كان الاستفتاء على مشروع الدستور هو الخطوة الثالثة في خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس التونسي، في كلمته التي وجهها للتونسيين، في 13 ديسمبر 2021، بعد 5 أشهر من انقلابه على دستور 2014[1]، وقد تضمنت هذه الخارطة 7 بنود، يهمنا منها: (1) مواصلة تعليق أعمال مجلس النواب إلى حين تنظيم انتخابات جديدة، (2) تنظيم “استشارة شعبية افتراضية” من خلال طرح أسئلة عبر منصة إلكترونية، تتزامن مع تنظيم “استشارات مباشرة”، وتعيين لجنة تتولى التأليف بين المقترحات المقدمة من المشاركين بخصوص النظام السياسي والدستوري والانتخابي. (3) تنظيم استفتاء على الدستور يوم 25 يوليو 2022. (4) تنظيم انتخابات لمجلس النواب، وفق القوانين الجديدة يوم 17 ديسمبر 2022[2].
ورغم أن خريطة الطريق التي أعلنها “سعيد” كانت تعني رفضه للحوار السياسي والاجتماعي، وفي المقابل؛ تشكيل لجنة لصياغة الإصلاحات الدستورية والسياسية يختار أعضاءَها بنفسه، وإجراء انتخابات تشريعية وفق رؤية جديدة تبدو قائمة على نظام الترشح الفردي وإقصاء القائمات الحزبية”[3]، إلا أنها استمرت في التحقق بمرور الوقت، ولم يبق منها سوى الانتخابات البرلمانية المقررة بعد 4 أشهر، ولم تنجح قوى المعارضة والمجموعات المناوئة لسياساته في عرقلة مساعيه لإعادة تشكيل النظام السياسي في تونس بصورة تقضي على كل مكتسبات الثورة في تونس.
في هذه السطور نتتبع ملامح التحول السلطوي في تونس، ونحاول أن نقف على الأطراف وخريطة القوى الداعمة لتحركات سعيد، خاصة أن الرجل ليس عسكرياً، ولم يتولى أية مناصب سياسية قبل توليه الرئاسة، ولم يعرف له أية نشاط سياسي، بالتالي كيف لرجل يقف وحده أن يجهض تجربة تحول ديمقراطي عمرها عشر سنوات ؟، كذلك نحاول الوقوف على ردة الفعل الشعبية المناهضة لـ “سعيد” ودلالاتها.
ملامح التحول السلطوي في تونس:
من خلال تسليط الضوء على ملامح خارطة التحول السلطوي التي يتبناها قيس سعيد، نريد أن نقف على أبرز سمات هذه الخطة ودلالاتها. ويفترض التقرير أن هناك تشابه كبير بين اجراءات التحول السلطوي الذي تشهده تونس، وإجراءات التحول السلطوي الذي شهدته القاهرة قبل سنوات، ويفترض التقرير كذلك أن هذا التشابه ليس مصادفة، ولم ينجم عن تأثر الرئيس التونسي بتجربة مصر في الثالث من يوليو 2013 وما بعدها، إنما هذا التشابه ناتج عن اعتقاد النخب السلطوية في كلا البلدين أن حدوث تحول سلطوي ناجح وإجهاض محاولات التحول الديمقراطي يستلزم عدة شروط، هذه الشروط هي:
- الاستناد إلى الشارع مباشرة: في تونس وقبلها في مصر عملت قوى الانقلاب على العودة للشارع مباشرة دون وسيط من مؤسسات أو إجراءات قانونية ودستورية متعارف عليها؛ وذلك بهدف شرعنة إجراءاتها الاستبدادية عبر إجراءات شعبوية –التفويض في مصر، والاستشارة الالكترونية في تونس- ما يمكنها من الحصول على شرعية سريعة ناجزة، ومن تجاهل أي صوت معارض لهذه الاجراءات ومناهض لها قد يظهر صوته لو جرى الاعتماد على إجراءات قانونية. كذلك فإن العودة للشارع من خلال إجراء شعبوي بدون ملامح واضحة يحول الشعب إلى “عصا موسى” التي يلقف بها كل مكتسبات الثورة والتحول الديمقراطي، فيتم استدعاء اسطورة الشعب عند كل إجراء سلطوي جديد يخالف الدستور والقانون وحتى حقوق الإنسان المتعارف عليها. في الحالة التونسية قرر الرئيس تنظيم استشارة الكترونية كي يتمكن من خلالها الوقوف على تصورات التونسيين بشأن شكل النظام السياسي الذي يريدوه.
والاستشارة الإلكترونية: هي جزء من ترتيبات المرحلة الانتقالية التي دعا لها الرئيس التونسي، وقد استمرت خلال الفترة من يناير 2022 وحتى 20 مارس من العام نفسه، وهي تشبه استبيان لآراء المواطنين حول تصوراتهم بشأن النظام السياسي والشأن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي. وقد عبئت الدولة وسائل الإعلام، واستنفرت الجهاز الإداري، وجندت فرق جوالة في القرى والمدن، وسخرت مراكز إعلامية ودور الشباب والثقافة، ومنحت مستخدمي الإنترنت مجانية الوصول إلى المنصة، مع السماح بمشاركة القصر للتشجيع على المشاركة في الاستشارة، مع ذلك فقد شهدت الاستشارة عزوفًا كبيرًا، ولم تتجاوز نسبة المشاركين فيها 5.9% من مجموع البالغين 16 عامًا فأكثر؛ وهي نسبة، على ضعفها، جرى التشكيك فيها[4].
وبحسب الخارطة الطريق فإن نتائج الاستشارة (5.9%) هي مرجعية الحوار الوطني، الذي كان من المرجح أن ينطلق مسفراً في النهاية عن صياغة دستور جديد، بمشاركة الجميع في صياغته، ومرجعيته هو رأي الشارع الذي عبر عنه في الاستشارة الالكترونية[5]، لكن ما حدث أن مخرجات الاستشارة التي لم يشارك فيها إلا حوالي نصف مليون تونسي واعتبرها الرئيس ناجحة ومعبّرة عن إرادة الشعب، لم تنشر أبداً، وبدأ الحوار الوطني لكن بدون أحزاب[6]. ما يعني أن الاستشارة كانت مجرد إجراء شعبوي الغرض منه شرعنة إجراءات وضعها هو بشكل مسبق.
- تفكيك المؤسسات المنتخبة والمستقلة: الخطوة المكملة لـ “خطوة الاستناد إلى الشارع مباشرة” كانت قرارات حل البرلمان، وحل المجلس الأعلى للقضاء، وحل هيئة مكافحة الفساد، وكل هيئة أو مؤسسة من شأنها تعرقل المسار السلطوي، وهي مكملة من جهة أن القوى الانقلابية لا تريد وجود مؤسسات ذات شرعية تنازعها احتكارها صنع القرار، أو تدخل معها في معركة على استقطاب الشارع، بالتالي تلجأ القوى الانقلابية إلى التخلص من المؤسسات المستقلة والمنتخبة المعبرة عن الشارع.
ينبغي هنا أن نشير إلى أن أحد أسباب فشل عمليات التحول الديمقراطي في بلادنا أنها كانت تعتمد فقط على الشرعية الانتخابية، ولم تترجم قوتها إلى ترتيبات أكثر استدامة، فكانت أولى خطوات أي تحول سلطوي هو حل هذه الهيئات المنتخبة المعبرة عن صوت الشارع ليعود الجميع بعدها إلى مربع صفر.
- الاستناد لشريعة البقاء للأعنف في مواجهة مناهضي الترتيبات الانقلابية: فقد “مُنعت الأحزاب المعارضة من القيام بأي دعاية ضد مشروع الدستور، واقتصرت الحملة التلفزيونية المُبْتسرة والتسجيلات الإذاعية على عدد محدود من الأشخاص والجمعيات والأحزاب المساندة”، وواجهت السلطات جميع التحركات المعارضة؛ المناهضة للاستفتاء، بعنف مفرط[7]، وقبل ذلك كان هناك تزايد مستمر في حدة القمع الأمني تزامن مع أتساع رقعة المعارضين للإجراءات السلطوية للرئيس التونسي، هذا القمع والممارسات غير القانونية طالت الجميع، برلمانيين[8]، ومسئولين سابقين في الحكومة[9]، وقضاة[10]، ونشطاء سياسيين، ومتظاهرين[11]. بالطبع لم يصل الأمر في تونس إلى مستوى ما حدث في مصر، ففي مصر بعد أن فككت الثورة المضادة مكتسبات ثورة يناير، ولجأت إلى إجراء شعبوي لشرعنة قراراتها من خلال اللجوء لـ “التفويض”، فإنها استندت إلى عنف غير مسبوق ضد مناهضيها في محاولتها لاستعادة السيطرة على الشارع.
من يقف وراء قيس سعيد:
يكتسب سؤال من يقف وراء سعيد جاذبيته انطلاقا من كون الرئيس التونسي ليس عسكرياً سابقاً، ولا حتى مسئولاً أمنياً، ولم يتولى أية مناصب في وقت سابق، فهو وصل إلى سدة الحكم على أكتاف الثورة، من ثم هو ليس محسوباً على قوى الدولة العميقة -كما هو حال السيسي في مصر- بالتالي هو وحيد ومنفرد فكيف له أن يتخذ هذه الاجراءات الانقلابية دون دعم من جهات داخل جهاز الدولة، يبدو هذه الاحتمال مستبعداً، أضف إلى ذلك أنه يصعب القول أن قرار سعيد بتجميد البرلمان وإقالة الحكومة وما تلاها من قرارات هي بنات أفكاره.
يبدو أن التأييد الشعبي للرئيس التونسي قيس سعيد، وسياساته، ليس في أفضل مستوياته، ولعل نسب المشاركة في الفاعليات المكونة لخارطة الطريق التي دعا لها من قبيل “الاستشارة الإلكترونية” و “الاستفتاء على الدستور” دليل على ذلك. لكن يبقى أن هناك مكون ما مؤيد لـ “سعيد” وسياساته[12]، بالطبع هو مكون ليست له ملامح محددة وواضحة، وعرضة للتغير المستمر مع كل ما يجد من أحداث وتفاعلات، لكن رغم عدم وضوح ملامحه إلا أنه موجود هلل لهذه السياسات وباركها.
كذلك حظي “سعيد” بتأييد مجموعات وأحزاب سياسية صغيرة، وبدعم حركة الشعب ومكونات حزبية أخرى لا تحظى بأيّ تمثيل برلماني أو دعم شعبي، كما تشكلت حوله بعض المجموعات والتنسيقيات التي تتحرك في الشارع لدعم مواقفه من ذلك “جبهة 25 يوليو، كذلك فقد أدى صمت نقابة الصحفيين، ورابطة حقوق الإنسان، على ممارسات سعيد وكثير من إجراءاته على تمادي الأخير وشعوره بثقة أكبر في المسار الاستبدادي الذي تبناه، أيضاً فقد ساند الاتحاد العام التونسي للشغل الرئيس بقوة ومنحته صكًا أبيض وأيدته في أغلب قراراته[13].
ومما يؤخذ في الحسبان أن اهتراء المنظومة الحزبية في البلاد في الفترة الأخيرة، وخروج الصراع السياسي عن إطاره الصحيح وبلوغه درجة ابتذال غير مسبوقة؛ كانت دعامة أساسية لمشروع قيس سعيد السلطوي. ولا يستبعد أن يكون هناك جهات ومسئولين أمنيين وعسكريين يدعمون سياسات الرئيس التونسي، وهناك أطراف وشخصيات أخرى تدعم سعيد رغبة في الامتيازات؛ خاصة أن الرئيس التونسي لا يمتلك حزبًا أو تنظيمًا قائم الذات له أن يُزاحمهم في المناصب والامتيازات المنتظرة[14].
على الصعيد الدولي، ستظل تونس تحظى بعلاقات جيدة مع حلفائها في الإقليم وعلى الصعيد العالمي؛ فعلى الرغم من إعراب واشنطن أكثر من مرة عن عدم ارتياحها حيال التراجع الديمقراطي في تونس، إلا أنها لن تضحي بعلاقاتها الأمنية مع هذه الأخيرة؛ ما يخلق فرصة للقوى المتنافسة لملء الفراغ، خاصة مع موقع تونس الاستراتيجي في شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ما يجعلها شريكا مهما للولايات المتحدة. بالتأكيد هناك ضغوط سياسية في واشنطن لدفعها لتقليص علاقاتها مع تونس رداً على التحول السلطوي هناك، لكن في الأخير فإن واشنطن ستضع أولوياتها الاستراتيجية في الحسبان عند تكييف موقفها من تونس[15]. وإن قلنا أن أمريكا مترددة في تحديد موق نهائي مما يجري في تونس، نجد أن فرنسا على العكس من ذلك تبدي قبولاً بما يجري وتأييداً له؛ فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف الاستفتاء على الدستور بأنه “مرحلة مهمة في عملية الانتقال السياسي الجارية”، كما “أكد على ضرورة استكمال الإصلاحات الجارية في المؤسسات في إطار حوار شامل مع احترام سيادة تونس”[16].
وقبل ذلك يتحدث مراقبين عن دعم واضح من قوى الثورة المضادة في (مصر، الإمارات، السعودية) للقرارات الانقلابية التي اتخذها قيس سعيد، وبتأييد فرنسي منذ البداية، وعن مساندة روسيا وإيران والصين الانقلاب منذ البداية، وإن كان بشكل هادئ وغير ظاهر، إلّا أن كواليس عديدة تؤكِّد أن الدعم الإيراني والروسي والصيني للانقلاب تجاوز مجرد الموقف الرسمي[17].
ردة الفعل الشعبية:
العزوف هي كلمة السر؛ (1) شهد الاستفتاء على الدستور في تونس ضعف شديد في الإقبال؛ إذ اختفت الطوابير من أمام مراكز الاقتراع، وغابت المظاهر الاحتفالية، وغاب الحماس، وطغى حضور كبار السن، في حين تراجعت أعداد الشباب. وقد أعلنت هيئة الانتخابات النتائج الأولية للتصويت مشيرة إلى أن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 27.54% من أعداد المسجلين، في حين لم تنزل نسبة المشاركة، في جميع الاستحقاقات الانتخابية السابقة، إلى 55% أو أدنى، كما أن 3% من المشاركين في الاقتراع صوتوا بـ “لا”، في حين صوّت 92% بـ “نعم”[18]. وقد هاجم الرئيس التونسي خصومه، ووصفهم بـ “الخونة” و”اللصوص”، وحملهم مسؤولية الوقوف وراء ضعف الإقبال على التصويت، واتهمهم بتوزيع الأموال على المواطنين لشراء ذممهم، وتحريضهم على مقاطعة الاستفتاء، والتنكيل بالشعب عبر قطع الماء والكهرباء والمواد التموينية[19]. (2) نفس الموقف اتخذه المواطنين في التعاطي مع الاستشارة الإلكترونية التي دعا لها الرئيس لتونسي، واستمرت أكثر من شهرين، وقد عبئت الدولة وسائل الإعلام، واستنفرت الجهاز الإداري، وجندت فرق جوالة في القرى والمدن، وسخرت مراكز إعلامية ودور الشباب والثقافة، ومنحت مستخدمي الإنترنت مجانية الوصول إلى المنصة، مع السماح بمشاركة القصر للتشجيع على المشاركة في الاستشارة، مع ذلك فقد شهدت الاستشارة عزوفًا كبيرًا، ولم تتجاوز نسبة المشاركين فيها 5.9% من مجموع البالغين 16 عامًا فأكثر؛ وهي نسبة، على ضعفها، جرى التشكيك فيها[20]. العزوف والتجاهل ومخاصمة المجال السياسي هي أبرز الآليات التي اعتمد عليها الشعبين المصري والتونسي في التعامل مع السلطويات قيد التشكل في بلادهم، ولعل ذلك يعود ولو جزئياً إلى غياب المؤسسات السياسية الوسيطة القوية والفاعلة التي تحوذ ثقة المجتمع وتستطيع ترجمة اختياراته وميوله إلى توجهات ومواقف وقرارات مقبولة شعبياً وذات صدى. ولعل ذلك هو سبب طول أعمار السلطويات في بلادنا وهو غياب المؤسسات الوسيطة القادرة على تمثيل مجتمعاتها والتصدي للنزعات الاستبدادية لدى نخب الحكم، أما سبب غياب هذه المؤسسات فهي كثيرة.
الخاتمة:
يبدو أن ثمة ملامح مشتركة بين تجارب التحول السلطوي في مصر وتونس؛ هذه التشابهات أملاها وحدة الهدف الذي تسعى له النخبة السلطوية الحاكمة في كلا البلدين؛ يتمثل هذا الهدف في إيقاف مسيرة التحول الديمقراطي، وتبديد كل مكتسبات التحول والثورة التي سبقته، وإقصاء وتصفية القوى المناهضة للحكم السلطوي والتي يمثل استمرار بقائها خطورة على السلطوية الحاكمة، وإخضاع الدولة للنخبة السلطوية الحاكمة وتحويلها إلى مجرد جهاز كبير تابع لرأس السلطة.
تحقيق هذه الأهداف يقوم على عدد من الاستراتيجيات، أشار التقرير إلى ثلاثة منها؛ وهي: (1) الاستناد للشارع مباشرة، باعتباره مجموعة من الافراد المتفرقين الذين لا ينضوون تحت كيانات تمثلهم وتعبر عن مصالحهم وتطلعاتهم، وفي نفس الوقت تسميتهم بالشعب هذا المخلوق الخرافي بدون ملامح الذي تستخدمه السلطة في تبرير وشرعنة كل سلوك غير مبرر أو مشروع. (2) تفكيك المؤسسات المستقلة داخل جهاز الدولة، في تونس مثلاً، هيئة مكافحة الفساد، المجلس الأعلى للقضاء، “مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”[21]، حتى يصبح جهاز الدولة مجرد جسد ضخم لكنه طيع في يد الحاكم، وتتحول الدولة من خلال هذه الخطوة من خادمة للمجتمع إلى معادية له. وكامتداد لهذه الخطوة يتم تفكيك المؤسسات المنتخبة وفي قلبها البرلمانات كونها أفضل ممثل لإرادة الشارع؛ حتى لا يكون ثمة من ينازع النخبة السلطوية ادعاءها احتكار تمثيل الشعب. (3) بعد أن يتم الاستناد للشارع باعتباره مجموعة أفراد، وتطويع جهاز الدولة للنخبة السلطوية عبر تفكيك المؤسسات المستقلة والمنتخبة، تكون الخطوة الثالثة هي تفكيك المؤسسات الوسيطة التي تقع بين المجتمع باعتباره أفراد، وبين الدولة باعتبارها القوة الوحيدة المؤسسة والمنظمة والمحتكرة لكل أوراق القوة، والخاضعة بشكل مطلق للحكم السلطوي، فتبدأ محاولات التخلص من الجماعات ذات الشوكة والأحزاب ذات الشعبية، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، ويكون ذلك من خلال أدوات قانونية، أو من خلال الشيطنة والوصم بالإرهاب وممارسة العنف، كما حدث مع جماعة الإخوان في مصر وغيرها من القوى الثورية النشطة، وكما يحدث في تونس مع حركة النهضة وغيرها من الأحزاب، وقد يطال مستقبلا الاتحاد العام التونسي للشغل في حال استمرار انفراد الرئيس سعيد بالأمر هناك. فالسلطوية لا تطيق وجود مؤسسات أو قوى فاعلة مستقلة. وفي مساعي الحكم السلطوي للتخلص من المؤسسات الوسيطة يجر الجميع إلى دوامة العنف، معتمداً فلسفة أن البقاء للأعنف، ويصبح العنف المتبادل وحالة الاستقطاب التي قد تصل حدود الحرب الأهلية هي الضمانة الوحيدة لبقاء سلطويات ما بعد الربيع العربي.
[1] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الاستفتاء على الدستور في تونس: السياق والنتائج والتداعيات، 28 يوليو 2022، في: https://tinyurl.com/2lnpksst
[2] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، خريطة قيس سعيّد: أتحلّ أزمة تونس أم تعمّقها؟، 21 ديسمبر 2021، في: https://tinyurl.com/2gfes64r
[3] المرجع السابق.
[4] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الاستفتاء على الدستور في تونس: السياق والنتائج والتداعيات، مرجع سابق.
[5] المرجع السابق.
[6] محمد رامي عبد المولى، تونس: قُضي الأمر الذي فيه تُستَفتون..، السفير العربي، 31 يوليو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2pj9s98c
[7] بسمة بركات، “الأمن التونسي يعنّف ويعتقل نشطاء في مسيرة رافضة لمشروع الدستور”، العربي الجديد، 22/7/2022، في:
[8] محسن أمين، توقيف نائب إخواني سابق.. التآمر على أمن تونس، عين الإخبارية، 3 أغسطس 2022، في: https://tinyurl.com/2k3j38ru
[9] منظمة العفو الدولية، تونس: يجب عكس مسار التراجع المقلق في وضع حقوق الإنسان في أسرع وقت، 21 يوليو 2022، في: https://tinyurl.com/2gozu37c
[10] عائد عميرة، سعيد “لا يتدخل في القضاء” وإنما يتحكم فيه، نون بوست، 2 يونيو 2022، في: https://tinyurl.com/2ereao6f
[11] عرب 48، تونس: تصاعد حدة القمع الأمني يكشف عُمق مأزق الرئيس، 24 يناير 2022، في: https://tinyurl.com/2ls2zkmv
[12] محمد رامي عبد المولى، تونس: قُضي الأمر الذي فيه تُستَفتون..، السفير العربي، مرجع سابق.
[13] نون بوست، من أين يستمد قيس سعيد جرأته وقوته لمواصلة انقلابه؟، 10 فبراير 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2n35jf49
[14] المرجع السابق.
[15] الخليج الجديد، محللون يستشرفون ما ينتظر تونس بعد الاستفتاء.. هل تتقلص المساعدات العسكرية؟، 11 أغسطس 2022، في: https://tinyurl.com/2gs4ev3e
[16] الخليج الجديد، ماكرون: استفتاء تونس مرحلة مهمة.. ويجب استكمال الإصلاحات، 9 أغسطس 2022، في: https://tinyurl.com/2on4mygk
[17] المختار غميض، المواقف والتقاطعات الخارجية في ظلّ الأزمة التونسية، نون بوست، 16 فبراير 2022، في: https://tinyurl.com/2fcrqxn7
[18] وليد التليلي، تونس… قيس سعيّد يسقط في فخّ صناديق استفتاء الدستور، العربي الجديد، 26 يوليو 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2g9hnxhs
[19] “رئيس الجمهورية قيس سعيّد وحرمه يدليان بصوتيهما في الاستفتاء على الدستور الجديد”، صفحة رئاسة الجمهورية التونسية، فيسبوك، 25/7/2022، في:
[20] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الاستفتاء على الدستور في تونس: السياق والنتائج والتداعيات، مرجع سابق.
[21] الشرق الأوسط، انقسام تونسي حول قرار سعيّد حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تاريخ النشر: 24 أبريل 2022، الرابط: https://tinyurl.com/2k9jk8ao