والسكة الحديد والمترو وغيرها؛ وقد يترتب على ذلك اضطرابات اجتماعية لا يمكن احتواؤها مثل رفع أسعار الخدمات بصورة كبيرة تفوق قدرات معظم المواطنين. ولذلك اعتبرت تجربة الخصخصة في مصر ثاني أسوأ تجارب الخصخصة في العالم بعد تجربة روسيا في عهد بوريس يلتسين.
———————————————–
[1] تم استقاء هذه الأرقام والتصريحات من مانشيت الأهرام : انظر إسماعيل جمعة/ وطن يتسع للجميع.. الرئيس خلال حفل إفطار الأسرة المصرية: عهدى معكم دائما الصدق والإخلاص فى العمل والتجرد من أجل الوطن/ الأهرام اليومي ــ الأربعاء 26 من رمضان 1443 هــ 27 أبريل 2022 السنة 146 العدد 49450
[2] “النقد الدولي”: مصر طلبت دعما لبرنامج إصلاحي اقتصادي/ وكالة الأناضول ــ الأربعاء 23 مارس 2022م
[3] الحكومة تبيع حصصها في شركتين لصناعة الأسمدة و«الإسكندرية للحاويات» إلى «أبوظبي السيادي»/ مدى مصر ــ الأربعاء 23 مارس 2022م
[4] السيسي يعلن عن موسم خصخصة جديد.. وخبراء: رسالة لـ«صندوق النقد»/مدى مصر ــ الأربعاء 27 إبريل 2022م
[5] بيسان كساب/ موانئ ومشروعات نقل وفنادق وشركات.. الحكومة تعلن خطتها لبيع ممتلكاتها/ مدى مصر ــ الأحد 15 مايو 2022م
[6] بيسان كساب/ موانئ ومشروعات نقل وفنادق وشركات.. الحكومة تعلن خطتها لبيع ممتلكاتها/ مدى مصر ــ الأحد 15 مايو 2022م
[7] ياسمين كرم/ الحكومة تتجه للتخارج من 79 نشاطًا خلال 3 سنوات وتبقي على استثماراتها في قطاعين (تفاصيل)/ المصري اليوم ــ الثلاثاء 17 مايو 2022م
[8] «تقرير: الشركات متعددة الجنسيات تسيطر على مفاصل الاقتصاد المصري»/ العربي الجديد 13 يونيو 2015