المثقفون هم من يخاطبون العقل ويحركون الوجدان وينتجون الأفكار، وهم يقفون دوما تحت راية التغيير، ينحازون الى الشعوب، لحقها في الحياة، وحقها في المعرفة، وحقها في الحلم. فالمثقف كما وصفه زكي نجيب محمود، هو (رجل بضاعته أفكار يريد أن يغير بها وجه العالم)، فهو منشغل دوماً بالسعي لتغيير المجتمع نحو الأفضل، بعكس السياسي المنشغل بتبرير وتكريس ما هو كائن. وهذا يعني أن المثقف ليس من يقرأ الكتب ويجمع المعلومات، لكن من يعيش هموم وقضايا مجتمعه. (1)
فكأن المثقفون دوما – وهذه رسالتهم –سببا في انعتاق الشعوب من أسر الجهل والخوف والقهر، من التخلف والتبعية والمرض، فكانوا عونا للشعوب على حكامهم ان ظلموا وتعسفوا. يفعل المثقف ذلك دون تعالٍ او فرض وصاية او قبض ثمن. بمعنى أن القيم تكون حاضرة عند المثقف، حتى يستطيع ممارسة دروه في الحياة. فهذه ثلاثية تلازم المثقف الحق، (اقتراب من الناس وابتعاد عن السلطان وحضور في القيم). والمثقف دوما على تماس مع السلطة، اما على سبيل المواجهة، او على سبيل التعايش الحركة في منطقة آمنة، او خادما في بلاط السلطة.
على خط التماس هذا، نرصد “ثلاثة” تباينت مواقفهم من السلطة ومن رسالة المثقف كذلك.. فنتحدث عن مثقف في بلاط السلطة (محمد حسنين هيكل)، ونتحدث عن مثقف تعايش مع السلطة دون اصطدام معها (نجيب محفوظ)، وعن آخر كان هو المثقف الثائر صاحب الرسالة، (سيد قطب)..
الثقافة عند ضباط يوليو
كان نظام ضباط يوليو يقوم بالأساس على حشد الجماهير وتوجيههم، أكثر من مخاطبتهم بلغة المصلحة، فأدركوا حينذاك أهمية قلم الكاتب ولسان المثقف وآداء الممثل وكلمات المطرب. لذا كان ضباط يوليو حريصين على السيطرة على هذا القطاع وعلى أفراده، وكان المثقفون بالتبعية – الا قليل – حريصين كذلك على التقارب مع رجال السلطة الجدد، لغير واحد من الأسباب..
تلك كانت فلسفة الحكم التي تبناها عبد الناصر طوال فترة حكمه، كما عبر عن ذلك في “فلسفة الثورة“حيث كان يرى ان الجيش هو الجزء الوحيد المنظم في المجتمع، وهو الذي يمكنه بل يجب عليه قيادة مصر لإخراجها من محنتها. وقدم ناصر هذا الدور القيادي للجيش باعتباره آمرا مؤقتا، حتى يكتسب المصريون الصفات التي تسمح لهم بالتصرف بشكل ناضج! (2)
السيطرة على الثقافة والتوجيه فى مصر
فلأول مرة في تاريخ مصر يتقلد منصب رئيس تحرير مجلة التحرير عقب انقلاب يوليو 1952م مباشرة ثم وزارة الثقافة لأربع سنوات متوالية ضابط عسكري ممن اشتركوا في انقلاب يوليو وهو ثروت عكاشة، وقد استمر توزيع المناصب المفصلية بما فيها وزارة الثقافة على الموالين للحكم العسكري في مصر آنذاك وحتى اليوم، وكان على رأس هؤلاء المنظرين للناصرية عرابها الأول محمد حسنين هيكل الذي تشير بعض الروايات إلى أنه المؤلف الحقيقي لكتاب “فلسفة الثورة” المنسوب لعبد الناصر
المثقفون والسلطة تباينت مواقف المثقفين ازاء ممارسات نظام عبد الناصر بحق الوطن والانسان، فمنهم من رفض تلك الممارسات ولم يتكلم، ومنها من رفضها وناضل من اجل تغييرها فدفع الثمن، ومنهم من تعايش معها، ومنهم من قبل أن يكون أداة من أدواتها.
مثقفون.. في بلاط السلطة
وهؤلاء كانوا على تفاوت بينهم حسب اقترابهم من السلطة وخدمتهم له، ويأتى على رأسهم الكاتب محمد حسنين هيكل، والكاتب توفيق الحكيم وآخريين..
لا نستطيع ان نصف العلاقة بين هيكل وبين عبد الناصر، بأنها كانت علاقة بين تابع ومتبوع. فقد كان هيكل يتمتع بمواهب فطرية ودأب ونشاط واضحين بالإضافة لمواهب الكتابة ومهارات الصحفي، ولا شك أن عمله مع أحد عمالقة الصحافة في ذلك الوقت محمد التابعى، اكسبته الكثير من تلك المهارات. وربما لم يكن العيب في إلتقاء الصحفى النابه برجل السلطة، لكن المشكلة تبدأ عندما تأتى لحظة تتعارض فيها موقفه لدى السلطة مع دوره ووظيفته تجاه قارئيه ومتابعيه، هيكل لم يكن ينافق عبد الناصر، لكن كان يبرر ويجمل جرائمه دائما، كانت عنده القدرة على أن يقول الشئ ونقيضه دوما.
يحكى هيكل في كتاباته عن علاقته بعبد الناصر كيف بدأت فيقول في كتابه “بين الصحافة والسياسة”: “كان عبد الناصر قد زارني فى مكتبى أكثر من مرة فى أيام تصادف وجودى فيها بالقاهرة.. مرة جاء يسألنى عن الانقلابات السورية وما الذي يجرى فيها، ومرة ليسألنى نسخة من كتاب صدر لى وقتها عن أزمة تأميم البترول فى إيران بعنوان إيران فوق بركان.. ويوم حريق القاهرة كان قد نزل مع غيره من الضباط إلى شوارع العاصمة المشتعلة بالنار بعد أن عجز البوليس عن السيطرة على الموقف، ومن ثم اقتضت الأمور نزول الجيش”. (3)
ويتذكر هيكل الأيام التي سبقت ليلة 23 يوليو باعتبارها أياما لا تنسى فيقول: (يوم 18 يوليو كنت فى زيارة اللواء محمد نجيب ببيته، وفجأة دخل عبد الناصر ومعه عبد الحكيم عامر، فاجتمعا به وحدهما ثم خرجا وبقيت بعدهما بضع دقائق.. وعند خروجي وجدت الاثنين مرة أخرى وتواصل الحديث.. تحمست أثناء المناقشة وقلت لعبد الناصر ما معناه إن الجيش عاجز عن رد كرامته إزاء عدوان الملك عليه، ورد عبد الناصر بالتساؤل عما يمكن أن يفعله الجيش: أو ليست أي حركة من جانبه يمكن أن تؤدي إلى تدخل بريطاني يعيد فيه الملك فاروق تمثيل دور الخديوي توفيق ويعود فيه الجيش إلى مأساة عرابى؟ وتطوعت فقلت: إن الإنجليز لن يتدخلوا لأنهم لا يملكون وسائل التدخل. وأحسست أن عبارتى رنَّت جرساً في رأس عبد الناصر لأنه التفت إلىَّ وسألني عن الأسباب التي تدعوني إلى القول بذلك.. كيف أستطيع أن أقطع على هذا النحو بأن الإنجليز لن يتدخلوا، ورحت أشرح وجهة نظرى).
فهيكل هنا كان مصدر معلومات ثرى بالنسبة لعبد الناصر، بدأ الامر بينهما حوارا بين مثقف موسوعى وبين ضابط طامح.. لكن عندما ترسخت سلطة عبد الناصر، وعاين هيكل مقدار السخط الشعبى جراء سياساته الفاشلة، أخذ ينتقد الأدوات دون أن ينتقد من يمسك بها ويحركها، اى عبد الناصر نفسه. يقول هيكل: (كتبت مثلا عن ضرورة اندماج المثقفين فى الثورة وفى النظام لينتهى دور (أهل الثقة)، وطالبت بأن يكون (أهل الخبرة) هم أهل الثقة.. وكتبت أنه لابد أن يقوم أهل الثقة وأهل الخبرة بتوسيع دائرة معارف عبد الناصر، وناديت بالمجتمع المفتوح وبالديمقراطية.. وكتبت ضد تجاوزات بعض أجهزة السلطة وفى مقدمتها المخابرات.. وكتبت فى موضوع الحراسات وضرورة أن يظل الهدف هو تصفية امتيازات الطبقة، وليس تصفية أفراد الطبقة.. كتبت عن عدوان البيروقراطية فى الجهاز الحكومى والبيروقراطية الجديدة فى القطاع العام.. وكتبت عن ضرورة أن يلعب التكنوقراط دورهم فى التطوير.. وكنت قلقا وأنا أكتب عن خشيتى من أن يطوى أهل البيروقراطية القديمة أهل البيروقراطية الجديدة بدلا من أن يطوى الجدد القدامى، وهذا ما حدث فعلا حيث ابتلع القدامى الجدد.. ومثل هذه الكتابات كانت تسبب لى بعض المشكلات لكن جمال عبد الناصر لم يضق بها) (4)
كاتب خطب ناصر
ومع مرور الوقت، أصبح حسنين هيكل الصحفي المقرب من جمال عبد الناصر، فكان يكتب له كل خطاباته التي كان يلقيها على الشعب، وكان عبد الناصر يقول عنها: «هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقوله»، حتى أنه كان يزور«هيكل» في مكتبه في الأهرام. (5) كان هيكل يدرك لا شك ان عبد الناصر وانفراده بالسلطة واستبداده بها هو أساس تلك الإخفاقات التي مرت بها البلاد، لكنه آثر جوار السلطة على إنصاف الحقيقة، التي ربما لو قالها أو انتصر لها، لدفع ثمن ذلك سنوات من عمره في السجن، أو ربما اكتفى عبد الناصر آنذاك بطرده من حظيرة أتباعه..
هيكل والسيسى
كان المتصور ان مرور ستين عام (1952-2013) على انقلاب 52 كفيلة بأن يراجع هيكل نفسه، وقد رأى مآلات تجربة عبد الناصر التي كان أحد فرسانها، الا أن المستغرب أن الرجل حاول أن يمارس نفس الدور مع انقلاب 2013 والذي كان أكثر فحشا في استهداف أرواح الأبرياء وأكثر إجراما في استباحة الدماء والحرمات! فهو يصف قائد الانقلاب بأنه (مرشح الضرورة)، ففي انتخابات رئاسة مابعد الانقلاب 2014، وتعليقا على ترشح قائد الانقلاب لرئاسة الدولة، قال محمد حسنين هيكل: (مرشح الضرورة، وأن خلفيته العسكرية هي الأنسب لمصر.. إن السيسي قادم من المؤسسة العسكرية التي تعد المؤسسة الوحيدة القادرة على مواجهة المخاطر في اللحظة الراهنة، مؤكدا أنه لا توجد لديه أي حساسية من الخلفية العسكرية للسيسي، بل يراها هي الأنسب والأكثر ضرورة) (6)
وبعد المؤتمر الاقتصادى في ابريل 2015، انتقل هيكل الى درجة أعلى من توصيف قائد الانقلاب، اذ قال: (السيسي تحول خلال المؤتمر الاقتصادي من رئيس الضرورة إلى رئيس الاختيار، بعد النجاح الذي حققه المؤتمر الاقتصادي، ونجاح التنظيم، وثقة دول العالم في شخصه) (7)
لم يكن هيكل حالة فريدة في عالم الثقافة والمثقفين، بل كان يعبر عن ظاهرة انتشرت في عصر عبد الناصر وما تبعه من رجال تبؤوا السلطة في مصر. حيث ينظر العديد من الإعلاميين والمثقفين لمحمد حسنين هيكل على أنه نموذج رفيع للمثقف الموسوعى الناجح.
مثقفون.. إرتزقوا بالادب
كان أبرزهم نجيب محفوظ، وهو أكثر الادباء الذين تحولت رواياتهم الى انتاج تليفزيوني وسينمائي، واعتمد في معظم رواياته على اللغة الرمزية التي لايدرك كثير من الناس مغزاها الا بعد تأمل.. وهو أكثر من احتفى بهم نظام عبد الناصر ونشر لهم.. فعندما ثار الأزهر ضد رواية (أولاد حارتنا) التي صدرت فى سنة 1968، أصر عبد الناصر على نشرها كاملة في جريدة الأهرام، اليومية، بدل نشرها في مجلة أسبوعية! ثم هو بعد ذلك ينسى أو يتناسى كل الآلام والعذابات التي لقيها مصريون بل ومثقفون هو يعرفهم حق المعرفة، بل ويشهد لعصر عبد الناصر أنه (دولة عظمى)! يقول نجيب محفوظ: (أما نحن فلم يُنَكّل بنا، بل على العكس، فقد أغدق علينا كل ما يمكن إغداقه إنسان من تكريم.. وفي جزء من عهده – عبد الناصر – خُيل إليّ أنني أعيش في دولة عظمى)!! (8)
لقد اختار نجيب محفوظ أن يكون جزء من معركة عبد الناصر مع الهوية الإسلامية، فتحفل روياته بــ (القيم) المضادة للدين وبما يتفق مع التوجه الماركسى السائد في عهد عبد الناصر، وخاصة مشاهد الخيانة الزوجية والمرأة اللعوب والمرأة التي تفرط فى عِرضها وشرفها بسهولة! يظهر هذا في روايته (بداية ونهاية) فى نفيسة التي باعت نفسها كي تنفق على أخيها الضابط!! وفى روايته (اللص والكلاب) يبرر للمومس عملها، بل ويظهرها أنها الشخص الوحيد التي ساند الحق ووقف إلى جانب البطل!
في أحد حواراته التي جمعها ورتبها صبري حافظ في كتابه (اتحدث اليكم)، قيل لنجيب محفوظ (ان من يتابع أعمالك الفنية قبل الثورة وبعدها يكتشف بوضوح أنك كنت تميل إلى حزب الوفد قبل الثورة.. أما بعد الثورة فمن الواضح أنك أصبحت تميل إلى الفكر الماركسي، فالماركسيون في رواياتك هم الأبطال الشهداء وحاملوا الزهور الحمراء، وهم الذين يضيئون الحياة بنور الأمل في الظلمات) فيرد عليه نجيب محفوظ قائلا: (لقد شخصتني فأجدت التشخيص)! وقال في لقاء آخر مع مجلة اخر ساعة: (إني مناهض للرجعية، وإن المثل الأعلى الذي أحترمه هو الاشتراكية) (الشخصية وأثرها في البناء الفني لروايات نجيب محفوظ – نصر عباس – ص 29). (9)
معركة ناصر التي خاضها محفوظ
المرأة في أدب نجيب محفوظ إما مستسلمة مقهورة (مثل أمينة زوجة أحمد عبد الجواد في الثلاثية) أو منحرفة ساقطة، كحميــدة في (زقــاق المــدق) ونفيســة في (بدايــة ونهايــة) وكريمــة في (الطريــق) وكاميليا في (الشحاذ) ونور في (اللص والكلاب) وريري في (السمان والخريف)، والاستثناء النادر كانت (حمـاة بنـات سـي السـيد) فهـي امـرأة لهـا كلمتها، الا انها كانت اجنبية! ورجل الدين عنده اما شخص قذر أظافره سوداء كالطين (الشيخ توكل والشيخ طه) او شخص رث الثياب كركوب كما في (الثلاثية) او شخص جيد الملامح مهندم الثياب لكنه سلبي عاجز فاشل (الشيخ رضوان الحسيني في زقاق المدق)!! والسؤال الان ماذا استفاد الناس من روايات نجيب محفوظ التي اعتنى بنشرها نظام عبد الناصر وحولها الى اعمال تليفزيونية وسينمائية؟ ما الذي زاد في وعى الناس بحقيقة الكارثة التي تسببت فيها سياسات عبد الناصر وانفراده بالحكم؟ (10) لكن على جانب آخر، كان نموذجا آخر يُضرب به المثل في الاستقلالية والوفاء النادر لمبادئه.. كان يقف سيد قطب.
مثقفون رساليون
يأتي في مقدمتهم الاديب الثائر سيد قطب، الذي امتلك الى جانب أداة المثقف البليغ، الموقف، وتبعه في ذلك آخرون وان لم يكونوا على نفس الدرجة من القوة، مثل الروائى الاديب نجيب الكيلانى واحمد باكثير وآخرون. فقد قدم سيد قطب نموذج المثقف الذي يقف بعيدا عن السلطة، بالرغم من أنه كان متوجاً بينهم كمفكر للثورة وأحد باعثيها، يشهد على ذلك المكانة التي احتلها بينهم في نادى الضباط عشية نجاح حركة الجيش، وقدمه حينذاك للجمهور طه حسين…
المتتبع لنشاط سيد قطب الادبى، مثل نشاطه من خلال مجموعة الشعراء الرومانسيين في “دار العلوم”، و”جمعية أبولو الشعريّة”، و”دار نهضة مصر للنشر”، ومجلّة “الفكر المعاصر”، والإخوان المسلمون” وغيرها، سيكتشف أن سيد قطب كان مثقفا فاعلا ومحبا للاختلاط بالناس، كان يتردّد على أكثر الدوائر حيويّة في الحياة الثقافية المصرية (11)
لكن فى تطور لاحق، انتقل سيد قطب من ميدان الادب الى ميدان السياسة، حيث لم يكتفِ سيد قطب بالدعوة إلى الإسلام كحلّ سياسي واجتماعي لعلل مصر والعالم، ولكنه أيضاً ألقى بنفسه في سياسات المعارضة وأعاد صناعة شخصيّته كمثقف ثوري. وربما كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) يلقى الضوء على شكل هذا التحول.. وهو الكتاب الذي صدر لأول مرة عن “دار نهضة مصر للنشر” في 1949 ضمن سلسلة “هيئة النشر لخريجي الجامعات”، وأعيد طبعه ست مرات حتى موته عام 1966، وكان كتابه الأشهر والأكثر نجاحا وانتشارا. ويُعد هذا الكتاب امتدادا لكتابات قطب الأولى عن الإصلاح الاجتماعي، التي نشرت على وجه خاص في “مجلة الشؤون الاجتماعية” وهي المجلة الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي كان يتناول فيها بالأساس موضوع تحديث المجتمع، فتحدث عن العلم وعن التخلص من الاحتلال الانجليزى كشرطان اساسيان لمحاربة الجهل والتخلف. لكنه في هذا الكتاب أضاف شرطاً ثالثاً وربما كان هو الأول، وهو الدعوة إلى تحوّل ديني كشرط مسبق لنجاح أي إصلاح..
علاقة سيد قطب بضباط يوليو
تحدث عن هذه العلاقة الكثير، لكن نكتفى هنا بما كتبه أحد خصوم التيار الاسلامى، فحين تحدث عادل حمودة عن علاقة سيد قطب بالضبَّاط الأحرار وتأثُّرهم بسيد قطب قال: (ولابدَّ أن جمال عبد الناصر –الذي كان في مرحلة يُبَلْوِرُ فيها أفكاره وآراءه– قد شُدَّ إلى سيد قطب، إلى ذلك الرجل النحيل، خفيض الصوت، شارد العينين، الممتلئ ثقافةً ولباقة، وحماسًا لا نتصوَّر أن يفتر إلا بالموت، فكانت حوارات الحديقة في بيته في حلوان، وكانت مشاعر الودِّ، وكانت لحظات التفاؤل والمرح التي كانت تنتهي أحيانًا بضوء فلاش يلمع وسط الظلام، ثم يتلاشى بعد أن يكون قد أقنع عدسة كاميرا صغيرة بالتقاط صورة تذكارية، ثم صورة أخرى، فصورة ثالثة، تظهر فيها شخصيات قدِّر لها أن تغيِّر التاريخ فيما بعدُ، وعلى وجوه تلك الشخصيات كانت ابتسامة حلوة. في هذه الصور كان سيد قطب وبعض الضباط الأحرار، بينهم جمال عبد الناصر) ثم يتحدث عادل حمودة عن موقف سيد قطب من عبد الناصر فقال: (وقد شاء القدر –قبل مرور أقلَّ من ثلاث سنوات على التقاطها –أن يتحوَّل أبطال الصور من رفاق إلى خصوم، شاء القدر أن ينقسموا إلى فريقين، فريق خارج القفص، وفوق مِنَصَّة القضاء، وفريق آخر داخل القفص محاصَرٌ بأخطر الاتِّهامات. كان عبد الناصر على رأس الفريق الأول، وكان سيد قطب في قلب الفريق الآخر، شاء القدر أن تُلتقَط صور تذكارية أخرى، يختفي فيها الودُّ والتفاؤل والمرح، ويسيطر عليها الغيظ والموت والاعتقال، وبين النقطتين كان على سيد قطب أن يرى ويعيش وينفعل ويتغيَّر ويضيف لخبرته الإنسانية الكثير) (12)
ولربما كان سيد قطب الوحيد من أبناء جيله من الادباء الذي لم يخضع لجبروت عبد الناصر أو يسكت على ظلمه. فعباس محمود العقاد الذي كان يماثل سيد نفس القدر من الاعتداد بالنفس، وكانت له صولات وجولات امام الملكية، آثر السلامة والصمت أمام طغيان عبد الناصر. وكنتيجة لمواقف سيد قطب من نظام عبد الناصر انضمامه لجماعة الاخوان المسلمين فى عام 1953 والتى كانت أكبر جماعات التيار المدنى الساعية الى التغيير، دفع سيد قطب حياته فى سبيل مايؤمن به.. وبعد إعدامه على يد عبد الناصر فى عام 1966، تم أهالة التراب على كمفكر وأديب ثائر. فبرغم المكانة الأدبية الرفيعة لسيد قطب في التاريخ الثقافي المصري، الا أن محاولات محمومة جرت لتجريده من مكانته الثقافية ومحوه من التاريخ الأدبي المصري!
الأديب الثائر.. سيد قطب
قليل من المثقفين من تعامل مع الثقافة على أنها رسالة، فكان ضمير شعبه أمام طغيان السلطة وجبروتها، في فترة عبد الناصر التي شهدت انتهاكات واسعة لحقوق الانسان وكرامته، سقط كثير وثبت قليل القليل من المثقفين.. كان في مقدمتهم بلا منازع الاديب الثائر سيد قطب، أحد من وقفوا بقوة وشموخ تحت راية التغيير.
______________________
المصادر::
1) ثورة المثقف المهدور الذي يقول لا لعمليات التدجين المقبلة
https://bit.ly/35YHEZH
2) ثورة السيسي الثقافية
https://wapo.st/3srGZuR
3) “الزعيم” و” الجورنالجي”.. ثنائية الثورة والدولة والصحافة
https://bit.ly/3vaNq6x
4) المصدر السابق
5) https://bit.ly/3nfGEYR
6) هيكل: السيسي مرشح الضرورة
https://bit.ly/3vbauSI
7) هيكل: السيسي ليس مبارك وتحوّل من رئيس الضرورة إلى رئيس الاختيار
https://bit.ly/3aZLxTs
8) “تأميم” الثقافة في عهد عبد الناصر.. هل استفاد الإبداع من “المشروع القومي”؟ الاهرام – 26/7/2017
https://bit.ly/33RJ0E1
9) نجيب محفوظ المفتري علينا أم المفترى عليه
مجدي إبراهيم محرم – دنيا الوطن – 7/9/2006
https://bit.ly/3mYJcZx
10) تمثيلات المرأة والدين والسياسة في أدب نجيب محفوظ
مجلة إشكالات – تصدر عن معهد الآداب واللغات بالمركز الجامعي لتامنغست – الجـزائر
https://bit.ly/2VRbAAL
11) سيّد قطب: سيرة مثقّف
https://bit.ly/3cFW4TW
12) سيد قطب من القرية الى المشنقة – عادل حمودة
https://bit.ly/3J2u4pQ