هل ينهار النظام المصري تحت وطأة الأزمة الاقتصادية

 

قراءة في الأحداث والتداعيات واستشراف للمستقبل

شهدت الفترة الأخيرة عدة أحداث؛ مثل دعوة النظام للحوار السياسي بمشاركة كل القوى الوطنية، بيان جمال مبارك الذي اثار جدلاً حول دلالاته، تصريحات السيسي التي تربط سوء الأوضاع الاقتصادية بأزمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، الخطاب الإعلامي الذي يدعو المواطنين للتقشف، ويحذرهم من مغبة الاحتجاجات، ويخوفهم مما هو قادم من أوضاع اقتصادية ومعيشية ستزداد سوءاً، وأخيراً مقال عماد أديب الذي دعا فيه حلفاء النظام في الخليج إلى دعم النظام بمزيد من المنح وهددهم بعودة سيناريو الفوضى الذي سيقوض أمنهم واستقرارهم.

سنحاول في هذه السطور، تجميع هذه الأحداث واستخدامها في بناء صورة واحدة كبيرة، علها تساعدنا في إدراك ما يحدث، ومن ثم محاولة استكشاف جذوره واستشراف مستقبله. وسنستعين في سبيل ذلك ببعض المؤشرات الاقتصادية؛ باعتبار أن الاقتصاد بات هو الذي يحرك السياسة في مصر، خاصة في الفترة الأخيرة، وخاصة في ظل نجاح النظام في إغلاق المجال العام بصورة كاملة.

كيف يدير النظام المصري الثروة:

ما نقصده بهذا العنوان، من أين يحصل النظام على الموارد التي ينفق منها على سياساته، وما هي البنود والمجالات التي تحوذ الاهتمام الأكبر لدى النظام وتتلقى الجزء الأكبر من نفقاته.

بحسب اندبندنت عربية فإن حجم الديون الخارجية المصرية ارتفعت في الفترة من 2011 وحتى 2021 بنسبة 317%، فقد قفزت من مستوى 34.9 مليار دولار عام 2011 إلى نحو 145.5 مليار دولار بنهاية العام 2021، ما يعني أن الديون الخارجية لمصر ترتفع بقيمة 11.06 مليار دولار بشكل سنوي خلال السنوات الـ 10 الماضية، أما الدين المحلي فقد قفز خلال السنوات العشر من (56.28 مليار دولار) في 2011 إلى نحو (296.495 مليار دولار) بنهاية العام 2021 وهو ما يعني زيادة سنوية قدرها (24.021 مليار دولار) [1]. فيما يتعلق السيسي فقد تسلم الحكم في يونيو 2014 وحجم الديون الخارجية 46.1 مليار دولار[2]. أي أن الديون الخارجية في عهد السيسي أضيف إليها ما يزيد عن 100 مليار دولار خلال 8 أعوام. أما خلال الخمسة أعوام الماضية، فقد قفزت ديون مصر الخارجية بنحو 77%؛ إذ ارتفعت بنحو 63 مليار دولار أميركي خلال تلك الفترة، فقد زادت من نحو 82.88 مليار دولار نهاية 2017 إلى 145 مليار دولار في ديسمبر 2021[3].

وعلى الرغم من أن القاهرة نجحت في سداد 24 مليار دولار ديوناً في النصف الأول من العام الحالي، وهو ما يعني قدرة الحكومة على السداد في التوقيت المحدد، إلا أن ما يخيف مراقبين أن يكون سداد هذا الديون يتم من خلال اقتراض ديون جديدة؛ فيكون سداد الديون القديمة بديون أخرى جديدة[4].

أما السؤال الذي يمكن طرحه هنا فهو أين تذهب كل هذه الأموال، في ظل أحوال معيشية تزداد صعوبة من عام إلى آخر، وخدمات تزداد تردياً في الصحة في التعليم وفي غيرهما من الخدمات التي تقدمها الحكومة، ثمة مسارين تذهب إليهما هذه الأموال، وبالتأكيد هناك مسارات أخرى تذهب إليها هذه الأموال، المسار الأول: الانفاق المتزايد على التسليح، حيث تُعتبر مصر السيسي الثالثة عالمياً في صفقات الأسلحة[5]؛ ليس بهدف تسليح الجيش ومده بالمزيد من الأسلحة المتطورة؛ إنما في أحيان كثيرة، استرضاء للدول الموردة لهذا السلاح، وشراء صمتهم على ملف حقوق الإنسان البائس في مصر، وشراء شرعية دولية تسمح للنظام الحالي بالاستمرار في السلطة رغم التآكل الواضح في شرعيته الداخلية، ومن جهة أخرى ضمان استمرار ولاء الجنرالات في الداخل، حتى لا يدفعهم طموحهم للتفكير في الانقلاب على النظام القائم خاصة مع متابعتهم السخط السائد في الشارع؛ ومعروف أن “الدول السلطانية”، ومصر لا تختلف كثيراً عن الدول السلطانية في عهد دولية يوليو 1952، تضمن استمرارها عبر إغداق الأعطيات على الجند. وبحسب مراقبين فإن السيسي يشتري السلاح ليحقق 3 أهداف أساسية؛ الأول شراء ولاء الجنرالات في القوات المسلحة، والثاني شراء الشرعية خارجياً وضمان الحد من الأصوات المنتقدة لانتهاكات حقوق الإنسان، والثالث العمولات التي يستفيد منها هو شخصياً بطبيعة الحال[6]. المسار الثاني: الانفاق الجنوني على الانجازات الوهمية، من قبيل الاستمرار في إنشاء الطرق والكباري، بناء العاصمة الإدارية الجديدة[7]، التي تكلفت حتى الآن 58 مليار دولار[8]، بهدف نقل السلطة بعيداً عن الناس كضمانة لحمايتها في حال حدوث أية هبات شعبية مفاجئة. والمسارين معاً يعنيان أن النظام الحالي لا يعبأ بالمجتمع والناس إلا في الحدود التي تضمن صمتهم وتؤمن خنوعهم، وأكثر ما يعبأ به النظام هو استمراره والحيلولة دون سقوطه، فهو منفصل عن الناس، يحيطهم بسياج صلب من القمع والرقابة والتحفز.

لكن من أين للحكومة أن تنفق على هذه السياسات في ظل غياب الاهتمام الحقيقي بإنجاز تنمية فعلية؟ تعتمد الحكومة في تمويل مشروعاتها على القروض، وعلى المنح التي يقدمها حلفاء النظام الإقليميين، وعلى الخصخصة. سبق وأشرنا إلى القروض، أما بخصوص المنح التي يقدمها حلفاء النظام الإقليميين، فيكفي أن نعرف أن مصر تمتلك  35.5 مليار دولار، هي مجمل احتياطي مصر النقدي من العملة الأجنبية، تُشكل ودائع الدول الخليجية نسبة 55.7%، بإجمالي يصل إلى 19.97 مليار دولار. والتي تعود ملكيتها إلى 10.3 مليار دولار ودائع سعودية، و5.67 مليار دولار وديعة إماراتية، و4 مليار دولار وديعة كويتية[9].

فيما يتعلق بالخصخصة فآخر أخبارها أن هناك خطة حكومية لبيع 79 من الأصول المملوكة للدولة إلى مستثمرين محليين ودوليين، خلال الأعوام الأربعة المقبلة؛ بغرض إفساح المجال للقطاع الخاص للدخول إلى هذه النشاطات بدلاً من الحكومة، كما أن طرح هذه الأصول في البورصة تستهدف منه الحكومة تحصيل 10 مليارات دولار سنوياً لمدة 4 أعوام[10]. وقد أصدرت الحكومة “وثيقة ملكية الدولة” وهي وثيقة تعبر عن تصورات الدولة بخصوص سياسات الخصخصة[11]، وتقنن عمليات تخارج الدولة من المجالات الاقتصادية العاملة فيها، وهي تعني بالفعل أن النظام قرر بيع الأصول المملوكة للدولة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها، ولأن هذا القرار له ما بعده، فقد طرحت الحكومة هذه الوثيقة للحوار المجتمعي بشأنها[12]، وهو إجراء صوري غرضه إضفاء شرعية صورية على قرار أتخذ بالفعل، وعبرت عنه تصريحات السيسي الذي دعا الدول الخليجية إلى تحويل ودائعها في البنك المركزي إلى استثمارات[13]. وفي الحقيقة هذه الوثيقة في هذا التوقيت، مع تصريحات السيسي تكشف عمق الأزمة الاقتصادية التي يعيشها النظام في مصر.

في ورقة بعنوان “تتبع مسار المال لتعرف حقيقة مصر السيسي” للباحث روبرت سبرينجبورج، أحد أبرز المتخصصين في الشأن المصري، يتعجب الباحث من الأوضاع في مصر في ظل السيسي، حيث يصفها بأنها غير عادية، حيث يتبنى النظام المصري سياسات اقتصادية تتطلب موارد لا تتناسب البتة مع قدرة الاقتصاد المصري على توفيرها؛ فحكومة السيسي تتصرف كما لو كانت تدير دولة ريعية تمولها صادرات الطاقة مثل المملكة العربية السعودية، أو كما لو كانت دولة تجارية استبدادية تستفيد من ميزان تجاري مُواتٍ ومستدام، يُغذّيه توسعها في الصادرات المصنعة، مثل الصين الشعبية. هذا بالرغم من أن مصر ليست دولة ريعية (كالسعودية) ولا دولة استبدادية تجارية ناجحة (كالصين)[14].

أثر سياسات النظام على الأوضاع المعيشية:

أثر سياسات النظام على الناس يظهر في أسعار السلع والخدمات، وهو ما يرمز له بالتضخم، كما يظهر في معدلات البطالة، ومستويات الفقر في المجتمع وما يرتبط به من نصيب الفرد من الدخل القومي.

وقد واصلت معدلات التضخم في مصر ارتفاعها للشهر الخامس على التوالي؛ حيث ارتفعت هذه المعدلات من 8% في يناير إلى 15.3% في مايو 2022. فقد ارتفعت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 10.9%، ومجموعة الزيوت والدهون بنسبة 6.9%، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 5.3%، ومجموعة الفاكهة بنسبة 2.3%، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 1.9%، ومجموعة الإيجار المحتسب للمسكن بنسبة 0.7%، ومجموعة المياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالمسكن بنسبة 26.1%، ومجموعة السلع والخدمات المستخدمة في صيانة المنزل بنسبة 2.3%، ومجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة 3.2%[15].

ولو قارنا بين أسعار السلع خلال مايو 2022، بأسعارها خلال مايو 2021، نجد أن قائمة سلع الطعام والمشروبات ارتفعت بنحو 28%، وأسعار الزيوت والدهون بنحو 46%، وأسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 41.7%، وأسعار مجموعة الخضراوات بمقدار 33.5%، وأسعار مجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 30%، وأسعار مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 24.5%، وأسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 22.1%[16].

وفي الحقيقة لا نحتاج إلى الإسهاب في ذكر تردي الأوضاع الاقتصادية للسواد الأعظم من المصريين، فلسان الحال يغني عن أي مقال. وفي تفسير هذه الارتفاعات قال مراقبون أن معدلات التضخم المرتفعة كانت متوقعة؛ في ظل تأثر الأوضاع المحلية بالأزمة الاقتصادية العالمية التي خلفتها الحرب في أوكرانيا[17]، فأسعار القمح، وهو سلعة أساسية تُصَدِّر منها روسيا وأوكرانيا معا حوالي ربع الصادرات العالمية، ارتفعت بنسبة 54% عن العام السابق[18]، فإذا علمنا أن القاهرة هي أكبر مشتر للقمح في العالم وتعتمد على روسيا وأوكرانيا لتلبية احتياجاتها علمنا تأثير الأزمة على البلاد[19].

لكن أثار الأزمة الأوكرانية ليست كافية لتفسير تردي الأوضاع المعيشية لغالبية السكان في مصر، فمن المفترض أن من واجبات الحكومة التخفيف عن كاهل مواطنيها، خاصة في الأوقات الاستثنائية وفي ظل الأزمات، لكن ما يحدث في مصر عكس ذلك، فإن الجزء الأكبر من إيرادات الموازنة يذهب لسداد أقساط الدين ومصاريف خدمة الدين[20]، في حين يتحمل المواطن منفرداً فاتورة الأوضاع الاقتصادية العالمية الصعبة، كما يتحمل تكلفة السياسات الاقتصادية للنظام المشغولة ببناء العاصمة وبشراء السلاح وبالإنفاق على ترف نخبة الحكم، فقد قررت الحكومة مثلا، ونحن في قلب الأزمة، حذف ما يزيد على نصف مليون مواطن من البطاقات التموينية[21].

كيف يواجه النظام هذه التحديات:

في مواجهة هذه الأوضاع الاستثنائية جاءت دعوة النظام للحوار الوطني، جاءت بغير سياق يبررها؛ فمن المعروف منذ 8 سنوات أن النظام المصري الحالي لا يؤمن بالحوار وسيلة لإدارة المشهد السياسي، فهو لا يؤمن بالسياسة من الأساس كما جاء في تصريح له[22]، فهل تغيرت قناعات نخبة الحكم فجأة، وهل اكتشف السيسي فجأة أن الحوار هو الوسيلة الأنسب لإدارة المشهد السياسي؟!

في الحقيقة يبحث النظام عمن يشاركه تحمل تبعة سياساته، يحاول الاستعداد لأية سيناريوهات استثنائية قد تحدث جراء هذا التردي الواضح، يسعى لإعادة بناء ما تبقى من تحالف 30 يونيو[23]. في هذا السياق يمكن أن نفهم سر الدعوة للحوار الوطني من جانب نظام يتعامل مع الدولة والمجتمع باعتبارهما معسكر، وفي الحقيقة لم تخفف الدعوة للحوار من شبق النظام للقمع، وحرصه على استمرار سياساته بدون تغيير حقيقي[24]، فلا زالت الاعتقالات مستمرة، وما تزال الاحكام الجائرة باقية. ولعل هذا السياق الاقتصادي المأزوم، وتداعياته الاجتماعية التي تخطو خطواتها الأولى، يفسر أيضاً سر خروج جمال مبارك؛ فهو يقدم نفسه كبديل في توقيت فقدت النخبة الحاكمة الكثير من قدرتها على الحركة والمراوغة.

يحرص النظام في تصريحات مسئوليه على إلقاء تبعة هذه الأوضاع على فيروس كورونا وتأثيراته والأزمة الأوكرانية وتبعاتها[25]، وإبراء سياساته وتوجهاته من المسئولية عن أياً مما يحدث، وهذا الممارسة في حد ذاته تعبر عن مدى اقتناع النظام بسياساته وأنه لا يرى أن في ممارساته ما يستدعي التغيير أو المراجعة[26]، فأي حوار حقيقي مع نظام يرى لنفسه كل هذا الرشد والعصمة؟!

كذلك مما يلجأ إليه النظام أيضاً في التعامل مع الأزمة، هو دعوة المواطنين للتقشف والتقليل من الاستهلاك، وتخويفهم من مغبة الاحتجاجات، وتخويفهم مما هو قادم[27]. حتى أن السيسي نفسه استدل بحادثة حصار النبي وصحابته في شعب أبي طالب في دعوته للناس إلى الصبر على سوء الأوضاع المعيشية[28]. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن السيسي اعتبر أن الارتفاع الكبير في الأسعار في مصر هو بمثابة حالة نجاح، مؤكداً أن الأسعار في مصر كان يجب أن تكون أعلى من الموجودة حاليا، مشيرا إلى أن نسبة التضخم بدول أوروبية كانت أعلى من مصر، مشيراً إلى أن «الكلام ده مش مجاملة للحكومة، بس فيه دول أوروبية متقدمة التضخم عندها نسبته أكبر مننا»[29].

في مواجهة هذه الأوضاع الاستثنائية جاءت الدعوة للحوار الوطني كمحاولة لتقاسم المسئولية عما حدث، ومحاولة لبناء تحالف 30 يونيو؛ لتجميل الوجه العسكري السافر للنظام الحاكم في مصر. وفي مواجهتها حرص النظام على إبراء ذمته من تردي الأوضاع الاقتصادية، ملقياً تبعة ذلك على فيروس كورونا وانعكاساته، والأزمة الاوكرانية وتداعياتها، مؤكداً أن الحكومة لم تدخر جهداً، وأن الحال التي وصلنا إليها تعد حالة نجاح إذا قارناه بما يحدث في دول أوروبية متقدمة. كما حرص النظام في مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة أن يدعو -على لسان السيسي وعبر النوافذ الإعلامية التابعة له- المواطنين إلى التقشف والتخفف من النفقات.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل خرج عماد الدين أديب، المعروف بقربه من دوائر صنع القرار في مصر، ليؤكد على كل ما سبق، وليطالب حلفاء النظام بالخليج، بـ “توفير شحنات من الطاقة بأسعار مقبولة وبتسهيلات في الدفع مع فترة سماح”، وبـ “استثمارات خليجية في الاقتصاد المصري”، ويحذرهم من أن عدم مساندة الأشقاء العرب للقاهرة قد يدخل البلاد في حالة فوضى تشبه التي صاحبت أحداث يناير 2011؛ وعندها سيبدأ كابوس هجرة الملايين إلى الخليج، مهدداً في بداية مقالته تلك بأن مستقبل العلاقات المصرية-الخليجية قد تكون أحد ضحايا فاتورة الحرب الروسية-الأوكرانية[30].

الخاتمة:

سياسات اقتصادية عقيمة يتبناها النظام الحاكم في مصر، تقوم على استرضاء داعميه العسكريين عبر إطلاق أيديهم في الاقتصاد، وضخ أموال ضخمة في صفقات التسليح. كما تقوم على فكرة الإبهار عبر تدشين مشروعات ضخمة لكنها قليلة الجدوى الاقتصادية؛ بغرض الإيهام بنجاح النظام القائم وقدرته على الإنجاز. مع الإسراف في الإنفاق على تنظيم مؤتمرات وفاعليات مبهرجة بدون إضافة حقيقية. وأيضاً تستند على استجداء الشرعية الدولية عبر الدخول في صفقات شراء سلاح وطائرات باهظة للغاية. مع الانهمام ببناء عاصمة جديدة هدفها الأساسي حماية نخبة الحكم من سيناريو السقوط، في حال وقوع احتجاجات شعبية، عبر توطينهم في عاصمة جديدة في قلب الصحراء بعيدة عن المواطنين. أما موقع الناس من اهتمامات الحكومة فتقع في ذيل القائمة.

ينفق النظام على هذه السياسات من خلال (1) الاقتراض غير الرشيد. (2) المنح المقدمة من حلفائه في الخليج. (3) سياسات الخصخصة.

بات يدرك النظام أن قدرته على الحركة والمناورة تراجعت بصورة كبيرة، ومن ثم بدأ يدعو للحوار الوطني، ويطالب المواطنين بالتقشف، ويطالب حلفائه في الخليج بالمزيد من الدعم ويهددهم من تكرار سيناريو الفوضى في مصر وتداعياته.

ختاماً، ماذا يحمل لنا المستقبل؟ هل يمكن أن ينهار النظام، هل انهياره في صالح أحد، هل هناك من قوى المعارضة من يملك القدرة على وراثة تركة النظام الثقيلة.

انهيار النظام سيناريو ممكن التحقق، خاصة مع تراكم الديون وتراجع قدرته على السداد، واستمرار الاحتياطي النقدي في التآكل، ومع تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية للمواطنين. والانهيار قد يكون جراء هبات شعبية وهو السيناريو الأسوء بل قد تكون تداعياته كارثية، وقد يكون الانهيار جراء انقلاب من داخل جهاز الدولة وهو سيناريو الأقل سوء؛ فهو يعني أن الدولة العميقة باتت تدرك أن تكلفة استمرار النظام الحالي واستمرار سياساته عالي للغاية، ويعني أن الدولة العميقة ستتولى هي سداد الفاتورة الباهظة لسياسات السيسي.

انهيار النظام في صالح الجميع لو تم عبر انقلاب داخلي؛ لأن الدولة العميقة نفسها –كما سبق وقولنا- هي من ستتحمل كلفة تحسين الأوضاع السيئة القائمة، وهي التي ستتعامل مع آمال الناس في التغيير للأفضل، وستحاول تقليل حدة الصدام مع قوى المعارضة وكسبها إلى صفها مما يكسبها شرعية.

أما القوى المعارضة، فغاية ما تأمله أن يحدث تغيير يتيح لها التقاط الأنفاس ولملمة نفسها ومعالجة مشكلاتها الداخلية واستعادة شيء من عافيتها وفاعليتها. دون أن تطمح للمشاركة في السلطة، على الأقل في المدى المنظور، لضخامة التحدي الذي سيواجه من يتولى السلطة في ظل مشكلات عويصة وحقيقية.

 

 

[1] خالد المنشاوي، ديون مصر الخارجية تقفز إلى 317 في المئة، تاريخ النشر: 31 مايو 2022، شوهد في: 15 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/235gx2jh

[2] عثمان الشرنوبي – مي قابيل، كشف حساب السيسي.. ملخص للأداء الاقتصادي، مدى مصر، تاريخ النشر: 25 مارس 2018، شوهد في: 15 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/24qdlufh

[3] محمود عبده، ديون مصر الخارجية تقفز 77 في المئة خلال خمس  سنوات، إندبندنت عربية، تاريخ النشر: 12 يونيو 2022، شوهد في: 15 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2c3d7lnf

[4] محمود عبده، ديون مصر الخارجية تقفز 77 في المئة خلال خمس  سنوات، إندبندنت عربية، مرجع سابق.

[5] عربي بوست، مصر الثالثة عالمياً في صفقات الأسلحة.. السيسي أنفق أكثر من 50 مليار دولار، وهذه أبرز التفاصيل، تاريخ النشر: 28 مايو 2022، شوهد في: 16 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2cy7fw3o

[6] المرجع السابق.

[7] وصلت تكلفة قطار العاصمة الإدارية في المرحلة الأولى فقط إلي مليار و 300 مليون دولار، و وصلت تكلفة مسجد مصر بالعاصمة الإدارية إلى 45 مليون دولار، أما تكلفة برج العاصمة الإدارية الجديدة فقد تكلف 3 مليار دولار، أما فندق الماسة بالعاصمة الإدارية فقد قدرت تكلفته من 900 ألف جنيه إلى مليار جنية، كذلك فإن التكلفة المتوقعة لإنشاء إستاد مصر العاصمة الإدارية هي 60 مليار جنيه، وأخيراً تكلفة محطة الكهرباء في العاصمة الإدارية فهي تتجاوز 2 مليار يورو. أنظر: يوفن، ما هي تكلفة العاصمة الإدارية الجديدة؟، شوهد في: 16 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/243sc3ok

[8] عادل رفيق، سبرينجبورج: الدولة المُتسْوِلَة ـ حقيقة مصر السيسي، المعهد المصري للدراسات، تاريخ النشر: 12 يناير 2022، شوهد في: 16 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/26p2vwzc

[9] محمد حميد، وثيقة ملكية الدولة.. هل عاد زمن الخصخصة من جديد؟، مصر 360، تاريخ النشر: 18 يونيو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/24wqpyrb

[10] خالد المنشاوي، إلى أين تتجه خطة مصر للتخارج من بعض الأصول؟، تاريخ النشر: 13 يونيو 2022، شوهد في: 15 ينوي 2022، الرابط: https://tinyurl.com/23kmqccv

[11] أيمن رمضان، المالية: وثيقة ملكية الدولة تسهم فى تسريع وتيرة التنمية بالبلاد، اليوم السابع، تاريخ النشر: 18 يونيو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2aahouzh

[12] سكاي نيوز، وثيقة ملكية الدولة.. دستور مصر الاقتصادي، تاريخ النشر: 18 يونيو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/28a4f9oo

[13] محمد حميد، وثيقة ملكية الدولة.. هل عاد زمن الخصخصة من جديد؟، مصر 360، مرجع سابق.

[14] عادل رفيق، سبرينجبورج: الدولة المُتسْوِلَة ـ حقيقة مصر السيسي، المعهد المصري للدراسات، مرجع سابق.

[15] محمود عبده، التضخم في مصر يواصل الارتفاع في 2022 ويسجل 15.3 في المئة، إندبندنت عربية، تاريخ النشر: 10 يونيو 2022، شوهد في: 25 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/22wdapgs

[16] المرجع السابق.

[17] المرجع السابق.

[18] صندوق النقد الدولي، الاستجابة لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والتركيز على الفئات الأكثر ضعفا، تاريخ النشر: 14 يونيو 2022، شوهد في: 16 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/28j4erpt

[19] العين الإخبارية، واردات مصر من القمح.. 4 بدائل لتعويض غياب روسيا وأوكرانيا، تاريخ النشر: 29 مارس 2022، شوهد في: 16 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2aevyjzy

[20] تبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر في العام المالي الحالي نحو 1.172 تريليون جنيه، عند خصمها من إجمالي حجم الإيرادات بالموازنة العامة والبالغة تريليون و365 مليار جنيه يتبقى فقط 213 مليار جنيه لإنفاقها على بنود النفقات العامة في الأبواب المختلفة للموازنة المصرية، مما يعني أن إجمالي خدمة الدين من أقساط وفوائد تتجاوز 85% من إجمالي إيرادات الدولة هذا العام، ولا يبقى إلا أقل من 15% من الإيرادات للإنفاق العام. أنظر: أحمد ذكر الله، الديون المصرية في تقرير ستاندرد آند بورز: دلالات ومالات، المعهد المصري للدراسات، تاريخ النشر: 15 أبريل 2022، شوهد في: 16 يونيو 2022، الرابط:  https://tinyurl.com/2agbozkr

[21] العين الإخبارية، مصر.. قرار جديد من “التموين” يخص مالكي السيارات موديل 2018، تاريخ النشر: 16 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2xtt7d5b

[22] Ten TV (يوتيوب)، السيسي: أنا مش سياسي.. واللي حصل من 8 سنين في مصر مش هيتكرر تاني، تاريخ النشر: 31 يناير 2018، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/238admkz

[23] عماد الدين حسين، إعادة الروح لتحالف 30 يونيو، بوابة الشروق، تاريخ النشر: 24 مايو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2728lbyc  أنظر أيضاً: مصراوي، نقابة الصحفيين ترحب بدعوتها للحوار الوطني: إحياء لتحالف 30 يونيو، تاريخ النشر: 10 مايو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2a9geq2h

[24] على سبيل المثال صدر أمس قرارات محكمة جنايات أمن الدولة، بتجديد حبس رجل الأعمال صفوان ثابت رئيس مجلس إدارة شركة جهينة للمواد الغذائية، وسيد السويركي صاحب سلسلة محلات التوحيد والنور، 45 يوما على ذمة التحقيقات في اتهامهما بالانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف القانون، والتحريض على العنف، وتمويل الجماعة الإرهابية، هذا في الوقت الذي يدعو النظام فيه للحوار الوطني، ويدعي فيه أن وثيقة ملكية الدولة تستهدف إشراك القطاع الخاص في عمليات التنمية!! أنظر: مصر 360، ازي الحال| تجديد حبس صفوان ثابت وسيد السويركي.. 5 سنوات ومليون جنيه للمتهمين في قضية «شقة الزمالك».. غدا طقس حار نهارا.. طلب إحاطة بشأن «بيزنس» المراجعات النهائية لطلاب الثانوية، تاريخ النشر: 18 يونيو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/27cxsvgw

[25] الحرة، “حاسبوني عندما نصل إلى تريليون دولار”.. السيسي يحلل وضع مصر الاقتصادي، تاريخ النشر: 18 يونيو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2xtejjwd

[26] هشام جعفر، هل الحوار السياسي في مصر هو الحل؟، مصر 360، تاريخ النشر: 14 يونيو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2xmncp93

[27] شبكة رصد، عمرو أديب: هييجي وقت مش هنلاقي فيه الزيت، تاريخ النشر: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2b67h8b2

[28] شبكة رصد، فيديو| السيسي: النبي محمد وصحابته أكلوا ورق الشجر ومحدش اعترض، تاريخ النشر: 21 مايو 2022، شوهد في: 22 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/26f3y36s

[29] شبكة رصد، السيسي: الأسعار في مصر يجب أن تكون أعلى من الموجودة حاليا، تاريخ النشر: 13 يونيو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2bar5a6p

[30] أساس ميديا، مصر: من يعوّض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسيّة – الأوكرانيّة؟، تاريخ النشر: 12 يونيو 2022، شوهد في: 19 يونيو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/25hhy8xe

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022