شيخ محمود رئيسًا للصومال للمرة الثانية: قراءة في السياقات والمآلات

 

مثَّل التصويت البرلماني لانتخاب رئيس للصومال في 15 مايو الجاري خاتمة للانتخابات الصومالية التي تعرَّضت للتعثُّر والتأجيل عدة مرات منذ أواخر عام 2020 بسبب الخلافات وحالة الشد والجذب بين الأطراف السياسية الأساسية (الحكومة الفيدرالية والولايات)، وهو ما أدى لاستمرار العملية الانتخابية نحو 9 أشهر منذ أغسطس 2021 الذي انطلقت فيه. وتختلف الانتخابات الرئاسية الصومالية عن مثيلاتها في العالم، لاعتمادها على نظام المحاصصة القبلية كأساس لانتخاب أعضاء البرلمان بغرفتيه (مجلسا الشعب والشيوخ) بدلًا من التصويت الشعبي المباشر الذي أُجري لآخر مرة في الصومال عام 1969. فكيف كان المشهد الانتخابي الصومالي؟ ومن هو الرئيس الجديد للصومال؟ وما التحديات المُنتظر أن يواجهها؟ وكيف يُمكن قراءة مُستقبل الصومال في عهده؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..

أولًا: المشهد الانتخابي في الصومال:

ويُمكن إلقاء الضوء على المشهد الانتخابي الصومالي من خلال توضيح آلية انتخاب الرئيس الصومالي، وخلفيات المشهد السياسي وقت الانتخابات، ونتائج تلك الانتخابات؛ كالتالي..

كيفية انتخاب الرئيس وتنظيم الانتخابات:

لم تُجر الصومال انتخابات على مبدأ “شخص واحد صوت واحد” منذ 1969 عندما استولى سياد بري على السلطة. وتُجري الانتخابات وفق نظام مُعقَّد غير مباشر تختار بموجبه مجالس المناطق ومندوبون من عدد لا يُحصى من العشائر وفروعها المُشرِّعين الذين يقومون بدورهم باختيار الرئيس. وليتم انتخابه، ينبغي أن يحصل المرشح على أصوات ثلثي النواب وأعضاء مجلس الشيوخ (184). وإذا لم يحصل أي منهم على هذا المجموع في الدورة الأولى يتم تنظيم دورة ثانية يتنافس فيها المرشحون الأربعة الذين جاؤوا في الطليعة. وإذا لم ينجح أي منهم في هذه الدورة، يُنظَّم اقتراع جديد بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات في الدورة الثانية. وخلال مراحل الاقتراع، تتبدَّل استراتيجيات التصويت التي تؤثر عليها الانتماءات العشائرية.[1] وقد تألفت لجنة تنظيم الانتخابات من 17 عضو، 11 من مجلس الشعب و6 من مجلس الشيوخ، وتتولى هذه اللجنة مهمة تسجيل الراغبين في الترشح لمنصب الرئيس، وتنظيم إجراءات انتخاب الرئيس في يوم الاقتراع. وحدَّدت اللجنة موعد انطلاق الانتخابات الرئاسية في الخامس عشر من مايو 2022. أصدرت اللجنة القائمة النهائية للمرشحين وتضم 39 مرشحًا من بينهم امرأة واحدة، ولكن هناك عددًا من المرشحين قد انسحبوا من السباق الرئاسي، ليصل العدد إلى 36 مرشحًا.[2]

 خلفيات المشهد الانتخابي في الصومال:

تم التوافق على تنظيم انتخابات مباشرة عبر صناديق الاقتراع كما يُطالب الشعب الصومالي ومن ورائه المجتمع الدولي الذي يُموِّل العملية السياسية في الصومال، غير أن ذلك لم يتحقَّق كما كان مُقرَّرًا لا في عام 2016 ولا في 2020. ويرجع عدم إجراء الانتخابات كما تم التوافق عليها إلى الفشل في تحقيق جملة من الأمور الضرورية التي تُمهِّد لهذا الإنجاز؛ مثل إعادة صياغة الدستور، وإجراء الاستفتاء عليه، وإجراء إحصاء سكاني، وتسلُّم القوات الحكومية الملف الأمني من بعثة الاتحاد الإفريقي الداعمة لها منذ 2007، وتحرير كل المناطق خارج سيطرة الحكومة، إضافةً إلى إقناع إقليم أرض الصومال (بالشمال) المُنفصل عن الصومال منذ عام 1991 بالعودة إلى حضن الصومال عبر حوار جاد.[3] ووفقًا لهذا الوضع؛ فقد أعلنت الشرطة الوطنية الصومالية عشية الانتخابات عن فرض حظر التجوال حتى صباح اليوم التالي للانتخابات. ففي الأشهر الأخيرة، كثَّفت حركة الشباب هجماتها لا سيما عبر تفجيرين في وسط البلاد أسفرا عن سقوط 48 قتيل في 24 مارس، ثم هجوم كبير على قاعدة لقوات الاتحاد الإفريقي الأسبوع السابق للانتخابات سقط فيه عشرة قتلى حسب حصيلة رسمية. وتنافس على منصب الرئيس العاشر للبلاد 39 مرشح بينهم الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، والرئيس السابق حسن شيخ محمود.[4]

نتائج الانتخابات:

جرت انتخابات الصومال على ثلاث مراحل، حيث شارك في الجولة الأولى 39 مرشح، قبل أن تنحسر المنافسة بالجولة الثانية بين 4 مرشحين، وفي الثالثة بين شيخ محمود وفرماجو. وحصل شيخ محمود على 214 من أصوات أعضاء البرلمان بمجلسيه الشعب والشيوخ في اقتراع سري، مقابل 110 للرئيس المنتهية ولايته.[5] وهكذا؛ رحل فرماجو الصومال الذي ارتمى في أحضان آبي أحمد وأسياس أفورقي وجعل الصومال بما تعانيه من تحديات بناء الدولة جزءًا من استقطاب سياسات القرن الإفريقي. حيث هُزم فرماجو في الجولة الثالثة في ماراثون انتخابي من قِبل أعضاء البرلمان بغرفتيه والذي اجتمع في أحد هناجر مطار مقديشيو تحت حراسة مُشدَّدة من قِبل القوات الإفريقية. ولعل ذلك يعطى دلالة على ما قدَّم الرجل أنه بالرغم من السنوات الخمس التي قضاها في السلطة والأموال التي أُنفقت على المؤسسة الأمنية والعسكرية لم يتمكن البرلمان من عقد جلسته في مقره المعتاد وإنما في مكان قصي وبحراسة قوات اجنبية. وعاد حسن شيخ محمود ثامن رؤساء الصومال، الذي يحمل معه تراكم خبرات كبيرة مع تمتعه بصفات قيادية طاغية. وهو الإخواني السابق المُنشق عن حركة الإصلاح الصومالية التابعة لتنظيم الإخوان العالمي. وهو يُعادي منهج الشباب المجاهدين ويقبل بالعمل مع الغرب لبناء الصومال. وفي الداخل يتبنَّى منهجًا توافقيًا وإن لم يُخفي دعمه لتطبيق الشريعة بحكم أن الإسلام هو دين كل الصوماليين.[6] واتسمت فترة الرئيس حسن شيخ محمود الأولى بالاستقرار السياسي وبناء علاقات قوية مع الداخل والخارج واتباع سياسة تصفير الأزمات، وتعزيز نظام الحكم المبني على الفيدرالية، إضافةً إلى محاربة حركة الشباب الإرهابية. وبعد مغادرته الرئاسة، تزعَّم شيخ محمود جهود المعارضة ضد نظام الرئيس فرماجو، عبر حزبه اتحاد السلام والتنمية، وساهم في إفشال سياسة الأخير التخريبية التي ضربت استقرار الصومال. وحظيت حملته الانتخابية بدعم النخب السياسية، حيث قدَّم نفسه كمنقذ للبلاد من مأزق غياب الثقة.[7]

ثانيًا: شيخ محمود وسياساته:

سبق أن حكم شيخ محمود الصومال، بين سبتمبر 2012 وفبراير 2017، وفيما يلي نُلقي الضوء على أسباب تقلُّده منصب الرئاسة من جديد في سابقة تُعد الأولى من نوعها في العرف السياسي الصومالي، ثم نتعرض لملامح سياساته الداخلية والخارجية خلال فترته الأولى..

 أسباب فوز حسن شيخ محمود:

اجتمعت جُملة من العوامل التي تضافرت معًا لتشكيل فوز شيخ محمود، أولها؛ إدارة العملية الانتخابية: حيث تميَّزت الانتخابات البرلمانية الحالية بأنها أتت بآدم مدوبي على رأس السلطة التشريعية، وهو السياسي المتمرس والذي يُعرف عنه بأنه ليس متحالفًا مع أحد الغريمين على رأس السلطة في الصومال. ومن ناحية أخرى حملة شيخ محمود الانتخابية التي حظيت بدعم النخبة السياسية، واستغلت عثرات فرماجو وتخبطاته وخلافاته السياسية الداخلية. وثانيها؛ دور رئيس الوزراء: فمن ناحية؛ الخلاف السياسي بين روبلي وفرماجو خلال فترة حكم الأخير نتيجة قراره بتمديد ولايته عامين ثم تراجعه، والخلافات بينهما بشأن تعيينات في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. ومن ناحية أخرى؛ عدم ترشح رئيس الوزراء روبلى للانتخابات الرئاسية حيث أن بترشحه سينقل الخلاف السياسي بين الطرفين وطبيعة تحالفاتهم العشائرية إلى الانتخابات الرئاسية، وبالتالي التأثير على الكتلة التصويتية التي كانت تعارض الرئيس المنتهية ولايته وستُصوِّت ضده وتوزيعها بين المرشحين الآخرين وبما قد يؤدي إلى تعزيز موقفة الانتخابي. وثالثها؛ دور العامل العشائري: تصاعدت خلال الفترة الماضية الخلافات بين الحكومة المركزية ورؤساء الولايات الفيدرالية خاصة حول آلية تقسيم مقاعد النواب في البرلمان في عدد من الولايات الفيدرالية والتي رفض بعضها نشر قوات أمنية صومالية بها، وتمثَّلت هذه الولايات في ولايتي جوبالاند وبونتلاند وخصوصًا في جوبالاند، إذ أن كلًا من الرئاسة وإدارة الولاية لا يريد أن ينفرد طرف دون الآخر بإدارة انتخابات المقاعد البرلمانية الـ16 في مدينة غربهاري. تلك الإشكالية التي كان لرئيس الوزراء الصومالي دورًا كبيرًا في حلحلتها والتحرك نحو استكمال العملية الانتخابية، وبما ساهم في استكمال مقاعد البرلمان الصومالي، وتأييد مرشحي هذه الولايات للشيخ محمود حسن. ورابعها؛ دور العامل الإقليمي والدولي: فور استكمال انتخابات البرلمان الصومالي توالت الترحيبات الدولية سواء من الدول أو من المؤسسات الدولية، وضغط الجميع مُطالبين الأطراف الصومالية بالسعي نحو إكمال العملية الانتخابية الرئاسية وتحييد التوترات السياسية والأمنية لإكمال المسار الانتخابي. من ناحية أخرى ألقت التحالفات الإقليمية للرئيس المنتهية ولايته أثرها على حجم التأييد له في الداخل الصومالي ونقل التجاذبات والصراعات الإقليمية إلى الداخل الصومالي. فمثلًا فقد تميزت فترته بالتنسيق والتحيز السياسي مع محاور سواء في دول الجوار الجغرافي للصومال مثل إثيوبيا بتدخلاتها الغير مرغوب فيها من مكونات عديدة داخل الصومال وتراثها السلبي مع الصومال، أو مع دول عربية مثل قطر، والذي أدى إلى تخفيض علاقات الصومال مع دول الخليج الأخرى ومصر. وخفوت حدة هذه الصراعات بين تلك المحاور خلال الفترة الماضية؛ حدَّ نسبيًا من حجم التدخلات السلبية.[8]

سياسات حسن شيخ محمود الداخلية خلال فترة حكمه الأولى:

خلال فترة حكمه الأولى حاول شيخ محمود جاهدًا أن تتسم رئاسته بسياسة “صفر مشاكل”. واستطاع شيخ محمود تحقيق توافق بين أطياف المجتمع الصومالي، ومع رؤساء الولايات الفيدرالية الذين غالبًا ما يخوضون صراعات سياسية مع القصر الرئاسي. يُعتبر شيخ محمود رجل الفيدرالية الصومالية، حيث تمكَّن خلال توليه الولاية الرئاسية الأولى، من تأسيس النظام الفيدرالي، عبر تقسيم البلد إلى ولايات فيدرالية. ورغم أن الدستور الصومالي المؤقت لا يفصل بين صلاحيات الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية، إلا أن محمود استطاع العمل مع رؤساء الولايات، عكس السنوات الماضية التي كانت مليئة بالخلافات، وصلت أحيانًا إلى تهديد بعض الولايات بقطع علاقتها مع الحكومة. في سجل الرئيس المُنتخب عدة إنجازات ومشاريع تنموية، ويُعد مطار مقديشو الدولي أحدها، حيث جرى إنشائه من قِبل شركة تركية، وجرى افتتاحه في 2014، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. سياسيًا؛ كان حريصًا على الحوار والتوافق في حل الخلافات الداخلية. أمنيًا؛ لعب شيخ محمود، دورًا مهما في تحرير عدة مناطق بالبلاد من قبضة حركة الشباب المسلحة، حث جرى تحرير 36 مدينة من الحركة خلال ولايته الرئاسية الأولى.[9]

سياسات حسن شيخ محمود الخارجية خلال فترة حكمه الأولى:

سعى شيخ محمود إلى تحقيق التوازن في علاقاته الإقليمية والدولية في الفترة الحرجة التي تولى فيها الحكم، والتي تزامنت مع العمل على الإطاحة بالإسلاميين بعد صعودهم للحكم في دول “الربيع العربي”، وهو ما بدا واضحًا في شبكة علاقاته مع دول الخليج. فمثلًا اتسمت علاقته مع قطر -صاحبة التفاعل الإيجابي مع ثورات الربيع العربي- بالحركة والنشاط. أما عن علاقته مع الإمارات؛ فقد عمل شيخ محمود على الموازنة بين التحديات الداخلية والخارجية، خاصةً في التعاطي مع ملفات شائكة، والتي منها النشاط والنفوذ الدبلوماسي الإماراتي الذي كان يتزايد بشكلٍ كبير في الصومال آنذاك. إلا أن العلاقة بين الجانبين قد تأثَّرت مع اتهام جهات صومالية الإمارات بالتدخل في بلادها والعمل على دعم أطراف لتصعيد الصراع الداخلي. وعلى الرغم من ذلك كانت علاقات شيخ محمود مع أبو ظبي توصف بـ”الممتازة”، لكن الإمارات لم يكن موقفها منه واضحًا؛ بسبب قربه من تيار إسلامي مرفوض إماراتيًا كالإخوان المسلمين. وبالنسبة لعلاقته مع السعودية؛ فبالرغم من أن العلاقات بين الرياض ومقديشيو قديمة، لكن الصومال عانى من تهميش سعودي لعقود طويلة دون أن يجد دعمًا حقيقيًا من الشركاء السعوديين.[10] وقد أبقى شيخ محمود علاقات الصومال هادئة ومبنية على التعايش والاحترام المتبادل، خاصةً مع دول الجوار. واتسع النفوذ التركي في البلاد خلال الولاية الأولى لشيخ محمود، لاسيما بعدما أسند لأنقرة عددًا من المشروعات على رأسها تطوير مطار العاصمة الذي حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان افتتاحه عام 2014، وإدارة ميناء مقديشو البحري.[11]

ثالثًا: التحديات التي ستواجه شيخ محمود خلال فترة رئاسته الثانية:

من المُتوقع أن تواجه شيخ محمود مجموعة من التحديات والأزمات الداخلية والخارجية، والتي عليه التصدي لها خلال فترته الرئاسية..

 التحديات السياسية:

والتي تتمثَّل في تحقيق التوافق السياسي؛ حيث كشفت الأزمة السياسية التي عاشها الصومال خلال العام الماضي عن عمق الانقسامات التي تشهدها الساحة السياسية الصومالية، بعد أن قرَّر الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو تمديد فترة ولايته وإقرار البرلمان لهذا التمديد في أبريل 2021. ورغم تراجعه عن هذا القرار تحت ضغط الاحتجاجات والمعارضة ورفض المجتمع الدولي، إلا أن الأزمة السياسية التي تفاقمت بين الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء حسين روبلي قد زادت من التجاذبات وخلقت حالة من الاستقطاب على مستوى الولايات والمؤسسات الرسمية كان لها آثار خطيرة على الاستقرار في البلاد. وكان أحد أهم الملامح المعبرة عن الأزمة بين الرئيس فرماجو ورئيس وزرائه حسين روبلي حدوث بعض الانشقاقات داخل الجيش الصومالي لدعم طرف على حساب الآخر، حيث استخدم الرئيس فرماجو الجيش الذي يضم مختلف العشائر الصومالية لمواجهة المعارضة. كما أدَّت الأزمة إلى زيادة هشاشة الحكومة التي أصبحت على حافة الهاوية بعد أن استهلكها الصراع بين الرئيس ورئيس الوزراء للسيطرة على وكالة المخابرات والأمن الوطنية. كما تنتظر شيخ محمود مهمة أخرى أكثر صعوبة تتعلق بمحاولة جذب الولايات الفيدرالية نحو المركز، حيث جاء تشكيل النظام الفيدرالي في البلاد متناغمًا مع مصالح بعض القوى الإقليمية (إثيوبيا وكينيا) وكذلك القوى الاستعمارية، إلا أن هناك العديد من الولايات التي تتعامل على أنها دولة مستقلة وترفض التجاوب مع الحكومة المركزية وتصيغ علاقاتها مع كينيا وإثيوبيا على حساب المصالح الصومالية. ويترتب على ذلك صعوبة استكمال الدستور المؤقت في البلاد، فعلى مدار تسع سنوات فشلت الكتل السياسية داخل البرلمان الاتحادي في تحقيق هذه المهمة للحد من الخلافات الدستورية بين مؤسسات الدولة على ضوء المصالح الضيقة للولايات، حيث يُعوِّل الكثيرون على البرلمان الاتحادي الحادي عشر الذى تم انتخاب أعضائه مؤخرًا في أبريل 2022 للقيام بهذه المهمة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد وكذلك إنشاء المحكمة الدستورية التي تختص بالفصل في مدى دستورية القوانين والمراسيم الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية والنزاعات بين الحكومة والولايات الفيدرالية المحلية.[12]

 التحديات الاقتصادية:

وعلى رأسها أزمة الجفاف؛ حيث يواجه الصومال ومنطقة القرن الإفريقي بأكملها، موجة من أشد موجات الجفاف حدة منذ أربع عقود. وقد حذَّر جيمس سوان المُمثِّل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة الصومال (UNSOM)، مجلس الأمن مؤخرًا من أن حوالي 7.7 مليون صومالي يحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام، منهم 4.3 مليون متأثر بالجفاف وأكثر من 270 ألف نازح. كما أجبر النقص الحاد في المياه العائلات على الهجرة إلى المراكز الحضرية وشبه الحضرية، مما أضاف إلى 2.9 مليون شخص نزحوا بالفعل بسبب الصراع وتغير المناخ، وارتفعت أسعار المياه في بعض المناطق الأكثر تضررًا بنسبة تصل إلى 72%. وقد أشار سوان إلى أن خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية للصومال ممولة حاليًا بنسبة 2% فقط، وكرَّر دعوته للمانحين لزيادة دعمهم.[13]

 التحديات الأمنية:

والتي تتمثَّل في تصاعد عمليات حركة الشباب؛ فعلى الرغم من أنه يُنسب للرئيس شيخ محمود الفضل في طرد حركة الشباب من بعض البلدات خلال فترة رئاسته الأولى، إلا أنه فشل في توجيه ضربة قاصمة للمسلحين الذين يسيطرون الآن على مناطق من الصومال ويقومون بعمليات ابتزاز مربحة. كما أن تراجع العمليات النوعية، والقصف الجوي اللذين كانت تنفذهما القوات الأمريكية (أفريكوم)، وتقليص أعداد القوات الإفريقية استعدادًا لإنهاء مهمة هذه القوات التي تعمل في الصومال منذ عام 2007 وتسليم مهام حماية مؤسسات الحكم والمدنيين ومكافحة الإرهاب للقوات المسلحة والشرطة الصومالية، التي لا تزال في طور التدريب، وكذلك مع استمرار مصادر التمويل الذاتي للحركة، حيث تسيطر على المناطق الزراعية ومناجم التنقيب عن المعادن وتحصل على الأموال من السكان في صورة ضرائب وزكاة، كل ذلك مكَّن الحركة من السيطرة على مناطق واسعة جنوب ووسط البلاد، هذا فضلًا عن أن تصاعد التوترات السياسية في البلاد منذ الإعلان عن تأجيل الانتخابات البرلمانية في عام 2018 شجَّع الحركة على زيادة عملياتها بل واسترداد بعض المدن التي فقدتها خلال معاركها ضد القوات الحكومية المدعومة من القوات الإفريقية وفى بعض الأحيان دون مقاومة من القوات الأمنية في هذه المدن، وكثفت الحركة عملياتها ضد القوات الإفريقية. ويبدو أن القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في بداية مايو الجاري، بنشر المئات من قوات العمليات الخاصة مرة أخرى داخل الصومال، يعكس التهديدات التي باتت توجهها الحركة سواء على المصالح الدولية أو الإقليمية، كما وافق بايدن على طلب البنتاجون بصلاحية دائمة لاستهداف حوالي عشرة من القادة المشتبه بهم في حركة الشباب. ومن ناحية أخرى، قرر الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والحكومة الصومالية أنه في 1 أبريل 2022، يتم استبدال بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال ببعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS). وستعمل البعثة الجديدة حتى نهاية عام 2024، وبعد ذلك سيتم تسليم جميع المسئوليات إلى قوات الأمن الصومالية.[14]

 التحديات الخارجية:

الأطماع الإقليمية في الصومال تُمثِّل تحدٍّ كبير لمقديشيو؛ فمن ناحية مخاوف من احتمال شن أديس أبابا عملًا عسكريًّا ضد جمهورية أرض الصومال التي تطالب مقديشو بالسيادة عليها، ويُتوقع أن يحظى الإثيوبيون بدعم بكين في حال غزوهم للإقليم الحليف لتايوان، وهو تحدٍّ لا يُمكن لمقديشو أن تعتبر نفسها غير معنية به. ومن ناحية أخرى النفوذ التركي الذي تزايد في عهد فرماجو في الدولة التي تضم أكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج حدودها، حيث واصلت أنقرة تدريب وتسليح الجيش الصومالي. وكذلك تمتُّع الصومال بعلاقات قوية مع الدوحة خاصةً في ظل تولي الصحفي السابق بقناة الجزيرة القطرية فهد ياسين رئاسة المخابرات الصومالية. وفي المُقابل ساءت علاقات الدولة مع الإمارات؛ حيث وقَّعت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقية مع إقليم بونتلاند المُتمتِّع بالحكم الذاتي لإدارة ميناء بوساسو، وهو ما رفضته الحكومة الفيدرالية الصومالية، وكذلك أبرمت الشركة الإماراتية اتفاقًا منفصلًا مع إقليم صومالي لاند لتطوير ميناء بربرة، كما تحتفظ أبو ظبي بقاعدة عسكرية في مطار بربرة، وتُدرِّب قوات أمن الإقليم غير المعترف به دوليًّا، بينما تطالب مقديشو بالسيادة على الإقليم المستقل فعليًّا منذ عام 1991. وفي 2018 صادر النظام الصومالي 9.6 مليون دولار أرسلتها الإمارات إلى جهات في الصومال، وتم إيداع المبلغ بالبنك المركزي، والعام الماضي تبادلت أبوظبي ومقديشو الانتقادات على خلفية سفر رؤساء بعض الولايات إلى الإمارات واتخاذهم موقفًا معارضًا ضد فرماجو، لكن في شهر يناير الماضي حاول رئيس وزراء البلاد، محمد حسين روبلي، إصلاح العلاقات مع أبوظبي فقدَّم لها اعتذارًا رسميًّا وأمر بالإفراج عن الأموال المُحتجزة وتسلَّم شحنة مساعدات من السفير الإماراتي في مقديشو، لكن الرئيس فرماجو أصدر أوامره للبنك المركزي بعدم إخراج المبلغ.[15]

رابعًا: مُستقبل الصومال في ظل رئاسة شيخ حسن محمود:

من المُتوقع أن يشهد الداخل الصومالي وطبيعة علاقاته وتحالفاته السياسية تغيرات خلال فترة رئاسته، فبوصول شيخ محمود للرئاسة من شأنه إنهاء فصول من التجاذبات السياسية عصفت باستقرار الصومال والذي بدأ يتعافى لتوه من تداعيات سياسية واقتصادية لحرب أهلية اندلعت إثر انهيار الحكومة المركزية عام 1991، ولعل الأداء السياسي للفترة الرئاسية السابقة لحسن شيخ محمود تشير إلى تغيرات قادمة في الصومال. ولعل الكلمة التي ألقاها فور فوزه في البرلمان توضح نهجه السياسي الجديد، فقد تعهَّد بالعمل على تقريب المسافات بين الصوماليين وأنه لن يحدث انتقام من أنصار النظام السابق، وأكد أنه سيقود البلاد وفق قوانين ودستور البلاد، وسيتم حل جميع الخلافات في دائرة القانون، معربًا عن سعيه فرض استقرار سياسي يخدم مصلحة الصومال.

 على المستوى الداخلي؛

سيكون على الرئيس حسن محمود إنجاز ملف تغيير النظام الانتخابي وإيصال الصومال إلى انتخابات رئاسية مباشرة، كذلك استكمال الدستور وعرضه على التصويت الشعبي لتحويله دستورًا رسميًا. أيضًا تحقيق قدر من الاستقرار الداخلي بالعمل على تحسين العلاقات بين الولايات والحكومة الفيدرالية التي تدهورت بشكل كبير خلال الفترة الماضية بسبب سياسيات فرماجو، والعمل على تعزيز العلاقة بين البرلمان والحكومة من أجل الوصول إلى جو توافقي يتيح إنجاز الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية للصومال خلال الفترة المقبلة. وكذلك التعامل مع ملف حركة الشباب والذي تمكن من تحقيق انتصارات عليها خلال سابق رئاسته للصومال ويُتوقع أن تشهد رئاسته مواجهة معها وبدعم دولي، ولعل بادرة الولايات المتحدة الأمريكية بتصديق الرئيس بادين على إعادة إرسال جنودها إلى الصومال لمواجهة حركة الشباب وفور اكتمال العملية الانتخابية الرئاسية ومتراجعًا عن قرار سلفه دونالد ترامب، وبما يشير إلى التعاطي الأمريكي مع نتائج الانتخابات الصومالية وأن الفترة القادمة قد تشهد المزيد من التنسيق تجاه مواجهة التحديات الإرهابية ليس في الصومال فقط بل في منطقة القرن والشرق الإفريقي والتي كان عدم الاستقرار في الصومال أحد العوامل الداعمة على استفحالها وتهديدها للمنطقة.[16]

على المستوى الخارجي؛

فيُعتقد أن السنوات القادمة قد تشهد تغييرًا كبيرًا في سياسات الصومال الخارجية، يبشِّر بذلك الفترة الأولى لرئاسة الرئيس الحالي.

فبالنسبة للدول العربية؛

كان شيخ محمود مُتكيِّفًا مع جميع الدول العربية خلال فترة ولايته الأولى، ولن يكون من الصعب عليه إقامة علاقة عمل مع الدول العربية. وبالتالي تكمن أهمية هذه الانتخابات في الكيفية التي ستغير فيها هذه النتيجة العلاقات بين الحكومة الصومالية ودول الجوار الجغرافي خاصةً دولتي إثيوبيا وكينيا وبعض الدول العربية، فخلال السنوات الخمس التي قضاها الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو في السلطة لم تكن للصومال علاقة جيدة بالعديد من الدول العربية وقد وضح تصويت الصومال في العديد من القضايا العربية التي تولتها جامعة الدول العربية طبيعة الارتباطات الخارجية للصومال خاصةً تجاه التوافق مع السياسات القطرية تجاه مثلًا الرباعي العربي الذي تكوَّن لمواجهة هذه السياسات في المنطقة. وستشهد الصومال تفاعل عربي مع سياسات الرئيس الجديد سواء من دول الخليج أو مصر، حيث بالنسبة لمصر فإن موقع الصومال الاستراتيجي كمدخل على البحر الأحمر، وعلاقاته بالجوار الجغرافي خاصةً دولة إثيوبيا، بالإضافة إلى التواجد التركي النشط هناك والذي تعتبره مصر مُهدِّدًا للمصالح المصرية سيؤدي إلى اهتمام مصري بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتعاطي معها إيجابيًا.[17]

وبالنسبة للقرن الإفريقي؛

فمن المُقرر أن تؤدي عودة حسن شيخ محمود كرئيس للصومال إلى إعادة تشكيل علاقة الدولة التي مزقتها الحرب مع إريتريا وإثيوبيا المجاورتين، مع تداعيات بعيدة المدى في منطقة القرن الإفريقي. فبينما أقام فرماجو علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ساد التوتر بينه وبين حكام منطقة تيجراي شمال إثيوبيا، الذين خاضوا حربًا مع قوات آبي وحلفائه الإريتريين من أواخر عام 2020 حتى الاتفاق على الهدنة في مارس. وربما يشجِّع تحوُّل السلطة في الصومال التيجراي، الذين يفكرون في مهاجمة العاصمة الإريترية أسمرة، ومن شأن ذلك أن يفتح صفحة جديدة في الصراع الإثيوبي، الذي أودى بحياة الآلاف حتى الآن. وما يدعم ذلك في وجهة نظر البعض ما كتبه رئيس تيجراي ديبريتسيون جبريمايكل إلى شيخ محمود فور ظهور النتائج يهنئه على فوزه، ويعرب عن “استعداده للتعاون في الاستقرار الشامل للمنطقة، بناءً على العلاقات الممتازة الموجودة مُسبقًا”. وما قاله غيتاتشو رضا، أحد كبار زعماء تيجرايين، في تغريدة على موقع تويتر عن الانتخابات الصومالية إن “طموح أسياس الفرعوني في القرن الإفريقي يتفكَّك بلا ريب”. وكذلك حضور شيخ محمود الذكرى الأربعين لجبهة تحرير تيجراي الشعبية في أديس أبابا في عام 2015. وبالرغم من كون شيخ محمود لن يرغب في معاداة إريتريا، إلا أنه بشكلٍ عام، من المؤكد أن أسياس فقد صديقًا في مقديشو. وبينما كانت تكافح الحكومة الصومالية تمردًا لجماعة الشباب منذ عام 2006؛ فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على إريتريا عام 2009 لدعمها المتشددين. وساعد توقيع اتفاقية أمنية ثلاثية بين البلدين وإثيوبيا في عام 2018 على تخفيف التوترات، ومكَّن إدارة أسياس من نشر ضباط استخبارات إريتريين في الصومال وإثيوبيا، مما منحها موطئ قدم مهم في المنطقة. وربما يشير انتخاب محمود إلى نهاية الانفراج وتقليص نفوذ أسياس، مما يعني أن الاتفاق الأمني ​​الآن ربما يصبح ثنائيًا.[18] أما عن آبي أحمد؛ فقد قال على تويتر إنه يتطلَّع إلى العمل عن كثب مع القيادة الصومالية الجديدة “بشأن المصالح الثنائية والإقليمية المشتركة”؛ الأمر الذي قد يُخفِّف من حدة التوتر حاليًا بين إثيوبيا وصوماليلاند حول ما أُثير مؤخرًا عن استعداد آبي أحمد لانتزاع ميناء زيلع، وهو ميناء خامل، شمال جمهورية صوماليلاند، على بعد نحو 17 كيلومتر من حدود جيبوتي. والذي بدأ مؤيدو رئيس الوزراء الإثيوبي الترويج لسابقة تعود لقرون مضت، عندما كان الميناء يخدم مدينة هرار الإثيوبية.[19] الأمر الذي تمَّت إثارته في محاولة لشغل الداخل والخارج عن الأزمات الداخلية في إثيوبيا. وبالنسبة لكينيا؛ فقد لقيت هزيمة فرماجو -الذي اشتبكت مع إدارته بشأن حقوق المربعات النفطية ونهجها في التعامل مع حركة الشباب- ترحيبًا هناك.[20]

خامسًا: موقف الإخوان المسلمين من فوز شيخ محمود وتوصيات للمؤسسة:

تُعد أحد أهم النقاط التي تميز حسن شيخ محمود الرئيس الجديد للصومال؛ انتماؤه السابق لجماعة الإخوان المسلمين، ولذا فمن الضروري إلقاء الضوء على موقف الجماعة من فوزه، مع رفع توصيات للمؤسسة..

الموقف الرسمي للجماعة:

أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيان تقدَّمت فيه بالتهنئة للرئيس الصومالي المنتخب حسن شيخ محمود، “على نيله ثقة أعضاء البرلمان الصومالي بغرفتيه، (مجلس الشعب ومجلس الشيوخ)، وتمنَّت له التوفيق والسداد في تحقيق ما يصبو إليه الشعب الصومالي، من سلام واستقرار وازدهار، ومقدرين له جهوده لجمع شمل الشعب الصومالي وتوحيد أطيافه بمنهجية إسلامية معتدلة وعمل سياسي دؤوب” -على حد قول البيان-. كما هنأت الشعب الصومالي “بهذا الانتقال السلمي للسلطة وتغليب الشورى والديمقراطية، آملين أن يكون هذا الحدث التاريخي نقطة تحول في مستقبل الصومال وشعبه وأن يكون مُنطلقًا للبلاد نحو الاستقرار والتنمية والإعمار”.[21]

توصيات للمؤسسة:

على الرغم من انتماء الرئيس حسن شيخ محمود السابق لجماعة الإخوان، ودعمه المعروف لتطبيق الشريعة الإسلامية؛ إلا أنه ليس من المُناسب قيام الجماعة بخطوات تقارب مُعلنة مع النظام الصومالي الآن، لاسيما في ظل ما يمر به الصومال من أزمات داخلية وخارجية على الرئيس الجديد التعامل معها، وفي ظل تضارب المواقف الإقليمية والدولية من التعامل مع الجماعة، وما يعصف بها من أزمات وانقسامات داخلية. ولكن يُمكن للجماعة تقديم الدعم لنظام الرئيس شيخ محمود وتحقيق التقارب مع النظام الصومالي بشكل غير مُعلن عن طريق الدعم الاقتصادي للصومال، سواء من خلال الاستثمارات أو العمل الخيري، لمواجهة التحديات العاجلة خاصةً موجة الجفاف الحالية، ومحاولة دفع استثمارات إخوانية في المناطق الآمنة بشكلٍ مُنظم، فالصومال يمتلك موقعًا استراتيجيًا ويتمتع بموارد طبيعية عديدة خاصةً الثروة الحيوانية التي يُمكن العمل على الاستثمار فيها. وكذلك المساعدة في إعادة التأهيل للكوادر الصومالية في قطاعات التعليم والصحة والقطاعات الأخرى عن طريق الكوادر الإخوانية، والمؤسسات التنموية التابعة للجماعة والمُنتشرة في إفريقيا.

الخُلاصة؛

التوترات السياسية وحالة الاستقطاب التي يشهدها الصومال منذ عام 2021 تُهدِّد المكاسب التي تحقَّقت خلال السنوات السابقة، وتظل المهمة الأصعب للرئيس الصومالي الجديد هي تجميع الفرقاء وتوحيد النخبة السياسية على أولويات المصالح الوطنية الصومالية، والاعتماد على أصحاب الرأي والسياسيين المحترفين. إذ لن تأتى تسوية الأزمة السياسية في الصومال من خارج البلاد، حتى تبتعد الصومال عن سياسات المحاور الإقليمية التي تعرَّضت لها في إطار تصفية الحسابات بين عدد من القوى الإقليمية وكذلك السياسات التوسعية لبعض الدول خلال السنوات الأخيرة. كما تمر العديد من دول الجوار الصومالي بمشكلات داخلية تستبعد وضع قضية الاستقرار الداخلي في الصومال ضمن أجندة تحركاتها الخارجية، إلا بالقدر الذي يُحقِّق مصالح هذه القوى في المقام الأول ويحميها من التهديدات الناجمة عن انتشار الفوضى في الصومال. وعلى المستوى الدولي، يبدو أن القوى الدولية المختلفة تعيد حساباتها فيما يتعلق بمبادرات تحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب في الصومال، إلا أن هذه القوى ذاتها لديها أجندات عمل كثيرة في مناطق أخرى من العالم مما يغلف تحركاتها إزاء الصومال بالكثير من التردُّد، ويُفقد هذه التحركات الاستمرارية والجدية في التعامل مع التحديات والتهديدات التي تُحيط بهذه الدولة.

ويُمكن القول إن الرئيس الجديد حسن شيخ محمود كان الأنسب أمام البرلمان في ظل تلك التفاعلات، حيث يُعتبر شخصية برجماتية له علاقات جيدة مع الجميع. وتميَّزت فترته الأولى بعلاقات غير مُتأزمة، فلم يتخذ سياسة المحاور والاصطفافات التي ميَّزت فترة الرئيس محمد عبد الله فرماجو. كما اتسمت فترته السابقة ببناء المؤسسات الفيدرالية وإرساء قواعد البيانات الحكومية، التي شابتها بعض التوترات، إلا أنه يحمل لغة تصالحية أفضل من سلفه. وهو ما ظهر في شعار حملته الانتخابية “صوماليون متصالحون مع بعضهم، وصومال متصالح مع العالم”، الشعار الذي يعكس رغبة النخب الصومالية بإنهاء حالة الاستقطاب السياسي الذي كان بعهد الرئيس فرماجو. وعلى الرغم من الخلافات الشديدة المُتسبِّبة في تأجيل العملية الانتخابية عن مواعيدها المُحدَّدة نتيجة سعي كل طرف لتحقيق الهيمنة على البرلمان ليُمهِّد له ذلك الفوز بكرسي الرئاسة، والأخطاء التي شابت الانتخابات؛ فإن تقبُّل نتائجها بات أمرًا ضروريًا، لأن البديل هو الفوضى والمواجهة المسلحة. فالظروف الصعبة التي تعيشها البلاد -من أزمة اقتصادية وموجة جفاف وتردِّي أمني- يصعب تحمُّلها في ظل استمرار تأخر الانتخابات لفترة أطول.

 

 

[1] “بعد عام من التأجيل الصومال تنظم الأحد انتخاباتها الرئاسية”، France 24، 14/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/BoIpn

[2] أسماء عادل، “انفراجة سياسية… انتخاب حسن شيخ محمود رئيسًا للصومال”، المرصد المصري، 16/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/3ElYL

[3] قاسم سهل، “بعد طول انتظار وبطريقة فريدة.. هكذا ستجري الانتخابات الرئاسية في الصومال”، الجزيرة نت، 14/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/HAqmy

[4] “انتخابات الصومال.. 39 مرشحا يتنافسون على “كرسي الرئيس””، عربية Sky News، 14/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/ugqDs

[5] معاوية فارح، “رئاسة حائرة بين 9 وجوه.. أبرز مرشحي انتخابات الصومال”، العين الإخبارية، 11/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/TUk2m

[6] د. حمدي عبد الرحمن حسن، “وداعا فرماجو”، فيس بوك، 16/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/9gwtg

[7] معاوية فارح، مرجع سبق ذكره.

[8] د. رأفت محمود، “دلالات فوز شيخ محمود برئاسة الصومال”، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، 21/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/idtqR

[9] نور جيدي، “للمرة الثانية.. حسن شيخ محمود رئيسًا للصومال”، القدس العربي، 16/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/N7hZD

[10] يوسف حمود، “بعد فوزه.. كيف كانت حقبة رئيس الصومال مع الخليج بولايته الأولى؟”، الخليج أون لاين، 16/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/qpqFz

[11] إسلام المنسي، “الصومال: تغيير الرئيس لا يغيّر المشهد كثيرًا”، إضاءات، 21/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/MVOEO

[12] د. أميرة محمد عبد الحليم، “انتخاب شيخ محمود.. مرحلة جديدة من مواجهة التحديات فى الصومال”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 18/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/wn0J8

[13] د. أميرة محمد عبد الحليم، مرجع سبق ذكره.

[14] د. أميرة محمد عبد الحليم، مرجع سبق ذكره.

[15] إسلام المنسي، “الصومال: تغيير الرئيس لا يغيّر المشهد كثيرًا”، مرجع سبق ذكره.

[16] د. رأفت محمود، مرجع سبق ذكره.

[17] د. رأفت محمود، مرجع سبق ذكره.

[18] Simon Marks, “Power Play Shifts in Horn of Africa as Somalia Elects New Leader”, Bloomberg, 17l5l2022. At: https://cutt.us/9tW4m

[19] “هل تستعد إثيوبيا لشن حرب على «أرض الصومال»؟”، الشرق الأوسط، 7/1/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/45wjk

[20] Simon Marks, Loc. Cit.

[21] “جماعة ” الإخوان المسلمون “تهنئ الرئيس الصومالي المنتخب حسن شيخ محمود”، إخوان أون لاين، 16/5/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/fc7oQ

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022